معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-21-2024, 07:28 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-03-2010, 09:59 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسودة النهائية .. (Re: طلعت الطيب)

    عصر التنوير السوداني، إعادة تعريف المدخل ... بقلم: التجاني الحاج عبدالرحمن


    الخميس, 02 أيلول/سبتمبر 2010 22:48
    [email protected]
    كلمة لا بد منها:
    الشكر للأستاذ الصاوي على طرح ورقته "معاً نحو عصر تنوير سوداني"، والذي ـ وكعادته في المبادرة ـ طرح موضوعاً جديراً بالنقاش، فاتحاً الباب على مصراعيه للإسهام في قضية فكرية هامة. وهذا المقال بدى لي كنوع من الإستمرارية لحوار إنطلق في السابق من خلال التعقيب على مقالات سابقة للأستاذ الصاوي حول: " البحث عن الإستنارة في صحراء الإسلاميين"، غير أن دعوته الأخيرة لعصر تنوير سوداني بدت أكثر عمومية، إذ خرجت من أسر التنقيب في صحراء جافة، للبحث عن منابع جديدة وأصيلة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه تدشين لمرحلة جديدة في أوساط المثقفين السودانين كان من المفترض أن تبدأ قبل فترة طويلة، ولكن أن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي أبداً كما يقال. هناك عدة قضايا طرحها الأستاذ الصاوي في رؤيته الأخيرة تستحق إعادة النظر فيها بعمق أكثر، خاصة وأن الأمر يتعلق بالتأسيس لعصر تنوير سوداني وسأتناولها بالتحليل أملاً في أن تثري الحوار ومساعي البحث عن العقلانية في واقعنا الذي أصبحت فلسفة الظلام والتغييب هي ألأكثر رسوخاً.
    وسأركز مقالي هنا على الأساس الذي إنطلق منه الأستاذ الصاوي بإعتبار أن تناول قضايا الإصلاح التعليمي، وتنشيط منظمات المجتمع المدني التي تناولها كمكونات لإستراتيجية التنوير، هي تفاصيل ونتائج أفرزها تحليله لواقع وجذور الأزمة السودانية وأسس عليها بالتالي مقترحاته حول المعالجات الواجب إتخاذها لإنطلاق مسيرة التنوير التي يدعو لها في طريقها الصحيح.
    جذور الأزمة السودانية، هل هي أزمة نظام ديمقراطي أم أزمة مشروع وطني(؟)
    التأسيس لإستراتيجية التنوير كما مهد لمدخلها الأستاذ الصاوي من خلال مدخل "جذور الأزمة السودانية" جعلت من فشل إستدامة النظم الديمقراطية أساساً للإشكاليات الراهنة حينما أشار إلى ذلك بأنه: ".. بينما تدل حالة التمزق الافقي والرأسي للبلاد، وحدة وطنيه ومجتمعا، بصورة قطعيهعلي خطورة الفشل في تأسيس مشروع ديموقراطي سوداني حتي الان. والافتراض الذي تقوم عليه هذه الورقه هو انه لاسبيل لتفكيك معضلة الاستعصاء الديموقراطي هذه الا بعمل مواز لتفكيك معضلة الاستعصاء التنويري/الاستناري.لاديموقراطيه بلا ديموقراطيين ... ولاديمقراطيين بلا استناريين..". رابطاً بصورة مباشرة وصميمة كما بيّن ذلك، ما بين حركة التنوير والبيئة الديمقراطية. ووأد في هذا الصدد طرح مناقشات نقدية للمقارنة.
    خلافاً لما يرى الأستاذ الصاوى فأن الأزمة ليست أزمة "نظم ديمقراطية" وإنما هي أزمة "مشروع وطني"، ولتلمس هذه المقولة يجب أن نوضّح الفارق ما بين المفهومين(؟). أن مفهوم "المشروع الوطني" أكثر شمولاً وإتساعاً من مفهوم النظام الديمقراطي، فـالمشروع الوطني يتضمن داخله عناصر كثيرة ـ بما فيها النظام الديمقراطي نفسه ـ ويمثل درجة قصوى من الإتفاق ما بين الكيانات الإجتماعية/السياسية في الدولة على قواعد لا يمكن تجاوزها أو القفز فوقها، وأهمها: (1) هوية الدولة، (2) نظام الحكم، (3) نمط التطور الإقتصادي وعدالة إقتسام الموارد، (4) العلاقات الإجتماعية و (5) القاعدة الدستورية. هذه العناصر مجتمعة ـ عند الإتفاق عليها والعمل على تنميتها وتطويرها لصالح كافة الكيانات الإجتماعية في إطار الدولة ـ تمثل جوهر مفهوم المشروع وطني، وينتصب نظام الحكم الديمقراطي كأحد أعمدتها الأساسية. بمعني؛ أن النظام الديمقراطي يمثل جزءاً من كل، يتفاعل مع بقية العناصر الأخرى ليحقق في نهاية المطاف التطور والتقدم. فالنظام الديمقراطي لوحده لا يمكنه القيام بذلك بمعزل عن بقية العناصر. وقد أثبتت التجربة السودانية عبر الحقب الماضية ذلك. إذاً الإستراتيجية التي وضعها الأستاذ الصاوي في أساسها في حوجة لإعادة تعريف وتوسيع للمفهوم بنقله إلى مستوي أكثر شمولاًً. ولمزيد من التحديد لذلك سآخذ العناصر السابقة كلٍ على حدا كنماذج بغرض البحث والمقارنة في واقع تاريخنا المعاصر:
    1. هوية الدولة: منذ فجر الإستقلال إتخذت مسألة الهوية طابع إشكالي، ذلك لأن النخب التي وجدت نفسها في سدة الحكم حينها، أصرت على تحديد العروبة والإسلام كهوية للدولة، في قفز بالزانة على واقع التعدد في السودان، وبذلك إنسلخت عملياً عن قاعدتها الإجتماعية العريضة وحاصرت نفسها والدولة بكاملها بسياج محكم، إنتهي بأن قاد إلى تركيز السلطة والثروة في أيدي هذه النخب العربية الإسلامية على حساب الكيانات الأخرى، وهو ما تم تعريفه لاحقاً بعمليات التمركز والتهميش التي نتجت عنها النزاعات والصراعات الدموية والتهديد بتفتت الدولة. وهو ما إستشرفه الزعيم الأفريقي كوامي نكروما عشية إستقلال السودان وتقدمه بطلب لنيل عضوية الجامعة العربية حين قال: " كان يمكن للسودان أن يكون أفضل الأفارقة، لكنه إختار أن يكون أسواء العرب" في نبوءة إخترقت حواجز الزمان والمكان.
