|
فضيلي جماع: برحيل الناظر علي نمر علي الجلة .. يترجل عن حصانه آخر كبار الفرسان !
|
برحيل الناظر علي نمر علي الجلة: يترجّلُ عن حصانِهِ آخر كبارِ الفُرسان!
لا يعرف سحر تلك الربوع إلا من وطئت قدماه رمالها الناعمة وأحراشها الصعبة. ولا يفهم شارات الفجر والغروب فيها إلا من جرّب الترحال ولو لساعة من زمان بين سهل يمتد كأنه الأبد.. يلوح في نهايته للظعائن نهر تحفه الخضرة ، وتملأ سماواته أسراب الإوز ورهط الغرانيق. هنا يكبر حجم القمر الناعس ، ويغدو حفيف أوراق شجر الجوغان والسدر والطلح، تحاوره وشوشة نبات البردي من شاطيء نهر أو بوطة (غدير) .. يبدو كل ذلك لغة تدخل القلب دون استئذان. وينهض الليل من سباته تحت أغنيات الصبايا وضرب أرجل الشباب للأرض في إيقاع العجكو والمردوم. من يفهم شارات الليل في هذه الربوع يعرف أن زئير الأسد القادم من فجاج بعيدة لا يعني سوى أن على الفرسان أن يناموا – عينا مغمضة وأخرى صاحية. ففي حوار الإنسان مع الطبيعة منذ القدم كانت القوة الرعناء تحاول أن تفل عزم الإنسان في أن يعمر الأرض. تنام الفرقان وتصحو مع طلوع الفجر على يوم جديد ‘ وحوار جديد بين الإنسان قاهر الطبيعة وصانع المستقبل. قبل ما يربو على القرنين ونصف القرن تقريباً وتحديدا في 1775م (حسب هندرسون) وفدت إلى هنا ظعائن المسيرية. كان هناك بالطبع بشر، بيد أنه لم يكن في الخارطة آنذاك ما يعرف اليوم بالسودان. كانت القبيلة هي الدولة. في تلك السهوب والفيافي جربوا أن يكون لهم وطن. ويمضي تاريخ طويل من الغارات والثارات مع جيرانهم تارة، وتارة أخرى يلين ظهر الأرض فتدوم حقب من التآلف وحسن الجوار.. بل والتراحم والمصاهرة. دهور تمضي وأجيال تعقبها أجيال. تتبدل سبل كسب العيش، ولكن الأرض تبقى ليعمرها الإنسان بكسبه وكدحه وعطائه. علي ظهر هذه البقاع عاشوا وفيها دفنوا عظماءهم ومن أنسام فجرها وهجعة لياليها نسجوا أروع قصص العشق. وفي هذه البقاع سجلوا بديهة أنهم شعب له ماض وحاضر ويحلم أطفاله بالمستقبل. ومن هذه البقاع انطلقوا على ظهور الصافنات الجياد للمشاركة في قيام اول دولة وطنية في تاريخ البلد القارة الذي نقف اليوم على مرمى ذراع من مصيره المجهول! كانوا أول من هرع لنصرة المهدي الإمام في قدير، فأطلق عليهم لقب (أبكار المهدية). ذهبوا معه إلى ام درمان وصنعوا الدولة ، وحين أزفت نهاية دولة المهدية عادوا أدراجهم إلى تلك الفيافي والأودية والأنهار والسهول. هنا وطنهم وإلى هنا يعودون. عشائر المسيرية إذن ليسوا (ام بررو) كما يحسب البعض ، وليسوا مخزناً لإفراغ المليشيات والموت المجاني الرخيص. عاشوا هنا ، حفظوا حق الجار إلى حد التمازج والمصاهرة. وها هم قد ودعوا بالأمس آخر فارس من جيل روضوا الأحراش وقهروا جبروت الطبيعة. بكته الأودية والفرقان كما تبكي الأم أغلى فلذات كبدها. ومن عرف الناظر علي نمر علي الجلة – الشقيق الأصغر لشيخ حكماء السودان الناظر بابو نمر – فقد عرف قبل كل شيء الشهامة والكرم وحماس إبن العشيرة لأهله إلى درجة لا تبلغ ذروتها حماسة. أذكر – وأنا طفل حدث- ضحكته الصافية تجلجل وهو يتبادل حديثاً طريفاً – فيما يبدو – مع سيدي الوالد –عليهما الرحمة. كان كل منهما ممسكاً بعنان جواده.. فارسين من زمن كانت فيه الفروسية زينة الرجل وجوهر ثقافة العشيرة. كان وجهه الوسيم وقامته الممشوقة تخلعان عليه هيبة، لكن بسمته المشرقة في أحلك الظروف تجعل من يقصده مطمئن البال إلى أن غرضه نصف مقضي إن لم يكن مقضياً كله. نستطيع نحن الذين عرفناه عن كثب أن نصف الناظر علي نمر علي الجلة بأنه إبن الشعب man of the people كما يقول الروائي النيجيري العالمي شينوا أشيبي. وإذا كانت شخصية الناظر بابو نمر تحفها أبهة السلطة ، ويزينها وقار الحاكم ، وإذا كان بعض هذا الطيع يضع حاجزاً وهمياً بين الإنسان العادي وزعيم القبيلة ، فقد كان الراحل المقيم علي نمر أنموذجاً للتبسط والأريحية التي تصل حد تبادل طرفة مع الشباب ممن يلاقونه في عرض الطريق ، أو مع سيدة عجوز وقفت لتحييه ، أو مع أطفال الحوش من أحفاده وحفيداته وأطفال وطفلات الجيران. وفي الناظر علي نمر علي الجلة خصلة هي أم الخصال. كان – رغم ما عرف به من شجاعة وبأس عند "الحارة" – رجلاً طيب القلب إلى درجة أنه يستعيد ابتسامته الجميلة أسرع مما يتصور خصمه الذي خاض معه حديثاً يجر المتحاورين إلى الانفعال والغضب. شاهدنا فيه ذلك في أكثر من موقف. أذكر كيف أن الدعوة لحل أو تجديد صيغة الإدارة الأهلية كانت شعاراً لامعاً بعد انتفاضة اكتوبر 1964م وعلى إثرها انقسم الناس بين متحمس ومتحفظ. وكان من الطبيعي أن يقف زعماء العشائر في الصف المناوئ . عشنا تلك الأيام باندفاع الشباب وحماسه. واكفهرت سماوات أرض المسيرية كلها. كان علي نمر ضد دعوتنا التي كنا نراها – وأكثرنا من الشباب- بوابة للتجديد ، لكنه لم يصل به الأمر يوما واحدا ليحرض الشرطة أو الجهات الإدارية ضد جمعيات الطلاب أو اتحاد أبناء المسيرية حامل لواء الدعوة لتصفية أو تعديل الإدارة الأهلية. كان علي نمر – رغم الخلاف معنا- يلتقينا وعلى وجهه ابتسامته الصافية كما الحليب ، وقد يلقي طرفة تمسح جو التوتر بينه وبين خصومه. وتمضي السنون ثقيلة على وطن ما فتئ يتعثر وتحبل لياليه بالمصائب. ونلتقي في مناسبات البلد والعائلة ولا نسمع منه إلا كلمات التشجيع في أن علينا وقد أكملنا الجامعات أن نفعل كذا وكذا للمنطقة وللأهل. ظل فارساً وشهماً وأبن المنطقة وشيخها حتى الرمق الأخير في حياته. برحيل الناظر علي نمر علي الجلة يترجل من حصانه آخر كبار الفرسان؛ وتنطوي حقبة حفلت بأنبل ما في الإنسان من خصال. يبقى العزاء في أن العشيرة التي أنجبته ما زال رحمها خصبا ولودا، تكرم من فيها وتمد يد السلام والحب للضيف والجار. وأن الأرض التي ضمته تظل سخية معطاء.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: فضيلي جماع: برحيل الناظر علي نمر علي الجلة .. يترجل عن حصانه آخر كبار الفرسان ! (Re: فضيلي جماع)
|
Quote: أذكر – وأنا طفل حدث- ضحكته الصافية تجلجل وهو يتبادل حديثاً طريفاً – فيما يبدو – مع سيدي الوالد –عليهما الرحمة |
أستاذنا فضيلي، حين مرت عيناي على هذا الكلام خلت أنك تحكي عني وعن كل من أتيح له رؤية الناظر علي نمر ، غشيت قبره شآبيب الرحمة، هكذا كان علي نمر الجله وهكذا كانت ضحكته الوسيمة وهو يزور الوالد في التبون أثناء حوادث جرت في أيام بليال كوالح مسهدات نسال المولى أن يجنب البلاد مثلها. لم تتح لي الأيام سانحة أخرى أمتع النفس فيها بمشاهدة الرجل لكن كان حظي جميلا حينما صحبت إبنيه التوأمين حسن وحسين في سنوات الطلب فكانا نعم الصديقين فهم ممن أنعم عليهم الإله بحسن الخلق والخلق والعلم. حديثك أعادني إلى تلك الربوع وإلى زمن أحسبه فردوس لن يعود فقد تغير كل شئ ، كما علمت من أهلنا هناك ، ورحل الإوز وهاجرت الطيور قبل الفرسان السمحين. اللهم اغفر لعبدك علي نمر الجله وارحمه واجعله من أهل الجنة واجعل البركة في ذريته والزم أهله وأحبابه الصبر على الفقد الجلل ، وتعازينا للشقيقين الصديقين حسن وحسين ولآل الجله والدوريك ولحرمكم الفضلى ولعموم المسيرية. إنا لله وإنا إليه راجعون.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فضيلي جماع: برحيل الناظر علي نمر علي الجلة .. يترجل عن حصانه آخر كبار الفرسان ! (Re: محمد المرتضى حامد)
|
الأخ الصديق / المستشار محمد المرتضى حامد كنت قد حاولت مرتين حين بلغني الخبر إخطارك هاتفيا(بيد أن الوقت كان متأخرا) لما أعرفه عنك من تعلق بتلك البقاع وأهلها. وفي زيارته الأخيرة لمسقط كان والدكم (أستاذنا وأستاذ الأجيال حامد) يحكي لي بانبهار ومحبة-كلما سنحت الظروف بلقائه- عن السنوات التي قضاها وأسرتكم الكريمة رسولا للتربية والتعليم هناك. حكي لي عن الراحل المقيم وسماحة سجاياه وكريم خلقه. سوف أقوم بإبلاغ تعازيك لكل من تكرمت بالإشارة إليهم وخاصة التوأم حسن وحسين..وسوف أعطيهم بعد الإذن منك رقم هاتفك الجوال ، وأبعث إليك برقم هاتف اي منهما. شكرا على مبادرتك بالتعزية وعلى هذا الكلام الرصين..والذي ليس غريبا على أمثالك من أصحاب المروءة والهمة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فضيلي جماع: برحيل الناظر علي نمر علي الجلة .. يترجل عن حصانه آخر كبار الفرسان ! (Re: الزاكى عبد الحميد)
|
قـال تعالى :- " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعُونْ "
.. ان العين لتدمع وان القلب ليحزن وانا على فراقك يا الجلة لمحزونون ..
.. إن لله ما أخذ وله ما أعطى .. وكل شيء عنده بأجل مُسمى ..
.. اللهم اغفر له وارحمه .. وعافه واعف عنه .. وأكرم نزله ..
.. ووسع مدخله .. واغسله بالماء والثلج والبرد ..
.. ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ..
.. وأبدله داراً خيراً من داره .. وأهلاً خيراً من أهله .. وزوجاً خيراً من زوجه
.. وأدخله الجنة .. وأعذه من عذاب القبر ..
.. اللهم آنس في القبر وحشته ..
