معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 10:00 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-16-2010, 10:21 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي
                  

08-16-2010, 10:24 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي (Re: طلعت الطيب)

    معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي
    الإثنين, 16 آب/أغسطس 2010 08:48
    معاً نحو عصر تنوير سوداني
    إطار عام لأستراتيجيه معارضه مختلفه
    [email protected]


    إشاره تقديميه

    هذه الورقه هي بمعني من المعاني حصيلة جهد مشترك لان الكاتب استفاد في صياغتها ( النهائيه ) هذه من ملاحظات عدد من المثقفين والناشطين السياسيين الذين أطلعوا علي صيغتها الاولية، مع التأكيد بأن كاتب الورقه يتحمل مسئوليتها كاملة وحده وأنها تمثل وجهة نظر فرديه خالصه. بالنسبة للذين قد تستثير الورقة اهتمامهم يشار الي أن مجموعة مقالات لصاحب الورقه كانت جريدتا الاحداث والصحافه قد تفضلتا بنشرها خلال اعوام 2006-2010، تسلط اضواء اضافية علي مضمونها. لمزيد من الاستيضاح حول خلفية افكار الورقه وجوانبها التفصيليه يمكن العوده الي ارشيف هذه الصحف او الي كتاب صدر مؤخرا عن مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بعنوان " في الفكر السياسي، ديموقراطيه بلا استناره " اختيرت له مجموعة من هذه المقالات.


    ( 1 ) حول جذور الازمه السودانيه

    علي نطاق العالم بأسره اثبتت التطورات الفعلية منذ منتصف الثمانينيات تقريبا ان الديموقراطيه هي أكثر النظم السياسية كفاءة لتأمين حياة افضل للانسان ماديا ومعنويا ولعل ميزتها الكبري انها لاتسد الطريق امام الابداع البشري لاستبداله بنظام اكثر كفاءة مستقبلا، فأفق التاريخ لاحدود له. وفي السودان ظلت الديموقراطيه الهدف المشترك المعلن بين مختلف القوي والتيارات السودانيه ازاء الانقطاعات الدكتاتورية المتتاليه منذ الاستقلال بينما تدل حالة التمزق الافقي والرأسي للبلاد، وحدة وطنيه ومجتمعا، بصورة قطعيه علي خطورة الفشل في تأسيس مشروع ديموقراطي سوداني حتي الان. والافتراض الذي تقوم عليه هذه الورقه هو انه لاسبيل لتفكيك معضلة الاستعصاء الديموقراطي هذه الا بعمل مواز لتفكيك معضلة الاستعصاء التنويري/الاستناري. لاديموقراطيه بلا ديموقراطيين ... ولاديمقراطيين بلا استناريين.
    ان الديموقراطيه كما يعرفها المجتمع البشري الان نظام سياسي انبثق مما سمي عصر النهضة والتنوير الاوروبي خلال القرنين السادس والسابع عشر مستفيدا من منجزات الحضارات السابقة له، العربية- الاسلاميه، اليونانيه، الاسيويه. وهو عصر تميز بازدياد تأثير العلوم الطبيعية والانسانيه وانعتاق عقل الانسان وارادته من تراكمات ظلام العصور الوسطي نتيجة نشوء الطبقة البورجوازيه علي حساب الاقطاع ثم الثورة الصناعيه وفكر وفلسفة الانوار والاصلاح الديني. وقد شكلت افكار ونشاطات دعاة الاصلاح الديني والاجتماعي والسياسي المصري امثال الطهطاوي ثم محمد عبده والافغاني وطه حسين، والشامي أمثال شبلي شميل وفرح انطون وجورجي زيدان، قناة عصر التنوير الي المجال العربي والاسلامي في السودان وخارجه نهايات القرن التاسع عشر. بتأثير تفاعل هذا المصدر مع مخرجات التعليم الحديث بعد الاحتلال البريطاني اواخر القرن التاسع عشر، انبثقت ارهاصات عصر التنوير والعقلانيه السوداني منذ عشرينات القرن الماضي مرسية اولي لبنات البنية التحتية للديموقراطيه كثقافه عامه وممارسات عمليه. من خلال جمعيات القراءه في ابو روف ومجلة الفجر والجهد الفردي لشخصية مثل معاويه محمد نور، إتخذت هذه الارهاصات شكلا ادبيا وثقافيا وسياسيا غير مباشر ثم تطورت لقيام مؤتمر الخريجين والاحزاب السياسيه وظهور الفنون والاداب والعلوم العصريه وكذلك اسلوب الحياة الشخصية في الزي وغيره. ومن مجموع الشرائح الاجتماعيه الصانعه لهذه التطورات والمتأثرة بها، وهي بالاساس سكان المناطق الحضريه وشبه- الحضريه ولاسيما فئات الطبقه الوسطي والصغيره، تشكلت القوي الحديثه، مستودع حصيلة بدايات عصر التنوير السوداني، حاملة المشروع الديموقراطي ومحركة التغيير.
    علي ان الاختلاف الكبير في الظروف التاريخية بالمقارنة للتجربة الاوروبيه حد من امكانية النضوج المضطرد للبنية التحتية الاستناريه وتاليا بنائها الفوقي الديموقراطي بحيث تباطأ معدل تقدم التجربة السودانيه علي الصعيدين تدريجيا حتي توقف متقهقرا الي الخلف. في النموذج الاوروبي توفرت الشروط الموضوعية للاستنارة والعقلانية مما حد من اهمية الدور الموكل للالية الديموقراطيه في توليدهما كشرط لاستدامة التقدم. أما في النموذج السوداني فقد ارتهنت عملية نضوج هذه الشروط بأستدامة النظام الديموقراطي لكونه الوسيلة الوحيدة للتعويض عن انعدامها، بتأمين جو الحرية اللازم لازدهار الابداع المادي والمعنوي والتفاعل المفتوح مع الخارج وتراكم تجارب وخبرات الاجيال المتعاقبه. في هذا الفرق المتصل بموقع الديموقراطيه في استدامة التقدم والنهضه بين التجربتين يكمن جوهر مأزق التطور السوداني منذ الاستقلال بنتائجه الكارثية الماثلة امامنا الان.
    الاحزاب الكبيرة انتخابيا ( الوطني الاتحادي/ الديموقراطي والامه ) لم تكن بيئة ملائمة لانضاج الرصيد الاستناري النهضوي بسبب غلبة الثقل الطائفي في تكوينهما علي تفاوت في الدرجه، بينما الاحزاب الكبيرة نوعيا الاكثر تمثيلا للقوي الحديثه، كان تكوينها الايديولوجي الماركسي الشيوعي والديني الاسلامي، وفيما بعد القومي العربي البعثي، متنافيا مع النظام الديموقراطي الليبرالي. قصورات النمطين التقليدي والحديث من الاحزاب السودانيه، وأيضا شرائح النخب غير المنتمية حزبيا، كان لها بالتأكيد مسوغات موضوعية متصلة بحالة التخلف العامه. كما ان دور النمط الاول في تسييس الولاءات الطائفيه حزبيا كان ايجابيا إذ ادخل مجموعات منها في إطار واحد مقربا بذلك بينها، بينما شكل النمط الحزبي الاخر نافذة السودان الاوسع حتي ذلك الحين للتفاعل مع تيارات وحركات التغيير في العالم ولعب الدور الرئيسي في هز البنية الاجتماعية والثقافية المتخلفه وايقاظ الطبقات الشعبية علي حقوقها. مع ذلك فأن النمطين، كل لاسبابه، شكلا العقبة الكبري في مسارتجذير الديموقراطيه كوعي عام وممارسة تطبيقيه وسدا بذلك شريان تغذية الرصيد الاستناري النهضوي الموروث من المصدرين الاوروبي والمصري والسوداني المبكر.
    هذه هي النقطة التي بدأ عندها الدوران العكسي لعجلة التطور في السودان ببطء ثم تسارع : تراجعٌ ديموقراطي يؤدي لتراجعٍ تنويري وبالعكس توضحه بجلاء الاستطالة المتزايده لاعمار الانظمة الاستبدادية المتلاحقه وتزايد خصائص الشمولية فيها، دلالة علي تبخر الرصيد الاستناري ورصيفه الديموقراطي في العقل السوداني وتحول القوي ( الحديثه ) الي بيئة حاضنة لنقيض هذه الصفه علي كافة الاصعدة، عامة وخاصه. الي هذا التبدل في طبيعة هذه القوي بقابليتها للاستجابة الي الخطاب الديني الخام والطقوسي، او الارتداع به فكريا وسلوكيا، تعود ديمومة حزب المؤتمر الوطني ( الاسلامي ) الحاكم. مقابل ذلك انحسرت الاستجابه لخطاب الديموقراطيه ومعه جدوي المجهودات الكبيرة التي بذلتها وتبذلها بعض الاحزاب والشخصيات مرتفعة الي حد التضحية بالنفس في العمل المسلح أبان مرحلة التجمع الوطني الديموقراطي، والمبادرات واشكال المعارضة المتعددة بعد ذلك.
    منذ اواخر سبعينات القرن الماضي تقريبا بدأ ميزان القوي السياسي يميل بوتائر متزايده ضد قوي وتوجهات التغيير الديموقراطي نتيجة الجفاف المضطرد لمصادر تعميق الثقافة والوعي الديموقراطيين لدي الجمهور العام عبر مجموعة من التطورات. وقوع الانقلاب العسكري الاول ( نوفمبر 58 ) كان في مغزاه الاساسي تعبيرا عن محدودية المقومات الموروثه والمستحدثه للرادع المجتمعي الديموقراطي الاستناري الذي يمنع تحول اي تفكير للمساس بقاعدة التداول السلمي للسلطه الي فعل، مهما كانت الدوافع لدي بعض الافراد والجماعات مدنية كانت او عسكريه. وثورة اكتوبر 64 ضد نظام الانقلاب ساهمت، بعكس التفكير السائد، في اضعاف هذا الرادع فهي فتحت طريق الاحياء الديموقراطي بعودة الهياكل والمؤسسات الحزبيه والتشريعيه الخ.. الخ.. ولكنها في نفس الوقت اغلقته كثقافه، وهي الناحية الاهم. فهذه الانتفاضة الشعبية العظيمه كانت القوي الحديثه عمودها الفقري بقيادة اليسار المنظم وغير المنظم الذي شكل التيار الغالب وقتها سودانيا وعربيا وافريقيا ( ناصر مصر، نكروما غانا، سوكارنو اندونيسيا الخ ) حتي ان الاسلاميين انفسهم تبنوا بعض المقولات الاشتراكيه. غير ان التوجه الفكري لليسار كان يفصل بين العدل الاجتماعي ( الاشتراكيه ) والديموقراطية السياسيه معتبراً النظام البرلماني واسسه النظرية والفلسفيه إرثا برجوازيا غربيا متناقضا مع الحقوق السياسية والاجتماعية للطبقات الشعبيه، وهي وجهة نظر كانت مقبولة حينذاك بسبب عداء شعوب العالم الثالث المشروع لسياسات المعسكر الغربي الاستعمارية وجاذبية المعسكر الشرقي المضاد له. ومما عمق تأثير هذا النوع من الثقافة السياسية اللاديموقراطيه لدي النخب والجمهور العام سوء إدارة حزبي الاتحادي والامه للفترة البرلمانية الاولي، فكما هو الحال بالنسبة لليسار كان مستحيلا ظهور بوادر تطور لدي هذين الحزبين بما يجعلهما أكثر قابلية لتجذير تلك الثقافة، خلال السنوات العشر القصيره الفاصله بين الاستقلال والانقلاب الاول.
    الحقبة الانقلابية المايويه ( 69-85 ) واصلت عملية استنزاف الرصيد الديموقراطي- الاستناري من حيث توقف العهد الانقلابي الأول ولكن بقوة اكبر، مشّكلة بذلك المفصل الحاسم في مسار تصاعدها الي الحد الاقصي وهو الغاء الوجود الفعلي للقوي الحديثه. عموما الاثر السلبي للحقب الانقلابيه في هذا الصدد يتمثل في تجاوز تعطيل أي امكانية تطور ذاتي للروافع الحزبية للديموقراطيه بالمنع والقمع المباشرين، الي تجميد حركة الفكر والثقافه العامه التي لاغني عنها لنمو حوافز التطوير، بأغلاق فضاءات التفاعل بين الاطراف الداخليه وبينها والخارج. في طوريها اليساري القصير ( 69 -71 ) واليميني حتي انتفاضة 85، لعبت الحقبة المايوية هذا الدور بكفاءة تجاوزت كثيرا دور حقبة الانقلاب الاول لانبثاقها، عسكريا ومدنيا، من اوساط القوي الحديثه وتوفرها بذلك علي كوادر وأدوات تخريج فكري وتخطيط وتنفيذ اكثر فاعلية بكثير. في هذا السياق جاءت اولي خطوات التصعيد النوعي لعملية الاستنزاف ( الاستناري- الديموقراطي ) الاستناقراطي/ ( الديموقراطي-الاستناري ) الديمواستناري بالشروع في سد منبعه الاول وهو النظام التعليمي الحديث بالتدخل الدكتاتوري فيه بدء بتعديل السلم التعليمي ثم المناهج لاحقا. وعندما بدأت الازمة الاقتصادية والمعيشيه أواخر السبعينيات ممثلة بتدهور قيمة الجنيه السوداني والتضخم المالي في إطار محاولة القيادة المايويه اضفاء مشروعية تنموية ثم دينيه علي سلطتها، اكتملت مجموعة العوامل التي شكلت ظاهرة التراجع التحديثي الاستناقراطي وأطلقت ديناميكيتها: ذوبان الطبقة الوسطي، الحامل الاجتماعي لعملية التحديث في خضم تدهور الاقتصاد وتحريره غير المرشد ديموقراطيا، التوسع الافقي الكبير للمنظومة التعليميه علي حساب نوعية التعليم من حيث المناهج واساليب التدريس ثم ترييف المدن تحت وطأة الحروب الاهليه وانهيار الهياكل الاقتصادية الزراعية- البدوية بدء بمجاعة دار فور.. وذلك بالاضافة الي العوامل الثانويه مثل الهجرة المدينية الي الخارج. كما شكلت الافرازات المتكاثفه لهذه التطورات مادة تغذية دسمه للاسلام السياسي فتحول من وليد شرعي للتقلص المضطرد لمساحة التنوير في العقل النخبوي السوداني لحساب الظلاميه والديموقراطيه لحساب الشموليه، الي اداة فعاله لتعزيزهذه الظاهره المدمره وتعميق جذورها في الاوساط النخبويه : من " الاخوان المسلمون" / جبهة الميثاق الاسلامي، كتنظيم صفوي محدود خارج المجال الطلابي الي الجبهه القوميه الاسلاميه كتنظيم اوسع كثيرا بكل المعاني. فالمكاسب الانتخابية التي حققتها الجبهة في انتخابات عام 1986 ثم السهولة التي نجح بها انقلاب 89 والتوطد السريع والمتين لاركانه، كانت دليلا قويا علي حلول الاسلام السياسي محل اليسار من حيث قوة النفوذ وسط ( القوي الحديثه ) المدنية والنظاميه. وبطبيعة الحال أدي الانفراد بسلطة الدوله الي مضاعفة تأثير عوامل التراجع الديمواستناري مكتسبا درجاته القصوي وديناميكيته الكامله : توسع نطاق الحرب في الجنوب متخذة طابعا اهليا، وانفلت التضخم تداعيا اقتصاديا مريعا تدني بمتوسط عمر الانسان السوداني الي 45 عاما بينما أغلق المجال السياسي-الفكري تماما بمزيج من القمع المادي والمعنوي وتم التديين الكلي للمنظومة التعليميه والاعلاميه فتغلغل التدين السياسي والصوفي والسلفي في شراين المجتمع.
    بسبب هذا الاستنزاف الكلي تقريبا لحيوية القوي الاجتماعيه والسياسية الحديثه فأن اساليب وخطط العمل المجربة في ثورة اكتوبر 1964 وانتفاضة مارس / ابريل 1985 ( تنظيم النقابات كنموذج ) والمستحدثه ( العمل المسلح كنموذج) إفتقرت لنوعية العقليه وخبرة العمل العام والقاعدة الاجتماعية التي تتجاوب معها. وهي حقيقة تتضح ابعادها الكاملة حول درجة استنزاف هذه القوي اذا استعدنا للاذهان ان مستوي وحدة المعارضه بعد مؤتمر اسمرا عام 1995 في " التجمع الوطني الديموقراطي" كان متكاملا من جميع النواحي، اطرافا وبرنامجا. مايثبت قطعيا ان ضعف العمل المعارض لم ينجم، بصورة اساسيه، عن ضعف مستواه القيادي وانما عن التضاؤل المخيف في حيوية قوي التغيير الديموقراطي لاسيما وان الوجه الاخر لهذه الحقيقة المتجلي في انتشار الفهم التقليدي للاسلام، مصدر ( قوة ) إضافيه لنظام دكتاتورية يونيو 89 لم يتوفر لدكتاتورتي نوفمبر 58 ومايو 69.
    هذا هو التفسير الصحيح لانحسار قدرات المعارضه فهو مفروض عليها نتيجة ضعف قاعدتها مؤديا لتنازلات متسلسله كان اهمها قرار التجمع اعطاء الاولويه للحل السياسي في مؤتمر مصوع ( سبتمبر 2000 ) دون تنازلات مقابله من النظام رغم انشقاقه.. ثم تخلي التجمع عن شروطه المخففة لقبول التفاوض مع النظام حول الغاء الماده 9 من قانون الامن الوطني مع ان النظام لم يكتف بتجاهل مطالب المعارضه بل تصرف عكسها بتعديل القانون في اتجاه اكثر قمعيه ثم أعتقل سكرتارية التجمع في الداخل لعام كامل وجرمها دعائيا بالخيانة الوطنيه . وكان طبيعيا ان ينتهي الجمود في حركة التجمع الي تفككه كما ظهر في خروج حزب الامه منه عام 2000 وفي توقيع مذكرة التفاهم بين الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي دون استشارة التجمع في 2001. اما الاكثر دلالة من كل ذلك علي انحسار المعارضه بسبب انهيار ارضيتها في القوي الحديثه فهو هزال الاحتجاجات الشارعيه، اضرابات، مظاهرات الخ.. الخ.. رغم قوة المسببات التي قدمتها وتقدمها سياسات النظام الاقتصادية وتجاه الوحدة الوطنية وغيرها واجراءاته القمعيه الي حد استخدام الرصاص الحي ضد المظاهرات حتي في الحرم الجامعي. والشاهد عموما انه كانت هناك ولازالت علاقة عكسية بين تمادي النظام في سياساته الموجبة للاحتجاج والمعارضه ومستوي ردود الفعل الشارعية تجاهها ويكفي تدليلا علي ذلك المقارنة مع ردود الفعل الاقوي كثيرا تجاه سياسات الدكتاتورية النميريه وحتي مع ردود الفعل في السنوات الاولي لانقلاب الاسلاميين.
    حتي فرجة الارتخاء الامني التي فرضتها علي نظام المؤتمر الوطني ( الاسلامي ) اتفاقية نايفاشا بعد عام 2005 لم تفلح في تعديل ميزان القوي السياسي لمصلحة المعارضه . حضور الحركة الشعبية في المركزسلطويا تطبيقا للاتفاقيه كان محدود التأثير في تعزيز قوة المعارضة الشماليه سياسيا بسبب قيود الشراكه مع المؤتمر الوطني ولكن ايضا انعكاسا لمحدودية فرص امتداد الحركه شمالا لنفس السبب الموضوعي الكامن وراء تضعضع وزن المعارضه وهو تضعضع الوزن النوعي للقوي الحديثه وبالتالي ضعف القابلية للتجاوب مع مضمون شعار " السودان الجديد ". من هنا بقاء زمام المبادره بيد المؤتمر الوطني حتي بعد توقيع الاتفاقية فتمكن ، علي سبيل المثال، من تجميد اتفاق القاهره مع التجمع وتمرير معظم قوانينه في المجلس الوطني والانفراد بمعالجة قضايا دار فور والشرق وتهيئة الاوضاع لتحقيق ( فوز ) ساحق في الانتخابات العامه وانتخابات الاتحادات.
    لاشك ان اطراف المعارضة المختلفه بذلت جهودا متفاوتة الجدية لاصلاح أوضاعها الداخليه وايضا لتطوير اشكال العمل الجماعي مع الاخرين بعد عودتها للداخل، ولكن الحال التي انتهت اليها المعارضة الرسمية الان من تمزقات داخليه وضعف في الفعالية الجماعيه، دليل علي الاثر الكبير لعدم التوصل الي تشخيص مصدر العلة الاساسي وتطوير استراتيجية عملها بما يتوافق مع ذلك. وهذه، بالمناسبه، حدود مسئولية قيادات المعارضه بعكس التفكير الرائج الذي يحملها المسئولية عن مسببات ضعف الفعالية نفسه مؤديا لنوع من النقد المجاني العشوائي الذي يساوي عمليا بين مسئولية الحكومه والمعارضه فيما يتعلق بتدهورالاوضاع العامه. ويلاحظ هنا ان الفعالية السياسية الشمالية الوحيده، بمعني انتزاع تنازلات معينه من المركز /الانقاذ، مصدرها الحركات الاقليمية المسلحه ( دار فور والشرق ) حيث وجدت فيها نخب المناطق المعنيه وجمهورها بديلا لفشل المعارضة الرسميه، غير ان تركيزها علي مطلبي السلطه والثروه في مواجهة قضية التهميش معزولين عن مطلب الديموقراطيه، يساهم في التعمية علي مصدر الازمة الاساسي.


    ( 2 ) مكونات الاستراتيجيه

    بناء علي هذا التشخيص للسبب القاعدي للازمة السودانيه فأن اي استراتيجيه عمل سياسي منتج لتقدم غير قابل للانتكاس لابد ان يكون مرتكزها الترافق بين إعادة استزراع مقومات الحداثه والاستناره وإعادة تأسيس المشروع الديموقراطي. بغير ذلك، كما تفعل بعض اوساط المعارضه والحركات المسلحه التي تضع إسقاط نظام المؤتمر الوطني ( الاسلامي ) الشمولي كشرط سابق لتقدم من اي نوع، ستبقي العوامل المؤديه للانهيار السريع للتجارب الديموقراطيه ولاعادة انتاج الازمه العامه فاعلة بما يولد أنظمة اكثر شموليه. اما هذه الورقة التي تضع مسألة الموقف من نظام المؤتمر الوطني- الاسلامي في السياق السليم، كما ستوضح في جزئها الاخير، فأن مايمكنها تقديمه فيما يتعلق بمكونات الاستراتيجية السياسية الملائمه يلخصه المثل القائل " حسن عرض المشكله نصف الحل ". بعبارة اخري ثقة الورقه بمدي صحة ما ستقترحه فيما يتعلق بالحل اقل من ثقتها بما قدمته فيما يتعلق بالمشكله. من هنا حاجة هذا الجزء الثاني الي فحص وتقييم نقديين من قِبل كل من يجدون فيها مايستحق الاهتمام أكثر حتي من الجزء الاول.
    إذا صح التلمس للعمق العميق لفشل المشروع الديموقراطي السوداني والازمة المتعددة الطبقات المترتبة علي ذلك، فأنه لابد لأي استراتيجية سياسيه ترمي الي تفكيكها من افساح مكان لهدفين محوريين مترابطين يتناسب واهميتهما، هما الاصلاح التعليمي والمجتمع المدني، ضمن منظومة الاهداف التي يطرحها العمل المعارض الان وعلي رأسها التحول الديموقراطي . وبينما ستأتي الورقة لمعالجة موضوع المجتمع المدني لاحقا، فأن أهمية اصلاح المنظومة التعليمية مناهج ومؤسسات يبدو بديهيا باعتبار ان الميلاد الحقيقي لتيارات الاستناره الدينية والفكرية والسياسية والادبية والفنية والاجتماعيه ارتبط بتأسيس التعليم العصري ونشوء الشرائح الاجتماعية والسياسية الحديثه في القطاعات الاقتصادية الخدمية والزراعية والصناعيه والاداريه التي نشأت فيما بعد مستوعبة منتوجات التعليم من الكوادر والخبرات. لذلك فأن الشروع بأعادة تأسيس هذه التيارات بمعني فتح مسارب بعثها للحياه وعودتها التدريجية للانتعاش بوتائر متزايده، ومعها تصاعد الوعي الديموقراطي كما ونوعا، لايمكن تحقيقه الا عبر استراتيجية تعطي هذا الهدف الاولوية التي تتناسب واهميته.
    وفضلا عن انه لامفر من التركيز علي هذا الهدف اذا قبلنا سلامة تحليل اصل العله، فأن انطباع الوهلة الاولي حول استحالة تحقيقه في ظل سلطه قابضه، ليس سياسيا فقط وانما اجتماعيا ايضا، كما بينت الورقة نفسها، ليس صحيحا. هو في الحقيقه استسلام لانطباع واسع الانتشار بعجز المعارضه يفترض ضمنا انتفاء اية مخارج من هذا الوضع. وبينما لاتدعي هذه الورقه بأنها ستقدم وصفة جاهزه او سهله في هذا الصدد فأنها ستؤشر امكانية وجود هذه المخارج إذا استعدنا للاذهان حقيقة ان معضلة ضعف العمل المعارض حزبيا وشعبيا أكثر تعقيدا بمراحل من التصور التبسيطي السائد الذي يلقي بالمسئوليه الكليه علي الاحزاب وقياداتها، لانه يتعلق بتشوه العقل النخبوي السوداني القائد للمجتمع بفعل تصحره استناريا لاسباب تاريخيه. يترتب علي هذه الحقيقه أولا : تخفيض سقف التوقعات لما يمكن انجازه فيما يتصل بأي هدف لاسيما خلال المرحلة الاولي لطرحه. السياسة هي فن الممكن .. تقدير توازن القوي مع الطرف الاخر ومن ثم تحديد الاهداف الممكنة التحقيق وطرحها بناء علي ذلك ثم البناء عليها لاهداف اكبر. ثانيا : تقدير الاثر الايجابي لوضوح بداية الطريق نحو تذليل معضلة العمل المعارض نتيجة التوصل الي أعماقها الحقيقيه، في إحياء حركة النخب القائده لكونها الاقدر علي استيعاب الرؤية المطروحه بهذا الخصوص ومن ثم توفر امكانية رفع سقف التوقعات بأضطراد. ثالثا : توظيف هيئات المجتمع المدني لتحقيق اهداف الاستراتيجية السياسيه بالنظر لقدرتها علي تطوير وعي الفرد السوداني وأجتذابه للاسهام في الحياة العامه رغم ارتباط هذه القدره بخاصيتها الرئيسيه وهي عدم التسييس. ستبدأ الورقه بشرح التصور التطبيقي فيما يتصل بموضوع التعليم ثم تنتقل الي المجتمع المدني.

    ( 2 - أ ) الاصلاح التعليمي

    هنالك بطبيعة الحال جوانب متعدده لعملية اصلاح التعليم تشمل المناهج، طرق التدريس، إعداد المعلم، المؤسسات التعليمية، شروط الخدمه، ولكن الخطة المطلوبه كجزء من الاستراتيجيه خلال مرحلتها الاولي يتحكم فيها اعتباران، حسب تقدير هذه الورقه. الاول مشتق من الرؤية العامة التي تطرحها الورقه حول محدودية قوة الدفع التغييري الان مجتمعيا وتاليا سياسيا مايعني اختيار اهداف جزئيه متواضعه تتدرج نحو الاقل تواضعا بنسبة ازدياد قوة الدفع. لذلك يلاحظ ان الورقه تستخدم مصطلح " اصلاح " المنظومه التعليميه وليس تغييرها جذريا، مع ان هذا هو المطلوب مثاليا لأعادة بناء حقيقية للانسان السوداني. الاعتبار الثاني هو اعطاء الاولويه لاصلاح التعليم العام، خاصة مرحلة الاساس. فبالرغم من التأثير المتبادل سلبا وايجابا بين مختلف المراحل التعليميه، الا ان التأثير من تحت لفوق هو الاجدي. ويبقي العامل الحاسم، أيا كانت الاولويه، تحويل قضية إصلاح التعليم الي قضية رأي عام بأبتكار وتنفيذ أساليب نشر الوعي والتعبئه. والمطلوب هنا جهد عملي يتميز بالمؤسسية والمثابره في اوساط الاباء والامهات لاسيما من الفئات العمريه المعنيه ( المتوسطه ) والطلبة والعاملين في السلك التعليمي بمختلف درجاتهم ومن خلالهم الراي العام السوداني اجمالا. كل خطوه بأتجاه تحقيق هذه المهمه تعتبر في حد ذاتها خطوة تحقق عملي لهدف الاصلاح لانها تعني بداية تشكيل مراكز ضغط . ولعدم تشتيت هذه الجهود خارج البؤره المحدده ( التعليم العام ، الاساس خصوصا ) بما يجعلها أكثر فعاليه، تعد وثيقة تتلخص خطوطها العريضه في: مقدمة توضح اهمية الناحية الكيفية في التعليم بمختلف درجاته بما يؤشر عيوب السياسات الحاليه ثم التركيز علي مرحلة الاساس علي هذين الصعيدين بتفصيل اكبر وبعد ذلك تحديد الاصلاحات المحدده المطلوبه. بما ان الوثيقه-البرنامج لاتستهدف في المرحلة الاولي اكثر من فتح باب الشروع بعملية الاصلاح ومخاطبة واستقطاب اوسع قاعدة ممكنه من الجمهور العام غض النظر عن اي اعتبارات، فأنه يستسحن التركيز علي : ( 1 ) هدف اصلاح السلم التعليمي أكثر من المناهج لان هناك مايشبه الاجماع علي ضرورة اضافة عام لمرحلة الاساس وتقسيمها لجزئين. ولان الاستعداد الرسمي للتنازل بشأن المناهج اقل كثيرا فأن من الممكن التركيز علي (2 ) مطلب تخفيف حجم المنهج اكثر من إجراء تعديلات عليه ( 3 ) زيادة نصيب التعليم في الميزانية الاتحاديه ودعم المركز للولايات. هذه المقترحات بشأن التفاصيل هي مجرد اشارات لما يمكن ان يتمخض عن لجنة مصغره لاعداد الوثيقة- البرنامج في صيغتها النهائيه تشكلها المعارضه وذلك لضمان الالتزام بقاعدة " فن الممكن "، الحد الادني القابل للتنفيذ الان، مما يجعلها متمشية ايضا مع كون الرافعة الاساسية لتنفيذ البرنامج هي المجتمع المدني اللاسياسي، كما سيشرح لاحقا. يمكن للجنه الاستعانة بخبرة مجموعة من العاملين في حقل التعليم او ذوي الاهتمام الخاص به بصرف النظر عن صفتهم الحزبيه او عدمها، مع وضعهم في صورة الحدود التي يتحرك فيها البرنامج علما بأن ذلك يساعد بالنسبة للمكون الثاني للخطه، وهذه ايضا مجرد مقترحات، وهو تنظيم سلسلة من النشاطات العامة المتنوعة مثل المحاضرات والندوات وورش العمل، الكتابة في الصحف وكل اجهزة الاعلام التي يمكن الوصول اليها. علي ان العائد المطلوب من برنامج التوعية العامة هذا وهو تحريك اوسع قطاعات المجتمع لن يتحقق اذا لم يسبقه استيعاب الوثيقة والفلسفة الكامنة وراءها من قبل قواعد احزاب القوي الديموقراطية نفسها سواء فيما يتعلق بالاصلاح التعليمي عموما او بأقتصار مفردات البرنامج حاليا علي الحدالادني، وتوعيتها بأهمية دورها، افرادا وجماعات، في تنفيذه بالمساهمة النشطة في التنظيم الطوعي المفتوح لكل من يستثير الموضوع اهتمامهم بصرف النظرعن ميولهم السياسيه. بعبارة اخري شرط نجاح تنفيذ البرنامج هو تسليمه لقوي المجتمع المدني ونزع اي صفة او تصرف يجعل منه جزء من المعركة السياسية ضد السلطه، او حتي يوحي بذلك. هذا كما شرح من قبل ليس الاختيار الافضل من وجهة نظر المصلحة العامه فقط وانما هو اضطرار مفروض علي المعارضه وقوي التغيير عموما بحكم ضعف وزنها راهنا.

    ( 2 – ب ) المجتمع المدني
    ( 2 - ب -1) توظيف المجتمع المدني كهدف

    التعريف البسيط لمصطلح المجتمع المدني هو كونه مجموعة تشكيلات طوعيه لاحكوميه ولاربحيه مداره ذاتيا بين مجموعة من الناس لخدمة مسألة معينه تتعلق بشئون حياتهم في الحي اومكان العمل او خارجهما بصفتهم الفردية المواطنية المجردة عن اي صفة سياسيه او اثنيه- قوميه او جهويه. من هذه الخاصية تنبع قدرة المجتمع المدني علي اجتذاب مجموعات كبيره بالمقارنة للاحزاب حول المسأله المعينه التي تقوم عليها احدي تشكيلاته، والاهم من ذلك، توفير مجال لتحمل المسئوليه بالتفاعل الحر بينهم.
    ان المخزون المعرفي والثقافة السياسية العربية والسودانيه لم يتعرفا علي مفهوم المجتمع المدني الا قبل عقدين من الزمان ونيف تقريبا، مما يفسر عدم التقدير الكامل لفعالية دوره في تقدم المجتمع والوطن من قبل الناشطين السياسيين والفكريين حتي في ظروف التطور العادي. أهم تجليات عدم ادراك هذا المفهوم والاستهانه بدوره هو انتشار ممارسات السيطرة الحزبية علي هيئاته من كافة التوجهات السياسية السودانيه وصولا الي الحد الاقصي مع حزب المؤتمر الوطني ( الاسلامي )، الامر الذي يعكس في جوهره الاستهانة بما يمكن للفرد العادي تحقيقه اذا فتح امامه مجال التفكير والعمل دون قيود لان اشتغال الافراد الحر بالقضايا التي تهمهم مباشرة، مهما كانت بسيطه، ودون ارتباطات او ظلال سياسيه مع او ضد نظام معين ومع او ضد حزب معين وانما بدافع ذاتي، ينمي روح المبادره والتفكير النقدي المستقل لدي المواطنين وهذه في الحقيقه بذرة تحرير عقل الانسان وارادته واطلاق قدراته اللامتناهيه علي الابداع. علي هذا فأن للمجتمع المدني دور رئيسي فيما يتعلق بتفكيك المرجع القاعدي لازمة الديموقراطيه وهو ضعف ركيزتها في رصيد العقلانية والاستناره السوداني. كما ان حرص الاستراتيجية علي عدم تسييس تشكيلات المجتمع المدني باخضاعها للمصلحة الحزبية مجردة كانت او موجهة ضد النظام، ليس موقفا اخلاقيا يضع المصلحة العامة فوق المصالح الحزبيه ومطلوب في حد ذاته لهذا السبب، ولكنه مفيد ايضا لهدف التنمية الاستناقراطي ويتمشي، علي اية حال، مع حالة النفور من العمل السياسي كأحد إفرازات فشله وانتشار عقلية التواكل الغيبي والروح الفرديه والميول الجهويه.
    كما هو الحال بالنسبة لهدف الاصلاح التعليمي فأن تحويل موضوع المجتمع المدني الي قضية رأي عام يقتضي أبتكار وتنفيذ مختلف الوسائل اللازمة لتنظيم حملة تثقيف وتعبئه فعاله للتعريف به والكيفية التي يؤدي بها دوره الحيوي بدء بكوادر المعارضه نفسها باعتبارهم رأس الحربه للحملة . وبما أن العمل التطوعي المدني يغطي كافة جوانب حياة الانسان واحتياجاته من حفر مجاري الخريف الي حل مشكلة دارفور، لاسيما في مجتمع تتكاثر فيه هذه الاحتياجات بسبب القصور الشنيع للجهد الرسمي، فان الحصيلة التطبيقية للحمله ينبغي ان تكون تأسيس تشكيلات المجتمع المدني في المجالات التي تنعدم فيها الان وتنشيط القائمة منها والارتقاء بمستوي ادائها الي الصورة المثلي.
    اضافة لذلك فأن الحملة ستساعد في التغلب علي العقبة الكبري في هذا الصدد وهي القيود الادارية والسلطويه التي ينطوي عليها قانون العمل التطوعي الحالي. فبينما يظل توقع امكانية تحقيق تعديل ملموس في القانون علي المديين القصير والمتوسط أمرا غير محتمل بالنظر لوضع ميزان القوي السياسي حاليا، الا ان ادارة حملة فعاله حوله تفتح الباب لحدوث التعديل علي المدي الابعد. والمطلوب الان، كما هو الحال بالنسبة للاصلاح التعليمي، اخضاع هذه المسألة لدراسة موضوعيه تحدد الممكن وغير الممكن راهنا وكيفية تحقيقه للبناء عليه مع تحسن وضع التوازن. ولابد لمثل هذه الخطه ان تتضمن هدفا هو في مقدور المعارضة تماما : تطهير صفوفها من العناصر المنتمية اليها التي تمارس تشويها لهيئات المجتمع المدني لايقل عما تمارسه الاوساط الرسميه يتمثل في احتكار المواقع القيادية او/ و استخدامها للاسترزاق الاعاشي والاستمتاع بأمتيازات السفر وغيره أو استغلالها كسلم للوصول الي وظائف في المنظمات الدولية والاقليميه. هذا شرط لايقل اهمية عن شرط تجنب التسييس لنجاح الحمله.
    من جهة أخري يشار الي ان التمويل يشكل عقبة كبري في وجه التوسع بتشكيلات المجتمع المدني لانه مهما بلغ النجاح في تعبئة الموارد السودانية الداخلية والخارجيه، فأنها ستقصر كثيرا عن الوفاء بأحتياجات نشاطات المجتمع المدني نظرا لتعدد جبهاته مع ضعف موارد السودانيين بسبب انتشار الفقر الذي يجعل الاغلبية العظمي عاجزة عن الدعم المالي بل وحتي عن تغطية تكاليف بسيطه مثل اجر المواصلات للمشاركة في العمل التطوعي. هذا ماسيجعل الاستعانة بالتمويل الخارجي والعون الفني (التدريب وغيره ) من المصادر الدولية والاقليمية والثنائيه لامفر منه مع توضيح الاحتياطات اللازمه في الخطه تجاه اي اجنده خفيه للمانحين واخري لمواجهة هجوم السلطه الدعائي والقانوني من هذا المدخل بحجة العماله وغيره. وهو هجوم مؤثر حاليا بسبب انتشار القابلية للاستجابة الي هذا النوع من التعبئه التي توحد بين الوطن والنظام في ظروف الانخفاض المريع لمستوي الوعي العام، وتشكل الشفافية الكامله خط الدفاع الرئيسي امامه.
    بمرور الوقت المصحوب بعمل جاد ومثابر ومدروس ستتكاثر هيئات المجتمع المدني وتتحسن نوعيتها ويتعاظم الاثر الايجابي للطبيعة الاختيارية للروابط بين اعضائها في تطوير العقلية والسلوك، وهي تمارس نشاطها من خلال علاقة الاقناع والضغط مع الدوله كأجهزة بيروقراطيه و حزب حاكم وقياده رسميه حول المسألة التي تتبناها الهيئة المعينه. وبالرغم من لاسياسية هذه الهيئات فأن كون طبيعتها تنمي قابلية التفكير والتصرف الايجابي والمستقل توفر المناخ الملائم لانتاج نوعية راقية وفعاله من العضوية الحزبيه تعيد الاعتبار للعمل السياسي الحزبي في نظر الجمهور الواسع ومن ثم الاقبال عليه.
    لقد لعب المجتمع المدني دورا مباشرا في الانتقال من الانظمة الشمولية الي الانظمة الديموقراطيه كما هو الحال في بولندا وتشيكوسلوفاكيا وغيرهما حيث ادت خصوصيات الشمولية فيهما الي تفريغ الساحة من الاحزاب، ولكن الواقع هو ان مفهوم المجتمع المدني يتسع ايضا للتكوينات الحزبيه إذا توفر فيها شرط الديموقراطيه الداخليه لكونها اطر تنظيميه غير حكوميه تضم مجموعة من المواطنين علي اسس تطوعيه وغير ربحيه. بذلك يطرأ تغيير هام علي مفهوم العمل السياسي الحزبي كما يمارس في السودان اذ تصبح ديموقراطيته هي جوهر تعريفه لكونها الوسيلة الوحيدة لتحقيق الهدف منه وهو تنظيم مشاركة المواطنين في الحياة العامه، وليس مجرد العضوية النشطة اوالخامدة في الاحزاب او مناهضة الحكومة او تأييدها. وفق هذا التعريف فأن اكثر الاحزاب عداء لسلطة دكتاتوريه يكون من اقوي دعائمها اذا انعدم فيه شرط الديموقراطيه لانه يساهم بذلك في تشكيل العقلية الشمولية التي يجسدها النظام ففاقد الشئ لايعطيه. وهو مايفسر حقيقة ان أحزابنا التي استعادت الديموقراطيه في عامي 64 و 85 هي نفسها التي فشلت في الحفاظ عليها بتطويرها وتجذيرها في العقلية والسلوكيات الجمعيه .وحقيقة الامر هي ان عملية ( الدمقرطة/ الدقرطه ) في الاحزاب السودانيه لم تبدأ جديا الا بعد انقلاب الجبهة القومية الاسلاميه ولازالت تواجه صعوبات كبيرة بعضها ناتج عن المقاومة من قبل مراكز ومصالح وعقليات داخلية مؤثرة فيها والاخر عن ظروف الضغط الدكتاتوري الخارجي الناعم والخشن التي تتم فيها العمليه، متفاعلة مع السبب القاعدي وهو الشح التاريخي للرصيد الاستناري وتقلص القدر الضئيل المتحقق منه .
    2 - ب -2 تنشيط المجتمع المدني كوسيله

    كما هو الحال بالنسبة للمجالات العديده التي تغطيها نشاطات العمل التطوعي المدني من ابسط المسائل الي اعقدها، فقد كان ولازال للمجتمع المدني دوره في تطوير التعليم حتي في الظروف العاديه. واستثنائية دوره في الاستراتيجية المطلوبه للعمل السياسي السوداني الان تعود الي كونه المصدر الوحيد تقريبا للتاثير علي السلطه بسبب ضعف المصدر الحزبي مع ملاحظة ان الشرط الاساسي لقيام المجتمع المدني بهذا الدور التعويضي لدور الاحزاب هو التزامها، حرفا وروحا، بتحييد هيئاته سياسيا مهما كانت قوة حوافز التصرف المعاكس سواء كرد فعل لتصرفات المؤتمرالوطني او تأثرا لاشعوريا برواسب تقاليد تسييس النقابات والاتحادات من قبل احزاب المعارضه. ومهما كانت صحة الحجة القائله باستحالة التحييد الكلي للمجتمع المدني سياسيا خاصة في ظروف العالم الثالث، فأنها غير ذات موضوع بالنسبة للمعارضه لان اللاتسييس هو الخيار الوحيد امامها.
    وبما ان الاهداف المتوخاة في هذا المجال تشمل توعية وتعبئة المجتمع أفرادا وجماعات حول هذه القضيه وصولا الي التأثير الضاغط مباشرة وغير مباشرة علي السلطة الحاكمه، حسب تقدير توازن القوي في اللحظة المعينه، فأن خطة العمل تتسع للخطوات الجزئية والبسيطه وصولا الي اكبرها وتتسع بالتالي للجهود الفرديه وكذلك الجماعية من ابسط اشكالها وأحجامها الي اعقد اشكالها واكبرها. من نماذج النشاط الذي يدخل في هذا الاطار توسيع اهتمامات العضوية في مجالس الاباء والامهات في حي معين خارج حيزه التقليدي، دعم المدرسه الخ.. الخ..، لتشمل الشكوي الفرديه ثم الجماعيه من السلم والمناهج والتمويل حسب مايرد في البرنامج ومايتعلق به. ثم تطويرها في شكل مقابله او مذكره لمخاطبة الجهات الرسمية المحليه بهذا الشأن بواسطة المجلس او ممثلين عنه في حي معين او عدة احياء تقع في نطاق الجهة الاداريه المعنيه. حذف الحكومه ولائية كانت او مركزيه من الصوره في هذاالنموذج من النشاطات الممكنه يساعد أيضا في التأكيد علي لاسياسيتها مما يسهم في توسيع دائرة المهتمين بها كما انه يدرب المواطنين علي فكرة مساءلة الخدمه العامه وليس السلطة السياسية فقط علما بأن هذا النوع من الضغوط علي الخدمه العامه سيجد طريقه للتأثير في السلطة السياسيه عندما يتكثف الي درجة معينه بسبب التداخل التمكيني ( الانقاذي ) بين السياسي والاداري . وحتي إذا لم تتأثر مباشرة فأن المكسب الاهم هو تطوير وعي الناس العاديين وجذبهم الي مجال العمل العام الذي سيؤثر حتما علي المدي الابعد. وبطبيعة الحال يمكن الذهاب بهذه النوعيه من الشكاوي والمطالبات درجة اعلي الي الجهات السياسيه حسب تقدير امكانية حصول فائدة من ذلك.
    ونظرا للدور الخاص للعمل النقابي في اوساط المعلمين والطلبه ومنتسبي الوزارات المختصة في مجال الاصلاح التعليمي فأن التركيز علي هذه الاوساط ضمن حملة البرنامج ذو اهمية بديهيه بينما يعني الالتزام الكلي بتجنب التسييس ان الاولويه هي دائما لهدف الاصلاح التعليمي ببنوده المحددة في البرنامج وليس لاضعاف النظام الحاكم سياسيا، وإن كان لممارسة من هذا النوع نتائج ايجابية غير مباشره ومضمونه في هذا الصدد.علي ذلك فأن تقييم مدي فائدة أي خطوة تأثير او ضغط علي السلطه الحكوميه، مثل تقديم عريضه او تنظيم موكب أو اعتصام في تحقيق هدف الاصلاح ينبغي ان يتم بهذا المعيار فقط. وبما ان معطيات الواقع الراهن لاتسوغ توقع نتائج سريعه لجهود المعارضه اعادة هيكلة العمل النقابي بألغاء القانون الحالي فأن النشاط المعني سيتم ضمن الاطر الموجودة حاليا مع ملاحظة ان التطور التدريجي للعمل العام سينعكس ايجابيا في هذا المجال.
    الي جانب النشاط والمهمات المتعلقه ببرنامج الاصلاح التعليمي مباشرة هناك مجالات نشاط ومهمات غير مباشره تسهل هذه المهمه وتستفيد من اي تقدم يتحقق في انجازها بنفس الوقت . من ذلك ، مثلا، النشاط المتعلق بتوسيع افاق التلاميذ والطلبه وغيرهم خارج المؤسسة التعليميه بأنشاء مكتبات تسليف خاصه في الاحياء بأمكانيات فرديه او مشتركه بين مجموعة اشخاص تضم كتبا ومجلات متنوعه، اضافة الي الاقراص المدمجه وغيرها من منتجات تكنولوجيا نقل المعلومات، مع التركيز علي ما يتعلق منها بالاحتياجات الثقافية الراهنه ولاسيما فهم وهضم المادة الدينيه. وهو نفس الغرض الذي يمكن ان يخدمه تشجيع بعض المعلمين المتنورين علي تنظيم دروس خصوصية، بالذات للتلاميذ والتلميذات، ويبدأ من اهتمام الاباء والامهات بالاطلاع علي مايتلقاه ابناؤهم في المدرسه ومحاولة تصحيح فهمهم للمواد الدينيه. كذلك مسألتا الزي العسكري للتلاميذ وحجاب تلميذات مرحلة الاساس اللتان تهيئان أذهان ونفسيات الاجيال الجديده للتدجين، تصلحان كموضوع لنشاط فردي او أُسري او جماعي من داخل او خارج مجالس الاباء/ الامهات.


    ( 3 ) البيان بالعمل .. كيف ؟

    صياغة الاستراتيجيه علي هذا النحو الذي يفسح مكانة خاصة للاصلاح التعليمي والمجتمع المدني يزيل العقبة الكبري امام فعالية جهود المعارضه تجاه كافة القضايا التي تتبناها مجتمعة ومنفرده في اطار صراعها مع حكم المؤتمر الوطني- الاسلامي ( التحول الديموقراطي، تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي، صيانة الوحدة الوطنيه، الخ.. الخ.. ). فغياب التفسير المقنع لمصدر ضعف فعالية العمل المعارض وكيفية إزالته دفع معظم كوادر الاحزاب والناشطين السياسييين والثقافيين والنقابيين الذين يشكلون عصب حركة التغيير والمعارضه، للانصراف الي شئون الحياه اليوميه واخرون الي الحركات الاقليميه والاهتمامات الادبيه، محملين القيادات مسئولية الفشل المتكرر. والشاهد هو ان هذه النوعية من الاوساط بالذات، حزبية ولاحزبيه، تتمتع بخاصيتين حاسمتين فيما يتعلق بأحياء العمل المعارض بمختلف اشكاله هما : التأهيل اللازم لاستيعاب صحة هذا التفسير وتقدير جدواه في صيانة جهودها وتضحياتها من الاهدار مما سيدفعها لمعاودة الانخراط في العمل العام، والثاني هو كونها تشكل الحلقة القيادية للجمهور الواسع تعبئة وتنظيما. بهذا المعني الملموس والمحدد يعتبر مجرد إعادة تأسيس استراتيجية المعارضه بإدماج هدفي الاصلاح التعليمي والمجتمع المدني والعلاقة بينهما في صلبها انطلاقا من الفهم الصحيح لجذر الازمه، مفتاحا لباب توظيف الطاقة الابداعية لهذه الشريحة النوعيه من النخب السودانيه في خدمتها بتوليد الافكار ومفردات خطة العمل اللازمه لذلك ثم تنفيذها واستنهاض المجتمع والجماهير.
    ومع قناعة صاحب هذه الورقه بأمكانية إنجاز مفردات برنامج الاصلاح التعليمي المشار اليه واسهامات المجتمع المدني الهدف- الوسيله، فأن ماتقوله الفقرة السابقه ضمنا هو ان ثبوت عدم صحة هذه التوقعات لاينفي امكانية تنامي قدرات المعارضه عموما بأعتبارها نتيجة منطقية وعمليه لارتفاع معنويات النخب القائده الناجم عن وضوح الطريق نحو بناء نظام سياسي ديموقراطي قابل للحياه وللمرة الاولي في تاريخ المعارضات السودانيه. ليس معني ذلك ان الخط البياني لمسار المعارضه بقوة الدفع هذه سيخلو من التعرجات هبوطا وصعودا. هذا ضد منطق الواقع حيث الازمة العامة متشعبة الجذور متراكمة الطبقات مما يخلق تعقيدات بنفس المستوي في التطبيق العملي تؤدي للفشل والهزائم في بعض المعارك مع القوي والمصالح والعقليات المتكلسه حول نظام المؤتمر الوطني (الاسلامي) ولكن الحصيلة النهائيه ستكون ايجابيه قطعا لان سلامة الخطوط العامه للاستراتيجيه تعني ان الاخطاء ستكون محصورة في الخطوط الثانويه مما يسهل معالجتها. علي هذا فأنه سيكون ضد منطق الواقع ايضا بقاء قوة الدفع محصورة في حيز التأثير الايجابي لوضوح الطريق علي المعنويات لان الحراك الذي ستولده زائدا امكانية اكتشاف الاخطاء وتصحيحها، سيميل بميزان القوي السياسي لمصلحة المعارضه تدريجيا الي حد او اخر بما يمكنها من تحقيق نجاحات في بعض الجوانب لاسيما تلك التي تركز عليها الاستراتيجيه، ولكن ايضا في القضايا الاخري المطروحة علي اجندة المعارضه.
    علي المدي الزمني المناسب، أستمرار هذا الميل سيولد ديناميكية دفع ذاتي تشكل في حد ذاتها عنصر زيادة لمعدل الميل، تقود الي التحول الديموقراطي المستدام، أي الذي ستزول فيه ليس فقط رموز وهياكل الانظمة الانقلابية الدكتاتوريه، كما حدث بعد سقوط نظامي انقلاب نوفمبر 58 ومايو 69، وانما أيضا عوامل إعادة انتاجها ممثلة في جفاف منابع الوعي الديمواستناري نخبويا ومجتمعيا. إذا قبلنا حيثيات الاستراتيجيه ( العلاقه بين الديموقراطيه والاستناره اوروبيا وسودانيا وعوامل تآكل الاخيرة لدينا) فأن المسار الاستراتيجي الذي تقترحه الورقه، او بديل اومكمل له شريطة التزامه بحيثيات الاستراتيجيه، هو المخرج الوحيد من الازمه العامة التي تنخر الجسدالسوداني وطنا ودولة، والاخطر من كليهما، مجتمعاً. من هنا فأن اعتراضا يتصل بطول الفترة الزمنيه التي ستستغرقها الاستراتيجية يكون غير ذي موضوع فضلا عن انه غير صحيح تماما. لقد جربنا المسارات الاخري القائمة علي المواجهة العنيفة ثم السلمية بلا ترافق مع خطوط عمل تعالج جذور قبضة النظام بالقدرالممكن من موقع المعارضه وانتهينا، ليس فقط الي مشارف الكارثه،´وانما الي بقاء وتعاظم مسبباتها. لذلك فأن الاستراتيجية التي تقوم علي استكمال هذا النقص الخطير ستختصر الزمن ايضا وذلك بمعنيين . المعني السلبي يتمثل في ايقاف إهدار الزمن، الضائع منذ عام 2000 علي الاقل، عنما قبلت المعارضه بالحل السياسي دون ادراك موجبات نجاحه فبقيت الجهود الكبيرة التي بذلتها بعض قياداتها وتضحيات الكوادر والجماهير دون مردود.اما الايجابي فهو ان اي انجاز تحققه المعارضه سيكون خطوة نحو نجاحات متواليه ومتعاظمه لانه سيكون من صنع قوي حيه تزداد كما وكيفا بأضطراد. الجسد السوداني الفاقد للمناعه فغزته الامراض التي هدت هيكله سيبدأ في توليد الاجسام المضاده ، وبقدر الجهد الفردي والجماعي الذي سيبذل لحقن هذا الجسد، وبالاحري العقل النخبوي الذي يتحكم فيه، بالمصل المضاد تكون سرعة ايقاف تغلغل المرض ومن ثم استرداد العافيه.
    في خضم الحراك المتوقع أقترابا من وضع التحول الديموقراطي علي هذا النحو فأن مصير نظام المؤتمر الوطني- الاسلامي سيتقرر، علي الارجح، وفق واحد من سيناريوين. الاول هو بقاؤه كحزب وفق حجمه الحقيقي كبقية الاحزاب سواء في الحكومة، منفردا او متحالفا مع حزب اخر،او المعارضه. السيناريو الثاني الدخول في صراع-مواجهة ، وليس صراع تنافس سياسي سلمي، بدفع من الجناح المتشدد في المؤتمر الوطني ضد معارضة حيه مدعومه شعبيا مما سيطيح به عاجلا أو اجلا. ورغم الانطباع السائد بأرجحية هذا الاحتمال بناء علي درجة التمكين العاليه والمصالح والعقليات المتحجره فأن مايجدر الانتباه اليه ان قوة الجناح المتشدد الحاليه لاتعود الي قوة النظام الذاتيه فقط وانما الي ضعف العمل المعارض وهو عنصر سيزول بالتدريج وفق هذه الاستراتيجيه. أضف لذلك ان المؤتمر الوطني هو، بقدر ما، تحالف بين ( الحركة الاسلاميه ) وفئات متعددة الخلفيات والدوافع يجمعها عدم الانتماء الي هذه الحركه. هذه التحالفيه تشكل وضع خلخله بالامكان في تركيبة حزب المؤتمر يمكن ان يصبح واقعا مع نمو قوة الطرف المعارض في المعادلة السياسيه. الي جانب ذلك الحركة الاسلامية اضحت منذ مده مواجهة بتحد من داخلها يتعلق بأسسها الفكرية والايديولوجيه من قبل تيار نقدي يتمثل في كتابات عدد من مفكريه، ربما كان الاخطر عليها من غيره لانه ليس تحديا سياسيا سطحيا كما هو الحال مع إنشقاق" المؤتمرالشعبي ". هذه الاعتبارات وغيرها ترجح عدم حتمية سيناريو المواجهه- الصراع مدعومة بحقيقة ان البيئة العربية والافريقية والدوليه لاتشجع علي قيام نظام مغرق في الدكتاتوريه مثل النظام الذي سيتمخض عنه بالضروره انتصار تيار التشدد. علي اية حال مهما كانت السيناريوهات فيما يتعلق بمصير النظام فأن المعارضه، وتاليا البلاد بأجمعها، ستكون في وضع افضل كثيرا للتعامل مع ماسيحدث إذا ما أقدمت علي مراجعة جذريه لاستراتيجية عملها سواء علي الخطوط المقترحة هنا او غيرها.

                  

08-23-2010, 08:07 PM

ضياء الدين ميرغني
<aضياء الدين ميرغني
تاريخ التسجيل: 01-29-2009
مجموع المشاركات: 1431

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي (Re: طلعت الطيب)

    تعرف يا طلعت هو ليس مقالا فقط بل هو حالة تشريح لمصائب
    الوطن العزيز , فهو المقال الأول الذى يحدد ويعرَف لاول مرة
    اسباب عزوف الشعب السوداني عن العمل السياسي ومستقبل الحركة
    السياسية من خلال استراتيجية غير مسبوقة فى الطرح السياسي السوداني
    المقال نفسه قطعة تنويرية تلقي الضوء على احفاقات الحركة السياسية السودانية
    بيمينها ويسارها . وتوفر مخرجا غير مطروق من خلال الاهتمام بالمسألة التعليمية
    الرافد الاساسى لجيل واعي ومدرك ومتحفز لصناعة تاريخ وسياسة بلده ونشله من وهدته
    بدراية واقتدار .
    كما ان قلة الاهتمام بالورقة وقلة المشاركة فيها يعكس بوضوح ان لا ديمقراطية
    بلا استناريين وهو حال يجافى معظم من يمارسون السياسة فى السودان. ويعكس على
    اقل تقدير صحة ما ذهبت اليه هذه الدراسة فى وصفهم.
                  

08-24-2010, 02:34 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي (Re: ضياء الدين ميرغني)

    Quote: وتوفر مخرجا غير مطروق من خلال الاهتمام بالمسألة التعليمية
    الرافد الاساسى لجيل واعي ومدرك ومتحفز لصناعة تاريخ وسياسة بلده ونشله من وهدته
    بدراية واقتدار .
    كما ان قلة الاهتمام بالورقة وقلة المشاركة فيها يعكس بوضوح ان لا ديمقراطية
    بلا استناريين وهو حال يجافى معظم من يمارسون السياسة فى السودان. ويعكس على
    اقل تقدير صحة ما ذهبت اليه هذه الدراسة فى وصفهم.


    العزيز ضياء
    تحياتى وتقديرى
    اشكرك على التداخل واتفق معك تماما حول اهمية الورقة، وكذلك اشاركك الشعور بالاحباط من عدم تفاعل الناس معها مع انى قررت الاتيان بها للبورد رغم المشغوليات الشديدة
    عموما نحاول انشاء الله وكلما توفر الوقت اعادة قراءتها ونقدها
    لك منى كل التقدير

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 08-24-2010, 02:39 PM)

                  

08-24-2010, 04:08 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي (Re: طلعت الطيب)

    تعرف يا ضياء اكثر شىء لفت نظرى فى هذه الورقة هى اعطاء اولوية للاصلاح التعليمى
    اعود انشاء الله
                  

08-24-2010, 09:34 PM

osama fadlalla
<aosama fadlalla
تاريخ التسجيل: 04-26-2010
مجموع المشاركات: 857

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي (Re: طلعت الطيب)

    الاخ طلعت
    تحية وشكر لاطلاعنا على هذه الورقة القيمة.
    بالتاكيد لاخلاف حول التشخيص الدقيق الوارد بها للمشكلة السودانية...فالامم تتقدم بسواعد ابنائها وهذه السواعد لاتحرك الا بعقول متحررة قادرة علي الخلق والابداع.
    لم تشترط الورقة زوال نظام الانقاذ مفترضة امكانية تطبيق استرتيجيتها المقترحة في ظله وهو امر مستحيل عملياً مهما اعطيَ من زمن. لان الانقاذ نفسها لديها مشروع معاكس تعمل علي تحقيقه بنفس الوسائل(التعليم والمجتمع المدني) وبقاء السلطة في يدها يعطيها فرصا اكبر للنجاح.
    هنالك ايضا بعض اوجه القصور ساعود اليها في مداخلة لاحقة.

    ضياء الدين ازيك
                  

08-25-2010, 03:38 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي (Re: osama fadlalla)

    ملخص ورقة استراتيجيه "معا نحو عصر تنوير سوداني " ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي

    alsawi99 @hotmail.com

    جذور الازمة العامه
    تتكون الورقة من ثلاثة اجزاء. الجزء الاول يعود بجذور الازمة السودانية المزمنه الي فشل المشروع الديموقراطي السوداني ومن ثم الي العلاقه الوثيقه بين الديموقراطيه، كثقافه ونظام سياسي، والاستناره ( سيادة العقلانيه ) كما تجلت في منبعها الاوروبي وعصر النهضة/ التنوير خلال القرنين السادس والسابع عشر، فالثانيه هي البنية التحتية الضرورية للاولي. السودان شهد ارهاصات عصر تنوير إبتداء من العشرينات اثر نشوء المنظومه التعليمية الحديثه ولكن هشاشته الموروثه الناجمه عن اختلاف الظرف التاريخي السوداني بالمقارنة للظرف الاوروبي جعلت من استمرار النظام الديموقراطي شرطا لازما لنضوجه وسببا اساسيا في الانقلاب الاول. بالاضافة للانقطاع الدكتاتوري عام 58 مرد عدم النضوج الاخر في مرحلته الاولي، كان عدم ملاءمة طبيعة النوعين من الروافع الحزبية للديموقراطيه ( الاتحادي والامه ) و( الشيوعي والاخوان) لذلك، الاول بسبب طائفيته والثاني بسبب شمولية ايديولوجيته. هنا نشأت الحلقة الشريره التي ادت لفشل المشروع الديموقراطي السوداني ومن ثم التدهور المضطرد للاوضاع العامه : تراجعٌ ديموقراطي يؤدي لتراجعٍ تنويري وبالعكس. أهم نتائج ومظاهر هذا التدهور هو التحول التدريجي للقوي الحديثه، مجموع الشرائح الاجتماعيه- الثقافية- السياسه المدينية، من حاضنة للمزيج الاستناري- الديموقراطي، الي مجال لانتشار الفكر الديني السياسي- السلفي-التصوفي. بدأ هذا التحول بوضوح منذ اواخر السبعينات مع دخول الاقتصاد السوداني مرحلة الازمه وتفاقم الضغوط المعيشيه، مستندا الي ثلاثة عوامل رئيسيه : ذوبان الطبقة الوسطي ( الحامل الطبقي للمزيج الاستناري الديموقراطي) والتداعي النوعي للنظام التعليمي ( المصدر الاول والاهم لتكوين القوي الحديثه ) وتريف المدن نتيجة انهيار هياكل الحياة البدوية- الزراعيه. في هذا يكمن التفسير الصحيح لتزايد خصائص الشموليه في الانظمة الدكتاتورية المتعاقبه واصلة قمتها مع نظام الانقاذ، وفشل محاولات استعادة الديموقراطيه بالرغم من اكتمال مقومات المعارضه كما تمثلت في " التجمع الوطني الديموقراطي " والتضحيات الجسيمه التي قدمتها بعض اطرافه والشعب افرادا وجماعات. الضعف الحاد في الوزن النوعي للقوي الحديثه هو الذي يفسر ايضا استمرار ميل الميزان السياسي ضد المعارضه وضعف فعاليتها بعد قبولها الحل السياسي وبعد اتفاقية نايفاشا، مما يتطلب اعادة النظر في استراتيجية عملها.

    مكونات الاستراتيجيه المقترحه
    علي ضوء هذا الفهم لدروس تاريخ السودان السياسي خلال المرحلة السابقه فأن اي استرتيجيه تسعي لتحقيق تقدم غير قابل للانتكاس لابد ان يكون مرتكزها الترافق بين إعادة استزراع مقومات الحداثه والاستناره وإعادة تأسيس المشروع الديموقراطي. ويعني ذلك افساح مكان لهدفين محوريين هما الاصلاح التعليمي والمجتمع المدني، ضمن منظومة الاهداف التي يطرحها العمل المعارض الان وعلي رأسها التحول الديموقراطي . الهدف الاول بديهي لان الميلاد الحقيقي لتيارات الاستناره في مختلف مناحي الحياة السودانيه ارتبط بتأسيس التعليم العصري ونشوء الشرائح الاجتماعية والسياسية الحديثه. لذلك فأن الشروع بأعادة تأسيس هذه التيارات، ومعها تصاعد الوعي الديموقراطي كما ونوعا، لايمكن تحقيقه الا عبر استراتيجية تعطي هذا الهدف الاولوية التي تتناسب واهميته. تشرح الورقة بعد ذلك تفصيلا حدود الاصلاح الممكن في ظل النظام الراهن متضمنة ملامح برنامج العمل وكيفية انجازه من خلال توظيف المجتمع المدني، كوسيله رئيسيه في الظروف الحاليه. كذلك تقدم الورقه شرحا مسهبا للكيفية التي يساعد بها تنشيط المجتمع المدني كهدف في حد ذاته في تنمية الوعي الديموقراطي بناء علي تعريف لهذا المصطلح بكونه مجموعة تشكيلات طوعيه لاحكوميه ولاربحيه مداره ذاتيا بين مجموعة من الناس لخدمة مسألة معينه تتعلق بشئون حياتهم في الحي اومكان العمل او خارجهما بصفتهم الفردية المواطنية المجردة عن اي صفة سياسيه او اثنيه- قوميه او جهويه.

    البيان بالعمل ...كيف ؟
    في الجزء الثالث والاخير منها تبين الورقة الكيفية التي يؤدي بها هذا التصور لجذور الازمة السودانيه، وتاليا العمل السياسي، وملامح الاستراتيجيه المطلوبه للخروج من الازمه، الي تذليل المصدر المباشر لضعف هذا العمل وهو الاحباط الذي يعتري عموده الفقري المتمثل في مجموعات الناشطين السياسيين والنقابيين والثقافيين الحزبيين وغير الحزبيين نتيجة فشل جهودهم وتضحياتهم. فهذه الشرائح بالذات هي الاقدر من غيرها علي استيعاب التفسير الصحيح لجذور الازمه ومايترتب علي ذلك من تعديلات في اسلوب العمل واهدافه المرحلية المترابطة، وفي نفس الوقت تحريك وتعبئة الجهود الشعبيه في المجاري والاتجاهات السليمه. ارتفاع معنويات هذه النخب القائده الناجم عن وضوح الطريق نحو بناء نظام سياسي ديموقراطي قابل للحياه وللمرة الاولي في تاريخ المعارضات السودانيه، سيميل بميزان القوي السياسي تدريجيا لمصلحة المعارضه وقوي التغيير عموما بما يمكنها من تحقيق نجاحات متصاعده في منظومة اهدافها ( التحول الديموقراطي، دار فور، الاوضاع المعيشيه الخ.. الخ..) اضافة لهدفي الاصلاح التعليمي والمجتمع المدني. علي المدي الزمني المناسب، أستمرار هذا الميل سيولد ديناميكية دفع ذاتي تشكل في حد ذاتها عنصر زيادة لمعدل الميل، تقود الي التحول الديموقراطي المستدام، أي الذي ستزول فيه ليس فقط رموز وهياكل الانظمة الانقلابية الدكتاتوريه، كما حدث بعد سقوط نظامي انقلاب نوفمبر 58 ومايو 69، وانما أيضا عوامل إعادة انتاجها ممثلة في جفاف منابع الوعي الديموقراطي/الاستناري نخبويا ومجتمعيا.
                  

08-25-2010, 06:06 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي (Re: طلعت الطيب)

    الاخ اسامة
    التحية لك على المرور الكريم والشكر على ابداء الملاحظات واتمنى ان تبقى معنا ، سأحاول مخاطبة الكاتب من خلال بريده الالكترونى لارسال الورقة بكل تفاصيلها واتمنى ان يستجيب
                  

08-25-2010, 10:44 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: التعريف البسيط لمصطلح المجتمع المدني هو كونه مجموعة تشكيلات طوعيه لاحكوميه ولاربحيه مداره ذاتيا بين مجموعة من الناس لخدمة مسألة معينه تتعلق بشئون حياتهم في الحي اومكان العمل او خارجهما بصفتهم الفردية المواطنية المجردة عن اي صفة سياسيه او اثنيه- قوميه او جهويه. من هذه الخاصية تنبع قدرة المجتمع المدني علي اجتذاب مجموعات كبيره بالمقارنة للاحزاب حول المسأله المعينه التي تقوم عليها احدي تشكيلاته، والاهم من ذلك، توفير مجال لتحمل المسئوليه بالتفاعل الحر بينهم.
    ان المخزون المعرفي والثقافة السياسية العربية والسودانيه لم يتعرفا علي مفهوم المجتمع المدني الا قبل عقدين من الزمان ونيف تقريبا، مما يفسر عدم التقدير الكامل لفعالية دوره في تقدم المجتمع والوطن من قبل الناشطين السياسيين والفكريين حتي في ظروف التطور العادي. أهم تجليات عدم ادراك هذا المفهوم والاستهانه بدوره هو انتشار ممارسات السيطرة الحزبية علي هيئاته من كافة التوجهات السياسية السودانيه وصولا الي الحد الاقصي مع حزب المؤتمر الوطني ( الاسلامي )، الامر الذي يعكس في جوهره الاستهانة بما يمكن للفرد العادي تحقيقه اذا فتح امامه مجال التفكير والعمل دون قيود لان اشتغال الافراد الحر بالقضايا التي تهمهم مباشرة، مهما كانت بسيطه، ودون ارتباطات او ظلال سياسيه مع او ضد نظام معين ومع او ضد حزب معين وانما بدافع ذاتي، ينمي روح المبادره والتفكير النقدي المستقل لدي المواطنين وهذه في الحقيقه بذرة تحرير عقل الانسان وارادته واطلاق قدراته اللامتناهيه علي الابداع. علي هذا فأن للمجتمع المدني دور رئيسي فيما يتعلق بتفكيك المرجع القاعدي لازمة الديموقراطيه وهو ضعف ركيزتها في رصيد العقلانية والاستناره السوداني. كما ان حرص الاستراتيجية علي عدم تسييس تشكيلات المجتمع المدني باخضاعها للمصلحة الحزبية مجردة كانت او موجهة ضد النظام، ليس موقفا اخلاقيا يضع المصلحة العامة فوق المصالح الحزبيه ومطلوب في حد ذاته لهذا السبب، ولكنه مفيد ايضا لهدف التنمية الاستناقراطي ويتمشي، علي اية حال، مع حالة النفور من العمل السياسي كأحد إفرازات فشله وانتشار عقلية التواكل الغيبي والروح الفرديه والميول الجهويه.
    كما هو الحال بالنسبة لهدف الاصلاح التعليمي فأن تحويل موضوع المجتمع المدني الي قضية رأي عام يقتضي أبتكار وتنفيذ مختلف الوسائل اللازمة لتنظيم حملة تثقيف وتعبئه فعاله للتعريف به والكيفية التي يؤدي بها دوره الحيوي بدء بكوادر المعارضه نفسها باعتبارهم رأس الحربه للحملة . وبما أن العمل التطوعي المدني يغطي كافة جوانب حياة الانسان واحتياجاته من حفر مجاري الخريف الي حل مشكلة دارفور، لاسيما في مجتمع تتكاثر فيه هذه الاحتياجات بسبب القصور الشنيع للجهد الرسمي، فان الحصيلة التطبيقية للحمله ينبغي ان تكون تأسيس تشكيلات المجتمع المدني في المجالات التي تنعدم فيها الان وتنشيط القائمة منها والارتقاء بمستوي ادائها الي الصورة المثلي.
    اضافة لذلك فأن الحملة ستساعد في التغلب علي العقبة الكبري في هذا الصدد وهي القيود الادارية والسلطويه التي ينطوي عليها قانون العمل التطوعي الحالي. فبينما يظل توقع امكانية تحقيق تعديل ملموس في القانون علي المديين القصير والمتوسط أمرا غير محتمل بالنظر لوضع ميزان القوي السياسي حاليا، الا ان ادارة حملة فعاله حوله تفتح الباب لحدوث التعديل علي المدي الابعد. والمطلوب الان، كما هو الحال بالنسبة للاصلاح التعليمي، اخضاع هذه المسألة لدراسة موضوعيه تحدد الممكن وغير الممكن راهنا وكيفية تحقيقه للبناء عليه مع تحسن وضع التوازن. ولابد لمثل هذه الخطه ان تتضمن هدفا هو في مقدور المعارضة تماما : تطهير صفوفها من العناصر المنتمية اليها التي تمارس تشويها لهيئات المجتمع المدني لايقل عما تمارسه الاوساط الرسميه يتمثل في احتكار المواقع القيادية او/ و استخدامها للاسترزاق الاعاشي والاستمتاع بأمتيازات السفر وغيره أو استغلالها كسلم للوصول الي وظائف في المنظمات الدولية والاقليميه. هذا شرط لايقل اهمية عن شرط تجنب التسييس لنجاح الحمله.
    من جهة أخري يشار الي ان التمويل يشكل عقبة كبري في وجه التوسع بتشكيلات المجتمع المدني لانه مهما بلغ النجاح في تعبئة الموارد السودانية الداخلية والخارجيه، فأنها ستقصر كثيرا عن الوفاء بأحتياجات نشاطات المجتمع المدني نظرا لتعدد جبهاته مع ضعف موارد السودانيين بسبب انتشار الفقر الذي يجعل الاغلبية العظمي عاجزة عن الدعم المالي بل وحتي عن تغطية تكاليف بسيطه مثل اجر المواصلات للمشاركة في العمل التطوعي. هذا ماسيجعل الاستعانة بالتمويل الخارجي والعون الفني (التدريب وغيره ) من المصادر الدولية والاقليمية والثنائيه لامفر منه مع توضيح الاحتياطات اللازمه في الخطه تجاه اي اجنده خفيه للمانحين واخري لمواجهة هجوم السلطه الدعائي والقانوني من هذا المدخل بحجة العماله وغيره. وهو هجوم مؤثر حاليا بسبب انتشار القابلية للاستجابة الي هذا النوع من التعبئه التي توحد بين الوطن والنظام في ظروف الانخفاض المريع لمستوي الوعي العام، وتشكل الشفافية الكامله خط الدفاع الرئيسي امامه.
    بمرور الوقت المصحوب بعمل جاد ومثابر ومدروس ستتكاثر هيئات المجتمع المدني وتتحسن نوعيتها ويتعاظم الاثر الايجابي للطبيعة الاختيارية للروابط بين اعضائها في تطوير العقلية والسلوك، وهي تمارس نشاطها من خلال علاقة الاقناع والضغط مع الدوله كأجهزة بيروقراطيه و حزب حاكم وقياده رسميه حول المسألة التي تتبناها الهيئة المعينه. وبالرغم من لاسياسية هذه الهيئات فأن كون طبيعتها تنمي قابلية التفكير والتصرف الايجابي والمستقل توفر المناخ الملائم لانتاج نوعية راقية وفعاله من العضوية الحزبيه تعيد الاعتبار للعمل السياسي الحزبي في نظر الجمهور الواسع ومن ثم الاقبال عليه.
    لقد لعب المجتمع المدني دورا مباشرا في الانتقال من الانظمة الشمولية الي الانظمة الديموقراطيه كما هو الحال في بولندا وتشيكوسلوفاكيا وغيرهما حيث ادت خصوصيات الشمولية فيهما الي تفريغ الساحة من الاحزاب، ولكن الواقع هو ان مفهوم المجتمع المدني يتسع ايضا للتكوينات الحزبيه إذا توفر فيها شرط الديموقراطيه الداخليه لكونها اطر تنظيميه غير حكوميه تضم مجموعة من المواطنين علي اسس تطوعيه وغير ربحيه. بذلك يطرأ تغيير هام علي مفهوم العمل السياسي الحزبي كما يمارس في السودان اذ تصبح ديموقراطيته هي جوهر تعريفه لكونها الوسيلة الوحيدة لتحقيق الهدف منه وهو تنظيم مشاركة المواطنين في الحياة العامه، وليس مجرد العضوية النشطة اوالخامدة في الاحزاب او مناهضة الحكومة او تأييدها. وفق هذا التعريف فأن اكثر الاحزاب عداء لسلطة دكتاتوريه يكون من اقوي دعائمها اذا انعدم فيه شرط الديموقراطيه لانه يساهم بذلك في تشكيل العقلية الشمولية التي يجسدها النظام ففاقد الشئ لايعطيه. وهو مايفسر حقيقة ان أحزابنا التي استعادت الديموقراطيه في عامي 64 و 85 هي نفسها التي فشلت في الحفاظ عليها بتطويرها وتجذيرها في العقلية والسلوكيات الجمعيه .وحقيقة الامر هي ان عملية ( الدمقرطة/ الدقرطه ) في الاحزاب السودانيه لم تبدأ جديا الا بعد انقلاب الجبهة القومية الاسلاميه ولازالت تواجه صعوبات كبيرة بعضها ناتج عن المقاومة من قبل مراكز ومصالح وعقليات داخلية مؤثرة فيها والاخر عن ظروف الضغط الدكتاتوري الخارجي الناعم والخشن التي تتم فيها العمليه، متفاعلة مع السبب القاعدي وهو الشح التاريخي للرصيد الاستناري وتقلص القدر الضئيل المتحقق منه .
    2 - ب -2 تنشيط المجتمع المدني كوسيله

    كما هو الحال بالنسبة للمجالات العديده التي تغطيها نشاطات العمل التطوعي المدني من ابسط المسائل الي اعقدها، فقد كان ولازال للمجتمع المدني دوره في تطوير التعليم حتي في الظروف العاديه. واستثنائية دوره في الاستراتيجية المطلوبه للعمل السياسي السوداني الان تعود الي كونه المصدر الوحيد تقريبا للتاثير علي السلطه بسبب ضعف المصدر الحزبي مع ملاحظة ان الشرط الاساسي لقيام المجتمع المدني بهذا الدور التعويضي لدور الاحزاب هو التزامها، حرفا وروحا، بتحييد هيئاته سياسيا مهما كانت قوة حوافز التصرف المعاكس سواء كرد فعل لتصرفات المؤتمرالوطني او تأثرا لاشعوريا برواسب تقاليد تسييس النقابات والاتحادات من قبل احزاب المعارضه. ومهما كانت صحة الحجة القائله باستحالة التحييد الكلي للمجتمع المدني سياسيا خاصة في ظروف العالم الثالث، فأنها غير ذات موضوع بالنسبة للمعارضه لان اللاتسييس هو الخيار الوحيد امامها.
    وبما ان الاهداف المتوخاة في هذا المجال تشمل توعية وتعبئة المجتمع أفرادا وجماعات حول هذه القضيه وصولا الي التأثير الضاغط مباشرة وغير مباشرة علي السلطة الحاكمه، حسب تقدير توازن القوي في اللحظة المعينه، فأن خطة العمل تتسع للخطوات الجزئية والبسيطه وصولا الي اكبرها وتتسع بالتالي للجهود الفرديه وكذلك الجماعية من ابسط اشكالها وأحجامها الي اعقد اشكالها واكبرها. من نماذج النشاط الذي يدخل في هذا الاطار توسيع اهتمامات العضوية في مجالس الاباء والامهات في حي معين خارج حيزه التقليدي، دعم المدرسه الخ.. الخ..، لتشمل الشكوي الفرديه ثم الجماعيه من السلم والمناهج والتمويل حسب مايرد في البرنامج ومايتعلق به. ثم تطويرها في شكل مقابله او مذكره لمخاطبة الجهات الرسمية المحليه بهذا الشأن بواسطة المجلس او ممثلين عنه في حي معين او عدة احياء تقع في نطاق الجهة الاداريه المعنيه. حذف الحكومه ولائية كانت او مركزيه من الصوره في هذاالنموذج من النشاطات الممكنه يساعد أيضا في التأكيد علي لاسياسيتها مما يسهم في توسيع دائرة المهتمين بها كما انه يدرب المواطنين علي فكرة مساءلة الخدمه العامه وليس السلطة السياسية فقط علما بأن هذا النوع من الضغوط علي الخدمه العامه سيجد طريقه للتأثير في السلطة السياسيه عندما يتكثف الي درجة معينه بسبب التداخل التمكيني ( الانقاذي ) بين السياسي والاداري . وحتي إذا لم تتأثر مباشرة فأن المكسب الاهم هو تطوير وعي الناس العاديين وجذبهم الي مجال العمل العام الذي سيؤثر حتما علي المدي الابعد. وبطبيعة الحال يمكن الذهاب بهذه النوعيه من الشكاوي والمطالبات درجة اعلي الي الجهات السياسيه حسب تقدير امكانية حصول فائدة من ذلك.
    ونظرا للدور الخاص للعمل النقابي في اوساط المعلمين والطلبه ومنتسبي الوزارات المختصة في مجال الاصلاح التعليمي فأن التركيز علي هذه الاوساط ضمن حملة البرنامج ذو اهمية بديهيه بينما يعني الالتزام الكلي بتجنب التسييس ان الاولويه هي دائما لهدف الاصلاح التعليمي ببنوده المحددة في البرنامج وليس لاضعاف النظام الحاكم سياسيا، وإن كان لممارسة من هذا النوع نتائج ايجابية غير مباشره ومضمونه في هذا الصدد.علي ذلك فأن تقييم مدي فائدة أي خطوة تأثير او ضغط علي السلطه الحكوميه، مثل تقديم عريضه او تنظيم موكب أو اعتصام في تحقيق هدف الاصلاح ينبغي ان يتم بهذا المعيار فقط. وبما ان معطيات الواقع الراهن لاتسوغ توقع نتائج سريعه لجهود المعارضه اعادة هيكلة العمل النقابي بألغاء القانون الحالي فأن النشاط المعني سيتم ضمن الاطر الموجودة حاليا مع ملاحظة ان التطور التدريجي للعمل العام سينعكس ايجابيا في هذا المجال.
    الي جانب النشاط والمهمات المتعلقه ببرنامج الاصلاح التعليمي مباشرة هناك مجالات نشاط ومهمات غير مباشره تسهل هذه المهمه وتستفيد من اي تقدم يتحقق في انجازها بنفس الوقت . من ذلك ، مثلا، النشاط المتعلق بتوسيع افاق التلاميذ والطلبه وغيرهم خارج المؤسسة التعليميه بأنشاء مكتبات تسليف خاصه في الاحياء بأمكانيات فرديه او مشتركه بين مجموعة اشخاص تضم كتبا ومجلات متنوعه، اضافة الي الاقراص المدمجه وغيرها من منتجات تكنولوجيا نقل المعلومات، مع التركيز علي ما يتعلق منها بالاحتياجات الثقافية الراهنه ولاسيما فهم وهضم المادة الدينيه. وهو نفس الغرض الذي يمكن ان يخدمه تشجيع بعض المعلمين المتنورين علي تنظيم دروس خصوصية، بالذات للتلاميذ والتلميذات، ويبدأ من اهتمام الاباء والامهات بالاطلاع علي مايتلقاه ابناؤهم في المدرسه ومحاولة تصحيح فهمهم للمواد الدينيه. كذلك مسألتا الزي العسكري للتلاميذ وحجاب تلميذات مرحلة الاساس اللتان تهيئان أذهان ونفسيات الاجيال الجديده للتدجين، تصلحان كموضوع لنشاط فردي او أُسري او جماعي من داخل او خارج مجالس الاباء/ الامهات.



    كلام الصاوى فى غاية الاهمية وبالرغم من ان المرحوم الخاتم عدلان كان فى تقديرى من اوائل من تطرق لهذه المسألة فى دراسته الشهيرة (ان اوان التغيير ) وتقييمه لتجربة الحزب الشيوعى فى تجريده للمجتمع المدنى من الراى الاخر وتجفيف منابعه ومصادرة استقلاليته الا ان حركتنا (حق) للاسف لم تولى الموضوع العناية التى يستحقها
    ساجاول ايضا هنا ان اعقد مقارنة بين ورقة الصاوى و( المنطلقات الاساسية والقيم الكلية لبرنامج حق ) واعتقد ان هذه الورقة اكثر تقدما وعناية بالامر من وثيقتنا فيما يخص هذه المسألة
    مما يلقى على المؤتمر العام الرابع للحركة اعباء فكرية وسياسية حقيقية

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 08-27-2010, 01:15 AM)

                  

08-27-2010, 01:10 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي (Re: طلعت الطيب)

    الصاوي والإستراتيجية البديلة ( جريدة الاخبار 18 أغسطس 2010 )

    الكاتب/ فيصل محمد صالح

    Wednesday, 18 August 2010

    يعتبر الأستاذ عبد العزيز حسين الصاوي (محمد بشير) واحدا من أكثر الكتاب والمفكرين السودانيين عكوفا على

    القراءة والمراجعة المستمرة لواقعنا السياسي والاجتماعي، وقد أتاح له وجوده الطويل بالخارج أن ينظر للأمور بعمق

    وتمهل ويعمل فيها مبضعه باقتدار وتمكن، لا تتيحها الظروف لمن يكتب من هنا، كما أن اتساع أفق الصاوي وملامسته

    لتجارب إقليمية وعربية وعالمية جعلته يعمل بذهن مفتوح ومنفتح. والصاوي، الذي عرف بهذا الاسم لسنوات طويلة،

    رغم أن اسمه الحقيقي هو محمد بشير، رفد المكتبة السودانية والعربية بكثير من الكتب المهمة والمحفزة على

    التفكير والتفاعل معها، اقترابا أو ابتعادا. هذا بجانب مقالات كثيرة في صحيفتي "الصحافة" و"الأحداث" وقبلهما

    "الخرطوم" و"الأضواء"، وموقع "الحوار المتمدن"ومجلة المستقبل العربي" وغيرها.


    ويكتب الصاوي كثيرا في مسالة مراجعة أفكار ومواقف التيار القومي، الذي جاء من صفوفه، ثم قضايا الهوية

    والديمقراطية والوحدة في السودان، وإشكاليات التخلف والتنمية. وقد عكف خلال الشهور الطويلة على موضوع

    الاستنارة والمعرفة وعلاقتهما بالديمقراطية وكتب سلسلة من المقالات في هذا الاتجاه، توجها بورقته الأخيرة والتي

    تحمل عنوان "معاً نحو عصر تنوير سوداني - إطار عام لإستراتيجية معارضه مختلفة".

    ويبدأ الصاوي بتحليل جذور الأزمة السودانية التي يرجعها للفشل في تأسيس مشروع ديمقراطي سوداني بسبب

    قصور النمطيين الحزبيين التقليدي (الأمة والاتحادي) والحديث (الشيوعيون والإسلاميون والقوميون) وعجزهما عن

    احتضان رصيد استناري ونهضوي لا غنى عنه لأي مشروع ديمقراطي. ففي عرف الصاوي، مثلما أن لا ديمقراطيه بلا

    ديمقراطيين، أيضا لا ديمقراطيين بلا استناريين. وهولا يصل لهذه النتيجة بالقفز العمودي، ولكن عبر تحليل مطول

    وممتع. ويصل لأن حتى حضور الحركة الشعبية في السنوات الأخيرة لم يستطع أن يغير المعادلة لصالح الاستنارة

    لمحدودية دور الحركة بسبب قيود نيفاشا من جهة، وتضعضع الوزن النوعي للقوي الحديثة وبالتالي ضعف القابلية

    للتجاوب مع مضمون شعار " السودان الجديد ".

    ويطرح الصاوي إستراتيجية جديدة لمعارضة مختلفة تقوم على الترافق بين إعادة استزراع مقومات الحداثة

    والاستنارة وإعادة تأسيس المشروع الديمقراطي، قائلا إن أي معارضة تتجاهل هذين البعدين ستفشل في طرح

    نفسها كخيار بديل، مهما حققت من نجاحات عسكرية، وحتى لو أسقطت النظام فإنها ستعمل على إعادة إنتاج

    الأزمة العامة بما يولد أنظمة أكثر شمولية.

    وتقوم الإستراتيجية على جناحي الإصلاح التعليمي والمجتمع المدني. فهي تدعو لإصلاح السلم التعليمي، تخفيف

    حجم المنهج، وزيادة نصيب التعليم في الميزانية الاتحادية والولايات. ثم تدعو لتوظيف المجتمع المدني كهدف،

    وتنشيطه كوسيلة للإصلاح والتعيير كما حدث في عدد من دول أوروبا الشرقية.

    ويقول الصاوي إن العمل في هذين الاتجاهين سيزيد من فعالية المعارضة تجاه كل القضايا التي تتبناها مثل التحول

    الديمقراطي، تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي، صيانة الوحدة الوطنية.. الخ.وهو يراهن بأن الحراك الذي ستولده

    هذه الإستراتيجية ، سيميل بميزان القوي السياسي لمصلحة المعارضة تدريجيا بما يمكنها من تحقيق نجاحات في

    بعض الجوانب لاسيما تلك التي تركز عليها الإستراتيجية، ولكن أيضا في القضايا الأخرى المطروحة على أجندة

    المعارضة.

    أتمنى أن لا يكون هذا التلخيص مخلا، لكنه على العموم لا يصلح بديلا عن قراءة الورقة وإنما هدف لتحفيز المهتمين

    بقراءة الورقة ومناقشتها، ومهما كان الموقف من الورقة فإن مجرد الانخراط الجاد في نقاش مثل هذا سيرفع من

    مستوى الحوار إلى قضايا إستراتيجية وفكرية عالية القيمة، وفي هذا وحده خير كثير.
                  

08-27-2010, 04:09 AM

فضل الله خاطر

تاريخ التسجيل: 08-21-2009
مجموع المشاركات: 291

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي (Re: طلعت الطيب)

    up
                  

08-27-2010, 08:16 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي (Re: فضل الله خاطر)

    الاخ فضل الله
    التحية لك على المرور الكريم واشكرك على رفع البوست
    لى عودة
                  

08-28-2010, 08:22 AM

عبداللطيف حسن علي
<aعبداللطيف حسن علي
تاريخ التسجيل: 04-21-2008
مجموع المشاركات: 5454

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي (Re: طلعت الطيب)

    العزيز طلعت

    لك الشكر علي نشر هذه الورقة بما تطرحه

    من قضية حيوية وهامة..

    واتفق معك ان مجرد قراءتها يعتبر مساهمة جيدة في الاهتمام

    بالقضية-الازمة.

    احد المشاركين في هذا البوست بدا محبطا من امكانية تبني

    اطروحات هذه الورقة في وجود نظام سياسي يعمل في الاتجاه المعاكس

    دوما بوعي او بغير وعي ، لانتاج الجهل السياسي وتعميق الجهل الاجتماعي

    بوتائر سريعة وذلك باتباعه عمليا لوسائل تنشيط المجتمع في الاتجاه

    المعاكس لما تطرحه الورقة منذ زمن بعيد..

    المشكلة ياعزيزي طلعت تبقي في غياب اي امكانية لخلق وإنشاء او إعادة

    إنشاء مواعين تنظيمية ، حتي لو كانت منظمات مجتمع مدني كما هو الحال

    سابقا من مواعين اسست لمدارس مازالت باقية كمجالس الاباء وتنظيمات

    النفرة الاجتماعية وروابط الاحياء والمدن والمنظمات الحزبية الجماهيرية

    وروابط الخريجين والاندية الثقافية في الاحياء والمدن ..

    نجحت الانقاذ في إفقار الشعب السوداني لدرجة لايمكن تصورها علي الاطلاق

    فاصبح الهم ان تعود الي بيتك سالما ومعك مصاريف المدارس ووجبة الافطار

    والغداء ليوم غدا..حتي الجريدة اصبحت قراءتها مستحيلة ويفكر المواطن

    طويلا قبل دفع قيمتها..

    تحولت الاسر الي اسلوب تكوين الجمعيات العائلية علي اساس ضيق مغلق

    لاسرة ممتدة او جزء من قبيلة علي مستوي الرجال والنساء والهدف منها

    حل المشاكل الداخلية المالية وكنوع من التواصل بعد ذلك ..

    المجتمع السوداني منهار للغاية والجميع علي حافة التسول بطرق عصرية

    ان لم يكن تسول واضح ..

    يبدو ان الورقة صفوية للغاية ويحتاج الكاتب نفسه لورقة تعيده الي واقع

    البلد المنهار قبل طرحه اليوتوبي هذا رغم انه قد يصح يوما ما!
                  

08-28-2010, 05:56 PM

ضياء الدين ميرغني
<aضياء الدين ميرغني
تاريخ التسجيل: 01-29-2009
مجموع المشاركات: 1431

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: العزيز ضياء
    تحياتى وتقديرى
    اشكرك على التداخل واتفق معك تماما حول اهمية الورقة، وكذلك اشاركك الشعور بالاحباط من عدم تفاعل الناس معها مع انى قررت الاتيان بها للبورد رغم المشغوليات الشديدة
    عموما نحاول انشاء الله وكلما توفر الوقت اعادة قراءتها ونقدها
    لك منى كل التقدير

    شكرا طلعت
    الورقة هى مشروع مقترح للحوار بين المثقفين والقوي السياسية
    لذلك من المهم ان نسمع ونحاور كل من له راى مخالف حتي تكتمل
    واجزم ان الاستاذ عبد العزيز حسين الصاوي (محمد بشير) هو اكثر
    من يسعد بهذا الحوار .
    حينما اقام حزب البعث السوداني فى هولندا ندوته الشهيرة التي
    تحدث فيها الاستاذ الصاوى كان طرح هذه الاستراتيجية او بعضا منها
    بالذات حول ما يختص بالمسالة التعليمية وتطويرها فى ظل وجود النظام
    مجالا لنقاش واسع ومثمر من جانب الحضور . وقد اجاب الاستاذ نفسه على
    العديد من الاسئلة التى تختص بهذا الجانب . ساوردها لاحقا.
    ولكن المأخذ الاساسي الذي آخذه على المثقفين والقوى السياسية هو
    عدم التطلع والقراءة المعمقة ليس للورقة فقط بل كل المواضيع السياسية
    المهم والرصينة لمناقشة كافة قضايا الوطن ودونك مسألة الاستفتاء الذى لم
    يتبقى له مائة وبضع اربعين يوما.
    ما هى مساهمة المثقفين السودانيين والقوى السياسية الا من رحم ربى فى هذه
    المسألة؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    سأعود لمواصلة الحوار حول الورقة .
    شكرا مجددا اخي طلعت الطيب
                  

08-28-2010, 06:51 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي (Re: ضياء الدين ميرغني)

    الاعزاء ع اللطيف وضياء
    اشكركم على المرور والمساهمة وعلى الرغم من عدم توفر الزمن هذه الايام الا اننى سأبذل غاية الجهد للتواجد هنا واعطاء هذه الورقة الاولوية التى تستحقها ، وقد تبادلت رسالة مع الاخ الصاوى حول الامر يا ضياء وتأكد لى فعلا انه حريص على النقد والاراء التى يمكن ان تفيد فى تطويرها ..
    كما اوضح عنوان الورقة لا بد من التطرق الى الاسئلة الاساسية حول ماهية التنوير واعتقد اننا فى حاجة الى الاستعانة باراء بعض الفلاسفة المهمين لمعرفة الاخطاء التى صاحيت التنوير الاوروبى وهى الاشياء التى اشار اليها كاتب الورقة عندما تحدث عن فشل الاحزاب الشيوعية والقومية والاخريات حيث لا يستقيم الظل فى تقديرى والعود اعوج واقصد بالعود الامراض التى ورثناها عن طفل الانوار الاوروبى
    يهمنى جدا وعلى هامش هذه الورقة ان تتم عرض لبعض اراء المفيلسوف العظيم امانويل كانط فى موضوع التنوير مع التعليق عليها حتى تضح الصورة ثم اتعرض للعلاقة الشائكة بين الاحزاب السياسية والمجتمع المدنى ..

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 08-28-2010, 06:53 PM)

                  

08-29-2010, 06:24 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: تعقيب من عطا البطحاني جريدة الاخبار 26 اغسطس 2010

    الكاتب/ فيصل محمد صالح

    Thursday, 26 August 2010

    وصلني هذا التعليق من الدكتور عطا البطحاني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، وأحد الناشطين في الحقل

    السياسي والمدني كتابة وبحثا بجانب نشاطه في التدريس والتدريب وتقديم الاستشارات العلمية، تعليقا على

    ماكتبناه في هذه الزاوية بتاريخ 18 أغسطس بعنوان "الصاوي والإستراتيجية البديلة".


    الأخ الأستاذ فيصل،

    شكرا لما كتبت قبل أيام (18 أغسطس 2010) في عمودك المقروء، مبادرا بالدعوة لتناول ورقة الأستاذ عبد العزيز

    الصاوي "نحو إستراتيجية للمعارضة" بالتعليق والدراسة في إطار دعوة اكبر لنقاش جاد لمآل الحالة السياسية في

    البلاد بأمل تحليل وفهم ما يجري كمقدمة للخروج من المأزق الراهن خاصة عندما يصادر النظام الوطن.

    1. فور اطلاعي على الحلقة الأولى لمقالات عبدالعزير الصاوي كنت قد نويت - إن وجدت الوقت - أن أناقشه كامتداد

    لنقاش بيننا عندما قدمت في نوفمبر 2009 ندوة حول تشريح الأزمة السودانية في مركز الخاتم عدلان، شارك فيها

    عبدالعزيز، مع آخرين، بالتعليق، وطرح ضمن ما طرح بعض أفكاره كما جاءت تفصيلا في الحلقات.

    2. ليس من العسير القول بأن البلاد على مشارف حقبة جديدة، القديم يقاوم ولا يريد أن يموت، وان مات فببطء،

    والجديد يتشكل ولم يولد بعد، إنها حقا مرحلة

    interregnum

    والجديد المرتجى والمرتقب قد يولد وقد لا يولد، أو قد

    يولد مشوها أو بمناعة ضعيفة، وربما يقوى على المسير بمرور الوقت، والخلاصة لا ندرى على وجه الدقة بأي شكل

    سيولد الجديد إن ولد!

    3. لامس عبدالعزيز الصاوي، في ما كتب، هواجس وتخوم هذه المرحلة التاريخية بتناول عميق بهدف التطلع لتبين

    ملامح برنامج عمل وطني جديد. وهو هنا ليس وحيدا فهناك عدد من الكتاب السودانيين يعتريهم نفس الشعور. نذكر

    على سبيل المثال مقالات دكتور النور حمد في الأحداث "لماذا ينهض مارد الهضبة ويغفو مارد السهل"؟ ومقالات

    دكتور الشفيع خضر حول المشهد السياسي وتعليق زين العابدين صالح عليها، بالإضافة إلى كتابات سودانيي المهجر

    دكتور تيسير محمد احمد على ودكتور الواثق كمير وغيرهم .

    4. اقترح أن تتبنى مؤسسة طيبة برس ندوة يقدم فيها عبدالعزير الصاوي ورقته دفعة واحدة وتتاح لنا الفرصة للتعليق

    والنقاش الجماعي، وسأقدم تعليقا عليها هو جزء من سلسلة مقالات، أقوم بإعدادها حول هذا الموضوع، مساهمة

    في النقاش العام.

    5. أرجو أن نسمع منك ردا على هذا المقترح، وهو في الحقيقة تعضيدا لما جاء في عمودك بذاك التاريخ.

    عطا البطحانى

    جامعة الخرطوم

    شكرا للدكتور عطا البطحاني، وبالتأكيد سننتهز فرصة وجود الأستاذ الصاوي بالخرطوم، لو كان موجودا بها الآن، أوفي

    أي زيارة مقبلة، لتنظيم ندوة يقدم فيها ورقته كاملة بما يتيح فرصا لنقاشها بشكل واسع.
                  

08-29-2010, 07:08 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : (Re: طلعت الطيب)

    عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء :
    هوامش على ورقة : معا نحو عصر تنوير سوداني : إطار عام لإستراتيجية معارضة مختلفة ...
    أحمد ضحية – كارديف/ لندن – بريطانيا
    مقدمة :
    الأستاذ عبد العزيز حسين الصّاوي أو (محمد بشير)أحمد المفكرين السودانيين القلائل الذين ظلّت تتآكلهم أسئلة الوطن الحارقة .. بدءً يسؤال الهُوِّية الذي تمكن خلال محاولة الإجابة عنه من إحداث نقلة كبيرة في تفكير التيار القومي العربي , من خندق العروبة الضيق في نظرتها لواقع السودان , إلى الإعتراف بالمكوِّن الأفريقي ,كمكون أساس في هُوِّية السودان الثقافية والحضارية ..وهو ما أطلق عليه الصّاوي – وقتها – الهُوية المزدوجة .. والتي إختلفنا أو إتفقنا معها كتصور أو مفهوم , لن يلغي ذلك أنها رؤية مغايرة وجديدة لما ظل القوميون العرب أو البعثيون على وجه الخصوص يعتقدونه بشأن هُوَّيَة السودان! ما يعد نقلة كبيرة أيا كانت طبيعة التحفظات حول مفهوم "الإزدواج" ..
    وبهذا المعنى تمثل كتابات الصّاوي حول الديموقراطية والحرية والمجتمع المدني والهُوِّيَة ,رؤى تجديدية تضع إسهاماته في القلب من المجرى العام لقوى الديموقراطية والتنوير والتجديد والحداثة ..
    من جهة أخرى إعلاء الصاوي المستمر لقيمة الحرية وإحتفاءه بالديموقراطية في كتاباته العديدة , بمثابة النقلة الكبرى في التفكير داخل النسق العقائدي المغلق , إلى مستوى في التفكير المنفتح على الإعتراف الموضوعي بواقعالتباين والتعدد والتنوع الذي يسم بلادنا , ولذلك في -ظني الخاص- تتصل ورقته الأخيرة :"معا نحو عصر تنوير سوداني- إطار عام لإستراتيجية معارضة مختلفة" بإسهاماته السابقة خصوصا : حوارات الهوية والأزمة الوطنية , والهوية المزدوجة.. ومقالاته العديدة حول التعليم والمجتمع المدني والديموقراطية والإستنارة .. و أن يأتي هذا النوع من التفكير من أحد تيارات البعثيين ذات الثقل أو الوزن الفكري المقدر , هذا يعطي الأمل في توسيع مواعين القوى الجديدة الديموقراطية , لتحقيق حلم قديم عزيز "فدرالية القوى الديموقراطية الجديدة" كإطار عام لإستراتيجية معارضة معنية بالتنوير والتحديث والديموقراطية في السودان , كأهداف معلنة مشتركة ضد قوى الظلام والإستبداد ...
    نواصل..
                  

08-29-2010, 08:10 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : (Re: احمد ضحية)

    (1-6) : في هذه الإستراتيجية يثير الصاوي أسئلة متجددة حول جذور الأزمة السودانية ,بتركيزه على الديموقراطية ليتبادر إلى الذهن سؤال تلقائي حول إمكانية تطبيق الديموقراطية على مجتمع غير ديموقراطي , بحكم ثقافته غير الديموقراطية , ما يطرح ضرورة البدء بمعالجة الثقافة الإجتماعية والسياسية أولا , ففي ظل ثقافة مستبدة ومجتمع لا يحتفي بالديموقراطية , يصبح الحديث عن الديموقراطية أشبه بالحديث عن خيارات النخبة وليس الشعب الغارق في محن الفساد والإستبداد وهموم اليومي المعاش , خاصة أن قضية الديموقراطية في السودان ,ظلت أشبه بالأدة التي تصل خلالها النخب الحزبية إلى السلطة , لتفرغها بعد ذلك من مضمونها الإجتماعي وأبعادها التنموية ودورها الخلاق في التنوير والحداثة ..الأمر الذي ظل ينتج إنقلابات عسكرية أو آيديولوجية عمرها أطول من عمر التجارب الديموقراطية , كما في تجربتي مايو 1969 – أبريل 1985 و يونيو 1989 الإسلاموية المستمرة حتى الآن ..
    لكن هل يعني ذلك عدم الإيمان بالإمكانية الذاتية لمعالجة الديموقراطية لنفسها بنفسها متى أستقرت وترسخت نسبيا في واقع مثل واقع السودان ! أو هل يعطي ذلك نوعا من المشروعية للإنقلابات العسكرية - حتى قبل أن تكمل الديموقراطية دورتها كما في 1956-1958 و 1964- 1969 و 1985- 1989.. قطعا لا ..
    مع ذلك يظل ثمة سؤال حيوي يتعلق بالنخب الحزبية التي تصل إلى البرلمان عبر العملية الديموقراطية , ودورها في عمليات الإصلاح الديموقراطي داخل أحزابها العتيقة ,الشبيهة بالتكوينات الوراثية الملكية أو العقائدية ذات الطابع العسكري .. والتي لا يتم داخلها أي نوع من التداول المرن للسلطة , وهو عامل ينعكس من داخل الحزب إلى خارجه في جهاز الدولة , وهو في ظني من العوامل الأساسية التي أسهمت في الإنقسامات الحزبية والإنقسام في المجتمع والدولة ضمن عوامل أخرى عديدة ..وأنعكس قبل ذلك على شعار الديموقراطية ,محولا إياه إلى شعار خال من محتواه النبيل ! وهي عملية في تقديري الخاص بمثابة الإمتداد لحالة التفريغ المستمر للعديد من الشعارات والمفاهيم العزيزة من محتوياتها النبيلة : كإفراغ شعارات : الحكم الذاتي , الفدرالية ,اللامركزية .. من مضامينها العزيزة على جماهير المجتمعات السودانية في المركز والأطراف في مراحل مختلفة من تاريخ السودان الحديث ! هذا التفريغ واسع النطاق للشعارات من معانيها المطلوبة أسهم في الحروب الأهلية التي طالت جهات البلاد الأربعة , ما يهدد وحدتها بالتمزق بالتالي السودان بحدوده الحالية إلى التلاشي !..
    ولذلك في ظني أنه من الصعب تحقيق ديموقراطية فعالة على أرض الواقع ما لم تتم عملية "دمقرطة" للقوى السياسية نفسها خلال عمليات الإصلاح الحزبي – التي يذهب الكثيرون إلى أن أوانها قد فات؟! – فلا ديموقراطية بلا ديموقراطيين!! ..
    نواصل
                  

08-29-2010, 08:55 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : (Re: احمد ضحية)

    (2-6): يشير الأستاذ عبد العزيز حسين الصّاوي في ورقته "نحو عصر تنوير سوداني" إلى عملية التطور التي أدت إلى إنبثاق فكرة ومفهوم الديموقراطية وأثر هذا المفهوم في أنشطة دعاة الإصلاح الديني والإجتماعي : الطهطاوي , محمد عبده , الأفغاني , طه حسين وغيرهم .. لكن الشاهد في الحالة السودانية أن مشروع المنوِّر الغربي عموما سواءً أتي عن طريق الإتصال المباشر مع الغرب أو عن طريق الوسيط العربي والإسلامي قد تم الإنقلاب عليه مبكرا .. منذ اللحظة التي أعتمد فيها الإستعمار الإنجليزي – المصري على زعماء القبائل والطوائف بدلا عن الإعتماد على خريجي التعليم المدني الوليد؟! كردة فعل مضادة لثورة 1924!!..
    إذن تم الإنقلاب على مشروع المنوِّر الغربي في السودان وهو لا يزال جنينيا , لم تكتمل بلورته بعد . ما فتح الطريق واسعا لإجهاض كل المحاولات المحدودة لعمليات الإزاحة للمفاهيم التعسفية في البنى الإجتماعية وإحلال مفاهيم الديموقراطية والإستنارة محلها , وفي ظني أن هذا يمثل أحد أسرار إستمرار الحلقة الجهنمية : ديموقراطية , إنقلاب .. ديموقراطية, إنقلاب.. لكن يظل أيضا ثمة سؤال طرحته ورقة الصاوي "معا نحو عصر تنوير سوداني" التي حددت إرهاصات عصر التنوير السوداني ببداية عشرينات القرن الماضي ,بإشارتها إلى عدد من التكوينات ذات الطابع الإجتماعي السياسي والأدبي الفكري كجمعية أب روف على سبيل المثال , بإعتبارها التكوين الذي أنبثق عنه مؤتمر الخريجين ومن ثم الاحزاب السياسية .. الملاحظة هنا : أنه من الصعب تفسير خلافات وإختلافات هذه الجمعية – بالتالي مؤتمر الخريجين فالأحزاب السياسية- حول مسألة الهوية والجنسية السودانية – الآفروعروبية مقابل العروبة – هذا الإنقسام حول الوعي الجنيني بالذات شكّل البذرة الأولى لكل الإنقسامات اللاحقة في الذات والمجتمع ؟!.
    ترتب على هذا الإنقسام منذ اللحظة الاولى هيمنة الإتجاه الإسلاموعربي , الذي جعل من الإتجاهات الأخرى مزضوعا لمشاريعه الإسلاموعربية ,عوضا عن أن تتضافر مجهوداته مع المجهودات التي تمثلها الإتجاهات الأخرى ,للتواضع على فكرة الوطن الموحد الواحد الذي يعترف بواقع التعدد والتباين والتنوع على قاعدة الديموقراطية والمواطنة , التي حولها هذا الإتجاه – الإسلاموعربي- إلى فزاعة أشبه بقميص عثمان , فأصبح هو – كإتجاه – مركزيا بالنسبة للإتجاهات الأخرى ذات الطابع الليبرالي أو اليساري الإشتراكي , التي في الواقع تحولت إلى هوامش تطفو على أرخبيل عقل إسلاموعربي مركزي تعسفي يرفد الحياة والواقع ببداوة الطوائف والعشائر بنزوعاتها المضادة للديموقراطية والإستنارة والحياو المدنية ..
    نواصل

    (عدل بواسطة احمد ضحية on 08-29-2010, 09:47 PM)

                  

08-29-2010, 10:43 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : (Re: احمد ضحية)

    (3-6) : يركز الأستاذ الصاوي أيضا على الطبقة الوسطى وهنا يقفز إلى الذهن سؤال : هل لدينا فعلا طبقة وسطى بالمعنى الإجرائي لمفهوم الطبقة الوسطى ؟ وهل لدينا فعلا قوى حديثة بالمعنى الإجرائي لهذا المفهوم؟ .. وهل نقصد بالمجتمع المدني المجتمع الأهلي أم أن المجتمع الأهلي جزء فقط من كل هو المجتمع المدني ؟..وهذا يعني : ما الذي نقصده عندما نتحدث عن "مجتمع مدني"؟! .. أتساءل ه>ه الأسئلة وفي ذهني أن ما لدينا بشكل عام لا يتعدى كونه قوى "تحديثية" أرتبطت بمجموعات الأفندية الذين خرجتهم المدارس الوسطى وكلية غردون – ثم جامعة الخرطوم فيما بعد- ويطيب لنا تصنيف هؤلاء وأولئك كنخبة أو صفوة أو طبقة وسطى أو قادة مجتمع مدني , إلخ ..
    غني عن القول أن الطبقة الوسطى- تاريخيا كما في أوروبا - هي موئل التنوير والحداثة اللذان هما في الواقع مفهومان ثوريان , يمثل الأخير-بالذات- منهما "النتيجة" لعملية الهدم وإعادة البناء التي ينهض بها "التنوير" كعملية نقض حفرية تتوسل الإزاحة والإحلال فيما يخص المفاهيم والتصورات ..و إذا أغفلنا الحديث عن الجانب الإقتصادي بإعتباره ليس ضمن الهموم التي تشتغل عليها الورقة, نجد أن ورقة الصاوي في الوقت الذي تتبنى فيه الإتجاه الفكري النقدي في النظر للحالة السودانية, تطرح مسألة الإصلاح من داخل الأوضاع القائمة ..على سبيل المثال : مقترح الورقة فيما يخص إصلاح التعليم – وليس هدمه وإعادة بناءه من جديد على أسس علمية أكاديمية ومدنية معاصرة- يطرح سؤال : هل من الممكن أن يتقبل النظام القائم فكرة إصلاح التعليم , وهو يستمد قوته أساسا من تصميم المناهج المدرسية على النحو الذي صممها به , لأنها تثمر كادرا بالشروط والمواصفات التي يتصورها النظام لازمه لإستمراريته ؟!..
    من جهة أخرى ,إذا إستعدنا السلوك السياسي والنخبوي في تاريخنا المعاصر , نجد أن السياسيين الذين خرجتهم قبائل الصفوة إرتبطوا بتحالفات عميقة مع القوى الطائفية والإسلاموية التي هي في الحقيقة القوى المضادة للتنوير والحداثة , على الرغم من إعلانها للديموقراطية كهدف مشترك , لكن هذا الهدف ليس متأصلا في الوعي بصورة جذرية بقدر ما هو توظيف لأداة مفيدة في الصراع السياسي على السلطة والموارد ..
    وهي حالة شبيهة تماما بقبول وإستهلاك القوى الإسلاموية بأشكالها المختلفة لمنتجات الحداثة –الديموقراطية و التكنلوجيا- ورفضها للأسس الفلسفية والمعرفية والسياسية التي أثمرت هذه التكنلوجيا وهذه المفاهيم – مفهوم الديموقراطية والعلمانية مثلا- بزاوية النظر هذه يكشف عن تحول الديموقراطية إلى ما يشبه الترف الذي يلبي مثاقفات النخبة وتوظيفات القوى الإسلامو عربية بما فيها القوى الطائفية , بالتالي لا يعد مفهوم الديموقراطية أصيلا في المشهد السياسي ,للوصول فعليا لغايات تفتح الطريق واسعا أمام أفق الإبداع البشري !..
    من جهة أخرى يلاحظ على اليسار السوداني أنه لم يكثف إطلاقه لمفاهيم مثل الديموقراطية في خطاباته إلا بعد أن تضررت مصالحه هو شخصيا خاصة على عهد الإنقلاب الإسلاموعربي الأخير منذ 30 يونيو 1989 المستمر حتى الآن .. بمعنى أن المركزية كمعادل موضوعي للإستبداد والفساد لم تعد موضوعا في المناقشات الداخلية – داخل القوى العقائدية – إلا بعد الهجمات الشرسة على قوى الديموقراطية والعلمانية من قبل المركزية الإسلاموعربية في السودان ممثلة في أكبر قواها نفوذا وأقواها – الحركة الإسلامية أو الحزب الحاكم منذ 1989 تحت مختلف التسميات المرحلية – لذلك تبني أطراف العملية السياسية في المعارضة في السودان لخيار التحول الديموقراطي – بكل إلتباساته كمفهوم وكعملية تسبق أو تصاحب أو تلي عملية إنتقال السلطة عبر صناديق الإقتراع – والديموقراطية كأحد العوامل المساهمة في إحداث تحول ديموقراطي كامل , وكعامل مساهم في حل معضلة الأزمة الوطنية الشاملة , يجيء في إطار التماسك النفسي الداخلي للقوى السياسية العقائدية والطائفية ورغبتها في إستعادة موقعها القديم على أسس تحافظ على مصالحها القديمة!! ..
    نواصل
                  

08-29-2010, 11:01 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : (Re: احمد ضحية)

    يلاحظ أيضا أن القوى السياسية لم تتمكن من تحقيق ممارسة ديموقراطية داخلية حقيقية ,إذ لا تزال محكومة بقانون الوراثة الملكية – الطائفية- أو الأقدمية كما في الجيش – اليسار – لكن على مستوى الخطابات الموجهة إلى جماهير الشعب والضاغطة على النظام الإسلاموي الحاكم يتم رفع فزاعة الديموقراطية , وهي حالة أشبه بالإنفصام .. بل حتى الحركات الناتجة عن إنقسامات لم تتمكن من إحداث قطيعة فكرية ومعرفية عميقة وكاملة مع تكوينها الفكري أو نظام تفكيرها الذي أرتحلت به من تنظيماتها العقائدية الأم .. والسؤال هنا هو : كيف يمكن للشعب أن يؤمن بديموقراطية تدعو لها قوى غير ديموقراطية ؟ إذ يحيل ذلك إلى تسويق نبيذ الديموقراطية مفرغة المحتوى في قنان الإستبداد والفساد . وهو جوهر المسألة فيما يخص قضية الإصلاح الحزبي والمؤتمرات "الشكلية" التي أقامتها عديد القوى في السنوات الأخيرة ..والتي للمفارقة رحلّت أهم أجنداتها للمؤتمرات القادمة التي في رحم الغيب مع تثبيت القيادات القديمة"التاريخية" على طريقة " أثبت معاوية كما أثبت خاتمي هذا . وأخلع عليا كما أخلع خاتمي هذا !!...ولذلك تقفز إلى سطح النقاش بقوة قضيتي : الإصلاح مقابل الهدم وإعادة البناء من جديد وعلى أسس جديدة , قوامها ديموقراطية حقيقية وفعالة يمكن لجماهير الشعب الوثوق بها والإلتفاف حول القوى التي تطرحها كهدف معلن مشترك ..
    نواصل

    (عدل بواسطة احمد ضحية on 08-29-2010, 11:06 PM)

                  

08-29-2010, 11:27 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : (Re: احمد ضحية)

    (4-6) : صحيح أن عوامل عديدة أستنزفت حيوية القوى السياسية ,وهي عوامل ترى ورقة الأستاذ الصاوي أن الحركة الإسلامية ظلت توفرها . لكن هنا أيضا نلاحظ أن الحركة الإسلامية في السودان في الوقت الذي كانت تستنزف فيه حيوية القوى السياسية كانت بالمقابل تستنزف في نفسها أيضا , بل أن إستنزافها لنفسها كان أسوأ بكثير , إذ ليس ثمة ما هو أسوأ من الإستنزاف الفكري والسياسي والتنظيمي والأخلاقي الذي حدث ويحدث وربما سيستمر في جسم الحركة الإسلامية لسنوات طويلة .. إذ لم يعد لديها رصيد أخلاقي يمكنها من التعافي , حتى لو إستولى قسم منها "الوطني" على كل "الريع" الإقتصادي للسودان .. فالأحزاب السياسية لا يتم بناءها بالقوة الإقتصادية فقط!! ..
    من جهة أخرى كون الحركة الأسلامية قوة إستخبارية أمنية إستبدادية ظلامية إنتهازية مهيمنة على كل مفاصل الدولة منذ 1989 حتى الآن , وكونها أنشغلت بنهب ثروات البلاد وسرقة أحلام البسطاء في الرفاهية والتقدم .. كل هذه التوصيفات وغيرها للحركة الإسلامية لا تعفي قيادات المعارضة عن مسئولياتها تجاه ما حدث ويحدث من تخريب للبلاد والعباد ويضع كل شيء على حافة الهاوية , فقيادات المعارضة بتواطؤاتها وخنوعها هي جزء أصيل في كل هذا الإستبداد والفساد , وفي تقديري الشخصي أن دور هذه القيادات لا ينحصر – كما تحاول ورقة الصاوي القول – في "تشخيص مصدر العلة وتطوير إستراتيجية"لإنقاذ البلاد !!..
    فالمتتبع لتاريخ السودان الحديث , يمكنه أن يكتشف بسهولة أن القوى السياسية سواء كانت في الحكم أو المعارضة , ظلت باستمرار هي أحد المصادر الأساسية لعلل الحياة السياسية في السودان , والحال كذلك ليس بالإمكان إعفاء هذه القوى من مسئولياتها عما حدث ويحدث ويهدد بتمزيق البلاد إلى ما يشبه دويلات المدن ..
    نواصل
                  

08-30-2010, 00:16 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : (Re: احمد ضحية)

    نلاحظ أيضا في حديث الأستاذ الصاوي عن تطوير إستراتيجية للعمل المعارض إشارات لعدم صلاحية أساليب العمل المجربة في ثورة أكتوبر 1964التي أسقطت نظام الجنرال الفريق إبراهيم عبود وإنتفاضة أبريل 1985 الت رمت بنظام "إمام القرن العشرين" جعفر محمد نميري إلى مزبلة التاريخ , ما يفهم منه أن أسلحة كالإضراب السياسي والعصيان المدني والإنتفاضة الشعبية الشاملة لم تعد صالحة الإستعمال في التعامل مع نظام إسلاموي قمعي كنظام الحركة الإسلامية الحاكم منذ1989 حتى الآن .. وفي ظني أن عدم إسقاط الشعب لهذا النظام حتى الآن يطرح مشكلة عميقة تتعلق بالإحباط العام الذي أنتجته حالة التحالف التاريخي بين الطائفية واليسار فيما يشبه"الحلف المقدس" : البعثيين (الطبعة الأصلية كما يمثلها الآن أب رأس)= الإتحاديين من جهة والشيوعيين = الأمة من جهة أخرى ويمكن قراءة تعبير هذا الحلف عن نفسه كوحدة واحدة خلال مواقفه المتشابهة –تاريخيا- من آليات إسقاط النظام ..
    إلى جانب أن هذا الحلف كوحدة أساسية واحدة يرتبط أيضا بتحالفات مرحلية مع قوى أخرى صغيرة في اليمين أو اليسار أو الوسط أومع الحركة الشعبية والقوى الجنوبية أو قوى شرق السودان بصورة عامة ..
    وعلى أية حال هذا التحالف ذا الطبيعة الفكرية المتناقضة أسهم في فشل أي إستنهاض جماهيري ممكن لتجريب الأدوات المذكورة لإسقاط الحركة الإسلامية الحاكمة, على الرغم من أن هذه الأدوات أثبتت فعاليتها سابقا في أكتوبر وأبريل وفي مظاهرات الإثنين الشهيرة التي وقفت خلفها الحركة الشعبية فقوى إعلان جوبا ,التي أكد لها الحراك الجماهيري الواسع الذي تلى ندوة ميدان المولد أن أداة الإنتفاضة الشعبية لا تزال ممكنة لزلزلة أركان هذا النظام البغيض , لكن لعبة التوازنات والتحالفات والشراكات أودت بهذا الحراك الجماهيري , وعمقت من إحباط الجماهير ..
    إلى جانب أن إلتفاف الجماهير حول الأطباء وتصعيد الاطباء لإضرابهم أكد أيضا وبعد كل هذه السنوات من القمع المستمر أن إمكانية العصيان والإضراب لا تزال ممكنة .. كذلك الإلتفاف الجماهيري الواسع – خاصة من قبل الطلاب والشباب-حول ياسر عرمان كمرشح للرئاسة أكد أيضا أن الجماهير لا تزال متمسكة بحقها في وطن واحد وديموقراطي يحترم المواطنة بغض النظر عن العرق أو اللون أو الجنس أو الدين .. لكن تم إجهاض هذا الحق في سياق لعبة التوازنات والشراكات .. ولذلك كي يتم تجريب مثل هذه الأدوات مرة أخرى يجب أن تسترد القوى السياسية ثقة الجماهير التي ظلت تحبطها بتكتيكاتها محدودة النظر على حساب الأفق الإستراتيجي بعيد المدى .. فالنظرة المحدودة للقوى السياسية وضعف الخيال السياسي ظلا يفضيان إلى فشل المشاريع الممكنة للديموقراطية والتنوير بالتالي النهضة والوحدة والسلام ..
    وزبدة القول هنا أن المشكلة ليست في فشل أساليب ناجحة تم تجريبها من قبل بقدر ما هي مشكلة عدم ثقة الشعب في قواه السياسية التي ظلت تخون ثقته , وفي ظني أن هذا الشعب يشك في أن أي تضحية أخرى يقدمها من الممكن أن تتمخض عن تغيير حقيقي .. عليه أتصور أن على القوى السياسية بذل مجهودات حقيقية وفعالة في إسترداد ثقة الشعب فيها , بإعادة بناء جسور هذه الثقة .. وقبل كل ذلك إسترداد ثقة أعضائها "المحتارين" الذين تقطعت بهم السبل ..مع ملاحظة أن رفض الشعب للحركة الإسلامية الحاكمة الآن بإسم المؤتمر الوطني لا يعني بالضرورة قبوله بالقوى المعارضة .. بل ومن المحتمل أن يأتي بالحركة الإسلامية إلى سدة الحكم مرة أخرى وعبر صناديق الإقتراع -كما يحدث في جامعات هذه الأيام التي تتسنم إتحاداتها فصائل متطرفة في الحركة الإسلامية"أنصار السنة"- أو على أسوأ الفروض نظام شمولي أسوأ بكثير من الحركة الإسلامية ..
    نواصل

    (عدل بواسطة احمد ضحية on 08-30-2010, 00:17 AM)

                  

08-30-2010, 00:35 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : (Re: احمد ضحية)

    على خلفية الهوامش السابقة تجد ورقة الأستاذ عبد العزيز حسين الصاوي مشروعيتها وجدواها كإطار عام لإستراتيجية تتوازى أو تتقاطع مع العمل المعارض القائم فهي ليست بديلا عنه وإنما تقترح نفسها بالمضي معه جنبا إلى جنب أيا كانت أشكاله .. ولذلك تولي أهمية كبيرة لإصلاح التعليم – كما أشرنا سابقا - خشية إنتاج نظام شمولي أسوأ بكثير من نظام الحركة الإسلامية في السودان ..
    ولتجنب إستيلاء تنظيم عقائدي شبيه بالحركة الإسلامية على السلطة مرة أخرى أو إنتاج نظام شمولي لا متناه السوء تقترح ورقة الصاوي الإسراع بإستزراع مقومات الإستنارة والحداثة وإعادة تأسيس وتأثيث المشروع الديموقراطي , وغني عن القول أن مشروع كالذي يطرحه الصاوي لهو مشروع طويل الأمد لأنه كما ذكرنا سابقا يتعلق بالحفر بما هو إزاحة وإحلال وهي عمليات فكرية وإجتماعية معقدة والسؤال هنا : هو هل بالإمكان إعتماد إستراتيجية طويلة المدى في ظروف السودان الحالية , وفي ظل وجود نظام إسلاموي فاسد ومستبد كنظام الحركة الإسلامية الحالي .. وهل لا يزال السودان بحدوده الحالية يملك ما يكفي من الوقت لتطبيق مثل هذا النوع من الإستراتيجيات المعارضة , وماهي الحدود الجغرافية الممكنة لهذا التصور خاصة بعد إستفتاء يناير 2011
    نواصل
                  

08-30-2010, 01:17 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : (Re: احمد ضحية)

    صحيح أن دورالمجتمع المدني في العالم أصبح متعاظما ومؤثرا , لكن في حالة السودان كي يكون لهيئات المجتمع المدني دور في إستراتيجية التنوير التي طرحتها ورقة الصاوي لابد من إصلاحها هي ذاتها .. وقبل القول بإصلاح مؤسسات المجتمع المدني يتوجب أولا الإجابة على السؤال : هل لدينا مجتمع مدني غير مسيس ؟ مع ملاحظة أن الدولة في السودان تاريخيا لم تقدم الكثير للشعب , فالأعباء في مجالات الصحة والتعليم -على وجه الخصوص- بل وبناء الإستراحات في المدن , ظل قدر كبير منها يقع على عاتق المجتمع الأهلي وبعض الخيرين في العاصمة والأقاليم , فإلى متى يتم الإعتماد الأساسي على المجهودات الشعبية والفردية , التي تقترح ورقة الصاوي هنا توسيعها لتشمل كل جوانب الحياة , بدء بحفر مجاري الخريف وصولا إلى حل مشكلة دارفور .. ما هو دور الدولة إذن ؟ .. جباية الضرائب وقمع وإحباط الشعب ونهب ثروات البلاد وإهدار مقدراتها وتوظيف الجيش لقتل ابناء الشعب ؟!!..والحال كذلك ما هي الحاجة لوجود الدولة ؟ من هنا تأتي مشروعية الدعوة إلى التفكيك الكامل أو الهدم وإعادة البناء على أسس جديدة , وهو إتجاه لا تتبناه هذه الورقة بالطبع ..
    نواصل
                  

08-30-2010, 01:35 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : (Re: احمد ضحية)

    (6-6): تطرح تجربة الصين والولايات المتحدة ودول أخرى فيما يخص مشاريع البنى التحتية فكرة مهمة حول دور الجيش في عمليات البناء والتعمير : رصف الطرق , بناء : الجسور,الكباري , شبكات التصريف ,المستشفيات والمدارس والعديد من مشاريع البنى التحتية الأخرى بل وحتى التعامل مع الكوارث الطبيعية ,والأمراض والأوبئة .. فعقيدة الجيش في دول مثل الولايات المتحدة ليست مبنية على توهم أعداء داخليين – أبناء الشعب- وإبادتهم .. بل لا تكتفي عقيدته بالتمركز حول الحماية و الدفاع عن الوطن ضد أعداء خارجيين فحسب بل والبناء والتعمير والتنمية بمختلف أشكالها أيضا ..وهي أدوار عكسها تماما ما أنبنت عليه عقيدة الجيش في السودان خاصة في ظل نظام حكم الحركة الإسلامية , التي أدلجته وصممته طبقا لنظام تفكيرها في البطش بالمواطنين العزل والنساء والأطفال والشيوخ والمعارضين السياسيين كما في حالة الجنوب ودارفور .. فتحول الجيش من جيش وطن إلى جيش حزب حاكم .. ولذلك عند النظر إلى مؤسسات الدولة في السودان يلاحظ أن لا شيء سلم من التخريب , ولذلك أي محاولات إصلاحية أو مشاريع إستراتيجية تتعلق بالتنوير والحداثة يتوجب عليها أن تضع ضرورات تفكيك عقيدة الجيش السوداني وإعادة بناءها من جديد , لضمان عدم إستغلاله في مشاريع القوى السياسية قصيرة النظر ..
    إنتهى
    أحمد ضحية
    21-8-2010
    كارديف/لندن - بريطانيا
                  

08-30-2010, 02:54 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المسودة النهائية .. (Re: احمد ضحية)

    عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء :
    هوامش على ورقة : معا نحو عصر تنوير سوداني : إطار عام لإستراتيجية معارضة مختلفة ...
    أحمد ضحية – كارديف/ لندن – بريطانيا
    مقدمة : الأستاذ عبد العزيز حسين الصّاوي أو (محمد بشير)أحد المفكرين السودانيين القلائل الذين ظلّت تتآكلهم أسئلة الوطن الحارقة .. بدءً يسؤال الهُوِّيَة الذي تمكن خلال محاولة الإجابة عنه ,من إحداث نقلة كبيرة في تفكير التيار القومي العربي , من خندق العروبة الضيق في نظرتها لواقع السودان , إلى الإعتراف بالمكوِّن الأفريقي ,كمكوِّن أساس في هُوِّيَة السودان الثقافية والحضارية ..وهو ما أطلق عليه الصّاوي – وقتها – "الهُوِّيَة المزدوجة" .. والتي إختلفنا أو إتفقنا معها كتصور أو مفهوم , لن يلغي ذلك أنها تمثل بحق رؤية مغايرة وجديدة لما ظل القوميون العرب أو البعثيون على وجه الخصوص, يعتقدونه بشأن هُوَّيَة السودان!.. ما يعد نقلة كبيرة أيا كانت طبيعة التحفظات حول مفهوم "الإزدواج" .. وبهذا المعنى تمثل كتابات الصّاوي حول الديموقراطية والحرية والمجتمع المدني والهُوِّيَة ,رؤى تجديدية . تضع إسهاماته في القلب من المجرى العام, لقوى الديموقراطية والتنوير والتجديد والحداثة ..
    من جهة أخرى ,إعلاء الصّاوي المستمر ,لقيمة الحرية وإحتفاءه الكبير بالديموقراطية في كتاباته العديدة , بمثابة النقلة الكبرى والإنتقال ,من التفكير داخل النسق العقائدي المغلق , إلى مستوى في التفكير المنفتح على الإعتراف الموضوعي بواقع التباين والتعدد والتنوع ,الذي يسم بلادنا .ولذلك في -ظني الخاص- تتصل ورقته الأخيرة :"معا نحو عصر تنوير سوداني- إطار عام لإستراتيجية معارضة مختلفة" بإسهاماته السابقة خصوصا : حوارات الهُوِّيَة والأزمة الوطنية , والهُوِّيَة المزدوجة.. ومقالاته العديدة حول التعليم والمجتمع المدني والديموقراطية والإستنارة ..
    و أن يأتي هذا النوع من التفكير من أحد القيادات البارزة في أحد تيارات البعث, ذات الثقل أو الوزن الفكري المقدر , يعطي هذا الأمل في توسيع مواعين القوى الجديدة الديموقراطية , لتحقيق حلم قديم عزيز "فدرالية القوى الديموقراطية الجديدة" كإطار عام لإستراتيجية معارضة معنية بالتنوير والتحديث والديموقراطية في السودان , كأهداف معلنة مشتركة ضد قوى الظلام والإستبداد ...
    (1-6) : في هذه الإستراتيجية يثير الصّاوي أسئلة متجددة ,حول جذور الأزمة السودانية ,بتركيزه على الديموقراطية ليتبادر إلى الذهن سؤال تلقائي : حول إمكانية تطبيق الديموقراطية على مجتمع غير ديموقراطي , بحكم ثقافته غير الديموقراطية , ما يطرح ضرورة البدء بمعالجة الثقافة الإجتماعية والسياسية أولا , ففي ظل ثقافة مستبدة ومجتمع لا يحتفي بالديموقراطية , يصبح الحديث عن الديموقراطية أشبه بالحديث عن خيارات النخبة ,وليس الشعب الغارق في محن الفساد والإستبداد وهموم اليومي المعاش , خاصة أن قضية الديموقراطية في السودان ,ظلت أشبه بالأدة التي تصل خلالها النخب الحزبية إلى السلطة , لتفرغها بعد ذلك من مضمونها الإجتماعي ,وأبعادها التنموية ودورها الخلاق في التنوير والحداثة ..
    الأمر الذي ظل ينتج إنقلابات عسكرية أو آيديولوجية ,عمرها أطول من عمر التجارب الديموقراطية , كما في تجربتي مايو 1969 – أبريل 1985 و يونيو 1989 الإسلاموية المستمرة حتى الآن .. لكن هل يعني ذلك عدم الإيمان بالإمكانية الذاتية , لمعالجة الديموقراطية لنفسها بنفسها ,متى أستقرت وترسخت نسبيا في واقع مثل واقع السودان !.
    أو هل يعطي ذلك نوعا من المشروعية للإنقلابات العسكرية - حتى قبل أن تكمل الديموقراطية دورتها كما في 1956-1958 و 1964- 1969 و 1985- 1989.. قطعا لا ..
    مع ذلك يظل ثمة سؤال حيوي يتعلق بالنخب الحزبية ,التي تصل إلى البرلمان عبر العملية الديموقراطية , ودورهذه النخب في عمليات الإصلاح الديموقراطي ,داخل أحزابها العتيقة ,الشبيهة بالتكوينات الوراثية الملكية ,أو العقائدية ذات الطابع العسكري .. والتي لا يتم داخلها أي نوع من أنواع التداول المرن للسلطة - إذ غالبا ما يخرج معظم المؤتمرون مغبونين من نتائج مؤتمرهم- وهو عامل ينعكس من داخل الحزب إلى خارجه في جهاز الدولة , وهو في ظني من العوامل الأساسية, التي أسهمت في الإنقسامات الحزبية ,والإنقسام في المجتمع والدولة ,ضمن عوامل أخرى عديدة .. وأنعكس قبل ذلك على شعار الديموقراطية ,محولا إياه إلى شعار خال من محتواه النبيل ! وهي عملية في تقديري الخاص ,بمثابة الإمتداد لحالة التفريغ المستمر ,للعديد من الشعارات والمفاهيم العزيزة من محتوياتها النبيلة : كإفراغ شعارات : الحكم الذاتي , الفدرالية ,اللامركزية .. من مضامينها العزيزة على جماهير المجتمعات السودانية ,في المركز والأطراف ,في مراحل مختلفة من تاريخ السودان الحديث ! ..
    هذا التفريغ واسع النطاق ,للشعارات من معانيها المطلوبة ,أسهم في الحروب الأهلية ,التي طالت جهات البلاد الأربعة , ما يهدد وحدتها بالتمزق ,بالتالي السودان بحدوده الحالية ,إلى التلاشي والتبدد!.. ولذلك -في ظني- أنه من الصعب تحقيق ديموقراطية فعالة على أرض الواقع ,ما لم تتم عملية "دمقرطة" للقوى السياسية نفسها ,خلال عمليات الإصلاح الحزبي – التي يذهب الكثيرون الآن إلى أن أوانها قد فات؟! – فلا ديموقراطية بلا ديموقراطيين!! ..
    (2-6): يشير الأستاذ عبد العزيز حسين الصّاوي في ورقته "نحو عصر تنوير سوداني" إلى عملية التطور, التي أدت إلى إنبثاق فكرة ومفهوم الديموقراطية ,وأثر هذا المفهوم في أنشطة دعاة الإصلاح الديني والإجتماعي : الطهطاوي , محمد عبده , الأفغاني , طه حسين وغيرهم .. لكن الشاهد في الحالة السودانية ,أن مشروع المنوِّر الغربي عموما سواءً أتى عن طريق الإتصال المباشر مع الغرب ,أو عن طريق الوسيط العربي والإسلامي , قد تم الإنقلاب عليه مبكرا ؟!.. منذ اللحظة التي أعتمد فيها الإستعمار الإنجليزي – المصري على زعماء القبائل والطوائف ,بدلا عن الإعتماد على خريجي التعليم المدني الوليد؟! كردة فعل مضادة لثورة 1924!!..
    إذن تم الإنقلاب على مشروع المنوِّر الغربي في السودان ,وهو لا يزال جنينيا !!! لم تكتمل بلورته بعد . ما فتح الطريق واسعا ,لإجهاض كل المحاولات المحدودة ,لعمليات الإزاحة للمفاهيم التعسفية ,في البنى الإجتماعية .وإحلال مفاهيم الديموقراطية والإستنارة محلها , وفي ظني أن هذا يمثل أحد أسرار إستمرار الحلقة الجهنمية : ديموقراطية , إنقلاب .. ديموقراطية, إنقلاب!!..
    لكن يظل أيضا ثمة سؤال طرحته ورقة الصّاوي :"معا نحو عصر تنوير سوداني" ,التي حددت إرهاصات "عصر التنوير السوداني" ببداية عشرينات القرن الماضي , بإشارتها إلى عدد من التكوينات ذات الطابع الإجتماعي السياسي, والأدبي الفكري : كجمعية أب روف على سبيل المثال , بإعتبارها التكوين الذي أنبثق عنه مؤتمر الخريجين ,ومن ثم الاحزاب السياسية .. الملاحظة هنا : أنه من الصعب تفسير خلافات وإختلافات هذه الجمعية – بالتالي مؤتمر الخريجين, فالأحزاب السياسية- حول مسألة الهُوِّيَة والجنسية السودانية – الآفروعروبية مقابل العروبة – هذا الإنقسام حول الوعي الجنيني "بالذات" شكّل البذرّة الأولى, لكل الإنقسامات اللاحقة في الذات والمجتمع ؟!. ترتب على هذا الإنقسام منذ اللحظة الأولى هيمنة الإتجاه الإسلاموعربي , الذي جعل من الإتجاهات الأخرى, "موضوعا" لمشاريعه الإسلاموعربية ,عوضا عن أن تتضافر مجهوداته ,مع المجهودات التي تمثلها الإتجاهات الأخرى ,للتفاوض أو التواضع على فكرة الوطن الموحد الواحد ,الذي يعترف بواقع التعدد والتباين والتنوع ,على قاعدة الديموقراطية و الحقوق والمواطنة , التي حولها هذا الإتجاه – الإسلاموعربي- إلى فزّاعة أشبه "بقميص عثمان" , فأصبح هو – كإتجاه – مركزيا بالنسبة للإتجاهات الأخرى, ذات الطابع الليبرالي أو اليساري الإشتراكي , التي في الواقع تحولّت إلى هوامش ,تطفو على أرخبيل عقل إسلاموعربي مركزي تعسفي ,يرفد الحياة والواقع ببداوة الطوائف والعشائر, بنزوعاتها المضادة للديموقراطية والإستنارة و قيّم الحياة المدنية ..
    (3-6) : يركز الأستاذ الصّاوي أيضا على الطبقة الوسطى ,وهنا يقفز إلى الذِّهن سؤال : هل لدينا فعلا طبقة وسطى بالمعنى الإجرائي لمفهوم الطبقة الوسطى ؟ وهل لدينا فعلا قوى حديثة بالمعنى الإجرائي لهذا المفهوم؟ .. وهل نقصد بالمجتمع المدني المجتمع الأهلي أم أن المجتمع الأهلي جزء من كل هو المجتمع المدني ؟..أو بلغة أخرى: ما الذي نقصده عندما نتحدث عن "مجتمع مدني"؟! ..
    أتساءل هذه الأسئلة ,وفي ذهني أن ما لدينا بشكل عام ,لا يتعدى كونه قوى "تحديثية" أرتبطت بمجموعات "الأفندية" ,الذين خرجتهم المدارس الوسطى وكلية غردون – ثم جامعة الخرطوم فيما بعد- ويطيب لنا تصنيف هؤلاء وأولئك "كنخبة" أو "صفوة" أو "طبقة وسطى" إلخ.. ومن ثم "قادة مجتمع مدني" فيما بعد !..
    غني عن القول أن الطبقة الوسطى- تاريخيا كما في أوروبا - هي موئل التنوير والحداثة ,اللذان هما في الواقع مفهومان ثوريان , يمثل الأخير,أعني : "الحداثة" بالذات "النتيجة" لعملية الهدم وإعادة البناء ,التي ينهض بها "التنوير" ,كعملية نقض حفرِّية تتوسل الإزاحة والإحلال ,فيما يخص المفاهيم والتصورات ..
    و إذا أغفلنا الحديث عن الجانب الإقتصادي ,بإعتباره ليس ضمن الهموم التي تشتغل عليها الورقة, نجد أن ورقة الصّاوي ,في الوقت الذي تتبنى فيه الإتجاه الفكري النقدي, في النظر للحالة السودانية, تطرح مسألة الإصلاح ,من داخل الأوضاع القائمة ..
    على سبيل المثال : مقترح الورقة فيما يخص إصلاح التعليم – وليس هدمه وإعادة بناءه من جديد ,على أسس علمية أكاديمية ومدنية معاصرة- يطرح سؤال : هل من الممكن أن يتقبل النظام الإسلاموي القائم فكرة إصلاح التعليم , وهو يستمد قوته أساسا من تصميم المناهج المدرسية على النحو الذي صممها به , لأنها تثمر كادرا بالشروط والمواصفات ,التي يتصورها النظام لازمه لإستمراريته ؟!..
    من جهة أخرى ,إذا إستعدنا السلوك السياسي والنخبوي في تاريخنا المعاصر , نجد أن السياسيين الذين خرجتهم قبائل الصفوة ,إرتبطوا بتحالفات عميقة مع القوى الطائفية والإسلاموية ,التي هي في الحقيقة القوى المضادة للتنوير والحداثة , على الرغم من إعلانها للديموقراطية كهدف مشترك , لكن هذا الهدف ليس متأصلا في الوعي بصورة جذرية ,بقدر ما هو توظيف لأداة مفيدة في الصراع السياسي ,على السلطة والموارد ..
    وهي حالة شبيهة تماما بقبول وإستهلاك القوى الإسلاموية ,بأشكالها المختلفة لمنتجات الحداثة المادية والمعنوية –كالديموقراطية و التكنلوجيا- ورفضها للأسس الفلسفية والمعرفية والسياسات التي أثمرت هذه التكنلوجيا وهذه المفاهيم – مفهوم الديموقراطية والعلمانية مثلا- بزاوية النظر هذه , يمكننا رؤية تحول الديموقراطية ,إلى ما يشبه الترف . الذي يلبي مثاقفات النخبة , وتوظيفات القوى الإسلامو عربية بما فيها القوى الطائفية , بالتالي لا يعد مفهوم الديموقراطية أصيلا في المشهد السياسي ,للوصول فعليا لغايات تفتح الطريق واسعا ,أمام أفق الإبداع البشري !..
    من جهة أخرى يلاحظ على اليسار السوداني ,أنه لم يكثف إطلاقه لمفاهيم مثل الديموقراطية في خطاباته ,إلا بعد أن تضررت مصالحه هو شخصيا, خاصة على عهد الإنقلاب الإسلاموعربي الأخير ,منذ 30 يونيو 1989 والمستمر حتى الآن ..
    بمعنى أن المركزية كمعادل موضوعي للإستبداد والفساد ,لم تعد موضوعا في المناقشات الداخلية – للقوى العقائدية – إلا بعد الهجمات الشرسة على قوى الديموقراطية والعلمانية من قبل المركزية الإسلاموعربية في السودان, ممثلة في أكبر قواها نفوذا وأقواها – الحركة الإسلامية أو الحزب الحاكم منذ 1989 تحت مختلف التسميات المرحلية – لذلك تبني أطراف العملية السياسية في المعارضة في السودان, لخيار التحول الديموقراطي – بكل إلتباساته كمفهوم وكعملية تسبق أو تصاحب أو تلي عملية إنتقال السلطة عبر صناديق الإقتراع – والديموقراطية كأحد العوامل المساهمة في إحداث تحول ديموقراطي كامل , وكعامل مساهم في حل معضلة الأزمة الوطنية الشاملة , يجيء في إطار التماسك النفسي الداخلي للقوى السياسية العقائدية والطائفية ,ورغبتها في إستعادة موقعها القديم على أسس تحافظ على مصالحها القديمة!! ..
    يلاحظ أيضا أن القوى السياسية ,لم تتمكن من تحقيق ممارسة ديموقراطية داخلية حقيقية ,إذ لا تزال محكومة بقانون الوراثة الملكية – الطائفية- أو الأقدمية كما في الجيش – اليسار – لكن على مستوى الخطابات الموجهة إلى جماهير الشعب, والضاغطة على النظام الإسلاموي الحاكم ,يتم رفع فزّاعة الديموقراطية , وهي حالة أشبه بالإنفصام! ..
    بل حتى القوى الناتجة عن إنقسامات ,لم تتمكن من إحداث قطيعة فكرية ,ومعرفية عميقة وكاملة مع تكوينها الفكري ,أو نظام تفكيرها الذي أرتحلت به ,من تنظيماتها العقائدية أو الطائفية الأم !..
    والسؤال هنا هو : كيف يمكن للشعب, أن يؤمن بديموقراطية تدعو لها قوى غير ديموقراطية ؟ إذ يحيل ذلك إلى تسويق نبيذ الديموقراطية مفرغة المحتوى ,في قنان الإستبداد والفساد . وهو جوهر المسألة فيما يخص قضية الإصلاح الحزبي والمؤتمرات "الشكلِّيّة" ,التي أقامتها عديد القوى في السنوات الأخيرة .. والتي للمفارقة رحلّت أهم أجنداتها ,للمؤتمرات القادمة ,التي في رحم الغيب, مع تثبيت القيادات القديمة"التاريخية" على طريقة " أثبت معاوية كما أثبت خاتمي هذا . وأخلع عليا كما أخلع خاتمي هذا !!...
    ولذلك تقفز إلى سطح النقاش بقوة قضيتي : الإصلاح مقابل الهدم وإعادة البناء من جديد ,وعلى أسس جديدة . قوامها ديموقراطية حقيقية وفعالة يمكن لجماهير الشعب الوثوق بها , والإلتفاف حول القوى التي تطرحها كهدف معلن مشترك ..
    (4-6) : صحيح أن عوامل عديدة أستنزفت حيويّة القوى السياسية ,وهي عوامل ترى ورقة الأستاذ الصّاوي أن الحركة الإسلامية ظلت توفرها . لكن هنا أيضا نلاحظ أن الحركة الإسلامية في السودان , في الوقت الذي كانت تستنزف فيه حيويّة القوى السياسية , كانت بالمقابل تستنزف في نفسها أيضا , بل أن إستنزافها لنفسها كان أسوأ بكثير , إذ ليس ثمة ما هو أسوأ من الإستنزاف الفكري والسياسي والتنظيمي والأخلاقي ,الذي حدث ويحدث وربما سيستمر في جسم الحركة الإسلامية, لسنوات طويلة .. إذ لم يعد لديها رصيد أخلاقي يمكنها من التعافي , حتى لو إستولى قسم منها "الوطني" على كل "الرِّيع" الإقتصادي للسودان .. فالأحزاب السياسية لا يتم بناءها بالقوة الإقتصادية فقط!! ..
    من جهة أخرى كون الحركة الأسلامية قوة إستخبارية أمنية إستبدادية ظلامية إنتهازية مهيمنة على كل مفاصل الدولة منذ 1989 حتى الآن , وكونها أنشغلت بنهب ثروات البلاد ,وسرقة أحلام البسطاء في الرفاهية والتقدم:كل هذه التوصيفات للحركة الإسلامية وغيرها من توصيفات ,لا تعفي بأي حال من الأحوال , قيادات المعارضة عن مسئولياتها تجاه ما حدث ويحدث ,من تخريب للبلاد والعباد ويضع كل شيء على حافة الهاوية , فقيادات المعارضة بتواطؤاتها وخنوعها ’ هي جزء أصيل في كل هذا الإستبداد والفساد , وفي تقديري الشخصي أن دور هذه القيادات لا ينحصر – كما تحاول ورقة الصّاوي القول – في "تشخيص مصدر العلة وتطوير إستراتيجية"لإنقاذ البلاد !!..
    فالمتتبع لتاريخ السودان الحديث , يمكنه أن يكتشف بسهولة ,أن القوى السياسية سواء كانت في الحكم أو المعارضة , ظلت باستمرار . هي أحد المصادر الأساسية, لعلل الحياة السياسية في السودان , والحال كذلك ,ليس بالإمكان إعفاء هذه القوى من مسئولياتها , عما حدث ويحدث ويهدد بتمزيق البلاد ,إلى ما يشبه دويلات المدن ..
    نلاحظ أيضا في حديث الأستاذ الصاوي عن تطوير إستراتيجية للعمل المعارض, إشارات لعدم صلاحية أساليب العمل المجربة في ثورة أكتوبر 1964التي أسقطت نظام الجنرال الفريق إبراهيم عبود وإنتفاضة أبريل 1985 التي رمت بنظام "إمام القرن العشرين" جعفر محمد نميري إلى مزبلة التاريخ , ما يفهم منه أن أسلحة كالإضراب السياسي والعصيان المدني والإنتفاضة الشعبية الشاملة , لم تعد صالحة الإستعمال في التعامل مع نظام إسلاموي قمعي كنظام الحركة الإسلامية الحاكم منذ1989 حتى الآن ..
    في ظني أن عدم إسقاط الشعب لهذا النظام حتى الآن ,يطرح مشكلة عميقة تتعلق بالإحباط العام ,الذي أنتجته حالة التحالف التاريخي بين الطائفية واليسار فيما يشبه"الحلف المقدس" : البعثيين (الطبعة الأصلية كما يمثلها الآن علي الرّيح أوعثمان إدريس أب رأس)= الإتحاديين من جهة والشيوعيين = الأمة من جهة أخرى , ويمكن قراءة تعبير هذا الحلف عن نفسه كوحدة واحدة ,خلال مواقفه المتشابهة –تاريخيا- من آليات إسقاط النظام ,والتي إن إختلفت فهي تختلف في الدرجة لا النوع .. إلى جانب أن هذا الحلف كوحدة أساسية واحدة , يرتبط أيضا بتحالفات مرحلية , مع قوى أخرى صغيرة , في اليمين أو اليسار أو الوسط , أومع الحركة الشعبية والقوى الجنوبية , أو قوى شرق السودان أو دارفور,إلخ .. وعلى أية حال هذا التحالف ,ذا الطبيعة الفكرية المتناقضة ,أسهم في فشل أي إستنهاض جماهيري ممكن , لتجريب الأدوات المذكورة, بغرض إسقاط الحركة الإسلامية الحاكمة, على الرغم من أن هذه الأدوات, أثبتت فعاليتها سابقا في أكتوبر1964 وأبريل 1985,وفي مظاهرات الإثنين الشهيرة التي وقفت خلفها الحركة الشعبية ,فقوى إعلان جوبا ,التي أكد لها الحراك الجماهيري الواسع ,الذي تلى ندوة ميدان المولد, أن الإنتفاضة الشعبية كأداة, لا تزال ممكنة لزلزلة أركان هذا النظام البغيض , لكن لعبة التوازنات والتحالفات والشراكات, أودت بهذا الحراك الجماهيري , وعمقت من إحباط الجماهير .. إلى جانب أن إلتفاف الجماهير ,حول إضراب الأطباء وتصعيد الاطباء لإضرابهم , أكد أيضا وبعد كل هذه السنوات من القمع المستمر ,أن إمكانية العصيان والإضراب لا تزال ممكنة ..
    كذلك الإلتفاف الجماهيري الواسع – خاصة من قبل الطلاب والشباب- حول ياسر عرمان كمرشح للرئاسة ,أكد أيضا أن الجماهير لا تزال متمسكة بحقها في وطن واحد وديموقراطي يحترم المواطنة, بغض النظر عن العرق أو اللون أو الجنس أو الدين .. لكن تم إجهاض هذا الحق في سياق لعبة التوازنات والشراكات ..
    ولذلك كي يتم تجريب مثل هذه الأدوات مرة أخرى ,يجب أن تسترد القوى السياسية ثقة الجماهير ,التي ظلت تحبطها بتكتيكاتها محدودة النظر ,على حساب الأفق الإستراتيجي بعيد المدى .. فالنظرة المحدودة للقوى السياسية وضعف الخيال السياسي ,ظلا يفضيان إلى فشل المشاريع الممكنة للديموقراطية والتنوير, بالتالي النهضة والوحدة والسلام .. وزبدة القول هنا أن المشكلة ليست في فشل أساليب ناجحة تم تجريبها من قبل, بقدر ما هي مشكلة عدم ثقة الشعب في قواه السياسية ,التي ظلت تخون ثقته . وفي ظني أن هذا الشعب يشك في أن أي تضحية أخرى يقدمها , من الممكن أن تتمخض عن تغيير حقيقي ..
    عليه أتصور أن على القوى السياسية , بذل مجهودات حقيقية وفعالة ,في إسترداد ثقة الشعب فيها , بإعادة بناء جسور هذه الثقة .. وقبل كل ذلك إسترداد ثقة أعضائها "المحتارين" الذين تقطعت بهم السبل .. مع ملاحظة أن رفض الشعب للحركة الإسلامية الحاكمة الآن بإسم المؤتمر الوطني ,لا يعني بالضرورة قبوله بالقوى المعارضة .. بل ومن المحتمل أن يأتي بالحركة الإسلامية إلى سدة الحكم مرة أخرى ,وعبر صناديق الإقتراع -كما يحدث في جامعات هذه الأيام ,التي تتسنم إتحاداتها فصائل متطرفة في الحركة الإسلامية"أنصار السنة" مثلا- أو على أسوأ الفروض إعادة إنتاج نظام شمولي أسوأ بكثير من الحركة الإسلامية ..
    على خلفية الهوامش السابقة ,تجد ورقة الأستاذ عبد العزيز حسين الصّاوي مشروعيتها وجدواها ,كإطار عام لإستراتيجية تتوازى أو تتقاطع مع العمل المعارض القائم, فهي ليست بديلا عنه , وإنما تقترح نفسها بالمضي معه جنبا إلى جنب, أيا كانت أشكال وصيغ هذا العمل المعارض .. ولذلك تولي أهمية كبيرة لإصلاح التعليم – كما أشرنا سابقا - خشية إنتاج نظام شمولي مرة أخرى أسوأ بكثير من نظام الحركة الإسلامية في السودان ..
    ولتجنب إستيلاء تنظيم عقائدي شبيه بالحركة الإسلامية على السلطة مرة أخرى ,أو إنتاج نظام شمولي لا متناه السوء ,تقترح ورقة الصّاوي الإسراع بإستزراع مقومات الإستنارة والحداثة وإعادة تأسيس وتأثيث المشروع الديموقراطي , وغني عن القول أن مشروع كالذي يطرحه الصّاوي , لهو مشروع طويل الأمد ,لأنه كما ذكرنا سابقا يتعلق بالحفر بما هو إزاحة وإحلال, والحفر سلسلة عمليات فكرية وإجتماعية معقدة والسؤال هنا : هل بالإمكان إعتماد إستراتيجية طويلة المدى, في ظروف السودان الحالية , وفي ظل وجود نظام إسلاموي فاسد ومستبد , كنظام الحركة الإسلامية الحالي .. وهل لا يزال السودان بحدوده الحالية , يملك ما يكفي من الوقت, لتطبيق مثل هذا النوع من الإستراتيجيات المعارضة , وماهي الحدود الجغرافية الممكنة , لهذا التصور خاصة بعد إستفتاء يناير 2011 ..
    صحيح أن دورالمجتمع المدني في العالم, أصبح متعاظما ومؤثرا , لكن في حالة السودان كي يكون لهيئات المجتمع المدني, دور في إستراتيجية التنوير, التي طرحتها ورقة الصّاوي لابد من إصلاحها هي ذاتها أي هيئات المجتمع المدني..
    وقبل القول بإصلاح مؤسسات المجتمع المدني ,يتوجب أولا الإجابة على السؤال : هل لدينا مجتمع مدني غير مسيس ؟ مع ملاحظة أن الدولة في السودان تاريخيا ,لم تقدم الكثير للشعب , فالأعباء في مجالات الصحة والتعليم -على وجه الخصوص- بل وبناء الإستراحات في المدن , ظل قدر كبير منها يقع على عاتق المجتمع الأهلي ,وبعض الخيرِّين في العاصمة والأقاليم , فإلى متى يتم الإعتماد الأساسي على المجهودات الشعبية والفردية , التي تقترح ورقة الصّاوي هنا توسيعها , لتشمل كل جوانب الحياة . بدء بحفر مجاري الخريف وصولا إلى حل مشكلة دارفور! .. ما هو دور الدولة إذن ؟ .. جباية الضرائب وقمع وإحباط الشعب , ونهب ثروات البلاد وإهدار مقدراتها ,وتوظيف الجيش لقتل ابناء الشعب ؟!!..والحال كذلك ما هي الحاجة لوجود الدولة ؟ ..
    من هنا تأتي مشروعية الدعوة إلى التفكيك الكامل ,أو الهدم وإعادة البناء على أسس جديدة , وهو إتجاه لا تتبناه هذه الورقة بالطبع ..
    (6-6): تطرح تجربة الصين والولايات المتحدة ودول أخرى, فيما يخص مشاريع البنى التحتية فكرة مهمة حول دور الجيش في عمليات البناء والتعمير : رصف الطرق , بناء : الجسور,الكباري , شبكات التصريف ,المستشفيات والمدارس, والعديد من مشاريع البنى التحتية الأخرى. بل وحتى التعامل مع الكوارث الطبيعية ,والأمراض والأوبئة ..
    فعقيدة الجيش في دول مثل الولايات المتحدة , ليست مبنية على توهم أعداء داخليين – أبناء الشعب- وإبادتهم ؟؟!!.. بل لا تكتفي عقيدته بالتمركز حول الحماية و الدفاع عن الوطن ,ضد أعداء خارجيين فحسب , بل والبناء والتعمير والتنمية بمختلف أشكالها أيضا ..
    وهي أدوار عكسها تماما ما أنبنت عليه عقيدة الجيش في السودان , خاصة في ظل نظام حكم الحركة الإسلامية , التي أدلجته وصممته طبقا لنظام تفكيرها, في البطش بالمواطنين العزل والنساء والأطفال والشيوخ والمعارضين السياسيين, كما في حالة الجنوب ودارفور .. فتحول الجيش من جيش وطن إلى جيش حزب حاكم ..
    ولذلك عند النظر إلى مؤسسات الدولة في السودان ,يلاحظ أن لا شيء سلم من التخريب , ولذلك أي محاولات إصلاحية أو مشاريع إستراتيجية , تتعلق بالتنوير والحداثة يتوجب عليها أن تضع ضرورات تفكيك عقيدة الجيش السوداني ,وإعادة بناءها من جديد . لضمان عدم إستغلاله في مشاريع القوى السياسية قصيرة النظر ..
    إنتهى
    أحمد ضحية
    21-8-2010
    كارديف/لندن - بريطانيا ِ

    (عدل بواسطة احمد ضحية on 08-30-2010, 05:24 AM)

                  

08-30-2010, 04:35 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسودة النهائية .. (Re: احمد ضحية)

    ******************
                  

08-30-2010, 09:24 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسودة النهائية .. (Re: احمد ضحية)

    الاخ العزيز احمد ضحية
    الشكر والتقدير العميقين على المساهمة الجادة
    اعود اليها حتما
    مع امنياتى
                  

08-30-2010, 10:15 PM

خالد خليل محمد بحر
<aخالد خليل محمد بحر
تاريخ التسجيل: 07-19-2006
مجموع المشاركات: 4337

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسودة النهائية .. (Re: طلعت الطيب)

    ...العزيز/ طلعت الطيب
    ... هذه الاطروحة من المساهمات الفكرية الجادة والرصينة جدآ, والتى قدمت مقاربة فكرية
    عميقة عن الازمة السودانية,وتأتى قيمتها من خلال تجاوز التحديق فى عمق الازمة السودانية
    لنواحى طرح وطرق سؤال التنوير كمخرج عقلانى للازمة السودانية المتطاولة جدآ, وكحل جذرى يحصن
    الوعى السودانى من الإرتداد إلى ذات الحلقات الجهنمية التى طبعت التأريخ السياسى السودانى
    وتأتى قيمتها من خلال القيمة المعرفية لكاتبه وتنظيراته القيمة فى المشهد الفكرى السودانى
    التى تضع يدها على فيل الازمة لا ظلها, هذا بجانب أن الاستاذ/ الصاوى أحد الذين إستطاعوا الخروج
    من (القفص الحديدى للأيديلوجيا) والقطيعة معها كنمط تفكير وممارسة سياسية..لذا يأتى بإستمرار جهده
    الفكرى ومخرجاته النظرية رصينة وعميقة المضمون والمحتوى ومدعمة بالتجربة والممارسة.............
    ثانيا/

    وفى ما يخص سؤال التنوير (أحد محاور هذه الورقة) أظنك تعرف جيدآ أن تبيئة الاستنارة والتنوير فى المناخ
    السياسى والفكرى والاجتماعى, ومن خلال التجارب الانسانية من حولنا, مر من خلال الاصلاح الدينى كجذر ورافعة لتوطين
    قيم الاستنارة, هكذا كانت ملامح النموذج الاول(عصر الانوار),,ولكن المؤسف جدا أن الناشطين هنا فى مجال تسكين التنوير
    وطرح أسئلته يحاولون التأسيس لعصر تنوير سودانى بدون طرح سؤال الاصلاح الدينى ودفع إستحقاقاته, لذأ إذا إستدعيت كل التجارب
    فى السودان التى حاولت تقديم مقاربة لسؤال التنوير, لم تعطى الاصلاح الدينى مساحة كبيره من إنشغالاتها وإشتغلاتها الفكرية, وهذا قد
    يعزى للجبن المعرفى أو الكسل الفكرى للمثقف السودانى, الذى لا يفضل الإنكبابات المعرفية الطويلة, لذا كانت المحصلة النهائية أن يراوح
    سؤال التنوير مكانه.

    ثالثا/
    ... فى ظنى أن سؤال الاصلاح الدينى يجب أن يبدا من المقاربة النقدية للوعى الصوفى الذى لعب أدوار كبيرة فى تشكيل الذاكرة المعرفية
    للمثقف/ والمواطن السودانى على السواء, الوعى الصوفى بكل مخرجاته التى تتمثل فى (أسطرة الوعى), التى حالت على الدوام من تجذير قيم الحداثة القائمة على التفكير العقلانى والنقدى,,فى ظنى ان البداية الصحيحة تبدأ من هنا, وليس من الفرضيات الخاطئة التى تفترض أن الخطورة تكمن فى الفكر السلفى, الخطورة الحقيقة فى هذه اللحظة الرهانة تكمن أيضا فى الوعى الصوفى الذى ساهم كما أسلفت فى تشكيل العقل
    السودانى. حيث مازال وعى(طبقات ود ضيف الله) يسيطر على مجاميع معتبرة من السودانيين, وطبعا هنا لا أنفى خطورة السلفنة التى تجتاح السودان, ولكنها ليس لها تأثير كبير فى تشكيل العقل السودانى, بقدر تأثير الوعى الصوفى. ولكن فى ما يبدوا أن حساسية تبارات الاسنارة تجاه هذا الموضع ضعيفة, وكل ذلك طبعا يمكن ان يرجع لزهد الصوفية فى المجال السياسى وعدم إمتلاكهم لتصورات للدولة, بغير التيارات السلفية التى تنازع التنويرين فى هذا المضمار, مما جعل تيارات الاستنارة فى السودان تفترض أن التيارات السلفية هى عدو من الدرجة الاولى
    وهذه الفرضية مضللة وغير حقيقة, لأنه كما أسلفت أن المساحات التى لعبتها الصوفية فى تشكيل العقل السودانى أكبر من المساحات التى لعبها الفكر السلفى,, ورفض قيم الدولة الحديثة من قبل المواطن السودانى ليس هى من مخرجات الفكر السلفى بقدر ماهى من مخرجات الفكر الصوفى, الزاهد أصلا فى الدولة....
    المهم هذه مداخللة سريعة وغير مرتبة
    ولى عودة
                  

08-30-2010, 11:44 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسودة النهائية .. (Re: خالد خليل محمد بحر)

    تحياتي الأخ العزيز طلعت
    رمضان كريم وكل عام وأنت بخير.. أولا أعتذر فركضا خلف التدوين غفلت عن تحيتك على هذا المجهود القيم والجاد الذي تبذله في إحداث فرق نوعي بنقل الحوار إلى مستوى رفيع من الأسئلة .. فلك خالص التحايا والتقدير..
    تحية موصولة للأخ خالد على المساهمة القيمة والتي ترفد هذا الحوار الذي أثارته ورقة الصاوي ..والذي آمل أن يتواصل
    سأعود غن كان للعمر بقية

    (عدل بواسطة احمد ضحية on 08-30-2010, 11:51 PM)

                  

08-31-2010, 07:46 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسودة النهائية .. (Re: احمد ضحية)

    المجتمع المدني العربي: هل هو قادر على المقاومة؟ «1» الصحافه 30 اغسطس 2010-08-30

    حيدر ابراهيم علي


    نشر الأخ عبد العزير حسين الصاوي/محمد بشير أحمد ورقة تحت عنوان «معا نحو عصر تنوير سوداني.. إطار عام لاستراتيجية معارضة مختلفة». وكنا قد عقدنا ندوة قريبة من هذا الموضوع. ولأن الأخ محمد قد عوَّل كثيرا على دور المجتمع المدني في
    تفعيل الاستراتيجية، فقد رأيت إعادة نشر هذا الورقة، كي تكون مدخلي لنقاشه.
    دخل مفهوم المجتمع المدني كمصطلح ومؤسسة الى الواقع والحياة العربيين بكثافة قد تبلغ حد التضخم والتشبع، خلال العقود الثلاثة الماضية، وبالتحديد مع سقوط الكتلة السوفيتية وانهيار حائط برلين بنهاية ثمانينيات القرن الماضي. رغم ان البعض يحاجج ــ بأثر رجعي ــ بأن المجتمعات العربية قد عرفت المجتمع المدني منذ أمد بعيد، وإن لم يكتسب نفس التسمية، مع وجود الشكل والوظيفة، وهذه مغالطة تاريخية ومفاهيمية. وبالتأكيد عرفت المجتمعات العربية بعض الاشكال الجنينية لتنظيمات جماهيرية غير رسمية. وهذا يعود الى التعريف المستخدم، فقد يضمّن البعض جماعات الطرق الصوفية أو تنظيمات الاوقاف مثلا، باعتبارها منظمات مجتمع مدني. وفي حالات اخرى يبعد البعض الاحزاب السياسية من مكونات المجتمع المدني بدعوى احتمال ان يصل الحزب الى السلطة. فالمفهوم جديد، والتنظيم حديث ايضاً، لذلك يبقى من التعسف ارهاق التاريخ والواقع والفكر في العالم العربي، في حالة الاصرار على وجود قديم لفكرة المجتمع المدني. وتقوم فرضية حداثة المجتمع المدني، على أساس الارتباط بين نشوء الدولة الحديثة الديمقراطية ووجود المجتمع المدني، باعتباره المقابل للدولة، في مواجهة للحد من تسلطها او التعايش تكاملياً في تقسيم اجتماعي لوظائف مختلفة.
    ويمكن تأكيد الاهتمام المتأخر بالمجتمع المدني من خلال متابعة الكتابات التي تدفقت قبل ثلاثة عقود فقط. لذلك، كان من الطبيعي ان تتميز الكتابات والنقاشات والحوارات العربية حول المجتمع المدني بالتشعب والاختلاف والتناقض أحياناً، وهذا مما يدل على جدة وعدم أصالة الفكرة في الحياة العربية. ويبدو مفهوم المجتمع المدني، في بعض الاحيان مثل محاولة تعريف الفيل في الاسطورة الهندية القديمة، كل يظن الجزء الذي أمسك به هو الفيل كله.اذ تفتقد الكتابات العربية الى اتفاق عام أو شبه اجماع حول المفهوم، وقد تكون هذه المسألة عادية في العلوم الإنسانية والقضايا الفكرية، ولكن لا بد من حد أدنى. ورغم محاولات بعض الكتابات اليسارية من شيوعية وقومية وبعثية، البحث عن أصول للمجتمع المدني في التنظيمات التي ساهموا في انشائها مثل النقابات والاتحادات المهنية والجمعيات الطوعية..الخ. ولكن يعاب على هذه الاشكال التنظيمية صفة الالحاق الحزبي، إذ تكاد تكون جزءا من هيئات الحزب المختلفة.
    ولا يخلو هذا الوضع من الارتباك في تعريف وتحديد المفهوم، مما ينعكس بالضرورة على الفهم والممارسة. وهذا يعني صعوبة تعيين وظائف المجتمع المدني العربي ودوره في الحياة العامة، وتقع الاجابة على تساؤل هذه الورقة: هل المجتمع المدني العربي قادر على المقاومة؟ في قلب القضايا الصعبة والمستعصية على التناول المباشر. فقد نشأ المجتمع المدني في الواقع العربي بطريقة «غير طبيعية» كان لا بد ان تؤثر على تجلياته وتطوراته وادواره. وهذا الوضع الاستثنائي وشديد التعقيد يفرض قدراً كبيراً من الحذر في تقييم فعالية المجتمع المدني العربي. إذ مازال من الصعوبة بمكان تحديد دور المجتمع المدني العربي لأنه ينوس في مرحلة بين التشكل والانطلاق. ورغم ابتذال استخدام وصف الأزمة في تحليل الواقع العربي، ولكن يمكن القول ان الواقع المأزوم، من المحتم ان ينتج مجتمعاً مدنياً تحكمه شروط وظروف الأمة. اذ يبدو في كثير من الاحيان جزءا اصيلا من الازمة وقد يساعد في استفحالها. فالمجتمع المدني الراهن ــ حتي الآن - ليس أداة مقاومة وتغيير كما نتوقع ونأمل. فهو يقاوم ظروف وجوده السالبة، وحين يتجاوزها يمكن ان يلعب دوره المفترض في عملية التغيير والديمقراطية والتنمية المستقلة، ويتحول الى مقاومة التخلف والقهر والقعود عوضا عن النهضة.
    المجتمع المدني العربي.. الواقع والممكن
    واجهت المجتمع المدني العربي ــ باستمرار ــ مشكلات النشأة والتكوين، اذ لم يكن نتاج تطور تاريخي طبيعي او ذاتي بكل مكوناته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالفكرة غربية وغريبة على الاقل في البداية، أتت من الخارج وتم استزراعها في التربة العربية. وهذا ما حدث بالضبط، بالنسبة لفكرة الدولة العربية في شكلها الحديث. فقد واجه نشطاء ومنظرو المجتمع العربي صعوبات عملية واشكاليات نظرية وفكرية في تبيئة مفهوم المجتمع المدني بدءاً من التعريف المناسب للواقع العربي. وهذه ليست مسألة شكلية بحتة، فمن خلال التعريف نحدد مثلاً: هل الأحزاب السياسية تقع ضمن المجتمع المدني ام لا؟ وموقع التنظيمات التقليدية في مجال المجتمع المدني. وهذا يؤثر على تحديد مدى الدور المقاوم للمجتمع المدني. ولأن المفهوم أصلاً من الخارج، فقد افتقد التنظير والتقعيد الصارمين. والمفهوم ليس مجرد تعبير او كلمات، ولكنه في جوهره فلسفة ورؤية للعالم في ظرف تاريخي معين. وكان هذا هو الحال في اوروبا، حيث ولد المفهوم في الفكر السياسي الغربي، إبان صعود البورجوازية الغربية وظهور الدولة الوطنية ثم نمو اقتصاد السوق. وهنا يظهر الفوات التاريخي، فمثل هذا التطور لم تعرفه المجتمعات العربية بهذا الشكل أو حتى ما هو أقرب منه، لذلك اكتفت باستلاف الفكرة وجاءت خارج السياق التاريخي. وهذا ليس عيباً في حد ذاته في عالمنا الراهن المتشابك، شرط أن تثبت هذه المجتمعات قدرتها على تكييف مفهوم ووظائف المجتمع المدني الحديث مع واقعها اي دمجها في الثقافة العربية، مع مراعاة ما يمكن أن يسمى خصوصيات.
    وقد قاد هذا الشكل للبداية والتكوين الى حالة من تكريس الاغتراب والغربة، وصار من الصعب التخلص منها. وفي نفس الوقت أصبح من السهل على خصوم واعداء المجتمع المدني ان يقوموا بابتزاز ناشطي ومناصري المجتمع المدني في المجتمعات العربية من خلال اتهامهم بموالاة الاجنبي والانحياز للغرب، بل والخضوع لارادة المستعمر وتنفيذ اجندته. ويرى فيهم خصوم المجتمع المدني حصان طروادة جديد يمهد لعودة الاستعمار الحديث تحت دعاوى الديمقراطية وحقوق الانسان. وصارت الدعوة للمجتمع المدني جزءاً من الصراع السياسي والايديولوجي، وتمت أدلجة وحزبنة المفهوم في العالم العربي. وكان من الطبيعي أن تعارض النظم الشمولية والاحزاب التقليدية والمحافظة انتشار ثقافة المجتمع المدني ــ فكراً وممارسة. وهذا أمر متوقع، لأن انتشار قيم المجتمع المدني سوف تهدد قبضة الدولة المطلقة على المجتمع بكل فئاته وشرائحه، واحتكار الفضاء العام. وتقف ــ للمفارقة ــ بعض القوى التقليدية والمحافظة، وهي خارج السلطة، وبالذات الجماعات الدينية، ضد المجتمع المدني وذلك بسبب ما تراه المصدر الغربي للفكرة، ولخطابه الداعي للتعددية وحرية الرأي والمعتقد، وتحرير المرأة. ولكن فعلياً، وللمفارقة، تبنى بعض الاحزاب الدينية منظمات أو شبه منظمات «مجتمع مدني»، هي في الحقيقة متناقضة لاهداف وفلسفة المجتمع المدني، فهي مفرغة من مضامين واولويات مثل الديمقراطية وحقوق الانسان. ولكن شكلها الخارجي وتكوينها الطوعي او الجمعي، يغري الكثيرين بتصنيفها ضمن مؤسسات المجتمع المدني.
    واهتم بعض الباحثين بقضية قياس فعالية المجتمع المدني وامكانية تحديد المعايير، والصعوبات التي تواجه القياس. وتساعد نوعية المعايير المستخدمة في معرفة مدى تطور وقدرة المجتمع المدني على التغيير والمقاومة. وتقترح بعض المؤشرات باعتبارها مقياسا أو دليلا لاختبار فاعلية المجتمع المدني، وهي تمثل التوقعات أو الشكل المعياري المرتجى لاحداث الاصلاح الاقتصادي والسياسي الشامل. وترى أغلب الكتابات في هذا الأمر ضرورة أن يقوم المجتمع المدني المطلوب بدور الفاعل المبادر، والا يكتفي «بردود الفعل الاستجابية» لاشباع حاجات اساسية، وانما عليه توجيه السياسات العامة الى القضايا الاساسية والمناهج في الاداء. وللمجتمع المدني، كما تقول احدى الباحثات: «دور مهم في عملية التغيير الثقافي والاجتماعي، من خلال التأثير الايجابي على قيم واتجاهات، وتحويل قطاعات من المجتمع «خاصة الشباب والنساء» الى مشاركين وليس مجرد «مشاهدين» أو«متفرجين». وتضيف بأن المجتمع المدني الفاعل ينبغي ان يستند على مفهوم «التمكين» الذي يستهدف الفئات المهمشة في المجتمع من خلال توفير القدرات الذاتية لها، لكي تتمكن من الاعتماد على نفسها، وتوسيع فرص الخيارات لها. ويرتبط كل هذا بالتأكيد على الوظيفة الدفاعية (Advocacy) وهي تتمثل في الدفاع عن الحريات والحقوق الاساسية للمواطن وتعميق احترام الديمقراطية. وتشترط المعايير أن يستند المجتمع المدني الفاعل على مواثيق شرف اخلاقية، تجسد الشفافية والمساءلة والمحاسبة واحترام الخلاف والاختلاف، ودعم الممارسة الديمقراطية. (1)
    اضافة الى الأبعاد والمعايير السابقة ذات الطابع الفني، ارتبطت فعالية المجتمع المدني العربي، وقدرته على المقاومة واحداث التغيير بضرورة الوضوح الفكري والنظري، والذي ظل مطلوبا رغم هجرة المفهوم الى العالم العربي او العالمثالثي عموماً. ومن المعلوم ان اختلاف السياق التاريخي يعني بالضرورة اختلاف وتباين الادوار بسبب الرؤية والفهم. فعلى سبيل المثال، كان للمجتمع المدني في الغرب دور فرضته ظروف سيطرة الدولة القوية أو بالأصح الدولة الشرعية، أي دولة القانون والمؤسسات. ومن الجانب الآخر نجد الدولة العربية ــ في حقيقتها ــ هشة وعاجزة وضعيفة، ولكنها عدوانية وقمعية بافراط بسبب فقدان الشرعية وانقطاع علاقتها بمجتمعها، مما يجعل تطور ودور المجتمع المدني العربي مختلفاً، ويعرقل كثيرا ازدهار المجتمع المدني. وتعتبر العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني من أهم القضايا النظرية، ان لم تكن أهمها على الاطلاق. ولذلك فهي تحتاج الى حسم او على الاقل قدر كبير من الوضوح، ولكنها ظلت معلقة في الساحة الفكرية العربية. ويعود ذلك بالاضافة الى طبيعة الدولة، كما اسلفنا، الى تطور المجتمعات العربية نفسها. فهي تمر بمرحلة انتقالية يتعايش/ ويتناقض فيها الشكلان التقليدي والحديث في تزامن ينجم عنه الكثير من المشكلات والتوترات المعوقة للتغيير والتحول. وهذه الثنائية أو الازدواجية عقبة حقيقية، اذ يعتبر كثير من المفكرين العرب، أن المجتمع المدني هو نتاج المدن. وهنا يتضح دور البورجوازية في قيام المجتمع المدني، مما يقود الى مشابهة غائبة أو لا تاريخية على الأقل.
    ويرجع الضعف التنظيري والفكري الى عامل تكويني مرتبط بنشأة المجتمع المدني العربي. فقد طغت على بداياته الأولى هيمنة النشطاء او الحركيين على حساب المفكرين والمنظرين. فقد سبقت النشاط وتكوين المنظمات، جهود الكتابة في تحديد المفهوم والنظريات المرتبطة به. ومن الملاحظ قلة الكتابات النظرية في المجتمع المدني ذاته مقارنة بالكتابة عن نشاطه العملي وبالعدد الهائل المتكاثر للمنظمات. وهذا اتجاه سائد في الواقع العربي، يقلل من قيمة التنظير، بل قد يحقّره البعض حين يصفون شخصا ما بانه «مجرد منظراتي»، باعتبار أن كل منظر هو عمليا غير قادر على التطبيق والعمل. وهكذا افتقد مجال المجتمع المدني فضيلة اعادة فهم ذاته ونقدها لاحقاً بقصد التطوير والتجديد والتعميق. وبالتالي لم يستطع تجاوز عيوب النشأة والتكوين الأولى، ومال المجتمع المدني العربي الى ان يتحرك كثيراً ويفكر قليلاً. ويظهر ذلك في قلة الأدبيات العميقة والأصيلة التي تؤصل فكرة وفلسفة المجتمع المدني في سياق آخر مختلف عن الحالة الغربية المغايرة، لذلك لم يستطع رد تهمة التقليد والتبعية الفكرية. وقد تسبب ذلك في نشاط زائد لا يطلب منه الرؤية والفكر الذي يسند الاهداف من العمل والنشاط، وحدث خلط في تحديد منظمات المجتمع المدني الاصيلة. وأدرجت في التصنيفات الجمعيات الخيرية والروابط الدينية، وتسللت جمعيات تشكلها الحكومات لاغراق المجتمع المدني.
    وانتقل النقاش حول دور الدولة الى فكر المجتمع المدني العربي رغم الاختلاف في سير التطورين في الغرب والعالم العربي، فقد صاحبت نشأة المجتمع المدني الغربي تحولات اقتصادية وسياسية ايديولوجياً ونظماً سياسية واقتصادية يصعب تكرارها بنفس الصورة السابقة التي شهدت نمو الرأسمالية واقتصاد السوق والديمقراطية الليبرالية. ولذا كان من الطبيعي أن تشغل الغرب مسألة مدى تدخل الدولة في المجتمع، وفي الفضاء الخاص. وكان على المهتمين بتطور المجتمع المدني العربي ادراك هذه الحقيقة عند القيام بتحليل تجربتهم الخاصة. ويرى احد الباحثين العرب ان المجتمع المدني غير الغربي، يجب ان يعمل على تكريس وتجذير بعض المبادئ مثل تحقيق التوازن بين الدولة والمجتمع، والحد من تسلط الدولة وبطشها بالمواطنين. مع التأكيد على ان يتم ذلك في اطار الخصوصيات الثقافية والحضارية والتاريخية التي تميز كل مجتمع او شعب.(2)
    ويقدم باحث آخر نموذجا مختلفا لعلاقة الدولة والمجتمع المدني، من المغرب العربي، اذ يقول: «ان النضال النقابي للعمال والطلبة خاصة، والمعارضة السياسية والثقافية، وانواع القمع العنيفة التي تعرضت لها، تشهد هنا على أن حركة الدولة داخل المجتمع، واختزال المجتمع المدني في دور العامل المساعد للدولة، لم يمر دون منازعات واحداث». ويرى أن هذه المقاومة، المنظمة خاصة حول الحركات النقابية وأحزاب المعارضة المنحلة في تونس والجزائر، لم تضع موضع التساؤل دور الدولة. ولكنها انتقدت من وجهة نظر «اجتماعية» خطها السياسي. ويضيف أن هذه التنظيمات كانت تتصور علاقتها مع الدولة من منظور انقلابي، أي اعادة بناء الدولة على أسس اشتراكية أو على الاقل ذات بعد اجتماعي، وبالتالي استبدل العمل النقابي بالفعل النضالي. ولم يتغير هذا الوضع الا في نهاية سبعينيات القرن الماضي مع ظهور اشكال ومضامين جديدة للمجتمع المدني. ويختم بالقول: «فإن المجتمع المدني المغاربي تحقق أساسا ضد الدولة ومن خلال شكلين من التعبير والتصور مرتبطين بمستويين متمايزين للحياة الاجتماعية: الأول يتمحور حول بنية النشاط الاقتصادي والاجتماعي، والثاني حول الهوية الثقافية والاخلاق والدين... وبعد أن كان الشكل الأول الأساسي للنزاع مركزا بين الدولة والمجتمع، بدأ هذا الشكل ينسحب تدريجيا ليترك المجال للشكل الثاني الذي يمارس عملية احتواء، تكتسح رهاناته المجال بكامله، حيث تحل الشريعة محل الديمقراطية». (3)
    وفي الحالة الغربية أخذت العلاقة مع الدولة شكل الصراع. ولكن في الحالة العربية، يرى البعض ضرورة التوازن في علاقة المجتمع المدني مع أجهزة الدولة رغم أن بعض عناصر المجتمع المدني قد تكون في وضعية معارضة او خصومة مع النظام القائم. وهنا قد تكون أولى خطوات المقاومة التي قد نسميها مقاومة (فابية) اي لا تمثل المواجهة المباشرة او العدائية. فهي معركة في مجال الديمقراطية او التحول الديمقراطي، اذ تكاد معظم النظم العربية الحاكمة عديمة او ناقصة الديمقراطية، لذلك تحتاط ضد نمو المجتمع المدني بصورة طبيعية. فالنظم العربية ضمن ممارستها الشمولية تقوم بدور المشرّع والمنظم والحكم للمجتمع المدني. ولأن منظمات المجتمع المدني، لا بد لها ان تسجل وفق قوانين تضعها السلطة السياسية الحاكمة، وفي كثير من الاحيان قد تكون قوانين متعسفة او مقيّدة، فيكون الصدام حتمياً. وهذا شكل لمقاومة تسلط الدولة، ولا بد لمنظمات المجتمع المدني من انتزاع حقها في وضعية شرعية تسمح لها بالعمل ضمن أوضاع قانونية معترف بها. وتضع النظم العربية المعوقات الادارية امام منظمات المجتمع المدني، باعتباره عدواً طبيعياً للشمولية والدكتاتورية، ولكنه في نفس الوقت ليس بديلاً للمجتمع السياسي ولا الدولة. وفي حالة الدول الديمقراطية تقوم الدولة بدور الوسيط او المنسق في التعامل مع المجتمع المدني.(4)
    ومن الملاحظ ان المجتمع المدني العربي يجد نفسه مبكراً في صراع حول الديمقراطية، وهو يحاول انتزاع حقه في الشرعية والوجود نفسه. وتعتبر معركة اكتساب حق العمل، تمرينا جيدا لمنظمات المجتمع المدني من أجل الديمقراطية والحقوق الاساسية في حريات التنظيم والتعبير والتجمع والحركة.
    ومن أهم مجالات المقاومة الممكنة والفعلية: مسألة حقوق الانسان، وحقيقة تنشط منظمات حقوق الانسان العربية بدعم وتضامن من المنظمات العالمية المختلفة. وهنا واجه المجتمع المدني العربي اشكالية ضعفه النظري بصورة ملموسة، فقد رفع المعارضون لمبادئ حقوق الانسان قميص عثمان فكري في وجه المبشرين بحقوق الإنسان في العالم العربي، وتمثل في: الخصوصية. وقد ادعوا ان فكرة حقوق الانسان مستوردة وهدامة وهي ــ في نظرهم ــ جزء من المؤامرة الغربية التي تستهدف الاسلام والمسلمين. ولم يجدوا في كل منظومة حقوق الانسان غير حقوق المثليين أو حقوق النساء في الاجهاض. وتم اختزال حقوق الانسان بطريقة مغرضة ومخلّة بقيم حقوق الانسان. وتقف أغلب الحكومات العربية خلف المروجين لمثل هذه الافكار، وتعقد لهم المؤتمرات والندوات، وتدعم كتبهم واصداراتهم المختلفة. واستطاعت الحكومات والقوى المحافظة والرجعية أن تبقي دعاة حقوق الانسان والناشطين في حالة دفاع مستمرة، خاصة حين تربط ذلك بمواقف منظمات مثل Amnesty International, Africa Watch,Middle East Watch بالاضافة لمنظمات الأمم المتحدة المتخصصة، والمنظمات الاقليمية المهتمة بحقوق الانسان، واستقلال القضاء، ومناهضة التعذيب، والقضاء على التمييز ضد المرأة. وتكمن مشكلة منظمات المجتمع المدني العربية في اعتمادها شبه الكامل على الادبيات الآتية من الخارج، ومازالت المساهمات العربية المتعلقة بموضوع خصوصية وعالمية حقوق الانسان شحيحة ومحدودة، مقارنة بحملة الطرف الآخر. وهذا لا يعني عدم وجود خصوصيات ثقافية، ولكن المطلوب عدم افتعال هذه الخصوصيات في مواقف من قيم ومبادئ وممارسات بدأت غريبة ولكنها تحولت الى انسانية. فمن التناقضات المضحكة أن يقف إنسان ضد المطالبة بترسيخ وتوسيع حقوق الانسان. فمن الممكن الحديث عن خصوصية داخل حقوق الانسان وليس خارجها، أي بعد قبولها مبدئيا. فعلى سبيل المثال يمكن القول إن الحقوق الاقتصادية والثقافية ذات أولوية بالنسبة لنا، بسبب «خصوصية» أوضاع التخلف والفقر وضعف الوحدة الوطنية في بلادنا.
    ولم تتوقف الهجمة على منظمات حقوق الانسان بسبب المصدر الغربي للفكرة والعلاقة بالخارج من خلال التمويل والتشبيك أو التنسيق، ولكنها مع ذلك حققت نجاحا نسبيا مقارنة بالمنظمات الاخري. اذ لم تعد انتهاكات حقوق الانسان «شأنا داخليا» وساعدت العولمة من خلال تطور وسائل الاتصال والمواصلات، وحداثة طرائق التوثيق والتصوير والتسجيل، على اثبات وتوزيع الانتهاكات. وتزود منظمات حقوق الانسان رصيفاتها في العالم بالمعلومات اللازمة لكتابة التقارير ونشر حالة أوضاع احترام حقوق الانسان في البلدان المختلفة، على نطاق واسع. ومما يدل على تغيير نسبي، واهتمام الدول العربية بصورتها في الخارج، محاولتها نفي التقارير، وفي بعض الحالات أعلنت بعض الحكومات انشاء لجان أو منظمات لحقوق الإنسان.
    ٭ مركز الدراسات السودانية
                  

08-31-2010, 07:52 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسودة النهائية .. (Re: طلعت الطيب)

    ابصحافه 31 اغسطس الجزء الثاني

    المجتمع المدني العربي: هل هو قادر على المقاومة ؟ (2-2)
    في الاستقلالية والجماهيرية
    يمكن أن تقاس قدرة المجتمع المدني على المقاومة بمدى استقلاليته وجماهيريته، والتوسع في الاخيرة يعني ايضاً الاهتمام بالديمقراطية الداخلية الخاصة به. وليس المقصود بالاستقلال الابتعاد عن الدولة فقط، بل يمتد ذلك ليشمل العلاقة مع الخارج. ونستطيع أن نقول بان المجتمع المدني العربي جاء نتيجة الضغوط او التأثيرات الخارجية على الدول والمواطنين ايضاً ،أكثر من كونه نتيجة حاجة داخلية.والمقصود بهذا ليس تغييب العامل الداخلي ولكن وضعه في حجمه الطبيعي. وكان ضعف الاستقلالية والجماهيرية من أهم نتائج النشأة غير الأصيلة وضعف القدرة على تبيئة المجتمع المدني العربي فكرياً ونظرياً. وكان للاعتماد على الخارج أثره الواضح على فعاليته وقدرته على الصدام والمواجهة من نواح عديدة.
    كانت قضايا التحول الديمقراطي وانتهاكات حقوق الانسان، هي الاكثر الحاحاً ######ونة، واكتسبت الأولوية والاهتمام. وجاءت الاحتجاجات والادانات من الخارج اساساً - كما ذكرنا قبل قليل - من منظمات اجنبية مثل منظمة العفو الدولية او مرصد الشرق الاوسط لحقوق الانسان او الاتحاد الدولي للمحامين.. الخ. فالنظم العربية الحاكمة التي لا تحترم شعوبها تتجاهل كل الاحتجاجات الآتية من المنظمات والشخصيات المحلية، ولكنها تنزعج لاي بيان او كلمة تصدر من الغرب. ولذلك، دخلت منظمات المجتمع المدني العربي في علاقة متينة مع المنظمات الغربية جعلتها تبدو وكأنها تابعة. وبسبب الضعف الفكري والنظري للمنظمات العربية لم تستطع الدفاع عن نفسها باعتبار ان هذه علاقات تضامن دولي وانساني عرفتها البشرية باستمرار. وقد استفادت حركات التحرر الوطني في نضالها ضد الاستعمار حتى نالت استقلالها بدعم مقدر من غربيين تقدميين ويساريين وانسانيين،وقفوا ضد حكوماتهم المستعمرة (بكسر العين). ويضاف الى ذلك ان قضايا حقوق الانسان واضطهاد الأقليات الإثنية او الدينية، لم تعد شؤونا داخلية يعتبر الحديث عنها مساساً بالسيادة الوطنية،خاصة بعد أن وقعت غالبية الدول العربية على المواثيق والصكوك الدولية،وان كان بسبب المجاراة فقط في احيان كثيرة.
    وتستغل النظم العربية الحاكمة مسألة التمويل الاجنبي في اضعاف منظمات المجتمع المدني، والتشكيك في وطنيتها،وتشويه سمعتها. وكثيراً ما تجد أغلب هذه المنظمات نفسها في معضلة وتعجز عن تسبيب او تبرير هذه العلاقة في عملية التمويل. وقد توجد شبهة في بعض الحالات،ويمكن ان تنعدم الشفافية في منظمات معينة،الا انه يصعب التعميم.ولكن النظم السياسية،والتي يعتمد بعضها على المعونة الاجنبية ،بالذات في الغذاء،تتعمد التعميم وتوظفه لتهيل التراب على مجمل المجتمع المدني.وهي تسعى لكي تجعل المجتمع المدني معادلا للاجنبي،وهذه احدى آليات حربها مع المجتمع المدني. وهنا يبرز أثر ظاهرة غياب النظرية والفكر على الممارسة، فالناشطون العرب لم يحاولوا في كثير من الاحيان الوصول الى تسبيب أو حتى تبرير لهذه العلاقة ضمن اطار فكري واضح.ولكنهم اكتفوا بالصمت أو المهاترة مما قد يدعم الاتهامات.مع أنه يمكن اعتبار عملية التمويل الاجنبي شكلا من اشكال عملية شراكة لا تخلو من ندية،أو نوعا من التعاون والتضامن الدوليين. فهناك قضايا ذات اهتمام مشترك بين المانح والمتلقي، وهنا تكون العلاقة بلا شروط مسبقة ولا توجد أجندة مفروضة خفية.ولابد من الاشارة الى أن هناك ،ما يمكن تسميته:المجتمع المدني العالمي في طور التشكل،ويتجلى في اللقاءات الجامعة التي عقدت في السنوات الاخيرة في كثير من عواصم ومدن العالم الثالث. ولكن في كثير من الاحوال تخضع منظمات المجتمع المدني للاتهامات والابتزازات الرسمية وتعجز عن الرد ، وبالتالي تتنازل عن دور المواجهة والمقاومة في التعامل مع الدولة غير الديمقراطية،ويرجع ذلك الى غياب الرؤية والنظرية.
    وهذا يعني ضرورة ان تحقق منظمات المجتمع المدني قدراً من الاستقلالية الاقتصادية بالاضافة لتحديد أسس واضحة وشفافة في التعامل مع التمويل الاجنبي. ولابد من التخلص من عقلية اليد العليا واليد السفلى في التعامل مع الآخر، وضرورة تأكيد فكرة وجود مجتمع مدني عالمي يتشكل، ونحن في العالم العربي جزء من هذه العالمية. وتقوم العلاقة في هذه الوضعية الجديدة على التضامن والمساندة والتناقض والاتفاق وتبادل الخبرات، وذلك في اتجاه رؤية اكثر انسانية للعولمة بعيداً عن السيطرة والهيمنة.ولكن هناك قضية في غاية الاهمية،وهي غياب دور الرأسمالية الوطنية أو القطاع الخاص الوطني في دعم المجتمع المدني المحلي وجعله قوة قادرة علي الدفاع عن الرأسمالية الوطنية أو القطاع الخاص في وجه الدولة.وهنا لابد من التنويه بأن البورجوازية الكبيرة العربية ذات طابع طفيلي في تكوين رأسمالها وكثيرا ما تعتمد على التسهيلات التي تقدمها لها الدولة،وعلي العمولات،وعطاءات القطاع العام والحكومة.لذلك من الصعب أن تنحازهذه الفئات الغنية الي المجتمع المدني وأن تقوم بدعمه وتمويله منعا لعلاقته مع الخارج.
    تكمن مشكلة المجتمع المدني الثانية في قدرته على التأثير الجماهيري الواسع وهذه من الشروط الاولية لاداء اي دور مقاوم او تغييري. ويبرز سؤال حجم ونوعية القوى الاجتماعية التي تقود عملية تطوير المجتمع المدني العربي.وهناك من يرى أن يبقى المجتمع المدني مجرد طليعة أونخبة مؤثرة فقط،باعتبار أنه مجموعات ضغط لا تحتاج للتوسع الجماهيري.وهناك من يري بأن المجتمع المدني ،رغم أنه ليس بديلا للاحزاب ولا منافسا ولكن يمكن أن يعمل كمكمل لدورها،خاصة في حالة ضعفها وابتعادها عن العمل المباشر بسبب ظروف النشاط في ظل النظم الشمولية.وفي هذه الحالة،يحتاج المجتمع المدني الى قدر من الانتشار الجماهيري على الاقل بشكل تمثيلي أي أن يكون اعضاؤه موجودين ومنتشرين في كل انحاء البلاد . وما يحتاجه المجتمع المدني العربي حقيقة هو القبول والثقة وسط قطاعات واسعة من الجماهير ،وهذا قد يأتي من الاتصال المباشر أو من المعرفة غير المباشرة لنشاطات مؤسسات المجتمع المدني.
    وتنطلق هذه الورقة، في بعض جوانبها، من افتراض يحاول تحليل اشكالية الحداثة والتقليدية عند مناقشة دور ووظيفة ثم جماهيرية المجتمع المدني. اذ تعتبر مؤسسات المجتمع المدني تجسيداً لعلاقات وبني حديثة تقوم على الاختيار والاجتماع الطوعي خلافاً للعلاقات التقليدية مثل الروابط الاسرية والعشائرية والقبلية. والاخيرة هي في الأصل علاقات موروثة وليست مكتسبة، كما انها بسيطة وليست مركبة بل تقوم على افراد يعرفون بعضهم شخصياً نتيجة لعلاقة المواجهة (اي الوجه لوجه). ونتيجة لهذا الاختلاف يستبعد بعض الباحثين التشكيلات التقليدية من المجتمع المدني. ويربط (الجابري) بين المدينة ونشأة المجتمع المدني، والذي يعرفه بقوله:-».. فإن هناك واقعة أساسية وبديهية لا يمكن ان تكون موضع خلاف، وهي ان المجتمع المدني هو، أولاً وقبل كل شئ، مجتمع المدن، وان مؤسساته هي تلك التي ينشئها الناس بينهم لتنظيم حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. فهي إذن مؤسسات ارادية أو شبه ارادية يقيمها الناس بحرية وينخرطون فيها اويحلونها أو ينسحبون منها، وذلك على النقيض تماما من مؤسسات المجتمع البدوي القروي، والتي تتميزبكونها مؤسسات «طبيعية»، يولد الفرد منتمياً اليها مندمجا فيها،لا يستطيع الانسحاب منها، مثل القبيلة والطائفة». ويؤكد على ان البحث في حضور او غياب مؤسسات المجتمع المدني في اي قطر، لابد ان ينطلق من التساؤل حول وضعية المدن:-» هل هي التي تهيمن على المجتمع باقتصادها وثقافتها وسلوكياتها ومؤسساتها أم أن المجتمع البدوي القروي هو السائد، وتقاليده وسلوكياته وقيمه وفكره ؟»(5)
    لا يمكن الاختلاف حول ضرورة المدينة كشرط لقيام المجتمع المدني، ولكن بسبب تباين دور المدينة في الغرب والذي جاء نتيجة للقضاء على الاقطاع الاوروبي، بينما مدينة العالم العربي «مصطنعة» فهي ،في حقيقتها، امتداد وتراكم للريف. لذلك، كان من الطبيعي ان تتسبب مدينية أو حضرية المجتمع المدني العربي المختلفة هذه ،في بروز ظواهر سلبية ومشكلات بنيوية. وقد تمثلت بعض هذه الظواهر والمشكلات ، في نخبوية وصفوية المجتمع المدني في العالم العربي. فمن ناحية، يمكن أن نسلم بان النخب الحديثة المدينية او الحضرية تمتاز بانها مؤهلة لتنظيم نفسها في مؤسسات حديثة تكون المجتمع المدني بسبب قدراتها السياسية والاقتصادية والفكرية، وسط مجتمعات فقيرة وشبه أمية. فهذه النخب تجد نفسها في وضعية مريحة نسبياً، وبالتالي تجد الوقت والاهتمام والمزاج للعمل في مجالات فكرية وسياسية تراها الاغلبية المسحوقة او المهمشة، ترفاً، لذلك تنفرد النخب بهذا الامتياز. ومن الناحية الاخرى، فقد تسببت هذه الوضعية في اضعاف دور منظمات المجتمع المدني، وقللت من فعاليتها وسط فئات اجتماعية واسعة، واصبحت منظمات معزولة. وسيطرت جماعات قليلة وصغيرة، ولكنها دينامية ومتجانسة على المجتمع المدني العربي. وتحولت الى شلل متضامنة او بطانة تعيد انتاج نفسها دون ان تشع وتؤثر في الحياة العامة. واقتصرت هذه المجموعات على قيادات وكوادر من تكنوقراط ومثقفين ويساريين سابقين، يتميزون باجادة اللغات الاجنبية والقدرة على بناء علاقات عامة جيدة. وكانت النتيجة عزلة المجتمع المدني واختزال نشاطه في قضايا غير جماهيرية، الا اذا استثنينا مجال حقوق الانسان، وبالتالي حرم نفسه من امكانات المقاومة والنضال .لانه اختار الابتعاد عن قواعد هي ذات مصلحة حقيقية في وجود المجتمع المدني. وقد يرجع هذا العيب والخلل الى غياب النظرية ايضا، وبالتالي عدم امتلاك رؤية شاملة ومتكاملة لشكل ووظيفة المجتمع المدني. وكانت النتيجة نظرة جزئية ونشاط جزئي وجماهير قليلة. ويعلق احد الباحثين بقوله:- « وتنعكس جزئية الاهتمام في جزئية العضوية ايضاً، وفي تجانس تركيب هذه المنظمات وعدم شعبيتها وعدم شمولها لقطاعات من المواطنين ذوي الأصول المتباينة والاهتمامات المتباينة، ولذلك ايضاً يغلب الصدام فيما بينها على الصراع داخلها. «(6)
    في ديمقراطية المجتمع المدني
    تقود الافكار السابقة، عن نخبوية المجتمع المدني وانحساره ضمن المدينة والحواضر فقط ، الى سؤال الديمقراطية الداخلية اولاً. فقد كان واضحاً وبدهياً، ان أول وأهم اشكال المقاومة التي يمكن ان يمارسها المجتمع المدني - كما اسلفنا - هي مواجهة النظم الشمولية والدكتاتورية والفردية. وهنا يبادر الكثيرون الى طرح تساؤل جوهري وهو: الى اي مدى تمارس منظمات المجتمع المدني نفسها الديمقراطية التي تدعو اليها في تسيير شؤونها مثل عملية اختيار العضوية، وممارسة النقد الذاتي، وفي التسامح وقبول الآخر ؟ وهل تصلح منظمات المجتمع المدني كنماذج جيدة للديمقراطية التي تتغياها وتصبو اليها ؟ وهل يمكن ان تكون مؤسسات المجتمع المدني العربي منابر تدريب وتمرين على الديمقراطية ؟ ويفترض في هذه المؤسسات القدرة على نشر الوعي بالديمقراطية من خلال تعدد أدواتها وأنماط نشاطها المتعددة، مثل توزيع النشرات وطباعة الكتب والمجلات، وعقد المؤتمرات والندوات وورش العمل. كل هذا لمناقشة ما يدور حول الديمقراطية وحقوق الانسان. ويمكن للمنظمات ان تستخدم وسائل اكثر ابتكاراً مثل: السينما، والمسرح، والفنون التشكيلية للترويج لقيم ومبادئ الديمقراطية بين الفئات الاجتماعية المختلفة.
    يمكن التعويل كثيراً على دور المجتمع المدني العربي في مقاومة الدكتاتورية بكل تجلياتها، ولكن هذا يعني التخلص من كل عيوبه الذاتية التي أشرنا اليها في هذه المقال. اذ نلاحظ انه رغم التزايد العددي في هذه المنظمات الا ان تأثيرها النوعي والكيفي ظل محدوداً، لانها بقيت نخبوية ومنغلقة على ذاتها. وعجزت منظمات المجتمع المدني عن ان تكون جاذبة ومقنعة للفئات التي تدعي انها قامت من أجلها. ومن المفارقات ان الاحزاب السياسية في كثير من الأحوال، تنظر بتوجس وسوء نية لمنظمات المجتمع المدني، باعتبارها منافسة لها وترغب في انتزاع دورها السياسي وتعمل على الغائها تماماً، وان تحل مكانها. ويعود الظن، غالباً، الى كثرة النقد الذي يوجهه بعض الناشطين في المجتمع المدني للاحزاب السياسية. فالاحزاب في حقيقة الأمر، اصبحت شائخة وضعيفة وغير ديمقراطية، وتكاد تكون موسمية أي تنشط فقط اثناء حملات الانتخابات. وبالتأكيد، هناك عيوب كثيرة وسلبيات معوقة للاداء الحزبي، وكان من المفترض ان تبادر الاحزاب نفسها بممارسة النقد الذاتي، واعتقد انها كانت ستقول نفس العيوب التي تعددها منظمات المجتمع المدني. وهناك مطالبة متزايدة بالاصلاح الحزبي بقصد ممارسة الديمقراطية في اختيار القيادات، وتجديد البرامج، وعقد المؤتمرات بانتظام.. الخ. وفي كل الاحوال، لابد من تعاون الاحزاب السياسية والمجتمع المدني في معركة التحول الديمقراطي. ومن الخطأ رفض تسييس المجتمع المدني، لأن السياسية ممارسة حياتية يومية، اذ من الممكن رفض التحزيب او الحزبنة للمجتمع المدني ودمجه في الاجهزة الحزبية وليس رفض التسييس. وفي هذه الحالة يمكن للمجتمع المدني ان يؤدي مهامه في استنهاض الجماهير ثم في المقاومة، بكفاءة اكثر.
    ومن سخرية التاريخ العربي، انه مع تزايد الحديث عن المجتمع المدني، زادت توجهات الابتعاد عن السياسية ومال الكثيرون الى نوع من الهروبية والانسحابية من الحياة العامة. ومع صعود التيار الديني منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، اتجهت الجماعات الدينية الى السيطرة على النقابات والاتحادات، رغم عدم ايمانها بفلسفة المجتمع المدني ذات الاصول الغربية. وترى هذه الجماعات في سيطرتها على النقابات وسيلة لمواجهة السلطة السياسية حالياً، ثم خطوة في سبيل الوصول الى السلطة السياسة، أو ما تسميه « التمكين»، في نهاية الأمر. وغالباً ما تهتم النقابات التي يسيطر عليها الاسلامويون بقضايا التضامن الاسلامي الأممي، مثل افغانستان أو الشيشان على حساب القضايا المطلبية أو حتى الوطنية ،الا في في حالات شعورهم بضرورة التضييق على النظام الحاكم في بلادهم. ولكن في نفس الوقت هناك قطاعات عريضة في المجتمعات العربية ، متدينة وزاهدة في مثل هذا النشاط . ووجدت هذه الفئات، مجتمعها المدني في الطرق الصوفية المتكاثرة أو الوهابية وأنصار السنة مثلاً. وقد كان لهجرة العمل في بلدان محافظة ومنغلقة، أثرها في انشغال الكثيرين بحياة استهلاكية ? آخروية غريبة في وقت واحد. وكأن الفرد يقسم نفسه الى نصفين: واحد في الدنيا والنصف الثاني في الآخرة.ويظهر نمط متناقض للحياة يتعايش فيه ترف واستهلاك مبالغ فيهما مع مظاهر تدين شكلي طاغية في الحياة اليومية. وكأن انسان مرحلة المد الديني،قد عدّل القول المأثور:- « أعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا وأعمل لآخرتك كأنك تموت غدا «، الى:-» وأعمل لدنياك كأنك تعيش ابداً، واعمل لآخرتك كأنك لن تموت ابداً.» والمحصلة النهائية هي الانسحاب واللامبالاة وعدم الانشغال بالقضايا العامة التي يعمل عليها المجتمع المدني. ويلاحظ ذلك في نسب المشاركة في انتخابات منظمات المجتمع المدني او حتى الانتخابات البرلمانية.وقد فطنت النظم الحاكمة الى دور منظمات المجتمع المدني، لذلك، رغم كل مواقفها السلبية والمخربة تجاه المجتمع المدني.فقد شرعت الدولة والاحزاب الرسمية على اغراق المجتمع المدني بمنظمات كارتونية وخاوية المضمون، من خلال تكوين منظمات حكومية غير حكومية ! ان صح الوصف. ويضاف الى ذلك سيطرة الدولة على اتحادات العمال والمهنيين والمزراعين، وفي بعض الدول حتى على اتحادات الكتاب والادباء والفنانين. وهناك اختراق واضح لمنظمات المجتمع المدني العربي من قبل الدولة، مما اقعد المجتمع المدني عن اداء دوره المقاوم. وتحتفظ أجهزة الدولة بترسانة من القوانين والاجراءات البيروقراطية تستخدمها عند اللزوم لتعطيل نشاطات المجتمع المدني.
    ومن خصوصية المجتمع المدني العربي خلافاً للغربي، فهو لا يواجه ويصادم الدولة فقط، فهناك المؤسسة الدينية بسلطتها المعنوية القوية. وقدهددت المؤسسة الدينية ممثلة في الازهر، والمجامع الفقهية،وهيئات العلماء،وبعض الشخصيات النافذة والمؤثرة دينيا؛ في احوال كثيرة حرية التعبير والرأي والعقيدة نيابة عن الدولة، واحياناً قد تتوسط الدولة خشية منافسة المتدينين وزيادة نفوذهم.اذ استخدمت مجموعات الضغط الدينية هذه سلاح التكفير والردة في ارهاب وابتزاز الكتاب والفنانين والمبدعين عموما.وقامت بمنع الكتب وايقاف الافلام والمسلسلات،والغاء الحفلات الغنائية أو المسرحيات.ولا تدخل الدولة في مواجهة مباشرة بل قد تتدخل في بعض الاحيان كوسيط!وهذا شرخ عظيم في المجتمعات العربية،اذ يجد المجتمع المدني نفسه في احيان كثيرة في صراع مع الدولة ومع قطاع كبير من المجتمع كان يفترض أن يكون جزءً منه.
    ومن السلبيات غير المنطقية التي يعانيها المجتمع المدني العربي،هي أن قيم العمل الطوعي تراجعت مع النمو العددي لمنظمات المجتمع المدني،ومع تزايد النقاش حول مضمونه وفلسفته واشكاله.ويكاد سلوك بعض الناشطين والمتعاونين يهزم جوهر الفكرة،فهذه المنظمات تقدم نفسها في ديباجة تعريفها لنفسها،بانها:-»جمعية طوعية غير ربحية أو لا تسعى للربح.»ولكن في الواقع،لم يعد من الممكن أن يلقي العاملون في هذا المجال المحاضرات أو يعقدوا ورش العمل،أو يقوموا بالتدريب،بدون أجر أو مكافأة.وصار الناشطون يتوقعون دائما ان نشاطاً أو عملاً له صلة بالمجتمع المدني لابد ان يكون ممولا.والمتتبع لنشؤ النقابات والاتحادات والجمعيات في حقبة صعود الحركة الوطنية وعقب الاستقلال،يجد ان الرواد الاوئل كانوا يدفعون من مالهم الخاص،ويعطون وقتهم وجهدهم،وقد يصل الامر بهم الي التضحية بحريتهم فقد كانوا معرضين للسجن والاعتقال.ويمكن القول ان المؤسسات الداعمة لمنظمات المجتمع المدني العربي قد أفسدت روح وقيم التطوع،وأضرت بثقافة التطوع،دون قصد.ورغم الحديث عن أن ثقافة التطوع هي من صميم تعاليم ديننا،وجزء من عاداتنا وتقاليدنا؛ولكننا لا نجد ذلك علي ارض الواقع.فعلي سبيل المثال، نلاحظ ان أغلب منظمات العمل الانساني الطوعي العاملة في دارفور مثلا،لم ترسلها دول أو مجتمعات اسلامية أو عربية.ومنظمة مثل: «أطباء بلا حدود» ليس لها أي مقابل عربي أو اسلامي.وباختصار،هناك تراجع واضح في ثقافة التطوع رغم الضجيج حول المجتمع المدني.
    خـــاتمة
    شغلت فكرة المجتمع المدني الناس كثيرا في المنطقة العربية، في السنوات الاخيرة. ولكن يبدو ان الوهم والمتخيل المجتمع المدني، اكبر من الواقع والمتحقق. ويعود ذلك في ظني، الى كونه موضوعاً تكفل به المثقفون وهم ذو قدرة على الانتشار اكبر من حقيقتهم. قد حاول هذا المقال ابراز صفوية ونخبوية وعزلة وتردد المجتمع المدني. ورغم ظروف الأزمة والتدهور التي تعيشها المجتمعات العربية، الا ان المجتمع المدني لم يتقدم كطليعة لقيادة عملية مقاومة الدكتاتورية والتخلف والتبعية والهيمنة الجديدة. وظل في موقف الدفاع تجاه الدولة ومؤسسات أخرى. تركت مظاهر ضعفه الفكري اثراً واضحاً على قدرته على حل بعض التناقضات في تكوينه وحركته. اذ مازال يوجد تناقض مفتعل بين ان تكون داعية للديمقراطية وفي نفس الوقت معادياً ومقاوماً للامبريالية ممثلة تحديداً في هيمنة الولايات المتحدة الامريكية. فقد تم بيع الفكرة القائلة:-» ان تكون ناشطاً في الدعوة للديمقراطية وحقوق الانسان، فأنت بالضرورة موالٍ للغرب وحليفا للولايات المتحدة الامريكية.» واثناء بدايات التدخل في العراق، كان من المستحيل ان يتخذ المرء موقفا مضادا لنظام صدام الدكتاتوري وضد التدخل الامريكي في نفس الوقت.وبسبب حالات شك فردية طالت بعض النشطاء المشهورين،أصبح كل المجتمع المدني العربي هدفا للشك والريبة.
    هذا مجرد مثال لغياب الوضوح الفكري والموقف المبدئي لدى الناشطين في المجتمع المدني، وبالتالي اضاعوا فرصة قيادة الجماهير، وبالذات في الفترة الاخيرة حيث تزايدت مد الاحتجاج الشعبي. فقد رصد احد الباحثين حركات الاحتجاج الشعبي في مصر خلال العامين الماضيين. اذ يقدر ان العام 2007 شهد قرابة ألف من الحركات الاحتجاجية منها 400 على صورة اعتصامات واضرابات عمالية، أهمها اضراب عمال غزل المحلة.(7) وتكرر نفس المشهد في السودان والمغرب وغيرها من الدول العربية، ولكن منظمات المجتمع المدني كانت بعيدة عن كل ذلك، فقد بقيت تحركات عفوية وغير منظمة وانتهت سريعاً.
    وهكذا يلاحظ ان منظمات المجتمع المدني تكاد تكون قد قبلت بدورها المحدود، واكتفى قادتها بالمكانة الاجتماعية والوجاهة بلا تضحيات كبيرة، لكي يصبحوا من مكونات الأزمة المستفحلة.فقد كان من المتوقع ان يمثل المجتمع المدني العربي أحدي وسائل الخلاص والحل والخروج من النفق المظلم الذي دخله العرب منذ هزيمة حزيران/يونيو1967 وافقدتهم أي بوصلة سياسية أو فكرية واضحة.وباشر العرب عملية التجربة والخطأ في تلمس طريق الخروج وكان المجتمع المدني احدي هذه التجارب.وأصبح التحدي الآن:كيف يجدد المجتمع المدني ذاته ويدرك اخطاءه ومظاهر قصوره؟ ولكن المسألة تبدو صعبة لان المجتمع المدني العربي استطاع في فترة قصيرة أن يرسخ بعض المواقف والسلوكيات وصارت تبدو وكأنها تقاليد ومبادئ ثابتة في بنية المجتمع المدني.وهذا ما يصعّب محاولات الاصلاح،لان مثل هذه المهمة يجب أن تكون من الداخل،وبالتالي تأخذ شكل «الحرب الاهلية» بين النشطاء أنفسهم.وفي هذه الحالة سوف تتناقص اعداد النشطاء ،والذين هم اصلا قلة ونخبة.فهل وصل المجتمع المدني العربي نهايته بهذه السرعة،وباخت «المودة» وهي في مهدها؟
    المـــراجع
    (1) أماني قنديل :مؤسسات المجتمع المدني - قياس الفاعلية ودراسة حالات .القاهرة،مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية،2005،ص26-27،
    (2) حسنين توفيق ابراهيم - بناء المجتمع المدني - المؤشرات الكمية والكيفية، في كتاب: ندوة المجتمع المدني في الوطن العربي ودوره في تحقيق الديمقراطية، بيروت/مركز دراسات الوحدة العربية، 1992، ص705.
    (3) علي الكنز،المجتمع المدني في البلدان المغاربية - بعض التساؤلات،في كتاب:وعي المجتمع بذاته - عن المجتمع المدني في المغرب العربي،اعداد عبدالله حمودي،الدار البيضاء،دار توبقال،1998،ص:29 و36-37.
    (4) August Richard Norton. The Future of Civil Society in the Middle East, in:- Middle East Journal, Spring 1993, vol. 47,#2,p.215.
    (5) محمد عابد الجابري: المجتمع المدني -? تساؤلات وآفاق، في كتاب: وعي المجتمع بذاته - عن المجتمع المدني في المغرب العربي، إعداد: عبدالله حمودي،مر ذكره ، ص45.
    (6) عزمي بشارة، المجتمع المدني - دراسة نقدية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية 1998،. ص270.
    (7) نادر فرجاني، في مغزى مد الاحتجاج الشعبي وفضله، صحيفة البديل المصرية، يوم 26 يوليو 2008.
    ٭ مركز الدراسات السودانية
                  

09-01-2010, 08:11 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسودة النهائية .. (Re: طلعت الطيب)

    (*)
                  

09-02-2010, 02:34 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسودة النهائية .. (Re: احمد ضحية)

    شكرا احمد على رفع البوست
    اعود انشاء الله للاضافات والتعليق
                  

09-03-2010, 09:59 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسودة النهائية .. (Re: طلعت الطيب)

    عصر التنوير السوداني، إعادة تعريف المدخل ... بقلم: التجاني الحاج عبدالرحمن


    الخميس, 02 أيلول/سبتمبر 2010 22:48
    [email protected]
    كلمة لا بد منها:
    الشكر للأستاذ الصاوي على طرح ورقته "معاً نحو عصر تنوير سوداني"، والذي ـ وكعادته في المبادرة ـ طرح موضوعاً جديراً بالنقاش، فاتحاً الباب على مصراعيه للإسهام في قضية فكرية هامة. وهذا المقال بدى لي كنوع من الإستمرارية لحوار إنطلق في السابق من خلال التعقيب على مقالات سابقة للأستاذ الصاوي حول: " البحث عن الإستنارة في صحراء الإسلاميين"، غير أن دعوته الأخيرة لعصر تنوير سوداني بدت أكثر عمومية، إذ خرجت من أسر التنقيب في صحراء جافة، للبحث عن منابع جديدة وأصيلة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه تدشين لمرحلة جديدة في أوساط المثقفين السودانين كان من المفترض أن تبدأ قبل فترة طويلة، ولكن أن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي أبداً كما يقال. هناك عدة قضايا طرحها الأستاذ الصاوي في رؤيته الأخيرة تستحق إعادة النظر فيها بعمق أكثر، خاصة وأن الأمر يتعلق بالتأسيس لعصر تنوير سوداني وسأتناولها بالتحليل أملاً في أن تثري الحوار ومساعي البحث عن العقلانية في واقعنا الذي أصبحت فلسفة الظلام والتغييب هي ألأكثر رسوخاً.
    وسأركز مقالي هنا على الأساس الذي إنطلق منه الأستاذ الصاوي بإعتبار أن تناول قضايا الإصلاح التعليمي، وتنشيط منظمات المجتمع المدني التي تناولها كمكونات لإستراتيجية التنوير، هي تفاصيل ونتائج أفرزها تحليله لواقع وجذور الأزمة السودانية وأسس عليها بالتالي مقترحاته حول المعالجات الواجب إتخاذها لإنطلاق مسيرة التنوير التي يدعو لها في طريقها الصحيح.
    جذور الأزمة السودانية، هل هي أزمة نظام ديمقراطي أم أزمة مشروع وطني(؟)
    التأسيس لإستراتيجية التنوير كما مهد لمدخلها الأستاذ الصاوي من خلال مدخل "جذور الأزمة السودانية" جعلت من فشل إستدامة النظم الديمقراطية أساساً للإشكاليات الراهنة حينما أشار إلى ذلك بأنه: ".. بينما تدل حالة التمزق الافقي والرأسي للبلاد، وحدة وطنيه ومجتمعا، بصورة قطعيهعلي خطورة الفشل في تأسيس مشروع ديموقراطي سوداني حتي الان. والافتراض الذي تقوم عليه هذه الورقه هو انه لاسبيل لتفكيك معضلة الاستعصاء الديموقراطي هذه الا بعمل مواز لتفكيك معضلة الاستعصاء التنويري/الاستناري.لاديموقراطيه بلا ديموقراطيين ... ولاديمقراطيين بلا استناريين..". رابطاً بصورة مباشرة وصميمة كما بيّن ذلك، ما بين حركة التنوير والبيئة الديمقراطية. ووأد في هذا الصدد طرح مناقشات نقدية للمقارنة.
    خلافاً لما يرى الأستاذ الصاوى فأن الأزمة ليست أزمة "نظم ديمقراطية" وإنما هي أزمة "مشروع وطني"، ولتلمس هذه المقولة يجب أن نوضّح الفارق ما بين المفهومين(؟). أن مفهوم "المشروع الوطني" أكثر شمولاً وإتساعاً من مفهوم النظام الديمقراطي، فـالمشروع الوطني يتضمن داخله عناصر كثيرة ـ بما فيها النظام الديمقراطي نفسه ـ ويمثل درجة قصوى من الإتفاق ما بين الكيانات الإجتماعية/السياسية في الدولة على قواعد لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها، وأهمها: (1) هوية الدولة، (2) نظام الحكم، (3) نمط التطور الإقتصادي وعدالة إقتسام الموارد، (4) العلاقات الإجتماعية و (5) القاعدة الدستورية. هذه العناصر مجتمعة ـ عند الإتفاق عليها والعمل على تنميتها وتطويرها لصالح كافة الكيانات الإجتماعية في إطار الدولة ـ تمثل جوهر مفهوم المشروع وطني، وينتصب نظام الحكم الديمقراطي كأحد أعمدتها الأساسية. بمعني؛ أن النظام الديمقراطي يمثل جزءاً من كل، يتفاعل مع بقية العناصر الأخرى ليحقق في نهاية المطاف التطور والتقدم. فالنظام الديمقراطي لوحده لا يمكنه القيام بذلك بمعزل عن بقية العناصر. وقد أثبتت التجربة السودانية عبر الحقب الماضية ذلك. إذاً الإستراتيجية التي وضعها الأستاذ الصاوي في أساسها في حوجة لإعادة تعريف وتوسيع للمفهوم بنقله إلى مستوي أكثر شمولاًً. ولمزيد من التحديد لذلك سآخذ العناصر السابقة كلٍ على حدا كنماذج بغرض البحث والمقارنة في واقع تاريخنا المعاصر:
    1. هوية الدولة: منذ فجر الإستقلال إتخذت مسألة الهوية طابع إشكالي، ذلك لأن النخب التي وجدت نفسها في سدة الحكم حينها، أصرت على تحديد العروبة والإسلام كهوية للدولة، في قفز بالزانة على واقع التعدد في السودان، وبذلك إنسلخت عملياً عن قاعدتها الإجتماعية العريضة وحاصرت نفسها والدولة بكاملها بسياج محكم، إنتهي بأن قاد إلى تركيز السلطة والثروة في أيدي هذه النخب العربية الإسلامية على حساب الكيانات الأخرى، وهو ما تم تعريفه لاحقاً بعمليات التمركز والتهميش التي نتجت عنها النزاعات والصراعات الدموية والتهديد بتفتت الدولة. وهو ما إستشرفه الزعيم الأفريقي كوامي نكروما عشية إستقلال السودان وتقدمه بطلب لنيل عضوية الجامعة العربية حين قال: " كان يمكن للسودان أن يكون أفضل الأفارقة، لكنه إختار أن يكون أسواء العرب" في نبوءة إخترقت حواجز الزمان والمكان.
    2. نظام الحكم: كافة أنظمة الحكم التي تعاقبت على الحكم في السودان، برلمانية كانت أم عسكرية أو شمولية، ظلت سمتها الأبرز وطوال فترة ما بعد الإستقلال وإلى يومنا هذا، أن الذين يحكمون (هم) من إثنيات محددة وخلفية ثقافية واحدة. وبالتالي لم يحقق نظام الحكم ـ مهما تبدلت إنماطه ـ شرط المشاركة الحقيقية، وهي القيمة المركزية في مفهوم الديمقراطية، لا بسبب قصور النظام الديمقراطي في حد ذاته كمجموعة قيم وآليات، وإنما إستناداً على "لاشعور سياسي" قابع في مؤخرة ذهنية هذه الصفوة، شرّع لهم بأنهم أحق بالسلطة من غيرهم، وكثيراً ما كفت هذه الحقيقة للسطح كلما فكرت تنظيمات الهامش في الإستيلاء على السلطة بنفس الأدوات التي مارستها النخبة في المركز والذي لم يتواني على الإطلاق على دمغها بالمؤامرات العنصرية.
    وبالتالي فالإشكالية لا تكمن في النماذج أو الصروح الديمقراطية، بقدرما هي قضية "عقل سياسي" سائد ومسيطر بالأساس، تمثل آيديولوجيا العروبة والإسلام البنية اللاشعورية لتوجهاته وخياراته السياسية. وبالتالي مهما أتينا بنظام ديمقراطي نموذجي، ففي ظل سيطرة هذا العقل السياسي ببطانته الآيديدولوجية، فإن النتيجة الحتمية هي الإقصاء، لأن جوهر عملية المشاركة للكيانات الأخرى لا يمكن أن تتحق في ظله وتحت شروطه، وسوف تتعرض بإستمرار للقمع لأنها ليست جزءاً من هوية الدولة العروبية والإسلامية. وبالتالي فإن إعادة الإعتبار لحق المشاركة للآخرين لن يتأتي إلا من خلال إعادة صياغة العلاقات الإجتماعية بين الكيانات التي تقطن السودان وإعادة تأسيسها من جديد، حتى نتمكن من أن نرتفع بمستوى قبول الآخر الذي يتيح المشاركة المتساوية في ممارسة السلطة.
    1. نمط التطور الإقتصادي: هذا العامل، وبعيداً عن الخوض في توصيفات كنمط التطور الرأسمالي أو الإشتراكي، نجد أن السمات الرئيسية التي ميزت البنية الإقتصادية هي أنها أصلاً موروثة كليةً من الإستعمار، والذي وضعها وصممها لخدمة مصالحه المتمثلة في إستنزاف الموارد الوطنية. وفي مرحلة مابعد الإستقلال لم تتغير هذه البنية لا شكلاً ولا مضموناً، وكل الذي حدث إن إستمرت بقاعدتها المادية وعلاقات وأدوات إنتاجها، وبدلاً من إن كانت تخدم مستعمراً قابعاً فيما وراء البحار، أضحت تخدم نخب وطنية بين ظهرانينا، فكان منطقياً أن ينتهي الإقتصاد إلى أن يكون محتكراً في أيدي قلة أسوة برفيقته السلطة. هذا من جانب، ومن جانب آخر، وحتى ما قبل إنقلاب الإنقاذ، كان يمكن عمل شئ لإعادة الأمور إلى نصابها، لكن النقلة التي أحدثتها حركة الإسلام السياسي، فاقمت من إلإشكالية الإقتصادية وأدخلتها في محنة حقيقة، حيث أنها دمرت القاعدة الإقتصادية المنتجة التي خلفها الإستعمارـ على علاتها ـ وبالتالي أعدمت علاقات الإنتاج التي كانت تربط الدولة بالمنتج، ليحل محلها نمط أكثر تخلفاً، هو نمط الإقتصاد"الريعي" الذي يعتمد على دخل مورد محدد يتم صرفه على الخدمات والإستثمارات الطفيلية المشبوهة، بدلاً من إعادة تدويره في البنيات الإقتصادية المنتجة من زراعة وصناعة وخلافه. وبالتالي جاءت الضربة القاضية للقاعدة الإجتماعية التي كانت تعتمد على الأشكال الإقتصادية المورثة والتي كانت تستوعب وتشغل قطاعات واسعة من الكيانات السودانية، وبنت علاقات إنتاج متطورة نسبياً خلقت نوعاً من تبادل المصالح المشتركة وروابط الإنتماء والشعور بالإقتسام العادل للثروة من خلال عملية الأخذ والعطاء في دورة الإقتصاد. ونتيجة لهذه النقلة فإن نمط إقتصاد الريع الذي أوجدته دولة الإسلام السياسي أوصل هذه المشاركة إلى مرحلة العدم، وحوّل كل الكيانات الإجتماعية إلى أتباع في علاقتها بالسلطة، وجعلت من مسألة إقتسام السلطة لا تستند على الأحقية، وإنما على مفهوم العطاء، إذ أن المرتبطين بالسلطة والملحقين بسياقها الإجتماعي الإستتباعي، هم من يسيطرون على هذه الموارد ويديرونها وفقاً لما يحقق مصالحهم، ويعطوا الآخرين حسب هواهم. لذلك أيضاً فإن نقد التجربة والتوجه نحو عهد تنوير جديد لا بد ومن أن يضع في تقديراته إن إستمرارية القاعدة الإقتصادية هذه، بشكلها وعلاقاتها وأدواتها، لن يؤدي إلى إستنارة، طالما أن هناك من يتحكم في تقسيم الأرزاق.
    2. العلاقات الإجتماعية: المعني بها طبيعة العلاقة ما بين الكيانات الإجتماعية مع بعضها البعض والعلاقة الجمعية لهذه الكيانات مع الدولة، والأخيرة تمثل العقد الإجتماعي الذي يربط الفرد أو المجموعات بالدولة ومؤسساتها، وفي الوضع الكائن في السودان فإن هناك إختلالات على المستويين، لكنها أكثر وضوحاً في علاقة الأفراد والمجموعات بالدولة. إذ أن سيطرة النخب ذات الأصول العربية على الدولة عبر الحقب التاريخية المختلفة، مسنودة في ذلك بالخلفية الحضارية الإسلامية، رسخت لسيطرتهم تحت مسوغات دينية وهي كما لخصها أبكر أدم إسماعيل بقوله: "..... أما في العهد الإسلامي، فقد دخلت إلى السودان الكيانات والثقافة العربية الإسلامية على شاكلة (الاستعمار الاستيطاني)، وظلت تكتسب لها مواقع فيه ضمن كياناته وثقافاته المتعددة. وهي في ذلك مسنودة بخلفيتها الإمبراطورية من الناحية المادية، ومن الناحية المعنوية بما يعرف بـ(المد الحضاري) العربي الإسلامي، الذي من أهدافه بالطبع إعادة إنتاج الآخر داخل (الهوية) الإسلاموعربية أو على الأقل إلحاقه بسياقها الحضاري. هذا النهج الاستتباعي قد يبدو عادياً ومفهوماً ومعقولاً في إطاره العام في ذلك الوقت، ولكن إستمراره بعد إنهيار الحضارة العربية الإسلامية أصبح إشكالياً بالإضافة لإشكاليات أخرى في بنية ومحددات الثقافة العربية الإسلامية نفسها وكيانها الاجتماعي في السودان، مضافاً إلى ذلك الملابسات التاريخية التي جعلت من هذه الثقافة (المأزومة) (مركزية) في الوضعية التاريخية للدولة السودانية. وقد قامت سيطرة الكيان الإسلاموعروبي في السودان على مكاينزمات عديدة أهمها:
    3. البطرياركية الأبوية القائمة على التشدد العرقي: فعبر ميكانيزم النفي البيولوجي للرجال في معادلة التزاوج الأحادية الاتجاه، التي يأخذ فيها الكيان العربي ولا يعطي، تم طبع أجزاء عديدة من شمال وأواسط السودان بالطابع العربي عرقياً وثقافياً، وعبر الأسلمة ـ أي التحرك عبر المقدس ـ تم ويتم التوسع.ويقوم ميكانيزم النفي البيولوجي للرجال (الاستعراب العرقي/الثقافي) على تزوج الرجال العرب بنساء (الآخرين)، وتكون الذرية وفق البطريركية الأبوية (عربية) ولا يعترف بمكوّنها الآخر. البنات يتزوجن حصرياً في الكيان العروبي، أما الأبناء الذكور فيواصلون طريق الأسلاف، وهكذا بمرور الزمن ينمو الكيان العربي على حساب الكيانات الأخرى التي تتآكل في نهاية المطاف.أما الأسلمة، فعبر الدعاة ـ الفكي، والطريقة الصوفية ومؤسسات التعليم الحديثة لاحقا ـ يدخل الناس الإسلام، وهو بالطبع يتضمن "أيديولوجيا العروبة" خاصة في تفسيراته السنية ومسوغاته لعُلوية المؤمن والعربي وتشريعاته في حصر زواج المسلمة. وتلقائياً يصبح العرب (أو بالحد الأدنى يتم تصويرهم على أنهم) أعلى شأنا عرقياً باعتبارهم على الأقل "حاملي الرسالة الأصليين"، وهكذا يواصل الكيان العربي تغلغله. وتبقى المشكلة فيما يولده هذا النهج من وقائع الإستعلاء العرقي والإجتماعي، خاصة في وجود التعددية والتباين العرقي والثقافي في ظل هيمنة الكيان الإسلاموعروبي على جهاز الدولة.
    4. النزعة الاستبدادية المتشددة: فبسبب نظام التراتبية الاجتماعية القائمة على التشدد العرقي، ونمط الاقتصاد الطفيلي الذي يستلزم ليس فقط امتلاك السلطة بل الاستبداد بها، فقد كان وما يزال وعي السلطة في هذه الثقافة وعياً استبدادياً، والاستبداد لزيم الإقصاء، والإقصاء يتطلب في الواقع فرض هويات جزئية حتى في المجتمع الواحد لتحجيم وعي التنافس على السلطة مثل ما كان يوضع من أحاديث لتبرير ذلك كـ(الأئمة من قريش)...".

    لذلك فقد ظلت العلاقات الإجتماعية داخل السودان ومنذ تلك الفترة مأزومة، وظل التعامل معها بالسكوت تارة والرضاء تارة، وكلما تمت محاولة جادة لقراءة هذه العلاقة يتم قمعها بعنف إلى إن إنفجرت وبأشكال مختلفة الآن. إن المدارس التي دعت إلى تصحيح مسار هذه العلاقات وبناء علاقات إجتماعية جديدة سواء إن كانت في العودة إلى سنار أو حركة اللواء الأبيض بدرجة من الدرجات، فإنها جميعها أصبحت غريبة ومقموعة في إتجاهات وعي التكوين والدعوة لقومية سودانية تضع الجميع عربهم وعجمهم على قدم المساواة. وقد ظلت هذه العلاقة المختلة ذات صلة وثيقة بمؤسسات الدولة عبر الحقب التاريخية المختلفة.

    1. أخيراً القاعدة الدستورية: وهذه ملحقة ومرتبطة صميماً بالعناصر الأربعة عاليه، إذ أن الغطاء الدستوري والقانوني في ظل أنظمة تحكمها أطر ثقافية بعينها لا يمكن له أن يخرج من ثقافة المجتمع وأعرافه وتقاليده بل يرسخها ذاتها.

    لذلك عندما تحدثنا أن الأزمة في شموليتها هي أزمة "مشروع وطني" وليست أزمة نظام حكم سياسي، بمعني؛ أن جذور الإشكاليات ليس في قصور النظم الديمقراطية بقدرما هو قصور يتمثل في عدم الإتفاق على مشروع وطني، كنا نقصد الأزمات التي خلقتها العناصر الخمسة المشار إليها، والتي تقع أزمة النظام السياسي الديمقراطي كجزئية من جزئياتها. وبالتالي فإن حفرنا هدفه النهائي هو إعادة التأسيس لكل العناصر السابق ذكرها مجتمعة وليس لجزء منها، وأي حركة تنوير في السودان لا تأخذ في الإعتبار هذه العوامل برمتها وتدعو لإعادة صياغتها من جديد وفقاً لما يحقق المصلحة الجمعية لكل الكيانات السودانية، لا تعدو كونها حركة تنوير تخص المركز/النخبة فقط ولا تعني الآخرين من قريب أو بعيد، ولا تعدو أن تكون سوى خديعة تاريخية لإعادة إنتاج الأزمة من جديد في شكل نظام ديمقراطي يكرس قيمه وأدواته لنخب جديد تنتجها حركة التنوير.

    ويمضي الأستاذ الصاوي في عملية التأسيس عميقاً في نفس الإتجاه من خلال إستدعاء ومقارنة بالتجربة الأوروبية بقوله: "..ان الديموقراطيه كما يعرفها المجتمع البشريالاننظام سياسي انبثق مما سمي عصر النهضة والتنوير الاوروبي خلال القرنين السادس والسابع عشر مستفيدا من منجزات الحضارات السابقة له، العربية- الاسلاميه، اليونانيه، الاسيويه. وهو عصر تميز بازدياد تأثير العلوم الطبيعية والانسانيه وانعتاق عقل الانسان وارادته من تراكمات ظلام العصور الوسطي نتيجة نشوء الطبقة البورجوازيهعلي حساب الاقطاع ثم الثورة الصناعيه وفكر وفلسفة الانواروالاصلاح الديني.." وهذا يصح على النموذج والتجربة الأوروبية وما إنتجته من قيم ومؤسسات وتراكم معرفي، لكن عند "تبيئة" هذه التجربة في الواقع السوداني (أو العربي كما يدعو الجابري) فإن هناك عوائق كثيرة لابد من إجتيازها، ولا يجدي القفز من فوقها، فصحيح أن الثورة الصناعية وتقدم العلوم كان واحداً من الأسباب التي أدت إلى حركة تنوير أو عصر أنوار، محلصته النهائية إنفصال "الكنيسة" (=المؤسسة الدينية) عن "الأمير" (=المؤسسة السياسية)، مما أدى في نهاية المطاف إلى حركة إصلاح ديني أنتجت ما يعرف بـ(الأخلاق البروتستانتية) التي أسست لحركة إصلاح إقتصادي تبعه إصلاح سياسي. لكن في واقعنا السوداني ذو الإمتدادت العربية الإسلامية فالوضع يختلف لأن الكنيسة في عهود الظلام الأوروبية ليست هي نفس الكنيسة في عهود ظلامنا السودانية/العربية. فقد كانت الكنيسة الأوروبية تدعي أنها ظل الله في الأرض ولم تحكم بصورة مباشرة، وإنما كانت تعيّين الملوك على المستوى السياسي، وتحدد نوعية العلم الواجب تناوله على المستوى المعرفي، لذلك عندما وقع طلاق الكنيسة والأمير تخلّق مجال سياسي جديد، الشرعية فيه لإرادة الجماهير على المستوى السياسي، وليس لمن يدعون إمتلاك المعرفة وشرعية الحكم بتخويل وتفويض إلهي، وهو ما تم تعريفه فلسفياً بـ "فصل السلطة الدينية عن السلطة الزمنية"، وتحرر العقل من أسر الغيبيات بإنفتاح أبواب المعرفة على مصراعيها.
    أما في حالتنا فإن رجالات الدين ـ ويوازون في هذه الحالة الكنيسة أو الطبقة الإكلريكية في عهود الظلام الأوروبية ـ فإنهم لم يكتفوا بالقول أنهم ظل الله في الأرض فحسب ومارسوا السياسة من وراء ستار، إنما ذهبوا مباشرة إلى هذه السلطة في مكانها وأستولوا عليها، بدعوى أن الإسلام هو دين ودولة(!)لذلك فالفصل ما بين (الكنيسة) و(الأمير) في هذه الحالة يختلف تماماً، وهذا هو وجه الصعوبة في المسألة، لأنه يتضمن جهد مضاعف، وليست القضية هي فصل بين مؤسستين مستقلتين تربطهما علاقات الإستغلال المعرفي والسياسي، وإنما هو سلخ لواحدة عن الأخرى وضع كلٍ منهما في سياق تطورهما التاريخي. وهي عملية بالغة الصعوبة إذ تقتضي من جانب، تحرير الفكر الديني ليعاصر نفسه من الناحية المنهجية، وتفتيت قاعدة التفكير السياسي للمؤسسات الدينية وتوجيهها لتعمل في حقل القيم المجتمعية حتى تحقق قول الرسول (ص) " إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ومن جانب آخر تحريك المؤسسات السياسية لتعمل على ضمان مصالح البشر في مستويات العلاقات السياسية/الإقتصادية. وإختصاراً هي عملية لتحرير المؤسسات الدينية من الأهداف السياسية المتخفية خلف السلوك الديني، وتخليص المؤسسات السياسية من إستغلال الأديان لخدمة مصالح شرائح إجتماعية بعينها. لذلك فإن من مهام أي حركة تنوير هي أن تتقدم بشجاعة لتضع حداً للربط ما بين الدين والدولة على مستوى حركة الإصلاح الديني/السياسي وليس تلفيقاً كما كان يتم في السابق. وهذه حرب ليست سهلة، لأن رجالات الدين الذين دخلوا معترك السلطة والإستمتاع بها، لن يألوا جهداً في أن يوجهوا ما إختزنوه من رصيد لهدم توجهات التنوير التي تفضح هذه العلاقة "ليكونوا جبابرة ملوكاً" كما قال عمار بن ياسر.
    قضية التنوير وأزمة المعارضة:
    يستنتج الأستاذ الصاوي أن ضعف القوى المعارضة، وتجربة العمل المناهض للنظام الحاكم حالياً سببها أن: "..عملية الانفراد بسلطة الدوله والتي أدت الي مضاعفة تأثير عوامل التراجع الديمواستناري مكتسبا درجاته القصوي وديناميكيته الكامله، توسع نطاق الحرب في الجنوب متخذة طابعا اهليا، وانفلت التضخم تداعيا اقتصاديا مريعا تدني بمتوسط عمر الانسان السوداني الي 45 عاما بينما أغلق المجال السياسي-الفكري تماما بمزيج من القمع المادي والمعنوي وتم التديين الكلي للمنظومة التعليميه والاعلاميه فتغلغل التدين السياسي والصوفي والسلفي في شراين المجتمع". مما نتج عنه الإفتقار لنوعية العقلية وخبرة العمل والقاعدة الإجتماعية. والذي محصلته النهائية إستنزاف كلي " لحيوية القوي الاجتماعيه والسياسية الحديثه فأن اساليب وخطط العمل المجربة في ثورة اكتوبر 1964 وانتفاضة مارس/ابريل 1985 (تنظيم النقابات كنموذج) والمستحدثه (العمل المسلح كنموذج) إفتقرت لنوعية العقليه وخبرة العمل العام والقاعدة الاجتماعية التي تتجاوب معها. وهي حقيقة تتضح ابعادها الكاملة حول درجة استنزاف هذه القوي اذا استعدنا للاذهان ان مستوي وحدة المعارضه بعد مؤتمر اسمرا عام 1995 في " التجمع الوطني الديموقراطي" كان متكاملا من جميع النواحي، اطرافا وبرنامجا. مايثبت قطعيا ان ضعف العمل المعارض لم ينجم، بصورة اساسيه، عن ضعف مستواه القيادي وانما عن التضاؤل المخيف في حيوية قوي التغيير الديموقراطي لاسيما وان الوجه الاخر لهذه الحقيقة المتجلي في انتشار الفهم التقليدي للاسلام، مصدر (قوة) إضافيه لنظام دكتاتورية يونيو 89 لم يتوفر لدكتاتورتي نوفمبر 58 ومايو 69."
    هذا التحليل يحتمل درجة كبيرة من الصحة لأن المعروف بداهة هو أن الأنظمة الشمولية بطبيعتها نخبوية/إقصائية وبهذه الصفة فإن كافة الأنظمة الشمولية والدكتاتورية التي تعاقبت على حكم السودان كانت تلك ميزتها الأساسية، وبالتالي ولإطالة عمرها في سدة الحكم عملت على تحطيم كافة المداخل التي تقود إلى إزاحتها وهو الأمر الأكثر وضوحاً في تجربة الإنقاذ، ولا يحتاج المرء إلى كبير عناء ليفهم، فواقع خريطة التكوينات السياسية تتكلم عن نفسها. وبالمقابل فإن ضعف القوى المعارضة، وإضافة للأسباب الموضوعية والتاريخية التي سردها الأستاذ الصاوي، هناك سبب آخر لما يتعرض له. وصحيح إلى درجة (ما) أن ذلك لا يعود لضعف القيادة، ولكن السبب الأقوى من ذلك، هو ما يمكن إستخلاصه من تجربة التجمع الوطني الديمقراطي وتحديداً من بعد مؤتمر القضايا المصيرية. وهو ما يمكن أن رده إلى ضعف الإرادة السياسية الكلية للتجمع الوطني. ويأتي ضعف هذه الإرادة لأن القوى التي خاضت الحرب لم تكن جميعها متفقة على إحداث تغيير جذري للنظام ـ على الرغم من إتفاقها في مؤتمر القضايا المصيرية على هذه الإستراتيجية ـ وما شعار "إقتلاع النظام من جذوره" الذي كان سمة تلك المرحلة (1996 ـ 2000) إلا تعبير صريح عن هذا التوجه، لكنه سرعان ما تآكل بالتدريج حتى وصل إلى مرحلة السلام مع النظام في أكتوبر 2000 في مؤتمر مصوع. وعندما نمضي أعمق في التحليل لرؤية الأسباب، أعني أسباب ضعف الإرادة السياسية، نجد أن ذلك يعود إلى التباينات الآيديولوجية العريضة ما بين الأطراف المختلفة التي شكلت التجمع، ولعل البرهان على ذلك يكمن في طبيعة التحالفات الداخلية للتجمع نفسه إذ أنها لم تكن منسجمة مع طبيعة الآيديدولوجيات المتباينة بين التنظيمات، وفي أغلب الأحيان نجد التنظيمات المتقاربة آيديولوجيا متنافرة على صعيد مواقفها السياسية. فبينما هناك تنظيمات كانت ترى أن إزالة النظام كلياً هو هدفها الإستراتيجي، نجد أخرى كانت ترى أن إزالة النظام كسلطة سياسية فحسب يكفي، وهو ما أضعف عملية توازن القوى داخل التجمع، وبالطبع هناك مسافة كبيرة ما بين الإستراتيجيتين وعلى صعيد الرؤية. وقد كشفت عن ذلك في المراحل الأولية النقاشات التي دارت حول تحديد العلاقة ما بين الدين والدولة في الوثيقة الأساسية لمؤتمر القضايا المصيرية، والتي إنتهت إلى أن صيغت بـ (فصل الدين عن السياسة) والتي كانت تلفيقاً واضحاً الهدف التكتيكي منه إستمالة القوى الطائفية. لذلك سمي مؤتمر القضايا المصيرية بأسمرا بـ "المساومة التاريخية".
    وإذا كان يمكن القبول بأن فرضية الإستنزاف للقوى المعارضة نتج عن سيطرة الشمولية، فإن القول بضعف القاعدة الإجتماعية لتبرير فشل التجمع، لا يمكن القبول به لوحده، والأصح هو أن الإستنزاف الحادث بسبب سد المنافذ أمام الطرق التقليدية للتغير عن طريق النقابات والإتحادات(ويمثل العامل الأصغر)، مضافاً إليه الضعف الذاتي والداخلي لتنظيمات التجمع بسبب التناقض الناشئ من تعارض الإرادات السياسية (ويمثل التناقض الداخلي العامل الأكبر)، جميعها شكلتا السبب الحقيقي لضعف عمل المعارضة ذلك لأن القاعدة الإجتماعية التي ساندت التجمع كان كبيرة بالفعل، إذ مثلت كل ألوان الطيف السياسي/الإجتماعي في السودان، وعدم القدرة على هزيمة النظام بكل محتوي رؤية التغيير التي أرستها بنود مؤتمر القضايا المصيرية، إلتفاف القواعد الجماهيرية حول التجمع، الدعم والسند الإقليمي والدولي، القدرات العسكرية والقتالية وغيرها من الأسباب لا تفسر هذا الفشل على الإطلاق، ما لم تتواجد أسباب أخرى، وبالنسبة لي في نهاية التحليل ذلك يقع ضمن نطاق أساليب القيادة والتنظيم إضافة إلى تناقض الإرادة، وجميعها عوامل ما كان من الممكن رؤيتها بوضوح كافي داخل أروقة التجمع في ذلك التوقيت. وقد كشفت التجربة العسكرية الميدانية عن خيط رفيع لذلك، لم تتمكن أطراف التجمع من قراءته بعمق وحمله على محل الجد (سواء إن كان على مستوى الإستراتيجيات العملياتية أو المناورات التعبوية)، بالإضافة للتنظيم على المستوى الجماهيري. وهذا مجال مطروح للدراسة لا يعنينا في الوقت الراهن، لكن الحلقة المركزية الرابطة لكل أطراف الإشكالية أن الجميع داخل التجمع ـ ما عدا قلة ـ ما كان بمقدروهم رؤية أن قواعد اللعبة قد تغيرت وأن محاربة النظام (سياسياً وعسكرياً) بنفس القواعد القديمة لم تعد مجدية، وبالتالي كان عليهم إبتداع قواعد جديدة من بعد الإمساك بصلابة على مقررات أسمرا. وهو ماحاول الأستاذ الصاوي التبرير لضياع بوصلته بـ " أن اساليب وخطط العمل المجربة في ثورة اكتوبر 1964 وانتفاضة مارس/ابريل 1985 (تنظيم النقابات كنموذج) والمستحدثه (العمل المسلح كنموذج) إفتقرت لنوعية العقليه وخبرة العمل العام والقاعدة الاجتماعية التي تتجاوب معها" وهو الإستنتاج الغير صحيح بالكامل، إذ أن كل ذلك كان متوافراً وبكثرة. لذلك عندما نعود لنرى أزمة التجمع الوطني الديمقراطي ضمن سياق مشروع التنوير الذي يطرحه الأستاذ الصاوي، نجد أنه من الصعوبة بمكان طرح أي رؤية نقدية لهذه التجربة بعيداً عن تناول العنصر المركزي فيها قضية تباين الإرادة السياسية، وهو الشئ الذي يعيدنا مباشرة إلى أس الأزمة التي أشرنا إليها، وهي مسألة المشروع الوطني بمحاورها التي ذكرناها. وبالتالي فإن تجربة التجمع الوطني تقلصت إلى صراع في إطار نظام الحكم وليس التغيير. إن بناء إطار تحالفي جديد كالتجمع أمر ممكن وإنتصاره على نظام الإسلام السياسي أمر محتمل، لكن أن يعود بنفس التوجهات والإستراتيجيات القديمة فلن يفعل شئ سوى إعادة إنتاج الأزمة في ثوب جديد وقيادة جديدة. لذلك فإن دور حركة التنوير أن تعيد قراءة تاريخ تجربة العمل المعارض برمتها لإعادة توجيهها نحو أفاق التغيير الحقيقية.
    كلمة أخيرة:
    لذلك فإن الإستنتاج الذي ختم به الأستاذ الصاوي تحليله لجذور الأزمة السودانية بقوله: "... بناء علي هذا التشخيص للسبب القاعدي للازمة السودانيه فأن اي استراتيجيه عمل سياسي منتج لتقدم غير قابل للانتكاس لابد ان يكون مرتكزها الترافق بين إعادة استزراع مقومات الحداثه والاستناره وإعادة تأسيس المشروع الديموقراطي. بغير ذلك، كما تفعل بعض اوساط المعارضه والحركات المسلحه التي تضع إسقاط نظام المؤتمر الوطني ( الاسلامي ) الشمولي كشرط سابق لتقدم من اي نوع، ستبقي العوامل المؤديه للانهيار السريع للتجارب الديموقراطيه ولاعادة انتاج الازمه العامه فاعلة بما يولد أنظمة اكثر شمولي ". بإعتبار أن المعضلة هي في النظام الديمقراطي، ويجب بالتالي غرس الحداثة والإستنار وإعادة تأسيس المشروع الديمقراطي ستبقى حفراً في النتائج مع ترك الأسباب، وبنفس القدر إذا كان التفكير في إسقاط نظام المؤتمر الوطني سابق لأي تنظير حول برنامج إستناري سيعيد إنتاج الأزمة وتوليد أنظمة أكثر شمولية، فإن الدعوة لتصحيح البناء الديمقراطي دون إطار لمشروع وطني يؤدي لنفس النتيجة، لأنه مهما خلق من تجربة برلمانية نظيفة ومرتبطة بالشعب، غير أنها ستظل مرهونة بالمركز فقط. مالم يكون التفكير بالفعل هو أن ترتبط بالمركز وهذا موضوع آخر.

    هوامش
    . المقصود هنا باللاشعور السياسي تحديداً، ليس كما نفهمه عندما نتحدث عن منطقة اللاشعور كما يفسرها علم النفس لدى الأفراد، فاللاشعور السياسي يختص بالجماعات، وعلى الأخص الجماعات المنظمة والتي لها لا شعور من نوع خاص تشكل الديانات أو ما يقوم مقامها أكثر أعراضه وضوحاً، هذا اللاشعور ليس من طبيعة سيكولوجية إذ لا تتكون قاعدته من التصورات النموذجية [=خلافاً لمثل إفلاطون]، وليس هو بالأحرى من طبيعة روحية ولا ينتمي إلى عالم الغبيبات (..) إنه لا يتحدد بأشكال رمزية طافية على السطع بل يتحدد بأشكال ثابتة من التنظيم المادي ليست الأشكال الرمزية تلك إلا رسوماً لها وبصمات، وبالتالي ومن هذا الموقع فهو يحكم الظاهرة السياسي، من الداخل تفكيراً وممارسة. الجابري، نقد العقل العربي، العقل السياسي العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، ص 13، 14.

    . المقصود بالعقل السياسي تجريداً مجموع محددات الفعل السياسي وتجلياته النظرية والتطبيقية، بإعتبار أن السياسة هي فعل إجتماعي يعبر عن علاقة قوى بين طرفين يمارس إحدهما السلطة على الآخر، المصدر السابق، ص 7.

    . هناك درجة من التشابه بين نمط الإقتصاد "الخراجي" كما لدي سمير أمين وبين نمط الإقتصاد "الريعي"، فالخراج يعني العائد المادي الذي كان يصب في بيت مال المسلمين من أشكال الجبايات المختلفة والذي قام أساساً على منطق غزو الدولة الإسلامية لتلك الأمصار وفرضها لهذا النوع من الجبايات وبالتالي إعتماد الدولة بكاملها على هذه الجبايات دون غيرها في تسيير أمورها. أما نمط الإقتصاد الريعي، فأساسه هو إعتماد الدولة على عائدات من مصادر قد تكون جبايات وضرائب أو موارد طبيعية تدر عليها دخلاً تسيير بها دفة مؤسسات الدولة، ونموذجاً لذلك الدول النفطية والتي تعتمد على البترول كمصدر دخل رئيسي. وفي كلا الحالتين فإن وجه الشبه يكمن في أن مصدر الدخل ليس إنتاجياً. وفي الحالتين فإن أوجه الصرف غالباً ما تكون على المرتبطين بالسلطة وهو ما لاحظه بن خلدون من أن الدولة تجمع أموال الرعايا وتنفقها على بطانتها ورجالها في الدولة القائمة على العصبية. والمقارنة مع ما حدث في السودان، هو أن التحول حدث عندما تم خصخصة القطاعات المنتجة (المشاريع الزراعية مثل الجزيرة، الفاو، النيل الأزرق، النيل الأبيض...إلخ) والتي إنهارت من بعد ذلك وتقفت عن الإنتاج وإتجهت الدولة نحو البترول كبديل والذي يشكل أكثر من 60% من الدخل القومي. ولعل ما يجعل تسمية الريع أكثر قوة من الناحية المفهومية هو أن ملكية هذا العائد أو المورد لا تعود للمواطن وإنما لجهة (ما)، هي كما في نموذج الدول النفطية ملك حصري للأمير أو الملك وفي حالة السودان هي مملوكة حصرياً للحزب، المؤتمر الوطني (وما النقاشات والجدل الذي ظل يدور حول غياب عائدات النفط في موازنة الدولة، إلا دليلاً على ذلك) وكما كان ينفق الأمراء في العصور الإسلامية القديمة من خراج على بطانتهم على شكل عطايا، فإنهم في الوقت الحاضر ينفقون من ريع النفط بنفس الروح. والفرق الضئيل أنه وفي السودان ينفق المؤتمر الوطني (الحزب) على بطانته من ريع نفط السودان في إنماط وأشكال من الممارسات والتكوينات الطفيلية. وعليه فإن نمط الإقتصاد في السودان ريعي إستناداً على هذا الفهم.

    . النشاطات الإقتصادية الطفيلية هي ذلك النوع من الممارسة الإقتصادية التي لا تعني بالإنتاج وإنما بجني أكبر قدر من الأرباح في أقصر مدة زمنية ممكنة، وسميت طفيلية لأنها تنمو وتعتمد على قاعدة إقتصادية (ريعية أو إنتاجية) تأخذ منها ولا تعطي. ولكن عادة ما تكون إقتصاديات الريع أصلح بيئة لنمو مثل هذه الأنشطة.

    . أبكرآدم إسماعيل، "جدلية المركز والهامش وإشكال الهوية في السودان"، مركز الدراسات السودانية، القاهرة ديسمبر 1999.
    . الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص 98.
                  

09-03-2010, 10:13 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسودة النهائية .. (Re: طلعت الطيب)

    Quote: التأسيس لإستراتيجية التنوير كما مهد لمدخلها الأستاذ الصاوي من خلال مدخل "جذور الأزمة السودانية" جعلت من فشل إستدامة النظم الديمقراطية أساساً للإشكاليات الراهنة حينما أشار إلى ذلك بأنه: ".. بينما تدل حالة التمزق الافقي والرأسي للبلاد، وحدة وطنيه ومجتمعا، بصورة قطعيهعلي خطورة الفشل في تأسيس مشروع ديموقراطي سوداني حتي الان. والافتراض الذي تقوم عليه هذه الورقه هو انه لاسبيل لتفكيك معضلة الاستعصاء الديموقراطي هذه الا بعمل مواز لتفكيك معضلة الاستعصاء التنويري/الاستناري.لاديموقراطيه بلا ديموقراطيين ... ولاديمقراطيين بلا استناريين..". رابطاً بصورة مباشرة وصميمة كما بيّن ذلك، ما بين حركة التنوير والبيئة الديمقراطية. ووأد في هذا الصدد طرح مناقشات نقدية للمقارنة.
    خلافاً لما يرى الأستاذ الصاوى فأن الأزمة ليست أزمة "نظم ديمقراطية" وإنما هي أزمة "مشروع وطني"، ولتلمس هذه المقولة يجب أن نوضّح الفارق ما بين المفهومين(؟). أن مفهوم "المشروع الوطني" أكثر شمولاً وإتساعاً من مفهوم النظام الديمقراطي، فـالمشروع الوطني يتضمن داخله عناصر كثيرة ـ بما فيها النظام الديمقراطي نفسه ـ ويمثل درجة قصوى من الإتفاق ما بين الكيانات الإجتماعية/السياسية في الدولة على قواعد لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها، وأهمها: (1) هوية الدولة، (2) نظام الحكم، (3) نمط التطور الإقتصادي وعدالة إقتسام الموارد، (4) العلاقات الإجتماعية و (5) القاعدة الدستورية. هذه العناصر مجتمعة ـ عند الإتفاق عليها والعمل على تنميتها وتطويرها لصالح كافة الكيانات الإجتماعية في إطار الدولة ـ تمثل جوهر مفهوم المشروع وطني، وينتصب نظام الحكم الديمقراطي كأحد أعمدتها الأساسية. بمعني؛ أن النظام الديمقراطي يمثل جزءاً من كل، يتفاعل مع بقية العناصر الأخرى ليحقق في نهاية المطاف التطور والتقدم. فالنظام الديمقراطي لوحده لا يمكنه القيام بذلك بمعزل عن بقية العناصر. وقد أثبتت التجربة السودانية عبر الحقب الماضية ذلك. إذاً الإستراتيجية التي وضعها الأستاذ الصاوي في أساسها في حوجة لإعادة تعريف وتوسيع للمفهوم بنقله إلى مستوي أكثر شمولاًً. ولمزيد من التحديد لذلك سآخذ العناصر السابقة كلٍ على حدا كنماذج بغرض البحث والمقارنة في واقع تاريخنا المعاصر


    كما سبق ان وعدت، سوف اقوم انشاء الله بالتعليق على الورقة الاساسية واتناول المداخلات اعلاه كل على حدة لاهميتها الفائقة وذلك فى وقت مناسب انشاء الله ،
    يهمنى الان اضافة تعليق سريع ربما ينشط عقولنا فى طرح بعض الاسئلة الضرورية حول المداخلة الاخيرة لاننى اتفق مع الاستاذ الصاوى واختلف مع كاتب الاقتباس اعلاه برغم انه طرح العديد من الملاحظات الثرة والجيدة ، واعتقد ان ازمة المشروع الوطنى هى واحدة من نتائج ازمة المشروع التنويرى وسط القوى الحديثة واشكاليات المجتمع المدنى فى السودان ،
    لذلك لم تصمد فرضية الكاتب فى المقال نفسه حيث وجد نفسه مشدودا على الرغم منه الى ضرورة المشروع التنويرى فى بقية المقال كما تلاحظ القارئة ،
    اعود الى كل ذلك بمهلة

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 09-06-2010, 03:26 AM)

                  

09-05-2010, 09:58 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسودة النهائية .. (Re: طلعت الطيب)

    الأخ العزيز والرفيق الجميل طلعت
    تحياتي
    أستميحك هنا عذرا .. للسماح لي بإيراد تعليقات الأستاذ عبد العزيز حسين الصاوي على بعض ما أثير حول ورقته القيمة ..
    الحقيقة هناك تعليقات أخرى من مهتمين آخرين .. ولكن بسبب غيابي في العمل منذظهيرة الجمعة لم أتمكن من إيرادها .عليه سأوالي نشر هذه التعقيبات تباعا لتعميم وتوسيع دائرة الحوار أو النقاش حول مقترح الأستاذ الصاوي فيما يخص عصر التنوير السوداني:
    ________________

    (عدل بواسطة احمد ضحية on 09-05-2010, 10:03 PM)

                  

09-05-2010, 10:06 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تعليق الصاوي على تعقيب أحمد ... (Re: احمد ضحية)

    مرور تعليقي سريع علي تعليق أحمد ضحيه ريثما تتهيأ الفرصة لتعليق اوسع واعمق يشمل كافة التعليقات التي تفضل بها مرتادو سودانيز اون لاين واخرون من الذين يحشر صاحب ورقة " نحو عصر تنوير سوداني " نفسه ضمن زمرتهم الشبابيه رغم فارق السن الكبير بينه وبينهم، ربما بجامع شبابية الفكر ... مع شكر خاص لطلعت الطيب علي تمكين الورقه من الوصول الي منبر المنابر هذا.
    اولا : الملاحظات التنويهيه في مطلع التعليق حول دور لصاحب الورقه في بأحداث نقلة في الاطار البعثي فيما يتعلق بالهويه والديموقراطيه تغدو اكثر قابلية للفهم المتكامل في سياق التطورات التي عاشها هذا الاطار نفسه وانتهت اواخر التسعينات الي انشقاق علني بين البعث ( الاصل/ القديم ) و ( السوداني/ الجديد). ربما نزوع احمد ضحيه الي الانشغالات الفكريه هو الذي جعله يسلط الضوء علي دور شخص معين يشاركه هذا النزوع بينما الامر لايتعدي كون هذا الشخص وجد فرصة تفرغ اكثر من غيره من الذين شاركوه خوض معركة التجديد الصامتة والعلنيه فأقتصرت مساهمته علي هذا الجانب.
    علي أية حال في مطلع الورقه حرصت علي ايضاح كونها جهد فردي، وزيادة في التوضيح هنا يرد القول بأن التجديد طريق لانهاية له لاسيما وأن حوافز ودوافع الايغال في هذا الطريق بأكثر مما حدث في أكثر من حزب ولدي اكثر من شخص، تزداد قوة وتوفرا كل يوم مع اشتداد المأزق الي حدود نخر هيكل عظم البلاد الوطني. وغض النظر عن الخلفيات الحزبيه والفكريه التي يأتي منها رواد التجديد الدائم فأن ورقة الاستراتيجيه طموح الي رسم معالم افق مختلف بأندماج قضيتي الديموقراطيه والاستناريه فيه، يجمع هذه النوعيه من التجديد

    ثانيا : جاء في التعليق " في هذه الإستراتيجية يثير الصّاوي أسئلة متجددة ,حول جذور الأزمة السودانية ,بتركيزه على الديموقراطية ليتبادر إلى الذهن سؤال تلقائي : حول إمكانية تطبيق الديموقراطية على مجتمع غير ديموقراطي , بحكم ثقافته غير الديموقراطية , ما يطرح ضرورة البدء بمعالجة الثقافة الإجتماعية والسياسية أولا , ففي ظل ثقافة مستبدة ومجتمع لا يحتفي بالديموقراطية "
    التساؤل حول امكانية تطبيق الديموقراطيه في مجتمع غير ديموقراطي صحيح وكذلك الكيفية التي يعالج بها هذا الوضع. هذا في الواقع جوهر الورقه وتجيب عليه بأقتراح مدخل العلاقه مع التنوير/الاستناره بينما يذهب التعليق الي حالة النخب السياسيه بحثاعن اجابه. والتساؤلات التي يمكن طرحها تحاوريا هنا لمصلحة التركيز علي البحث في حالة الرصيد الاستناري كتفسير التي تتبناها الورقه هي : هل ولدت هذه الاحزاب بهذه العاهة التي جعلت منها أداة تفريغ وتشويه للديموقراطيه ام انها تطورات سلبيه حدثت علي مراحل؟ هل تتساوي جميع الاحزاب في المسئولية عن دورها في هذا الخصوص؟ هل تتساوي الانظمة العسكريه، وملحقاتها من الانظمه شبه- المدنيه، مع الانظمة المدنية المنتخبه؟ وهل مررنا اصلا بمرحلة انظمة مدنيه اذا كانت فترات مانسميه خطأ بالفترات الديموقراطيه لاتتعدي في مجموعها المتقطع اكثر من 10 اعوام من عمر الاستقلال البالغ 56 عاما؟ عموما ماتود هذه التساؤلات طرحه كمادة لتحاور يؤمل ان يستمر حول هذا الجانب من الموضوع هو : ان هناك حاجة للتدقيق في المدي الحقيقي لمسئولية الاحزاب كأحزاب وقياداتها في تسبيب ازمة الديموقراطيه وماترتب عليها خاصة فيما يتعلق بقضية التنوع وتداعياتها في ماسي المجاعات والحروب. هناك بالتأكيد مسئولية تقع علي عاتق الاحزاب وقياداتها ولكن التدقيق ضروري حتي لاننحصر في التفسير الذاتي علي حساب الموضوعي.
    ثالثا : جاء في التعليق " لكن الشاهد في الحالة السودانية ,أن مشروع المنوِّر الغربي عموما, قد تم الإنقلاب عليه مبكرا ؟!.. منذ اللحظة التي أعتمد فيها الإستعمار الإنجليزي – المصري على زعماء القبائل والطوائف ,بدلا عن الإعتماد على خريجي التعليم المدني الوليد؟.( ........... ) لكن يظل أيضا ثمة سؤال طرحته ورقة الصّاوي :", بإشارتها إلى عدد من التكوينات ذات الطابع الإجتماعي السياسي, والأدبي الفكري : كجمعية أب روف على سبيل المثال ,. الملاحظة هنا : أنه من الصعب تفسير خلافات وإختلافات هذه الجمعية – بالتالي مؤتمر الخريجين, فالأحزاب السياسية- حول مسألة الهُوِّيَة والجنسية السودانية – الآفروعروبية مقابل العروبة – هذا الإنقسام حول الوعي الجنيني "بالذات" شكّل البذرّة الأولى, لكل الإنقسامات اللاحقة في الذات والمجتمع ؟!.

    بدون التقليل من اهمية التفسير الذي يقدمه التعليق لمصدر تبدد افتتاحات عصر التنوير السوداني الا انني أدعو للتركيز علي مسئولية جيل/ نا يسار الستينيات في التبديد. جيل مابعد الاستقلال هو بأمتياز جيل التضحيات العظيمه. الجوائز الكبري لتحقيق الطموحات الفرديه كانت متاحة بكثره امام اي قدر من التعليم بسبب ندرته وقتها ومع ذلك كان التيار الغالب هو خوض غمارالعمل العام ضمن توجهات اشتراكيه. هذه كانت الخيار الاكثر جاذبية لانها كانت الاكثر استجابة لطموحات التغيير والتحرر من القبضة الاستعمارية الاقتصادية- السياسية بعد التحرر من قبضة الاحتلال العسكري، ولكنه عاني من نقص في قدرته علي تنمية العقلانيه بتركيزه علي حرية الطبقات والشعوب علي حساب تحرير عقل الانسان الفرد- المجموعه. السعي الاشتراكي النبيل لجيل الستينيات قاد في الواقع بمرور الوقت الي تسليم عقلية النخب المدينيه للشمولية الدينيه مستبدلة الامه ( الاسلاميه او العربيه – الاسلاميه) بالطبقه والشعوب عندما بدأت الانظمة الاشتراكيه عربيا وعالميا في التصدع تحت وطأة اختناقات المجتمع المدني السياسي واللاسياسي فيها، لاديموقراطيتها.
    جمعية " ابور وف " التي يشير اليها تعليق احمد ضحيه في سياق تفسير أحادية النظره لموضوع الهويه كانت ابرز نماذج ارهاصات الفكر السياسي الحديث قبل الاستقلال، فيها اجتمع الانفتاح السوداني الاول علي التيارات الاشتراكيه ( العدل الاجتماعي ) وموقف ضد الارتباطات الطائفيه ( ديموقراطيه ) مقرونا بالاهتمام بالعروبه السياسيه ( ثقافه وتقدم ). بذلك الجمعيه كانت احتمالات تطور في اتجاه اشتراكيه تحقق التوازن بين العدل الاجتماعي والسياسي الديموقراطي، وفي اتجاه تحرير الثقافة العربيه من ميراث عصور قفل باب الاجتهاد وفي اتجاه تحرير الحركة السياسيه من ميراث تحالفها مع الطائفيه. ماالذي وكيف انطفأت هذه الاحتمالات؟ هذا سؤال هام لانه سؤال الفرق بين تاريخية النظرة ولاتاريخيتها سواء فيما يتعلق بموضوع الهويه أو غيره. فبقدر ما كانت في الجمعيه بذور مايسميه التعليق " الاتجاه الاسلامو عربي " الاقصائي كانت فيها بذور نقيضه وحزب البعث كان في مرحلته الاولي تجسيدا لهذا النقيض، اي قبل ان يقع اسير نقص حمولة الحريه في تكوينه تحت تأثير انظمته الانقلابيه عراقيا وسوريا. مساهمة ورقة الاستراتيجيه في الاجابه علي سؤال الانطفاء هي : عدم نضوج ارهاصات ( عصر التنوير السوداني ) نتيجة عدم تطورالتجربة الديمقراطيه ومن ثم تراجع وزن القوي السياسيه والثقافيه الحديثه كقاعده شرط- ضروره لاي تقدم.
    رابعا : بقية تعليق احمد ضحيه يطرح قضايا هامه حول امكانية التحقق الفعلي لما تقترحه الورقه من معالجات ( التعليم والمجتمع المدني ) في ظل النظام الحالي، وعودة الي مسئولية الاحزاب الكبري علي ضوء القول بوجود قوي التغيير ، بعكس ادعاءات الورقه . كل مايمكن قوله في هذا التعليق السريع علي التعليق الغني والمسهب هو ان قبول مقدمات الورقه من حيث العلاقه العضويه بين الديموقراطيه والاستناره اوروبيا وسودانيا ( كل بطريقته وحسب ظروفه ) يفترض قبول التفسير للكيفية التي انتهت اليها التطورات بصعود الاسلاميين سياسيا وثقافيا واقتصاديا عندها يصبح مجال الاختلاف الممكن هو في البدائل الممكنه لاعادة بناء القوي الحديثه. وفي هذا كما في غيره الورقة ليست سوي مقترح قابل للرفض والقبول جملة و/ او تفصيلا.
    عبد العزيز حسين الصاوي - لندن

    (عدل بواسطة احمد ضحية on 09-05-2010, 10:08 PM)
    (عدل بواسطة احمد ضحية on 09-05-2010, 10:17 PM)

                  

09-06-2010, 01:54 AM

ضياء الدين ميرغني
<aضياء الدين ميرغني
تاريخ التسجيل: 01-29-2009
مجموع المشاركات: 1431

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تعليق الصاوي على تعقيب أحمد ... (Re: احمد ضحية)

    الاعزاء الاساتذة طلعت الطيب واحمد ضحية

    تحياتى
    اتيت لإيراد تعليق الاستاذالصاوى على احمد ضحية فوجدته
    قد سبقنى الى ذلك .
    لا ضير
    الى حين عودة أخرى
                  

09-06-2010, 03:40 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تعليق الصاوي على تعقيب أحمد ... (Re: ضياء الدين ميرغني)

    Quote: بدون التقليل من اهمية التفسير الذي يقدمه التعليق لمصدر تبدد افتتاحات عصر التنوير السوداني الا انني أدعو للتركيز علي مسئولية جيل/ نا يسار الستينيات في التبديد. جيل مابعد الاستقلال هو بأمتياز جيل التضحيات العظيمه. الجوائز الكبري لتحقيق الطموحات الفرديه كانت متاحة بكثره امام اي قدر من التعليم بسبب ندرته وقتها ومع ذلك كان التيار الغالب هو خوض غمارالعمل العام ضمن توجهات اشتراكيه. هذه كانت الخيار الاكثر جاذبية لانها كانت الاكثر استجابة لطموحات التغيير والتحرر من القبضة الاستعمارية الاقتصادية- السياسية بعد التحرر من قبضة الاحتلال العسكري، ولكنه عاني من نقص في قدرته علي تنمية العقلانيه بتركيزه علي حرية الطبقات والشعوب علي حساب تحرير عقل الانسان الفرد- المجموعه. السعي الاشتراكي النبيل لجيل الستينيات قاد في الواقع بمرور الوقت الي تسليم عقلية النخب المدينيه للشمولية الدينيه مستبدلة الامه ( الاسلاميه او العربيه – الاسلاميه) بالطبقه والشعوب عندما بدأت الانظمة الاشتراكيه عربيا وعالميا في التصدع تحت وطأة اختناقات المجتمع المدني السياسي واللاسياسي فيها، لاديموقراطيتها.


    التحية للاستاذ ع العزيز الصاوى على التعقيب
    اشكرك ايها الرفيق العزيز احمد على ايراد المداخلة
    وكذلك تحياتى لك ياضياء على المشاركة والمتابعة
    مفهوم الطبقة الاجتماعية والشعوب تحتاج منا الى مراجعة لقاموسنا اللغوى لانه المسؤول عن هذه (البناءات) structures
    التنوير هو فعلا تحرير العقل الانسانى ولما كانت المنظمات الفاشية والشمولية تدعى نشر الوعى
    فاننى سوف اتعرض لسؤال التنوير The question about enlightenment كما طرحه امانويل كانط لانه فى اعتقادى يمثل البداية الحقيقية فى تعميق المفاهيم الواردة فى ورقة الصاوى ، نتمنى مزيدا من المساهمات فى الايام القليلة القادمة
                  

09-06-2010, 11:39 AM

ضياء الدين ميرغني
<aضياء الدين ميرغني
تاريخ التسجيل: 01-29-2009
مجموع المشاركات: 1431

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مساهمة أخري بخصوص استر اتيجية الصاوي_ التجاني الحاج عبدر الرحمن (Re: طلعت الطيب)

    عصر التنوير السوداني، إعادة تعريف المدخل ... بقلم: التجاني الحاج عبدالرحمن








    [email protected]

    كلمة لا بد منها:

    الشكر للأستاذ الصاوي على طرح ورقته "معاً نحو عصر تنوير سوداني"، والذي ـ وكعادته في المبادرة ـ طرح موضوعاً جديراً بالنقاش، فاتحاً الباب على مصراعيه للإسهام في قضية فكرية هامة. وهذا المقال بدى لي كنوع من الإستمرارية لحوار إنطلق في السابق من خلال التعقيب على مقالات سابقة للأستاذ الصاوي حول: " البحث عن الإستنارة في صحراء الإسلاميين"، غير أن دعوته الأخيرة لعصر تنوير سوداني بدت أكثر عمومية، إذ خرجت من أسر التنقيب في صحراء جافة، للبحث عن منابع جديدة وأصيلة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه تدشين لمرحلة جديدة في أوساط المثقفين السودانين كان من المفترض أن تبدأ قبل فترة طويلة، ولكن أن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي أبداً كما يقال. هناك عدة قضايا طرحها الأستاذ الصاوي في رؤيته الأخيرة تستحق إعادة النظر فيها بعمق أكثر، خاصة وأن الأمر يتعلق بالتأسيس لعصر تنوير سوداني وسأتناولها بالتحليل أملاً في أن تثري الحوار ومساعي البحث عن العقلانية في واقعنا الذي أصبحت فلسفة الظلام والتغييب هي ألأكثر رسوخاً.

    وسأركز مقالي هنا على الأساس الذي إنطلق منه الأستاذ الصاوي بإعتبار أن تناول قضايا الإصلاح التعليمي، وتنشيط منظمات المجتمع المدني التي تناولها كمكونات لإستراتيجية التنوير، هي تفاصيل ونتائج أفرزها تحليله لواقع وجذور الأزمة السودانية وأسس عليها بالتالي مقترحاته حول المعالجات الواجب إتخاذها لإنطلاق مسيرة التنوير التي يدعو لها في طريقها الصحيح.

    جذور الأزمة السودانية، هل هي أزمة نظام ديمقراطي أم أزمة مشروع وطني(؟)

    التأسيس لإستراتيجية التنوير كما مهد لمدخلها الأستاذ الصاوي من خلال مدخل "جذور الأزمة السودانية" جعلت من فشل إستدامة النظم الديمقراطية أساساً للإشكاليات الراهنة حينما أشار إلى ذلك بأنه: ".. بينما تدل حالة التمزق الافقي والرأسي للبلاد، وحدة وطنيه ومجتمعا، بصورة قطعيهعلي خطورة الفشل في تأسيس مشروع ديموقراطي سوداني حتي الان. والافتراض الذي تقوم عليه هذه الورقه هو انه لاسبيل لتفكيك معضلة الاستعصاء الديموقراطي هذه الا بعمل مواز لتفكيك معضلة الاستعصاء التنويري/الاستناري.لاديموقراطيه بلا ديموقراطيين ... ولاديمقراطيين بلا استناريين..". رابطاً بصورة مباشرة وصميمة كما بيّن ذلك، ما بين حركة التنوير والبيئة الديمقراطية. ووأد في هذا الصدد طرح مناقشات نقدية للمقارنة.

    خلافاً لما يرى الأستاذ الصاوى فأن الأزمة ليست أزمة "نظم ديمقراطية" وإنما هي أزمة "مشروع وطني"، ولتلمس هذه المقولة يجب أن نوضّح الفارق ما بين المفهومين(؟). أن مفهوم "المشروع الوطني" أكثر شمولاً وإتساعاً من مفهوم النظام الديمقراطي، فـالمشروع الوطني يتضمن داخله عناصر كثيرة ـ بما فيها النظام الديمقراطي نفسه ـ ويمثل درجة قصوى من الإتفاق ما بين الكيانات الإجتماعية/السياسية في الدولة على قواعد لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها، وأهمها:
    (1) هوية الدولة،
    (2) نظام الحكم،
    (3) نمط التطور الإقتصادي وعدالة إقتسام الموارد،
    (4) العلاقات الإجتماعية و
    (5) القاعدة الدستورية.
    هذه العناصر مجتمعة ـ عند الإتفاق عليها والعمل على تنميتها وتطويرها لصالح كافة الكيانات الإجتماعية في إطار الدولة ـ تمثل جوهر مفهوم المشروع وطني، وينتصب نظام الحكم الديمقراطي كأحد أعمدتها الأساسية. بمعني؛ أن النظام الديمقراطي يمثل جزءاً من كل، يتفاعل مع بقية العناصر الأخرى ليحقق في نهاية المطاف التطور والتقدم. فالنظام الديمقراطي لوحده لا يمكنه القيام بذلك بمعزل عن بقية العناصر. وقد أثبتت التجربة السودانية عبر الحقب الماضية ذلك. إذاً الإستراتيجية التي وضعها الأستاذ الصاوي في أساسها في حوجة لإعادة تعريف وتوسيع للمفهوم بنقله إلى مستوي أكثر شمولاًً. ولمزيد من التحديد لذلك سآخذ العناصر السابقة كلٍ على حدا كنماذج بغرض البحث والمقارنة في واقع تاريخنا المعاصر:

    1. هوية الدولة: منذ فجر الإستقلال إتخذت مسألة الهوية طابع إشكالي، ذلك لأن النخب التي وجدت نفسها في سدة الحكم حينها، أصرت على تحديد العروبة والإسلام كهوية للدولة، في قفز بالزانة على واقع التعدد في السودان، وبذلك إنسلخت عملياً عن قاعدتها الإجتماعية العريضة وحاصرت نفسها والدولة بكاملها بسياج محكم، إنتهي بأن قاد إلى تركيز السلطة والثروة في أيدي هذه النخب العربية الإسلامية على حساب الكيانات الأخرى، وهو ما تم تعريفه لاحقاً بعمليات التمركز والتهميش التي نتجت عنها النزاعات والصراعات الدموية والتهديد بتفتت الدولة. وهو ما إستشرفه الزعيم الأفريقي كوامي نكروما عشية إستقلال السودان وتقدمه بطلب لنيل عضوية الجامعة العربية حين قال: " كان يمكن للسودان أن يكون أفضل الأفارقة، لكنه إختار أن يكون أسواء العرب" في نبوءة إخترقت حواجز الزمان والمكان. ( طبق لاصل تفكير ضحيه : تصور لاتاريخي لموقف النخب من الهويه )

    2. نظام الحكم: كافة أنظمة الحكم التي تعاقبت على الحكم في السودان، برلمانية كانت أم عسكرية أو شمولية، ظلت سمتها الأبرز وطوال فترة ما بعد الإستقلال وإلى يومنا هذا، أن الذين يحكمون (هم) من إثنيات محددة وخلفية ثقافية واحدة. وبالتالي لم يحقق نظام الحكم ـ مهما تبدلت إنماطه ـ شرط المشاركة الحقيقية، وهي القيمة المركزية في مفهوم الديمقراطية، لا بسبب قصور النظام الديمقراطي في حد ذاته كمجموعة قيم وآليات، وإنما إستناداً على "لاشعور سياسي" قابع في مؤخرة ذهنية هذه الصفوة، شرّع لهم بأنهم أحق بالسلطة من غيرهم، وكثيراً ما كفت هذه الحقيقة للسطح كلما فكرت تنظيمات الهامش في الإستيلاء على السلطة بنفس الأدوات التي مارستها النخبة في المركز والذي لم يتواني على الإطلاق على دمغها بالمؤامرات العنصرية.

    وبالتالي فالإشكالية لا تكمن في النماذج أو الصروح الديمقراطية، بقدرما هي قضية "عقل سياسي" سائد ومسيطر بالأساس، تمثل آيديولوجيا العروبة والإسلام البنية اللاشعورية لتوجهاته وخياراته السياسية. وبالتالي مهما أتينا بنظام ديمقراطي نموذجي، ففي ظل سيطرة هذا العقل السياسي ببطانته الآيديدولوجية، فإن النتيجة الحتمية هي الإقصاء، لأن جوهر عملية المشاركة للكيانات الأخرى لا يمكن أن تتحق في ظله وتحت شروطه، وسوف تتعرض بإستمرار للقمع لأنها ليست جزءاً من هوية الدولة العروبية والإسلامية. وبالتالي فإن إعادة الإعتبار لحق المشاركة للآخرين لن يتأتي إلا من خلال إعادة صياغة العلاقات الإجتماعية بين الكيانات التي تقطن السودان وإعادة تأسيسها من جديد، حتى نتمكن من أن نرتفع بمستوى قبول الآخر الذي يتيح المشاركة المتساوية في ممارسة السلطة.

    نمط التطور الإقتصادي: هذا العامل، وبعيداً عن الخوض في توصيفات كنمط التطور الرأسمالي أو الإشتراكي، نجد أن السمات الرئيسية التي ميزت البنية الإقتصادية هي أنها أصلاً موروثة كليةً من الإستعمار، والذي وضعها وصممها لخدمة مصالحه المتمثلة في إستنزاف الموارد الوطنية. وفي مرحلة مابعد الإستقلال لم تتغير هذه البنية لا شكلاً ولا مضموناً، وكل الذي حدث إن إستمرت بقاعدتها المادية وعلاقات وأدوات إنتاجها، وبدلاً من إن كانت تخدم مستعمراً قابعاً فيما وراء البحار، أضحت تخدم نخب وطنية بين ظهرانينا، فكان منطقياً أن ينتهي الإقتصاد إلى أن يكون محتكراً في أيدي قلة أسوة برفيقته السلطة. هذا من جانب، ومن جانب آخر، وحتى ما قبل إنقلاب الإنقاذ، كان يمكن عمل شئ لإعادة الأمور إلى نصابها، لكن النقلة التي أحدثتها حركة الإسلام السياسي، فاقمت من إلإشكالية الإقتصادية وأدخلتها في محنة حقيقة، حيث أنها دمرت القاعدة الإقتصادية المنتجة التي خلفها الإستعمارـ على علاتها ـ وبالتالي أعدمت علاقات الإنتاج التي كانت تربط الدولة بالمنتج، ليحل محلها نمط أكثر تخلفاً، هو نمط الإقتصاد"الريعي" الذي يعتمد على دخل مورد محدد يتم صرفه على الخدمات والإستثمارات الطفيلية المشبوهة، بدلاً من إعادة تدويره في البنيات الإقتصادية المنتجة من زراعة وصناعة وخلافه. وبالتالي جاءت الضربة القاضية للقاعدة الإجتماعية التي كانت تعتمد على الأشكال الإقتصادية المورثة والتي كانت تستوعب وتشغل قطاعات واسعة من الكيانات السودانية، وبنت علاقات إنتاج متطورة نسبياً خلقت نوعاً من تبادل المصالح المشتركة وروابط الإنتماء والشعور بالإقتسام العادل للثروة من خلال عملية الأخذ والعطاء في دورة الإقتصاد. ونتيجة لهذه النقلة فإن نمط إقتصاد الريع الذي أوجدته دولة الإسلام السياسي أوصل هذه المشاركة إلى مرحلة العدم، وحوّل كل الكيانات الإجتماعية إلى أتباع في علاقتها بالسلطة، وجعلت من مسألة إقتسام السلطة لا تستند على الأحقية، وإنما على مفهوم العطاء، إذ أن المرتبطين بالسلطة والملحقين بسياقها الإجتماعي الإستتباعي، هم من يسيطرون على هذه الموارد ويديرونها وفقاً لما يحقق مصالحهم، ويعطوا الآخرين حسب هواهم. لذلك أيضاً فإن نقد التجربة والتوجه نحو عهد تنوير جديد لا بد ومن أن يضع في تقديراته إن إستمرارية القاعدة الإقتصادية هذه، بشكلها وعلاقاتها وأدواتها، لن يؤدي إلى إستنارة، طالما أن هناك من يتحكم في تقسيم الأرزاق.

    1. العلاقات الإجتماعية: المعني بها طبيعة العلاقة ما بين الكيانات الإجتماعية مع بعضها البعض والعلاقة الجمعية لهذه الكيانات مع الدولة، والأخيرة تمثل العقد الإجتماعي الذي يربط الفرد أو المجموعات بالدولة ومؤسساتها، وفي الوضع الكائن في السودان فإن هناك إختلالات على المستويين، لكنها أكثر وضوحاً في علاقة الأفراد والمجموعات بالدولة. إذ أن سيطرة النخب ذات الأصول العربية على الدولة عبر الحقب التاريخية المختلفة، مسنودة في ذلك بالخلفية الحضارية الإسلامية، رسخت لسيطرتهم تحت مسوغات دينية وهي كما لخصها أبكر أدم إسماعيل بقوله: "..... أما في العهد الإسلامي، فقد دخلت إلى السودان الكيانات والثقافة العربية الإسلامية على شاكلة (الاستعمار الاستيطاني)، وظلت تكتسب لها مواقع فيه ضمن كياناته وثقافاته المتعددة. وهي في ذلك مسنودة بخلفيتها الإمبراطورية من الناحية المادية، ومن الناحية المعنوية بما يعرف بـ(المد الحضاري) العربي الإسلامي، الذي من أهدافه بالطبع إعادة إنتاج الآخر داخل (الهوية) الإسلاموعربية أو على الأقل إلحاقه بسياقها الحضاري. هذا النهج الاستتباعي قد يبدو عادياً ومفهوماً ومعقولاً في إطاره العام في ذلك الوقت، ولكن إستمراره بعد إنهيار الحضارة العربية الإسلامية أصبح إشكالياً بالإضافة لإشكاليات أخرى في بنية ومحددات الثقافة العربية الإسلامية نفسها وكيانها الاجتماعي في السودان، مضافاً إلى ذلك الملابسات التاريخية التي جعلت من هذه الثقافة (المأزومة) (مركزية) في الوضعية التاريخية للدولة السودانية. وقد قامت سيطرة الكيان الإسلاموعروبي في السودان على مكاينزمات عديدة أهمها:

    2. البطرياركية الأبوية القائمة على التشدد العرقي: فعبر ميكانيزم النفي البيولوجي للرجال في معادلة التزاوج الأحادية الاتجاه، التي يأخذ فيها الكيان العربي ولا يعطي، تم طبع أجزاء عديدة من شمال وأواسط السودان بالطابع العربي عرقياً وثقافياً، وعبر الأسلمة ـ أي التحرك عبر المقدس ـ تم ويتم التوسع.ويقوم ميكانيزم النفي البيولوجي للرجال (الاستعراب العرقي/الثقافي) على تزوج الرجال العرب بنساء (الآخرين)، وتكون الذرية وفق البطريركية الأبوية (عربية) ولا يعترف بمكوّنها الآخر. البنات يتزوجن حصرياً في الكيان العروبي، أما الأبناء الذكور فيواصلون طريق الأسلاف، وهكذا بمرور الزمن ينمو الكيان العربي على حساب الكيانات الأخرى التي تتآكل في نهاية المطاف.أما الأسلمة، فعبر الدعاة ـ الفكي، والطريقة الصوفية ومؤسسات التعليم الحديثة لاحقا ـ يدخل الناس الإسلام، وهو بالطبع يتضمن "أيديولوجيا العروبة" خاصة في تفسيراته السنية ومسوغاته لعُلوية المؤمن والعربي وتشريعاته في حصر زواج المسلمة. وتلقائياً يصبح العرب (أو بالحد الأدنى يتم تصويرهم على أنهم) أعلى شأنا عرقياً باعتبارهم على الأقل "حاملي الرسالة الأصليين"، وهكذا يواصل الكيان العربي تغلغله. وتبقى المشكلة فيما يولده هذا النهج من وقائع الإستعلاء العرقي والإجتماعي، خاصة في وجود التعددية والتباين العرقي والثقافي في ظل هيمنة الكيان الإسلاموعروبي على جهاز الدولة.

    3. النزعة الاستبدادية المتشددة: فبسبب نظام التراتبية الاجتماعية القائمة على التشدد العرقي، ونمط الاقتصاد الطفيلي الذي يستلزم ليس فقط امتلاك السلطة بل الاستبداد بها، فقد كان وما يزال وعي السلطة في هذه الثقافة وعياً استبدادياً، والاستبداد لزيم الإقصاء، والإقصاء يتطلب في الواقع فرض هويات جزئية حتى في المجتمع الواحد لتحجيم وعي التنافس على السلطة مثل ما كان يوضع من أحاديث لتبرير ذلك كـ(الأئمة من قريش)...".



    لذلك فقد ظلت العلاقات الإجتماعية داخل السودان ومنذ تلك الفترة مأزومة، وظل التعامل معها بالسكوت تارة والرضاء تارة، وكلما تمت محاولة جادة لقراءة هذه العلاقة يتم قمعها بعنف إلى إن إنفجرت وبأشكال مختلفة الآن. إن المدارس التي دعت إلى تصحيح مسار هذه العلاقات وبناء علاقات إجتماعية جديدة سواء إن كانت في العودة إلى سنار أو حركة اللواء الأبيض بدرجة من الدرجات، فإنها جميعها أصبحت غريبة ومقموعة في إتجاهات وعي التكوين والدعوة لقومية سودانية تضع الجميع عربهم وعجمهم على قدم المساواة. وقد ظلت هذه العلاقة المختلة ذات صلة وثيقة بمؤسسات الدولة عبر الحقب التاريخية المختلفة.



    1. أخيراً القاعدة الدستورية: وهذه ملحقة ومرتبطة صميماً بالعناصر الأربعة عاليه، إذ أن الغطاء الدستوري والقانوني في ظل أنظمة تحكمها أطر ثقافية بعينها لا يمكن له أن يخرج من ثقافة المجتمع وأعرافه وتقاليده بل يرسخها ذاتها.



    لذلك عندما تحدثنا أن الأزمة في شموليتها هي أزمة "مشروع وطني" وليست أزمة نظام حكم سياسي، بمعني؛ أن جذور الإشكاليات ليس في قصور النظم الديمقراطية بقدرما هو قصور يتمثل في عدم الإتفاق على مشروع وطني، كنا نقصد الأزمات التي خلقتها العناصر الخمسة المشار إليها، والتي تقع أزمة النظام السياسي الديمقراطي كجزئية من جزئياتها. وبالتالي فإن حفرنا هدفه النهائي هو إعادة التأسيس لكل العناصر السابق ذكرها مجتمعة وليس لجزء منها، وأي حركة تنوير في السودان لا تأخذ في الإعتبار هذه العوامل برمتها وتدعو لإعادة صياغتها من جديد وفقاً لما يحقق المصلحة الجمعية لكل الكيانات السودانية، لا تعدو كونها حركة تنوير تخص المركز/النخبة فقط ولا تعني الآخرين من قريب أو بعيد، ولا تعدو أن تكون سوى خديعة تاريخية لإعادة إنتاج الأزمة من جديد في شكل نظام ديمقراطي يكرس قيمه وأدواته لنخب جديد تنتجها حركة التنوير.



    ويمضي الأستاذ الصاوي في عملية التأسيس عميقاً في نفس الإتجاه من خلال إستدعاء ومقارنة بالتجربة الأوروبية بقوله: "..ان الديموقراطيه كما يعرفها المجتمع البشريالاننظام سياسي انبثق مما سمي عصر النهضة والتنوير الاوروبي خلال القرنين السادس والسابع عشر مستفيدا من منجزات الحضارات السابقة له، العربية- الاسلاميه، اليونانيه، الاسيويه. وهو عصر تميز بازدياد تأثير العلوم الطبيعية والانسانيه وانعتاق عقل الانسان وارادته من تراكمات ظلام العصور الوسطي نتيجة نشوء الطبقة البورجوازيهعلي حساب الاقطاع ثم الثورة الصناعيه وفكر وفلسفة الانواروالاصلاح الديني.." وهذا يصح على النموذج والتجربة الأوروبية وما إنتجته من قيم ومؤسسات وتراكم معرفي، لكن عند "تبيئة" هذه التجربة في الواقع السوداني (أو العربي كما يدعو الجابري) فإن هناك عوائق كثيرة لابد من إجتيازها، ولا يجدي القفز من فوقها، فصحيح أن الثورة الصناعية وتقدم العلوم كان واحداً من الأسباب التي أدت إلى حركة تنوير أو عصر أنوار، محلصته النهائية إنفصال "الكنيسة" (=المؤسسة الدينية) عن "الأمير" (=المؤسسة السياسية)، مما أدى في نهاية المطاف إلى حركة إصلاح ديني أنتجت ما يعرف بـ(الأخلاق البروتستانتية) التي أسست لحركة إصلاح إقتصادي تبعه إصلاح سياسي. لكن في واقعنا السوداني ذو الإمتدادت العربية الإسلامية فالوضع يختلف لأن الكنيسة في عهود الظلام الأوروبية ليست هي نفس الكنيسة في عهود ظلامنا السودانية/العربية. فقد كانت الكنيسة الأوروبية تدعي أنها ظل الله في الأرض ولم تحكم بصورة مباشرة، وإنما كانت تعيّين الملوك على المستوى السياسي، وتحدد نوعية العلم الواجب تناوله على المستوى المعرفي، لذلك عندما وقع طلاق الكنيسة والأمير تخلّق مجال سياسي جديد، الشرعية فيه لإرادة الجماهير على المستوى السياسي، وليس لمن يدعون إمتلاك المعرفة وشرعية الحكم بتخويل وتفويض إلهي، وهو ما تم تعريفه فلسفياً بـ "فصل السلطة الدينية عن السلطة الزمنية"، وتحرر العقل من أسر الغيبيات بإنفتاح أبواب المعرفة على مصراعيها.

    أما في حالتنا فإن رجالات الدين ـ ويوازون في هذه الحالة الكنيسة أو الطبقة الإكلريكية في عهود الظلام الأوروبية ـ فإنهم لم يكتفوا بالقول أنهم ظل الله في الأرض فحسب ومارسوا السياسة من وراء ستار، إنما ذهبوا مباشرة إلى هذه السلطة في مكانها وأستولوا عليها، بدعوى أن الإسلام هو دين ودولة(!) لذلك فالفصل ما بين (الكنيسة) و(الأمير) في هذه الحالة يختلف تماماً، وهذا هو وجه الصعوبة في المسألة، لأنه يتضمن جهد مضاعف، وليست القضية هي فصل بين مؤسستين مستقلتين تربطهما علاقات الإستغلال المعرفي والسياسي، وإنما هو سلخ لواحدة عن الأخرى وضع كلٍ منهما في سياق تطورهما التاريخي. وهي عملية بالغة الصعوبة إذ تقتضي من جانب، تحرير الفكر الديني ليعاصر نفسه من الناحية المنهجية، وتفتيت قاعدة التفكير السياسي للمؤسسات الدينية وتوجيهها لتعمل في حقل القيم المجتمعية حتى تحقق قول الرسول (ص) " إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ومن جانب آخر تحريك المؤسسات السياسية لتعمل على ضمان مصالح البشر في مستويات العلاقات السياسية/الإقتصادية. وإختصاراً هي عملية لتحرير المؤسسات الدينية من الأهداف السياسية المتخفية خلف السلوك الديني، وتخليص المؤسسات السياسية من إستغلال الأديان لخدمة مصالح شرائح إجتماعية بعينها. لذلك فإن من مهام أي حركة تنوير هي أن تتقدم بشجاعة لتضع حداً للربط ما بين الدين والدولة على مستوى حركة الإصلاح الديني/السياسي وليس تلفيقاً كما كان يتم في السابق. وهذه حرب ليست سهلة، لأن رجالات الدين الذين دخلوا معترك السلطة والإستمتاع بها، لن يألوا جهداً في أن يوجهوا ما إختزنوه من رصيد لهدم توجهات التنوير التي تفضح هذه العلاقة "ليكونوا جبابرة ملوكاً" كما قال عمار بن ياسر.

    قضية التنوير وأزمة المعارضة:

    يستنتج الأستاذ الصاوي أن ضعف القوى المعارضة، وتجربة العمل المناهض للنظام الحاكم حالياً سببها أن: "..عملية الانفراد بسلطة الدوله والتي أدت الي مضاعفة تأثير عوامل التراجع الديمواستناري مكتسبا درجاته القصوي وديناميكيته الكامله، توسع نطاق الحرب في الجنوب متخذة طابعا اهليا، وانفلت التضخم تداعيا اقتصاديا مريعا تدني بمتوسط عمر الانسان السوداني الي 45 عاما بينما أغلق المجال السياسي-الفكري تماما بمزيج من القمع المادي والمعنوي وتم التديين الكلي للمنظومة التعليميه والاعلاميه فتغلغل التدين السياسي والصوفي والسلفي في شراين المجتمع". مما نتج عنه الإفتقار لنوعية العقلية وخبرة العمل والقاعدة الإجتماعية. والذي محصلته النهائية إستنزاف كلي " لحيوية القوي الاجتماعيه والسياسية الحديثه فأن اساليب وخطط العمل المجربة في ثورة اكتوبر 1964 وانتفاضة مارس/ابريل 1985 (تنظيم النقابات كنموذج) والمستحدثه (العمل المسلح كنموذج) إفتقرت لنوعية العقليه وخبرة العمل العام والقاعدة الاجتماعية التي تتجاوب معها. وهي حقيقة تتضح ابعادها الكاملة حول درجة استنزاف هذه القوي اذا استعدنا للاذهان ان مستوي وحدة المعارضه بعد مؤتمر اسمرا عام 1995 في " التجمع الوطني الديموقراطي" كان متكاملا من جميع النواحي، اطرافا وبرنامجا. مايثبت قطعيا ان ضعف العمل المعارض لم ينجم، بصورة اساسيه، عن ضعف مستواه القيادي وانما عن التضاؤل المخيف في حيوية قوي التغيير الديموقراطي لاسيما وان الوجه الاخر لهذه الحقيقة المتجلي في انتشار الفهم التقليدي للاسلام، مصدر (قوة) إضافيه لنظام دكتاتورية يونيو 89 لم يتوفر لدكتاتورتي نوفمبر 58 ومايو 69."

    هذا التحليل يحتمل درجة كبيرة من الصحة لأن المعروف بداهة هو أن الأنظمة الشمولية بطبيعتها نخبوية/إقصائية وبهذه الصفة فإن كافة الأنظمة الشمولية والدكتاتورية التي تعاقبت على حكم السودان كانت تلك ميزتها الأساسية، وبالتالي ولإطالة عمرها في سدة الحكم عملت على تحطيم كافة المداخل التي تقود إلى إزاحتها وهو الأمر الأكثر وضوحاً في تجربة الإنقاذ، ولا يحتاج المرء إلى كبير عناء ليفهم، فواقع خريطة التكوينات السياسية تتكلم عن نفسها. وبالمقابل فإن ضعف القوى المعارضة، وإضافة للأسباب الموضوعية والتاريخية التي سردها الأستاذ الصاوي، هناك سبب آخر لما يتعرض له. وصحيح إلى درجة (ما) أن ذلك لا يعود لضعف القيادة، ولكن السبب الأقوى من ذلك، هو ما يمكن إستخلاصه من تجربة التجمع الوطني الديمقراطي وتحديداً من بعد مؤتمر القضايا المصيرية. وهو ما يمكن أن رده إلى ضعف الإرادة السياسية الكلية للتجمع الوطني. ويأتي ضعف هذه الإرادة لأن القوى التي خاضت الحرب لم تكن جميعها متفقة على إحداث تغيير جذري للنظام ـ على الرغم من إتفاقها في مؤتمر القضايا المصيرية على هذه الإستراتيجية ـ وما شعار "إقتلاع النظام من جذوره" الذي كان سمة تلك المرحلة (1996 ـ 2000) إلا تعبير صريح عن هذا التوجه، لكنه سرعان ما تآكل بالتدريج حتى وصل إلى مرحلة السلام مع النظام في أكتوبر 2000 في مؤتمر مصوع. وعندما نمضي أعمق في التحليل لرؤية الأسباب، أعني أسباب ضعف الإرادة السياسية، نجد أن ذلك يعود إلى التباينات الآيديولوجية العريضة ما بين الأطراف المختلفة التي شكلت التجمع، ولعل البرهان على ذلك يكمن في طبيعة التحالفات الداخلية للتجمع نفسه إذ أنها لم تكن منسجمة مع طبيعة الآيديدولوجيات المتباينة بين التنظيمات، وفي أغلب الأحيان نجد التنظيمات المتقاربة آيديولوجيا متنافرة على صعيد مواقفها السياسية. فبينما هناك تنظيمات كانت ترى أن إزالة النظام كلياً هو هدفها الإستراتيجي، نجد أخرى كانت ترى أن إزالة النظام كسلطة سياسية فحسب يكفي، وهو ما أضعف عملية توازن القوى داخل التجمع، وبالطبع هناك مسافة كبيرة ما بين الإستراتيجيتين وعلى صعيد الرؤية. وقد كشفت عن ذلك في المراحل الأولية النقاشات التي دارت حول تحديد العلاقة ما بين الدين والدولة في الوثيقة الأساسية لمؤتمر القضايا المصيرية، والتي إنتهت إلى أن صيغت بـ (فصل الدين عن السياسة) والتي كانت تلفيقاً واضحاً الهدف التكتيكي منه إستمالة القوى الطائفية. لذلك سمي مؤتمر القضايا المصيرية بأسمرا بـ "المساومة التاريخية".

    وإذا كان يمكن القبول بأن فرضية الإستنزاف للقوى المعارضة نتج عن سيطرة الشمولية، فإن القول بضعف القاعدة الإجتماعية لتبرير فشل التجمع، لا يمكن القبول به لوحده، والأصح هو أن الإستنزاف الحادث بسبب سد المنافذ أمام الطرق التقليدية للتغير عن طريق النقابات والإتحادات(ويمثل العامل الأصغر)، مضافاً إليه الضعف الذاتي والداخلي لتنظيمات التجمع بسبب التناقض الناشئ من تعارض الإرادات السياسية (ويمثل التناقض الداخلي العامل الأكبر)، جميعها شكلتا السبب الحقيقي لضعف عمل المعارضة ذلك لأن القاعدة الإجتماعية التي ساندت التجمع كان كبيرة بالفعل، إذ مثلت كل ألوان الطيف السياسي/الإجتماعي في السودان، وعدم القدرة على هزيمة النظام بكل محتوي رؤية التغيير التي أرستها بنود مؤتمر القضايا المصيرية، إلتفاف القواعد الجماهيرية حول التجمع، الدعم والسند الإقليمي والدولي، القدرات العسكرية والقتالية وغيرها من الأسباب لا تفسر هذا الفشل على الإطلاق، ما لم تتواجد أسباب أخرى، وبالنسبة لي في نهاية التحليل ذلك يقع ضمن نطاق أساليب القيادة والتنظيم إضافة إلى تناقض الإرادة، وجميعها عوامل ما كان من الممكن رؤيتها بوضوح كافي داخل أروقة التجمع في ذلك التوقيت. وقد كشفت التجربة العسكرية الميدانية عن خيط رفيع لذلك، لم تتمكن أطراف التجمع من قراءته بعمق وحمله على محل الجد (سواء إن كان على مستوى الإستراتيجيات العملياتية أو المناورات التعبوية)، بالإضافة للتنظيم على المستوى الجماهيري. وهذا مجال مطروح للدراسة لا يعنينا في الوقت الراهن، لكن الحلقة المركزية الرابطة لكل أطراف الإشكالية أن الجميع داخل التجمع ـ ما عدا قلة ـ ما كان بمقدروهم رؤية أن قواعد اللعبة قد تغيرت وأن محاربة النظام (سياسياً وعسكرياً) بنفس القواعد القديمة لم تعد مجدية، وبالتالي كان عليهم إبتداع قواعد جديدة من بعد الإمساك بصلابة على مقررات أسمرا. وهو ماحاول الأستاذ الصاوي التبرير لضياع بوصلته بـ " أن اساليب وخطط العمل المجربة في ثورة اكتوبر 1964 وانتفاضة مارس/ابريل 1985 (تنظيم النقابات كنموذج) والمستحدثه (العمل المسلح كنموذج) إفتقرت لنوعية العقليه وخبرة العمل العام والقاعدة الاجتماعية التي تتجاوب معها" وهو الإستنتاج الغير صحيح بالكامل، إذ أن كل ذلك كان متوافراً وبكثرة. لذلك عندما نعود لنرى أزمة التجمع الوطني الديمقراطي ضمن سياق مشروع التنوير الذي يطرحه الأستاذ الصاوي، نجد أنه من الصعوبة بمكان طرح أي رؤية نقدية لهذه التجربة بعيداً عن تناول العنصر المركزي فيها قضية تباين الإرادة السياسية، وهو الشئ الذي يعيدنا مباشرة إلى أس الأزمة التي أشرنا إليها، وهي مسألة المشروع الوطني بمحاورها التي ذكرناها. وبالتالي فإن تجربة التجمع الوطني تقلصت إلى صراع في إطار نظام الحكم وليس التغيير. إن بناء إطار تحالفي جديد كالتجمع أمر ممكن وإنتصاره على نظام الإسلام السياسي أمر محتمل، لكن أن يعود بنفس التوجهات والإستراتيجيات القديمة فلن يفعل شئ سوى إعادة إنتاج الأزمة في ثوب جديد وقيادة جديدة. لذلك فإن دور حركة التنوير أن تعيد قراءة تاريخ تجربة العمل المعارض برمتها لإعادة توجيهها نحو أفاق التغيير الحقيقية.

    كلمة أخيرة:

    لذلك فإن الإستنتاج الذي ختم به الأستاذ الصاوي تحليله لجذور الأزمة السودانية بقوله: "... بناء علي هذا التشخيص للسبب القاعدي للازمة السودانيه فأن اي استراتيجيه عمل سياسي منتج لتقدم غير قابل للانتكاس لابد ان يكون مرتكزها الترافق بين إعادة استزراع مقومات الحداثه والاستناره وإعادة تأسيس المشروع الديموقراطي. بغير ذلك، كما تفعل بعض اوساط المعارضه والحركات المسلحه التي تضع إسقاط نظام المؤتمر الوطني ( الاسلامي ) الشمولي كشرط سابق لتقدم من اي نوع، ستبقي العوامل المؤديه للانهيار السريع للتجارب الديموقراطيه ولاعادة انتاج الازمه العامه فاعلة بما يولد أنظمة اكثر شمولي ". بإعتبار أن المعضلة هي في النظام الديمقراطي، ويجب بالتالي غرس الحداثة والإستنار وإعادة تأسيس المشروع الديمقراطي ستبقى حفراً في النتائج مع ترك الأسباب، وبنفس القدر إذا كان التفكير في إسقاط نظام المؤتمر الوطني سابق لأي تنظير حول برنامج إستناري سيعيد إنتاج الأزمة وتوليد أنظمة أكثر شمولية، فإن الدعوة لتصحيح البناء الديمقراطي دون إطار لمشروع وطني يؤدي لنفس النتيجة، لأنه مهما خلق من تجربة برلمانية نظيفة ومرتبطة بالشعب، غير أنها ستظل مرهونة بالمركز فقط. مالم يكون التفكير بالفعل هو أن ترتبط بالمركز وهذا موضوع آخر.



    هوامش

    . المقصود هنا باللاشعور السياسي تحديداً، ليس كما نفهمه عندما نتحدث عن منطقة اللاشعور كما يفسرها علم النفس لدى الأفراد، فاللاشعور السياسي يختص بالجماعات، وعلى الأخص الجماعات المنظمة والتي لها لا شعور من نوع خاص تشكل الديانات أو ما يقوم مقامها أكثر أعراضه وضوحاً، هذا اللاشعور ليس من طبيعة سيكولوجية إذ لا تتكون قاعدته من التصورات النموذجية [=خلافاً لمثل إفلاطون]، وليس هو بالأحرى من طبيعة روحية ولا ينتمي إلى عالم الغبيبات (..) إنه لا يتحدد بأشكال رمزية طافية على السطع بل يتحدد بأشكال ثابتة من التنظيم المادي ليست الأشكال الرمزية تلك إلا رسوماً لها وبصمات، وبالتالي ومن هذا الموقع فهو يحكم الظاهرة السياسي، من الداخل تفكيراً وممارسة. الجابري، نقد العقل العربي، العقل السياسي العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، ص 13، 14.



    . المقصود بالعقل السياسي تجريداً مجموع محددات الفعل السياسي وتجلياته النظرية والتطبيقية، بإعتبار أن السياسة هي فعل إجتماعي يعبر عن علاقة قوى بين طرفين يمارس إحدهما السلطة على الآخر، المصدر السابق، ص 7.



    . هناك درجة من التشابه بين نمط الإقتصاد "الخراجي" كما لدي سمير أمين وبين نمط الإقتصاد "الريعي"، فالخراج يعني العائد المادي الذي كان يصب في بيت مال المسلمين من أشكال الجبايات المختلفة والذي قام أساساً على منطق غزو الدولة الإسلامية لتلك الأمصار وفرضها لهذا النوع من الجبايات وبالتالي إعتماد الدولة بكاملها على هذه الجبايات دون غيرها في تسيير أمورها. أما نمط الإقتصاد الريعي، فأساسه هو إعتماد الدولة على عائدات من مصادر قد تكون جبايات وضرائب أو موارد طبيعية تدر عليها دخلاً تسيير بها دفة مؤسسات الدولة، ونموذجاً لذلك الدول النفطية والتي تعتمد على البترول كمصدر دخل رئيسي. وفي كلا الحالتين فإن وجه الشبه يكمن في أن مصدر الدخل ليس إنتاجياً. وفي الحالتين فإن أوجه الصرف غالباً ما تكون على المرتبطين بالسلطة وهو ما لاحظه بن خلدون من أن الدولة تجمع أموال الرعايا وتنفقها على بطانتها ورجالها في الدولة القائمة على العصبية. والمقارنة مع ما حدث في السودان، هو أن التحول حدث عندما تم خصخصة القطاعات المنتجة (المشاريع الزراعية مثل الجزيرة، الفاو، النيل الأزرق، النيل الأبيض...إلخ) والتي إنهارت من بعد ذلك وتقفت عن الإنتاج وإتجهت الدولة نحو البترول كبديل والذي يشكل أكثر من 60% من الدخل القومي. ولعل ما يجعل تسمية الريع أكثر قوة من الناحية المفهومية هو أن ملكية هذا العائد أو المورد لا تعود للمواطن وإنما لجهة (ما)، هي كما في نموذج الدول النفطية ملك حصري للأمير أو الملك وفي حالة السودان هي مملوكة حصرياً للحزب، المؤتمر الوطني (وما النقاشات والجدل الذي ظل يدور حول غياب عائدات النفط في موازنة الدولة، إلا دليلاً على ذلك) وكما كان ينفق الأمراء في العصور الإسلامية القديمة من خراج على بطانتهم على شكل عطايا، فإنهم في الوقت الحاضر ينفقون من ريع النفط بنفس الروح. والفرق الضئيل أنه وفي السودان ينفق المؤتمر الوطني (الحزب) على بطانته من ريع نفط السودان في إنماط وأشكال من الممارسات والتكوينات الطفيلية. وعليه فإن نمط الإقتصاد في السودان ريعي إستناداً على هذا الفهم.



    . النشاطات الإقتصادية الطفيلية هي ذلك النوع من الممارسة الإقتصادية التي لا تعني بالإنتاج وإنما بجني أكبر قدر من الأرباح في أقصر مدة زمنية ممكنة، وسميت طفيلية لأنها تنمو وتعتمد على قاعدة إقتصادية (ريعية أو إنتاجية) تأخذ منها ولا تعطي. ولكن عادة ما تكون إقتصاديات الريع أصلح بيئة لنمو مثل هذه الأنشطة.



    . أبكرآدم إسماعيل، "جدلية المركز والهامش وإشكال الهوية في السودان"، مركز الدراسات السودانية، القاهرة ديسمبر 1999.

    . الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص 98.
                  

09-06-2010, 03:29 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مساهمة أخري بخصوص استر اتيجية الصاوي_ التجاني الحاج عبدر الرحمن (Re: ضياء الدين ميرغني)

    Quote: تقود الافكار السابقة، عن نخبوية المجتمع المدني وانحساره ضمن المدينة والحواضر فقط ، الى سؤال الديمقراطية الداخلية اولاً. فقد كان واضحاً وبدهياً، ان أول وأهم اشكال المقاومة التي يمكن ان يمارسها المجتمع المدني - كما اسلفنا - هي مواجهة النظم الشمولية والدكتاتورية والفردية. وهنا يبادر الكثيرون الى طرح تساؤل جوهري وهو: الى اي مدى تمارس منظمات المجتمع المدني نفسها الديمقراطية التي تدعو اليها في تسيير شؤونها مثل عملية اختيار العضوية، وممارسة النقد الذاتي، وفي التسامح وقبول الآخر ؟ وهل تصلح منظمات المجتمع المدني كنماذج جيدة للديمقراطية التي تتغياها وتصبو اليها ؟ وهل يمكن ان تكون مؤسسات المجتمع المدني العربي منابر تدريب وتمرين على الديمقراطية ؟ ويفترض في هذه المؤسسات القدرة على نشر الوعي بالديمقراطية من خلال تعدد أدواتها وأنماط نشاطها المتعددة، مثل توزيع النشرات وطباعة الكتب والمجلات، وعقد المؤتمرات والندوات وورش العمل. كل هذا لمناقشة ما يدور حول الديمقراطية وحقوق الانسان. ويمكن للمنظمات ان تستخدم وسائل اكثر ابتكاراً مثل: السينما، والمسرح، والفنون التشكيلية للترويج لقيم ومبادئ الديمقراطية بين الفئات الاجتماعية المختلفة.
    يمكن التعويل كثيراً على دور المجتمع المدني العربي في مقاومة الدكتاتورية بكل تجلياتها، ولكن هذا يعني التخلص من كل عيوبه الذاتية التي أشرنا اليها في هذه المقال. اذ نلاحظ انه رغم التزايد العددي في هذه المنظمات الا ان تأثيرها النوعي والكيفي ظل محدوداً، لانها بقيت نخبوية ومنغلقة على ذاتها. وعجزت منظمات المجتمع المدني عن ان تكون جاذبة ومقنعة للفئات التي تدعي انها قامت من أجلها. ومن المفارقات ان الاحزاب السياسية في كثير من الأحوال، تنظر بتوجس وسوء نية لمنظمات المجتمع المدني، باعتبارها منافسة لها وترغب في انتزاع دورها السياسي وتعمل على الغائها تماماً، وان تحل مكانها.


    الاقتباس من مقال د حيدر ابراهيم حول الاشكاليات التى تهدد استقلالية وديمقراطية المجتمع المدنى فى السودان والمنطقة العربية وربما الافريقية والعالم الثالث عموما ، وقد تطرق حيدر الى العديد من مظاهر ازمة المجتمع المدنى ووطرح ملاحظات سليمة تماما خاصة فيما يتعلق بالنخب اليسارية التى تحتكر المنظمات رغم ان ايمانها بالديمقراطية التعددية محل شك كبير ! والظاهرة موجودة حتى فى منظمات المجتمع المدنى خارج السودان وحتى فى الغرب فاذا نظرت الى منظمات حقوق الانسان مثلا تلاحظ الصفوية والاحتكار وانعدام الشفافية لانها اصبحت بقرة حلوب لتوفير الوظائف، ادركت صحة هذا النقد.. هناك ايضا ضعف المؤسسات الراسمالية المنتجة ودورها فى دعم استقلالية منظمات المجتمع المدنى وسيادة الشرائح الطفيلية بدلا عنها وهى الموالية للسلطة خاصة فى عهد الانقاذ!!
    اعلاه يؤكد ضلوع الحكومة والمعارضة فى تكسيح منظمات المجتمع المدنى وتهديد نموها واستقلاليتها ، وهذا يقودنا الى المسألة الاهم والمتجسدة فى غياب التأصيل النظرى لهذه المنظمات وهذا ما سوف اركز عليه انشاء الله
                  

09-06-2010, 08:02 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مساهمة أخري بخصوص استر اتيجية الصاوي_ التجاني الحاج عبدر الرحمن (Re: طلعت الطيب)

    محاولة فى الاجابة على التساؤل: ما هو التنوير ؟
    لامانويل كانط


    التنوير هى العملية التى يتم بواسطتها تحرر الانسان او خروجه من مرحلة عدم اكتمال النضج التى جلبها على نفسه immaturity الى مرجلة النضج maturity
    والشخص الغير ناضج هو الغير قادر على استخدام فهمه الخاص ، بمعنى اخر هو الشخص الغير قادر على الخروج عن الوصاية الخارجية التى يفرضها عليه الاخرين !
    وقد وصف الفيلسوف الالمانى كانط عدم النضج بانه حالة يجلبها الانسان على نفسه لانها لا تنتج عن نقص فى القدرة الذهنية على الفهم بقدر ماهى تعبر عن حالة نقص فى العزيمة والشجاعة لاستخدام العقل دون الاستعانة بمرشد خارجى ..
    لذلك ظل شعاره فى التنوير على الدوام هو the motto of enlightenment: امتلك الشجاعة واستخدم فهمك الخاص او عقلك dare to be wise
    صفتى الكسل والجبن هى التى دفعت باعداد مهولة من الناس العاديين والاسوياء الى ان يرهنوا عقولهم لاخرين بالرغم من ان الظروف هيات لعدد كبير منهم فرص التحرر من مثل تلك الوصاية !
    الشاهد ان الوصاية شعور مريح وحال لسان اى انسان هو : ليت لى بكتاب يريجنى من عناء التفكير، ومرشد روحى يكون ضميرى ، وطبيب يرشدنى الى الطعام الصحى الخ ... فهو لا يود او لا تود بذل اى مجهود وعلى استعداد لبذل اى شىء من اجل ان يجعل الاخرين يؤدون العمل ويقومون بجهد التفكير بدلا عنها ..
    فى المقابل يحرص الاوصياء على اظهار مهمة التفكير المستقل هذه او (ما اسماه كانط بالنضج) كعملية لا تنطوى فقط على عنت وصعوبة ولكن على درجة عالية من الخطورة ، بمعنى اخر فان اى محاولة للخروج عن القطيع المطيع ربما تقود الى الفناء !!
    اواصل فى عرض افكار كانط حول التنوير مع ضرب امثلة من الواقع السياسى والاجتماعى فى سودان ما بعد الاستقلال ..

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 09-07-2010, 06:45 PM)

                  

09-07-2010, 03:58 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مساهمة أخري بخصوص استر اتيجية الصاوي_ التجاني الحاج عبدر الرحمن (Re: طلعت الطيب)

    (*)
                  

09-08-2010, 03:37 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: احمد ضحية)

    السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي
    الثلاثاء, 07 أيلول/سبتمبر 2010 19:35

    [email protected]

    يدور نقاش عميق ورصين بين النخبة السودانية، خاصة فئاتها اليسارية، حول ورقة فكرية نشرها الاستاذ محمد بشير احمد (أو عبدالعزيز حسين الصاوى كما يوقع كتاباته) ،تحت عنوان: معا نحو عصر تنوير سوداني – اطار عام لاستراتيجية معارضة مختلفة. وقد رفد محمد بشير أو الصاوي المكتبة السودانية والعربية بالكثير من الكتابات المتميزة ذات الافكار المتجددة والمتحدية للعقول المستريحة،وفي لغة خصبة ومقتصدة في نفس الوقت وناصعة تسر القارئ.والكاتب من رواد حزب البعث في السودان،ولكن الحزب لم يسلم من عقله النقدي.فقد قام هو وجادين ومجموعة من البعثين المجددين، بسودنة وتجديد الحزب،بدءا من الأسم،فهو الآن:حزب البعث السوداني،وقد تأتي العربي بعد ذلك أو لا تأتي. وذهبوا ابعد من التسمية،لكي ينفخوا في الحزب كثيرا من افكار الدمقرطة والتنوع الثقافي التي كانت غائبة أو منزوية في البعث السابق.والكاتب متابع ومشارك جيد في تطورات السودان ومن هنا اكتسبت ورقته الاهتمام والمتابعة من الكثيرين،في الاعلام الورقي والاليكتروني المتداول بين السودانيين في كل الارجاء.ومن الواضح،من خلال متابعة المشاركات والتعقيبات،أن الانتلجنسيا السودانية هي الأكثر حيرة،رغم محاولاتها ادعاء الجكمة والصبر والصمت.فهي تعي مسؤوليتها عن الانفصال وانهيار الدولة القادم،لانها اصرت علي تجريب مشروعات كبرى:اشتراكية،اسلامية،قومية ..الخ علي واقع لا صلة له بكل هذه الافكار الطوبائية.وقبرت كل تلك الافكار أوتنكر لها اصحابها،وظل الواقع يتدهور ويفرض الازمة بلا رتوش.ولكن غالبا ما يبدو المثقفون السودانيون وكأنهم في محاولة تبرئة الذمة فقط.فاذا كانت ورقة محمد بشير علي مستوي الفكر والتفاكر،فقد اعلن علي مجمود حسنين قيام جبهة وطنية معارضة عريضة لمواجهة مهام المرحلة الراهنة.فهو ينشط ويتفاعل علي مستوي العمل المباشر والحركة.وهذه علة سودانية،يمكن ان تدرج ضمن مسببات الفشل:فكر بلا حركة وحركة دون فكر.أو علي الاقل نخبوية في الفكر مقابل حركة تستخف ب"المنظراتية"او "المثقفاتية".
    قدم الكاتب تشخيصا للأزمة السودانية لم يذهب أبعد مما هو متداول. فهناك شبه اجماع حول اسباب ومظاهر الأزمة ولكن المعضلة في كيفية الخروج منها. فقد اتفق الجميع علي حقيقة فشل السودانيين في تأسيس ديمقراطية مستدامة تخاطب كل المشكلات والقضايا القومية المزمنة.وتكرار التجارب الديمقراطية ليس دليل عبقرية أو عظمة،بل العكس عدم التعلم من التاريخ.ويؤكد(محمد بشير)علي أن الديمقراطية أثبتت بأنها أكثر النظم كفاءة في حل المشكلة.واعتقد أن هذا صحيح ليست لأنها تمتلك وصفة سحرية،ولكن
    لسبب بسيط هو قدرة الديمقراطية لنقد ذاتها وبالتالي علي مراجعة اخطائها.ومن المفترض الا نكون كرماء في اطلاق صفة"ديمقراطية"علي النظم التي مرت في السودان.فمن الدقة أن نسميها نظما "برلمانية" فقط. فهي تفتقد لافكار ومؤسسية الديمقراطية.ويبأ الخلل من قوانين الانتخابات ثم التركيب الاجتماعي-الاقتصادي للنواب المنتخبين واخيرا القضايا المطروحة ودور النواب في صناعة القرارات. ومن المفارقات، أن النواب لم يساعدوا في دعم الديمقراطية.ومن الامثلة،البرلمان الأول تردد في الغاء القوانين المقيدة للحريات مثل المادة 105 سيئة الصيت.ولا يمكن أن ننسي أن البرلمان هو الذي قام عام 1965 بحل الحزب الشيوعي السوداني.وقام نواب بطرد نواب مثلهم انتخبهم الشعب وليس هم من البرلمان واسقط عضويتهم!فالبرلمانية في الوسط لم تصنع ديمقراطية راسخة ،بل كانت تخلق اجواء ديمقراطية بسبب غياب القوانين الاستثنائية أو افساح قدر من سيادة القانون ووجود حريات نسبية للتعبير والتفكير. فالبرلمانية نوع من الديمقراطية السياسية ولكن كان ينقصها دائما الديمقراطية الاجتماعية وكذلك الفكرية والدليل علي غياب الاخيرة،ان حكم الردة الأول في القضية التي تبناها الامين داؤد وحسين محمد زكي ضد الاستاذ محمود محمد طه عام1968،كان خلال حقبة "ديمقراطية".ورغم كل الضغوط لم ينفذ الحكم بسبب الاجواء.ولذلك احيت القضية عام1976 بوجود دكتاتورية عسكرية.
    كان(محمد بشير) مدركا جيدا ان ديمقراطيتنا ناقصة،وارجع ذلك الي ما اسماه "معضلة الاستعصاء التنويري أو الاستناري.وضع من شروط الديمقراطية القادمة أن تقوم بتفكيك هذه المعضلة.ويرفع شعار:لا ديمقراطية بلا ديمقراطيين،ولا ديمقراطية بلا استناريين.
    وينادي بضرورة استزراع مقومات الحداثة والاستنارة من أجل اعادة تأسيس المشروع الديمقراطي.وهنا يعوّل الكاتب علي عنصرين وتغييرين: اصلاح المنظومة التعليمية ودور المجتمع المدني.وهذا هو جوهر الوثيقة-البرنامج,والتي تثير السؤال الأساس ماهي القوى الاجتماعية والنواقل الاجتماعية لتحقيق هذا المشروع؟ وللكاتب مقولة مبتكرة وشاملة لوصف الواقع الراهن في السودان خلال السنوات العشرين الماضية،اسماها: الارتداد التحديثي ،أو ظاهرة:انكسار قوة الدفع التحديثي في المجتمع السوداني. فمن أين يحشد مشروعه الجديد القائم علي الديمقراطية والتنوير عناصره وكوادره؟من وين(منين) اجيب ناس كما سأل نجيب سرور؟ القوى الحديثة،المصطلح المفضل لدينا صار الي المتحف ،ومن الفولكلور السياسي.
    أما الطبقة الوسطي فيمكن أن تكون"ستات الشاي"الفئة الاكثر استقرارا وانتشارا،لولا (الكشة) العشوائية ولحسن الحظ لا تدوم طويلا.ولم تعد هناك مدينة ولا مراكز حضرية،وانت القائل بترييف المدينة،ثم الهجرة الي المغتربات الخليجية.وقد أكدت أكثر من مرة،أن هذه التحولات،أدت"الي تدهور كمي ونوعي في الوزن القيادي لقطاع القوى المدتية الحضرية الحديثة(التحديثية)الذي كان قد برز منذ العشرينيات". فمن يقود المرحلة وينفذ البرنامج؟
    يشترط اصلاح التعليمي ورغم أنه يخفض سقف مطالبه لعلمه بأن النظام لايسمح باللعب في هذا الميدان.فالاصلاح التعليمي عمل دولة أو مجتمع مدني أقوي من الدولة أو قادر علي منازلتها.وهذا الوضع غير موجود في السودان.وهنا نصل الي تثمينه العالي لدور المجتمع المدني السوداني.ولكن للأسف ،المجتمع المدني في السودان،صار من الاثافي العديدة.فالمجتمع المدني المدني السوداني مخترق تماما وتكاد (المنظمات الحكومية غير الحكومية!)تكون اضعاف الاصيلة:غير الحكومية حقيقة.وأي محاولة لتكوين شبكة أو شكل كبير يمكن أن تسيطر عليه عناصر حكومية أو حزبية.وهذه الظاهرة سببها ضعف الاسس الفكرية ،فقد اكتفي رواد المجتمع المدني بالحركية وارتاحوا لتسمية"ناشطين".لذلك،لم يكتبوا وينظروا لماهية المجتمع المدني،مما فتح الباب لكل نشيط ومتحرك لكي يلج حوش المجتمع المدني دون مؤهلات وقدرات ورؤى.وكنت اتمني لو رصد الاخ محمد بشير كيف راقب المجتمع المدني الانتخابات الماضية.فقد برزت عشائرية جديدة وتكالب وتملق للخواجات وشبق للتمويل جدير بالاحتقار.ورغم حساسية ومصيرية القضية لم ير فيها ناشطو المجتمع الا موسم حصاد،وكما ظهر اثرياء حرب في الماضي،ظهر اثرياء انتخابات.لذلك لا تعول علي المجتمع المدني بشكله ومضمونه الحالي،فهو لم ينج منمشروع"اعادة صياغة الانسان السوداني".
    أرجو أن يجيب الكاتب عن السؤال:ماهي القوى الاجتماعية والفاعلون الاجتماعيون القادرون علي تحقيق البرنامج؟
                  

09-09-2010, 00:37 AM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: احمد ضحية)

    تحياتي أستاذ الصاوي ..
    إنشغلت قليلا ..
    أ سمح لي أن أعلق على بعض ما أثرت حول تعقيبي على ورقتك الضافية .. آمل أن يكون الحوار هنا , مفتتحا لمشروع يخرج ببلادنا من مأزقها _ الذي هو في الحقيقة مأزق كوني ووجودي, قبل أن يكون مأزقا سياسيا .ذا صلة بالفكري وما يطلق عليه "مشروع نهضة وطنية" كما "أغرمنا" لزمان طويل _ وعلى أية حال لندع رئاتنا تتنفس حوارا لا تشوبه عكرة الهواء الفاسد !..
    في الواقع ملاحظاتي ليست كثيرة ولكنها تتوقف عند محطات هامة ..سأحاول تدوينها وتثبيتها هنا .. خالص تقديري وأحترامي ..
    أحمد
                  

09-09-2010, 03:03 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: احمد ضحية)

    سلام جميعا وكل عام وأنتم بخير
    بسبب عطل طاريء في جهاز الرفيق طلعت لم يتمكن من طباعة بعض التعقيبات , عليه سنوالي نشر تعقيباته من هذا الحساب إلى حين إسترداد كمبيوتره لعافيته .. خالص التقدير
    _________________________


    تعقيب الأستاذ طلعت الطيب على :

    د/ حيدر والأستاذ/ خالد بحرو
    _________________________

    ذلك قبل المواصلة فى عرض افكار كانط
    تطرق الاخ خالد لموضوع الاصلاح الدينى واهميته واتفق معه ولكن فى تقديرى ان هذه المحاولة قد تم تجربتها فى سودان ما بعد الاستقلال ولم تنجح (الفكر الجمهورى ) لاسباب تتعلق بطبيعة المعرفة او الابستمولوجى اللاهوتى فى الفكر الجمهورى حيث القضب الصوفى هو مصدر المعرفة وهو امر يصادر الديمقراطية كمفهوم وممارسة وكذا اشكالية القبول فى (مفهوم الاصالة لدى الشهيد محمود) وهو ما صادر المشروعية تماما وساهم فى خلق الصفوية وترك الساحة خالية للتيار الاشعرى الاصولى
    والحقيقة ان موضوع الاصلاح الدينى يرتبط
    نواصل...
                  

09-09-2010, 05:06 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: احمد ضحية)

    تصويب من طلعت الطيب :
    ____________________

    ذلك قبل المواصلة فى عرض افكار كانط
    تطرق الاخ خالد لموضوع الاصلاح الدينى واهميته واتفق معه ولكن فى تقديرى ان هذه المحاولة قد تم تجربتها فى سودان ما بعد الاستقلال ولم تنجح (الفكر الجمهورى ) لاسباب تتعلق بطبيعة المعرفة او الابستمولوجى اللاهوتى فى الفكر الجمهورى حيث القضب الصوفى هو مصدر المعرفة وهو امر يصادر الديمقراطية كمفهوم وممارسة وكذا اشكالية القبول فى (مفهوم الاصالة لدى الشهيد محمود) وهو ما صادر المشروعية تماما وساهم فى خلق الصفوية وترك الساحة خالية للتيار الاشعرى الاصولى
    والحقيقة ان موضوع الاصلاح الدينى يرتبط ارتباط حوهرى باستقلالية نمو االمجتمع المدنى وسنلاحظ ذلك عندما نواصل فى عرض افكار امانويل كانط حول الاصلاح ونقده لمفهوم الثورة وما كتبه هابرماس فى الستينات) حول المجال العام فى نقده العملى او قل مفارقته لجدل التنوير عند مؤسسى مدرسة فرانكفورت العظام (ادورنو ، هوركهايمر ، الخ)
    لى تعليق على مقال د حيدر لانه اشار الى ما اسماه استزراع الحداثة واعتقد اننا بصدد نقد الحداثة الاوروبية نفسها نقدا ايجابيا ، مستصحبين مقولة هابرماس الشهيرة ان رواد الجداثة ومدارسها المختلفة (قومية ، ماركسية ، ليبرالية الخ قد قاموا بالقاء طفل الحداثة مع طش الغسيل بدلا عن جلب طفل الانوار نظيفا بعد التخلص من ماء الغسيل المتسخ،
    ويقصد بالماء المتسخ هيمنة السبب الاداتى instrumental reasoning وهى الحداثة التى كان قد استلهمها المثقف السودانى وقام بتطبيقها فى تنظيماته السياسية وهى المسؤولة عن ايراثنا المشاريع الشمولية التى وصفها د حيدر فى مقاله والاخير رجل لماح فى كتاباته كما نعلم

    (عدل بواسطة احمد ضحية on 09-09-2010, 05:09 PM)

                  

09-09-2010, 07:11 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: احمد ضحية)

    Quote:
    ____________
    تعليق الأستاذ خالد خليل محمد بحر

    زززالعزيزظ طلعت الطيب ز..

    هذه الاطروحة من المساهمات الفكرية الجادة والرصينة جدآو والتى قدمت مقاربة فكرية عميقة عن الازمة السودانيةووتأتى قيمتها من خلال تجاوز التحديق فى عمق الازمة السودانية لنواحى طرح وطرق سؤال التنوير كمخرج عقلانى للازمة السودانية المتطاولة جدآو وكحل جذرى يحصن الوعى السودانى من الإرتداد إلى ذات الحلقات الجهنمية التى طبعت التأريخ السياسى السودانى وتأتى قيمتها من خلال القيمة المعرفية لكاتبه وتنظيراته القيمة فى المشهد الفكرى السودانى التى تضع يدها على فيل الازمة لا ظلهاو هذا بجانب أن الاستاذظ الصاوى أحد الذين إستطاعوا الخروج من (القفص الحديدى للأيديلوجيا) والقطيعة معها كنمط تفكير وممارسة سياسية..لذا يأتى بإستمرار جهده الفكرى ومخرجاته النظرية رصينة وعميقة المضمون والمحتوى ومدعمة بالتجربة والممارسة............. ثانياظ وفى ما يخص سؤال التنوير (أحد محاور هذه الورقة) أظنك تعرف جيدآ أن تبيئة الاستنارة والتنوير فى المناخ السياسى والفكرى والاجتماعىو ومن خلال التجارب الانسانية من حولناو مر من خلال الاصلاح الدينى كجذر ورافعة لتوطين قيم الاستنارةو هكذا كانت ملامح النموذج الاول(عصر الانوار)ووولكن المؤسف جدا أن الناشطين هنا فى مجال تسكين التنوير وطرح أسئلته يحاولون التأسيس لعصر تنوير سودانى بدون طرح سؤال الاصلاح الدينى ودفع إستحقاقاتهو لذأ إذا إستدعيت كل التجارب فى السودان التى حاولت تقديم مقاربة لسؤال التنوير, لم تعطى الاصلاح الدينى مساحة كبيره من إنشغالاتها وإشتغلاتها الفكرية, وهذا قد يعزى للجبن المعرفى أو الكسل الفكرى للمثقف السودانى, الذى لا يفضل الإنكبابات المعرفية الطويلة, لذا كانت المحصلة النهائية أن يراوح سؤال التنوير مكانه. ثالثاظ ... فى ظنى أن سؤال الاصلاح الدينى يجب أن يبدا من المقاربة النقدية للوعى الصوفى الذى لعب أدوار كبيرة فى تشكيل الذاكرة المعرفية للمثقفظ والمواطن السودانى على السواء, الوعى الصوفى بكل مخرجاته التى تتمثل فى (أسطرة الوعى), التى حالت على الدوام من تجذير قيم الحداثة القائمة على التفكير العقلانى والنقدى,,فى ظنى ان البداية الصحيحة تبدأ من هنا, وليس من الفرضيات الخاطئة التى تفترض أن الخطورة تكمن فى الفكر السلفى, الخطورة الحقيقة فى هذه اللحظة الرهانة تكمن أيضا فى الوعى الصوفى الذى ساهم كما أسلفت فى تشكيل العقل السودانى. حيث مازال وعى(طبقات ود ضيف الله) يسيطر على مجاميع معتبرة من السودانيين, وطبعا هنا لا أنفى خطورة السلفنة التى تجتاح السودان, ولكنها ليس لها تأثير كبير فى تشكيل العقل السودانى, بقدر تأثير الوعى الصوفى. ولكن فى ما يبدوا أن حساسية تبارات الاسنارة تجاه هذا الموضع ضعيفة, وكل ذلك طبعا يمكن ان يرجع لزهد الصوفية فى المجال السياسى وعدم إمتلاكهم لتصورات للدولة, بغير التيارات السلفية التى تنازع التنويرين فى هذا المضمار, مما جعل تيارات الاستنارة فى السودان تفترض أن التيارات السلفية هى عدو من الدرجة الاولى وهذه الفرضية مضللة وغير حقيقة, لأنه كما أسلفت أن المساحات التى لعبتها الصوفية فى تشكيل العقل السودانى أكبر من المساحات التى لعبها الفكر السلفى,, ورفض قيم الدولة الحديثة من قبل المواطن السودانى ليس هى من مخرجات الفكر السلفى بقدر ماهى من مخرجات الفكر الصوفى, الزاهد أصلا فى الدولة.... المهم هذه مداخللة سريعة وغير مرتبة ولى عودة .



    شكرا الاخ احمد على انزال المداخلة السابقة نيابة عنى لصعوبة الدخول الى المنبر ، تمكنت الحمد لله من فتح صفحة البوست بعد عدد من المحاولات المضنية ،
    المداخلة السابقة كانت تعليق على الاقتباس اعلاه وهو للاخ الزميل خالد بحر من منبر سودان للجميع ، وفى تقديرى انه يستحيل حدوث اصلاح دينى فى ظل وجود مجتمع مدنى كسيح للدرجة التى ادخله الخطاب السلفى المساجد فى خضم ظاهرة تدين شكلى وهيكل ادارى وشبكة احتماعية مغلقة لرجال الدين تستطيع ان تبقى على كل ما هو غير معقول ، هذا الواقع معيق جدا لاى اصلاح دينى
    ٍاقوم بعرض ذلك فى ثنايا عرض افكار كانط
    مصطلح سبب اداتى مهم ويعنى هيمنة منهج العلوم الطبيعية على كل اشكال الخطاب حتى الاخلاقى منه ، الخلل الذى يعانى منه السودان والازمة التى تتهدده بالقطع فى يناير القادم تسبب فيه هذا الخلل لان الخطاب الاشعرى ليس سوى رد فعل للفشل الذى صاحب التنوير الاوروربى ورديفه السودانى
                  

09-14-2010, 05:28 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    اواصل البوست كلما سنحت الفرصة وتوفر الوقت
    وكل عام وانتم بخير
    يتواصل انشاء الله عرض لافكار تم اهمالها have been overlooked فيما يتعلق بالتنوير خاصة اعمال كل من كانط ، نيتشة (فى الغرب تنطق نيتشى)، وهابرماس مع الاشارة الى واقعنا السودانى والاستشهاد به ،
    هذه الاعمال لم تر النور بسبب هيمنة افكار الحداثة (خاصة الماركسية)!!
    فى سودان ما بعد الاستقلال شأنه شان بقية العالم الثالث حيث التلقين فى كل شىء من السياسة وجتى المناهج المدرسية
    طرح الاسئلة الصحيحة لم يكن جزء من ثقافة الجيل لضعف المجتمع المدنى بشكل اساسى

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 09-14-2010, 06:43 PM)

                  

09-14-2010, 06:53 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    لى ملاحظة قبل ان اواصل وهى اننى ذهبت الى شركة اندقو الشهيرة لبيع الكتب من اجل شراء كتاب حول ميتافيزيقيا الاخلاق لكانط كان قد ضاع من مكتبتى الصغيرة ، لفت انتباهى ان المكتبة تمتلأ بكتب كانط ونيتشة وخلوها من كتب ماركس باستثناء (البيان الشيوعى )
    ولا اعتقد ان هذا يرتبط بمؤامرة ما من شركة اندقو !
    _ كتب احد الصحفيين المشهورين حول زيارة له لاحدى المدن السوفيتية فى الشمال الشرقى ايام الاتحاد السوفيتى ولاحظ تاخر الطائرة وحينما بدأ يسال عن السبب عقدت الدهشة حاجب من سأله فى صف الانتظار الطويل ، وذلك استنكارا لمبدأ السؤال نفسه !!
    يحدث هذا حينما يتم مفارقة (المعقول ) فى المجتمعات الديمقراطية حيث المجتمع المدنى موجود ومتعافى ولكن مبدأ التساؤل يثير الدهشة تحت ظل النظام السوفيتى او الانقاذى, وهذا ما عنيته بمظاهر ضعف المجتمع المدنى !!

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 09-14-2010, 08:03 PM)

                  

09-15-2010, 00:00 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)
                  

09-15-2010, 00:16 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: فإذا كان المجتمع المدني حسب المفهوم الليبرالي الكلاسيكي قد تبلور في سياق نظريات العقد الاجتماعي كما نادى بها فلاسفة الليبرالية في القرن الثامن عشر، فانه قد وجه النقد لفكره العقد الاجتماعي باعتبارها فرضيه لا يمكن إثباتها تاريخيا . وفى ذات الوقت فانه في الفكر السياسي الاسلامى نجد مفهوم البيعة يقابل أو يقارب مفهوم العقد الاجتماعي ، لكن يمتاز عنه بأنه ذو طابع واقعي عيني مضمونه أن الحاكم(السلطة التنفيذية أو الدولة) نائب ووكيل عن الجماعة لها حق تعيينه ومراقبته


    ما تحته خط فى الاقتباس اعلاه ملىء بالاشكاليات المعرفية !!!
    مما يستدعى التامل لان كاتبه استاذ جامعى
    اعتقد ان هذا المقال سيضطرنا لعرض الافكار العقد الاجتمعاعى لجان جاك روسو
    The Social Contract and Discourses
    by Jean Jacques Rousseau
    هذا الكتاب مهم للغاية ولذلك اعتقد ان هذا البوست سيتشعب ويستمر لفترة طويلة فارجو الصبر لانه يستحق
    اما مقابلة البيعة فى الاسلام بالعقد الاجتماعى فهو الى حد كبير محاولة كمقابلة الديمقراطية والتمثيل النيابى بموضوع البيعة
    وفى هذه المقارنة وحدها بوادر ردة كبيرة الى االوراء عن موضوع التنوير لا يجوز ان تصدر عن استاذ فلسفة او هكذا اعتقد!

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 09-15-2010, 00:20 AM)

                  

09-19-2010, 04:33 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    • «ما هو التنوير؟» لكانط: الدولة وحرية المواطن أولاً وأخيراً
    الاربعاء, 15 سبتمبر جريدة الحياه 2010

    ابراهيم العريس
    Related Nodes:
    ايمانويل كانط (1724-1804).jpg
    عند بداية سنوات الثمانين من القرن الثامن عشر، وأيام ازدهار افكار التنوير الفرنسية ووصولها، خصوصاً الى المانيا حيث تبناها بعض كبار المفكرين الألمان، طرح رجل دين مفكر كان معنياً في ذلك الحين، كما يبدو، بقضايا التنوير، حادساً بنوع من خطر تمثله على بعض ما يحمل هو من افكار، طرح على عدد من الفلاسفة سؤالاً في غاية البساطة، شاء لأجوبته ان تعينه هو شخصياً وأن تعين النخبة المثقفة على تلمس طريقها، وكان السؤال هو «ما هو التنوير؟». وكان الفيلسوف الكبير ايمانويل كانط، رائد الفكر النقدي، واحداً من الذين طرح السؤال عليهم، فكان بالتالي واحداً من الذين اجابوا بدقة وسرعة. وجواب كانط الذي حمل دائماً عنوان: «رد على سؤال ما هو التنوير»، نشر للمرة الأولى في العام 1784، اي في الوقت نفسه الذي نشرت لكانط دراسات ومقالات عدة يبدي من خلالها عميق اهتمامه بالسياسة والفكر العملي. ومن بين هذه الدراسات واحدة اثارت الكثير من النقاش هي «فكرة تاريخ كوني من وجهة نظر كوزموبوليتية»، وأخرى جوبهت بدورها بكثير من السجال ووجدت من يعارضها وهي «الأخلاق النافعة لكل الناس، من دون استثناء الدين». وفي زمن لاحق كان يحدث ان تنشر كل هذه النصوص معاً، على اعتبار انها سوية تمثل نظرة كانط الناضجة الى بعض المسائل العملية، بالتوازي مع نظراته المبكرة الى المسائل الفلسفية العويصة.
    > والحال ان تفسير كانط لمسألة «الأنوار» او «التنوير»، جاء يومها ليسد فراغاً كبيراً في الساحة الفكرية الألمانية. وكان نشره على نطاق واسع مساعداً في ذلك. هذا لأن مسألة التنوير كانت بدأت تشغل الأذهان، وتصطدم، من ناحية، بعقول متحجرة راحت ترفضها، ومن ناحية ثانية بذهنيات متحمسة حمّلتها اكثر مما كانت تحتمل. ومن هنا اتى «جواب» كانط واضحاً، قاطعاً الى درجة انه سرعان ما اعتمد حتى في فرنسا، التي كانت التنوير فيها - على غير ما هو عليه التنوير في المانيا: فعلاً ثورياً ينذر بالأحداث الجسيمة الآتية، وليس فقط، كما هي حاله في المانيا، فعلاً اصلاحياً هو فكري في الأساس، حتى وإن كان تمخّض عن امور عملية في نهاية الأمر. إذاً، ما هو «التنوير» في رأي كانط؟
    > انه، وفي كل بساطة، تحرير الإنسان من وضعية دونية ذهنياً، وضع الإنسان نفسه فيها في شكل طوعي. ومعنى ذلك ان الإنسان قد قيّد نفسه بنفسه وقد اقنع ذاته بأنه عاجز عن استخدام مقدرته على الفهم من دون ان يدله أحد على ذلك. ويرى كانط ان ما يقف خلف هذا الإحساس بالعجز انما هو افتقار الإنسان الى الشجاعة والمقدرة على اتخاذ القرار. «ان الكسل والجبن هما ما يجعل الناس، الناضجين عقلياً حتى وإن لم يدركوا ذلك، تحت قيادة اوصياء عليهم درسوا وتدرّبوا لكي يمارسوا هذه الوصاية». وفي هذا الإطار ينعى كانط على الأنسان «ان يرضى بأن يحل كتاب ما مكانه ممتلكاً الذكاء الذي كان حرياً به هو - الإنسان - ان يمتلكه». وكذلك ينعى على الإنسان ان يأتي دليل روحي، او طبيب نظامي، ليكون لديهما من الوعي والمعرفة ما يخيّل الى هذا الإنسان انه لا يمتلك «وهكذا، حين استطيع ان أدفع الأجر، لا يعود ثمة اي جهد عليّ انجازه» الآخرون هم الذين يقومون بهذا الجهد جاعلين من انفسهم أوصياء. ويرى كانط هنا، بحسب تفسير الكثير من دارسي فلسفته ومن الذين اختصوا بهذا النص الذي كانت له اهميته الكبرى في ذلك الحين، يرى ان «هؤلاء الأوصياء يسهرون حريصين على ان يعتبر الجزء الأكبر من ابناء البشر، تحرره امراً خطيراً، لا مسألة غير مناسبة وحسب... وهم لتأكيد ذلك يركزون حديثهم دائماً على المخاطر التي تحيق بالبشر حين ينطلقون وحدهم من دون ادلة ومن دون وصاية».
    > لكن المسألة، بالنسبة الى كانط ليست سوداء تماماً، اذ ها هو في سطور لاحقة يؤكد لنا انه لمن «اليسير على جماعة من الناس ان تتحرر ببطء، حين يأتي عدد من الأشخاص الذين ينهضون من بين اوساطها ليجعلوا انفسهم اوصياء، ويفكون القيود ناشرين من حولهم فكرة تدعو الى التثمين العقلاني لقيمة كل انسان واختياراته». ولهذا، يرى كانط، انه اذا كانت «ثورة ما كافية لإنهاء اضطهاد يمارسة طاغية، فإن الجمع لا يمكن له ان يتحرر ويتنور إلا في شكل بطيء وتدريجي: وذلك لأنه منذ اللحظة التي لا يكون فيها هذا الجمع قد ربّي بحيث يفكر بنفسه ولنفسه، لن يكون هذا الجمع سوى دمية في ايدي الحكام الجدد، الذين يحلون محل الطاغية المخلوع، فما هو المطلوب اذاً؟ ان المطلوب هو تلك الحرية التي تعتبر، عادة، اكثر الحريات براءة: حرية ان يعقل الإنسان الأمور في رأسه وفي ما يتعلق بأي موضوع من المواضيع».
    > غير ان كانط لا يفوته هنا ان يميز، كما يقول دارسو نصه، بين «الاستخدام العام للعقل وهو الاستخدام الذي يمارسة الإنسان المتعلم، الذي يتعين عليه ان يكون حراً على الدوام، وبين الاستخدام الخاص لهذا العقل، وهو استخدام يمكنه ان يكون، على اية حال، محدوداً. ففي قضايا المصلحة العامة مثلاً، يتوجب ان يكون ثمة قسط من الانتظام العام... وهنا، في رأي كانط، لا تعود المسألة مسألة عقلنة الأمور، بل الطاعة. ولكن بالنظر الى ان عضواً من جهاز الدولة الحاكم يبدو منتمياً الى الإنسانية وهمومها، يحق لهذا، بل يتوجب عليه، ان يصوغ علناً، لفائدة الجماعة، كل ما لديه من ملاحظات ونقد. وهو، لأنه دافع ضرائب ملتزم، يمكنه بعد تسديد كل ضرائبه ان يقول كل ما يختمر في ذهنه بصدد عدالة فرض الضرائب وما شابهها. اما اذا كان هذا الشخص قسيساً، فإن عليه، بعد ان يعرض افكار كنيسته بأمانة امام جمهوره، ان يورد ما قد يكون لديه من ملاحظات على هذا الخطأ او ذاك، على هذا النقصان او ذلك». ويستخلص كانط ان الواجب الأول الذي يتعين على كل دولة متنورة ان تمارسه انما يكمن في تربية الناس على مفهوم الحرية. اما احترام النقد والاستقلال الفكري فيتعين ان يعتبر واحداً من المبادئ الأساسية في الوجود.
    > وليست هذه النتيجة بالغريبة طبعاً بالنسبة الى هذا الفيلسوف الألماني التنويري الكبير، اذ اننا نعرف ان ايمانويل كانط (1724-1804) كان فيلسوف النقد، في الدرجة الأولى. ولم يكن من الصدفة في هذا الإطار ان تحمل كتبه الأساسية عناوين تذكر بالنقد، مثل «نقد العقل الخالص» و «نقد ملكة الحكم» و «نقد العقل العملي»... وغير ذلك. وهو كان من الفلاسفة، في زمنه الذين لم ينفصل فكرهم عن الحياة العملية.
    [email protected]
                  

09-19-2010, 04:48 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: > لكن المسألة، بالنسبة الى كانط ليست سوداء تماماً، اذ ها هو في سطور لاحقة يؤكد لنا انه لمن «اليسير على جماعة من الناس ان تتحرر ببطء، حين يأتي عدد من الأشخاص الذين ينهضون من بين اوساطها ليجعلوا انفسهم اوصياء، ويفكون القيود ناشرين من حولهم فكرة تدعو الى التثمين العقلاني لقيمة كل انسان واختياراته». ولهذا، يرى كانط، انه اذا كانت «ثورة ما كافية لإنهاء اضطهاد يمارسة طاغية، فإن الجمع لا يمكن له ان يتحرر ويتنور إلا في شكل بطيء وتدريجي: وذلك لأنه منذ اللحظة التي لا يكون فيها هذا الجمع قد ربّي بحيث يفكر بنفسه ولنفسه، لن يكون هذا الجمع سوى دمية في ايدي الحكام الجدد، الذين يحلون محل الطاغية المخلوع، فما هو المطلوب اذاً؟ ان المطلوب هو تلك الحرية التي تعتبر، عادة، اكثر الحريات براءة: حرية ان يعقل الإنسان الأمور في رأسه وفي ما يتعلق بأي موضوع من المواضيع».
    > غير ان كانط لا يفوته هنا ان يميز، كما يقول دارسو نصه، بين «الاستخدام العام للعقل وهو الاستخدام الذي يمارسة الإنسان المتعلم، الذي يتعين عليه ان يكون حراً على الدوام، وبين الاستخدام الخاص لهذا العقل، وهو استخدام يمكنه ان يكون، على اية حال، محدوداً. ففي قضايا المصلحة العامة مثلاً، يتوجب ان يكون ثمة قسط من الانتظام العام... وهنا، في رأي كانط، لا تعود المسألة مسألة عقلنة الأمور، بل الطاعة. ولكن بالنظر الى ان عضواً من جهاز الدولة الحاكم يبدو منتمياً الى الإنسانية وهمومها، يحق لهذا، بل يتوجب عليه، ان يصوغ علناً، لفائدة الجماعة، كل ما لديه من ملاحظات ونقد. وهو، لأنه دافع ضرائب ملتزم، يمكنه بعد تسديد كل ضرائبه ان يقول كل ما يختمر في ذهنه بصدد عدالة فرض الضرائب وما شابهها. اما اذا كان هذا الشخص قسيساً، فإن عليه، بعد ان يعرض افكار كنيسته بأمانة امام جمهوره، ان يورد ما قد يكون لديه من ملاحظات على هذا الخطأ او ذاك، على هذا النقصان او ذلك». ويستخلص كانط ان الواجب الأول الذي يتعين على كل دولة متنورة ان تمارسه انما يكمن في تربية الناس على مفهوم الحرية. اما احترام النقد والاستقلال الفكري فيتعين ان يعتبر واحداً من المبادئ الأساسية في الوجود.
    > وليست هذه النتيجة بالغريبة طبعاً بالنسبة الى هذا الفيلسوف الألماني التنويري الكبير، اذ اننا نعرف ان ايمانويل كانط (1724-1804) كان فيلسوف النقد، في الدرجة الأولى. ولم يكن من الصدفة في هذا الإطار ان تحمل كتبه الأساسية عناوين تذكر بالنقد، مثل «نقد العقل الخالص» و «نقد ملكة الحكم» و «نقد العقل العملي»... وغير ذلك. وهو كان من الفلاسفة، في زمنه الذين لم ينفصل فكرهم عن الحياة العملية.


    اعلاه اقتباس من مقال فى جريدة الحياة قد وعد الاستاذ الصاوى بالتعليق عليه
    الحزء الاول تقريبا يحمل نفس مفاهيم المداخلة التى كتبتها بعاليه حول كانط ، اما الجزء المقتبس فهو احد مشاريعى فى هذا البوست ، بمعنى اخر ساحاول ان اشرح من وجهة نظر كانط الفرق بين الثورة والاصلاح لان الاولى تعنى فى النهاية تبنى القطيع مفاهيم الاوصياء مع اهمال تطور الشخصية الفكرى والوجدانى (الشيوعية والاسلام السياسى والنازية على سبيل المثال)
    ثم التطرق الى دور تامجتمع المدنى فى الاصلاح خاصة الدينى وهذا ما عناه الكاتب هنا :

    Quote: ولكن بالنظر الى ان عضواً من جهاز الدولة الحاكم يبدو منتمياً الى الإنسانية وهمومها، يحق لهذا، بل يتوجب عليه، ان يصوغ علناً، لفائدة الجماعة، كل ما لديه من ملاحظات ونقد. وهو، لأنه دافع ضرائب ملتزم، يمكنه بعد تسديد كل ضرائبه ان يقول كل ما يختمر في ذهنه بصدد عدالة فرض الضرائب وما شابهها. اما اذا كان هذا الشخص قسيساً، فإن عليه، بعد ان يعرض افكار كنيسته بأمانة امام جمهوره، ان يورد ما قد يكون لديه من ملاحظات على هذا الخطأ او ذاك، على هذا النقصان او ذلك». ويستخلص كانط ان الواجب الأول الذي يتعين على كل دولة متنورة ان تمارسه انما يكمن في تربية الناس على مفهوم الحرية. اما احترام النقد والاستقلال الفكري فيتعين ان يعتبر واحداً من المبادئ الأساسية في الوجود.

    على انى اعود لهذا المشروع كما سبق ان وعدت باذن الله
                  

09-19-2010, 05:13 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    تكمن اهمية مراجعة افكار روسو (العقد الاجتماعى ) وكانط ونيتشة وهابرماس اضافة الى المدرسة الفرنسية اى مابعد الحداثة (فوكولت، بوديلارد الخ) فى اهمية اعادة نقد الحداثة وتنقية طفل الانوار من الشوائب التى علقت به خاصة هيمنة مفهوم السبب الاداتى instrumental reasoning
    هذا مهم جدا لاى مشروع فكرى تنويرى لان التطور الطبيعى لافكار كارل ماركس قد وقف عند مدرسة فرانكفورت (جدل الانوار)dialectic of enlightenment ادورنو ، هيركهايمر ، فروم و ماركيوز ..فقد اوضحت اسهامات هؤلاء العظام استحالة تطور الفكر الماركسى ووصوله الى طريق مسدود تماما !!
    تمكن بعدها هابرماس من التقاط خيوط التنوير من بقايا الفكر الماركسى العتيد واعادة قراءة لعصر الانوار حيث تمكن من وضع اليد على الداء على الاقل وهو اشكاليات ضمور المؤسسات الديمقراطية ، فى هذا الخصوص اعتقد بأهمية اعادة نقد ومن ثم تطوير المجال العام والتعليم فى اتجاه التطوير الديمقراطى للمؤسسات المهمة، وهذا كان سبب اهتمامى بورقة الصاوى من الاساس ، ولذلك لن يقف التنسيق معه ومع امثاله عند حدود هذا البوست وانما سيتعداه انشاء الله .. قضايا المجال العام تستدعى الكتابة حولها وتطويرها وكذلك قضايا التعليم البنكى التلقينى فى السودان لانه هو المسؤول عن سيادة طريقة تفكير القطيع على كل المستويات فى السودان واعتقد ان نبدأ اولا بالفصل بين مفهومى التربية والتعليم لانه بينما يعنى الاول الاوامر والنواهى للنشء الصغير (على مستوى التعليم العام تقريبا) فان الاخير يعنى شيئا مختلفا تماما
    اعود انشاء الله

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 09-19-2010, 05:19 PM)

                  

09-20-2010, 02:13 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)


    دحيدر ابراهيم على يواصل فى الموضوع :

    في نقد النقد

    المثقف السوداني من كفاح جيل إلى موت دنيا «1»

    بعثت ورق الأخ محمد بشير أحمد: معاً نحو عصر تنوير سوداني، لديّ كثيرا من الاسئلة والتساؤلات والرغبة في المراجعات واعادة النظر وتحريك الثوابت. فهو يكتب: «انبثقت إرهاصات عصر التنوير والعقلانية السوداني منذ عشرينيات القرن الماضى مرسية اولى لبنات البنية التحتية للديمقراطية كثقافة عامة وممارسات من خلال جمعيات القراءة في أبو روف ومجلة الفجر والجهد الفردي لشخصية مثل معاوية محمد نور». وكانت أولى المراجعات دقة استخدام مفهوم «التنوير» في السياق التاريخي ــ الثقافي السوداني. هل عرف السودان يوما التنوير؟وهل السودانيون قادرون على انجاز عهد تنوير في حاضرهم الماثل أو مستقبلهم المأمول؟ ما هي الشخصيات التي يمكن منحها صفة مستنير في تاريخ الفكر السوداني؟وما هي الاضافة الفكرية المميزة؟وما هو العصر أو الحقبة الزمنية الجديرة بوصف الاستنارة؟ولا بد من عودة ضرورية للتاريخ، لكي نتساءل هل عرف السودان الدولة والمجتمع الموحدين باعتبارهما حاضنة يزدهر فيها التنوير؟ ووجدت من الضروري اعادة سرد التاريخ السوداني بقصد انعاش الذاكرة لتأكيد غياب الارضية الصالحة لانبات التنوير.
    السودان وقدر التشظي:
    تميز السودان بأنه من أكثر مجتمعات العالم قدرة على التشرذم والانشطار والانقسام بسبب الجغرافيا والتاريخ ونمط تطور المجتمع. ولقد افتقد السودان، طوال تاريخه، الدولة الموحدة وبالتأكيد المجتمع الموحد والثقافة الموحدة. ويرى كثير من المؤرخين أن السودان ظل مجرد تعبير جغرافي لوصف الشعوب السوداء التي تقطن الرقعة الممتدة من المحيط الاطلسي حتى البحر الاحمر جنوب الصحراء الكبرى. ويؤرخ بالفتح المصري ــ التركي بقيادة محمد علي باشا «1821 - 1885م» كبداية للسودان الحديث الذي تحده ــ مع بعض التغييرات ــ الحدود التي عرف بها خلال «190» عاما هي عمر السودان بحدوده الادارية والدولية الراهنة. ورغم ان المنطقة عرفت علاقات مع الحضارات الفرعونية والفارسية والاغريقية والرومانية؛ وقامت فيها مملكة مروي القديمة «حوالي القرن الثالث الميلادي»، الا ان كل هذا لا يظهر في التطورات اللاحقة، فقد عرفت البلاد انقطاعات وعزلة قللت من امتداد وتعمق التأثيرات الحضارية على الحياة. وعرفت بلاد النوبة المسيحية من القرن السادس حتى القرن الثاني عشر. وهنا يمكن أن نلاحظ الطابع الانشطاري الذي اتسم به السودانيون. فرغم ان الدين يعتبر _ في الغالب ــ عاملا للوحدة، الا ان السودان كانت فيه اكثر من دولة مسيحية. ومع دخول العرب، جاء النظام القبلي والذي حدد العلاقات الاجتماعية وشكل المجتمع حتى الآن. وكانت سلطنة الفونج «1504 - 1821» هي أول سلطة سياسية لتحالف القبائل العربية المهاجرة والسكان المحليين. ولكنها لم تكن تمثل سلطة مركزية، بل مجرد كونفدرالية ضمت القبائل الكبرى. وقد دخلت في علاقات شبه اقطاعية: الحماية مقابل دفع العشور أو الضريبة. وشهدت خروج كثير من القبائل عن السلطان في سنار ــ العاصمة، وأخيرا استدعت بعضها محمد علي باشا ورحبت باحتلاله البلاد. ورغم جهود محمد علي باشا لتحديث السودان، الا أن الحكم التركي المصري ظل طوال اكثر من ستين عاما يبحث عن صيغة لحكم هذا القطر الشاسع. ولم يتوقف عن تجريب المركزية واللا مركزية، دون أن يستقر رأيه على شكل نهائي للادارة.
    جاءت الدولة المهدية «1885ــ 1898م» وهي دولة دينية جهادية لم تهتم بالادارة والشؤون الداخلية. فقد كان المهدي ومن بعده الخليفة عبد الله مهتمين بنشر الدعوة المهدية على مستوى العالم كله. واضطر الخليفة عبد الله الى استخدام التوازنات القبلية بعد أن خفتت شعلة الحماسة الدينية عقب وفاة المهدي. وبقيت الدولة في حالة استعداد عسكري مستمر، وكانت مهمة الاقاليم تزويد المركز بالمقاتلين وامدادات الغذاء للحرب. وحرمت هذه التعبئة، المواطنين من الحياة العادية المنظمة أي تطور المجتمع. وقد تعرضت البلاد لكثير من المشكلات والتفكك مما سهل مهمة الاستعمار حين غزا السودان بسهولة فائقة، ووقفت قطاعات كبيرة من الشعب السوداني تتفرج على سقوط الدولة التي يفترض أن تكون وطنية تمثله وتعبر عن طموحاته.
    واعتمد الحكم الثنائي، المصري ــ البريطاني«1899 -1956م» في ادارة البلاد على ما سمي بالحكم غير المباشر من خلال شيوخ ونظار القبائل، ويسمى ايضا الادارة الاهلية. ويتميز هذا الحكم بأنه قليل التكاليف ولا يضع المستعمرين أنفسهم في علاقة مباشرة مع المواطنين، إذ يقوم الحكام المحليون المفوضون بسلطات قضائية محددة وجمع الضرائب. وقد تم تكريس القبلية طوال الفترة الاستعمارية. ولكن الحكم الوطني بعد الاستقلال لم يكن لديه أي بديل عملي يمكنه من السيطرة على البلاد الشاسعة «مليون ميل مربع»، لذلك تبنى نظام الادارة الاهلية أي تفويض شيوخ ونظار القبائل ومنحهم سلطات حكم محددة في مناطقهم. وكان مطلب الغاء الادارة الاهلية من أهم شعارات ومعارك القوى السودانية الحديثة. ولكن القوى التقليدية وهي صاحبة الغلبة والاغلبية، قامت بهندسة تحالف القبلية مع الطائفية الدينية الطرقية، نسبة الى الطرق الصوفية. وتقاسمت طائفتا الختمية والانصار «المهدية» القبائل المهمة في السودان. وتكون الحزبان الكبيران، الوطني الاتحادي والآن الاتحادي الديمقراطي، ويمثل طائفة الختمية؛ وحزب الأمة ويمثل طائفة الانصار. ولكل حزب مناطق قبلية معينة، هي دوائر انتخابية مغلقة في كل البرلمانات التي مرت على السودان. وأصرَّ الحزبان الكبيران، وهما اللذان يضعان قوانين الانتخابات على نظام الدوائر الجغرافية «وفي الحقيقة كل دائرة هي دار لقبيلة بعينها». ورفض الحزبان أية محاولة لتبني التمثيل النسبي. وكانت النتيجة أن أعاد النظام «الديمقراطي» انتاج نفس النخبة التقليدية الحاكمة. وهذا يفسر لجوء القوى الاخرى الى الانقلابات والحل العسكري لمشكلة السلطة في السودان. فالمدن والحواضر ليست موالية لهذه الاحزاب التي تعتمد على الريف والبادية حيث توجد القبائل. وكثيرا ما تكون الأغلبية الحاكمة في البرلمان محاصرة بالمظاهرات والاحتجاجات من خارجه لعدم وجود مؤيدين لها. وهذه هي لحظات تدخل الجيش، أو ما يسمى في ادبيات اليسار السوداني:- انحياز القوات المسلحة لصالح الشعب ! وقد اصطلح على تسمية هذه العملية بالدائرة الشيطانية، أي دورة حكومة منتخبة ثم انقلاب تعقبه انتفاضة شعبية هي ايضا مدنية، ثم حكومة منتخبة..وهكذا. قصدت من هذا السرد لخلفية تاريخ الحكم في السودان، القول بأن السودان لم يعرف مطلقا الدولة المركزية القوية والجامعة لتعدد ثقافي واسع، بل حاول التعايش مع التنوع أو «التشتت» الثقافي حسب شروط التشرذم والانشطار التي تؤمن وجود هذه الكيانات بدون أن يفرض عليها الاندماج والتوحد. وساعد ركود المجتمع السوداني أو بطء التغيير الاجتماعي والاقتصادي والثقافي على تكريس القبلية والطائفة بل و «تحديثهما» من خلال مؤسسات جديدة هي الحزب. وأصبح وجود الطائفتين ــ الحزبين في الحياة السياسية في السودان، أقرب الى الظاهرة الطبيعية منه الى الظاهرة الاجتماعية. وكما اشتهر السودان بوجود النيلين الابيض والازرق، يمكن اضافة وجود الطائفتين والحزبين: الانصار ــ الامة مقابل الختمية ــ الاتحاديين. وقد عطلت هذه الثنائية بطرق مختلفة ــ مباشرة أو غير مباشرة، محاولات طرح مشروع قومي يجمع عليه السودانيون جميعا. وساعد على استمرار هذه الوضعية أن القوى السياسية الاخرى لم تعط موضوع الوحدة الوطنية الاولوية والاهمية المطلوبة. اذ تكاد كل هذه الاحزاب تكون ذات ارتباطات أو تطلعات عابرة للسودان أو خارجه. فالإسلامويون عالميون همهم الامة الاسلامية حيثما كانت، وجمعهم التنظيم العالمي للإخوان. والشيوعيون امميون مع البروليتاريا في كل مكان، وينشطون في الاتحادات العالمية للشباب والطلاب في اوربا الشرقية كتأكيد للاممية. والبعثيون يتطلعون الى أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ويأتي الهامهم من دمشق وبغداد. والناصريون والقوميون العرب يتجه ولاؤهم شمالا، ويشغلهم تحرير فلسطين اكثر من وقف الحرب وتعمير الجنوب. ومن الملاحظ أن كل الاحزاب السودانية قد تم جرها الى مناقشة ضرورة الدستور الاسلامي لحكم السودان. وجندت كل الطاقات السياسية منذ الاستقلال في هذا الاتجاه. وانقسم السودانيون الى مؤيدين ومعارضين ومتحفظين، وكانت هذه هي القضية الوحيدة، ولا صوت يعلو فوق صوت معركة الدستور الاسلامي. وأهدر السودانيون طاقات هائلة في هذا الموضوع، ولكن الأخطر في الأمر أنهم فقدوا بوصلة أولويات مرحلة ما بعد الاستقلال، وعلى رأسها البحث عن سبل تحقيق الوحدة الوطنية في هذا القطر متعدد الثقافات. وحقق السودان استقلاله وهو مثقل بتاريخ الصراعات القبلية، وبانشطارات قبلية وعشائرية وانقسامات ثانوية الى فروع وبيوت، ثم قام على الانقسام البناء الحزبي. ونستطيع القول إنه، لم يهتم السودانيون بعد الاستقلال ببناء دولتهم الوطنية، والتي كان لا بد أن تكون دولة وطنية ديمقراطية تعددية الثقافات، وعلمانية أو مدنية. ولكن السودان خضع لعملية طويلة ومركبة لتوظيف الدين سياسيا، ابتدرته القوى الطائفة التقليدية واكملته قوى جديدة محافظة: الاخوان المسلمون بمسمياتهم السودانية المختلف، ومع زج الدين في السياسة وجعله اساسا ممكنا لأية لدولة سودانية قادمة.. كانت هذه مقدمة لتهميش كل العناصر غير المسلمة، واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية. وفي هذا التوجه وأد لفكرة قيام الدولة الوطنية الموحدة. ومن هنا أسس حكم الاسلامويين ــ بقصد أو لا وعي ــ للتفكك الحتمي للدولة السودانية قبل أن يكتمل بناؤها الذي تعطل منذ الاستقلال. وأضاع السودانيون أكثر من فرصة لعكس حركة التدهور السريع نحو التفكك والانشطار
    من خلال العمل الجاد لبناء الدولة الوطنية، فقد كان يمكن لاعلان الاستقلال بكل ما مثله من التفاف قومي، ان يتخذ باعتباره مناسبة للاتفاق حول ميثاق ملزم يمثل الحد الادنى لشروط دولة سودانية ديمقراطية وتعددية وعلمانية. ولكن ما حدث كان عكس ذلك تماما، فقد اسقطت الحكومة الوطنية الاولى من خلال صوت ثقة وهي لم تكمل عامها الاول. فقد كانت تحولات النواب الحزبية غير المبدئية، وعملية شراء الاصوات، من أبرز سمات فترة الديمقراطية الاولى. ولم يكن غريبا أن يستولي العسكر على السلطة بعد عامين فقط، عام 1958م. وهكذا استهل السودانيون عهد استقلالهم الوطني بالخلافات والانقسامات. وكانت الفرصة الثانية بعد ثورة أكتوبر «تشرين الأول» 1964م، فقد توحد السودانيون مرة أخرى حتى اسقطوا النظام بالاضراب السياسي. ولكنهم تصارعوا بعد أربعة شهور فقط لتسقط الحكومة في فبراير «شباط» 1965م. وعرفت الفترة التالية صراعات حادة تمثلت في تصاعد الحرب الاهلية، وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، وانشقاقات في أغلب الأحزاب طالت حتى حزب الامة الطائفي: جناحيّ الصادق والهادي. واختتمت الفترة ايضا بانقلاب النميري في مايو «آيار» 1969م. وضاعت الفرصة الثالثة بعد نقض اتفاقية أديس أبابا للسلام «1972م»، حين أعلن النميري تطبيق قوانين الشرعية الاسلامية «1983م» دون أن يضع أي اعتبار للمواطنين غير المسلمين. وكانت النتيجة الطبيعية قيام الحركة الشعبية لتحرير السودان واستئناف الحرب الاهلية. ونحن الآن نعيش الفرصة الاخيرة التي جاءت عقب اتفاقية السلام الشامل 2005م، وفتحت الافق امام حل قومي لمشكلات النزاع بين الشمال والجنوب، وكان يمكن تعميمها على كل مناطق السودان، ولكننا الآن نعيش مصائر الاتفاقية.
                  

09-20-2010, 02:26 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: بعثت ورق الأخ محمد بشير أحمد: معاً نحو عصر تنوير سوداني، لديّ كثيرا من الاسئلة والتساؤلات والرغبة في المراجعات واعادة النظر وتحريك الثوابتز فهو يكتب: «انبثقت إرهاصات عصر التنوير والعقلانية السوداني منذ عشرينيات القرن الماضى مرسية اولى لبنات البنية التحتية للديمقراطية كثقافة عامة وممارسات من خلال جمعيات القراءة في أبو روف ومجلة الفجر والجهد الفردي لشخصية مثل معاوية محمد نور»ز وكانت أولى المراجعات دقة استخدام مفهوم «التنوير» في السياق التاريخي ــ الثقافي السوداني. هل عرف السودان يوما التنوير؟وهل السودانيون قادرون على انجاز عهد تنوير في حاضرهم الماثل أو مستقبلهم المأمول؟ ما هي الشخصيات التي يمكن منحها صفة مستنير في تاريخ الفكر السوداني؟وما هي الاضافة الفكرية المميزة؟وما هو العصر أو الحقبة الزمنية الجديرة بوصف الاستنارة؟ولا بد من عودة ضرورية للتاريخ، لكي نتساءل هل عرف السودان الدولة والمجتمع الموحدين باعتبارهما حاضنة يزدهر فيها التنوير؟ ووجدت من الضروري اعادة سرد التاريخ السوداني بقصد انعاش الذاكرة لتأكيد غياب الارضية الصالحة لانبات التنوير.


    ونستطيع القول إنه، لم يهتم السودانيون بعد الاستقلال ببناء دولتهم الوطنية، والتي كان لا بد أن تكون دولة وطنية ديمقراطية تعددية الثقافات، وعلمانية أو مدنية. ولكن السودان خضع لعملية طويلة ومركبة لتوظيف الدين سياسيا، ابتدرته القوى الطائفة التقليدية واكملته قوى جديدة محافظة: الاخوان المسلمون بمسمياتهم السودانية المختلف، ومع زج الدين في السياسة وجعله اساسا ممكنا لأية لدولة سودانية قادمة.. كانت هذه مقدمة لتهميش كل العناصر غير المسلمة، واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية. وفي هذا التوجه وأد لفكرة قيام الدولة الوطنية الموحدة. ومن هنا أسس حكم الاسلامويين ــ بقصد أو لا وعي ــ للتفكك الحتمي للدولة السودانية قبل أن يكتمل بناؤها الذي تعطل منذ الاستقلال. وأضاع السودانيون أكثر من فرصة لعكس حركة التدهور السريع نحو التفكك والانشطار
                  

09-21-2010, 09:59 PM

احمد ضحية
<aاحمد ضحية
تاريخ التسجيل: 02-24-2004
مجموع المشاركات: 1877

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    تحياتي طلعت
    كيفك .. أرجو ان تسمح لي بضم مساهماتك كلها في هذا البوست في مساهمة واحدة مرقمة كشذرات" تمهيدا لنشرها على أساس وحدة عضوية واحدة في سودانفوروول..إلى جانب أن ذلك سيخدم من جهة أخرى ملف مركز الدراسات السودانية القادم حول الموضوع نفسه. في إنتظارك .مودتي
                  

09-22-2010, 04:05 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: احمد ضحية)

    الاخ احمد
    تحياتى
    ارجو ان تبقى معنا
    افعل ما تراه مناسب
    عاطر تحياى
                  

09-22-2010, 08:58 AM

Abdalla aidros

تاريخ التسجيل: 12-07-2005
مجموع المشاركات: 595

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    شكرا للاساتذة طلعت الطيب واحمد ضحية وخالد بحر

    وكل المساهمين الآخرين

    وللصاوي في المبتدأ

    اتابع
                  

09-22-2010, 01:29 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: Abdalla aidros)

    شكرا عبدالله وجودك مفيد حدا فارجو البقاء
    اواصل اليوم رؤية كانط فى التنوير
                  

09-22-2010, 01:40 PM

طه إبراهيم عبد الله

تاريخ التسجيل: 07-24-2010
مجموع المشاركات: 1225

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)
                  

09-22-2010, 07:32 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طه إبراهيم عبد الله)

    رؤية امانويل كانط حول التنوير (2)

    يواصل كانط فى التحذير من عقلية القطيع الغير ناضجة وغير مستنيرة لانها تكرس الخوف من المجهول والخروج من دفء القطيع ، فالجمهور الغير مستنير مجرد دمية فى يد الحاكم لان ذلك الخوف من التفكير المستقل واستخدام العقل يعتبر بمثابة الخيط او القيد الذى يمسك به الحاكم او القلة التى تنصب من نفسها اوصياء على خلق الله تحرك الناس يمنينا ويسارا ..
    وتعتبر العقائد والنواهى هى السلاسل والقيود التى تعتقل المواهب الطبيعية للافراد ونعمة العقل التى وهبها الله للانسان .
    ويستطرد كانط قائلا انه فى كل مجتمع يوجد افراد لديهم القدرة على التفكير المستقل ولكنهم قلة واذا اسستطاعت هذه القلة الصعود اجتماعيا الى مصاف القيادات فانها تستطيع نشر روح العقلانية والاعتماد على النفس فى اوساط المجتمع وبالتالى احترام التنوير كقيمة واجب التبشير بها بين الناس(الظروف تهىء لمثل هؤلاء الصعود الى مواقع القيادة فى الانظمة الديمقراطية عادة) ..
    لكن كانط كان قد حذر من حدوث عملية ارتدادية (ردة عن التنوير) فى حالة توفر شروط تفرض واقعا غير مواتيا للجمهور حين تنتشر حالات عدم النضج بشكل وبائى بين الناس فى مجتمع ما لان ذلك سوف ينعكس على تصعيد القيادات الغير ناضجة او الغير قادرة على الاستقلال الفكرى وهى الحالة التى كان قد عبر عنها المتنبىء حينما انشد: على قدر اهل العزم تاتى العزائم وتاتى على قدر الكرام المكارم.
    الظروف التى تخلق هذا الوضع فى تقديرى متعددة (تاريخية، سياسية وثقافية دينية)
    هذه الملاحظة مهمة فى بلد مثل السودان اذ نلاحظ انتشار مثل هذه القيادات الغير ناضجةاوالقاصرة فكريا فى جميع المجالات (الدين والسياسةالخ..) وهى تفسر الطابع الارتدادى للتنوير منذ استقلال السودان وحتى اليوم على الرغم من انتشار التعليم المدنى اذ مازال المرجع الدينى هو الشافعى واحمد بن حنبل والسياسى كارل ماركس وشيوخ الكرامات فى طبقات ود ضيف الله !! وفى كل الاحوال ورغم تعدد هذه المصادر وتناقضها الا ان الاعتماد على اجابات جاهزة تركها لنااخرون واجترار انتاجهم دون اعتبار لقضاياهم المعاصرة وتجاربهم اليومية هى القاسم المشترك فمازالت القبوز تحكمنا كما تقول اغنية المرحوم مصطفى سيد احمد..!!
    يواصل كانط تصوراته حول التنوير موضحا ان طبيعة التنوير الجماهيرى عملية بطيئة وهى عملية تهدف فى نهاية المطاف الى تمكين الناس من التفكير المستقل وهو اصلاح فى طرائق التفكير لدى الافراد ولذلك فقد انتقد مفهوم الثورة محقاحينما لاحظ انها ربما تنجح فى القضاء على المظالم القديمة والاستبداد ولكنها لا تفعل اكثر من استبدال قيصر قديم بدكتاتور جديد طالما ظل الناس على حالهم من عدم النضج وعلى قيودهم التى يمسك بها الاوصياء الجدد فى التحكم فى الجماهير وجعلهم العوبة فى يدهم ..
    على ان الصورة ليست قاتمة تماما فيما يتعلق بموضوعنا الاساسى وهو نشر الاستنارة والاصلاح فى المجتمع بشكله الطبيعى والتدريجى ولذلك لابد من فهم الكيفية التى يمكن بواسطتها انجاز ذلك الهدف السامى حتى نتمكن من استخدامها فى اغناء ورقة الاستاذ محمد بشير فيما يخص استراتيجية التنوير
    ولذلك سوف اعود لعرض اجابة الفيلسوف الالمانى الحكيم كانط على السؤال التالى:
    اذا ما كان توفر الحرية شرط من اجل تمكين كل فرد من استخدام عقله فى كل الامور، فما هى الحرية السموح بها ؟
    متى يجب على الدولة الديمقراطية تضييق هامش الحريات ومتى وجب عليها توسيعها؟
                  

09-22-2010, 09:48 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    امانويل كانط والتنوير كمشروع (3)

    يعتقد امانويل كانط ان الحرية شرط ضرورى لاية مشروع تنويرى بيد انه قصدبالحرية ما اسماه النوع الحميد من الحرية الذى يقود الى قدرة الشخص على استخدام عقله فى وزن الامور لان هناك انواع من الحرية تقود الى الفوضى وعدم الانضباط وهى المتعلقة بما اسماه بالاستخدام الخاص للعقل لانه فرق بين نوعين من الحرية: الاولى فاسماها حرية الاستخدام العام Public use of man's reason اما الثانية فاسماها حرية الاستخدام الخاص للعقل Private use of reason ولكن كانط يستنكر قمع الحريات جميعادون تمييز فيقول : دافع الضرائب يقول لك ادفع ولا تجادل ، المعلم يقول احفظ ، اما رجل الدين الذى ورثته ابا عن جد فيقول لك : عليك بالايمان فلا تناقش !!
    يعتقد كانط بضرورة تضييق الحريات فيما يتعلق بالاستخدام الخاص للعقل فى حدود ما يسمح به لانه يقصد بالاستخدام الخاص الموظف فى مؤسسة ما عليه فى النهاية تنفيذ التعليمات الصادرة اليه من رؤسائه فى العمل من اجل الانضباط وترقية الانتاج والاداء..
    لكن تصييق الحريات على الاستخدام العام للعقل هو الذى يخنق العملية التنويرية ويتسبب فى تقويض المشروع التنويرى من اساسه، وهذا النوع من الاستخدام هو الذى تفرضه واجبات المواطنة على الفرد المتعلم ، فالمواطن الملتزم المطيع يدفع ضرائبه بانتظام ولكنه يحتفظ لنفسه بحرية نقد السياسة الضرائبية وطريقة ترتيب الحزب الحاكم للاولويات فى الميزانية العامة.. من هنا جاء واجب الدولة فى اصدار التشريعات من اجل حماية وتوسيع الحريات العامة وليس تضييقها كما يفعل المؤتمر الوطنى فى السودان! لاهمية الاستخدام العام للعقل فى النهوض بالمشروع التنويرى وتحقيق فعالية واستقلال المجتمع المدنى ، لان الاخير يذدهر ويجد الشرعية فى توجيه الرأى العام بشكل صحيح تجاه مختلف القضايا عن طريق ممارسة غالبية المواطنين هذا الحق .. حرية الاستخدام العام للعقل من اجل حوار طوعى فى مختلف المجالات يستطيع خلق الاجماع الحقيقى فى مسألة ترتيب الاولويات , وفى هذه الحالة وحين يتمكن وينجح الحزب السياسى من احداث الشفافية المطلوبة تحاه الراى العام الحر فانه يكون بلا شك قادر على البقاء والمنافسة عن طريق اعادة الانتخاب لعضويته فى البرلمانات التشريعية ..
    وهكذا نرى وضوح العلاقة بين التنوير كمشروع له شروط معينة اذا توفرت فان مالاتها ترتبط بمجتمع مدنى فعال ومستقل وهذا هو الوضع الطبيعى الان فى الدول التى ترسخت فيها التعددية ..
    اواصل فى مداخلة قادمة وعلى ضوء مفاهيم كانط حول التنوير واشكاليات المجتمع المدنى والاصلاح الدينى فى السودان

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 09-23-2010, 07:38 PM)

                  

09-22-2010, 10:21 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    الاخ الفاضل
    طه ابرهيم
    شكرا على التنبيه بضرورة نقل البوست للربع القادم
    بالمناسبة مداخلتى المقبلة حول قضايا التنوير فيما يتعلق بمسألة الاصلاح الدينى سوف اقوم بنقلها الى خيطك المهم
    الخاص بنعى الكاتب محمد اركون لان الموضوع ذو صلة وثيقة
    لك تحياتى
                  

09-23-2010, 03:59 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: مكونات الاستراتيجيه المقترحه
    علي ضوء هذا الفهم لدروس تاريخ السودان السياسي خلال المرحلة السابقه فأن اي استرتيجيه تسعي لتحقيق تقدم غير قابل للانتكاس لابد ان يكون مرتكزها الترافق بين إعادة استزراع مقومات الحداثه والاستناره وإعادة تأسيس المشروع الديموقراطي. ويعني ذلك افساح مكان لهدفين محوريين هما الاصلاح التعليمي والمجتمع المدني، ضمن منظومة الاهداف التي يطرحها العمل المعارض الان وعلي رأسها التحول الديموقراطي . الهدف الاول بديهي لان الميلاد الحقيقي لتيارات الاستناره في مختلف مناحي الحياة السودانيه ارتبط بتأسيس التعليم العصري ونشوء الشرائح الاجتماعية والسياسية الحديثه. لذلك فأن الشروع بأعادة تأسيس هذه التيارات، ومعها تصاعد الوعي الديموقراطي كما ونوعا، لايمكن تحقيقه الا عبر استراتيجية تعطي هذا الهدف الاولوية التي تتناسب واهميته. تشرح الورقة بعد ذلك تفصيلا حدود الاصلاح الممكن في ظل النظام الراهن متضمنة ملامح برنامج العمل وكيفية انجازه من خلال توظيف المجتمع المدني، كوسيله رئيسيه في الظروف الحاليه. كذلك تقدم الورقه شرحا مسهبا للكيفية التي يساعد بها تنشيط المجتمع المدني كهدف في حد ذاته في تنمية الوعي الديموقراطي بناء علي تعريف لهذا المصطلح بكونه مجموعة تشكيلات طوعيه لاحكوميه ولاربحيه مداره ذاتيا بين مجموعة من الناس لخدمة مسألة معينه تتعلق بشئون حياتهم في الحي اومكان العمل او خارجهما بصفتهم الفردية المواطنية المجردة عن اي صفة سياسيه او اثنيه- قوميه او جهويه.


    قبل المواصلة فى موضوع الاصلاحات وخاصة الدينى ، لابد من الاشارة الى اهمية الاستراتيجية القائمة على الاصلاح التعليمى وتنشيط المجتمع المدنى كهدف على المستويين القصير والطويل لكن لابد من الاشارة ايضا الى بعض الملاحظات :
    -فيما يتعلق بالتعليم العام لابد من الاهتمام بالكيف وتنقيح الخطاب الاخلاقى الدينى بمراجعة الاحاديث المقررة بحذر شديد لان الخطاب الاشعرى المتحكم حاليا فى المقررات ياتى استجابة لحاجات نفسية تتعلق بالتربية (الاوامر والنواهى ) وهذا شىء مهم لان التعليم العام مرحلة تربية اكثر من كونه تعليم فالاخير مكانه التعليم الجامعى ..
    - الاستفادة من تجارب الشعوب الاخرى مهم بقدر ما تسمح به الظروف الثقافية فى السودان ، تجربة كندا مثلا مهمة لان النظام الفيدرالى هنا يقوم على التوازن الدقيق بين حاجات المجتمعات المحلية والاهداف القومية .. لايوجد فى كندا مثلا وزير تعليم فيدرالى !! لان التعليم من شان المحافظة وخيار تطلع به المجتمعات المحلية ..جيوش العطالة الموجودة فى السودان الان (وزير اتحادى للتعليم واخر ولائى عطالة مقنعة وعبء ثقيل على دافع الضرائب ) اضافة الى كونه يحمل بذور تضارب خطير فى السياسات فى اخطر قضايا الامة وهى التعليم) .
    - المجتمع المدنى بحاجة الى مزيد من التعميق فى المفاهيم خاصة ما يتعلق بدوره فى عمليات اضفاء المشروعية legitimation وهو موضوع يحتاج الى توضيح مطول
    -استقلالية منظمات المجتمع المدنى لضمان خلق رأى عام قوى وفعال يتاسس على الحريات العامة فيما يخص ما اسماه كانط بحرية الاستخدام العام للعقل نتابع ذلك فى خطاب هابرماس حول عالمى الحياة lifeworld(الذى ينتمى اليه الفضاء العام ) وعالم النسق system (الذى تنتمى اليه الاحزاب السياسية) هنا تجدر الاشارة الى ضرورة عدم الخلط بينهما عن طريق مقولة دمقرطة الاحزاب السياسية ، فالمدمقرطة ضرورية لكن الفصل بين المجتمع المدنى والجزب السياسى امر فى غاية الاهمية ..
                  

09-23-2010, 03:32 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    يقسم كانط الفلسفة الى ثلاثة : المنطق، الاخلاق ، العلوم الطبيعية
    المنطق هو التجريد بمعنى اخذ ما هو جوهرى وتعميمه اى اهمال الاختلافات والتفاصيل ، وليس له علاقة بالتجارب المحسوسة
    اما الاخلاق ethics والعلوم الطبيعية فان لكل منها بعد محسوس (تجريبى )
    واخر غير محسوس كطبيعة المنطق (طريقة تفكير او مبادىء عامة تحكم التفكير) وسماهما ميتافيزيقيا الاخلاق وميتافيزيقيا العلوم الطبيعية على التوالى
    فى عهد الانقاذ ونتيجة للادعاءات الاخلاقية الكبيرة للاسلام السياسى فان الرأى العام يستند على جانب ميتافيزيقيا الاخلاق مع انفصال واحداث قطيعة تامة مع التجارب الحياتية اليومية، وهذا قاد عمليا الى اخلاق عرجاء تمشى على قدم واحدة!!اذ اصبح رجال الدين والاسلام السياسى مثل بابا الفاتيكان على ايام العصور الوسطى يفتون فى كل شىء !!
    اصبح المجال العام معتقلا فى المساجد وفى الخطاب الدينى وابتعد الناس عن وصية الرسول الكريم فى الاهتمام بشؤون الدنيا ,
    لذلك ومن اجل اعتقال الفضاء العام فقد قاموا منذ انقلابهم بعملية اغتيال منظمة لشرط الحرية فيما يتعلق بالاستخدام العام للعقل وهو المفهوم الكانطى الذى اوضحته فى عاليه للدرجة التى جعلوا عقوبة التعبير عن الراى فى القضايا العامة بيوت الاشباح والفصل من الوظيفة ان لم تكن التصفية الجسدية !!
    الضرورة الان تتجه كما فى ورقة الصاوى الى اعادة العافية للمجتمع المدنى فى السودان بتوفير الشروط القادرة على اذدهاره وعلى رأسها توسيع هامش الحريات العامة
    اعود كما اوضحت للتطرق لموضوع صعوبات التنوير فى مجال الدين
    حسب المفهوم الكانطى ، وكيف يمكن ازالتها ?

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 09-23-2010, 05:50 PM)

                  

09-23-2010, 08:04 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    http://www.sudaneseonline.com/index.php?option=com_content&vi...6-09-31-42&Itemid=55

    Quote: اراحتني حالة"محمود عبدالعزيز" كثيرا من البحث عن نموذج واقعي وملموس للانسان المهدور.وهذا عنوان دراسة تحليلية نفسية اجتماعية،نشرت في كتاب للدكتور مصطفي حجازي(بيروت2005).وهو مشهور بيننا بكتابه:-؟التخلف الاجتماعي – سيكولوجية الانسان المقهور.في هذا الكتاب الاخير،يربط بين القهر والهدر ولكن يري الهدر هو الذي يقضي علي كل انسانية الانسان ويضرب مشروع وجوده كي يصبح كيانا ذا قيمة،يكتب:-" الهدر علي هذا المستوي هو نقيض بناء التمكين والاقتدار وصناعة المصير.ومن ذلك يتضح كيف ان الهدر يستوعب القهر،بحيث أنه لا يصبح ممكنا(أي القهر)الا بعد هدر قيمة الانسان واستباحة حرمته وكيانه في عملية الاخضاع والاتباع.كذلك فان القهر حين يحدث في علاقة الاستبداد أو أي علاقة تسلط بالارغام،فانه يترسخ ويعيد انتاج الهدر ذاته".(ص16). ويحصر (حجازي) آليات الهدر في الاستبداد والطغيان والسيطرة والتحكم والاعتقال والتعذيب بالاضافة لدور العصبيات باشكالها المختلفة.ثم يستعرض الكاتب اشكال وانواع الهدر وهي:هدر الفكر،الشباب المهدور،الهدر الوجودي في الحياة اليومية.
    يمثل الفصل السادس المعنون:الشباب المهدور:هدر الوعي والطاقات والانتماء، تحليلا مطابقا تماما مع واقع حال الشباب السوداني وكما يجسده (محمود عبدالعزيز) خاصة في ملكوته الحالي،باعتبار الاستبداد اعلي مراحل الهدر.ويركز الكاتب علي الشباب باعتبارهم الأكثر تعرضا للهدر في المجالات الثلاثة. باعتبار "أن محاولات أنظمة الاستبداد والعصبيات والاصوليات الحجر علي العقول،يرمي في الاساس الي وعي الشباب تحديدا،وصولا الي الغائه".(ص201).وبعد الوعي يأتي هدر الطاقات خصوصا الكفاءات العلمية.فالشباب يعاني من العطالة،ويستخدم الشباب المغاربي مصطلحا أكثر تعبيرا وهو: التعطيل باعتبار انهم ليسوا عاطلين بارادتهم.والهدر الثالث هو حرمان الشباب من المشاركة الفعالة في تقرير مصيرهم ومصير اوطانهم.وهذا مما يعني غياب الانتماء وتهميش الشباب.وهنا يكتب(حجازي) بدقة:"يحرم الشباب من أن تكون له قضية عامة تملأ حياته،وتكون فرصته للتضحية والبذل والعطاء(.....)يسلب من الشباب حقه في امتلاك الدور في قضايا الوطن سواء من خلال"التطفيل"(البقاء في مواقع الطفولة غير المسؤولة)،أو من خلال الالهاء بمختلف ألوان التسلية والاثارة،كي تكال له من ثم التهم بالميوعة وعدم الجدية،وقلة تحمل المسؤولية".(ص202)وهذا مكمن أزمة الشباب.
    يستعرض(حجازي) أبرز حالات هدر الطاقات والكفاءات بين الشباب،وهي:-
    1- تركز أنظمة الاستبداد والعصبيات علي الولاء والتبعية وليس علي الاداء والانتاجية.ومايهم السلطات في أنظمة الهدر هو الحفاظ علي تأزيل تسلطها والحفاظ علي امتيازاتها.وبالتالي لا تضع استراتيجيات منتجة وبناءة تحتاج للكفاءات المنتجة.
    2- الاعلاء من العصبية ،وفي السودان عصبية التنظيم الحزبي وجاءت-مع ظهور النفط- العصبية القبلية.
    3- يتوفر التعليم"الجيد" للطبقات الاجتماعية الغنية والقادرة.بينما يتسرب ابناء الفقراء من المراحل الاولية.
    قصدت فقط لفت الانتباه لهذا الكتاب الهام والذي يكاد في هذا الجزء يكون قد بني علي تحليل ظاهرة (محمود عبدالعزيز). ولن تغيب عن ذاكرتي صورته في تلك الحلقة من (برنامج اغاني واغاني)وقد رمي برأسه بعيدا خلفه وكأنه ليس ملكه.وهو يحاول الغناء وكأن الكلمات تخرج من اصابع قدمه وتشخص وتبهت أعينه ويرمي بها في مجهول مثل جحيم دانتي.وكأنه قد فدي الشباب بأن يقدم نفسه قربانا لمجتمع يخلط بين الاستهلاك والشعوذة والتدين البدوي،ولدولة تنازلت عن كل خدماتها واكتفت بامساك الحراسات والنيابات وكرباج النظام العام.أنه ضحية الخواء الروحي رغم صوت الدين العالي الذي ينافسه في التلفزيون و"العداد".ان (محمود عبد العزيز)لا يحتاج لعلاج أو مصحة،ولكن من يحتاج للمصحة هو مجتمعنا ودولتنا ،وفي هذه الحالة يشفي هو وغيره كثر في الظل.


    مقال جيد لحيدر ابراهيم اتيت به فقط لاذكر القارىء بأن عملية اعتقال الاستخدام العام للعقل Public Use of man's reason تتم بطرق مختلفة ويتم اغتيالها يوميا فى سودان الانقاذ
    فقد تعددت الاسباب والموت واحد
                  

09-24-2010, 05:45 AM

tayseer alnworani
<atayseer alnworani
تاريخ التسجيل: 07-30-2007
مجموع المشاركات: 1500

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    استاذ الصاوى
    لن يحتاج منى لتزكية
    ادرك مجهوداته التى نحتاجها الان اكتر
                  

09-26-2010, 03:10 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: tayseer alnworani)

    الثقافة و المشروع الوطني ... بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن

    الأحد, 26 أيلول/سبتمبر 2010 06:03
    محاولة في جدل الفكر و الثقافة مع ما قدمته ورقة الأستاذ محمد بشير " عبد العزيز حسين الصاوي" في جر النخبة السودانية لحوار حول قضية التنوير باعتبار إنها تعد حجر الزاوية في تغيير المجتمعات و تنميتها و هي الصفحة التي كانت مفقودة في جدل السياسة السودانية و حاول السيد الصاوي إحيائها ووضعها علي قمة الأجندة الوطنية و كنت في مداخلة سابقة قد أشرت علي الصاوي عدم تحديد و تصنيف قضية التنوير بين الحكومة و المعارضة باعتبار أن قضية التنوير لكي ـاخذ أبعادها الاجتماعية يجب أن تطال الجميع و جر الجميع دون أية شروط لساحة الحوار الفكري و لاسيما أن الحوار سوف يقلل فرص استخدام أدوات العنف و يوسع رقعة الحرية ثم يعمق الثقافة الديمقراطية في المجتمع إضافة ألي أن القضية الأخرى أن هناك إسهامات فردية عديدة لمفكرين و مثقفين سودانيين في الداخل و الخارج و لكن تظل هي مجهودات فردية ربما لم تجد الحق المطلوب في النشر و التعليق و التحليل و دخولها في حركة الحوار و الجدل الجماعي سوف يلقي عليها الضوء من جديد و نؤكد من جديد أنها بمثابة رمي حجر لتحريك الساكن و مرة أخرى نقدم تقديرنا للرجل.

    يقول جمال الدين الافغانى ( ان قوة كل امة كامنة فى افرادها لا يظهرها الا الاتحاد و لا يخفيها الا التفرق ) تعتبر الفترة المتبقية لحكومة الوحدة الوطنية و حتى الاستفتاء فى الجنوب لكى يبقى فى ظل سودان موحد او الانفصال هى فترة كافية من اجل اثبات ما يسمى "بالوحدة الجازبة" و التى من المفترض ان يعمل الجميع من اجلها لتحقيق قضية الاستقرار السياسى و التنمية بابعادها جميعا رغم الازمات السياسية الطاحنة التى تمر بها البلاد وقضية دارفور التى اتخذت ابعادا دولية قطعا سيكون لها انعكاساتها الداخلية و سوف تؤثر على علاقات السودان الخارجية فى عالم ملىء بالمشكلات لا ترى القوى العظمى فيه الا مصالحها.

    ان الازمة السياسية التى بدات منذ اسقاط اول حكومة وطنية بعد اول انتخابات عام 1953 كانت تنذر بان قضية الحكم و الديمقراطية سوف تمر بمطبات كثيرة تحد من انطلاقة السودان ان كان ذلك على المستوى الداخلى او علاقات السوان الخارجية فى عالم اتسم بالتحالفات من اجل المصالح.

    كان السودان قد اعتمد منذ الاستقلال و حتى اليوم على دور النخبة السياسية فى هندسة عملية الاستقرار السياسى و الوفاق الوطنى مع اهمال كبير للادوار الاخرى و خاصة الثقافة رغم ان اغلبية النخبة السياسية فى وقت ما قبل الاستقلال و بعده بدات مشوارها الوطنى السياسى فى ارض ثقافية خصبة و نهلت من معينها و تزودت بزادها ولكنها ادارت لها وجهها بعد ان اكتشفت ان درب السياسة سوف يجعل لها اداة التمكين و السيطرة على الاخرين و يخرج الثقافة المختزنة فى الا شعور الى السطح بحكم المنهج الابوى فى التربية السودانية القائم على قمع الاخر و النافى لراى الاخر.

    ان الازمات التى شهدها السودان ناتجه لتعدد الايديولوجيات فى السودان فى ظل ثقافة ابوية متشدده لذلك استبدلت ادوات الحوار بآليات القمع التى قادت الى العنف اوصلت الصراع لاعمال عسكرية ضد الدولة و فى بعض الاوقات ضد المجتمع اضعفت الفرص التى كانت متاحة لعملية الحوار الاجتماعى و الثقافى و السياسى بين المجموعات المختلفة فترة ما بعد الاستقلال بسبب الطموحات الشخصية لبعض النخب و لدور الطائفية فى سعيها لقبض مفاصل السياسة حماية لمصالحها اضافة الى فشل الطليعة السياسية لتقدير الموقف حيث كان من المفترض ان تكون ساحة الصراع مع الطائفية فى المجتمع و فتح العديد من القنوات و الوسائل التى تنشر الوعى بين المواطنيين تبصيرا بحقوقهم و نشر الثقافة الديمقراطية السلاح القادر و الفاعل فى تقليص دور الطوائف والاثنيات بانواعها المختلفة فى العمل السياسى و من خلال الاساليب الديمقراطية و لكن الطليعة السياسية فضلت ان تلعب مع الطائفة فى ملعبها و بادواتها و اتخذت من دولاب الدولة و مؤسساته اداة لذلك مع اضعاف لمؤسساتها السياسية فى مواجهة قوى منظمة الامر الذى دفعها لكى تبحث عن مؤسسات اكثر تنظيما و قوة لذلك لجات الى القوات المسلحة و استدرجتها الى الساحة السياسية لكى تحسم بها صراعاتها مع الطائفية و تقيم بها دولتها الديكتاتورية و الأنظمة التوليتارية التي خلفتها بانقلابات عسكرية و بمغادرتها الساحة الديمقراطية بدخول المؤسسة العسكرية افسحت الساحة الحزبية الى الطائفية لكى تظهر انها هى المدافعة عن الديمقراطية ولكن باسلوبها وادواتها الامر الذى قاد الى فشل تلو الاخر للتناقضات التى حدثت فى المنهج و عملية التكتيك و الغريب فى الامر ان الطليعة السياسية بعد فشلها فى التحكم على القوات المسلحة لجات مرة اخرى الى اداة اكثر خطورة من سابقتها حيث استنفرت النعرات الاثنية و القبلية لكى تدخل بها مرة اخرى الى حلبة الصراع السياسى فى موجهة مع القوات المسلحة و الصراع الايديولجى بهدف تفكيك البنية السابقة للدولة و العلاقات السياسية لكى تعيد البناء القديم الذى تمردت عليه و فشلت فى ادارته و هى فى محاولاتها للسيطرة علي الدولة و مؤسساتها بينت التجربة أنها لا تستفيد من التجارب السابقة و لكنها ربما تكون منبهره بإطروحة المحافظين الجدد فى الولايات المتحدة الامريكية بما يسمى بالفوضة الخلاقة.

    يجب على النخبة السياسية ان تعطى مساحة فى عملية البناء الوطنى و الوفاق الوطنى لدور النخبة الثقافية بان تؤدى دورا اخر بعيدا عن حالة الاحتقان السياسى ويعمل بادوات جديده فى خلق ارضيات مشتركة تفتح نفاجات على الحوائط الصماء بين الكتل السياسية و الاجتماعية و الثقافية على المستوى القاعدى دون وصاية سياسية ولكن تنطلق من نصوص الاتفاقيات التى تراض عليها الجميع.

    هناك بعض السياسيين محدودى الافق الذين يعتقدون ان هذا ضربا من ضروب الخيال و ما السياسة الا فن و خيال موار – و هولاء فى مخيلتهم ان الثقافة هى اشياء ترفيهية ليست جادة و بالتالى دورها الترويح عن النفس و الهزل و الضحك ياتى اليها الناس بعد عناء العمل ليستريحوا و يريحوا النفس من ضيمها بتعدد حقول انتاجاتها المتنوعة و المختلفة. و المشروع الثقافى الوطنى فى حقيقة الامر ليس بديلا عن السياسة انما هو محاولة جادة من اجل تخفيف حدة الصراع و فتح منافذ اخرى للحوار ولكن من خلال ادوات جديدة تتيح مساحات اكبر لقطاعات جماهيرية اوسع لها الرغبة فى المشاركة لبناء الوطن ولكن بعيدا من الادوات السياسية التى ملتها وربما الادوات الجديدة يكون لها فاعليتها الاكثر تاثيرا و جاذبية للمجموعات الواقفة على السياج و هولاء اذا وجدوا مساحة فى الحوار الوطنى عبر ادوات خلاقة سوف يسهموا فى اعادة تشكيل الوجدان الوطنى و تحويل المضاميين و المصطلحات الى اشياء مقبولة و مهضومة كما ان الثقافة قادرة على صياغة العقل البشرى لكى يتلاءم مع الواقع الجديد دون ان تحدث شرخ فى معتقدات و تصورات المجتمع ولكنها حتما تخلق حالة من الوعى الجديد يحد من فرص العنف لان الادوات المستخدمة مرتبطه بالخلق و الابتكار و الجمال لها علاقة بالسياسة بطريق غير مباشر و بعيده عن عملية الوعظ والتلقين.

    ان عملية البناء و التنمية و الاستقرار السياسى و بناء الوجدان الوطنى ليس عملية نشاط قاصر على حزب سياسى بعينه او مجموعة اثنية و قبلية او فئة محددة من النخبة انما هى اجراءات و نشاطات متواصلة تشارك فيها العديد من المؤسسات الاجتماعية والتربوية والاسر و السياسية و كذلك الافراد من خلال ابداعاتهم المختلفة و المتنوعة لذلك هى متعددة الجوانب في مساهمتها و بتكاراتها و مادامت هى شاملة المحتوى فان الثقافة تعد من اعمدتها الاساسية و الوسيلة القادرة على اداء هذا الدور باقتدار كامل واذا رجعنا لتعريف الثقافة رغم التعريفات العديده و المختلفة و لكنها جميعا تتفق على ان الثقافة هى " هى ذالك الكل الذى يحتوى على المعارف و القيم و المعتقدات و الفن و الاخلاق و التقاليد و كل المعارف المكتسبة و التى تؤثر فى السلوك" و مادام الثقافة بهذا العموم التعريفى ذو الابعاد و المفاهيم فان اعطائها دورا واسعا متعدد الاتجاهات و الابعاد دعما لعملية الحوار و الوفاق الوطنى ليس بصورة نخبوية انما بصورة شعبية واسعة تؤثر فى تحريك الساكن لدعم عملية البناء الوطنى.

    السؤال: كيف تلعب الثقافة دورافى بناء الوحدة و تشكيل الوجدان الوطنى؟

    الثقافة و الديمقراطية

    عدم الاستقرار السياسى و النزاعات الداخلية و الحروب الاهلية هى التى عطلت عملية التنمية بجوانبها المختلفة " السياسية-الاقتصادية-الاجتماعية-الثقافية" و الخطر إن هذه النزاعات انها انعكست على الدور الاقليمى للسودان و اصبح ينظر الى السودان بانه مصدر قلق لذلك وجب ان تتغير الاستراتيجية التى تعطى دورا اكبر للثقافة بان تتبنى الركائز الاساسية للوحدة الوطنية والاستقرار السياسي و تمكن السودان من خلال المنابر و القنوات الثقافية بان يغير صورته الحالية وان يجعل من عملية الاستقرار و التنمية والحوار الوطنى واجبا وطنيا وان تمتد هذه النشاطات على ان تؤثر فى الحوار الاقليمى الشعبى بفاعلية وهى عملية المقصود منها التفاعل الخلاق مع شعوب الجوار عبر الوسائط الثقافية التى تحول عملية الصراع الى حوار تسهم فيه النخب المبدعة بصورة كبيرة. ويجب على الثقافة ان تلعب دورا فى تجلياتها الابداعية بهدف خلق ارضية للتجانس القومى الوطنى يحفر فى اعماق التاريخ لخلق ارضية مشتركة لكل الطوائف و الاثنيات السودانية تعبر عن وحدة التاريخ و المصير المشترك. وان عملية البحث و التنقيب فى التراث و الاثار و التاريخ يكون عبر الوسائط الابداعية و الفنية لانها الاقدر على تشكيل الوجدان الوطنى. وهذا يذكر بقول عالم الاثار الدكتور يوسف مختار الامين يقول فيه "حين نتوصل الى فهم مشترك و معقول للمعطيات و الظروف التاريخية التى تشكلت فيها و من خلالها ما اتفقنا على تسميته الثقافة السودانية نكون قد قطعنا شوطا فى اتجاه البناء الوطنى و التمسك الاجتماعى و مهما كان دور و مساهمة المجموعة الاثنية التاريخى كبيرا او صغيرا فى تاسيس الثقافة المشتركة فان الاعتراف به يشجع على المزيد من المشاركة و الالتزام بالانتماء الوطنى"

    السودان غنى بالتنوع الثقافى ولكن لم يستغل هذا التنوع بصورة جادة و عملية فى تحقيق عملية الاستقرارو الوحدة و الاهتمام بالثقافة و اعطاء دور واسع لها يجعلها تستغل هذا التنوع الثقافى فى بناء الوجدان الوطنى ويضع شروطا موضوعية لعملية الحوار الثقافى والسياسى رغم ان هناك العديد من المبدعين السودانيين فى ضروب مختلفة و متنوعة من الفنون قادرين اذا وجدوا الامكانيات الازمة ان يوظفوا قدراتهم و امكانياتهم فى تحويل الواقع السودانى الى حوارات مفتوحة من الابداع و ادوات جديده قادرة على الاستقطاب الجماهيرى الامر الذى يقلل بروز العنف و الصراعات الحادة و الصدام العازل الذى يؤدى الى الاقصاء ولكن ادوات الابداع تحول الصراع و العنف الى تنافس مشروع بين المجموعات الثقافية المختلفة تؤدى الى بروز مبدعين فى المجموعات الثقافية المختلفة بان يظهروا ابداعاتهم الحقيقية وليست الزائفة لان الجارى اليوم هو تزييف لعملية التنوع الثقافى حيث المقصود من عملية التنوع الثقافى و حوارها مع بعضها البعض ليس ان تحاول اجهزة الاعلام و النشاطات الثقافية ان تختار بعض الاشخاص او المواد ضمن البرمجة و التنفيذ و تقول هذا هو التنوع الثقافى و ان المجموعات المختلفة قد اعطيت حقها فى كعكة الوطن ولكن المقصود هو ان تقدم القوانيين والوائح الفرص المتساوية للمبدعين و التنافس عبر المؤهلات العلمية و الابداعية و بالتالى نضمن التنوع عبر الابداع.
    يقول الكاتب و الباحث كريم حلو " وحدها الثقافة الحية القادرة على الخلق و الابتكار و على التجديد المستمر وعبر الفكر النقدى تملك القدرة على الانخراط فى لعبة السباق و التنافس و تعيد للمثقف دوره و فاعليته فى انتاج الفكر و صناعة المعرفة" و التنافس الابداعى يمهد الطريق لبروز المدارس الفكرية المختلفة و الحوار بينها .

    ان النخبة الثقافية بمدارسها الفكرية المختلفة قادرة على تحويل الساحة السودانية الى نشاطات واسعة و صور جمالية من الابداع و الفنون وهى عندما تقوم بهذه النشاطات فى الحقول المختلفة و المتنوعة انما تتحاور مع بعضها البعض عبر تنافسها وهذا الحوار هو الذى يخلق ارضية الوعى الجديد و النقلة من الحوار السياسى الجاف الذى يؤدى الى التمييز و الفرز الحاد الى حوار عبر الوسائط الفنية برؤيات جمالية متعددة التى لا تؤدى الى الفرز الحاد انما تنطلق من ارضيات مشتركة رغم درجة التباين فيها الا انها تتداخل فى اشكالها الجمالية و بالتالى ان مفردات الاختلاف تزيد من الوحة الجمالية لاانها تضيف ابعاد اخرى للصورة.
    و الثقافة هى الاقدر على خلق ارضية راسخة للثقافة الديمقراطية لان الراى الاخر فى الحوار الثقافى الابداعى ليس رأيا مضادا أو نافيا للآخر إنما هو مكمل للاخر و يتقاطع معه فى بعض التقيم و الظلال ولكنه يعكس الجانب الاخر للوحة اذن العلاقة بين الثقافة و الديمقراطية علاقة جدل وطيدة و متداخلة فى كل مسامات النسيج الثقافى فالمبدع و الناقد هما العناصر الاساسيان للابداع و يكملان بعضهم البعض فى حوار متواصل يبرز الجوانب الجمالية للصورة عكس السياسة التى تضع حدودا فاصلة لبعضها البعض.

    الثقافة و الايديولوجيا

    ان الثقافة و الايديولوجيا تتقارب فى المفاهيم وتتداخل رغم استخدام الايديولوجيا للثقافة و اذا كانت الثقافة هى مجموعة القيم و المعتقدات و المفاهيم التى تؤثر فى سلوك الناس فان الايديولوجيا هى تصورا ذهنيا محصور ضمن التبعية الفكرية المقدسة لتنظيم سياسى ما يتعامل بشكل خاص مع التنظيم الاجتماعى لذلك كانت الثقافة هى اكثر الحقول التى تتصارع عليها الايديولوجيات المختلفة ولكنها في بعض المرات تاخذ منحنيات حادة جدا عندما تستخدم ادوات السياسة الدغمائية التى تقود الى العنف او الاقصاء فى احسن الاحوال ولكن ذات الصراع اذا كان بادوات الابداع و الفنون فانه ياخذ الحوار طريقا للفهم و يعطى النشاط صورا ذهنية اخرى تعمل على تنشيط العقل لتقيم الاعمال بمفردات العلم الجمالى و كما كان يقول الدكتور محمد شداد عندما كنا نتحاور معه فى القاهرة ان لكل شخص صورا جمالية خاصة به و تطفو الى السطح كلما كان الانسان منجذبا الى لوحات ابداعية و هذه الصور لاتتعارض مع هذه الوحات انما تضيف اليها او تنقدها الامر الذى يخلق صورا اخرى اذا استطاع الانسان ان يخرجها لتكون لدينا تراكمات من الابداع رغم التباين الفكرى و الايديولوجى للناس و هى حالة تبين عظمة الخالق. و يقول الدكتور محمود امين العالم فى كتابه " مضامين و قضايا اشكالية" ( الثقافة لا تقتصر كما يظن احيانا على التعبير و المنجزات و المفاهيم و القيم الابداعية و الفنية و الفكرية و العلمية فحسب وانما تشمل كل المضامين الفكرية و الوجدانية و التذوقية فى مختلف مجالات السلوك السياسى و الاقتصادى و الاجتماعى و هى بهذا المعنى جزء من البنية الايديولوجية الاجتماعية العامة التى هى اكثر شمولا و تجريدا و لهذا فالثقافة كينية ايديولوجية تتقلقل كقوة فاعلة فى مختلف انسجة المجتنع و هياكله السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الادارية و التنظيمية عامة على انها فى الوقت نفسه هى نتيجة لهذه الانسجة و الهياكل و افراز لها) و السودان بقدر ماهو غنى فى تنوعه الثقافى و متعدد فى تركيبته الاثنية ايضا هو غنى بتعدد الايديولوجيات فيه الامر الذى كان ان يفضى الى حوار ثقافى يقوى شروط التجذير الديمقراطى فى المجتمع الا ان الايديولوجيا قادت الى صراع عنيف وحاد دائما تدعوا الى الفرز والاقصاء يقوى من تمكين المؤسسات القمعية و محاولة استخدامها لكل من تصير فى قبضته السلطة الامر الذى ادى الى فشل كل المشروعات السياسية المقدمة من الايديولوجيات المختلفة و الان وجب البحث عن حلول تقود الى و فاق وطنى يؤدى الى استقرار سياسى و الثقافة تقدم ارض خصبه تجذب المجموعات و الايديولوجيات المختلفة للحوار فى ساحة الابداع و تحول الصراع الى تنافس بالوسائل المشروعة والتى تعكس الرؤى الجمالية لكل فئة والحوار بين الايديولوجيات المختلفة عبر الوسائط الجمالية و الابداع يتطلب ديمقراطية تعطى فرص اوسع للحوار بان ياخذ ابعاده الاجتماعية لان الحوار عبر التنافس مهما كان يحمل من قيم فانها تمنع العنف بان يتسرب الى مفاصل المجتمع.

    اذا تابعنا المسار التاريخى للايديولوجيا فى السودان ان كانت اسلامية او يسارية بمدارسها المختلفة ام ليبرالية فان مبدأ الوصاية فيها يجعلها مغلقة تماما و غير منفتحه لانها تعتقد ان الجماهير ليس لديها قدرة على التمييز بين الاشياء الامر الذى يجعلها تفرض مبدأ الوصايا عليها لذلك تجد جل خطابهم السياسى بان لهم الحق فى الوكالة التى تجعلهم يتحدثون نيابة عن الجماهير وان الاخرين لا يملكون هذا الحقو بالتالى يغيب عندهم تمييز الفارق بين الدولة و الشعب و جاءت هذه القناعة الخطأ من خلال الثقافة الابوية المتجذرة فى اعماق المجتمع و التى تقوم على الوصايا وهذه الثقافة هى التى تمكن القيم الديكتاتورية و التوليتارية فى المجتمع و خاصة عند النخب بمدارسها المختلفة.

    ان الارتباط بين الثقافة و الايديو لوجيا هو نتاج الى محاولة الايديولوجيا توظيف الثقافة لخدمة مصالحها حيث الثقافة قادرة على توظيف القيم و العادات و التقاليد و النظم فى تحديد مسار السلوك الفردى و الجماعى فى المجتمع و لها القدرة على انتاج ادوات النهضة و ابتكارالمشاريع الجديدة التى تحقق عملية النمو و التغيير فى المجتمع لما لها القدرة على بلورة الوعى لاجتماعى و انتاج الافكار كما لها القدرة على توقيف كل ذلك و اجهاض عملية التنمية و اعاقة الافكار الجديدة.

    النخبة و الثقافة

    النخبة المقصودة هنا ليس بمعناها المطلق انما الانتلجنسيا النخبة المثقفة التى تملك ادوات الانتاج الفكرى و الابداعى والفنون وهى التى تستخدم الوسائل المختلفة عن النخبة السياسية التى عجزت و سائلها الفردية و المؤسسية فى جلب الاستقرار السياسى و الاجتماعى للمجتمع السودانى انما كرست نفسها من خلال رؤيتها الايديولوجية ان تدخل السودان من ازمة تلو الاخرى دون ان يكون هناك ضوء فى اخر النفق انما الحذر الدائم بعد حل مشكلة من الدخول فى اخرى وتوتر كل المجتمع فى ذلك و هى فى حالة كبرياء زائف لا ينظر الى المشكلة لمعرفة اسبابها انما ياتى النظر اليها من خلال ثقافة المؤامرة التى تعقد المشكلة اكثر من التبصر فيها بروية. و حان الوقت لهذه النخبة السياسية ان تفسح بعض المجال و المساحة للنخب الابداعية عبر مشروع ثقافى وطنى يعمل على تغيير شروط الصراع السياسى فى جلب قطاعات و طاقات معطلة قادرة على تاسيس ارضية مشتركة للحوار الوطنى و يصيغ الوجدان الوطنى. يقول دكتور على حرب فى كتابه " الفكر و الحدث" ( ان المثقف يستمد فاعليته المجتمعية او السياسية فى فاعليته الفكرية او الثقافية اى من كونه منتجا للافكار و المعارف او مبدعا للنصوص و الكتابات) فالنخبة الثقافية قادرة على ابتكار الرموز و الصور الجمالية التى يلتقى عندها الكل و كما اشار من قبل المرحوم الموسيقار جمعة جابر فى كتابه " الموسيقى السودانية" حيث يقول ( ان الموسيقى فى السودان قادرة على تشكيل القاعدة للوجدان الوطنى و انها الاقدر على جذب الناس من كل مناطق السودان المختلفة فى تعبيرات وجدانية واحدة.

    اذا كانت الموسيقى لها الخاصية فى تشكيل الوجدان فان هناك مجالات ابداعية اخرى عبر عنها المبدعون السودانيون باشكال مختلفة رغم الشح فى الامكانيات حيث ادارت الدولة السودانية منذ تاسيسها ظهرها للحركة الابداعية ولكن رغم ذلك استطاعت ان تقدم منتوجات فنية وابداعية ولكن كان الغالب فيها الفردية مثل " القصة-المسرح- الشعر- الغناء- الفن التشكيلى...الخ" و ربما يختلف الناس فى تقيمهم و رؤيتهم للشيخ حسن الترابى-سلفاكير-قرنق-غبوش –دريج- الصادق المهدى- محمد عثمان الميرغنى- عمر البشير- محمد ابراهيم نقد و اخرين ولكن جميعا لن يختلفوا ان الطيب صالح مبدعا و سفير القصة السودانية للمجتمع العالمى و شرحبيل احمد الذى بهر وشكل عدد من الاجيال من خلال "عم تنقو" كما لا يختلفوا فى رؤيتهم الى الكاشف-وردى- عبدالقادرسالم-عمراحساس-محمديه وربما نختلف فى التقيم و الرؤية الى على عثمان محمد طه و على محمود حسنين –فاقان موم و عبد العزيز الحلو..الخ ولكن نتفق ان اريك و استيف و السمانى لوال و الحلنقى ومصطفى سند و عبد الحمن الريح و ابوصلاح و البنا و الفاضل سعيد و محمد نعيم سعد و على مهدى و احمد الطيب زين العابدين و عثمان وقيع الله و الصلحى وراشد دياب وجاد الله و ابراهيم شداد واخرينان هولاء قدموا الرموز و الصور الجمالية التى تصيغ الوجدان الوطنى.

    ان النخبة التى تعمل فى مجال الابداع يجب ان تفرد اليها مساحات واسعة لكى تعمل فى تناغم مع القطاعات الاخرى لاخراج الشعب السودانى من دائرة الحديث المتواصل فى السياسة و خاصة بين افراد الشعب حيث ان الاهتمام و الثرثرة السياسية تعطل الكثير من القدرات و مضيعة للوقت الذى يمكن ان يوظف فى اشياء مفيدة تنفع الشخص و ربما الوطن و تتعدد مجالات الابداع و النخبة السودانية المبدعة قادرة ان تعمل من خلال مشاريع وطنية هادفة فة التغيير و التنمية كما انها تملك المؤهلات التى تساعدها لانجاز مشاريع وطنية لصيغة بمواطن الجمال م وهنا تختلف الرؤية لدى كل انسان يعمل بمجال الابداع لان كل شخص لديه تعبيراته الجمالية التى تختلف عن الاخر و لكن هذا الاختلاف هو الذى يزين و يجمل الساحة الابداعية و حتى الادوات التى تستخدم فيها لها علاقة وطيدة بالمعارف و التجارب الانسانية الاخرى ذلك نجد ان النخبة تتكامل مع بعضها البعض بذوايها المختلفة ولكن فى هذا الحقل نجد اتفاق عام وقاطع بابعاد كل ادوات العنف و الحرب التى هى فى حالة خصام و تضاد مع رموز الجمال. والنخبة فى انتاجها و عطائها هى تحفر فى الضمير الوطنى وتجعل له خصوصيته وذاته و هو مايسمى بالوجدان الوطنى و هنا اشير الى قول الباحث المغربى فى الثقافة سعيد شبار حيث قال ( ان دور النخبة يتمثل فى الاهتمام بالجمهور و توعيته و نشر القيم الثقافية الايجابية فيه ليساهم بدوره فى عملية البناء الايجابى و التغيير و مواجهة ثقافة الاستهلاك و الانحلال لتحقيق ذاته واستقلاله) والنخبة الثقافية السودانية لما لها من ادوات متنوعة وافكار وربما تختلف فى ايديولوجياتها ولكنها ليست مجالات للصراع بقدر ما هو تنافس مشروع من خلال الابتكار و الخلق وتعبير عن مشاكل المجتمع و حاجياته و طموحاته ولكن كل ذلك تطرح من خلال منابر للحور الثقافى و الجمالى.

    الثقافة و الهوية

    تظهر اشكاليات الهوية عندما يعجز المجتمع فى عملية انصهار كل المجموعات الاثنية و الطائفية و القبلية فى هوية واحدة و بعض المفكرين يعتقدون ان المجتمعات التى تثير اشكاليات الهوية انها مجتمعات تمر بازمة طاحنة تجعلها تبرز قضية الهوية للسطح ولكن فى السودان اصبحت قضية الهوية مطروحة فى كل المنتديات تعبيرا عن الازمة السياسية ثم تحولت شعارا فى مواجهة الاخر دون ان تقدم جهة سياسية رؤية فكرية حولها انما الذى قدم كله شرحا لمشكلة الهوية. يقول دكتور عبدالسلام نورالدين فى احدى اطروحاته حول قضية الثقافة فى السودان ( اصبحت قضية الهوية ونموها مرتبطا بنمو الثقافات السودانية المتعددة و ارتباط كل ذلك بنمو المواطنة السودانية و بنمو كل ذلك بتوطين الديمقراطية القائمة على التعدد) و الهوية السودانية تنبع اصلا من تمازج التنوع الثقافى الذى ظل بعيدا عن متناول يد السياسيين السودانيين الذين عجزو نصف قرن من الخروج من الازمة السياسية مستخدميين كل الوسائل العسكرية و غيرها ولكن ظلت الازمة السياسيةتضرب جذورها فى اعماق المجتمع لذلك وجب استخدام وسائل وادوات لها المقدرة فى جذب كثير من الفئات و القطاعات الجماهيرية فى نشاطات تتعدد جوانبها الابداعية لخلق الوجدان المشترك الذى يشكل القاعدة الاساسية للهوية.

    واذا تتبعنا مسيرة بعض الفنانيين المبدعين نجد انهم استطاعوا من خلال ابداعاتهم الفنية ان يضيفوا للهوية السودانية فمثلا الفنانان عبدالقادر سالم و عبد الحمن عبدالله استطاعوا ان يفرضوا على اذن المستمع السودانى الاغنية الكردفانية و يعبروا عن المجتمع الكردفانى من خلال الموسيقى والكلمة وتعتبر احد الملامح الهامة فى تطور الاغنية السودانية التى تضيف للهوية السودانية من خلال" المردوم – الجرارى- الكمبلا و غيرهم" ثم جاءت اضافات عمر احساس الذى اظهر ملامح الفن فى غرب السودان هذه كانت مجهودات فردية ولكنها استطاعت ان تضع بصماتها على مسيرة الفن السودانى وتضيف لقضية الهوية.

    اذن قضية الهوية التى شغلت الساحة السياسية السودانية هى نتاج طبيعى للازمة السياسية ولكن عجزت الادوات السياسية لحلها عبر القرارات السياسية لانها هى تعبير عن الوجدان و المشاركة و التفاعل المشترك بين المجموعات المختلفة فالثقافة هى الاداة المهمة التى تملك القدرة على الاجابة على المشكلة وهذا ما اشار اليه قبل سنيين طويلة المفكر الفرنسى دوركهايم عندما قال ( ان الثقافة لها الدور السحرى الذى يستخدم الرموز فى الواقع الاجتماعى لتحديد حركة الصور التى تؤدى الى ازالة التواصل بين الواقع بكلياته و رؤية التامل اى تحديد انعكاس الواقع على الحياة الفكرية للناس) اذن الثقافة و رموزها و مفرداتها مجال للتامل و الرؤى و ساحة للابداع بانواعه المتعددة و المختلفة و جميعها تتكامل و تتناغم لكى تصهر التنوع الذى يشكل الهوية.

    الدولة والثقافة

    ان مؤسسات الدولة القائمة على الشئون الثقافية يقع عليها العبء فى ان تعمل بتناغم كامل من اجل تحويل الانتماءات العصبية " القبلية- الطائفية – العشائرية و الاثنية " الى انتماء من اجل الوطن. و الدولة عندما انشات وزارة للثقافة ذلك يعكس مدى فهمها و استوعابها لدور الثقافة فى عملية تشكيل المجتمع السودانى و السعى من اجل اتمام عملية الانصهار لان الدولة يقع عليها العبء الاكبر فى ذلك كما يؤكد الباحث فردريك معتوق ( فالحقيقة مهما كانت تجربة شعب متنوع الثقافة غنية و جادة لا تثمر فيه تجربة العيش المشترك ان لم تؤازرها مؤسسات الدولة الحديثة فالدول التى استطاعت ان تؤمن الاطار الحاضن الفعلى لتجربة شعوبها الاندماجية نجحت فى عملية بلورة ماهو ايجابى عند المجموعات الاثنية المختلفة التى تتالف منها وربطه بما هو ايجابى فى بناء الدولة الحديثة).
    ان الدولة التى تهتم بعملية الوحدة والعيش المشترك هى التى تخلق ارضية التجانس الثقافى والاجتماعى بفتح ابواب الحوار لدعم عملية التوافق بين التيارات الثقافية المختلفة التى فى حركتها تتحرك افقيا فى الاتجاهات المختلفة لكى تحرك الراكد والساكن فى محيطها و تتفاعل معه فى حركة دائرية وهو ما يسمى بالحوار الثقافى وهذه الحركة الفاعلة بعد ان تتم عملية تحريك المحيط تبدا فى حركة راسية تتقاطع مع الحركة الافقية الامر الذى يخلق التنافس بين المجموعات المختلفة و بالتالى لا تبقى مجموعة ثقافية معزولة انما تحاول من خلال المحيط الفاعل ان تدفع حركة الابداع وسط المجموعات الثقافية بان تلحق بعملية الحور و التنافس الذى ينتج الخلق والابداع و الابتكار و من هذا التفاعل تصبح ثقافة المجموعات الثقافية حق مشاع من اجل الابداع وهى عملية الانصهار التى تقيم الاعمدة الرئيسية للهوية الوطنية.

    أن وزارة الثقافة يجب ان لا تكون مثل الوزارات الاخرى باعتبار ان عملها استثنائى فى ظرف استثنائى لذلك يجب ان تتحول الى مجموعة من المؤسسات التى تهتم بضروب الثقافة المختلفة و المؤسسات يجب ان تكون شبه رسمية بمعنى لهل مساحات واسعة للحركة و استقلال فى القرار وان الوزارة هى التى تشريف على تكوين المؤسسات من خلال احتياجات و استقطاب الكوادر الفاعلة القادرة على العطاء على ان تعمل المؤسسات من خلال لجان ابداعية نصفها من العاملين فى الوزارة و النصف الاخر من خارج الوزارة هى التى تضع السياسة العامة للعمل الابداعى و الفنون وتعمل هذه المؤسسات لتاسيس البنيات الاساسية للثقافة فى اقاليم السودان المختلفة ( المسارح – المعارض –المكتبات العامة – النوادى الثقافية فى الاحياء- صالات العرض) تقدم الوزارة الدعم للنشاطات الابداعية المختلفة فى مناطق السودان المختلفة من خلال ميزانية سنوية لرعاية النشاطات الثقافية.

    ان المؤسسات الثقافية الرسمية سوف نجد ان الدعم المقدم من الدولة قليل جدا و ذلك راجع للفهم الخاطىء لدور الثقافة و لكن المؤسسات يجب عليها استقطاب الدعم الخارجى الاجنبى لكى تكمل البنية الاساسية للثقافة حيث هناك العديد من المؤسسات الدولية و بعض الدول تقدم دعما كبيرا لمساعدة دول العالم الثالث و المشاريع الثقافية كما ان هناك العديد من المبدعين السودانيين الذين يقيمون بالخارج والبعض الذى يعمل فى المؤسسات الدولية هولاء جميعا قادرين على استقطاب الدعم الاجنبى من اجل بناء حركة ثقافية فاعلة.

    ان الفهم العام عند السياسين السودانيين بان انشاء وزارة للثقافة انه سف يقع عليها هى ادارة النشاطات الثقافية المختلفة و هذا فهم خاطىء لان الوزارة يجب يقع عليها ادارة البنيات الاساسية للثقافة و التفاكر مع الاخرين فى كيفية تفعيل و تنشيط المجموعات الثقافية المختلفة حيث ان العمل يجب ان يقع على الحركة القاعدية لان عملية التحول المقصود فى تحول المفاهيم و المضامين يعتمد على الشغل فى الثقافة بغرض خلق الارضية المشتركة للوجدان اساس الوحدة الوطنية و هذا لا يتاتى الا بمشاركة عريضة للحركة الابداعية فى المجتمع و كل اقاليم السودان.

    يقول القاص عبدالرحمن منيف يقول فى كتابه " بين الثقافة و السياسة" ( الابداع منذ بدا ويفترض الى الان يقع بين الطفولة و النبوة لان دوافعه بالدرجة الاولى الصدق و الخيال و لذلك لا يحسب حسابا كبيرا للمواصفات و الرتب و الثروة و الثورة لانه مشاكس يقول الاشياء بطريقة الاطفال و باعتقاد الانبياء دون ان يهتم كثيرا بالنتائج يعيش على اطراف الحلم فى استشرافه المستقبل معتبرا ان الذى لا يتحقق ناتج عن ضعف الارادة اكثر مما هو بسبب الامكانية كما ان ما يحركه الجمال وروح العدالة).

    فالدولة تلعب دورا مهما فى تفعيل النشاط الثقافى من خلال توفير البنيات الاساسية للثقافة و اهم شىء فى التفعيل هو استقطاب قطاع جماهيرى واسع مع التركيز على النوادى الثقافية فى الاحياء لان الثقافة لكى تعطى نتائج ايجابية و تسهم فى عملية التنمية و انصهار الكيانات المختلفة فى بوتقه واحدة يجب عليها ان تركز نشاطاتها على قاعدة جماهيرية واسعة و خاصة المناطق التى فى الهامش و الهامش هنا ليس الهامش السياسى الذى ادخل فى عملية الصراع السياسى انما الهامش الثقافى الذى يفتقد الى الوسائل التى يستطيع ان يعبر بها عن ذاته لكى يكون جزءا غير مهمل فى الهوية السودانية.

    الثقافة و علاقات السودان الخارجية

    يعلم الجميع ان السودان غنى بتعدد ثقافاته الى جانب ان المجموعات الثقافية المختلفة التى تشكل المجتمع السودانى بعض من هذه المجموعات له امتدادات فى دول اخرى و كان من المفترض ان يستثمر هذا التنوع فى تقوية العلاقات السودانية مع دول الجوار لان الثقافة هى القوة الجاذبة الى القطاعات الجماهيرية و التفاعل الاجتماعى ولكن للاسف الشديد ان السودان اهمل دور الثقافة فى بناء العلاقات الخارجية و ذلك راجع للقصور المفاهيمى عن الثقافة ودورها عند النخبة السياسية التى قبضت على مفاصل الدولة منذ الاستقلال حتى اليوم و قد كانت اغلبية المشاكل و الصراعات السياسية التى شهدها السودان كانت لدول الجوار علاقة بها بطريق مباشر او غير مباشر.

    ان العديد من دول الجوارالافريقى تشارك السودانيين وجدانيا و خاصة فى الجانب الموسيقى والغناء و الرقص الشعبى وهو مدخل جيد فى بناء العلاقات بين الشعوب الذى يؤدى الى التحصين الامنى و كانت فى فترة من الفترات التاريخية حاول النظام العسكرى فى عهد الرئيس ابراهيم عبود ان يستخدم الثقافة فى العلاقات مع عدد من الدول و لكن بصورة غير استثمارية فى العلاقات الخارجية لان الصراع الداخلى صرف الفكرة عن اصحابها وساعد ذلك قصر النظر عن الدور الثقافى ومساهماتها فى ذلك و اذا نظرنا الى تجارب الشعوب الاخرى التى اهتمت بدور الثقافة فى العلاقات الخارجية "الهند" التى بها تنوعا ثقافيا ولكن ليس بحجم السودان ولكن استطاعت ان تدعم الدولة المجهودات الثقافية لكى تساعدها فى بناء علاقاتها الخارجية و قد نجحت الثقافة فى ذلك و اصبحت الهند تعرف من خلال اغانيها و السينما و رموزها وصورها الثقافية اكثر من معرفة من حكامها.

    ان التطور الذى حدث اخيرا فى وسائل الاتصال و فى الاقمار الاصطناعية و المحطات الفضائية يساعد السودان كثيرا فى بناء محطات فضائية استثمارية فى الجانب الاقتصادى وبناء العلاقات الخارجية و ان تكون القنوات موجهة و تعكس التنوع الثقافى السودانى الذى يتداخل مع عدد من الدول مع عكس النشاطات الثقافية لهذه الدول وانتاج برامج موجهة مع الاستفادة من المبدعين فى الدول الاخرى وهو نشاط كبير يحتاج فى الاول لدعم الدولة ولكن بعد ذلك يكون جزءا اساسيا من الدخل القومى كما هى السينما الان فى الدخل القومى الامريكى والهندى و التايوانى.

    ان كل امة من الامم دائما تبحث ما هى الامكانيات و الموارد التى تملكها لكى توظفها فى دعم الاقتصاد الوطنى و السودان غنى بتنوعه الثقافى و موقعه الفريد بين الدول الافريقية و الامة العربية هذه الخاصية بدلا من استخدامها فى التناطح السياسى يجب توظيفها ثقافيا فى عمليةالوجدان و الاستقرار الوطنى و بناء العلاقات الخارجية.

    والان هناك العديد من الجاليات السودانية فى دول العالم المختلفة فيهم العديد من المبدعين القادرين على المساهمات الوطنية بعيدا عن الاستقطاب السياسى ولكن عبر النشاطات الثقافية و الابداعية المختلفة و المتنوعة التى تشكل الارضية المشتركة لعملية الحوار الوطنى الذى يفضى لتاسيس الوجدان الوطنى و يؤسس للهوية السودانية بالوانها الزاهية المتنوعة ويمكن ان يتم ذلك من خلال مشروع ثقافى للبناء الوطنى.

    zainsalih abdelrahman [[email protected]]
                  

09-26-2010, 03:52 PM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    الاعزاء طلعت الطيب و ضيوفه الكرام

    تحياتي و تقديري، متابعين هذا البوست الجميل، و لنا عودة اليه في القريب العاجل. شكرا لكم.
                  

09-27-2010, 01:17 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: سعد مدني)

    الاعزاء تيسير النورانى وسعد مدنى
    الشكر والتقدير على المرور الكريم
    اتمنى ان تبقيا معنا
                  

09-28-2010, 00:01 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    مداخله علي المداخلات - بقلم ع العزيز الصاوى

    شكر خاص لاحمد ضحيه وطلعت الطيب علي فتح البوست الخاص بورقة الاستراتيجيه وإدامته. مادة البوست صعبة الهضم بطبيعتها لاسيما من الحاسوب ومع الزياده المضطرده في الكميه تزداد الصعوبه. هل من حل؟ تحياتي أيضا لاهل المرور السريع او المختصر(ضياء ميرغني، أسامه فضل الله، فضل الله خاطر،عبد اللطيف حسن علي، عبد الله عيدروس، طه ابراهيم عبد الله، تيسير النوراني، سعد مدني).

    سأحاول هنا جهد طاقتي التعليق علي مجموعة المداخلات التي تفضل بها مرتادو هذا البوست أو جري تحويل مداخلاتهم اليه. غير الاعضاء في سودانيز اون لاين ممن يرغبون في التداخل يمكنهم ارسال مداخلاتهم الي عنوان البريد الالكتروني لصاحب الورقه الموجود في اول البوست وسيحيلها بدوره الي احمد وطلعت. كما ان صحف الاحداث والاخبار والصحافه نشرت موادا متعلقة بالورقه ويمكن الكتابة اليها مباشرة.

    اعتبر التواصل مع مجموعة المداخلات حول ورقة الاستراتيجيه سواء في هذا المنبر او غيره ، بما في ذلك الشفهي منها فرديا وشبه جماعي، فرصة للتعلم وتلقيح الذهن بخبرات الاخرين كما تأكيدا لحقيقة أن اقصي ماتطمح اليه الورقه وصاحبها هو إثارة نقاش حول الازمه السودانيه من زاوية مختلفه. أما استقصاء مختلف أبعاد هذا التناولالمقترحنقديا لتحديد ماإذا كانت الزاويه تشكل منفذا ما أم طريقا مسدودا اخر فهو حاصل مجهودات الاخرين من من رأوا فيها مايستحق الاهتمام. بالمقارنه لغني وعمق بعض المداخلات بما يتجاوز قدرات الكاتب الفكريه وخزينه الثقافي علي مجاراتها فأن هذه المتابعة التفاعلية مع المداخلات تبقي في حدود اوليه وينطبق هذا خصوصا علي الاحاطه الكافيه بمضامين تيارات التنوير الغربي الكلاسيكي والنقدي الحديث. كاتب الورقه يعتبر نفسه مشروع مثقف بما تقتضيه قناعته بأن اكتمال هذه الصفه متوقف لديه ولدي جميع الناشطين ( الفكريين والثقافيين ) علي توفر شرط هذه الاحاطة الكافيه او علي الاقل الاهتمام بذلك. حتي الان ظل هذا الاهتمام مقصورا علي اساتذة الفلسفه وفي الحد الاقصي علي اهتمام معزول عن علاقة تجربة التنوير الغربي بالاوضاع السودانيه، حسب ادعاءات الورقه.