    2. نظام الحكم: كافة أنظمة الحكم التي تعاقبت على الحكم في السودان، برلمانية كانت أم عسكرية أو شمولية، ظلت سمتها الأبرز وطوال فترة ما بعد الإستقلال وإلى يومنا هذا، أن الذين يحكمون (هم) من إثنيات محددة وخلفية ثقافية واحدة. وبالتالي لم يحقق نظام الحكم ـ مهما تبدلت إنماطه ـ شرط المشاركة الحقيقية، وهي القيمة المركزية في مفهوم الديمقراطية، لا بسبب قصور النظام الديمقراطي في حد ذاته كمجموعة قيم وآليات، وإنما إستناداً على "لاشعور سياسي" قابع في مؤخرة ذهنية هذه الصفوة، شرّع لهم بأنهم أحق بالسلطة من غيرهم، وكثيراً ما كفت هذه الحقيقة للسطح كلما فكرت تنظيمات الهامش في الإستيلاء على السلطة بنفس الأدوات التي مارستها النخبة في المركز والذي لم يتواني على الإطلاق على دمغها بالمؤامرات العنصرية.
    وبالتالي فالإشكالية لا تكمن في النماذج أو الصروح الديمقراطية، بقدرما هي قضية "عقل سياسي" سائد ومسيطر بالأساس، تمثل آيديولوجيا العروبة والإسلام البنية اللاشعورية لتوجهاته وخياراته السياسية. وبالتالي مهما أتينا بنظام ديمقراطي نموذجي، ففي ظل سيطرة هذا العقل السياسي ببطانته الآيديدولوجية، فإن النتيجة الحتمية هي الإقصاء، لأن جوهر عملية المشاركة للكيانات الأخرى لا يمكن أن تتحق في ظله وتحت شروطه، وسوف تتعرض بإستمرار للقمع لأنها ليست جزءاً من هوية الدولة العروبية والإسلامية. وبالتالي فإن إعادة الإعتبار لحق المشاركة للآخرين لن يتأتي إلا من خلال إعادة صياغة العلاقات الإجتماعية بين الكيانات التي تقطن السودان وإعادة تأسيسها من جديد، حتى نتمكن من أن نرتفع بمستوى قبول الآخر الذي يتيح المشاركة المتساوية في ممارسة السلطة.
    1. نمط التطور الإقتصادي: هذا العامل، وبعيداً عن الخوض في توصيفات كنمط التطور الرأسمالي أو الإشتراكي، نجد أن السمات الرئيسية التي ميزت البنية الإقتصادية هي أنها أصلاً موروثة كليةً من الإستعمار، والذي وضعها وصممها لخدمة مصالحه المتمثلة في إستنزاف الموارد الوطنية. وفي مرحلة مابعد الإستقلال لم تتغير هذه البنية لا شكلاً ولا مضموناً، وكل الذي حدث إن إستمرت بقاعدتها المادية وعلاقات وأدوات إنتاجها، وبدلاً من إن كانت تخدم مستعمراً قابعاً فيما وراء البحار، أضحت تخدم نخب وطنية بين ظهرانينا، فكان منطقياً أن ينتهي الإقتصاد إلى أن يكون محتكراً في أيدي قلة أسوة برفيقته السلطة. هذا من جانب، ومن جانب آخر، وحتى ما قبل إنقلاب الإنقاذ، كان يمكن عمل شئ لإعادة الأمور إلى نصابها، لكن النقلة التي أحدثتها حركة الإسلام السياسي، فاقمت من إلإشكالية الإقتصادية وأدخلتها في محنة حقيقة، حيث أنها دمرت القاعدة الإقتصادية المنتجة التي خلفها الإستعمارـ على علاتها ـ وبالتالي أعدمت علاقات الإنتاج التي كانت تربط الدولة بالمنتج، ليحل محلها نمط أكثر تخلفاً، هو نمط الإقتصاد"الريعي" الذي يعتمد على دخل مورد محدد يتم صرفه على الخدمات والإستثمارات الطفيلية المشبوهة، بدلاً من إعادة تدويره في البنيات الإقتصادية المنتجة من زراعة وصناعة وخلافه. وبالتالي جاءت الضربة القاضية للقاعدة الإجتماعية التي كانت تعتمد على الأشكال الإقتصادية المورثة والتي كانت تستوعب وتشغل قطاعات واسعة من الكيانات السودانية، وبنت علاقات إنتاج متطورة نسبياً خلقت نوعاً من تبادل المصالح المشتركة وروابط الإنتماء والشعور بالإقتسام العادل للثروة من خلال عملية الأخذ والعطاء في دورة الإقتصاد. ونتيجة لهذه النقلة فإن نمط إقتصاد الريع الذي أوجدته دولة الإسلام السياسي أوصل هذه المشاركة إلى مرحلة العدم، وحوّل كل الكيانات الإجتماعية إلى أتباع في علاقتها بالسلطة، وجعلت من مسألة إقتسام السلطة لا تستند على الأحقية، وإنما على مفهوم العطاء، إذ أن المرتبطين بالسلطة والملحقين بسياقها الإجتماعي الإستتباعي، هم من يسيطرون على هذه الموارد ويديرونها وفقاً لما يحقق مصالحهم، ويعطوا الآخرين حسب هواهم. لذلك أيضاً فإن نقد التجربة والتوجه نحو عهد تنوير جديد لا بد ومن أن يضع في تقديراته إن إستمرارية القاعدة الإقتصادية هذه، بشكلها وعلاقاتها وأدواتها، لن يؤدي إلى إستنارة، طالما أن هناك من يتحكم في تقسيم الأرزاق.
