|
ياشيكا العائدة من السماء
|
بعض الكلمات تولد بموسيقاها الخاصة .. شيء كصلاة متبتل بجوف الليل تنصت لها أذن إله سميع .. وهكذا كانت ياشيكا م ا ي
هنالك حيث أنزل الله نيله منذ بدء الأزل , ولدت جنان صغيرة على ضفافه , ترضع من ثديه آناء الليل وأطراف النهار , لذا عندما يخصب رحمها لا تنجب سوى الفرسان والحور ,رجال لا ترى فروسيتهم و نساء لا يرى جمالهن إلا في جوف الأساطير .
في تلك الليلة عندما أكمل الزمان دورته , و بلغ القمر مبلغ الحكمة كان يدرك الآتي فأنصب عينيه جهة الأرض ترقباً وانتظاراً ,, ليلتها انشق رحم الأرض فأخرج شجيرة ياشيكا ,, ضئيلة كومضة شمعة أخيرة ,, جميلة كبسمة الطفل الغرير , عودها الرقيق المخضر كان بالكاد يقوى علي حمل الورقتين الصغيرتين بجلدتهما المتجعدة كبشرة مولود جديد , كما انتفض رحم إمراءة تقطن ذات الدار,, لتخرج للدنيا مولودة صغيرة الحجم بلا صراخ , انتظرت أمها سماع صوتها وحين جاوبها الصمت نظرت إليها في وهن فوجدت وجهها يتألق بابتسامة كخطف اللؤلؤ فأدركت أن ا بنتها قد سرقت قلبها , ثم قامت بمسح العرق عن جبينها بعد ذلك المجهود الخارق فتناثر من بين أصابعها على خدي المولودة التي ألقت برأسها يميناً جهة الفناء حيث كانت قطرات الطل تغسل الورقتين المتجعدتين على مهل , وقتها كان الفجر الغافل ينفض عن عينيه النعاس في انتظار أن يؤذن له بالخروج .
الزغرودة الطويلة التي انطلقت من شفتي إحدى النساء اللاتي ازدحم بهن الدار بلغت سمع أبيها الذي ذهب في غفوة صغيرة في الفناء وعندما فتح عينيه وقعتا علي الياشيكا الصغيرة بورقتيها المنفرجتين كأنها تبتسم مهنئة إياه فداعب جلدها المبتل بالطل في سعادة و علم وقتها بالاسم الذي سيطلقه على مولودته الجديدة
لم يكن الارتباط بين شجرة الياشيكا و ياشيكا الطفلة غريباً فهما تنتميان إلى أرض الأساطير التي يزخر ترابها بتبر الحكايات منذ عهد الأسلاف الأوائل ولكن بصيرة القوم القاصرة اتسعت حدقتها وهي تموج بماء العجب و انتصب حاجبها بفعل الدهشة والشجرة تذبل وريقاتها حينما تصاب ياشيكا بعلة وتزدهر وتخضر حينما يغادرها السقم وتتمايل وتتأود حينما تضحك ياشيكا و تهتز وترتجف أوان غضبها وتهدأ وتسكن لهدوئها وسكينتها فطارت بالخبر الألسن التي اعتادت على الثرثرة وضاقت حدقتا الفضول وهي تترصد الطفلة فأصابت القلوب لعنة العيون حين ارتد بصرها هاوياً وترك شيء مثل الحكة في جدار القلوب والشفاه تلهج بذكر هذا الجمال الذي لم ير في الأولين ولا ينتظر في الآخرين , فهويتها القلوب وتعلقت بها العيون واستسلمت لها الأرواح وهي بعد طفلة دون العاشرة لازالت لاهية بالدمى الطينية وعرائس القماش , يتعلق قلبها بكل طير مغرد وغزال شارد , تركض في الطرقات غافلة عن الرؤوس التي اشرأبت من وراء الجدران والأعناق التي التوت والشفاه التي ارتجفت لوقع خطاها بموسيقى الوجد وتراتيل البراءة وهي بعد لم تتلوث بكيد النساء وغنج الغانيات
عندما ثار بركان صدرها واستوت دائرة كفلها واكتمل ذلك السحر الذي يختبئ داخل هاتيك العيون أصيب القوم بداء ياشيكا الذي لا شفاء منه فتكاثر المريدون وتعاظم العاشقون وانفرط عقد العقل عند جماعة العقلاء فارتدوا صبياناً يلهجون بألف باء العشق, وقتها كانت الشجرة قد استوت على عودها وتطاولت قامتها وتأودت فتجاوزت السور وعانقت السماء عناق العارف المشتاق وهي تواجه الطريق الترابي الذي يمتد متعرجاً حتى ضفة النيل كأنها تراقب ياشيكا في غدوها ورواحها وقد اكترى المريدون قارعة الطريق سكناً ينتظرون شروق شمسها ويودعون غروبها في انتظار الغد فأدركت بحدس الأنثى خطر ما تملكه فاحتجبت بالدثار وتوارت بالثياب بيد أن المزن قد تغطي الشمس ولكن لا تخفيها والأرض تبتلع الماء ولكن لا توقف جريانها فطبق خبرها الآفاق و تكاثر علي المكان المغامرون والعاشقون وعابري السبيل يأتون فرادى وجماعات يأتون من كل فج عميق . حتى النساء عشقنها وحسدنها وخفن علي أزواجهن من خطرها فتدافعن بحثاً عن جمال بلى أو آخر ولى وهن يشددن الرجال إليهن في عزم أكيد ولكن هيهات هيهات فقد سبقتهن ياشيكا إليهم فاحتلت القلوب وخلبت الألباب فتردد اسمها في دعاء الصلوات وغناء المغنين وشدو الشعراء حتى أنه انطلق من بين شفاه الرجال وهم يقبلون زوجاتهم اللاتي ما عدن يرثن منهم غير الغضب العاجز والحسرة المقيمة . القلة القليلة التي انطفأت فيها جذوة الحياة ولم يعودا ينتمون إليها إلا بقدر ما تتردد في صدورهم أنفاسها الأخيرة باردة مشطت أياديهم المعروقة لحاهم المبيضة وهم يتداولون في شأن ياشيكا الذي تجاوز الحد في عرفهم ولابد من إيجاد علاج ناجع له , فنظروا في سيرة الغابرين وأساطير الأولين علهم يجدون ترياقاً لها وعندما أعيتهم الحيلة في هذا الأمر الجلل تمايلوا على ذكر سيرتها التي تنشر في مفاصلهم الدفء وتشمل أجسادهم بالرعشة و فرت من بين أسنانهم الساقطة زفرات حرى لا تليق بوقار مجلسهم ولا بياض لحاهم فتعللوا بأول هبات الشتاء التي لما يؤذن لها بالخروج من جبال الثلوج عند أقاصي الشمال بعد .
إلا أن كبيرهم لملم شتات نفسه والبس جسده بعباءة الوقار وتلثم وجهه بدثار التجهم ورفع يده إلى السماء فسكن القوم من حوله في انتظار كلمة تحررهم من سحرها إلى الأبد - تحجب ياشيكا ولا يرى لشمسها شروق جديد هكذا خرج صوته من بين أسنانه المتساقطة فتلقفه الآخرون وأتبعوا سبباً حتى بلغوا مجمع الناس فأطلقوا صراح القول في صوت يمزج بين الشماتة والسخرية فتلقفه الآخرون مابين الدهشة والجزع والحزن وتطاير كأشعة شمس صيفية فعم البلاد وغم العباد . يكمن الحب في القلب كمون النار في العود , يرى أخضراً يانعاً وفي داخله يضرم أوار النار لميعاد معلوم وهكذا فعل القوم وهم يكتفون بالاستسلام والعويل فتكأكأ البناءون والنجارون والحدادون علي المكان وسرعان ما انتصب صرح قائم حفه الحديد والحجر عازلا بين ياشيكا وياشيكا فغابت واحدة وذبلت الأخرى حزنا وشوقا. كانت ياشيكا تحكي حال ياشيكا وهي تزداد ذبولا ووهنا حتي تساقط ورقها وتجرد ساقها فأضحت هيكلا من بعد ماكانت خضراء تسر الناظرين .. نبض الحرمان أنت منه الصدور ففاض حنانا ووجدا علي ساقها الأجرد فأضحى مقيلا للعشاق وبركة للمسافرين وشفاءا للمرضى والأخرى يسمع غناؤها حزينا في الليالي المقمرة فيحمر بدرها وتدلهم سماءها من ظلم الانسان لأخيه الانسان عندما أتى الخريف وأخصبت الأرض واهتز جانبيها من كل أخضر وأصفر ظلت الياشيكا سامقة العلو جرداء الأطراف حتي أضحت معلما يوصف به فزارتها العنادل وغنتها العصافير وبكاها الحمام بهديله الرخيم ومقدمتها تميل جاثية علي خاصرتها تنتحب صنوها المحجوب عنها حتي عرفت بياشيكا الباكية ثم بياشيكا القانطة .. والأخرى استبدل غناؤها الحزين صمتا وشدوها الجميل يأسا ففاضت الجموع غضبا عندما تهاوت الأولي وصمتت الثانية فدمرت سواعدهم الصرح القائم وعندما ولجوا اليها كانت تبدونائمة وليست بنائمة فتلقتها الأيدي ولحظتها العيون وهي تثوي في مثواها الأخير ويواريها الثرى كنزا ضاق ظهر الأرض بهفتلقفه باطنها . سكنت الأغاني وهمس العشاق وسمر السمار ومابين صنوها وصرحها المهدود كانت تطل في ليالي الصيف الهانئات فتلهم الشعراء أشعارهم والضالون سواء السبيل
محمد الطيب يوسف
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
ياشيكا العائدة من السماء | محمد الطيب يوسف | 07-14-10, 11:42 AM |
Re: ياشيكا العائدة من السماء | محمد الطيب يوسف | 07-14-10, 03:17 PM |
Re: ياشيكا العائدة من السماء | salah ismail | 07-14-10, 03:42 PM |
Re: ياشيكا العائدة من السماء | محمد الطيب يوسف | 07-14-10, 05:11 PM |
Re: ياشيكا العائدة من السماء | إسحاق بله الأمين | 07-14-10, 03:45 PM |
Re: ياشيكا العائدة من السماء | إسحاق بله الأمين | 07-14-10, 04:09 PM |
Re: ياشيكا العائدة من السماء | فتحي البحيري | 07-14-10, 05:32 PM |
Re: ياشيكا العائدة من السماء | محمد الطيب يوسف | 07-17-10, 09:31 AM |
Re: ياشيكا العائدة من السماء | محمد الطيب يوسف | 07-16-10, 02:55 PM |
Re: ياشيكا العائدة من السماء | محمد الطيب يوسف | 07-14-10, 07:21 PM |
Re: ياشيكا العائدة من السماء | فدياس نجم الدين | 07-15-10, 05:27 PM |
Re: ياشيكا العائدة من السماء | فدياس نجم الدين | 07-17-10, 07:27 AM |
Re: ياشيكا العائدة من السماء | محمد الطيب يوسف | 07-17-10, 04:36 PM |
Re: ياشيكا العائدة من السماء | محمد الطيب يوسف | 07-20-10, 08:03 PM |
Re: ياشيكا العائدة من السماء | محمد الطيب يوسف | 07-17-10, 01:28 PM |
Re: ياشيكا العائدة من السماء | محمد الطيب يوسف | 07-19-10, 09:39 AM |
عمل جدير بالإحترام و النظر | ابي عزالدين البشري | 07-21-10, 02:30 PM |
ظهور طبقة العقلاء في المجتمع | ابي عزالدين البشري | 07-21-10, 02:46 PM |
الشجرة هي الأصل (على الأرض فقط) فلا قيمة للصورة منها | ابي عزالدين البشري | 07-21-10, 02:58 PM |
Re: الشجرة هي الأصل (على الأرض فقط) فلا قيمة للصورة منها | ابي عزالدين البشري | 07-21-10, 03:22 PM |
الوعي | ابي عزالدين البشري | 07-21-10, 03:31 PM |
الوعي و الإنفعال الإجتماعي// متابعة | ابي عزالدين البشري | 07-21-10, 03:36 PM |
نص مميز | ابي عزالدين البشري | 07-21-10, 03:47 PM |
عنوان | ابي عزالدين البشري | 07-21-10, 04:11 PM |
Re: عنوان | إسحاق بله الأمين | 07-21-10, 04:54 PM |
Re: عنوان | بدر الدين اسحاق احمد | 07-21-10, 07:06 PM |
Re: عنوان | محمد الطيب يوسف | 07-22-10, 01:10 PM |
Re: عنوان | محمد الطيب يوسف | 07-21-10, 07:12 PM |
Re: عنوان | محمد الطيب يوسف | 07-22-10, 08:16 AM |
Re: عنوان | محمد الطيب يوسف | 07-24-10, 10:48 AM |
Re: عنوان | nourelhadi awad | 07-24-10, 10:56 AM |
Re: عنوان | محمد الطيب يوسف | 07-24-10, 04:19 PM |
Re: عنوان | سمرية | 07-25-10, 10:36 AM |
Re: عنوان | محمد الطيب يوسف | 07-25-10, 01:26 PM |
Re: عنوان | محمد يوسف الزين | 07-26-10, 11:31 AM |
Re: عنوان | محمد الطيب يوسف | 07-26-10, 12:48 PM |
Re: عنوان | محمد يوسف الزين | 07-26-10, 01:40 PM |
Re: عنوان | محمد يوسف الزين | 07-26-10, 01:42 PM |
Re: عنوان | محمد الطيب يوسف | 07-28-10, 08:06 AM |
Re: عنوان | محمد الطيب يوسف | 07-29-10, 05:04 PM |
Re: عنوان | ibrahim kojan | 07-29-10, 09:24 PM |
ياشيكا العائدة من السماء | محمد الطيب يوسف | 07-30-10, 06:32 AM |
Re: عنوان | محمد الطيب يوسف | 07-30-10, 01:34 PM |
Re: عنوان | حاتم شناب | 08-10-10, 05:33 PM |
Re: عنوان | محمد الطيب يوسف | 09-02-10, 03:07 PM |
Re: عنوان | محمد الطيب يوسف | 09-23-10, 11:48 AM |
Re: عنوان | محمد يوسف الزين | 09-23-10, 12:38 PM |
|
|
|