لدغة عقرب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 10:24 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-23-2010, 01:58 PM

المعتمد
<aالمعتمد
تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 474

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
لدغة عقرب



    كانت عينا عبد الرحيم تتجولان فى الاراضي القفر التي تمر امام ناظريه ولكنها لا تختفي رغم سرعة العربة التي كانت تقله. فقد امتدت الرقاع المقفرة وشملت اراضي كان يعرف عندما تظهر اما عينيه فى السابق انه قد دخل مشروع الجزيرة، وكانت رئتاه تمتلئان بالعافيه عندما يبدأ في تنسم الدعاش الذي يهب من بين الجداول والحواشات فيستمتع برحلة العودة الي القرية من الخرطوم.
    ما اثار استغرابه بشدة هو ان هذا هو موسم الخريف، وهو يعرف كيف تكون الارض فى هذه الايام فهي ارض بكر تنتفخ بطنها عند ملامسة اى قطرة مياه لها لتفض بكارتها.فما الذي حدث لها الان وقد اضحت قفرا يباب واستعصي عليها الانجاب وكأنها امرأة شاخت بعد عمر ناهز الالف عام.
    كانت رحلة العودة الي الجذور بعد اكثر من عشرين عاما قضاها مرتحلا بين اقطار العالم الي ان حطت به الرحال فى ارض الاغريق.وانقطع تواصله مع اهله سنين عددا حتي افاق من سكرته تلك واحس بالم لا يوصف فى صدره عندما تذكر صباه واهله وبلده.كان يسأل نفسه كل يوم منذ ان صحا من سكرته تلك، كيف؟ ولم؟ ومنذ متي كان هذا الغياب؟. لعن الغربة ولعن الشيطان ولعن نفسه مرارا لانها حرمته من متعة لا تقدر بثمن.
    بعد عدد من الاتصالات والتلفونات مع اهله قرر ان يعود ويرتوي من هذه الارض البكر وان يكحل ناظريه بالخضرة الطبيعية وان يشم هواءا نقيا ويشرب ماءا عذبا براحة يده من اقرب ترعة او ابو عشرين تطأه قدماه.
    وها هو يعود الي قريته ولا تزال صورة الايام الخوالي تمر اما ناظريه ويستعيد ذكرى اخر ايامه مع الارض البكر ويتوقف لساعات طويلة امام بريق عينيها ولون بشرتها القمحي وقوامها الفتي وهي تهرول خلفه مع بنات عمها فى طريق ذهابهم الى الزراعة. كان الموسم قدا بدأ والاجازة الصيفية للمدارس على اعتاب نهايتها وهذه هي ايام الزراعة والتيراب.وهو يعلم جيدا ان هذه هي اخر ايام صفية بينهم قبل ان تعود مع والديها بعد انتهاء الاجازة كما هي العادة كل عام الى حلفا الجديدة حيث يعمل اباها هناك.
    وهو يعرف تماما ان صفية كان تحس الم المسير الى الحواشات بالاقدام ولكنها لم تكن تشتكي فهي تحب هذا المشوار كما يحبه هو واصبح يحبه اكثر بكثير بعد ان اضحت صفية فى رفقته.
    نعم صفيه.
    مني الفؤاد وروح الروح واجمل ما عرفه منذ ان ولدته امه.لم يحس يوما بشي اجمل مما احسه معها. ولم يعرف كنه ما يعتريه عندما يراها امامه. تختلط كل القوي داخل جسده فى لحظة واحدة فيحس بانه اطول قامة من الشمس واقوي من هرقل ولكن فى نفس اللحظة يحس ان رجلاه لا تكادان تحملاه ويشعر برجفة تهز داخله ويكاد قلبه يخرج من بين ضلوعه.
    آآآآآه من صفية.
    زفر زفرة حرى حتي احس بها اخاه الذي كان يجلس الي يساره فى العربة وهم يقطعون الطريق بسرعة كبيرة. نظر الي اخيه نظرة اعتذار عن هذا السلوك ولكن صفية اعادته مرة اخرى لتلك الايام فنسي امر اخيه وامر الاراضي البكر التي لم تعد تنتفخ بطنها ولم يعرف ما السر فى ذلك.
    عاد يجتر ذكرى اللحظات التي ظلت خالدة فى اعماقه حتي وهو فى عز سكرته يجوب البقاع وينام كل يوم فى حضن احدي حسان العالم ذوات الجمال الذي لم يكن يحلم يوما ان تراه عيناه الا فى الصور والمجلات.يتذكرها فينسي فى حضن من هو الان ويرحل بعيدا اليها.
    دنا قرص الشمس من ملامسة اخر خطوط الافق فى رحلة العودة الي المجهول. وتلون لون الارض بحمرة زاهية تنعكس على لون الارض السمراء ويرتد شعاعها ويلامس لون صفية القمحي فيرسم لوحة من الجمال الخلاق الذي كان يتلف روحه ويجعلها ترحل بعيدا مع هذا الجمال الالهي البديع.
    ويسمع من خلفه صوت اباه يناديه من اخر الحواشة ان اسرع يا عبد الرحيم حتي ننتهي من هذه الانقاية اليوم. وينظر خلفه فيري اختيه وصفية يهرولون خلفه بالتيراب وهو يحفر الارض فى سرعة كبيرة وبقوة لا يعرف حتي الان من اين كانت تاتيه.
    وفجأة احس بالم خرافي فى كعب رجله
    وكاد ان يصرخ من اعماق جوفه من الالم لولا انه تذكر ان صفية خلفه وانه ولو بترت ساقه لن ينبث بصرخة الم ولكن الالم كان فظيعا.
    رمي الزرٌاعة جانبا وجلس على الارض ونادي علي اخته بان لسعته عقرب وان عليها ان تسرع وتحضر له حبلا.. هرولت اختاه وهما تصيحان الي اقرب سرج لاحضار حبل من هناك بينما هرولت صفية كالمجنونة لتجلس قرب قدميه.
    اخذت رجله بين يديها وتحسست مكان الالم. والله يعلم انه نسي فى تلك الحظة اى الم يحسه، فقط احس بدفء اليدين الناعمتين تتحسس قدمه. ووضعت صفية شفتاها فى مكان اللسعة وارادت ان تمص السم من رجله فهي لا تكاد تستحمل ان تري روحها تتألم.
    بعيدا وهو فى منافئ الغربة وعلي ارصفة الضياع لثمت شفاه كثيرة كل مكان فى جسده ولكن ما احسه تلك اللحظة لم يتكرر ولن يتكرر ابدا.
    انحني كي يملس قدمه ويتحسسه وهو ما يفعله كلما تذكر تلك الحظة ولكن صوت اخاه الذي يجلس الي يساره افاقه عندما سأله بأن هل تحس بالم من الجلوس هكذا فرد عليه بالنفي وعاد مرة اخري الى ماضيه البعيد.
    حضرت اخته بالحبل فربط ساقه واخذ زرٌاعته وتوكأ على كتف اباه الذي وصل علي صوت صياح ابنتيه وعاد الي المنزل.ظلت صفية معهم ذلك اليوم الي ما بعدا تناول العشاء قبل ان تذهب الي بيت جدها.
    اضحت صفيه تسأله كل يوم بعدها عن رجله وعن الالم ان كان قد زال ام لا، فكان يجيب بالنفي مع ان الالم قد زال منذ اليوم التالي للسعة ولكنه كان يحس متعة اكبر من ان تجعله يقول الصدق وهي تتحسس مكان الالم وتدعو له بالشفاء وتقول له بخبث شديد ان هذه لم تكن عقربا فلسعة العقرب لا تدوم كل تلك الايام وان هذه دون شك جنيه من الجنيات التي تحوم بالمغارب وانه اعجبها فقبلته في قدمه.فيرد عليها بانه يتمني ان تقوم جنيات الارض كلها بتقبيله كل يوم.
    ومع عودة المدارس كان لزاما على صفية العودة الي حلفا الجديدة وعليه هو ان يعود لجامعته فقد كان ذلك اخر عام له بالجامعة.ويمني النفس بان تنقضي الايام باسرع ما يكون ويعود ليلتقيها مرة تانية.
    ولكن صيف العام الذي تلى ذلك قد عاد وبه اختلاف كثير. فهو قد اكمل دراسته بنجاح ويفكر فى البحث عن عمل حتي يتمكن من ادخار ما يلم شمله مع حبيبة القلب.الا انه لم ينعم بكل ذلك. فقد جاءت الاخبار من حلفا ان مهندسا قد تقدم لخطبة صفية وان الزواج سيكون مع نهاية الخريف.
    اسودت الدنيا اما عينيه وفقد بوصلة الاتجاه.واحس بان تلك القامة التي كانت تناور كتف الشمس قد تقزمت وان قوة هرقل قد انهارت ولم تعد اكثر من قوة نملة تزحف فوق سطح الارض. لم يكن امامه شي سوي ان يترك البلد بما فيها لانه لن يحتمل العيش فيها بدون صفية. وسافر الى مصر ومنها جاب بقاعا كثيرة يحمل صفية فى دواخله ولكنه لا يذكرها لاحد. حتي انه لم يتجرأ ان يسأل عن احوالها عند عودته الي القرية.
    حطت رحاله اخيرا فى دارهم والتي تغيرت كثيرا وتحولت من غرفة بالطين الاخضر وراكوبة واسعة امامها، يمينها تكل صغير للعواسة وزريبة للبهائم اقصي يسار المنزل الي منزل فخم وبديع ولكنه افتقد فيه الاحساس الذي كان يحسه لاخر لحظة وهو يغادره ممطيا ظهر التمرد الى منافي الغياب.
    وكان الاحتفال عظيما بعودته.
    كلٌ يحتفل به بطريقته، فمنهم من يحتفل بعودته ليتذكر معه ايام الصبا ومنهم من يحتفل بعودة صاحب الملايين الوجيه عبد الرحيم ومنهم من كان الفضول يحثه لرؤية ذلك العاشق الهارب والذي كان صفية سببا فى رحيله عن الديار.وغيرهم كثر.
    الا ان احتفال امه به كان خاصا وحميميا.
    زرفت على صدره انهارا من الدموع وهي تقالده بكلتا يديها اللتان هد الدهر كثيرا من قوتهما.غمرته بعاطفة انسته آلام الغربة والسفر وحيته بصوت اجهشه الشوق وابحته غصة الفراق. احيت فيه قلبا كان يحسبه قد مات فانهمرت دموعه وكأنها شلال قوي حبسته السنين.
    اما اباه فقد كان صلدا جامدا كما عهده لم يغيره الزمن كثيرا وان كان يعلم ان خلف هذا الجمود تمكن كل حنية الدنيا ولهفتها عليه. رحب به ترحيب الرجال وقدمه بفخر كبير الى اعيان القرية شيخ الحلة، ناظر المدرسة، امام المسجد ومفتش القسم الزراعي(الذي فقد كثيرا من هيبته) ورغم ذلك تمت دعوته خصيصا لحضور استقبال ابنهم العائد.
    ازالت عودته مرارات عديدة كان يحسها اهله.
    فقد كان عندهم مميزا، وكان املهم فيه كبيرا.
    اخبروه بعد ان انتهت لهفة الشوق ومراسم الاستقبال ان العمر لم يعد به الكثير وان عليه ان يتزوج ويكوٌن اسرة تنجب له ابناء يخلدون اسمه ويحفظون ماله.فوافق علي المبدأ وان لم تكن له رغبة فى النساء كثيرا فقد رحل قلبه برحيل صفية وانتهت شهوة النساء لديه بين احضان ذوات العيون الزرق.
    تمت خطبة بنت شيخ القرية لتكون زوجة له، صبية فى ريعان الصبا، فتية تشع كالسنا.
    مرت الايام فى التجهيز والاعداد للزواج وتمت دعوة الاهل لحضوره وبعد محاولات كثيرة تم اقناعه بان يضع الحنة على قدميه.
    جمع كبير من الشباب والشابات والنساء والاطفال احتشدوا عصرا يوم الحنة. مد رجله اليمني لمحاسن بنت خاله لتضع عليها الحنة
    وعندما اخذت رجله ووضعت يدها على كعب قدمه موقع لسعة العقرب لتسندها دخلت ثلاث نساء من باب الدار.
    والتقت عيناه بعينين لم ينطفي بريقهما داخله.
    سحب رجله بقوة من بين يدي محاسن وظل ينظر بقوة نحو تلك المرأة ذات العينين اللامعتين واحساس قوي يجعله لا يخفض بصره عنهما.
    نظرت اليه محاسن بغرابة وامرته ان يرفع قدمه لتنتهي من الحنة ولكنه لم يسمعها وعندما دفعته براحة يدها افاق وسألها . تلك البنت التي قدمت الان هل هي صفية ام انني فقط بت اتخيلها فى كل وجه قادم؟
    وجمت محاسن برهة ثم قالت له نعم انها صفية فقد حضرت اليوم لتشاركنا فرحة زواجك.
    انحني نحو محاسن والتي كانت تجلس فى بنبر مواجهة له وسألها بلهفة غريبة واين تسكن الان فقالت له انها تسكن فى حلفا مع اهلها بعد طلاقها من زوجها المهندس فى زواج لم يدم سوي عام واحد.رفضت بعده الزواج وتفرغت لتربية ابنها الوحيد.
    هب من مقعده بقوة وتحرك بلهفة السنين لاستقبالها رغم الحاح محاسن عليه بالجلوس لوضع الحنة.
    حملته قدماه اليها، ودون اى احساس بمن حوله ضمها الي صدره فى عناق قوي جعلها تحاول التملص من بين يديه خجلا من هذه الجموع الكبيرة وان كانت فى قرارتها تمني النفس بان تلتحم به الى الابد.
    افاق على صوت امه تصيح فيه بقوة: (سجم خشمي يا عبد الرحيم دا شنو البتسو فيه دا)
    اجابها بصوت هادئ خرج من اعماق قلبه الذي احس به يدق بعد بيات شتوي طويل.
    اريد ان اعيد كتابة تاريخي من جديد يا اماه.
    اريد ان استعيد عافية عمري التي ضاعت منذ ان تركت قلبي ينزف.
    والتفت الي صفية مخاصبا: واريدك ان تضعي لي الحنة يا صفية الان وان تبدأي من موقع لسعة العقرب
    واعدك اننا لن نفترق ابدا ما حيينا ان كنت ترغبين فى ذلك.
    صرخت صفية صرخة قوية ذكرته تلك الصرخة التي كتمها عندما لسعته العقرب، وانهارت بين يديه فى غيبوبة كاملة.







    (عدل بواسطة المعتمد on 10-23-2010, 09:39 PM)
    (عدل بواسطة المعتمد on 10-23-2010, 09:58 PM)
    (عدل بواسطة المعتمد on 10-24-2010, 07:40 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
لدغة عقرب المعتمد10-23-10, 01:58 PM
  Re: لدغة عقرب صديق مهدى على10-23-10, 04:30 PM
    Re: لدغة عقرب المعتمد10-23-10, 07:24 PM
  Re: لدغة عقرب المعتمد10-24-10, 07:29 AM
    Re: لدغة عقرب المعتمد10-24-10, 05:38 PM
      Re: لدغة عقرب عبدالرحمن الحلاوي10-24-10, 06:10 PM
        Re: لدغة عقرب المعتمد10-25-10, 07:43 AM
          Re: لدغة عقرب إدريس محمد إبراهيم10-25-10, 10:16 AM
            Re: لدغة عقرب المعتمد10-25-10, 08:12 PM
              Re: لدغة عقرب المعتمد10-26-10, 06:23 AM
                Re: لدغة عقرب المعتمد10-28-10, 08:30 AM
                  Re: لدغة عقرب الطيب عثمان يوسف10-28-10, 01:08 PM
                    Re: لدغة عقرب محمد يوسف الزين10-28-10, 01:34 PM
                    Re: لدغة عقرب المعتمد10-29-10, 09:19 AM
                      Re: لدغة عقرب الطيب عثمان يوسف10-29-10, 07:03 PM
                        Re: لدغة عقرب ALZOLZATOO10-30-10, 06:44 AM
                        Re: لدغة عقرب المعتمد10-30-10, 12:27 PM
                          Re: لدغة عقرب المعتمد11-01-10, 03:25 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de