    2. العلاقات الإجتماعية: المعني بها طبيعة العلاقة ما بين الكيانات الإجتماعية مع بعضها البعض والعلاقة الجمعية لهذه الكيانات مع الدولة، والأخيرة تمثل العقد الإجتماعي الذي يربط الفرد أو المجموعات بالدولة ومؤسساتها، وفي الوضع الكائن في السودان فإن هناك إختلالات على المستويين، لكنها أكثر وضوحاً في علاقة الأفراد والمجموعات بالدولة. إذ أن سيطرة النخب ذات الأصول العربية على الدولة عبر الحقب التاريخية المختلفة، مسنودة في ذلك بالخلفية الحضارية الإسلامية، رسخت لسيطرتهم تحت مسوغات دينية وهي كما لخصها أبكر أدم إسماعيل بقوله: "..... أما في العهد الإسلامي، فقد دخلت إلى السودان الكيانات والثقافة العربية الإسلامية على شاكلة (الاستعمار الاستيطاني)، وظلت تكتسب لها مواقع فيه ضمن كياناته وثقافاته المتعددة. وهي في ذلك مسنودة بخلفيتها الإمبراطورية من الناحية المادية، ومن الناحية المعنوية بما يعرف بـ(المد الحضاري) العربي الإسلامي، الذي من أهدافه بالطبع إعادة إنتاج الآخر داخل (الهوية) الإسلاموعربية أو على الأقل إلحاقه بسياقها الحضاري. هذا النهج الاستتباعي قد يبدو عادياً ومفهوماً ومعقولاً في إطاره العام في ذلك الوقت، ولكن إستمراره بعد إنهيار الحضارة العربية الإسلامية أصبح إشكالياً بالإضافة لإشكاليات أخرى في بنية ومحددات الثقافة العربية الإسلامية نفسها وكيانها الاجتماعي في السودان، مضافاً إلى ذلك الملابسات التاريخية التي جعلت من هذه الثقافة (المأزومة) (مركزية) في الوضعية التاريخية للدولة السودانية. وقد قامت سيطرة الكيان الإسلاموعروبي في السودان على مكاينزمات عديدة أهمها:
    3. البطرياركية الأبوية القائمة على التشدد العرقي: فعبر ميكانيزم النفي البيولوجي للرجال في معادلة التزاوج الأحادية الاتجاه، التي يأخذ فيها الكيان العربي ولا يعطي، تم طبع أجزاء عديدة من شمال وأواسط السودان بالطابع العربي عرقياً وثقافياً، وعبر الأسلمة ـ أي التحرك عبر المقدس ـ تم ويتم التوسع.ويقوم ميكانيزم النفي البيولوجي للرجال (الاستعراب العرقي/الثقافي) على تزوج الرجال العرب بنساء (الآخرين)، وتكون الذرية وفق البطريركية الأبوية (عربية) ولا يعترف بمكوّنها الآخر. البنات يتزوجن حصرياً في الكيان العروبي، أما الأبناء الذكور فيواصلون طريق الأسلاف، وهكذا بمرور الزمن ينمو الكيان العربي على حساب الكيانات الأخرى التي تتآكل في نهاية المطاف.أما الأسلمة، فعبر الدعاة ـ الفكي، والطريقة الصوفية ومؤسسات التعليم الحديثة لاحقا ـ يدخل الناس الإسلام، وهو بالطبع يتضمن "أيديولوجيا العروبة" خاصة في تفسيراته السنية ومسوغاته لعُلوية المؤمن والعربي وتشريعاته في حصر زواج المسلمة. وتلقائياً يصبح العرب (أو بالحد الأدنى يتم تصويرهم على أنهم) أعلى شأنا عرقياً باعتبارهم على الأقل "حاملي الرسالة الأصليين"، وهكذا يواصل الكيان العربي تغلغله. وتبقى المشكلة فيما يولده هذا النهج من وقائع الإستعلاء العرقي والإجتماعي، خاصة في وجود التعددية والتباين العرقي والثقافي في ظل هيمنة الكيان الإسلاموعروبي على جهاز الدولة.
    4. النزعة الاستبدادية المتشددة: فبسبب نظام التراتبية الاجتماعية القائمة على التشدد العرقي، ونمط الاقتصاد الطفيلي الذي يستلزم ليس فقط امتلاك السلطة بل الاستبداد بها، فقد كان وما يزال وعي السلطة في هذه الثقافة وعياً استبدادياً، والاستبداد لزيم الإقصاء، والإقصاء يتطلب في الواقع فرض هويات جزئية حتى في المجتمع الواحد لتحجيم وعي التنافس على السلطة مثل ما كان يوضع من أحاديث لتبرير ذلك كـ(الأئمة من قريش)...".

    لذلك فقد ظلت العلاقات الإجتماعية داخل السودان ومنذ تلك الفترة مأزومة، وظل التعامل معها بالسكوت تارة والرضاء تارة، وكلما تمت محاولة جادة لقراءة هذه العلاقة يتم قمعها بعنف إلى إن إنفجرت وبأشكال مختلفة الآن. إن المدارس التي دعت إلى تصحيح مسار هذه العلاقات وبناء علاقات إجتماعية جديدة سواء إن كانت في العودة إلى سنار أو حركة اللواء الأبيض بدرجة من الدرجات، فإنها جميعها أصبحت غريبة ومقموعة في إتجاهات وعي التكوين والدعوة لقومية سودانية تضع الجميع عربهم وعجمهم على قدم المساواة. وقد ظلت هذه العلاقة المختلة ذات صلة وثيقة بمؤسسات الدولة عبر الحقب التاريخية المختلفة.

