|
إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث
|
بِحسبِ القارئ أن يعلمَ أني من قومٍ يحبون القهوة إلى حد السرف – تغنّوا بها وأنشدوا فيها ملاحم وقصائد- ليعلم الباعث لي على الكتابةِ في شأنها, فأنا من كسلا (وبجاوي حتى النخاع!!) فلا جرم أن أُحب القهوة كما يحبها جماهير الناس, وهذه نُتَفٌ من بعضُ ما وجدتُّ في شأنها من كتب التراث العربي:
جاء في دواوين اللغة والمعاجم أن (القهوة) هي من أسماء الخمر!! كما في (القاموس المحيط والقابوسُ الوسيط لما ذهب من لُغةِ العربِ شماطيط) لمجد الدين الفيروزآبادي:
و القَهْوَةُ الخَمْرُ، والشَّبْعَةُ المُحْكَمَةُ، واللبنُ المَحْضُ، كالقِهَةِ، كعِدَةٍ، والرائِحةُ. والقَهْوانُ التَّيْسُ الضَّخْمُ القَرْنَيْنِ المُسِنُّ. وأقْهَى دامَ على شُرْبِ القَهْوَةِ.(3/467)
وأصلُ اشتقاقها من (القهة) : تقول: أقهى عن الطعام, وأقْهمَ عنهُ إذا لم يشتهه. أنظر (نهايةُ الأرَب) للنُّوَيْري. قال ابن قنيبة في (أدب الكاتب) : (ص139((والقَهْوَةُ ) :الخمر سُمِّيَت بذلك لأنها تُقْهِي أي : تَذْهَبُ بشهوة الطعام قال الكسائي : يقال قد أَقْهَى الرَّجُلُ إذا قَلَّ طُعْمُهُ.اهـ تنبيه: وقعَ الاختلافُ في اسم كتاب الإمام ابن قُثَيبة المُشارُ إليه هل هو (أدبُ الكاتب)؟؟ أم (أدبُ الكُتّاب) وبالثاني قطع شارحُه العلامة الأندلٌسي: ابنُ السِّيد البطليوسي في (الاقتِضاب في شرحِ أدبِ الكُتّاب)..وسيأتي مزيدُ بسْطٍ لذلك في قادمِ المقالات بحولِ الله.
أقول: ولا تعجب من اتفاق الاسم فللخمر أسماءٌ كثيرة لطالما وردت في مثاني كتب الأدب وأقاويل الشعراء, وفي أدبنا السوداني منه الكثير..ومن أحسن ما رأيتُ في ذلك رائعة (الإنداية) للأديب الراحل الطيب محمد الطيب-رحمة الله عليه ومما قالوه في شأنها: وليلةٍ بتُّ في ظلماتها طرباً ... يسعى إلي بشمس القهوة القمرُ سهرتها سهراً من طيب لذته ... وددت لو أن عمري كله سهر
وقال آخر: إدفع و رد الـهـم عنك بـقهــوة ٍ ... بمذاقها ترنو الى الأخيارِ جازت مدى الأعمار ِ فهيَ كأنها ... عند المذاق ِ تزيد في الأعمارِ وقال التنيسي: واسفِك دمَ القهوَة الصهْباء تحْيَ به***.. روحي فإن دمَ الصهباء مطلولُ يا خائف الإثم فيها حين تشربها ..***. لا تقنطن فعفو الله مأمول قم فاسقني النض مما حرموه ولا ..***. تعرض لما كثرت فيه الأقاويلُ من قهوة عتقت في دنها حقبا ..***. كأنها في سواد الليل قنديلُ عروس كرْم أتت تختال في حُللٍ ..***. صفرٍ على رأسها للمزح إكليلُ
قرى الضيف(1/451 ) للحافظ ابن أبي الدنيا
قال عبد العزيز علي جامع: الظاهر أنه هنا عنى نبيذ العنب لأنه أحمر, وأحسنُ منه قولُ أبي الطيب المتنبي في (داليته)-والتي تغنى بها الاستاذ الكابلي-
كُلُّ شيئٍ من الدماءِ حرامٌٌ ***شُرْبُُهُ ما خلا ابنةُ العنقودِ فاسقنيها فدىً لِعَيْنيك نفسي*** من غزالٍ وطارفٍ وتليدِ ولم يذكر الاستاذ الكابلي هذين البيتين فيما تغنى من القصيدة
قلتُ: استوقفني بيتُ أبي الطيّب في هذه القصيدة: يتَرَشّفْنَ مِن دمي رشَفاتٍ ** هُنّ فيهِ حلاوةُ التوحيدِ ما معنى (التوحيدُ) المُشار إليه هنا؟ هل هو(التوحيدُ الذي هو أحدُ أصولِ المعتزلة الخمسة)؟؟ وهل كان أبو الطيب فيهِ شُبْهة اعتزال ولو خفيّة؟؟ أم أن التوحيد هو نوعٌ من جيِّدِ التمور العراقيّة..وإلى هذا المعنى الثاني قطع شُرّاحُ الديوان كاليازجي والبرقوقي والواحدي, وهو الذي رجّحَهُ شيْخُنا العلامة د. الصديق عُمر الصديق..ولم أجد ما يُشيرُ إلى المعنى الأول فيما وقفتُ عليه من شروح المتنبي-والله أعلم
ورأيتُ في مجلة (المجمع العلمي العربي) دمشق عدد سنة 1922م الثالث: بحثًا رائعًا حول علاقة ما نسميه اليوم (قهوة) والخمرما خلاصته: بجامع هيئة الجلسة في كلٍّ وإدارة رحى كأس (القهوة) كما هو الحال في الخمر...وممن جمع القهوة بمعنييها: (الخمر, والبنّ) المفتي فتح الله, حيث يقول: عَلَيكَ بِالقَهوَةِ السّوداءِ تَشرَبُها......وَدَع لِرَشفِ الطّلى مَولودَة العِنَبِ كَم غابَ عَن عَقلِهِ بِالخَمرِ شارِبُها......وَشارِبُ القَهوَةِ السّوداءِ لَم يَغِبِ
ولعل هذا ما يفسر إعراض الناس عن القهوة الزنجية (أو البنّ) في أوّل الأمر, بل ذهب بعضُ العلماء -حينها- إلى تحريمها, وفي ذلك يقول العمريطي في أرجوزة له:
الحمد لله الذي قد حرّما .... على العباد كل مسكر ومايضرُّ في عقل ودين أو بدن ....وما يجرُّ للفساد والمحن. اعلم بان القهوة المشهورة..... كريهة شديدة المرورة
وقال ميارة :والقهوة التي بمصر تعمل أصلها أصل الدخان فيما أصلوا فأصله التحريم لالذاته وإنما للأسباب التي تعرض له .
قلت: (ميّارة) هو العلامة محمد بن أحمد الفاسي ت(1072هـ) إمام المذهب المالكي وأعمدته ومقعديه (تلمذ على ابن عاشر والمقّري صاحب نفح الطيب).
والظاهر أنّ السبب في تحريمِ العلماء لها أولاً عند ظهورها, هو اشتباهها بالخمر التي كانت تسمى قهوة عند العرب, هذا من جهة, ومن جهة أخرى لعدم تبيّن نفعها للجسم, حيث اعتقد أكثرهم أنها مضرة بالأبدان.ولكن بعد أن استقرّ أمرها, وشاع ذكرها, وتبيّن وجه منفعتها, وافتراقها عن القهوة الخمرية, زالت شبهة التحريم, وغدت من أطايب الشراب.وقد ردّ ابن معصوم (ت: 1119 هـ) الأديب وشنّع على من حرّم القهوة الزنجية, حيث قال:
يا قائِلاً إِنَّ قشرَ البُنِّ قد حَرُما......لكونه مُفسداً عقلَ الَّذي طَعِما إِفسادُه العقلَ مَمنوعٌ كما شَهِدَت...... به التَجاربُ فاِسأل من به عَلما وإِن بتحريمِهِ أَفتى مكابرةً......أَبو كثيرٍ فدَعهُ والَّذي زَعَما فَلَيسَ تحريمُه يوماً بضائِرنا......إِذ كانَ إفسادُه للعقل قد عُدِما وَما يحلِّلُ شَيئاً أَو يحرِّمُه......إلا الَّذي خلقَ الأَشياءَ لا العُلَما
وإنما ذكر قشر البُن, لأنّ أهل اليمن كانوا وما زالوا يشربون قشر البنّ لا البنّ . وقد ذكر العلامة كمال الدين الدميري: في (حياة الحيوان) من حكاوي الجن في القهوة فانظره-غير مأمور وانظر في ذلك في ذلك " تحفة بني الزمن في فضائلِ اليمن" للأهدل
وعلى أية حال فالقهوة تراث عربي أيًّا كان نوعها...وهي تراثٌ سوداني, عنوان التآلف والترابط..كم حُلّت في جلستها من معضلات, وأزيلت مشكلات...ورجع المتناحران في جلستها كأصفى من بَرَدى!!
وأخيرً ردِّدوا مع شاعرنا الكبير محجوب شريف في رائعتِه (ود باب السنُط) 1
ود باب السنط والدكة والنفاج والحوش الوسيع للساكنين أفواج . واللمة التى ربت جنا المحتاج .. والنار الدغش .. والربكة جنب الصاج ... والسكسك المنضوم .. حول الجبينة نجوم . والفنجرية تقوم ..تقهوج الحجاج . طق طرق يابن .. القهوة كيف و مزاج . طق طرق يابن .. خلى النعدل الراس ..ونحصل الترماى
وفي أمان الله
وكتب: الفقيرُ إليه تعالى العاجز عبد العزيز علي جامع : كان اللهُ له
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | عبد العزيز جامع | 09-25-10, 09:04 AM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | عزام حسن فرح | 09-25-10, 09:16 AM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | Mohamed E. Seliaman | 09-25-10, 09:58 AM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | عبد العزيز جامع | 09-25-10, 10:09 AM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | ود الخليفه | 09-25-10, 10:33 AM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | عبد العزيز جامع | 09-25-10, 11:24 AM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | عبدالعزيز حسين عبدالرحيم | 09-25-10, 01:24 PM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | محاسن أحمد محمد | 09-25-10, 02:58 PM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | عبد العزيز جامع | 09-25-10, 04:34 PM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | عبد العزيز جامع | 09-25-10, 04:25 PM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | د.رشا عجيب | 09-25-10, 05:07 PM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | عبد العزيز جامع | 09-25-10, 05:17 PM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | د.رشا عجيب | 09-25-10, 05:33 PM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | اميرة السيد | 09-25-10, 05:10 PM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | عبد العزيز جامع | 09-25-10, 05:24 PM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | عثمان حسن المتعارض | 09-25-10, 05:37 PM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | Zomrawi Alweli | 09-26-10, 06:36 AM |
Re: إلى مُحِبّي القهوة...شيئٌ مما ذُكِر عنها في كُتُبِ التُّراث | ابراهيم قناوي | 09-26-10, 08:13 AM |
|
|
|