و بدأت الشرارة الأولى ..... ثورة ثورة حتى النصر !!!

Quote: يعتبر الأستاذ التيجاني الطيب صاحب التجربة السياسية الأطول بين قيادات الحزب الشيوعي السوداني, وأحد أعضائها المنتخبين بمركزية الحزب منذ تأسيسه, وكان جزءاً من تجربته الطويلة بانجازاتها وإخفاقاتها. وهو كذلك يمثل الحزب في هيئة قيادة التجمع الوطني الديمقراطي. التقته (الأخبار) في هذا الوقت الذي ترتب فيه الأحزاب أوضاعها وتضع خطط تحالفاتها لخوض الانتخابات القادمة في حوار حول تجربة التجمع الوطني الديمقراطي باعتباره أثرى تجارب التحالفات وأكثرها نضجاً على الساحة السياسية بعد الاستقلال, وقد تحدث الرجل بوضوح حول بدايات تكوين التجمع وأوضاعه الداخلية والخارجية وحقيقة التدخلات الأجنبية في عمله وواقع الخلافات التي يشهدها الآن ومستقبل تجربة العمل المشترك في السودان.. فإلى مضابط اللقاء.. *التقرير السياسي لمؤتمر حزبكم الخامس لم يسرد تقييماً كافياً لتجربة التجمع الوطني الديمقراطي.. فهل يعود هذا لعدم اكتمال تقييمكم كحزب للتجربة أم أنكم رأيتم أنها لا تستحق أكثر مما أوردتموه؟ التجربة كبيرة وغنية من حيث طول المساحة الزمنية وكذلك من عدة جوانب أخرى مثل التحالفات الإستراتيجية للتجمع وتكتيكاته, التي مرت بظروف معقدة وُضعت لتناسب فترات مختلفة، ومناقشة التجربة كانت مهمة, وفي مرات عديدة حدثت بالفعل وقفات لتقييم المواقف بعد تكوين التجمع مباشرة وكذلك في مؤتمر القضايا المصيرية وما حدث بعده من تغييرات كانت هناك وقفة لمعرفة ما تم الوصول إليه وما يُراد تحقيقه، ولكني اتفق بأنه كان لابد من أن يكون هناك تقييم كامل للتجربة ومعرفة ما لها وما عليها، وكان هناك قرار اتخذته هيئة القيادة بأن يتم تقييم تجربة التجمع قبل الدخول والعودة للسودان، ولكن اعتقد أن المؤتمر الخامس كان يمكن أن يكون هو الوقفة المطلوبة لهذا التقييم. * بدأتم فكرة تكوين التجمع من داخل المعتقلات عقب الانقلاب مباشرة.. فإلى أي مدى كان التكوين موضوعياً ووضع في الاعتبار التجارب السابقة خاصة تجربة (التجمع الوطني لإنقاذ الوطن) والتي سبقت الانتفاضة وفشلت الأحزاب في الالتزام بها؟ تجربة (التجمع الوطني لإنقاذ الوطن) سبقت الانتفاضة وكانت الأولى لتحالف عريض متعدد الاهتمامات, حيث دخلت فيه أحزاب سياسية متعددة ونقابات بهدف أساسي (إنقاذ الوطن), فقد كان الخطر شديداً, أحست به جميع الأطراف وطرحت عدة أفكار لعملية الإنقاذ هذه, ولكن وبعد انقلاب يونيو1989وضعنا الأمر بوضوح بأن الوطن في حالة خطر ولابد من العمل بوسائل جديدة، إما أن نتفق جميعاً كقوى سياسية وأحزاب بالعمل على زحزحة البرامج المختلفة لأجل برنامج آخر مشترك لإنقاذ الوطن, أو أننا لن نحقق هذه العملية, وعلى هذا الأساس كان هناك اتفاق على ما يسمى برنامج (الحد الأدنى) اتفقنا فيه على عدم العودة إلى ما قبل 30 يونيو وضرورة إيجاد طريق لحكم السودان وإصلاح الأوضاع فيه. والفكرة فعلياً كانت موجودة في (التجمع الوطني لإنقاذ الوطن), حيث كنا نحاول أن تكون هناك فترات انتقالية طويلة نسبياً (3 سنوات) ولكن رغم ذلك عندما جئنا للتنفيذ أصر الأخوة من مندوبي بعض الأحزاب على ألا تزيد الفترة عن (6 أشهر), وبعد لأي أصبحت عاماً, وقد كنا نطالب بفترة الثلاث سنوات لكي نتيح الفرصة لإجراء إصلاحات قانونية وسياسية واجتماعية وبالتالي يمكن أن يحدث تغيير جوهري بفضل التجربة ولا يرجع (الناس) لفترة ما قبل مايو, وكذلك أصررنا على أن لا نعود إلى ما قبل 30 يونيو واتفقنا على برنامج حد أدنى وجد التعبير الأوفى عنه في ميثاق أسمرا في يونيو 1995 أي بعد ست سنوات, وقد حدثت مناقشة صبورة ونقاش للماضي وتعهدات بعدم العودة إليه. * ولماذا أخذتم كل هذه المدة الطويلة.. هل أوضاع الوطن كانت تتحمل ست سنوات من الانتظار حتى يتم الاتفاق؟ الظروف التي كانت تعيش فيها الأحزاب هي السبب, حيث تطلب تبادل الأفكار بين الخارج و الداخل الكثير من الصبر والانتظار, وكذلك أخذنا وقتاً حتى تصبح الحركة الشعبية جزءاً من هذا التحالف, فهم كانت لديهم مقترحات وآراء وبرامج كانت مناقشتها ضرورية, وكذلك الأجواء المختلفة بين الداخل والخارج والتغيير المستمر في الكوادر التي كانت تتحمل عبء التفاوض بالإضافة للوهم الذي كان سائداً في بعض الدوائر أنه من الممكن هزيمة الانقلاب في أسبوع أو شهر, فالبعض كان يعتقد أن الانقلابيين ضعاف وليس لهم جذور ومن الممكن هزيمتهم بسهولة, وهذا عطل البحث عن طريق للتغيير الفعلي. * هيكلة التجمع.. هل تعتقد أنها كانت موضوعية وراعت توازن القوى والدور التاريخي للفصائل الأخرى في النضال ضد الدكتاتوريات أم أنها خضعت للمجاملات؟ هناك دائماً في الواقع فرق بين الرغبة في الاتفاق والتطلع لاحتلال مواقع, خُذ مثلاً الجامعات, ففيها بالنسبة للتجمع يكون شكل التحالف واضحاً ولكن عندما يأتي الحديث عن (الثمار) تأتي المشكلة لدرجة قد تؤدي إلى سقوط التحالف نفسه, فالبعض يبحث عن منصب (الرئيس) في وقت يرى الآخرون أنهم لا يستحقون هذا المنصب أو الجزء من (الكيكة), وهذا يؤدي لانسحاب البعض, وقد يكون تأثيرهم لا يحسب بالعدد. بالنسبة لنا في التجمع أقول (كان في) إصرار على المناصب والمواقع من البعض, ولكن بشكل عام تم الرضا بالحد الأساسي, تأسيس تحالف تتخذ قراراته بالتراضي وهو (الإجماع تقريباً), وهذا أدى إلى بطء في اتخاذ القرارات ولكنها كانت مفيدة في تغليب وحدة التجمع على الخيارات الأخرى. * بوضوح، الصراع بين الحزبين الكبيرين كان حاضراً داخل التجمع ويقال إن عدم قبول الأمة بقيادة الميرغني المستمرة للتجمع كان السبب في خروجه منه؟ ممكن وطبيعي جداً أن يحصل صراع بين حزبين متقاربين على مناصب مهمة، لكن أعتقد أن الخروج أو الاستمرار في التجمع كان لاختلاف حول التكتيكات وتقدير المواقف السياسية ونتائج الصراعات, وحزب الأمة قدَر في وقت ما أنه يستطيع أن يحقق مكاسب سياسية نتيجة لحسابات خاصة بناءٍ على المواقف التي اتخذها، وكان في تقديره أن التلويح بالخروج من التجمع سيدفع آخرين ليلحقوا به وبالتالي إذا كان لديه تقديرات حول تغيير تكتيكات التجمع ستكون هذه فرصة له لزيادة وزنه لدرجة تحدث تغييراً في هيكلة وبرامج التجمع، هذا بالرغم من أن كثيرين, ونحن منهم, أقروا, إن كان الأمر يحتاج لإقرار, بأن خروج الأمة سيضعف التجمع بغير شك, فهو حزب كبير له تأييد جماهيري واضح ومعروف, ولكن في نفس الوقت سينعكس هذا الضعف على حزب الأمة نفسه في عملية متسلسلة وهو ما يضرهم, وكنا نرى أن يظل الأمة ويساهم في إصلاح ما يراه من أساليب عمل... الخ، ولم نتفق على هذا وخرج حزب الأمة, وفيما بعد حدثت محاولات لإعادة التعاون والتنسيق لأننا كنا نرى ضرورة التنسيق ونعرف أنه لا إمكانية لعودته للتجمع, ولكن التنسيق ممكن. * لكن رغم هذا الخروج لحزب الأمة الذي كان جزءاً من الصراعات الداخلية لم يحدث ثبات في هيكلة واجتماعات التجمع مما دفع البعض لوصف قيادة الميرغني للتجمع بعدم الفاعلية وهذا ما انعكس حتى الآن في عدم انعقاد اجتماعات لهيئة القيادة وبقاء رئيس التجمع لفترات طويلة خارج البلاد؟ رئاسة الميرغني للتجمع الناس لهم حولها آراء متباينة, لكن اعتقد أنه عقب خروج الأمة كان التجمع مستقراً في اجتماعاته, وإذا كان هناك عدم استقرار فهذا حدث عقب اتفاقية القاهرة, إذ بعدها حدث تباين في وجهات النظر وهو الوضع القائم, حيث لم تعد هناك اجتماعات لهيئة القيادة، والذي كان متفقاً عليه أن هيئة القيادة تقود التجمع بين مؤتمرين, وهذا لكي يصبح حقيقة كان لابد من اجتماع لهيئة القيادة وهذا لم يحدث منذ 2005 وحتى الآن, وهذه حقيقة لا يمكن إخفاؤها, ولكن قبل 2005 يمكن وصف أداء هيئة القيادة بأنه منتظم ويمكن تقييم قراراتها إن كانت صحيحة أم لا. * هل هذا يعني أنك متفق مع الآراء التي تقول بأن اتفاق جدة كان خاصاً بالميرغني مع النظام ولا علاقة له بالتجمع؟ التجمع لا علاقة له بالاتفاق، والفترة التي تم فيها الاتفاق تحتاج لتقييم و(تقعيد). * التضارب في مصالح القوى السياسية داخل التجمع وكذلك اختلاف تركيبة أحزابه ما بين رأسمالية وطنية وتجار في اتجاه وبرجوازية صغيرة وعمال.. الخ هل لعب دوراً في عدم استقرار التجمع وثبات مواقفه؟ لا أقول تضارباً ولكن تبايناً, والتباين كان أساس فكرة التجمع, فالتجمع ليس فكرة أيديولوجية ولم يكن لقلب نظام الحكم لصالح حكم اشتراكي أو وطني ديمقراطي, فقد كانت هناك مجموعة من القوى السياسية والاجتماعية فيها تكوينات قومية ورأسمالية وطبقة عاملة وبرجوازية صغيرة ديمقراطية.. الخ، وكان هناك الحزب الاتحادي، القيادة الشرعية للقوات المسلحة، الشيوعي، البعث، الحركة الشعبية، تجمع الأحزاب الجنوبية، مؤتمر البجا، دارفور، جبال النوبة.. الخ, هذه التكوينات هدفها واحد هو إسقاط النظام وتنفيذ برنامج (إصلاح ديمقراطي- تنمية- وحدة وطنية- مساواة بين القبائل وبه حق تقرير المصير للجنوبيين.. الخ), فهو لم يكن لوجهة محصورة بل كان متنوعاً ليمثل ما كنا نقوله من أنه صيغة لـ(الصراع في إطار الوحدة), فقد كان الهدف أن يكون قوة لها هدف واحد يجمعها لكنها تتصارع داخل هذا الإطار العام للوحدة، وفي النهاية الأهداف النهائية ليست موحدة, ولكن هناك أمل أن تتحقق وحدة متصاعدة ومتسعة تأخذ في الاعتبار كل جديد أثناء العمل المشترك لتنفيذ البرامج القريبة، فهو ليس تحالفاً لإسقاط قوى معادية فقط بل محاولة لمراجعة التطور الذي مضى فيه السودان منذ الاستقلال. والسودان منذ البداية كان يحتاج لتصحيح في اتجاهات متعددة, لهذا لم تتوقف النقاشات داخل التجمع ولكن تم اتفاق حول برنامج حد أدنى مفتوح للتطور. * نأتي أستاذ التيجاني لمفاوضات السلام.. وقد تم استبعادكم منها.. فما هي الجهة التي قامت باستبعادكم وهل كانت الحركة الشعبية جزءاً من هذا الاستبعاد؟ هذا يحتاج إلى تحقيق دقيق بالمحاضر, ورغم احترامي للحركة وقائدها د. جون إلا أن هذه مسائل يلزم فيها تحقيق واضح لمعرفة من الذي رفض, فموقفنا كان أنه لابد من المشاركة في المفاوضات باعتبار أن قضايا السودان ذات مصدر واحد, لا يمكن أن تُحل إلا على أساس حل شامل, وهذا واضح جداً الآن, فقد بان أن هناك خللاً في نيفاشا فهي لم تكن على أساس نظرة شاملة لمشاكل السودان, وهي اتفاقية ثنائية لقوتين لا تمثل أي منهما الشمال أو الجنوب, وقد ظهرت قضايا مثل دارفور أثناء المفاوضات, وكانت هناك قضية الشرق ومشاكل أخرى قانونية وسياسية وتنموية في مناطق مختلفة لم تستطع نيفاشا أن تضع لها حلولاً، واتفاقية نيفاشا تحتاج لمؤتمر, فهي- رغم إيقافها للحرب وتقديم حلول نوافق على كثير من جوانبها, لكنها تركت جوانب- ثنائية في وقت كان السودان يحتاج إلى اتفاق شامل. * ألا تعتقد أن ضعف فصائل التجمع هو الذي أدى لاستبعادها من المفاوضات فأنتم كفصائل لم تمتلكوا القوة العسكرية الكافية لتشكيل ضغط يجعل استبعادكم من المفاوضات خطراً؟ من الناحية السياسية السطحية يمكن الاتفاق مع هذا, ولكن ليس لعدم وجود السلاح الكافي لخوض معركة عسكرية متكافئة لم يحدث التفاوض بين التجمع والنظام، فحتى مع القوى المتكافئة لم يحدث شيء (حاسم), فالعمل العسكري ليس العامل الحاسم، وحتى الشريكين لم يحسم أحدهما الآخر بهزيمة حاسمة، والمفاوضات لم تقم لمجرد العمل العسكري المسلح بل لأنه كانت هناك قضايا تحتاج لحلول وعدم حلها استناداً إلى أن الأطراف المعينة لم تكن تحمل سلاحاً هو عدم مسؤولية, لأن هذه الأطراف تعرف أن هناك إشكالات, والتجمع لم يقم إلا لأن هناك مشاكل حقيقية أمام السودان وكل ما نراه الآن (قِدام عينا) يوضح أنها ما تزال تحتاج لحل، لهذا فالحديث عن عدم مفاوضة التجمع لعدم السلاح عدم مسؤولية, لأنه من الممكن أن تفاوض بالسلاح ويكون لديك توازن قوة ولكن هذا لا يحل المشكلة كما هو حادث الآن في دارفور, فمشاكل السودان تحتاج لحل سياسي, وكذلك تحتاج لقبول برنامج للوحدة الوطنية ومثلما حدث مع