    1. أخيراً القاعدة الدستورية: وهذه ملحقة ومرتبطة صميماً بالعناصر الأربعة عاليه، إذ أن الغطاء الدستوري والقانوني في ظل أنظمة تحكمها أطر ثقافية بعينها لا يمكن له أن يخرج من ثقافة المجتمع وأعرافه وتقاليده بل يرسخها ذاتها.

    لذلك عندما تحدثنا أن الأزمة في شموليتها هي أزمة "مشروع وطني" وليست أزمة نظام حكم سياسي، بمعني؛ أن جذور الإشكاليات ليس في قصور النظم الديمقراطية بقدرما هو قصور يتمثل في عدم الإتفاق على مشروع وطني، كنا نقصد الأزمات التي خلقتها العناصر الخمسة المشار إليها، والتي تقع أزمة النظام السياسي الديمقراطي كجزئية من جزئياتها. وبالتالي فإن حفرنا هدفه النهائي هو إعادة التأسيس لكل العناصر السابق ذكرها مجتمعة وليس لجزء منها، وأي حركة تنوير في السودان لا تأخذ في الإعتبار هذه العوامل برمتها وتدعو لإعادة صياغتها من جديد وفقاً لما يحقق المصلحة الجمعية لكل الكيانات السودانية، لا تعدو كونها حركة تنوير تخص المركز/النخبة فقط ولا تعني الآخرين من قريب أو بعيد، ولا تعدو أن تكون سوى خديعة تاريخية لإعادة إنتاج الأزمة من جديد في شكل نظام ديمقراطي يكرس قيمه وأدواته لنخب جديد تنتجها حركة التنوير.

    ويمضي الأستاذ الصاوي في عملية التأسيس عميقاً في نفس الإتجاه من خلال إستدعاء ومقارنة بالتجربة الأوروبية بقوله: "..ان الديموقراطيه كما يعرفها المجتمع البشريالاننظام سياسي انبثق مما سمي عصر النهضة والتنوير الاوروبي خلال القرنين السادس والسابع عشر مستفيدا من منجزات الحضارات السابقة له، العربية- الاسلاميه، اليونانيه، الاسيويه. وهو عصر تميز بازدياد تأثير العلوم الطبيعية والانسانيه وانعتاق عقل الانسان وارادته من تراكمات ظلام العصور الوسطي نتيجة نشوء الطبقة البورجوازيهعلي حساب الاقطاع ثم الثورة الصناعيه وفكر وفلسفة الانواروالاصلاح الديني.." وهذا يصح على النموذج والتجربة الأوروبية وما إنتجته من قيم ومؤسسات وتراكم معرفي، لكن عند "تبيئة" هذه التجربة في الواقع السوداني (أو العربي كما يدعو الجابري) فإن هناك عوائق كثيرة لابد من إجتيازها، ولا يجدي القفز من فوقها، فصحيح أن الثورة الصناعية وتقدم العلوم كان واحداً من الأسباب التي أدت إلى حركة تنوير أو عصر أنوار، محلصته النهائية إنفصال "الكنيسة" (=المؤسسة الدينية) عن "الأمير" (=المؤسسة السياسية)، مما أدى في نهاية المطاف إلى حركة إصلاح ديني أنتجت ما يعرف بـ(الأخلاق البروتستانتية) التي أسست لحركة إصلاح إقتصادي تبعه إصلاح سياسي. لكن في واقعنا السوداني ذو الإمتدادت العربية الإسلامية فالوضع يختلف لأن الكنيسة في عهود الظلام الأوروبية ليست هي نفس الكنيسة في عهود ظلامنا السودانية/العربية. فقد كانت الكنيسة الأوروبية تدعي أنها ظل الله في الأرض ولم تحكم بصورة مباشرة، وإنما كانت تعيّين الملوك على المستوى السياسي، وتحدد نوعية العلم الواجب تناوله على المستوى المعرفي، لذلك عندما وقع طلاق الكنيسة والأمير تخلّق مجال سياسي جديد، الشرعية فيه لإرادة الجماهير على المستوى السياسي، وليس لمن يدعون إمتلاك المعرفة وشرعية الحكم بتخويل وتفويض إلهي، وهو ما تم تعريفه فلسفياً بـ "فصل السلطة الدينية عن السلطة الزمنية"، وتحرر العقل من أسر الغيبيات بإنفتاح أبواب المعرفة على مصراعيها.
    أما في حالتنا فإن رجالات الدين ـ ويوازون في هذه الحالة الكنيسة أو الطبقة الإكلريكية في عهود الظلام الأوروبية ـ فإنهم لم يكتفوا بالقول أنهم ظل الله في الأرض فحسب ومارسوا السياسة من وراء ستار، إنما ذهبوا مباشرة إلى هذه السلطة في مكانها وأستولوا عليها، بدعوى أن الإسلام هو دين ودولة(!)لذلك فالفصل ما بين (الكنيسة) و(الأمير) في هذه الحالة يختلف تماماً، وهذا هو وجه الصعوبة في المسألة، لأنه يتضمن جهد مضاعف، وليست القضية هي فصل بين مؤسستين مستقلتين تربطهما علاقات الإستغلال المعرفي والسياسي، وإنما هو سلخ لواحدة عن الأخرى وضع كلٍ منهما في سياق تطورهما التاريخي. وهي عملية بالغة الصعوبة إذ تقتضي من جانب، تحرير الفكر الديني ليعاصر نفسه من الناحية المنهجية، وتفتيت قاعدة التفكير السياسي للمؤسسات الدينية وتوجيهها لتعمل في حقل القيم المجتمعية حتى تحقق قول الرسول (ص) " إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ومن جانب آخر تحريك المؤسسات السياسية لتعمل على ضمان مصالح البشر في مستويات العلاقات السياسية/الإقتصادية. وإختصاراً هي عملية لتحرير المؤسسات الدينية من الأهداف السياسية المتخفية خلف السلوك الديني، وتخليص المؤسسات السياسية من إستغلال الأديان لخدمة مصالح شرائح إجتماعية بعينها. لذلك فإن من مهام أي حركة تنوير هي أن تتقدم بشجاعة لتضع حداً للربط ما بين الدين والدولة على مستوى حركة الإصلاح الديني/السياسي وليس تلفيقاً كما كان يتم في السابق. وهذه حرب ليست سهلة، لأن رجالات الدين الذين دخلوا معترك السلطة والإستمتاع بها، لن يألوا جهداً في أن يوجهوا ما إختزنوه من رصيد لهدم توجهات التنوير التي تفضح هذه العلاقة "ليكونوا جبابرة ملوكاً" كما قال عمار بن ياسر.
    قضية التنوير وأزمة المعارضة:
    يستنتج الأستاذ الصاوي أن ضعف القوى المعارضة، وتجربة العمل المناهض للنظام الحاكم حالياً سببها أن: "..عملية الانفراد بسلطة الدوله والتي أدت الي مضاعفة تأثير عوامل التراجع الديمواستناري مكتسبا درجاته القصوي وديناميكيته الكامله، توسع نطاق الحرب في الجنوب متخذة طابعا اهليا، وانفلت التضخم تداعيا اقتصاديا مريعا تدني بمتوسط عمر الانسان السوداني الي 45 عاما بينما أغلق المجال السياسي-الفكري تماما بمزيج من القمع المادي والمعنوي وتم التديين الكلي للمنظومة التعليميه والاعلاميه فتغلغل التدين السياسي والصوفي والسلفي في شراين المجتمع". مما نتج عنه الإفتقار لنوعية العقلية وخبرة العمل والقاعدة الإجتماعية. والذي محصلته النهائية إستنزاف كلي " لحيوية القوي الاجتماعيه والسياسية الحديثه فأن اساليب وخطط العمل المجربة في ثورة اكتوبر 1964 وانتفاضة مارس/ابريل 1985 (تنظيم النقابات كنموذج) والمستحدثه (العمل المسلح كنموذج) إفتقرت لنوعية العقليه وخبرة العمل العام والقاعدة الاجتماعية التي تتجاوب معها. وهي حقيقة تتضح ابعادها الكاملة حول درجة استنزاف هذه القوي اذا استعدنا للاذهان ان مستوي وحدة المعارضه بعد مؤتمر اسمرا عام 1995 في " التجمع الوطني الديموقراطي" كان متكاملا من جميع النواحي، اطرافا وبرنامجا. مايثبت قطعيا ان ضعف العمل المعارض لم ينجم، بصورة اساسيه، عن ضعف مستواه القيادي وانما عن التضاؤل المخيف في حيوية قوي التغيير الديموقراطي لاسيما وان الوجه الاخر لهذه الحقيقة المتجلي في انتشار الفهم التقليدي للاسلام، مصدر (قوة) إضافيه لنظام دكتاتورية يونيو 89 لم يتوفر لدكتاتورتي نوفمبر 58 ومايو 69."
    هذا التحليل يحتمل درجة كبيرة من الصحة لأن المعروف بداهة هو أن الأنظمة الشمولية بطبيعتها نخبوية/إقصائية وبهذه الصفة فإن كافة الأنظمة الشمولية والدكتاتورية التي تعاقبت على حكم السودان كانت تلك ميزتها الأساسية، وبالتالي ولإطالة عمرها في سدة الحكم عملت على تحطيم كافة المداخل التي تقود إلى إزاحتها وهو الأمر الأكثر وضوحاً في تجربة الإنقاذ، ولا يحتاج المرء إلى كبير عناء ليفهم، فواقع خريطة التكوينات السياسية تتكلم عن نفسها. وبالمقابل فإن ضعف القوى المعارضة، وإضافة للأسباب الموضوعية والتاريخية التي سردها الأستاذ الصاوي، هناك سبب آخر لما يتعرض له. وصحيح إلى درجة (ما) أن ذلك لا يعود لضعف القيادة، ولكن السبب الأقوى من ذلك، هو ما يمكن إستخلاصه من تجربة التجمع الوطني الديمقراطي وتحديداً من بعد مؤتمر القضايا المصيرية. وهو ما يمكن أن رده إلى ضعف الإرادة السياسية الكلية للتجمع الوطني. ويأتي ضعف هذه الإرادة لأن القوى التي خاضت الحرب لم تكن جميعها متفقة على إحداث تغيير جذري للنظام ـ على الرغم من إتفاقها في مؤتمر القضايا المصيرية على هذه الإستراتيجية ـ وما شعار "إقتلاع النظام من جذوره" الذي كان سمة تلك المرحلة (1996 ـ 2000) إلا تعبير صريح عن هذا التوجه، لكنه سرعان ما تآكل بالتدريج حتى وصل إلى مرحلة السلام مع النظام في أكتوبر 2000 في مؤتمر مصوع. وعندما نمضي أعمق في التحليل لرؤية الأسباب، أعني أسباب ضعف الإرادة السياسية، نجد أن ذلك يعود إلى التباينات الآيديولوجية العريضة ما بين الأطراف المختلفة التي شكلت التجمع، ولعل البرهان على ذلك يكمن في طبيعة التحالفات الداخلية للتجمع نفسه إذ أنها لم تكن منسجمة مع طبيعة الآيديدولوجيات المتباينة بين التنظيمات، وفي أغلب الأحيان نجد التنظيمات المتقاربة آيديولوجيا متنافرة على صعيد مواقفها السياسية. فبينما هناك تنظيمات كانت ترى أن إزالة النظام كلياً هو هدفها الإستراتيجي، نجد أخرى كانت ترى أن إزالة النظام كسلطة سياسية فحسب يكفي، وهو ما أضعف عملية توازن القوى داخل التجمع، وبالطبع هناك مسافة كبيرة ما بين الإستراتيجيتين وعلى صعيد الرؤية. وقد كشفت عن ذلك في المراحل الأولية النقاشات التي دارت حول تحديد العلاقة ما بين الدين والدولة في الوثيقة الأساسية لمؤتمر القضايا المصيرية، والتي إنتهت إلى أن صيغت بـ (فصل الدين عن السياسة) والتي كانت تلفيقاً واضحاً الهدف التكتيكي منه إستمالة القوى الطائفية. لذلك سمي مؤتمر القضايا المصيرية بأسمرا بـ "المساومة التاريخية".
    وإذا كان يمكن القبول بأن فرضية الإستنزاف للقوى المعارضة نتج عن سيطرة الشمولية، فإن القول بضعف القاعدة الإجتماعية لتبرير فشل التجمع، لا يمكن القبول به لوحده، والأصح هو أن الإستنزاف الحادث بسبب سد المنافذ أمام الطرق التقليدية للتغير عن طريق النقابات والإتحادات(ويمثل العامل الأصغر)، مضافاً إليه الضعف الذاتي والداخلي لتنظيمات التجمع بسبب التناقض الناشئ من تعارض الإرادات السياسية (ويمثل التناقض الداخلي العامل الأكبر)، جميعها شكلتا السبب الحقيقي لضعف عمل المعارضة ذلك لأن القاعدة الإجتماعية التي ساندت التجمع كان كبيرة بالفعل، إذ مثلت كل ألوان الطيف السياسي/الإجتماعي في السودان، وعدم القدرة على هزيمة النظام بكل محتوي رؤية التغيير التي أرستها بنود مؤتمر القضايا المصيرية، إلتفاف القواعد الجماهيرية حول التجمع، الدعم والسند الإقليمي والدولي، القدرات العسكرية والقتالية وغيرها من الأسباب لا تفسر هذا الفشل على الإطلاق، ما لم تتواجد أسباب أخرى، وبالنسبة لي في نهاية التحليل ذلك يقع ضمن نطاق أساليب القيادة والتنظيم إضافة إلى تناقض الإرادة، وجميعها عوامل ما كان من الممكن رؤيتها بوضوح كافي داخل أروقة التجمع في ذلك التوقيت. وقد كشفت التجربة العسكرية الميدانية عن خيط رفيع لذلك، لم تتمكن أطراف التجمع من قراءته بعمق وحمله على محل الجد (سواء إن كان على مستوى الإستراتيجيات العملياتية أو المناورات التعبوية)، بالإضافة للتنظيم على المستوى الجماهيري. وهذا مجال مطروح للدراسة لا يعنينا في الوقت الراهن، لكن الحلقة المركزية الرابطة لكل أطراف الإشكالية أن الجميع داخل التجمع ـ ما عدا قلة ـ ما كان بمقدروهم رؤية أن قواعد اللعبة قد تغيرت وأن محاربة النظام (سياسياً وعسكرياً) بنفس القواعد القديمة لم تعد مجدية، وبالتالي كان عليهم إبتداع قواعد جديدة من بعد الإمساك بصلابة على مقررات أسمرا. وهو ماحاول الأستاذ الصاوي التبرير لضياع بوصلته بـ " أن اساليب وخطط العمل المجربة في ثورة اكتوبر 1964 وانتفاضة مارس/ابريل 1985 (تنظيم النقابات كنموذج) والمستحدثه (العمل المسلح كنموذج) إفتقرت لنوعية العقليه وخبرة العمل العام والقاعدة الاجتماعية التي تتجاوب معها" وهو الإستنتاج الغير صحيح بالكامل، إذ أن كل ذلك كان متوافراً وبكثرة. لذلك عندما نعود لنرى أزمة التجمع الوطني الديمقراطي ضمن سياق مشروع التنوير الذي يطرحه الأستاذ الصاوي، نجد أنه من الصعوبة بمكان طرح أي رؤية نقدية لهذه التجربة بعيداً عن تناول العنصر المركزي فيها قضية تباين الإرادة السياسية، وهو الشئ الذي يعيدنا مباشرة إلى أس الأزمة التي أشرنا إليها، وهي مسألة المشروع الوطني بمحاورها التي ذكرناها. وبالتالي فإن تجربة التجمع الوطني تقلصت إلى صراع في إطار نظام الحكم وليس التغيير. إن بناء إطار تحالفي جديد كالتجمع أمر ممكن وإنتصاره على نظام الإسلام السياسي أمر محتمل، لكن أن يعود بنفس التوجهات والإستراتيجيات القديمة فلن يفعل شئ سوى إعادة إنتاج الأزمة في ثوب جديد وقيادة جديدة. لذلك فإن دور حركة التنوير أن تعيد قراءة تاريخ تجربة العمل المعارض برمتها لإعادة توجيهها نحو أفاق التغيير الحقيقية.
    كلمة أخيرة:
    لذلك فإن الإستنتاج الذي ختم به الأستاذ الصاوي تحليله لجذور الأزمة السودانية بقوله: "... بناء علي هذا التشخيص للسبب القاعدي للازمة السودانيه فأن اي استراتيجيه عمل سياسي منتج لتقدم غير قابل للانتكاس لابد ان يكون مرتكزها الترافق بين إعادة استزراع مقومات الحداثه والاستناره وإعادة تأسيس المشروع الديموقراطي. بغير ذلك، كما تفعل بعض اوساط المعارضه والحركات المسلحه التي تضع إسقاط نظام المؤتمر الوطني ( الاسلامي ) الشمولي كشرط سابق لتقدم من اي نوع، ستبقي العوامل المؤديه للانهيار السريع للتجارب الديموقراطيه ولاعادة انتاج الازمه العامه فاعلة بما يولد أنظمة اكثر شمولي ". بإعتبار أن المعضلة هي في النظام الديمقراطي، ويجب بالتالي غرس الحداثة والإستنار وإعادة تأسيس المشروع الديمقراطي ستبقى حفراً في النتائج مع ترك الأسباب، وبنفس القدر إذا كان التفكير في إسقاط نظام المؤتمر الوطني سابق لأي تنظير حول برنامج إستناري سيعيد إنتاج الأزمة وتوليد أنظمة أكثر شمولية، فإن الدعوة لتصحيح البناء الديمقراطي دون إطار لمشروع وطني يؤدي لنفس النتيجة، لأنه مهما خلق من تجربة برلمانية نظيفة ومرتبطة بالشعب، غير أنها ستظل مرهونة بالمركز فقط. مالم يكون التفكير بالفعل هو أن ترتبط بالمركز وهذا موضوع آخر.

    هوامش
    . المقصود هنا باللاشعور السياسي تحديداً، ليس كما نفهمه عندما نتحدث عن منطقة اللاشعور كما يفسرها علم النفس لدى الأفراد، فاللاشعور السياسي يختص بالجماعات، وعلى الأخص الجماعات المنظمة والتي لها لا شعور من نوع خاص تشكل الديانات أو ما يقوم مقامها أكثر أعراضه وضوحاً، هذا اللاشعور ليس من طبيعة سيكولوجية إذ لا تتكون قاعدته من التصورات النموذجية [=خلافاً لمثل إفلاطون]، وليس هو بالأحرى من طبيعة روحية ولا ينتمي إلى عالم الغبيبات (..) إنه لا يتحدد بأشكال رمزية طافية على السطع بل يتحدد بأشكال ثابتة من التنظيم المادي ليست الأشكال الرمزية تلك إلا رسوماً لها وبصمات، وبالتالي ومن هذا الموقع فهو يحكم الظاهرة السياسي، من الداخل تفكيراً وممارسة. الجابري، نقد العقل العربي، العقل السياسي العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، ص 13، 14.

    . المقصود بالعقل السياسي تجريداً مجموع محددات الفعل السياسي وتجلياته النظرية والتطبيقية، بإعتبار أن السياسة هي فعل إجتماعي يعبر عن علاقة قوى بين طرفين يمارس إحدهما السلطة على الآخر، المصدر السابق، ص 7.

    . هناك درجة من التشابه بين نمط الإقتصاد "الخراجي" كما لدي سمير أمين وبين نمط الإقتصاد "الريعي"، فالخراج يعني العائد المادي الذي كان يصب في بيت مال المسلمين من أشكال الجبايات المختلفة والذي قام أساساً على منطق غزو الدولة الإسلامية لتلك الأمصار وفرضها لهذا النوع من الجبايات وبالتالي إعتماد الدولة بكاملها على هذه الجبايات دون غيرها في تسيير أمورها. أما نمط الإقتصاد الريعي، فأساسه هو إعتماد الدولة على عائدات من مصادر قد تكون جبايات وضرائب أو موارد طبيعية تدر عليها دخلاً تسيير بها دفة مؤسسات الدولة، ونموذجاً لذلك الدول النفطية والتي تعتمد على البترول كمصدر دخل رئيسي. وفي كلا الحالتين فإن وجه الشبه يكمن في أن مصدر الدخل ليس إنتاجياً. وفي الحالتين فإن أوجه الصرف غالباً ما تكون على المرتبطين بالسلطة وهو ما لاحظه بن خلدون من أن الدولة تجمع أموال الرعايا وتنفقها على بطانتها ورجالها في الدولة القائمة على العصبية. والمقارنة مع ما حدث في السودان، هو أن التحول حدث عندما تم خصخصة القطاعات المنتجة (المشاريع الزراعية مثل الجزيرة، الفاو، النيل الأزرق، النيل الأبيض...إلخ) والتي إنهارت من بعد ذلك وتقفت عن الإنتاج وإتجهت الدولة نحو البترول كبديل والذي يشكل أكثر من 60% من الدخل القومي. ولعل ما يجعل تسمية الريع أكثر قوة من الناحية المفهومية هو أن ملكية هذا العائد أو المورد لا تعود للمواطن وإنما لجهة (ما)، هي كما في نموذج الدول النفطية ملك حصري للأمير أو الملك وفي حالة السودان هي مملوكة حصرياً للحزب، المؤتمر الوطني (وما النقاشات والجدل الذي ظل يدور حول غياب عائدات النفط في موازنة الدولة، إلا دليلاً على ذلك) وكما كان ينفق الأمراء في العصور الإسلامية القديمة من خراج على بطانتهم على شكل عطايا، فإنهم في الوقت الحاضر ينفقون من ريع النفط بنفس الروح. والفرق الضئيل أنه وفي السودان ينفق المؤتمر الوطني (الحزب) على بطانته من ريع نفط السودان في إنماط وأشكال من الممارسات والتكوينات الطفيلية. وعليه فإن نمط الإقتصاد في السودان ريعي إستناداً على هذا الفهم.

    . النشاطات الإقتصادية الطفيلية هي ذلك النوع من الممارسة الإقتصادية التي لا تعني بالإنتاج وإنما بجني أكبر قدر من الأرباح في أقصر مدة زمنية ممكنة، وسميت طفيلية لأنها تنمو وتعتمد على قاعدة إقتصادية (ريعية أو إنتاجية) تأخذ منها ولا تعطي. ولكن عادة ما تكون إقتصاديات الريع أصلح بيئة لنمو مثل هذه الأنشطة.

    . أبكرآدم إسماعيل، "جدلية المركز والهامش وإشكال الهوية في السودان"، مركز الدراسات السودانية، القاهرة ديسمبر 1999.
    . الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص 98.
                  

العنوان الكاتب Date
معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي طلعت الطيب08-16-10, 10:21 PM
  Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي طلعت الطيب08-16-10, 10:24 PM
    Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي ضياء الدين ميرغني08-23-10, 08:07 PM
      Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي طلعت الطيب08-24-10, 02:34 PM
        Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي طلعت الطيب08-24-10, 04:08 PM
          Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي osama fadlalla08-24-10, 09:34 PM
            Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي طلعت الطيب08-25-10, 03:38 AM
              Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي طلعت الطيب08-25-10, 06:06 PM
                Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي طلعت الطيب08-25-10, 10:44 PM
                  Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي طلعت الطيب08-27-10, 01:10 AM
                    Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي فضل الله خاطر08-27-10, 04:09 AM
                      Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي طلعت الطيب08-27-10, 08:16 PM
                        Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي عبداللطيف حسن علي08-28-10, 08:22 AM
        Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي ضياء الدين ميرغني08-28-10, 05:56 PM
          Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي طلعت الطيب08-28-10, 06:51 PM
            Re: معاً نحو عصر تنوير سوداني ... بقلم: عبد العزيز حسين الصاوي طلعت الطيب08-29-10, 06:24 PM
    عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : احمد ضحية08-29-10, 07:08 PM
      Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : احمد ضحية08-29-10, 08:10 PM
        Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : احمد ضحية08-29-10, 08:55 PM
          Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : احمد ضحية08-29-10, 10:43 PM
            Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : احمد ضحية08-29-10, 11:01 PM
              Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : احمد ضحية08-29-10, 11:27 PM
                Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : احمد ضحية08-30-10, 00:16 AM
                  Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : احمد ضحية08-30-10, 00:35 AM
                    Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : احمد ضحية08-30-10, 01:17 AM
                      Re: عبد العزيز حسين الصّاوي بين فكر الإصلاح و نظرية الهدم وإعادة البناء : احمد ضحية08-30-10, 01:35 AM
                        المسودة النهائية .. احمد ضحية08-30-10, 02:54 AM
                          Re: المسودة النهائية .. احمد ضحية08-30-10, 04:35 PM
                            Re: المسودة النهائية .. طلعت الطيب08-30-10, 09:24 PM
                              Re: المسودة النهائية .. خالد خليل محمد بحر08-30-10, 10:15 PM
                                Re: المسودة النهائية .. احمد ضحية08-30-10, 11:44 PM
                                  Re: المسودة النهائية .. طلعت الطيب08-31-10, 07:46 PM
                                    Re: المسودة النهائية .. طلعت الطيب08-31-10, 07:52 PM
                                      Re: المسودة النهائية .. احمد ضحية09-01-10, 08:11 PM
                                        Re: المسودة النهائية .. طلعت الطيب09-02-10, 02:34 PM
                                          Re: المسودة النهائية .. طلعت الطيب09-03-10, 09:59 PM
                                            Re: المسودة النهائية .. طلعت الطيب09-03-10, 10:13 PM
                                              Re: المسودة النهائية .. احمد ضحية09-05-10, 09:58 PM
                          تعليق الصاوي على تعقيب أحمد ... احمد ضحية09-05-10, 10:06 PM
                            Re: تعليق الصاوي على تعقيب أحمد ... ضياء الدين ميرغني09-06-10, 01:54 AM
                              Re: تعليق الصاوي على تعقيب أحمد ... طلعت الطيب09-06-10, 03:40 AM
                                مساهمة أخري بخصوص استر اتيجية الصاوي_ التجاني الحاج عبدر الرحمن ضياء الدين ميرغني09-06-10, 11:39 AM
                                  Re: مساهمة أخري بخصوص استر اتيجية الصاوي_ التجاني الحاج عبدر الرحمن طلعت الطيب09-06-10, 03:29 PM
                                    Re: مساهمة أخري بخصوص استر اتيجية الصاوي_ التجاني الحاج عبدر الرحمن طلعت الطيب09-06-10, 08:02 PM
                                      Re: مساهمة أخري بخصوص استر اتيجية الصاوي_ التجاني الحاج عبدر الرحمن احمد ضحية09-07-10, 03:58 PM
                                        السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي احمد ضحية09-08-10, 03:37 PM
                                          Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي احمد ضحية09-09-10, 00:37 AM
                                            Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي احمد ضحية09-09-10, 03:03 PM
                                              Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي احمد ضحية09-09-10, 05:06 PM
                                                Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-09-10, 07:11 PM
                                                  Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-14-10, 05:28 PM
                                                    Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-14-10, 06:53 PM
                                                      Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-15-10, 00:00 AM
                                                        Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-15-10, 00:16 AM
                                                          Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-19-10, 04:33 PM
                                                            Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-19-10, 04:48 PM
                                                              Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-19-10, 05:13 PM
                                                                Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-20-10, 02:13 PM
                                                                  Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-20-10, 02:26 PM
                                                                    Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي احمد ضحية09-21-10, 09:59 PM
                                                                      Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-22-10, 04:05 AM
                                                                        Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي Abdalla aidros09-22-10, 08:58 AM
                                                                          Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-22-10, 01:29 PM
                                                                            Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طه إبراهيم عبد الله09-22-10, 01:40 PM
                                                                              Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-22-10, 07:32 PM
                                                                                Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-22-10, 09:48 PM
                                                                                  Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-22-10, 10:21 PM
                                                                                    Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-23-10, 03:59 AM
                                                                                      Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-23-10, 03:32 PM
                                                                                        Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-23-10, 08:04 PM
                                                                                          Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي tayseer alnworani09-24-10, 05:45 AM
                                                                                            Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-26-10, 03:10 PM
                                                                                              Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي سعد مدني09-26-10, 03:52 PM
                                                                                                Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-27-10, 01:17 AM
                                                                                                  Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-28-10, 00:01 AM
                                                                                                    Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-28-10, 00:49 AM
                                                                                                      Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي salah awad allah09-28-10, 09:25 AM
                                                                                                        Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-28-10, 03:42 PM
                                                                                                          Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب09-28-10, 04:21 PM
                                                                                                            Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب10-05-10, 08:04 PM
                                                                                                              Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب10-11-10, 09:39 PM
                                                                                                                Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب10-13-10, 02:22 PM
                                                                                                                  Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب10-14-10, 02:29 PM
                                                                                                                    Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب10-14-10, 06:57 PM
                                                                                                                      Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي عبد العظيم احمد10-14-10, 09:40 PM
                                                                                                                        Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب10-19-10, 05:04 PM
                                                                                                                          Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب10-19-10, 05:15 PM
                                                                                                                            Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب10-19-10, 05:22 PM
                                                                                                                              Re: السودان والبحث عن بديل ... بقلم: د. حيدر ابراهيم علي طلعت الطيب10-28-10, 01:21 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de