كثر الحديث في الأونة الاخيرة عن الزمن الجميل ، فلو قيضت لكـ الظروف حضور سهرة غنائية او شعرية أو سياسية ، أو أنتقل مؤشر الراديو والتلفاز على محطة للتداعى الحميم ، أو قرأت أحد البوستات التي تتحدث فيما مضى من أيام وأحداث ، أو أتصل عليكـ زميل من زمن الإبتدائي والمتوسطة والثانوية لوجدت هذا التوصيف قابعاً بين الكلمات والسطور والمناقشات وقد أضحي هذا التوصيف مقيماً في المنتديات في كل وقت ومناسبة بل كاد يتحول - من فرط إستخدامه - الى مصطلح معروف رغم انه كمصطلح لايعرف هذا الزمن الجميل ولا هويته ولا الفترة الزمنية له بالضبط ، وفي الواقع أن الزمن الجميل لكل جيل يختلف عما سبقه من جيل ، ويختلف هذا الزمن الجميل عن شخص لأخر ، وهو بهذه المعطيات يصبح عبارة متسعة تحتمل كل الشرائح والفئات والأزمان ... كما انه أصبح حديثاً غير مقصود به شي محدد بقدر ما هو توصيل لمعانٍ معينة أو أمتعاض من واقع معين .... حسب علم النفس والإجتماع والملاحظة الإجتماعية العادية فأن الإنسان بطيبعته وغريزته يحن للماضي رغم ما عاشه في الماضي من هوائل ومآسي ومسغبة ، ويخاف المستقبل رغم الوعود والامال العراض التي يحملها تجاهه ، يحن للماضي ولا يتذكر اللحظات العصيبة التي عاشها فعلاً فيه بينما يخاف من المستقبل رغم انه لم يعشه بعد !!! ولا أدري لماذا يتفق الناس حول هذه النقطة الغير منطقية ، ولماذ يحن الشخوص للحظات الفرح القصيرة وسط أكوام المآسي والفقر والعوز والمسغبة فيسمونها مجازاً بالزمن الجميل ، ولماذا يخاف ذات الناس من أيام الرغد والغدق المامولة في تلافيف المستقبل ؟؟؟ ويسمونها بالمجهول أو القادم الصعيب والله يسترنا من الزمن داكـ... الزمن الجميل لجيل معين قد يكون مصاحباً لحرب في الوطن ، وقد يكون موازياً لمجاعة أو إقتتال أو جفاف أو فيضان أو سيول أو فياقة ساكت كدة ، وقد يكون متزامناً مع الإستعمار الاجنبي (الأنجليز) والأستعمار الوطني (متمثلاً في الحكومات المتعاقبة على بلادنا منذ الإستقلال وحتى اليوم ) ، وقد يكون مصطحباً معه الإستلاب ، والفشخرة والقندفة والبوبار وقز الأريل في أوضة الإيجار .... هذا الزمن الجميل يبدو انه حلم غير مستقر في الواقع مثله مثل الغول والعنقاء والخل الوفي ، ولذلكـ يسهل حشره بين الكلمات دون أن يأخذ إلتفاتة من القرأ والمطلعين .... ومن المضحكـ أنني قد وجدت نفسي لا شعورياً أستخدم هذا المصطلح رغم عدم علمي بمآلاته وأحداثياته وفترته الزمنية الحقيقية ،،، فهل يرجع هذا الى قوة الإعلام وترددينا لمقولات حتى لو لم تتماشي مع معتقداتنا الشخصية ؟؟؟ ومن الفكاهة في هذا الباب أنني قد قرأت رداً لشخص على أخر(لأذكره الأن) قائلاً له (الزمن الجميل بتاع فنيلتكـ؟؟) ... ولعل هذا الرد البليغ من الشخص الممتعض على وصف صديقه للزمن الجميل من أبلغ التواصيف ويبين بجلاء أن نفس الفترة التي عاشها صديقان مقربان بذات المعطيات وبذات المشاعر لا تمثل لأحدهم الزمن الجميل في الوقت الذي تمثل فيه زمناً جميلاً للأخر !!! وهو بهذا المعطى شعور شخصي محض لا علاقة له بما يدور في الواقع .... الزمن الجميل عبارة أتمنى أن تسود في كتابتنا عن المستقبل لانها ستكون حمولة توضح بجلاء التفاؤل والمعطيات التي نغرسها في تراب اليوم لنجني ثمارها في الغد وهذا يعني اننا نعمل لغدٍ أفضل ، ولكن لو أستخدمت في الماضي فأنه تفيد الذم الواضح والتشاؤم المريع للراهن ولما سيأتي من أوقات مما يعني بأننا رهنا واقعنا للماضي وساد في خاطرنا بأن لا جمال سيأتي في مقبل الايام .... تحياتي ونلتقي في الزمن الجميل إن شاء الله
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
Sidig Rahama Elnour
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست