|
حديقة بلا سياج .. رواية في حلقات
|
القارئ الكريم الأخوات والإخوة البورداب الأخوات والإخوة المشاركون من خارج الحوش لكم مني التحية والتجلة ووافر الإحترام هذه رواية كتبتها منذ زمن، صدرت عام 2001 ، ستنزل في حلقات، آمل أن تنال رضاكم، رأيكم يهمني مع خالص تحياتي د. صلاح البشير
حديقة بلا سياج ( 1 )
انحدرت الشمس إلى مغاربها هاويةً إلى مستقرها لتفسح لليل مكاناً يسدل فيه أستاره، وهي جالسة على أريكة وثيرة بغرفتها والقلق يحُفها من كل جانب، وقد لبسها مسٌ من غيرةٍ حمقاء، تصليها بنارها حتى كادت أن تحرقها، وتتجاذبها خواطر شتى، لا تستهدف غايةً بعينها ولا تجد في عتمة ليلها سراجاً يضئ لها السبيل. وهي لا تدري كيف أصبحت كأنة الحزن تثير في الحشا أناتٍ تختنق بها الحلوق، وتكاد تهمي بالدمع من وقعها العين. تمتمت قائلة في صوتٍ خفيض لا يكاد يسمع: • إن علِّتي لعسيرة تستعصي على الشفاء، ما هذا الشعور الذي يكاد يقتلني؟ .. أهبط عليَّ من السماء .. أم صعد إليّ من أعماق الأرض!!! نهضت واقفةً واتجهت صوب جهاز التكييف تديره، وعادت تستقبل هواءه البارد المنعش وهي جالسة على ذات الأريكة، أخذت نفساً عميقاً تملأ به رئتيها، علّها بذلك تطفئ هذه النار المضرمة في صدرها. سمعت طرقاً خفيفاً على باب الغرفة، التفتت نحوه في ضجر، وقالت: • أدخلي يا عائشة .. دلفت أمها إلى داخل الغرفة تحمل براداً للشاي، وما أن رأتها حتى نهضت من مجلسها منزعجة تجري ناحيتها لتحمل عنها حملها، وهي تقول: • عذراً أماه .. لقد خلتك عائشة .. إنني آسفة .. قالت الأم والابتسام يملأ شفتيها: • هوِّني عليك يا بُنيتي .. لا تنزعجي .. يبدو أنه قد فات عليك أن اليوم هو يوم إجازة عائشة .. بدا عليها الإنزعاج .. أشاحت بوجهها عن أمها حتى لا تدرك ارتباكها، نظرت إليها الأم والابتسام المشفق يملأ شفتيها، واكملت: • ما بك يا بُنيتي؟ .. أراك مشغولة البال .. أجابت في عجلةٍ مضطربة: • لا شئ يا أماه .. لا شئ .. وضعت براد الشاي على طاولة قبالتها، وهي تحاول ألا تقع عيناها على عيني أمها، والأم تنظر إليها في قلق وقد أحست اضطرابها دون أن تدرك السبب، انسحبت الأم من الغرفة مغلقة الباب خلفها، وظلت هي جالسة على أريكتها تنقل بصرها بين النافذة وبراد الشاي، واشتعلت في نفسها عواطفٌ كثيرة مختلفة ومتداخلة، كتلك التي تثور في نفس الفتاة حين تستحضرها أطرافاً من حياتها، طوت صفحات في مخيلتها ونشرت صفحات، همهمت في صوتٍ خفيض: • لماذا تقارب الدنيا بيننا وتباعد دون أن يكون لفردٍ منا حق الاختيار؟ ثم تمشي فينا حيلة العاجز، ولا تسعفنا قدراتنا على استدراك معالم الطريق إلى ما نريد، فتصبح دنيانا على سعتها، أضيق أفقاً وأضحل عمقاً وأفقر أنوالاً. صمتت برهة، ثم كرت تقول وهي تحدث نفسها: • .. ثم ما هذه العلة التي شغلت بها نفسي عن كل شاغل؟ .. ولماذا أراه أمامي دائماً إن في اليقظة أو في المنام؟ .. ولماذا تعذبني هذه الصورة التي أراها؟ .. كأنها تستمتع بتعذيبي على نارٍ هادئة مطمئنة، تشوي نفسي في أناةٍ وريِّث، ومع هذا لا أستطيع ردها أو منع مكروهها. لا زالت جالسة على أريكتها تنظر من خلال النافذة بعين خائرة لا ترى شيئاً، وبراد الشاي يشكو إهمال صاحبته وبرودة هواء جهاز التكييف، وهي لا تأنس مجلسها وتخالط نفسها حالة من حالات الحيرة أشبه بالجنون والخبل، ويصطلي قلبها في أتون غيرةٍ حمقاء لا تكاد تجد لها تفسيراً، لكنها تشتعل في سرعة عجيبة، لتنفث أوارها وتلهب الأجواء من حولها، فيختنق كل شئ. وهي بين هذه وتلك لا تزال تذكر كلماته حين قال لأصدقائهما متسائلاً وهو ينظر إليها نظرةً لم تستطع أن تجد لها معنًى: • تُرى لماذا نحلم دائماً؟ .. ثم ترتقي أحلامنا إلى حيث تبهر وتروع، فإذا حاولنا تأويلها، وقفت الحقائق الواقعة حائلاً بيننا وبين ما نحاول .. ولماذا تهيض أجنحتنا ويدركها الإعياء ونحن نحلم هذه الأحلام الشائقة الممتعة؟ .. ولماذا تنأى عنا نأياً بعيداً إن نحن حاولنا أن نحققها في أنفسنا أو ننالها بأيدينا؟ وكرت مسبحة الذكريات تناوشها باشةً حيناً وعابسةً حيناً آخر، وهي لا تزال قلقة مستوحشة، لا تأنس أو تهدأ كأن قد نزلت بها نازلة من نوازل الدهر. أخذت نفساً عميقاً تملأ به رئتيها علَّها بذلك تطفئ هذه النار المضرمة في صدرها، وبصرها يراوح مكانه بين براد الشاي المهمل ونافذة الغرفة التي لا ترى من خلالها شيئاً، وإذا بخيال فتاةٍ يتمثل لها بشراً سوياً، قد ارتدت ثوباً رقيقاً أبيضاً، بدا فيه جمالها الساحر أشد سحراً، ورأتها تبحر في دلها وتيهها دون أن تنظر إليها، فاستشاطت غضباً، ورمتها بوسادة لم تصبها بل أصابت براد الشاي المهمل فانسكبت محتوياته على سجاد الغرفة قبل أن تصل إليه. هرعت تنظف المكان وتلتمس الحيل حتى لا تراها أمها فتحزن لحالها مرة ولبراد الشاي مرةً أخرى. تحاول أن تلملم إليها نفسها ولكن نفسها لا زالت تهدر وتزمجر ويغطي سماءها دخانٌ كثيفٌ يصيبها ببعض العتمة والضباب. نهضت من أريكتها بعد أن نظفت المكان جيداً واخفت آثار الشاي من على سجاد الغرفة، تمددت على سريرها تحاول أن تهرب من أسر هذا الشعور المقيت، وظلت تتقلب عليه ذات اليمين وذات الشمال، حتى شاخ الليل وغلبها النوم.
(عدل بواسطة Dr. Salah Albashier on 02-21-2010, 06:23 PM)
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حديقة بلا سياج .. رواية في حلقات (Re: Dr. Salah Albashier)
|
( 3 ) قادت زهراء سيارتها الفارهة متجهةً صوب مكتبها بكلية الطب البيطري بضاحية شمبات وبجانبها جلست رفيقة دربها عديلة، كانت كدرة النفس، عصبية المزاج، وكان الوقت ذات أصيل، وقد مال ميزان النهار واحمروجه الشمس وهي تنحدر إلى مسقطها في الأفق البعيد، أخذت نفساً عميقاً علَّها تسكن به هذه العصبية وهذا الكدر، واجتهدت كثيراً وهي تحاول أن تعالج من هواجس النفس ومنازعها ما تعالج، وعديلة تختلس النظر إلى صاحبتها بين الفينة والأخرى دون أن يمنَّ الله عليهما بما يكسر هذا الصمت المقيت، وزهراء يسوقها خيالها إلى عالمه فتراه يرسم على شفتيه تلك الابتسامة الساحرة وآلة العود التي تجري أنامله عليها تبعث الألحان شلالاً روياً، كان عواداً ماهراً، وكان صوته رائعاً كأنه يغني لها وحدها دون الآخرين خاصة حين يردد " ويشيل من عمري أنا .. وإدِّيك الله يخليك"، حينها كان يرمقها بنظرة فيها كل ما تحتاجه المرأة من نظرة الرجل، ثم تسوقها الذكريات إلى صورةٍ أخرى ظلت محفورةً في مخيلتها دون أن تنمحي، فيحتويها الغضب على تلك الصورة، لكنها تملأ عليها تفكيرها فتتحول تلك الإبتسامة الساحرة التي كان يرسمها إلى ابتسامةٍ ساخرة، وتتحول تلك الألحان الروية إلى نغماتٍ نشاذ تصك الآذان، ويتحول ذلك الصوت الشادي إلى نعيق بوم، فتمتمت بصوتٍ عالٍ غاضب: • لا.. لا .. لن أدعك تحطم حياتي، لن أنهزم أمامك، .. من تظن نفسك؟ .. أين أنت مني الآن؟ .. أنا أفضل منك .. نعم .. أنا أفضل منك في كل شئ .. أنت صنيع أبيك .. أما أنا فصنيعة نفسي .. و.. التفتت إليها عديلة وهي قلقة متوجسة، أمسكت بيدها وهي تنظر إلى الطريق أمامها في خوفٍ وهلع، قالت سائلة: • ما بك؟ .. من هو هذا الذي يود أن يحطم حياتك أو أن يهزمك؟ .. عمن تتحدثين؟ .. أوقفت زهراء السيارة بجانب الطريق وقد احتواها اضطراب عجيب، نظرت إلى صاحبتها بعينين تحاولان أن تمسكا دموعهما فلا تستطيعان، ونفسٍ تغالب ذاتها على أمرٍ ما فلا تقدر عليه، قالت تحدث صديقتها راجيةً: • أرجو أن تجلسي مكاني، إنني مضطربة بعض الشئ، تعلمين لدي الكثير من الأمور العالقة ، سأسويها في القريب العاجل. تبادلت الصديقتان مقعديهما، جلست زهراء ووجهها متكئاً على راحة يدها تنظر بعيداً كأنما قد نزلت بها نازلةٌ من نوازل الدهر، وعديلة دهشة عجبة، لا تدرك لهذا الإنفعال مسوغاً، وهي ترى صاحبتها حائرة مكتئبة، ودموعها القلقة المضطربة تحاول أن تجد لها من سجن أهداب عينيها مخرجاً ، قالت تخاطب صديقتها في رفقٍ: • هوني عليك يا صديقتي، ودعي عنك كل هذا القلق .. صمتت برهة ثم أردفت: • أنت تعلمين كم أنا قلقة بشأنك .. أرجوك .. بل أرجوك ألف مرةٍ ومرة أن تخبريني عن سبب هذا الغضب وهذه الثورة .. من هو هذا الغبي الذي أغضبك؟ .. ومن هذا الذي يريد أن يحطم حياتك؟ .. ولم؟ .. ثم من هذا الذي يمكنه هزيمتك؟ .. إن حواء لم تلد من يستطيع أن يفكر مجرد أن يفكر في ذلك .. غسلت كلماتها بعض غثاثاتها، وقد انضحتها بالبارد العذب من ودها، فلملمت إليها بعض نفسها وحاولت أن ترسم ابتسامةً ما على شفتيها والتفتت إليها قائلة: • لا عليك .. و .. قاطعتها صاحبتها قائلة: • إنني لا أحب أن أشق عليك في شأنٍ من شئونك الخاصة، فاختاري لنفسك الطريق الذي تحبين وتؤثرين .. ولكن .. هل الأمر يتعلق برجلٍ ما؟ .. هل أعرفه؟ نظرت إليها صاحبتها دون أن يمنَّ الله عليها بحرفٍ واحد يسد فضولها، فادركت عديلة ما شاء الله لها أن تدرك، وشقً عليها أن صاحبتها أبت أن تبوح لها ببعض أسرارها. أوقفت عديلة السيارة في مواجهة مكتب زهراء، وصعدت المرأتان الدرج واتخذتا طريقهما إليه في نهاية الممر. فجأة تسمرت زهراء أمام مكتب الدكتور نبيل، سمعت المرأتان ضحكاً جماعياً يشنف آذانهما من وراء الباب، واكتسى وجهها بكل ألوان الغضب، ولبس قناعاً من الضيق والكدر. ورأت عديلة أنفاس صاحبتها تعلو وتنخفض في غير ضابط، سألتها في صوتٍ خفيض: • ما بك؟ .. لم توقفت أما غرفة مكتب الدكتور نبيل؟ لم تجب صاحبتها، لكنها دفعت الباب فجأةً، ودلفت إلى داخل غرفة المكتب دون استئذان، فما كان من صاحبتها إلا أن دخلت وراءها. التفت الجالسون داخل غرفة المكتب إلى دخولهما في انزعاج واضح، عدا الدكتور نبيل الذي قابلهما بابتسامته الرائعة مرحباً: • أهلاً .. بالدكتورة زهراء .. مرحباً بالدكتورة عديلة .. تفضلا .. أشار الدكتور نبيل لطالبين من طلابه بأن يقدما كرسييهما للضيفتين، بينما كانت زهراء تحدق في إحدى الطالبات والشرر يتطاير من عينيها، وعديلة دهشة عجبة من تصرف صاحبتها، وتنقل بصرها بين صاحبتها والطالبة، لكنها لا ترى الدكتورة زهراء ولا ترى الطالبة بل ترى أمرأتين تتحديان بعضهما تحدياً فيه كثير من السفور الذي لا يقبله المقام. وما فتأتا هكذا حتى سمعا صوت طالبٍ يدعوهما للجلوس قائلاً: • تفضلا .. أنها محاضر رائعة .. إن الدكتور نبيل يشرح لنا أهم الطرق وأنجعها لتشخيص أمراض الدواجن .. و.. حدجته بنظرةٍ أسكتته على الفور، ثم التفتت إلى الدكتور نبيل آمرة: • أرجو مقابلتي في مكتبي بعد انتهائك من هذا الهرج ..
(عدل بواسطة Dr. Salah Albashier on 02-21-2010, 05:01 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حديقة بلا سياج .. رواية في حلقات (Re: ابو جهينة)
|
الأخ العزيز تكعيب الريس أبو جهينة لك التحية والتجلة ووافر الإحترام شكراً لكلماتك الرقيقة وتشجيعك الدائم ومروك العظيم، أسألك الدوام
Quote: د. صلاح
تحية و سلام
مررنا على هذه الحديقة المسيّجة بحلو حديثك و جلسنا القرفصاء .. إنها قراءة أولى على عجالة سندخل إليها مرة أخرى بتمعن دمتم |
مرحب بيك ألف مع خالص تحياتي د. صلاح البشير
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حديقة بلا سياج .. رواية في حلقات (Re: Dr. Salah Albashier)
|
القارئ الكريم الأخوة والأخوات البورداب المشاركات والمشاركون الأعزاء لكم مني التحية والتجلة ووافر الإحترام هذه رسالة وصلتني عبر البريد الإليكتروني الخاص [email protected] من الأخ محمد الخاتم ، نشكره عليها، آمل مروركم عليها مع خالص تحياتي د. صلاح البشير
Quote: الأخ العزيز دكتور صلاح البشير السلام عليكم شكراً على هذا العمل الجميل، لكن بالله عليك (ما تشحتف روحنا) وخلينا من حكاية (حلقات دي) الواحد ما بقدر على المتابعة اليومية أو شبه اليومية، كفاية علينا إننا بنتابع بوستاتك بشقف شديد ، فيها الكثير من كلام أهلنا القدام شكراً د. صلاح محمد الخاتم
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حديقة بلا سياج .. رواية في حلقات (Re: Dr. Salah Albashier)
|
القارئ الكريم الأخوة والأخوات البورداب المشاركات والمشاركون الأعزاء لكم مني التحية والتجلة ووافر الإحترام هذه الرسالة(رقم 2 ) وصلتني عبر البريد الإليكتروني الخاص [email protected] من الأخت هـ . م ، نشكرها عليها، آمل مروركم عليها مع خالص تحياتي د. صلاح البشير
Quote: دكتور صلاح ازيك يا دكتور ، والله يا دكتور انت محنتني انت قلت الكلام ده على لسان عديله (حين أحس بنظرة زوجي لامرأةٍ ما، تتملكني غيرة عمياء، قد تكون النظرة غاية في البراءة، ولكني حينها لا أفهم ذلك، فأسعى بكل ما أوتيت من قوة وقدرةٍ على الحيلة إلى إغضابه، وإيلامه، ومضايقته، بل أبحث كل طريقة تمكنني من أن أقول أو أفعل أي شئٍ لا يحبه، ورغم ذلك لا تكون هذه رغبتي الحقيقية، بل اود أن أرتمي على صدره ليغفر لي ذلة الأنثي التي لا تحسن احتمال المحنة ولا الثبات في الخطب.) أنا دايره اعرف انت كيف عرفته انو المراة بتحس الاحساس ده الكلام ده حقيقي ميه ميه وانا ذاتي قاعده احس بيه لكن وانت راجل عرفته الاحساس ده كيف الكلام ده بعرفو النسوان بس انت عرفتو كيف حيرتني اختك هـ . م
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حديقة بلا سياج .. رواية في حلقات (Re: Dr. Salah Albashier)
|
( 9 ) دلف الأستاذ جمال المحامي إلى مكتب الدكتورة عديلة، يحمل حقيبته في إحدى يديه وفي اليد الأخرى مجموعة من الملفات بألوانٍ مختلفة. استقبلته الدكتورة عديلة باسمة، ونهضت مادةً يدها تصافحه، وضع الملفات على طاولة مكتبها، كي يصافحها وقال في ضحكته المعهودة: • سلام الله عليك يا دكتورة، آسف هي عادة لا رجاء في تركها، ملفات في يد ، وحقيبة في أخرى، وعشرات الأمور تشغل البال دون جدوى .. أجابته الدكتورة عديلة والابتسامة تكاد تبلغ مبلغ الضحك: • وعليك السلام والرحمة .. لا عليك يا أستاذ، هذه هي الدنيا .. سألها وهو يتلفت: • هل الدكتورة زهراء موجودة؟ .. أم هي كالعادة .. في أحد أقفاص الدجاج بالمشروع .. لم تستطع الدكتورة عديلة أن تكتم ضحكها هذه المرة، لكنها أشارت بأصبعها إلى مكتب الدكتورة زهراء قائلة: • إنها بالداخل .. في انتظارك .. حمل الأستاذ جمال المحامي ملفاته مرةً أخرى، ذم شفتيه قليلاً وعقد حاجبيه، ثم دلف إلى مكتب الدكتورة زهراء، بعد أن أذن له بالدخول. استقبلته الدكتورة زهراء مرحبةً وهي تحاول أن ترسم الابتسام على شفتيها، قالت مرحبة: • أهلاً بالأستاذ جمال، كيف حالك؟ مضى وقت طويل لم نلتقيك فيه .. ترى ما هي أسباب غيابك الطويل عنا؟ رسم الأستاذ جمال ابتسامةً باهتةً على شفتيه، ثم ذمهما ثانيةً، وأجابها مجاملاً بعد أن زفر هواءً ساخناً من رئتيه: • أهلاً بك يا دكتورة .. إنها مشاغل الحياة التي تلهيك عن كل شاغل .. آمل أن يسمح وقتك لإيضاح ما جئت بصدده. لم تأبه الدكتورة زهراء لحديثه الجاف ، لكنها تناولت سماعة الهاتف، أدارت رقماً قصيراً، والتفتت إليه سائلة: • بم نضيِّفك؟ .. هل ترغب في كوب من الشاي أم عصير الليمون المثلج؟ قال في برود محركاً كلتا يديه حتى تماثل ما يريد قوله: • فلنبدأ بعصير الليمون المثلج أولاً .. ثم نثني بالشاي السادة الساخن .. نقلت الدكتورة زهراء طلب ضيفها إلى نادل الشركة عبر الهاتف، وتشاغل الأستاذ جمال بملفاته، يفتح هذا ويضع هذا على الطاولة، ثم يخرج آخر من حقيبته، كأنه يرغب في أخذ نصيبه من الضيافة قبل البدء بالعمل، وهي تنظر إليه دون أن تدري ماذا في جعبته؟ ولم لا يريد أن يفصح؟ تململت قليلاً وسألته: • هل من شيئٍ محدد يا أستاذ؟ مر الأستاذ جمال المحامي بيده على شعره الأكرد غير المصفف، وتناول من جيبه علبة سجائره، سحب منها سيجارة، ووضعها في فمه دون أن يشعلها، ثم أخذها بين أصبعيه، وزفر زفرة راح يتأملها كأنها دخان سيجارته غير المشتعله، والدكتورة زهراء تراقبه دون أن تنبث ببنت شفة، تحاول أن تبدو هادئة أمام محاولاته المستفزة، أجابها أخيراً: • نعم .. يبدو أنك على عجلةٍ من أمرك .. لقد استجدت بعض الأمور في الشركة التي تديرينها .. المالكة ترغب في التخلص منها .. و .. قاطعته الدكتورة زهراء وقد صقعتها المفاجأة، فنهضت واقفة وهي ترتجف من الغضب والذهول على السواء: • ماذا؟ .. ماذا تعني؟ .. ماذا تريد أن تقول؟ .. تتخلص منها! .. كيف؟ .. ولماذا؟ .. إنها أكبر شركات الدواجن في البلاد .. كيف يستقيم ذلك؟ .. إنها الشركة التي تسيطر على أكثر من ستين بالمائة من منتجات الدواجن في أسواقنا المحلية .. بخلاف خط التصدير الذي افتتحناه بداية هذا العام .. كيف ذلك؟ ! .. نظر إليها الأستاذ جمال نظرةً فيها الكثير من الشماتة والتشفي، ورسم على شفتيه ابتسامة ساخرة، قال: • إهدئي يا دكتورة .. إنها تعلم بكل الذي تقولينه .. ورغم ذلك فهي لا تريد .. ترغب في التخلص من الشركة .. تريد بيع حصتها فيها .. هل لديك ما يمنعها من ذلك؟ ارتمت زهراء على كرسيها، وانحدرت دمعة سخينة من مقلتيها، والأستاذ جمال يراقبها في زهو المنتصر، لملم إليه ملفاته، ووضع أحدها على طاولة مكتبها، ونهض قائلاً: • أعتذر إن كنت قد فاجأتك .. لكنها إرادت المالكة، بهذا الملف الأحمر الذي على طاولتك الآن .. كل المعلومات اللازمة .. سأحضر خلال ثلاثة أيام لمناقشة التفاصيل .. حتى نبدأ عملية طرح الأسهم في السوق .. آمل أن تمري عليه .. إلى اللقاء. أدار ظهره لها ، وظلت تتابعه حتى غاب عن ناظريها، فانفجرت باكية بصوتٍ عالٍ.
| |
|
|
|
|
|
|
|