|
Re: فشودة -الشلك في مدارج الحضارة الإنسانية (Re: Ibrahim Algrefwi)
|
بالرجوع إلى قائمة ملوك الشلك، نلاحظ وجود لامرأة، وهى أبضوك بوج اعتلت عرش المملكة مما يشكل الدليل على أن المرأة كانت تتمتع بكل مزايا الحكم في المملكة، على خلاف المعتقد السائد لدى الكثيرين. مثلما تسارعت مملكة الشلك في التقدم و النمو، طفقت تتراجع بشكل ملحوظ. ففي العام 639-641 للميلاد غزا العرب مصر وفي 651 للميلاد أمر وإلى مصر الجديد/ عبدالله بن أبى السرح بغزو بلاد السودان لكن حملته فشلت و توصل إلى صيغة اتفاق مع النوبة عرفت باتفاقية البقط. كانت الاتفاقية تقضى بان يرسل النوبة عدد من العبيد إلى مصر مقابل حصول الأخير على مواد و بضاعة من مصر. لقد فتحت هذه الاتفاقية الباب على مصراعيها، كما يقال، لاستعباد واسترقاق الشلك من قبل العرب والأتراك من ثم الأوربيين و سماسرتهم من البرتغاليين، المانيين، أسبانيين، الفرنسيين، والبريطانيين. وقد كلفت هذه التجارة الشلك كثير ولا يزالون يذكرون عمليات اصطيادهم إلى أبنائهم، بحسرة والدموع تترقق من أعينهم. كما يقصون لأولادهم بطولاتهم النادرة بكل فخر واعتزاز.
فقد تزامن توسع امتداد نطاق مملكة الشلك شمالا ببداية الهجرات العربية إلى مناطق شمال السودان، فما كان للشلك من خيار سوى اللجوء إلى الدبلوماسية العسكرية لوقف تقدم الغزاة الجدد صوب أراضيهم، و كان وسيلتهم الفضلى في ذلك هي الغارات و المناوشات من على متن الزوارق النيلية (وسيلتهم في الصيد و الحرب معا). وفي لحظات اشتداد الوغى و حمى وطيس المعارك، ابتكر الشلك ما يسمونه بمنقو أقيلو- الغزاء التقليدى للشلك في شكل عينات من الذرة لكن بعد صحنها و طبخها- و يظل المرء بعد أكله من دون الحاجة إلى طعام لعدة أيام. تمكن الشلك بهذه الوسيلة من هزيمة العرب و القبائل التى استعربت في شمال السودان وقد ساعدهم على تحقيق الانتصارات عدم دراية العرب بالنيل و الحرب على متن الزوارق. ويقال أن النتيجة المباشرة لهجمات الشلك المتكررة كانت قيام السلطنة الزرقاء أو مملكة الفونج في سنار(1504-1505). و التسمية بالسلطنة الزرقاء ، فيها إشارة واضحة بان هؤلاء القوم لم يكنوا عرب أو مسلمين في المبتدأ، وبالتالي فمن المرجح أنهم شلك. ورغم دحض هذه المقولة من مؤرخين حديثا إلا أن الرحال الاسكتلندي ، جيمس بروس، زار سنار في العام 1772 وتوصل إلى خلاصة مفادها أن الفونج كانوا شلكا في الأصل. وإذا أثبتت ذلك بصورة قاطعة ، يصبح الشلك قد ساهموا في بناء الحضارة الإنسانية ليس فقط في حدود مملكتهم فحسب و إنما خارجها أيضا.
بعد أن اعتنقت الفونج الإسلام في عهد ملكهم بادي الثاني (ابودقن) [1644-1680]، شنوا هجمات شعواء ضد الشلك على امتداد النيل الأبيض حتى وصلوا جبال النوبة، ومن تلك اللحظة أصبحت مناطق الشلك و النوبة بمثابة أهداف استراتيجية في عمليات الرق [وهنا نجد أن المصير جمع الشلك بالنوبة]
آثر الشلك عدم الرد على هذه الغارات وانتظروا [حيلة الشلك في الحرب هي الصبر والصبر ثم الصبر حتى ينسى العدو] حتى عام 1684 (عام مجاعة في السودان) حينما قاموا بهجمات مضادة هدموا فيها جميع النقاط و المراكز الإسلامية التى أقيمت على النيل الأبيض حتى قرب منطقة الآس القريبة من مدينة الكوة الحالية و التى تبعد مسافة الساعة من الخرطوم العاصمة. و في تلك السنة تمكن محاربو الشلك من الوصول إلى ملتقى النيلين، ألأبيض والأزرق وبمشاهدتهم للنيلين عند ملتقاهما أطلقوا عليها لفظ " كاد اتوم" وهما كلمتان منفصلتان: كاد وتعنى النهر، وأتوم وتعنى التقاء في لغة الشلك . ومن هاتين الكلمتين اشتقت كلمة "الخرطوم" بعد استعرابها و إضافة الألف و الام" ال" إليهما، بينما يحسب الكثيرون بان التسمية أتت من " خرطوم الفيل" رمز و شعار العاصمة الذي وضع بغرض تضليل البلاد والعباد و إلهاء الناس عن حقيقة الأمر. يؤيد ما قلته أقوال الدكتور ولتر كونيجوك كذلك الدكتور لام أكول أجاوين في العام 2003 في ملتقى أقيم في الخرطوم عندما أثير موضوع العاصمة القومية وقوميتها في محادثات السلام السودانية الجارية الآن بمدينة نيفاشا الكينية و يتهيأ لي مما سبق أن الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان تملك الكثير من المصداقية في المطالبة بان تكون العاصمة قومية و خالية من أي قيود دينية كانت أم غيرها، وذلك من منطلق التاريخ ناهيك عن غيره.
صحيح أن الشلك لم يستطيعوا الصمود كثيرا بعد مجيء الحكم التركي- المصري و ذلك لسبب بسيط وهو أن أسلحتهم التقليدية لم تكن قادرة على مواجهة البنادق والمدفعية التى قدمت إلى السودان مع دخول الأتراك.مع ذلك فان الدينكا قد سبقت الشلك إلى تلك الأنحاء .
ظلت سياسة الحروب والدبلوماسية العسكرية للشلك في الشمال هي السائدة مما أثرت على حركة التجارة والقوافل التجارية التى كانت تمر عبر وسط السودان و النيل ألأبيض وفي خضم المعارك التى كانت تدور نجح الشلك في السيطرة على طريق القوافل من الغرب إلى الشرق بحيث أصبح الطريق غير سالك إلا بعد موافقتهم ، التى تكون مرهونة بالأوضاع سلما أم حربا. ففي أوقات السلم كانت القوافل تعبر المنطقة من كباية إلى سنار عبر الأبيض ومناطق الشلك على امتداد النيل الأبيض. أما في أوقات الحرب، فكان الشلك يسدون طريق القوافل مما هدى بتجار القوافل إلى التفكير في بديل فأوجدوا للقوافل طريقا من الجنوب إلى الشمال يبدأ من الأبيض عبر شندي وحتى مصر عن طريق الصحراء، وقد عرف هذا الطريق بدرب الأربعين.
حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي كانت حدود قبيلة الشلك تقف عند جزيرة آباء في وسط السودان، فالسلاح الناري لم تخمد مقاومة الشلك حتى ذلك الحين. في عام 1820 أرسل محمد على باشا ابنه إسماعيل لغزو بلاد السودان بهدف الحصول على الذهب و العبيد واكتشاف منابع النيل، بين أسباب أخر. وفي عام 1830 تمكنت الإدارة الجديدة من إقامة أول اتصال بالشلك عندما قام خورشيد باشا بأول محاولة لاستكشاف منابع النيل ، لكن الشلك هجروا قراهم في وجه البواخر النيلية التى كانت تقل المستكشفين. و في رحلة العودة أغار الشلك على هذه البواخر لكنهم تكبدوا خسائر فادحة بسبب التفوق المدفعي على الأسلحة التقليدية. مضت البواخر في سبيلها ألا أن الشلك تمكنوا من نصب كمين لاحقا استردوا فيه ممتلكاتهم من الأبقار و الأغنام ما عدا مائتي شخص أخزوا كرقيق . في عام 1839 نجح سليم قبطان في اختراق أراضى الشلك بمؤازرة الأسلحة النارية و المدفعية الثقيلة حتى وصل إلى خط عرض 5 درجة شمالا عند غندوكورو. و في نفس العام بدأت الحملات الأوربية من أجل وقف تجارة الرقيق و إلغائه تأخذ حيزا في السياسة الأوربية ولعل الدافع في ذلك لا يرجع إلى الأهداف الإنسانية النبيلة التى كان هؤلاء ينادون بها، لكن بصورة أوضح بسبب أن محمد علي باشا وإدارته في مصر، كان قد استدان مبالغ طائلة من البنوك الأوربية وعد باستيفاء تلك الديون من عائدات الرق و الرقيق وخاب حلمه لأن الشلك وقفوا بشراسة و صلابة كما حاربوا بضراوة ضد حملات الاسترقاق مما اثر سلبا على خزينة الدولة في مصر، التى لم تستطع استيفاء ما عليها من التزامات تجاه البنوك والبيوتات الرأسمالية في أوروبا، عليه قرر الأوربيون عدم جدوى هذه التجارة و طالبوا بإلغائها نهائيا. لكن، وكما هو معروف، استمرت هذه التجارة رغم الحظر المفروض عليها لسنوات عدة. قصارى القول، أن الشلك ساهموا في وقف أفظع جرائم في تأريخ الإنسانية جمعاء، ألا وهى تجارة العبيد.
مصادر:
1-The Race to Fashoda; European Colonialism and African Resistance in the Scramble for Africa. By David Levering Lewis.
2-A Modern History of the Sudan: From the Funj Sultanate to the Present Day. By P.M.Holt.Gross Press
3- A History of the Southern Sudan: 1839-1889. By Richard Gray
4-The Southern Sudan, 1883-1898: A Struggle for Control . By Robert O. Collins
5-Fashoda; The Newsletter of the North American Fashoda Association (NAFA) vol.1,Oct./Nov./Dec.2002. Issue no. 1
| |
|
|
|
|
|
|
|