|
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! (Re: صلاح عباس فقير)
|
المبحث الأول نظرية الفيض لدى الفارابي و ابن سينا
أ / دافعها الأساسي : تكونت هذه النظرية على يد الفيلسوف أبي نصر محمد الفارابي (ت95.م) الملقب بالمعلم الثاني ، و ذلك في خضمّ الجدال الكلامي و الفلسفيّ حول مسالة خلق الله للعالم . إن نصوص الشريعة تقرّر بوضوح انه ( كان الله و لم يكن شيء قبله ) ، أي أن الخلق قد خرج من دائرة العدم ، بينما تنكر الفلسفة ذلك ، و يقول الفارابي معبراً عن موقفها أنه ( منذ الأزل كان الله و معه العالم ) ، إذن فثمة تعارض كبير بين الشريعة و الفلسفة إزاء مسالة الخلق بحيث يستحيل الجمع بينهما . و الفارابي لا يريد أن يضحي بموقفه الفلسفي و لا بانتمائه إلى الإسلام ، فلذلك ينهض مجتهداً في إزالة هذا التعارض من خلال تكوين رؤية توفيقية ، استمد عناصرها من مصادر مختلفة ، أبرزها أف########ن اليوناني و صابئة حران عبدة الكواكب و تيار الحركة الباطنية و النظام الفلكي القديم ، فكان خلاصة ذلك ما يعرف بنظرية الفيض و الصدور أو نظرية العقول و الأفلاك .
ب/ أصولها الاعتقادية : تستند نظرية الفيض إلى تصور خاص عن ذات الله سبحانه و تعالى و صفاته ، يبدو كما يلي: ذات الله سبحانه وتعالى عقل محض ، أي روح خالص برئ من المادة وصفاتها . وبما أنه تعالى عقل محض فهو إذاً عقل كامل ، ومقتضى كماله - في زعمهم - شيئان : أ -أنه لا يعقل ماهو دونه ، بل يعقل ذاته فقط . ب-وأن عقله لشئ وعلمه به يقتضى وجود هذا الشئ تلقائياً ، دونما حاجة لصفتي الإرادة والقدرة . ج- وهو سبحانه وتعالى واحد لاشريك له ، وبسيط لا تركيب فيه ، وما كان كذلك فليس يصدر عنه أو يخلق بواسطته إلا شئ واحد بسيط مثله ، فليس يجوز أن يعتقد وفقاً لذلك بأن هذا الكون المتعدد قد خلقه الله هكذا بإطلاق، فلننظر إلى أصولها الكونية .
ج/ أصولها الكونية : ترسم هذه الأصول رؤية كونية متكاملة للعالم السماوي والأرضي ، رؤية تنبثق مباشرة من الأصول الاعتقادية لنظرية الفيض ، التي تقتضي أن الله سبحانه إنما يعقل ذاته فقط هذا على مستوى الفكر ، أما على مستوى الفعل فلا يصدر عنه إلا شيء مثله فقط . وهكذا فقد عقل الله ذاته ومن عقله لذاته فاض عنه عقل ثان ، يعني لو أنه عقل شجرة لوجدت هذه الشجرة ، ولكنه لا يعقل ولا يفكر في الكائنات الأدنى منه ، وبالتالي فلم يعقل إلا ذاته ففاض عنه عقل آخر مثله ، وهذا العقل الآخر كذلك لا يعقل ما هو دونه فعقل العقلَ الذي قبله وعقل نفسه ففاض عنه عقل آخر ، ... وهكذا تواصلت سلسلة الفيض إلى العقل العاشر ، مرتَّبةً من الأعلى إلى الأدنى درجة وليس طبيعة ( = إذ طبيعتها واحدة وهي أنها أرواح محضة ) ، هذا هو العالم السماوي في حقيقته عندهم يتكون من العقول العشرة ، التي هي الله وملائكته - بزعمهم - فإن سألت : أين الأفلاك والكواكب ؟ سيقال لك هي نفسها الملائكة الذين نسميهم عقولاً . أما العالم الأرضي فيترتب على عكس العالم السماوي ، أي من الأدنى إلى الأعلى ، من المادة الأولى إلى العناصر الأربعة ، ثم المعادن ثم النبات ثم الحيوان ثم الإنسان. والصلة بين العالمين هي العقل العاشر(=عقل فلك القمر) الذي أبدع الموجودات الأرضية ؛ فلذلك يسمى عندهم بالعقل الفعال ، وهو في اعتقادهم جبريل عليه السلام .
د/ جوهر نظرية الفيض : حركة التسامي والارتقاء : وهي الحركة الصاعدة بالإنسان في مراتب الكمالات المنوطة به ، و هم يمهدون لهذه الحركة بملاحظة تسلسل أنواع الموجودات الأرضية أي المعادن ثم النبات ثم الحيوان ثم الإنسان ، فيقررون قاعدةً : أن آخر أفق كل نوع متصل بأول أفق النوع التالي له ، وبالتالي يكون مستعداً لأن يرتقي حتى يصير مثله . إذاً فكما أن آخر أفق الحيوان متصل بأول أفق الإنسان ، فكذلك آخر أفق الإنسان متصل بأول أفق الملائكة أي العقل الفعال جبريل ، ومستعد ليصير مثله روحاً ملكياً خالصاً ثم يواصل ترقيه في مراتب الأرواح والأفلاك حتى يبلغ الغاية فيفنى في ذات الله ويصير هو إياه . وبذلك يستعيد الإنسان كينونته الحقيقية باعتباره جوهراً روحانياً خالصاً ، ويتحرر من هذا السجن الذي وجد نفسه أسيراً فيه أي سجن البدن . هـ / المعاد في نظرية الفيض : ذلك التصور الفيضي يتناقض مع ما تقرره النصوص الشرعية بوضوح من أن الإنسان يبعث يوم القيامة بجملته جسداً وروحاً ويجازى حسياً ومعنوياً . أدرك ابن سينا ذلك وأكد أن المعاد الذي يكون ببعث الأجساد أمر ( لا سبيل إلى إثباته إلا من طريق الشريعة وتصديق خبر النبوة ) . أما المعاد الذي يكون بتحرر النفوس والأرواح من سجون أبدانها لتسعد سعادة روحية محضة أو تعذب عذاباً معنوياً بحتاً فهو أمر ( مدرك بالعقل والقياس البرهاني ) . فابن سينا مع شعوره بأن الدلالة الصريحة للنصوص تخالف نظريته في النفس . لكنه لا يجد في نفسه ما يدعوه إلى اتباع مقتضى الشريعة فيلجأ كما لجأ سلفه الفارابي إلى الإدعاء بأن الفلسفة تتضمن حقائق الأشياء بأسبابها وارتباطاتها ، بينما تتضمن الشريعة صوراً ومثالات لتلك الحقائق ، فيأخذ العامة ظاهرها من صور ومثالات ، بينما يقتنصون هم تلك الحقائق .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! | صلاح عباس فقير | 09-19-10, 07:32 AM |
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! | صلاح عباس فقير | 09-19-10, 07:36 AM |
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! | صلاح عباس فقير | 09-19-10, 07:39 AM |
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! | صلاح عباس فقير | 09-19-10, 07:42 AM |
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! | صلاح عباس فقير | 09-19-10, 07:44 AM |
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! | محمد عمر جبريل | 09-19-10, 07:46 AM |
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! | هشام آدم | 09-19-10, 08:11 AM |
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! | صلاح عباس فقير | 09-19-10, 08:52 AM |
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! | صلاح عباس فقير | 09-19-10, 09:01 AM |
Re: نظرية الفيض والصدور! أو نظرية العقول والأفلاك! | هشام آدم | 09-19-10, 09:16 AM |
|
|
|