|
|
 أستاذ جورج : للتاريخ ذاكرة لاتصدأ .. ولاترحم ...
|
توطئة:
نصف سكان عطبرة ومعظم تلاميذه لا يعرفون له اسما غير (جورج) ويظن الكثيرون أن سبب التسمية يرجع الى تدريسه مادة اللغة الانجليزية التي يجيدها بلكنة أهلها .. أسأل أي طالب ثانوي أو جامعي من سكان عطبرة عن منزل أستاذ جورج سيدلك عليه بلا تردد .. فان لم يتلقى دروس على يديه حتما أخيه أو قريبه أو صديقه فعل ذلك ... جلست اليه ذات ظهيرة في برندته الأنيقة فكان ذلك التداعي الشبيه بشريط سينمائي لا يخلو من عبرات وزفرات هنا وهناك .
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
 Re: أستاذ جورج : للتاريخ ذاكرة لاتصدأ .. ولاترحم ... (Re: منتصرمحمد زكى)
|
المرحلة الثانوية بوادي سيدنا كانت بداية تشكيل الوعي السياسي لدينا وتلمس الطريق نحو الأفكار السائدة آنذاك وهما الفكر الاشتراكي والفكر الاسلامي .. أذكرمن أبناء دفعتي .. احمد حسين محمد علي (مهندس معماري) .. جعفرالأمين البشير (أخصائي باطنية) .. أبوالقاسم ابراهيم محمد (فريق بالجيش) وآخرون .. انتميت الى الفكرالاشتراكي عن قناعة فأنا ابن مدينة تضج بالرفاق .. نشبت الكثير من المناوشات والصدامات في حرب الأفكار الدائرة بين الفكر الاشتراكي والفكر الاسلامي .. والتي دوما مايكون الطلاب وقودها وشرارتها الأولى .. تلك الحرب المستعرة والمستمرة بين الفكرين حتى يومنا هذا .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أستاذ جورج : للتاريخ ذاكرة لاتصدأ .. ولاترحم ... (Re: منتصرمحمد زكى)
|
بعد اكمال دراستي الجامعية بالمملكة المتحدة .. عدت الى السودان وعملت بمصفاة (شل) ببورتسودان 1964 – 1968 م تلقيت عرض أفضل فقدمت استقالتي وعبرت البحر الى السعودية حيث عملت بالمنطقة الشرقية (الظهران – الدمام ) ثم انتقلت الى (الرياض) ومنها الى (جدة) حيث عملت في وظيفة (كبيرالمترجمين ) .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أستاذ جورج : للتاريخ ذاكرة لاتصدأ .. ولاترحم ... (Re: منتصرمحمد زكى)
|
انقلاب النميري مايو1969 م براياته الحمراء .. رجح كفة الفكر الاشتراكي وجعله يكسب أراضي ومساحات .. لم يكن لينالها لولا الوجه الاشتراكي الذي أطلت به مايو في بداياتها .. لكن كما يقول المثل (دوام الحال من المحال) انقلب نظام (مايو) على الرفاق بسبب التحريض من قبل أعداء الاشتراكية .. وبسبب أخطاء تاريخية ارتكبها بعض المتسرعين .. كانت وبالا على الاشتراكيين .. حيث نكل بهم وزج بهم في السجون .. وتعرضوا لأشرس حملة ضد حزب سوداني من قبل النظام الحاكم .. لازالت جدران بعض السجون تحمل أناتهم وتوقيعاتهم .. كنت أحد الذين نالوا نصيبهم من السجن والتنكيل .. حيث زرت بعض المدن لأول مرة كسجين لا كضيف زائر أو مامورية عمل .. سجنت لمدة ثلاث سنوات وأطلق سراحي دون محاكمة .. حضرت الى مدينتي الأثيرة (عطبرة) والتي كانت معقلا للفكر الاشتراكي آنذاك .. بزعامة المناضل (قاسم أمين) .. حاول نميري احتواء بعض أعضاء الفكر الاشتراكي الا أن كل محاولاته باءت بالفشل .. كانت لي علاقة حميمة بقادة الفكر الاشتراكي .. على رأسهم الرفيق عبد الخالق محجوب .. والشفيع احمد الشيخ .. وقاسم أمين (لهم الرحمة) .. تدرجت في كوادر الحزب حتى وصلت الى منصب (نائب سكرتير ) الحزب بمدينة الحديد والنار .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أستاذ جورج : للتاريخ ذاكرة لاتصدأ .. ولاترحم ... (Re: منتصرمحمد زكى)
|