.. و ثبته عند السؤال ..
.. اللهم باعد القبر عن جنباته ..
.. واكفه فتنة القبر .. ينعى ملتقى كردفان الثقافي: http://www.kordufan.com/ الناظر على نمر الجلة ناظر عموم المسيرية، حيث يقيم الملتقى العزاء بالنادي السوداني في أبوظبي يوم الخميس الموافق 4 نوفمبر 2010 بعد صلاة المغرب. للتواصل أحمد التجاني ماهل: 0566011924 حامد خميس نصر: 0507381145 محمد عيد عبد الرحيم: 0505924059
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فضيلي جماع: برحيل الناظر علي نمر علي الجلة .. يترجل عن حصانه آخر كبار الفرسان ! (Re: أحمد التجاني ماهل)
|
الأخ الأستاذ/احمد التجاني ماهل والإخوة بملتقى كردفان الثقافي بأبي ظبي لكم فائق الشكر والتقدير على هذه الوقفة مع الأهل والأقارب في فقدهم الجلل. كان الناظر علي نمر علي الجلة سودانيا من طراز فريد وكان به كل قيم وشيم الرجل الكردفاني السمح المضياف. لذا فإن فكرة قيام منتداكم الثقافي بتلقي العزاء فيه (غداالخميس) إنما تترجم الطبع الكردفاني الأصيل وما تمليه نخوتكم من أن الفقيد منكم وفيكم. أرجو أن تقبلوا بالوكالة عن أسرته وعن عموم أهله بالمجلد ولقاوة جزيل شكرنا لكم على هذه اللفتة الكريمة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فضيلي جماع: برحيل الناظر علي نمر علي الجلة .. يترجل عن حصانه آخر كبار الفرسان ! (Re: فضيلي جماع)
|
Quote: وها هم قد ودعوا بالأمس آخر فارس من جيل روضوا الأحراش وقهروا جبروت الطبيعة. بكته الأودية والفرقان كما تبكي الأم أغلى فلذات كبدها. ومن عرف الناظر علي نمر علي الجلة – الشقيق الأصغر لشيخ حكماء السودان الناظر بابو نمر – فقد عرف قبل كل شيء الشهامة والكرم وحماس إبن العشيرة لأهله إلى درجة لا تبلغ ذروتها حماسة. |
رحم الله الناظر علي الجلة وألهمكم أستاذنا فضيلي وأسرته وأهله الصبر وحسن العزاء
إنا لله وإنا إليه راجعون
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فضيلي جماع: برحيل الناظر علي نمر علي الجلة .. يترجل عن حصانه آخر كبار الفرسان ! (Re: Ahmed Abushouk)
|
الأخ الفاضل/ الأستاذ احمد ابوشوك أشكر لك مبادرتك الكريمة في التعزية، وأود أن أقول بأن كلمة صديقك علي جماع التي وضعتها هنا بقصد التوثيق ، كانت من أولى كلمات الرثاء والعزاء التي كتبت في حق الراحل المقيم، لذا لم يكن غريبا أن تكون هي الكلمة التي تلاهاالفريق مهدي بابو نمر - رئيس الأركان السابق - على الجموع الغفيرة في رفع (الفراش)المأتم ، معتبرا إياها لسان حال أسرة آل الجلة ونمر ولسان حال الأهل في ديار المسيرية من دميك ولقاوة شرقا إلى التبون وأبو بطيخ غربا. شهادتي في كل ما يتصل بصديقك علي جماع مجروحة. يكفي أنه يتابع كل ما أكتب ويرصد ليقول لي بعيدا عن الظل كم عدد هفواتي ..أما علامات النجاح التي أحرزها فهو يتركها لقرائي وأحبابي. إنه - أطال الله عمره- ظل الوالد وصوت عقله الراجح - بعد رحيل الوالدإلى الدار التي لا ترقى إليها الأباطيل. أشكر لك أخي أحمد هذه اللفتة.
| |
|
|
|
|
|
|
|