|
Re: ما في ممثلين في السودان نهائي للأسف وحقو يبطلو عوارة ويقيفو لحدي هنا! (Re: صلاح شكوكو)
|
Quote: الأسس الفنية للدراما المسرحية
يعقوب يوسف جبر الرفاعي
النص , الحركة , الحوار , الإنارة , الإكسسوار , الأزياء , الديكور , الموسيقى التصويرية , الماكياج , الفن التشكيلي , كلها سمات ظاهرية عامة لفن التمثيل في المسرحية , التي بدأت ملامحها التاريخية الأولى بصورة عفوية , يوم كان الإنسان ساذج العقل , يحاكي الطبيعة والواقع البيئي المحيط به , لكن فن المسرحية شهد قفزة نوعية واسعة , لدى اليونانيين والمصريين والصينيين واليابانيين في إحدى مراحل التاريخ , حيث يرجح مؤرخو المسرح أن حضارات الشرق القديم في مصر والصين واليابان , قد عرفت التمثيل مثلما عرفته اليونان , متطورا في صورة تصميم وجرافيكس حركي حواري منسجم , يضم مجموعة من الفنون , يتم توظيفها مثل بناء هارموني , الهدف منه زيادة درجة التأثير الفني والثقافي على ثقافة الجمهور ووعيه وذوقه ومشاعره , وتزداد درجة التأثير هذه , من خلال حضور الجمهور الذي يعتبر جزءا من المسرحية ,أما الجزء الآخر فهو خشبة المسرح وفضاءها ومحتوياتها المتكاملة .
كانت البداية التطورية للدراما المسرحية , قد ظهرت لدى اليونانيين والمصريين والصينيين واليابانيين , لكن الرومان عرفوا هذا الفن من بعد ذلك , مرتكزا على أدب الشعر والقصة , عرفه الرومان عن طريق الدراما الشعبية , متمثلة بالأشعار الفيسكينية , والساتورا والقصص الإيثيلاثية , أو أن فن المسرحية هو امتداد لفن الرقص وفن الاستماع , حيث يعيش المشاهد ويندمج مع الدراما المسرحية , وفق حافزين خارجيين الأول فن حركة الجسد وتصور الأداء والتأثر به وتذوقه من خلال حاسة البصر , والثاني الاستماع للحوار ولغته واستقبال مفرداتها , بواسطة حاسة السمع والتفنن باستخدامها, يقول برناردشو إن نشوء الدراما مرده إلى اتحاد رغبتين , الرغبة في الرقص والرغبة في الاستماع إلى قصة .
إن فن المسرحية وثقافة التمثيل عبر تماس مباشر مع الجمهور وبفضل حضوره الفني والثقافي , يعد سمة بارزة مستقلة لهذا الفن العريق , فالجمهور والمسرحية جزءان متفاعلان متلازمان لا انفكاك لأحدهما عن الآخر . فحينما يتحول النص المسرحي إلى حركة فنية جمالية , فإنها ستستهوي ذوق الجمهور ومشاعره , أما المضمون الفكري للمسرحية , فإنه سوف يضيء الجوانب المظلمة من ذهنية الجمهور , موصلة إياه إلى ذروة الحدث المسرحي , متبلورا في تصور متكامل حول قضية ما , هي محط اهتمامه . لقد كانت المسرحية ولازالت فنا أرقى درجة من فن الرواية والقصة , وأكثر وقعا وأبلغ تأثيرا في العقول والنفوس , لأنه لم يترك نقطة تأثر وانعكاس في شخصية الجمهور , دون أن يبلغها , من خلال توظيف الكادر الفني المساهم في إنجاز المسرحية , لمختلف أنواع الفنون , التي تفتقر لها فنون القصة والرواية , باعتبار أن المسرحية هي تفاعل ثقافي خلاق مابين جزأين أساسين , الممثلين والجمهور , والأخير يمارس دوره المسرحي , من خلال التصور الذهني والانفعال العاطفي المتدرجين , ولا نستبعد الأجزاء الثانوية الأخرى من هذا التصنيف , ونقصد بذلك درجة تأثير العناصر المختلفة التي تتركب منها المسرحية . في فضاء المسرحية يشكل عنصر الصراع الدرامي الجدلي , المرتكز والمحور الذي تدور حوله , مجمل الحركة المسرحية بكل تفاصيلها , فهو الطاقة المتدفقة , التي تتيح صيرورة المتغيرات وتكونها, سواء الطردية أو العكسية , متبلورة في صورة نمو للأشخاص والأحداث , إذ لابد أن يحتدم الصراع الجدلي ويتفاقم , مابين متضادين أو متناقضين , وقد يكون أحد الطرفين مرتكز الحدث المسرحي , وفي خضم ذلك تنبع دوافع الجمهور ورغباته , طامحا في الوصول إلى قمة الحدث , وتفكيك العقد والتقاطعات مابين الشخوص والأحداث , فقد يكون الانفكاك تطهيرا للذات مثلما فسره أرسطو كما هو الحال , في الصورة التراجيدية , أو نقدا للواقع ورفضا له كما هو الحال في الصورة الكوميدية , أو الاثنين معا {التراجيكوميديا } . إنه صراع مابين قوتين أحدهما عنصر الخير الطامح مندفعا لبناء الحياة الصالحة والمحافظة على قيمها المتوازنة , محاولا تهذيب عنصر الشر , أو تحديه حينما يتمادى في غيه وطغيانه , والأخير يطمح إلى الاستئثار بالحياة وفسحتها مهمشا الآخر , لكن الخير سينتصر ويهزم الشر , وحسب التقادم الفني للحدث يحدث الانفصام للعقدة التي بلغها , إن التعقيد الذي حدث هو تداخل الأحداث في المسرحية وتتسلسلها وتطورها , وفي نفس الوقت نمو الشخصيات سلبا أم إيجابا , وانعكاس هذا التطور في ذهنية الجمهور محدثا التغيير في التصورات والرؤى والأفكار .
بمقتضى الحال هنالك وحدات ثلاث منسجمة أجزاءها ومنسجمة مع بعضها البعض في المسرحية , الأولى وحدة الموضوع , والثانية وحدة الزمان والثالثة وحدة المكان , فليس من الصواب غياب الانسجام بين أجزاء الزمان , كأن الليل يكون نهارا والعكس , أو أن الماضي يكون حاضرا , أو أن المكان صحراء لكن يتم افتراضه جبل , أو أن وحدة الموضوع غائبة , مفترضين عدم وجود علاقات مابين الأجزاء , مثلا يكون مضمون الحوار خارج نطاق موضوع المسرحية , فلو أن النص يتضمن صراعا مابين الشر والخير , لكن الحوار يتضمن عبارات , تنم عن صراع سلبي بين الخير والخير , كقيام البطل بقتل أحد الأبرياء في المسرحية , للمسرح مدرستان رئيسيتان الأولى الواقعية لمؤسسها استانسلافسكي , التي تضع جدارا وهميا مابين الممثل والجمهور اسمه الجدار الرابع , لا يحق للممثل كسره وإشعار الجمهور الناظر , بواسطة بصر الممثل أن ثمة اتصال حسي مباشر قد حصل معه , أو يتجاوز الممثل هذا الجدار , ويتصل بالجمهور بصورة مباشرة , أو أن يقوم الجمهور بكسر هذا الجدار سواء عبر الاتصال المباشر مع الممثل , أو الصعود إلى الخشبة , بل إن الاتصال يجب أن يكون غير مباشر , وتتميز المدرسة الواقعية بأنها تستعرض الحدث الدرامي متسلسلا زمنيا ومنطقيا , وتقدم الأحداث والشخصيات والعناصر الفنية كما هي دون تغيير سماتها الطبيعية , أما المدرسة الأخرى لتيودور بريخت التي تبلورت كحصيلة طبيعية للنقد المتواصل للواقعية , فهي على العكس تماما , كسر ت الجدار الرابع , وقلبت الموازين التي ترتكز عليها الواقعية , فالممثل صار من حقه الاتصال بصورة مباشرة مع الجمهور وبالعكس , ولا يهم أن يرتدي الممثل أزياءه خلف الكواليس , يستطيع ذلك فوق الخشبة , ومن حقه أن يتقمص عدة شخصيات فوق الخشبة , كما أن تيودور برخت , أجاز استخدام الأقنعة للتمويه والتورية .
لم يقتصر فن المسرحية على المدرستين فقط , بل هنالك مذاهب كمسرح البانتومايم { الصامت } الذي يعتمد على الإيماء والحركة , ومسرح بيراندلو الذي يرتكز على قاعدة الضحك من اجل الضحك , هدفه الإمتاع النفسي , أو مسرح الدمى , أو المسرح الحكاواتي , والمسرح الشعري الذي ُيستخدم فيه النص الشعري , والمسرح الغنائي الذي يعتمد على الأشعار الملحنة , والمسرح الإذاعي , وهو التمثيل الإذاعي والمسامع الإذاعية , أما المسرح القومي فهو مسرح سياسي يركز على تناول القيم القومية , ممجدا إياها , والمسرح الاجتماعي الذي يدور حول القضايا الاجتماعية التي تخص العلاقات العامة مابين أفراد المجتمع ذات الملامح الاجتماعية , والمسرح التاريخي الذي يستعرض الأحداث والشخصيات التاريخية التي مضت , والمسرح الفكري الذي يبحث القضايا التي لها مضمون فكري ,والذي يتعلق بالثقافة الفكرية ونموها .
بقي أن نتناول المخرج وهو الشخص الذي يقوم بتولي مهمة الإخراج الفني للمسرحية , ناقلا إياها من نص جامد , إلى أحداث وشخصيات متحركة بصورة درامية فنية , لتكون مؤثرة في المتلقين والممثلين معا , وقد شبهه البعض بالمنظم الذي يحدد المسارات والخطوط العامة التطبيقية , بعد أن وضع المؤلف الخطوط النظرية , للمسرحية وحوارات الشخوص . |
|
|
|
|
|
|