استجوبني المشير ذات مرة وحاول اغرائي بالانضمام الى حزبه .. الا أنني فأجأته برفضي القاطع للفكرة .. فقد تشبعت بالفكر الاشتراكي .. ولم يكن من السهل التخلي عن مبادئي وبيع القضية أيا كان الثمن .. ربما اعتبر النميري رفضي طلبه اهانة له .. وصفعة لم يكن يتوقعها .. وذلك يبرر أبواب الجحيم التي فتحت تجاهي .. من مضايقات ومراقبة مشددة .. وتقييد لحركتي داخل المدينة .. لدرجة منع ضيوفي من زيارتي بالمنزل .. سأحاول العثور على عبارات مناسبة لتصف الأهوال التي واجهتها من قبل النظام المايوي .. وهو ما دعاني لتبديل اسمي من جعفر الى جورج نكاية في قائد النظام .. واشمئزازا من كوني أحمل اسم جلادي .. تحديت النميري ان يستطيع اختيار اسم بديل لأسمه يبتدي وينتهي بالحرف الأول من اسمه الأصلي .. قليلون من يعرفون اسمي الحقيقي .. فحتى المذكرات التي أقوم باعدادها وتأليفها لطلاب الشهادة السودانية .. تحمل اسم الأستاذ جورج وليس جعفر حتى اللحظة .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أستاذ جورج : للتاريخ ذاكرة لاتصدأ .. ولاترحم ... (Re: منتصرمحمد زكى)
|
للتاريخ ذاكرة لاتصدأ .. وأحداث لا تموت .. لاسيما الأحداث المريرة والمأساوية .. أذكر وبكثير من الحزن حادثة الزميل ( ع. ج ) الذي استشهد في سبيل المبدأ .. مات مسموما بين جدران السجن .. كذلك أذكر وبعض الذكريات بطعم الحنظل ومذاق الدمع .. أذكر مأساة الزميلة ( ن ) العضو البارز في التنظيم النسوي التابع للحزب .. فضلت ( ن) الانتحار داخل المعتقل على الحياة ذليلة ومنكسرة عندما حاول بعض الوحوش اغتصابها .. ولن أنسى ما حييت تلك الليلة الليلاء .. عندما طرق أحدهم باب داري بعنف بعد منتصف الليل .. فنهضت مذعورا وتوجهت نحو الباب دون ان أنتعل حذائي .. وبمجرد فتحي للباب .. أشهر زوار الليل السلاح في وجهي .. واقتادوني حافيا الى مكاتبهم .. وأوسعوني ضربا وركلا وشتما حتى سالت دمائي .. دون ذكر أسباب ذلك التغول اللا انساني على حقوقي كمواطن .. ثم أخذوني في سيارة مغمض العينين .. الى جهة غير معلومة .. علمت فيما بعد أنها منطقة ( الواور ) منطقة خلوية شرق مدينة عطبرة .. ثم أنزلوني داخل حفرة كانت معدة سلفا .. وتركوني تحت حراسة ثلاثة جنود .. لمدة ثلاثة أيام .. كان نصيبي من الماء ثلاث جرعات يوميا وكسرة خبز لا تسد الجوع .. في اليوم الثالث ساءت حالتي .. حضرت السيارة وأخذتني من الحفرة الى مستشفى سجن الدامر .. حيث كنت أفترش البلاط .. حضر أحد الأطباء ليلا وقام بفحصي .. ثم أمر بتحويلي الى المستشفى العام في عطبرة .. حقيقة يجب أن تقال فالمقام مقام تاريخ وتوثيق .. لقد وجدت معاملة انسانية راقية من الطاقم الطبي بمستشفى عطبرة آنذاك .. دون أن تربطني بهم صلة غير الانسانية .. كان ذلك في العام 1979 م ثم أتت المهزلة الكبرى حيث تم تقديمي أمام محكمة عسكرية .. وذلك يخالف القانون بحكم أنني مدني ولا أنتمي الى المؤسسة العسكرية .. في اليوم التالي طلبتني المحكمة وأنا مكبل اليدين والرجلين .. فذكرت لهم بأنني لا أعرف سببا لاعتقالي ومعاملتي بتلك الطريقة اللا انسانية .. أخبرني كبير ضباط المحكمة بالافراج عني شريطة اللا أخبر أحدا بما حدث لي .. وأن أحضر يوميا الساعة العاشرة صباحا .. والساعة الثانية عشر ليلا .. للتأكد من عدم مغادرتي عطبرة .. فلم يكتفوا بالديدبان المتواجد بالقرب من داري على مدار الساعة .. لمنع أي شخص يحاول زيارتي أو رؤيتي .. دون أن يدروا أن الحزب على علم بكل ما حدث لي .. فقد كانت خلايا الحزب النشطة توزع مناشير توضح فيها حالة المعتقلين بسجون النظام .. لم أرد من هذا النبش النيل من نظام مايو الآفل كما سيتبادر الى أذهان البعض أو لمجرد نكء جراح ظنها البعض برئت .. بل من أجل التاريخ ومن أجل جرائم ارتكبت في حق اخوة لنا ظن مرتكبوها ومن شايعهم أنها ماتت بموت أصحابها .. متناسين أن للتاريخ ذاكرة لا تغفل ولا ترحم .
| |
|
|
|
|
|
|
| |
منتصرمحمد زكى
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست