ومن المغتربات في عمان- مسقط "أول رائدة سودانية لميدان ظل فرسانه هم الرجال وحدهم"

Quote: أول رائدة سودانية لميدان ظل فرسانه هم الرجال وحدهم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد. فقد تبارى الشعراء والأدباء في مدح النبي صلى الله عليه وسلم منذ صدر الإسلام . فكان حسان بن ثابت هو شاعر النبي صلى الله عليه وسلم والمدافع عنه . حتى قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم ( قل ومعك روح القدس ) وكان كعب بن مالك الأسلمي أحد الثلاثة الذين خلفوا قد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصيدته المشهورة " بانت سعاد " وفيها : إن الرسول لنور يستضاء به **** مهند من سيوف الله مسلول وكان عبدالله بن رواحة يعطر سماء المدينة بمدح النبي صلى الله عليه وسلم . وكان عبداللة بن الزبعري عدوًا للنبي صلى الله عليه وسلم ثم انقلبت عداوته لمحبة شديدة حتى أصبح من مشاهير شعراء النبي صلى الله عليه وسلم وكان فضالة بن الملوح ينطوي قلبه على عداوته النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أن فتح رسول الله مكة المكرمة أراد فضالة أن يغدر بالنبي وقد وعد محبوبته أن يطوف بالبيت قريباً مع النبي عليه الصلاة والسلام وكان له ما أراد طاف قريبًا من النبي صلى الله عليه وسلم وكان معه خنجر يخفيه تحت ثيابه فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم تبسم وقال له : ماكنت تحدث به نفسك يافضالة ؟ قال : لا شيء كنت أذكر الله ... فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال : أدنو مني يافضالة , فلما دنا منه وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على صدره ثم رفعها . قال فضالة : والله لقد كان محمد أبغض الخلق إلي ولما رفع يده عن صدري كان أحب الخلق إلي . ثم رجع فضالة إلى منزله فقالت له محبوبته هلم إلى الحديث يافضالة فأبعث فضالة قائلاً : قالت: هلم إلى الحديث فقلت: لا * * يأبى عليك الله والإســلام أن لو رأيت محمدًا وقبيــــــــله * * بالفتح يوم تكسر الأصنام لرأيت دين الله أضحى بينـــــــًا * * والكفر يغشى وجهه الإظلام ولقد تبارت أقطار الأرض في التسابق إلى إظهار محبة النبي صلى الله عليه وسلم فكان الإمام البوصيري وكان الزمخشري المفسر المشهور ويحي بن يحي بن يوسف الصرصري وغيرهم كالسادة الوفائية وسلطان العاشفين بن الفارض ممن كتبوا وسجلوا حبهم في ذاكرة الزمان . وقد حبانا الله سبحانه وتعالى في السودان بكوكبة من الشعراء والرواة ، فمنهم من مدح النبي صلى الله عليه وسلم بالشعر العربي الفصيح ومنهم من نقل أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته وسلوكه باللغة واللهجة الدارجة حتى يفهما أكبر قطاع من الناس فكان شعر أبي يوسف يقارع شعر يحي بن يوسف الصرصري ، وكان الشيخ صديق الأزهري ممن أعطوا بيانًا وفصاحة ، وكان ود أبشريعة وحاج الماحي ، والشيخ حياتي قد برعوا في نقل السيرة النبوية الصحيحة ونظموها في قالب الدارجة السودانية. ثم كان الصابونابي والشيخ هاشم رواد مدرسة التحديث ومجاراة الشعر الغنائي. واكتمل بناء هذه المدرسة على يد الشيخ عبد الرحيم البرعي طيب الله ثراهم أجمعين. وطيلة هذه المسيرة الزمانية لم تنافس المرأة السودانية في هذا الميدان إلا ما كان من راويات قلائل اشتهرن باللاداء لا بإنشاء وقرض الشعر. حتى جاءت الفاضلة الكريمة سمية الحسن محمد طلحة. نهجت ذات النهج ، وسارت في نفس الطريق ونقلت أغراض المدح النبوي ذاته باللهجة السودانية الدارجة. والشعر عند الفاضلة سمية سجية ولا غرو في ذلك فهي ابنة الشاعر الذي لا يشق لمجده غبار الشيخ الحسن محمد طلحة الذي يحتاج من يقرأ شعره أن يكون لسان العرب، وتهذيب اللغة، والقاموس المحيط ، أن تكون هذه الأمهات من مراجع اللغة بجانبه حتى تساعده على فهم بعض كلمات اللغة القوية التي كادت تنسى لولا تسجيلها في ديوانه. اذاً فالفاضلة سمية نشأت في هذا البيت الذي يتنفس أهله الشعر والأدب فلا عجب أن يكون الشعر عندها سجية ، وقد قال الشاعر : وهل ينبت الخطيُّ إلا وشيحه وتنبت إلا في منابتها النخل وشعر سمية الحسن محمد طلحة سهل جداً في مفرداته وأوزانه، تقول: يا سميع يا مجيب يا كريم يا جليل افتح الأبواب طاعة غير تضليل وعلى هذه الوتيرة، وهذا الوزن، وهذه الكلمات وهذه المفردات تمضي القصيدة بمدح النبي صلى الله عليه وسلم وذكر معجزاته ووصفه وجماله ثم الشوق إلى زيارته. وفي قصيدة ثانية تسجل سمية الحسن بعض مفردات اللهجة الدارجة التي تحرص أشد الحرص على استخدامها ونقلها لأجيالنا مخافة الانقراض والضياع. تقول الفاضلة سمية: بحب نبينا نفوسنا هامت لا شوقنا ونَّ لا عيونّا نامت وتسمي الفاضلة سمية في شعرها نفسها بـ : أول شهيدة ، تيمنًا بالسيدة سمية بنت الخياط أول شهيدة في الإسلام وتكاد تجد هذا اللقب والكنية يتكرر في آخر كل قصيدة. أول شهيدة للأمي قالت * لا حيل ولا قدرة بيك استجارت حل لي قيودا دون وصلي حالت * وزيل لي همومًا عرضت وطالت وتقول في قصيدة: صلاة ربي الكريم الحي على أحمد مليح الزي بيها أول شهيدة تريد التمكين مع التأييد بالأحباب وكل مريد تكون أيامنا كلها عيد أن شعر الفاضلة سمية الحسن محمد طلحة يضيف إلى مدرسة المدائح السودانية رصيدً ا جديدًا متفردًا . ولعل مما يميز ذلك أن تكون سمية هي أول رائدة سودانية لهذا الميدان الذي ظل فرسانه هم الرجال وحدهم. وقد قال لي الشيخ بشير الصامت في ليلة من ليالي الاحتفال بالمولد النبوي في النادي السوداني في مسقط، قال لي: لقد زاحمت سمية الرجال في المدائح كتفًا بكتف. ثم أن سمية متصلة في مدائحها بقضايا الوطن، فلا تنفك قصيدة إلا وتختمها باستقرار الوطن وأن يعم السلام ربوع السودان المختلفة من الشرق و الغرب والجنوب والشمال. صلـوات عـديـدة صادقــة وأكـيـدة لــسـيــد الأنــــام دارفور تـعـيـدها وجــوبـا الفريـدة أمان و ســلام يـا رب تـبـــارك الوفــد المـشـارك ويعـم الــســـــلام تـنـهي المعــارك نـجـي ونـبــارك لأهــلـنـا الســلام إن تسجيل هذا النوع من الشعر هو المحافظة على هويتنا ولهجتنا وهي تأصيل لعروبتنا. وقصائد الفاضلة سمية في ازدياد واضطراد ومعين الشعر عندها متدفق النبع، و هي تغترف المعاني بإناء سهل. أسأل الله تعالى لها دوام التوفيق والسداد... د. الطاهر محمد الدرديري عميد كلية أصول الدين بجامعة أم درمان سابقًا والأستاذ بكلية التربية في جامعة السلطان قابوس ورئيس قسم الحديث بجامعة السلطان قابوس بمسقط / سلطنة عمان .