على أنصار السنة الشرفاء ألا يسمحوا للمتعجلين للدنيا بتشويه الدعوة

Quote: رد على الأستاذ محمد أبو زيد مصطفى بقلم : د.عارف عوض الركابي نشر بصحيفة الانتباهة يوم الثلاثاء الموافق 17رجب1431هـ إن تطبيق الشخص للمبادئ التي يظهر إيمانه بها ، والتزامه بها هو من أقوى الوسائل لأن يقتدي الناس به في العمل بها ، وهو من أقوى الأسباب لحصول قناعتهم بها ، فإن من يدعو الناس إلى أمر ما ويسعى للانتصار له لابد وأن يجتهد ــ قدر وسعه ــ في أن يثبت صدقه بصحة مبدئه ؛ وذلك يكون بالالتزام به والحرص عليه . وهذا أمر يشترك فيه كل العقلاء ، وبالتالي فإن من يدّعي تبني منهج ما ، أو يدّعي الانتصار لمعتقد معين إن كانت أفعاله تخالف ما يدعو إليه فإن ذلك أمرٌ يرفضه كل العقلاء. وانظر إلى قول الله تعالى : (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) فقد ختم الله تعالى الآية بسؤال هؤلاء بقوله "أفلا تعقلون " ؟! فلا يقبل عاقل ولا يرضى لنفسه أن يكون متناقضاً ، يبدو وأنه صاحب وجهين ، وقد جاء في الحديث الصحيح "شر الرجال ذو الوجهين". ومن ناحية (نفسية) فإن الشخص الذي يخالف مبادئه ويناقضها بأفعاله ، يعيش في قلق نفسي ، وغم ، وعدم رضا ، واضطراب ، حيث إنه يرى أنه يكذب على نفسه قبل أن يكذب على الآخرين. وقد ضرب الله تعالى مثلاً لمن لم يعمل بعلمه ، يعرفه كل مسلم ومسلمة ، وهو قوله تعالى في سورة الجمعة :"مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين". وما تقدم هو فيما إذا كان الأمر متعلقاً بالشخص نفسه ولا يتعدى إلى غيره ، حيث إن الخلل بين تصرفات هذا الإنسان ومبادئه التي يدَّعي الانتصار لها لا يكون تأثيره أسوأ وأشد مما إذا كان الأمر متعلقاً بعامة ، وكان هذا الشخص في مقام (القدوات) و(الزعامات) ، ولا تعجب من قول الإمام التابعي الزاهد محمد بن سيرين رحمه الله :"كنا نرى أنه إذا صار يقتدى بنا تركنا حتى المزاح" وليس ذلك بالطبع لتحريم المزاح ، فإن فيه الجائز وفيه غير الجائز ، ولكن ذلك منه من باب الحرص في أن لا يكون فتنة للناس في أمر وقد صار إماماً يتبع!! وقد قال الله تعالى : (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين آمنوا). لقد حذر أئمة الإسلام أشد التحذير من تساهل من يصيرون قدوة بين الناس في الالتزام بالحدود الشرعية ؛ فيكون قد تسبب في ضلال الناس وانحرافهم عن الصراط المستقيم ، إذ يقول الناس فلانٌ يفعل ذلك ؛ فما بالنا نحن؟! خاصة ونحن نعيش في زمان ضعف في التدين ، وتساهل في الوقوف عند حدود الله ، إلا من رحم ربي. في شعبان عام 1421هـ أي قبل حوالي عشر سنوات من الآن كتبت بحثاً صغيراً في الرد على صاحب كتاب "المفهوم السلفي للعمل السياسي" وكان عنوان البحث : "تنبيه دعاة السلفية إلى أن السياسة التي يدعو إليها ...... ليست شرعية" ؛ وبينت أن السياسة التي يدعو إليها بناءً على تصريحاته في بعض الصحف ليست من السياسة الشرعية ، وقد انتشر ذلك البحث بين كثير من الدعاة وطلبة العلم ، ولم يكن في وقتها يتلقى بالقبول من كثيرين من إخواننا ، ولكنهم توصلوا إلى نتيجته بعد حين!! هذا الشخص المقصود والمردود عليه ، بذل كل ما لديه من جهود لأجل الولوج في المعترك السياسي ، ليس الولوج بشخصه ، وإنما بجماعته التي قد عرفت عبر تأريخها الطويل بالحرص على الدعوة إلى الله وتصحيح المعتقد ، وبيان أصول الإسلام وتشريعاته والسير في مشروع التصفية والتربية عبر المساجد والمحاضرات والخطب والدروس والحلقات العلمية في الأسواق ونشر الكتاب والشريط ، وحصل بفضل الله تعالى ثم جهود الدعاة والمخلصين الخير الكثير الذي يشهد به القريب قبل البعيد. وقد اجتهد ذلك الأستاذ لجمع فتاوى تؤيد هذا الاتجاه من بعض العلماء ، وكانت الفتاوى التي حصل عليها مقيدة بشروط وضوابط محدّدة ، وكانت تلك الشروط التي اشتملت عليها الفتاوى من أسرع ما يكون ذهاباً أدراج الرياح ، ولم يكن لها أن تصمد من أول اللحظات!!! كان الاتجاه لأن تدخل الدعوة هذا المضمار ، و(لسان الحال) يقول : ولو تخلى عنها أبناؤها وفلذات أكبادها !! ولو انشقت وذهب منها المخلصون الأخيار ، وربما هناك عبارات بـ(لسان المقال) محفوظة عن بعضهم سامحهم الله ؛ فالعمل السياسي أمرٌ حتمي لا مناص منه ، ولا تراجع عنه ، ولو بأغلى الأثمان !!! وهو عنوان بحثه المذكور قبل طباعته "حتمية العمل السياسي"!!. تقلد الأستاذ المنصب الوزاري والأعين والأنظار ترقب ، آن الأوان لتطبيق القواعد ، ولتقليل المفاسد ، ولنشر الفضائل ، ولتفعيل منهج الموازنات ، وللتعريف بالجماعة ، ومنهجها ، انتقلنا من طور التنظير إلى التنفيذ ، لطالما حكى الأستاذ في بحثه عن يوسف عليه السلام وما أحدثه من تغيير ، وقد كان في ولاية العزيز !!! وقل ما شئت من تلك الأمنيات التي تفرح الصديق وتغيظ العِدا .... ولكن ما الذي حصل وإلى أين كان الاتجاه ؟! مصافحة للنساء أمام الملأ وهي من المبادئ المعروفة لدى الجماعة ، انطلاقاً من النصوص الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك ، مشاركة ورعاية للمباريات ، وتكريم للرياضيين والرياضيات ، ورفع للكؤوس ، ودخول للكنيسة ، وافتتاح لأندية ثقافية لدول غربية !! بل وتشريع قانون لحماية حقوق المسرحيين والموسيقيين وحفظ تراثهم وفنهم!!! وينشر ذلك عبر أكبر وسائل الإعلام الإذاعة والتلفزيون القومي ومواقعهما على شبكة الإنترنت. فأين المبادئ الدعوية ومصلحة الدعوة في ذلك يا معالي الوزير؟! وأين ضوابط تلك الفتاوى والشروط التي اشترطها المفتون؟! وأين ذلك التنظير الذي دوّنته في كتابك المطبوع ، بأن لا يكون تأثر وتخل وتنازل عن الثوابت ؟! أم أن هذه الأمور ليست من الثوابت وهي من المتغيرات ؟! ثم المفاجأة بعد كل ذلك بمنصب يتعلق بالسياحة والآثار ، ومعلوم ما الذي يدخل في هذين الجانبين ، مما تتصادم رعايته مع مبادئ الأستاذ ومبادئ دعوته التي عن طريقها وبسببها جاء إلى هذا المكان ، وتقلد هذا المنصب. ويكفي ردود الأفعال من المنتسبين للدعوة بعد هذا المنصب الجديد ، ولا أدري ماذا يقول الأستاذ ومن يؤيده وهم يقرأون شماتة من بقي من حثالة الجمهوريين أتباع الهالك المرتد محمود محمد طه وقد كتب أحدهم مقالاً طارت به بعض الصحف ومواقع الإنترنت؟! أين الجهود الدعوية ؟ وأين النصرة لمبادئ الجماعة ؟ بل وأين الثبات عليها ؟! وأين التعريف بها وإظهارها وأنها قادرة على معالجة الأدواء مهما تنوعت وبأفضل السبل وأحسنها؟! وأين الموازنات الشرعية التي أشغلت بها الناس أيام التنظير؟! ألا يكفي التسبب في شماتة أعداء المنهج السلفي ؟! فإن خصوم السلفية استقلوا كل ذلك في تشويه هذا المنهج والإساءة إليه ؛ وبعضهم يعلم وبعضهم لا يعلم أنه لا يحظى بتأييد في ذلك إلا من قليلين!! ألم تدرس بكلية الشريعة باب سد الذرائع في علم أصول الفقه ؟! وهو يعني ترك الجائز بل والمستحب لأجل ما يترتب عليه من مفاسد ، وقد نهى الله تعالى المؤمنين عن سبّ آلهة المشركين إذا كان ذلك يكون سبباً في سبهم الله تعالى (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم). كما وقد نهى الله تعالى المؤمنين أن يقولوا للنبي عليه الصلاة والسلام (راعنا) أي أمهلنا ؛ لأن اليهود يقولونها ويقصدون بها (الرعونة) فقال الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا) ، وقد ترك النبي عليه الصلاة والسلام قتل رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن أبي سلول وقتله في من المصالح الكبيرة للمسلمين إلا أن ذلك كان سيستغل في تنفير الراغبين في دخول الإسلام بقولهم محمد يقتل أصحابه ؛ والأمثلة في ذلك كثيرة ، وهذه أمور لا تخفى مصلحتها والخير الذي يترتب عليها ولكن أمر الشرع بتركها لما يترتب عليه من المفاسد ، وأنت تناقض المبادئ وتقع في المخالفات الواضحة مع حصول هذه المفاسد من شماتة الأعداء والتشويش على الدعوة ، وزيادة الافتراق والتنازع. وإن هذه التصرفات لا تحسب على المنهج القويم الذي امتدت جهود المنتسبين إليه في شتى ولايات السودان ، يدعون إليه وهم في ثبات على الأهداف والغايات ، تنتشر دعوتهم ، بالحكمة والموعظة الحسنة وبالتي هي أحسن ، متصفين بالأخلاق الفاضلة مع المدعويين ، ومع الحكام والمسؤولين ؛ ولا يرجون من أحدٍ جزاء ولا شكوراً ، وقد نفع الله بتلك الجهود وهو أمر لا يحتاج إلى استدلال. ولا يعني ذلك أن المنهج السلفي لا يرى أصحابه التعاون مع ولاة الأمور ، فإن ذلك لا يقول به إلا من يجهل أصول ومبادئ وقواعد المنهج السلفي وسيرة دعاته والمنتسبين إليه ، ويكفي من يريد الاستدلال النظر في موقف السلفيين في الانتخابات السابقة ، وتأييدهم لرئيس الدولة وتوصيتهم للتصويت له ، ومن العجائب أن ذلك الأستاذ كانت له تصريحات ومواقف وتهديدات نشرت عبر الصحف أيام ترشيحه وعدم فوزه ، وهي من أبعد أن تكون من مواقف السلفيين أو طريقتهم . ورسالتي التي أختم بها هذا المقال أوجهها إلى كل من سعى في استغلال هذه التصرفات والتشويه بها على السلفيين والتعميم وكأنها من المنهج السلفي ودعوة التوحيد ، أن يتقي الله ويلتزم العدل ، ويتحرى في التعميم في ذلك ؛ وقد قال الله تعالى :"ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى". وأسال الله الهداية للجميع ،، والموفق من وفقه الله ،،،،