    ++ احمد ضحيه : أتطلع الي استئناف الحوار معه بناء علي الجزء القادم من مداخلته بعد ملاحظاتي علي الجزء الاول منها.

    ++ طلعت الطيب

    هناك اجماع علي الاهمية الخاصة لموقع إمانويل كانت/ط ( 1724-1804 ) في مشهد التنوير الفكري والفلسفي الغربي، النقطة المحوريه في مداخلة طارق الطيب. معظم المراجع التي أطلعت عليها تعتبره، مع ديكارت قبله، اللحظة الفاصلة في هذا المشهد( انظر مثلا مقال د. غانم هَنا في المجلد رقم 29 من مجلة عالم الفكر الكويتيه وهي، بالمناسبه، مصدر ممتاز للتعريف بفكر التنوير بالنسبة للقارئ غير المتخصص). هذا في حد ذاته سبب كاف لمتابعة عرض طلعت الطيب لافكارهذا الفيلسوف الالماني القيادي بأعتبارها مكونا اساسيا في عملية التثقيف التنويري، الضرورية أيضا لسبب اخر وهو ان توضيح درجة ومسوغات الاختلاف مع ( التنوير ) السوداني المحليمستحيل دون الالمام بتجربة التنوير الاوروبيه في مراحلها

    وشخصياتها المختلفه. ترتقي مداخلة طلعت الطيب درجة اعلي في سلم الاهميه إذ يعد بمتابعة انتاج كانط وغيره من مفكري عصر التنوير الاووربي متلازمة مع " ضرب امثله من الواقع السياسي والاجتماعي لسودان مابعد الاستقلال ". هذه زاوية اضافيه لتلك التي تتبناها ورقة الاستراتيجيه للعلاقه بين هذا الانتاج والهموم المحليه وكلاهما يطرحان قضية قد تشكل المدخل الاكثر جاذبية للمثقف السوداني الي الاهتمام بهذا العصر وهي مدي راهنية مرحلة مابعد الحداثه ( اساسا مدرسة فرانكفورت ) القائمة علي نقده جذريا بالنسبة لمجتمعات تعيش مرحلة اقرب الي القرن الثامن عشر الذي انتج فكر وفلسفات التنوير نفسها. حول هذه النقطه يخوض هاشم صالح ( المفكر السوري مترجم اعمال محمد اركون ) نقاشا ممتعا ومثيرا للفكر والتأمل في كتابه ( الانسداد التاريخي : لماذا فشل مشروع التنوير العربي ؟ دارالساقي، 2007 ).

    ++ التجاني الحاج عبد الرحمن : سبق له ان حاور صاحب الورقه حول موضوع " ( استنارة ) الاسلاميين " الذي كنت قد اثرته في بعض مقالاتي بجريدتي الصحافه والاحداث. أشكره علي هذا الاهتمام الذي يرفع بالتأكيد من شأن المادة التي يعلق عليها. طلبت من جريدة الاحداث نشر مقاله المسهب وسأعقب عليه في الصحيفه نفسها. هنا النقاط الاساسيه.

    مقتطف من مقال التجاني الحاج : " خلافاً لما يرى الصاوى فأن الأزمة ليست أزمة "نظم ديمقراطية" وإنما هي أزمة "مشروع وطني"، مفهوم "المشروع الوطني" أكثر شمولاً وإتساعاً لانه يتضمن داخله عناصر كثيرة ـ بما فيها النظام الديمقراطي نفسه ـ ويمثل درجة قصوى من الإتفاق ما بين الكيانات الإجتماعية/السياسية في الدولة على قواعد لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها، وأهمها: (1) هوية الدولة، (2) نظام الحكم، (3) نمط التطور الإقتصادي وعدالة إقتسام الموارد، (4) العلاقات الإجتماعية و (5) القاعدة الدستورية."

    في الواقع ورقة الاستراتيجيه تستخدم مصطلح " مشروع ديموقراطي " وليس نظام بأعتبار ان الاخير هو نتاج الاول الذي تربطه الورقه مع الاستناره، وعلي هذا الاساس تعتبر الثقافه واسلوب الحياه عموما جزء عضويا من مفهوم الديموقراطيه. لاأعتراضات لي علي عناصر المشروع الوطني الخمسه ولكن الورقه ترهن إمكانية انجازه بأحياء القوي الحديثه الديموقراطيه، وتفسر تعذر ذلك حتي الان، رغم الجهود والتضحيات الكبيره، بأنعدام جهد مواز لتفكيك ازمة الاستناره السودانيه. هناك إذن قول بأوللة ( من اولويه ) الديموقراطيه ضمن الجهد الرامي لتحقيق المشروع الوطني.

    من ناحية اخري لدي مشكله مع ماأعتبره اللاتاريخيه الثاويه في تفسير التجاني لظاهرة ( عربنة وأسلمة هوية وسلطة الدوله ). هذه الظاهره حقيقه ولكن مقال التجاني لايفيدنا في مضمار تفسيرها سوي كونها اصرار نخب الحكم وهو امر مفهوم بالنظر لانتشار هذه المسلمه وسط قطاع عريض من المثقفين السودانيين، ولكنني ازعم بأنطوائها عليخطأ بين يتجاهل حقيقتين. الاولي هي ان العربنه والاسلمه كانت خيارا مفروضا علي طلائع حركة الثقافه والوعي الوطني منذ العشرينات بحكم ميلادهم في بيئتها، مدعوما بكونها الجسر

    الوحيد تقريبا المفتوح امامهم وقتها الي العالم الاكثر تطورا، العربي والمصري خاصة. درجة الوعي في أي مجتمع إبنة التاريخ الزمكاني وسقفه المتدني حينئذ لم يكن يسمح بأدراك حقائق التنوع . والحقيقة الثانية هي ان هذا الجسر نفسه كان مصدر أرهاصات أفكار العلمانيه والعدل الاجتماعي في اوساط هذه الحركه ودلالة ذلك انها شكلت البيئة الحاضنه لمطالع الحركةالنقابية العماليهوالطلابيه وللحركة الشيوعيه والاشتراكيه ( مجموعة ابو روف والحزب الوطني الاتحادي لاحقا ) وكانت، لذلك، محملة بأمكانية تطوير فهم منفتح للعروبه والاسلام. عدم تحقق هذه الامكانيه بل وتحولها للنقيض علي يد الحركة الاسلامية وعروبتها واسلامها، وهذا ماتركز عليه مقالة التجاني، هو حاصل التدهور النوعي للنخب السودانيه الذي تشرح ورقة الاستراتيجيه أسبابه مشتقة منها المعالجات الممكنه بما يمكن من انتاج وعي بناء وطنيا وانسانيا للروابط القومية العربيه والدينيه الاسلاميه السودانيه.

    كذلك فيما يتعلق بمقولة التجاني حول استدامة سيطرة مجموعه محكومه ب " عقل سياسي تمثل ايديلوجيا العروبه والاسلام البنية اللاشعوريه لتوجهاته" علي السلطة المركزيه، لاتقدم مقالة التجاني تفسيرا فتبدو هذه السيطره معلقة في اللازمان واللامكان وليست ظاهرة قابلة للتفسير العلمي وبالتالي للتغيير.

    فيما يتصل بالبند الرابع من المشروع الوطني ( العلاقات الاجتماعيه ) واعتمادا علي دراسةللروائي المعروف ابكر ادم اسماعيل تطرح مقالة التجاني تصورا لعملية الاستعراب في السودان يلخصه استخدام مصطلح " الاستعمار الاستيطاني " لوصف الكيفية التي تحقق بها الاستعراب في السودان ثم يمضي لتقييم تأثيره علي مرحليتن، معقوله في الاولي ونقيض ذلك في الثانيه لكون الثقافة العربية اضحت ثقافة مأزومه بعد اضمحلال حيوية الحضارة الاسلاميه. شخصيا اعتبر رواية د.ابكر " الطريق الي المدن المستحيله" من شوامخ الانتاج الادبي السوداني قرأتها اكثر من ثلاث مرات، أما رؤيته هذه فلي عليها الملاحظات التاليه : تاريخ التثاقف والتمازج البشري يذخر بنماذج ( الاستعمار الاستيطاني ) وأشهرها التغول الروماني علي الحضارة اليونانيه الذي تبني فيه المنتصر ثقافة المهزوم، فهو احد مظاهر طفولة البشريه قبل ان تنضج فيها انسانيتها. وفي السودان هناك نماذج أخري يمكن اطلاق تلك الصفه عليها ( كتاب حوارات الهويه والوحده الوطنيه، مركز الدراسات السودانيه : استتباع الفرتيت فوراويا من خلال غارات الاسترقاق واعادة التوطين الاجباريه عند تكوين سلطنة الكيرا " أوفاهي "، وعملية تحويل مجموعات كبيره من الدينكا الي نوير نتيجة للهجره والاسترقاق " ريموند كيلي ") إذن فالمسألة لايمكن تصويرها كأستعمار من اي نوع. ثانيا : مع التسليم بحقيقة مأزومية الثقافه العربيه ورافعتها الاسلاميه فأن مقولة د. ابكر تفترض انها حالة غير قابلة للتغيير. هنا ايضا افتراض لاتاريخي. الثقافات تنهض وتتراجع بنهوض وتراجع أهلها.

    ++ د. حيدر ابراهيم : عبر مقال مباشر حول الورقه ثم مقالين اخرين حول المجتمع المدني وتكوين السودان التاريخي علي صلة بالورقه طرح الاخ حيدر مجموعة اسئله يمكن تلخيص جوهرها واهمها في : من اين نأتي/ تأتي بالقوي الحديثه ؟ ماهي مسوغات القول بتنوير سوداني ماضيا او مستقبلا ؟ سأكتب تعقيبا مطولا للصحافه وهنا إشارة لوجهة الاجابات. حول السؤال الاول : من نفس المصدر الذي اتت منه تاريخيا وهو الصدمه/ الصدام مع الاخر الغربي، الاستعماري من جهه والديموقراطي التنويري من جهة اخري. لاسباب معينه حرمنا انفسنا او حرمتنا الظروف من معاناة سؤال التمييز بين هذين الوجهين للظاهرة الغربيه. هل التمييز ممكن اصلا؟ ولو كانت الاجابه نعم لماذ فشلنا في انجازها واخترنا الاجابه الاشتراكية والماركسية خاصة علي سؤال التقدم ؟ حول السؤال الثاني: أفكر في الشيخ بابكر بدري وبعده معاويه محمد نور. من اين جاء تجاوزهما لزمانهما السوداني بالفراسخ والاميال بما يجعلهما اعلام تنوير؟ هل يعقل ان يكونا نبتا شيطانيا؟ ارجح الاجابة بلا ولكن لاأعرف لها حيثيات علي وجه الدقه.

    ++ زين العابدين صالح عبد الرحمن : تفضل الاستاذ زين العابدين بأكثر من تعليق علي الورقه في شكل مقالات منشوره بجريدة الاحداث التي يكتب فيها بأنتظام. ناقشت هذه المقالات مفهوم التنوير وتطور تكوين النخبه السودانيه ودورها السياسي ثم قضية الثقافه. هذا التشعب الي مجالات لصيقه بموضوع الورقه سواء في جزئها التمهيدي النظري حول جذور الازمه اوالتطبيقي حول انعكاسها علي الواقع السياسي، يعتبر اضاءة هامة وتطويرا للنقاش لاسيما وانه اعتمد علي عدد من المصادر ذات الوزن.

    ++ خالد خليل محمد بحر : المداخله غنيه علي قصرها وتفتح الباب علي مجموعة من اهم قضايا الاستناره فهي تموضع الاصلاح الديني في قلب حركة التنوير وتقترح اسبابا لضعف الاهتمام به في السياق السوداني وتدعو للتركيز علي تشريح التصوف. اركز في هذا التعليق علي محتوي المقتطف ادناه من المداخله : " ولكن المؤسف جدا أن الناشطين هنا فى مجال تسكين التنوير وطرحأسئلته يحاولون التأسيس لعصر تنوير سودانى بدون طرح سؤال الاصلاح الدينى ودفعإستحقاقاته و لذا كل التجارب فى السودان التى حاولت تقديم مقاربة لسؤالالتنوير, لم تعطى الاصلاح الدينى مساحة كبيره من إنشغالاتها وإشتغالاتها الفكرية, وهذا قد يعزى للجبن المعرفى أو الكسل الفكرى للمثقف السودانى, الذى لا يفضلالإنكبابات المعرفية الطويلة. "

    هنا محاولة لطرح إجابة مختلفه لسؤال بطء مواجهة معضلة الاصلاح الديني : بالمقارنه لمركزية موقع الاصلاح الديني في التجربة الاوروبيه اختلاف مركزيته سودانيا يتمثل في كونها امر مستجد مرتبط بصعود موجة التدين الخام بفعل عوامل متعدده منذ اواخر السبعينيات. قبل ذلك قضيه الاصلاح الديني لم تكن مطروحة بحده لانها لم تكن تشكل عقبة في وجه حركة التغيير السياسي- الاجتماعي- الفكري كما هو الحال اوروبيا حيث كان التحالف الوثيق بين الكنيسه والاقطاع كسلطه طبقيه- سياسيه، وواحدية المرجعيه الدينيه المسيحيه كاثوليكيا. هذان العنصران كانا مفقودين عندنا، فالاسلام غير واحدي المرجعيه في اصله كما ان علاقته بالسلطه مرت بمراحل لم يكن فيها حليفا لها بنفس مستوي اوروبا. ولكن السبب الاضافي، والاهم في تقديري، هو التطابق بين المثقف/المتعلم والسياسي في مطالع حركة التغيير منذ الاربعينيات بسبب قلة عددهم ماأضعف امكانية ميلاد المثقف/ المتعلم المفكر. هذا يحتاج الي مناخ تضعف فيه تقاليد هذا التطابق، العائد ايضا الي تقاليد الانضباط الفكري والتنظيمي التي شكلت الملمح الرئيسي للعمود الفقري لحركة التغيير

    بتلويناتها الاشتراكية المختلفه وهو الحزب الشيوعي. علي انجازاتها العظيمه سودانيا إمكانية تفتيح الماركسيه كانت معدومه لان المناهج الحديثة في تحليل النصوص لم تكن شائعة وقتها وتاليا غير جاذبه لاسيما بالنسبة لنمط المثقف- السياسي – الحركي الذي ضاعف من عدم إحساسه بالحاجة الي التفتيح التصاعد المضطرد لنفوذ حركة التغيير مكتسحة فضاء النخبة السودانيه ( دوائر الخريجين في انتخابات 68 كنموذج) الي مابعد ثورة اكتوبر 64 بفتره. علي هذا فأن طرح سؤال الاصلاح الديني وقتها لم يكن ضروريا ولاممكنا. وهذا هو المصدر الرئيسي للبطء.

    كتاب " ديموقراطيه بلا استناره " لكاتب ورقة الاستراتيجيه يفصل عوامل ازدهار تيار الاسلام السياسي بعد تلك المرحله. عربيا واسلاميا فقد الاسلام واحديته بمعني هيمنة التفسير التقليدي- الصوفي - السلفي للدين نخبويا وشعبيا واصبح التيار سلطة معنوية وماديه موازيه لسلطة الدوله حليفا ونقيضا والنموذج السوداني واضح : الجبهه القوميه الاسلاميه شكلت هذا النوع من السلطه قبل ان تنجح في الغاء الازدواجيه بأضافة سلطة الدوله الي ترسانة هيمنتها. بعبارة اخري الاسلام تمسحن ( المسيحيه )، او تكثلك ( الكاثوليكيه ) تحديدا بالاحري، متزامنا مع انحدار العالم العربي والاسلامي الي القرون الوسطي ونموذج المثقف- السياسي لم يعد هو السائد وانتشرت افكار المراجعة التفتيحيه للنصوص المقدسه والتراث الفقهي فأصبح لدينا نصر ابو زيد واركون الخ.. الخ... بذلك تهيأت الظروف والحوافز لولادة المثقف التنويري/ الاستناري السوداني او الاستناديموقراطي علي قول الورقه.
                  

09-28-2010, 00:49 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: ++ خالد خليل محمد بحر : المداخله غنيه علي قصرها وتفتح الباب علي مجموعة من اهم قضايا الاستناره فهي تموضع الاصلاح الديني في قلب حركة التنوير وتقترح اسبابا لضعف الاهتمام به في السياق السوداني وتدعو للتركيز علي تشريح التصوف. اركز في هذا التعليق علي محتوي المقتطف ادناه من المداخله : " ولكن المؤسف جدا أن الناشطين هنا فى مجال تسكين التنوير وطرحأسئلته يحاولون التأسيس لعصر تنوير سودانى بدون طرح سؤال الاصلاح الدينى ودفعإستحقاقاته و لذا كل التجارب فى السودان التى حاولت تقديم مقاربة لسؤالالتنوير, لم تعطى الاصلاح الدينى مساحة كبيره من إنشغالاتها وإشتغالاتها الفكرية, وهذا قد يعزى للجبن المعرفى أو الكسل الفكرى للمثقف السودانى, الذى لا يفضلالإنكبابات المعرفية الطويلة. "


    شكرا يا استاذ محمد بشير على هذه المداخلة واتفق معك تماما فى اهمية مداخلة الاخ خالد بحر بخصوص مسألة الاصلاح الدينى ولذلك كنت وما زلت بصدد الكتابة عن وجهة نظر كانط حول الاصلاح الدينى فى اطار رويته التى اوضحتها بعاليه المتعلقة بالاستخدام العام للعقل واهمية توفر شرط الحرية لانها مسألة معقذة كما ساوضح لاحقا
                  

09-28-2010, 09:25 AM

salah awad allah
<asalah awad allah
تاريخ التسجيل: 07-15-2007
مجموع المشاركات: 2298

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    شكرا طلعت
    شكرا الصاوى فقد فتحت كوة فى الحريق هنا وهناك ..

    مساحة شفيفة للحوار الجاد وفى كيف ترى انتلجينسيا اليسارالسودانى الراهن
    بتعقيداته المختلفة فى الزمان والمكان ...لى عودة متأنية
    حيث ارجأت القراءة منذ افتراع هذا الخيط لظروف خاصة
    كبير املى فى نقل العنوان الى الربع الرابع للمنبر
    كامل ودى للجميع
                  

09-28-2010, 03:42 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: salah awad allah)

    مرحب بيك يا صلاح عوض الله فى متن هذا الحوار وقد طلبت فعلا من الاخ بكرى نقله الى الربع التالى فى البوست المخصص لذلك
    نظرا لاهمية وتشعب الحوار فى هذا الامر الجلل
    مرة اخرى لك تحياتى وفى انتظار اضافات منك
                  

09-28-2010, 04:21 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: ++ د. حيدر ابراهيم : عبر مقال مباشر حول الورقه ثم مقالين اخرين حول المجتمع المدني وتكوين السودان التاريخي علي صلة بالورقه طرح الاخ حيدر مجموعة اسئله يمكن تلخيص جوهرها واهمها في : من اين نأتي/ تأتي بالقوي الحديثه ؟ ماهي مسوغات القول بتنوير سوداني ماضيا او مستقبلا ؟ سأكتب تعقيبا مطولا للصحافه وهنا إشارة لوجهة الاجابات. حول السؤال الاول : من نفس المصدر الذي اتت منه تاريخيا وهو الصدمه/ الصدام مع الاخر الغربي، الاستعماري من جهه والديموقراطي التنويري من جهة اخري. لاسباب معينه حرمنا انفسنا او حرمتنا الظروف من معاناة سؤال التمييز بين هذين الوجهين للظاهرة الغربيه. هل التمييز ممكن اصلا؟ ولو كانت الاجابه نعم لماذ فشلنا في انجازها واخترنا الاجابه الاشتراكية والماركسية خاصة علي سؤال التقدم ؟ حول السؤال الثاني: أفكر في الشيخ بابكر بدري وبعده معاويه محمد نور. من اين جاء تجاوزهما لزمانهما السوداني بالفراسخ والاميال بما يجعلهما اعلام تنوير؟ هل يعقل ان يكونا نبتا شيطانيا؟ ارجح الاجابة بلا ولكن لاأعرف لها حيثيات علي وجه الدقه


    تساؤلات محمد بشير فى معرض تعليقه على مقالات حيدر ابراهيم هنا مشروعة جدا ، فى تقديرى حزء من الاجابة ربما يكمن فيما قلناه حول اهمية تنقية طفل الانوار من الشوائب لان المشاريع التى انبثقت عنه منيت بالفشل التام وبتكريسها للوصاية على المجتمعات التى حكمتها وانتهت الى عكس الاهداف التى دعت اليها وسعت الى تحقيقها، وقد حاولت فى هذا البورد وعلى مدار الخمس سنوات الماضية ادارة حوارات مع اعضاء الحزب الشيوعى وغيرهم بشفافية عالية ولكن العائد كان دائما ضئيل حتى توصلت الى قناعة مفادها ان هده المدارس الفكرية التى نشات على فهمها للتنوير فى اطار الحداثة قد وصلت الى طريق مسدود واصبحت تعتمد كليا على ما يسمى فى العاب اللغة language games باللغة السردية او لغة الحكاوى narrative language فى مقابل اللغة الموضوعية والعلمية فيما يتعلق بمنظمات السودان التى ترعرت وسط القوى الحديثة ، فقد اصبح الحامل الاجتماعى لها لا يختلف عن حامل المفاهيم الدينية السلفية من حيث الاعتماد على العلاقات الاجتماعيةsocial bonds لقدرتها على امتصاص مثل هذه اللغة التى تؤسس حوارها على عقلية القطيع اكثر من عقلية الانسان المستنير اذا استعرنا تعبيرات شيخ التنوير امانويل كانت
    التساؤل الثانى حول سيرة كل من الشيخ بابكر بدرى ومعاوية نور تستحق الوقفة فعلا لانها مشاريع تحتاج الى مراجعة كجزء من مشاريع تنوير سودانية يمكن التأسيس عليها بعد عمل نقد مؤسس للتنوير الحداثى ..
    ملحوظة : قصدت بالحداثة الخمسمائة عام الممتدة من 1490 - 1990 حيث اختفاء ماكان يعرف بالمعسكر الاشتراكى من على وجه البسيطة لان بانتهائه لم تقبر الشيوعية وحدها بل كل الحداثة التى بدات بالكشوفات الجغرافية والاستعمار
    نحن الان نتجه الى مرحلة جديدة فى التفكير بدات فى تدشين مشروعها الفكرى من خلال نقد الحداثة (الحداثة النقدية )

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 09-28-2010, 04:25 PM)
    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 09-28-2010, 05:05 PM)

                  

10-05-2010, 08:04 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    http://www.sudaneseonline.com/ar4/publish/article_956.shtml

    اعود للمواصلة قريبا لتكملة عرض افكار كانط حول التنوير وهو الخاص بقضايا الاصلاح فى المفاهيم الدينية
    من خلال مفهومه الدى عرضته فى عاليه الخاص بالاستخدام العام للعقل public use of man's reason
                  

10-11-2010, 09:39 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    استمر فى مفهوم كانط عن التنوير بطرح مفهومه حول الاصلاح الدينى
    ثم نواصل بعد دلك فى الاشكاليات الفلسفية للخطاب الاشعرى المهيمن باعتباره المرتكز للخطاب الدينى الاصولى
    من حيث (اليات التفكير الفلسفى)
    انبه القارىء من خارج البورد ببريدى الالكترونى :
    [email protected]

    ارحب بالمشاركة من خارج البورد

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 10-11-2010, 09:55 PM)

                  

10-13-2010, 02:22 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    " نحو عصر تنوير سوداني " واستفهامات حيدر ابراهيم
    عبد العزيز حسين الصاوي [email protected]
    رفع د. حيدر ابراهيم من شأن ورقتي المعنونه " معاً نحو عصر تنوير سوداني : اطار عام لاستراتيجية معارضه مختلفه " علي أعمدة مجموعة من الاسئله والاستفهامات الشاهقه وذلك بصورة مباشره ( مقال السودان والبحث عن بديل ) وغير مباشره ( المجتمع المدني العربي، المثقف السوداني من كفاح جيل الي موت دنيا ). بذلك انفتحت علي ابواب متعدده لاقبل لي بمجاراة عمقها وتعددها لذلك سأتهرب من هذه المهمة الشاقه ب ( إفحام ) الاخ حيدر عبر الاجابه علي سؤاله الاساسي الذي وضعه علي لسان مسرحية نجيب سرور الشهيره وهو : منين ( من وين ) اجيب ناس ؟ ويقصد بالناس : " القوى الاجتماعية والنواقل الاجتماعية لتحقيق مشروع الورقه الجديد القائم علي الديموقراطيه والتنوير بعد ان اصبح مصطلح القوي الحديثه من الفولكلور السياسي ( وهي حقيقة يعترف بها كاتب الورقه نفسه ب ) مقولة مبتكرة وشاملة لوصف الواقع الراهن في السودان خلال السنوات العشرين الماضية، اسماها «الارتداد التحديثي ، أو ظاهرة انكسار قوة الدفع التحديثي في المجتمع السوداني " . ردي ) المفحِم ( يتلخص في كلمات ثلاث هي : مركز الدراسات السودانيه .. مؤسس المركز يرد علي نفسه.
    في تفصيل ذلك إن تأسيس المركز منذ ماينوف علي العشرين عاما ومسيرته الملتزمة الي حد كبير بالشعار المزدوج ( هزيمة سلطة البياض ومساءلة اليقينيات ) نشراً وندوات، ومارسيل خليفه وكريم مروه ومحمود درويش، تعني انه حتي لو مات غدا ملتحقا بالمكتبه :
    " ستحزن عليه قطرة من المطر
    وتتجهم أوجه حفنة من البشر
    ويطل ذات ليلة فوق قبره القمر
    وتتلوي دودة كسلي وينشق حجر "
    بحذف أدوات النفي ( لن ، لا ) من قصيدة الفيتوري " مات غدا ". المركز ستبكيه وتشق الجيوب وتلطم الخدود عليه بذرة القوي الحديثه التي زرعتها منجزاته واخرين. فالقوي الحديثه هي في المبتدأ قابلية التفاعل مع المختلف والجديد والاشكالي من الافكار والقضايا قبل ان تتحول الي مناخ عام ذي ثقل راجح يشكل بيئة حاضنة لهيئات المجتمع المدني السياسيه ( الاحزاب ديموقراطية التكوين ) وغير السياسيه. هذه القابليه يتسم ترسبها بالبطء بحكم طبيعتها كعقليه وأسلوب حياه، وفي السياق السوداني الراهن هناك عامل اضافي يزيد من معدل هذا البطء وهو تمكن قوي الجديد- القديم ممثلة في هيمنة العقل الديني التقليدي- الصوفي- السلفي علي الفضاء النخبوي، فمتوسط العمر في هذا التيار اصغر كثيرا من متوسط العمر في التيار المستنير. لآاعتقد أن مثل هذه الاعتبارات تفوت علي مراقب صاحب ادوات فعاله لرصد وتحليل للساحة السودانيه مثل حيدر ابراهيم ولذلك يمكن التشكيك بمدي استقرار نبرة التشاؤم، التي تتحول في بعض الاحيان الي نقد حارق ومر للمثقفين السودانيين، في قرارة نفسه والا لكان أغلق المركز وأرتاح في كرسي جامعي. كذلك لايفوت عليه أن ريادية المركز غير منبتة الصله بمصادر تخصيب وتنوير اخري مستجده للعقل السوداني مثل المراكز المستقله وشبه المستقله التي نشأت فيما بعد. ومغزي انتشار هيئات المجتمع المدني علي علاتها ونماذج الاصلاح الحزبي الناضج وغير الناضج وبعضه يتبلور نسبيا فكريا وتنظيميا في اشكال اوليه مثل " تجمع القوي الوطنيه الحديثه" الذي يضم ( المؤتمرالسوداني، التحالف الوطني السوداني، الحزب الديموقراطي الاشتراكي الوحدوي،الحزب الليبرالي الخ.. الخ.. ). وفي التجربة الشخصيه المحدوده لكاتب هذاالمقال منذ نشر ورقته (نحو عصر تنوير سوداني ) قبل بضعة أسابيع مايؤكد لديه صحة هذا التقدير للامور فقد لفت نظره ان معظم إشارات الاهتمام، علي قلتها المتوقعه، جاءت من مصدر غير متوقع ،اي من شباب وشابات لاعلاقة أو معرفة سابقة لهم به بادروا بالكتابه والاتصال المباشر مستفسرين ومناقشين. من ناحية اخري اعتقد ان الغزارة الكميه والكيفيه الاستثنائية للانتاج الادبي، خاصة الروائي والشعري، تنتمي الي نفس هذه الظاهره. فالكثافة المتزايده للقهر الشمولي المادي والمعنوي منذ الحقبة النميريه بالغا قمته بالتأسيس الديني مع الحركة الاسلامية وسلطتها، ضيقت مجال الاشتغال الحر للعقل السوداني فلجأ الي أدوات التعبير الادبي من خيال وغموض ورمز ونصوص تحتيه لتجاوز الممنوعات السياسيه وغير السياسيه. يقيني ان هذا النبع الثر يشكل المصدر الاساسي لتنمية القابليات التنويريه والتحديثيه وتاليا أن بعضا من افضل العاملين في الحقل السياسي فكرا وحركه سيأتون من بين منتجي الادب ومستهلكيه. مجمل القول أن هناك مايشي بأن القوي الحديثه موجوده كأمكانيه وأول الغيث قطره، كما أول الرقص حنجله ... وورقة ( معا نحو عصر تنوير ) محاولة لتعديل مسار العمل العام والمعارض بما يحول الامكان الي واقع، كما أن التحاور النقدي معها دفع بهذا الاتجاه.
    ينطبق هذا أيضا فيما يتعلق بقضية القضايا من منظور الورقة وهي التعليم حيث يستبعد د حيدر امكانية تحقيق البرنامج الذي تقترحه علي تواضعه بأعتبار أن ذلك : " عمل دوله أو مجتمع مدني أقوي من الدوله أو قادر علي منازلتها وهذا الوضع غير موجود في السودان ". محاججتي المضاده ان هذه الامكانيه موجودة وأحد ادلتي علي ذلك قريب جدا منه وهو جريدة الصحافه التي نقرأ له فيها بأنتظام، فخلال فترة لاتتجاوز الاسبوع ( 26 سبتمبر الي 3 اكتوبر ) ظهرت ثلاث مقالات من كبار كتاب الجريده ( أدريس حسن، د.سعاد ابراهيم عيسي، اخلاص نمر ) حول موضوع التعليم. مامعني ذلك، لاسيما اذا علمنا بأنه ليس مقصورا علي هذه الصحيفه أو هذه الفتره الزمنيه؟ معناه ان الاحساس- القناعه بالحاجه الي اصلاح النظام التعليمي أضحي قويا للغايه لاسيما وانه موجود حتي في اوساط محسوبه علي الدوله والحكومه ( مقالي بجريدة الصحافه، 17 كتوبر 2009 حيث تحدث وزير التعليم العام السابق عن ضغوط يتعرض لها من الولايات واتحاد المعلمين حول المناهج والسلم التعليمي في مقابله بعدد 6 اكتوبر 2009 من نفس الصحيفه). علي هذا يصبح الوجود الأمكاني لاحتمال إنجاز البرنامج أكيدا والمجتمع المدني في طوره التمهيدي الجنيني ليس سوي هذا.
    يبقي بعد ذلك كله صحيحا القول بأن تطور القوي الحديثه من بذره الي مناخ ثم الي وجود علي الارض السياسيه الاجتماعيه يحتاج الي اساس مادي يتمثل في طبقه وسطي. ولكن حتي هنا الافق ليس مظلما تماما، بعكس التصوير الساخر في مقال الاخ حيدر لاي قول بذلك فهناك مايدل علي صحة الاطروحة القائله بأن كل ظاهره تحمل نقيضها في أحشائها. الاسلاميون الذين صعدوا سياسيا علي اكوام الخراب الاقتصادي المايوي ينتجون في السلطه ثروة ( قوميه ) لمصلحة أقليه بالمعنيين السياسي والطبقي. وكما هو شأن الانظمة الشمولية ايضا، دينية كانت او علمانيه، هذه تنمية محكوم عليها بالتجمد عند سقف معين ولكنهم في هذه الحدود وبهذه الحوافز يؤسسون قطاعات اقتصاديه حديثه ( النفط، الاتصالات، الصناعات العسكريه، المدنيه- السيارات، الخدمات الماليه والمصرفيه) بتأثير النفوذ القوي لرجال الاعمال في التركيبة الحاكمه وتبني سياسة التحرير الاقتصادي والتعامل مع السوق العالميه والتكنولوجيا والتعليم الحديث والتواصل المتعدد الاشكال مع العالم الغربي والاسيوي المتطور مسلما وغير مسلم : كوريا الجنوبيه، ماليزيا، تركيا، والصين والهند. الوجه الاخر لهذا النقيض المادي هو النقيض المعنوي ممثلا في تيار نقد ذاتي تبرز فيه اسماء مفكرين إسلامين قياديين ويستحيل، لذلك، ان يكون مقطوع الصله باستجابات وتحفيزات من جيوب معينه في اوساط الحركه الاسلاميه، محدوده ولكنها متزايدة الحجم والنوع. هذه الجيوب يقلقها ويخلقها سجل الافلاس السلطوي وهو يقترب الان من نقطة وضع حبل المشنقة التاريخي في رقبة الحركه بتحميلها مسئولية الانفصال الجنوبي، وغير الجنوبي، وتنامي نفوذ البديل الاسلامي الطالباني وممهده السلفي بينما يجتذبها النموذجان الماليزي والتركي. هذان يشكلان، من جهة اخري، جسرا الي ماترسب في وعي هذه الجيوب من فرص الاحتكاك مع الحياه والتعليم الغربيين التي أتيحت و تتاح لشباب الاسلاميين اكثر من غيرهم بحكم الخلل الكبير في توزيع السلطة والثروه منذ فتره. وفي المجلد الصادر عن مركز التنوير المعرفي عام 2007 بعنوان " العقل والعقلانيه في أطار الفكر الاسلامي " متضمنا عددا من الدراسات المتنوعه حول موضوعه مايثير الانتباه بهذا الصدد حيث يرد في التصدير أن مشروع الندوه يأتي : " تلبية للحاجة الملحة الي تطوير الواقع والمعرفه بأثبات الفاعلية التوافقيه للعلاقه بين العقل كحصيلة من الادوات وبين النص كحقل دلالي لسياقات من العلامات ". لاحظ هنا انه لااستثناء للنص الديني وأن اللغة تنتمي الي أحدث نظريات تحليل النصوص.
    التكميلي، في ختام هذه المداخله حول مقال د. حيدر ابراهيم علي، هو التحاور مع ماورد في مقدمة مقاله ( المثقف السوداني من كفاح جيل الي موت دنيا) المشحونة بالاسئلة النافيه لامكانية تنوير سوداني ماضيا وربما مستقبلا بما يمكن تلخيصه ايضا في سؤال : منين ( من وين ) أجيب تنوير ؟ هذا مبحث كبير أعتقد ان الاجابه عليه تأتي من التفكير والتعاصف الذهني بين المثقفين حول إشكالية يخيل لي انها لم تطرح علي العقل النخبوي السوداني من قبل : تاريخيا القوي الحديثه، حاضنة التنوير، ولدت من لحظة العلاقه مع الغرب التي اختلطت فيها عناصر التصادم/ القهر،الأحتلال العسكري والسياسي والاقتصادي، والصدمه/ اليقظه، الديموقراطيه والعلمانيه. المنزلق الذي أدي لاحقا الي توقف نضوج القوي الحديثه تنويريا ثم تراجعه المضطرد هو عجز شرائحها الاولي عن التمييز بين هذين النوعين من العناصر بهضم عناصر الصدمة الايجابيه تمهيدا لاعادة انتاجها محليا، وهي تقاوم عناصر التصادم. تحت تأثير فورة الحماس الوطني الاستقلالي مقرونة بالظهور القوي للمعسكر الاشتراكي وجاذبية الفكر الماركسي عهد ذاك ثم النموذج الناصري واشباهه، أنحازت نخبة مابعد الاستقلال عموما الي حلم العدالة الاجتماعيه علي حساب الديموقراطيه. وكما شرحت ورقة ( نحو عصر تنوير سوداني ) فأن اختلاف الظروف التاريخيه السودانيه عن ظروف المهد الاصلي الاوروبي للتنوير تطلب إستدامة النظام الديموقراطي شرطا لنضوج إرهاصات التنويروالحداثه ليعودا بدورهما الي ترسيخ الديموقراطيه كنظام حياه يوميه وحكم، فذبلت وتبددت.
    علي ان هناك اختراقات لحالة انعدام القدره علي التمييز لايمثلها فقط معاويه محمد نور ( 1919- 1941) الذي استوعب منتجات الفكر الغربي بأفق إيجابي ونقدي معا، وانما أيضا الشيخ بابكر بدري الذي ولد قبله بستين عاما( 1861- 1954 ) إذ تكشف مذكراته عن استعداد للتعلم من الوجود البريطاني دون احساس بالدونيه، إبتداء من عادة تسجيل اليوميات. ضرورة إعادة اكتشاف الشيخ بابكرايضا كعَلَم تنوير بما يرفعه درجات فوق رياديته المعروفه في حقل التعليم، تستند لكونها تترافق مع حقائق اخري لاننتبه لمغزاها، من أهمها السعة الاستثنائيه لحصيلته الثقافيه. خريج الخلوه هذا يعلم نفسه بنفسه بما يتطابق مع تعريف التعليم الحديث بأنه " الذي يعلم الانسان أن يعلم نفسه " فيقرأ ابن خلدون ويؤلف اول نص مسرحي سوداني، بينما تذّكر صراحة مذكراته بصراحة عَلَم التنوير الغربي جان جاك روسو مؤلف كتاب العقد الاجتماعي ولكن أيضا أحد اهم كتب نظريات التربيه. والسؤال هو : من اين جاء تجاوزهاتين الشخصيتين لزمانهما السوداني بالفراسخ والاميال؟ هل يعقل ان يكونا نبتا شيطانيا لاسيما وان هذا التساؤل يمكن أن يشمل التجاني يوسف بشير بالعمق الفلسفي في بعض قصائده مثل ( الصوفي المعذب ) ومحمود القباني من عام 1903 الذي أطلق عليه د. عبد الله حمدنا الله لقب "أول كاتب علماني سوداني "؟ الارجح ان الاجابه هي : لا ، قد تكون صغيره او كبيره ولكن المهم ان هذه الحقائق تطرح افتراضا جديرا بالبحث حول الجذور المحليه للتنوير. إذا عّرْفنا التنوير الغربي بأنه صنو العقلانيه والسوداني بأنه قابلية التفاعل المفتوح مع الأفكار وطرائق الحياة الحديثه، فما هو التعريف الممكن لهذا المصطح في سياق المراحل التاريخية السودانية الاقدم؟ أهمية التنقيب عن هذه الجذور، أي تأسيس التنوير سودانيا، تنبع من مقولة : لاديموقراطيه بلا ديموقراطيين .. ولكن ايضا بلا استناريين ..
    ( جريدة الصحافه 13 كتوبر 2010 )
                  

10-14-2010, 02:29 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: ماترسب في وعي هذه الجيوب من فرص الاحتكاك مع الحياه والتعليم الغربيين التي أتيحت و تتاح لشباب الاسلاميين اكثر من غيرهم بحكم الخلل الكبير في توزيع السلطة والثروه منذ فتره. وفي المجلد الصادر عن مركز التنوير المعرفي عام 2007 بعنوان " العقل والعقلانيه في أطار الفكر الاسلامي " متضمنا عددا من الدراسات المتنوعه حول موضوعه مايثير الانتباه بهذا الصدد حيث يرد في التصدير أن مشروع الندوه يأتي : " تلبية للحاجة الملحة الي تطوير الواقع والمعرفه بأثبات الفاعلية التوافقيه للعلاقه بين العقل كحصيلة من الادوات وبين النص كحقل دلالي لسياقات من العلامات ". لاحظ هنا انه لااستثناء للنص الديني وأن اللغة تنتمي الي أحدث نظريات تحليل النصوص.
    التكميلي، في ختام هذه المداخله حول مقال د. حيدر ابراهيم علي، هو التحاور مع ماورد في مقدمة مقاله ( المثقف السوداني من كفاح جيل الي موت دنيا) المشحونة بالاسئلة النافيه لامكانية تنوير سوداني ماضيا وربما مستقبلا بما يمكن تلخيصه ايضا في سؤال : منين ( من وين ) أجيب تنوير ؟ هذا مبحث كبير أعتقد ان الاجابه عليه تأتي من التفكير والتعاصف الذهني بين المثقفين حول إشكالية يخيل لي انها لم تطرح علي العقل النخبوي السوداني من قبل : تاريخيا القوي الحديثه، حاضنة التنوير، ولدت من لحظة العلاقه مع الغرب التي اختلطت فيها عناصر التصادم/ القهر،الأحتلال العسكري والسياسي والاقتصادي، والصدمه/ اليقظه، الديموقراطيه والعلمانيه. المنزلق الذي أدي لاحقا الي توقف نضوج القوي الحديثه تنويريا ثم تراجعه المضطرد هو عجز شرائحها الاولي عن التمييز بين هذين النوعين من العناصر بهضم عناصر الصدمة الايجابيه تمهيدا لاعادة انتاجها محليا، وهي تقاوم عناصر التصادم. تحت تأثير فورة الحماس الوطني الاستقلالي مقرونة بالظهور القوي للمعسكر الاشتراكي وجاذبية الفكر الماركسي عهد ذاك ثم النموذج الناصري واشباهه، أنحازت نخبة مابعد الاستقلال عموما الي حلم العدالة الاجتماعيه علي حساب الديموقراطيه. وكما شرحت ورقة ( نحو عصر تنوير سوداني ) فأن اختلاف الظروف التاريخيه السودانيه عن ظروف المهد الاصلي الاوروبي للتنوير تطلب إستدامة النظام الديموقراطي شرطا لنضوج إرهاصات التنويروالحداثه ليعودا بدورهما الي ترسيخ الديموقراطيه كنظام حياه يوميه وحكم، فذبلت وتبددت.



    من المهم بل الضرورى التعرض هنا ايضا الى تيارات ما بعد الحداثة لانها تشترك جميعها فى توظيف ظاهرة الانعطاف اللغوى حتى نستطيع ان نستوعب هذه الاداة الفعالة ، لان ذلك سوف يضاعف من المردود الفكرى عند قراءة تطبيقاتها على التراث الدينى الاسلامى ،
    هذا شىء فى غاية الاهمية ، ان تتم ترجمة هذا التطور الجديد الذى بدأ منذ ستينات القرن الماضى وربما ابكر قليلا لاننا فى السودان اكثر من دفع ثمنا باهظا لاشكالية انعدام الاصلاح الدينى او قصوره ان شئت !
    التعرض كذلك الى دور (الثقافة) وكيف اوضج التطور فى علم اللغويات او اللسانيات دورها العميق والاساسى فى المعرفة وانها ليست مجرد بناءا فوقيا فقط وهذا ما يفسر قصور الحامل البشرى فى السودان للافكار الماركسية من تفادى الاصلاح الدينى من جهة ومحاولات تقديم تفسيرات ايديولوجية من جهة ثانية !!
    من الاشاء التى اخذها مثلا على المثقف المصرى خصوصا والعربى بشكل عام هو عدم الاشارة الى استفادتهم من اتجاهات التطور فى الفكر الغربى ربما لاسباب سياسية او وهذا هو الاهم لاسباب ثقافية وقليل جدا منهم فعل ذلك مثل عميد الادب العربى عليه رحمة الله ربما كان ذلك بسبب ارتباطاته الاسرية التى ساعدته كثيرا !!
    فمثلا نجد الموسيقار محمد عبد الوهاب رغم ابداعه فى الموسيقى الا انه لايشير ابدا الى مصادره من الموسيقى الغربية !!
    السينما المصرية تفعل نفس الشىء وهى تجتر افكار هوليود وحيلها الفنية !! والقائمة تطول ، ولم ينجو من ذلك المرحوم ابوزيد على الرغم من اسهاماته القيمة فى (مفهوم النص) و(نقد الخطاب الدينى) و(الامام الشافعى والايديولوجية الوسطية)
    وربما كانت الفائدة اكبر بما لا يقاس لو قام فى بدايات انتاجه بتقديم اسباب ظهور وتطورات ظاهرة الانعطاف اللغوى ، ولتوضيح ذلك واهمية قيام مشروع تنويرى للقوى الديمقراطية فى السودان من اجل نشر الوعى من مصادره الاساسية ومحاولات الاستفادة منه فى واقعنا السودانى سوف احاول الاجابة على التساؤل التالى :
    هل كان ممكنا ان يوجد الامام الشافعى وان يصلنا انتاجه وان يهيمن الخطاب الذى اسسه (الخطاب الاشعرى) لولا ان صادف عصر التدوين?
    هل يمكن للمرحوم ابوزيد الوصول الى هذا البعد العميق فى قراءته لانتاج الامام الشافعى لولا ظهور تيارات ما بعد الحداثة post modernity?
    من مشاريع هذا الخيط محاولة الاجابة على هذا التساؤل وتوضيح فضل (تفكيكات دريدا ) فى هذا الشأن فاليها يعود الفضل فى هذه النوعية من القراءات التراثية !
    اواصل باذن الله
                  

10-14-2010, 06:57 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    عملية تمليك القوى الحديثة والمثقفين (المتعلمين) ادوات معرفة خاصة الانعطاف اللغوى يجب ان تكون فى تقديرى واحدة من اولويات المشروع التنويرى وهى عملية تتصل بالتعليم (على المستويين الحزبى ومنظمات المجتمع المدنى )،
    فاذا كان المرحوم ابوزيد وكل ما يساهم فى نقد الخطاب الدينى قد قصروا فى هذا الجانب فانه تقصير يقع فى خانة (صياغة العقل الجمعى وفقا لالية الحفظ والترديد التى يعيبونها على الخطاب الاشعرى )!
    ولذلك الحرص على الاشارة الى مصدر الافكار من اهم ادوات المعرفة بالرغم من انه شىء يغضب البعض ويعتبرها نوع من (التنطع الفكرى )
    لتوضيح تقصير المعرفة الماركسية لا بد مثلا من نقد العقل الاداتى ، وهو مفهوم صاغه كانط وقام بتطويره رواد مدرسة فرانكفورت ولذلك لا بد من عرض نقد (هابرماس )لمفهومى الايديولوجية والوعى الماركسيين باعتبارهما مفاهيم اداتية ساهمت فى التقليل من شأن الثقافة وعلم النفس ووضعها كبناء فوقى تابع لان ماركس اعتقد ان الوعى وليد العمل ، وليس نتاج عمليات الصياغة الاجتماعية المعقدة التى تبدأ من المهد!
    اعود لهذه المواضيع وفقا لتسلسلها المنطقى
                  

10-14-2010, 09:40 PM

عبد العظيم احمد
<aعبد العظيم احمد
تاريخ التسجيل: 05-14-2006
مجموع المشاركات: 3558

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    كان من الاجدر ان ان يتحدث الصاوى عن الاخفاقات التنظيمية للاحزاب التى ينتمى لها
    او يتحدث
    عن
    !- غياب الكوادر المؤهلة لقيادة الجماهير
    الصاوى هو احد الاسباب

    .........
    عشرين سنة ويتحدث الصاوى كمنظر ( فلسفة ورق) مركب نقص)
    ما عدنا نقرأ مثل هذا الكلام لاننا عايشنا هذا التاريخ بتفاصيله فى بغداد...

    الصاوى هو الاخفاق نفسه وان كتب مجلدات
    لانه كان المسئول الاول عن الانحدار الى الهاوية
    ... عبث..
                  

10-19-2010, 05:04 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: عبد العظيم احمد)
                  

10-19-2010, 05:15 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: فالشيخوخة الفكرية والعقلية السودانية تكتمل غالباً في مقتبل العمر ويتوب المثقف عن كل نزق وطيش الشباب ويهديه الله بعد عمر طويل أفناه في قضية جوهرية. ثم يتراجع ويتنازل ليسئ الى نفسه وإلى قضيته وهي كثيراً ما تكون نبيلة وتستحق كل ما ندم عليه ولكن قليل من يحمل قضيته حتى النهاية. الاستاذ محمد محمد علي هو من القلة النادرة فقد ظل في خندقة حتى اليوم الأخير من حياته.
    من الممكن اعتبار الاستاذ محمد محمد علي من المساهمين الحقيقيين في علم اجتماع المعرفة او علم اجتماع الأدب بالتخصيص. قد لا يكون قد اطلع على نظريات في هذا الميدان العلمي ولكن ممارسة الكتابة بمنهج تلك النظريات يجعلنا – دون شطط وتعسف – ندرج الاستاذ ضمن هذه الميدان بالذات فيما يتعلق بالأدب السوداني. فهذا العلم يبحث عن الشروط او الأسس الاجتماعية للمعرفة أي ليس الشروط والأسس الذهنية او النفسية او الفردية...الخ للمعرفة ،والأدب ضمنهاً. فالعلم يهتم بالتطور الاقتصادي الاجتماعي لمجتمع ما وانعكاس ذلك على انتاج المعرفة أي ارتباط الحياة الفكرية في فترة تاريخية معينة بالاوضاع والقوى الاجتماعية والسياسات القائمة(2). ولأن اهتمام الاستاذ ينصب على جانب من المعرفة او الابداع هو الأدب فالمطلوب هو التحقق من مدى تطابق كتابات الاستاذ مع المفهوم السائد لعلم اجتماع الأدب كميدان يتقاطع كثيراً مع علم اجتماع المعرفة. وسيكون المصدر الأساسي هو كتاب (الشعر السوداني في المعارك السياسية 1821-1824) وهي في الأصل رسالة ماجستير حازت على تقدير امتياز من جامعة القاهرة الأم.
                  

10-19-2010, 05:22 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    Quote: لذلك احتل التاريخ جزءً كبيراً وهاماً من كتاب (الشعر السوداني في المعارك السياسية) وما يلفت النظر ليس فقط حجم التاريخ في الكتاب ولكن طريقة التفسير والفهم للتاريخ إذ يصحح كثيراً من التحليلات الخاطئة. بدأ الباحث بمدخل تاريخي شامل يمتد مما اسماه التجمع العربي في السودان أي دخول العرب السودان ثم يصف الباحث تحت عنوان (ملامح من سنار) البناء الاجتماعي-الاقتصادي للمجتمع السناري ويتطرق لمصادر الرزق (أي الانتاج) الرعي والزراعة والتجارة وثروة سنار والفقر والمجاعات والحروب ونفوذ المشائخ. ثم كيف اضعف ذلك قدرة الناس على العمل المثمر وبالذات الثقافة في هذا الموضع؟ (ص29) ويتوقف الباحث عند انتشار الخرافات والتفكير العلمي وغلبة التصوف ويقول: (في هذا الجو الغريب أصبح المنطق لا قيمة له فمرد كل شئ الى الغيب، وهؤلاء الأولياء هم مفاتيح الغيب، بل هم الذين يصنعون مصائر الناس في حضراتهم) (ص33) ويناقش آراء الدكتور محمد عوض حول انتشار الصوفية ويأخذ عليه انه لم يفسر أسباب غلبة التصوف في السودان بل فسر أسباب انتشار الطرق الصوفية (ص35 وما بعدها). وهذا اختلاف واضح في الطريقة والنتيجة الأول يفسر كيف؟ ولكن المهم لماذا انتشرت الصوفية؟ الأول وصفي والثاني تحليلي.
    رغم ان استاذنا ليس مؤرخاَ، ولكنه يمتلك فهماً متقدماً للتاريخ. فالتاريخ ليس مجرد تراكم أحداث او وصف شخصيات وحروب وغزوات ونزاعات بل التاريخ هوالحركة الجماعية للناس في الزمان. ومن هذا المنظور يتخذه اطاراً لفهم الثقافة والافكار من خلال وعي النسبية بمعنى ان الفكر او الابداع يجب ان يفهم ضمن ظروفه ولا يحكم عليه بمعايير حقب تاريخية أخرى – فلكل فكر او ثقافة سياق تاريخي – اجتماعي محدد. نجد التأكيد على النسبية التاريخية – الاجتماعية في مواضع كثيرة من كتابات الباحث وهذا موقف عميق مقارنة بالفهم اللاتاريخي (ahistorical) للافكار الذي يراها مطلقة خارجة عن الزمان والمكان ويظن أصحاب هذا النهج ان نتائجهم وأدوات تحليلهم صالحة مطلقاً لكل زمان ومكان ولا تخضع لتقلبات الزمن وتغيرات الحياة. وهذه بعض الأمثلة من كتابات الاستاذ محمد محمد علي التي تصر على نسبية الوقائع. ففي تعرضه لحروب المهدية لم يدن هذه الحروب، اذ يقول ً: (فالمهدية لا تخضع لافكار عصرنا، فهي لا تهادن الا من اعتنق الاسلام وانخرط في سلكها، وبهذا الفهم وحده نستطيع ان نفسر أسباب هذه الحرب وأعراض الخليفة عن طلب الصلح والتعاون الذي تقدم به امبراطور الحبشة واحراق الكنائس الذي كتب به حمدان الى الخليفة وكأنه عمل جليل) (المصدر السابق، ص217). وهو هنا يعتمد على النسبية مرتين. أولاً: اختلاف العصر، ثانياً: محاكمة المهدية حسب منطقها الداخلي في النظر للأمور.
                  

10-28-2010, 01:21 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي (Re: طلعت الطيب)

    التنوير والمعيار التنويري في سوريةغسان المفلح جريدة القدس العربي 2010-10-27

    عند بداية سنوات الثمانين من القرن الثامن عشر، قام قديسبروتستانتي اسمه (Johann.F. Zàllner) بعد أن أثار غضبه اقتراح تقدم به شخص غيرمعروف لإلغاء الزواج الديني، في ظل أجواء مشحونة بالأسئلة والشك، طرح على عدد منالفلاسفة ومنهم الفيلسوف' إيمانويل كانط' سؤالا مباشرا ومختصرا' ما هو التنوير؟' وجاء جواب كانط بعنوان: 'رد على سؤال ما هو التنوير'، نشر للمرة الأولى في العام 1784 في هذه الإجابة الكانطية الغنية جدا، أربع محددات لتوفر التنوير وتعميمه، وهيالدولة والحرية والعقل والتاريخية. هذه المحددات بوصفها هما كان مطروحا آنذاك علىالفلسفة الألمانية والفكر النقدي وفي ظل انخراط أوروبا بالعصر الصناعي، السؤالوالجواب كانا من تفاصيل التاريخ اليومي لألمانيا ومحيطها الجغرافي آنذاك، وهذهالمشروطية وإن كانت تحمل بعدا عالميا بالمعنى الإنساني، إلا أنها من جهة أخرى شكلتحالة معيارية للحكم على واقع ألمانيا في ذلك الزمن بالذات، والأمر الأكثر جدارةبالعالمية هو العقل وحرية التفكير، واستنباط المعايير من تفاصيل المعاش، مهما كانتالمقدمات المعرفية أو الأيديولوجية المسبقة متماسكة، ومهما كانت درجة علميتها، لهذاعندما تطورت الفلسفة الألمانية وصولا إلى القرن العشرين وجدت أن هنالك مبحثا خطيرامغفلا وهو ما بحثته الفلسفة الظاهراتية، حيث بات متسعا من المساحة للموضوع المدروسأو المطروح أيا كان طبيعيا أم اجتماعيا، يفرضها على المنهجيات التي تتعامل معه، لكيلا نجد أنفسنا أمام معايير حكم مسبقة ومحددة وفقط، وهذا شكل إضافة لايستهان بهاللفكر النقدي العالمي. التنوير هو استخدام حر للعقل وعام ومفهمة للظواهر المعاشة،من أجل الانعتاق من تحكمها بالعقول وبالقلوب وبطرق العيش. وربط' كانط' بينالاستخدام العلني والعام للعقل وبين ضرورة الحرية والدولة. بدونها يبقى الطاغيةيتحكم بنا حتى لو كان التحكم منافيا لحرية الكائن وعقله المفكر، ويبقى اللاهوتييحثنا على الإيمان بجملة مسبقاته، حتى لو كانت منافية للحياة، بعد هذه المقدمة نجدأنفسنا امام سؤال بسيط، وهو هل يصلح ذلك العصر بتنويره أن يكون معيارا نحكم منخلاله على الظواهر وعلى أنفسنا في هذا الزمن أي بعد أكثر من قرنين وثلاثة عقود؟ هذاالسؤال لا يشكل بحد ذاته حكما سلبيا أو إيجابيا على أي شيء، بقدر ما هو محاولةللفهم. هذا سؤال يخص التنويريين في المنطقة عموما وسورية خاصة، لأنهاموضوعنا. هذه العودة أيضا يحملها الإسلام السياسي لفترة 14 قرنا ويريد أن يحملنامعه، وكذلك الحال الماركسي لقرنين من الزمن، وكذا أيضا خليط الفكر القومي يعيش نفسالمسبقات ونفس الحنين للعودة، وبمعايير مستقاة من هنا وهناك، متمحورة حول مفهومالهوية، ولا يغيب عن لوحتنا هذه من هم أقرب لتقليد النموذج الغربي، كما أشعر بنفسي،وربما تعتبر الدعوة هذه للتقليد عند الكثيرين، عبارة عن كسل فكري وسياسي، وأحياناتتمرغ باتهامات' العمالة لهذا الغرب، لأن الغرب لازال من أهم أسباب حداثتنا الضعيفةالمنخرطين فيها عنوة، وفق تنضيدات هذا الغرب التي تفرزها مصالحه، لا يبدو في الأفقأن هذه المصالح يمكن لها أن تتغير أو تتزحزح، والمسافة بيننا داخل هذا الفضاءالعالمي محجوزة لقوة هذا الغرب على كافة الصعد، وليس أقلها أهمية هي تحوله إلىنموذج لنا. يقر الإسلام السياسي ان الغرب استفاد من حضارتنا عندما كانت قوية،ودون أي إحساس بالنقص أو المس بالخصوصية

    هناك، وفيها ما يبهر وما شكل نموذجا ما،وكذلك الحال الفكر القومي العربي على اختلاف مرجعياته يقر بذلك، والأهم من كل هذاأن هذه التيارات تفتخر بأن أهم منجز هو ما أخذه الغرب عن ابن خلدون وابن رشد، عنالعقل والتفكير الحر، لكنهم يريدون الآن أخذ منجزات الغرب التي تمنحهم القوة وبناءعلى عقل تقادمي! وهذه لا تستقيم، فكانط وعقل التنوير الذي استفاد من حضارتنا وأنتجحضارته لا يعنيهم كإسلاميين، تماما كما لا يعني العلمانيون شكل الدولة التاريخيالموجود، وآليات الحكم وتجربة الحرية بمعناها الإنساني، بقدر ما يعنيهم: فصل الدينعن الدولة كمقدمة المقدمات وكنتيجة النتائج. لا تعنيهم حرية العقل في التفكير العاموالعلني، والذي هو المؤسسة الأكثر ديمومة وتأسيسا للحرية والعلمانية معا، لأن هذهليست مرتبطة إلا بوجود الدولة بلا طاغية، والتي تتبادل المصلحة والاستمراريةبالعلاقة مع حرية التفكير العام، وليس المرتبط بسلطة آحادية حتى لو كانت شديدةالعلمانية، وإلا لو كان الأمر كذلك لاحتفظ الغرب بتراثه الهتلري أو الموسولينيوتابع انجازاته العلمانية أو حتى لتابعت الستالينية انتصاراتها المظفرة. رغم أننياكرر ما أقوله دوما' الغرب محنتنا والغرب قدوتنا' الغرب اعتمد في نهضته وعلى كافةالمستويات على ما سبقه من حضارات، ونحن نريد الاعتماد على بعض من الغرب، ننتقيه حسبمسبقاتنا، أو على ما تجاوزه العالم كله حضاريا بقرون وقرون. تتكاثر لدينا دعواتالهوية، والانتقائية الغربية، والأكثر من هذا وذاك هو' دعم الطغم العسكرية الفاسدةبمواجهة المجتمع' والحجة الدين في هذا المجتمع' في نسخة ميكافيللية مصلحية فاسدةمنطقيا وأخلاقيا. مكافيللية نسوا أن أهم ما فيها هو مواجهة طغم الكنيسة الحاكمةبالعسكر والقوة والفساد تحت اسم الدين، فهل الدين يحكم السياسة والدولة فيسورية؟التفكير بالدولة والسلطة والشأن العام هو حق لكل مواطن، حق كفلته كلالشرائع والأعراف والمواثيق، ولولاها لما أنتجت العلمانية ذاتها نموذجها الجاذبهذا. كتبت منذ سنوات ان السلطة في سورية يمكن لها أن تقوم بإجراءات كثيرة علىالمستوى العلماني أو حتى على مستوى حل بعض مسائل عالقة في القضية الكردية على سبيلالمثال، لكن كل هذا سيبقى غير مؤسس على مفهوم الحرية والحق العام في التعبيروالتمثيل السياسي والمدني، وأي سلطة مشخصنة لا تستطيع قوننة ذاتها تحت سقف الدولةالمؤسساتية، لا يمكن لها ذلك دون أن تتقونن السلطة ذاتها وآلياتها. الشرطالتنويري في سورية يحضره غياب الحرية وغياب سيادة الدولة وغياب حرية العقل العاموالعلني، تستطيع السلطة السياسية الآن: أن تكنس كل الإسلاميين إلى السجون وهي فعلتقبل ذلك من الباب الثمانيني، لكنها أعادتهم من نافذة التسعينيات على شاكلتهالمواجهة خطر الحرية عليها، وعلو نبرة الخصوصية الثقافية والدينية آنذاك. تستطيع أنتمنع أية ثقافة إسلامية من أي نوع كان، ولن يغير في قضية حرية العقل الكثير،العنوان بسيط' الاحتفاظ بالجاه والمال وحرية مطلقة بالقرار العام' وما تبقى كلهملحقات يمكن اللعب فيها وعليها بالآن معا. الإسلاميون على اختلاف مدارسهم الآنمرتاحون، لماذا؟ رغم أننا نشاهد الآن تضييــــقات على بعض رموزهم التي تتعلقبالفرديات المنــــهكة من منقـــبات ومحجبات، وعلى بعض رموز فردية استنفذت وظيفتهاالتسعينية- نسبة لفترة التسعينيات ونشوء هذا التحالف المعلن وغير المعلن بينالإسلام السياسي والسلطة فيه كانت المتحكمة نسبيا- ولازالت الضحية هي الحرياتالعامة والفردية. شعوب كثيرة منها من لها حضارات ربما أهم من حضارتنا الإسلاميةأو العربية، ومع ذلك قلدت الغرب ونجحت، ودون أن تعيش عقدة نقص، وأصبحت تنافس الغربفي كل شيء، اليابان والصين والهند وجنوب أفريقيا كمثال عانى ما عاناه من دعم الغربالمزمن لنظام الابارتيد العنصري هناك. التنوير في سورية: كل النقد للمجتمع وبكلحمولاته لا يلغي من أولوية الإجابة عن سؤال الحرية.

    لأن معيار التنوير الأساسيوالرئيسي كان الحرية، والمؤسسة التاريخية التي تحميها، وهي الدولة، والتنوير يفصلتماما بين الدولة وسلطة الطاغية مهما تلونت هذه السلطة، وقد عالجت الفلسفة الغربيةآنذاك وبعد ذلك مفهوم الطاغية، وإلا لكانت بحثت مفهوم' الدولة الطاغية' وهذا ما لمنجده، الدولة تصبح طاغية عندما يستولي عليها' طاغية'. ' كاتب من سورية
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de