نميري، عبود، النظام الراهن أو حتى الاستعمار فمن الممكن بالقوة أن تحدث هزيمة للقوى الوطنية التي تمثل مصالح الشعب, ولكن ما دامت مشاكلها موضوعية وموجودة وتطل فإنه مهما كان شكل التوازن العسكري فلابد أن تحل أو أنها ستترك تأثيرها المستمر على الحياة والناس والوحدة, فوجود المشاكل أمر يتطلب الحل. * أثناء مفاوضات مشاكوس 2002 تحدثت عن أن الوطني من خلال مشاكوس هدفَ لحل سياسي يضمن بقاءه في السلطة وفي ذات الوقت تفكيك التجمع والانفراد بحكم الشمال.. الآن وبعد 7 سنوات من قراءتك تلك إلى أي مدى بان هذا قد حدث بالفعل؟ لكل فترة أشكال عمل سياسي جديدة, والمؤتمر الوطني نجح في الانفراد بالحركة في المفاوضات وتمرير خطه في وقت كان ينبغي أن تكون فيه المفاوضات شاملة وتؤدي لحلول شاملة, ولكن هذا لم يحدث, فالمؤتمر الوطني تمكن من الوصول لاتفاق أعطاه ما أراد. * كيف تقيم مواقف الحركة في تلك الفترة فقد سبق أن أشار حزبكم خلالها إلى أن الحركة الشعبية تلجأ لأسلوب المناورة في قضايا مصيرية لا تخصها وحدها وإنما تهم كل أطراف التجمع وما اتفقت عليه في اسمرا.. هل تعتقد أن الحركة ما تزال تمارس تلك المناورة التي وصفتموها بها؟ بشكل عام أتذكر ما أوردته أنت الآن, واعتقد أنه جاء في سياق ما ظهر من تقسيم للسودان كشمال وجنوب أثناء المفاوضات, فالحركة بدت وكأنها وافقت وقبلت بهذا التقسيم وهذا أمر مرفوض, فالاتفاق كان ينبغي أن يكون حول قضايا, والحركة والوطني قسما السودان ونحن لسنا موافقين على أن الوطني يمثل الشمال والحركة تمثل الجنوب، والحركة لا يمكن وبضربة لازب أن تكون هي القوة السياسية الوحيدة في الجنوب, فبالتأكيد هي قوة سياسية أساسية, ولكن أن تكون هي التي تمثل الجنوب فهذا يحتاج لأدوات في العمل السياسي لمعرفة وقياس هذا الأمر، كذلك الوطني لا يمثل الشمال ولكننا نكون راضين إذا ما حدد هذا الموضوع بأدوات العمل السياسي التي تبين حجم الأحزاب، أما المناورة التي اشرنا إليها فهي تتمثل في أن العالم كله ينظر لما يحدث في السودان على أنه بين الشماليين والجنوبيين ولكن هذا ليس أساس المعركة, فهناك قوى أخرى في وسط وغرب وشرق السودان, وهذه قوى غير راضية بتهميشها أو علاقتها بالسلطة, لذلك يجب أن لا تُصور المعركة على أساس أنها بين الشمال والجنوب في وقت فيه عوامل أخرى موجودة. * وماذا عن الراهن الآن.. هل ما تزال الحركة الشعبية تناور في رأيكم خاصة وأنكم غير راضين عن مواقفها في كثير من القضايا وتصويتها لجانب شريكها في عدة قوانين سابقة؟ الحركة الشعبية الوضع بالنسبة لها معقد, فهي لم تكتسب الخبرة الكافية كحزب سياسي ولم تجد الظروف العادية التي تخرجها من جو الحرب الأهلية لجو سلام, ومن حالة تنظيم وحيد موجود في الساحة بحكم السلاح لتنظيم موجود وسط قوى سياسية متعددة ومتباينة, وكذلك علاقة الصراع بينها والمؤتمر الوطني في خارج ظروف الحرب واختبار برامجها في ظروف سلام عادية، واختبار برامجها تجاه مشاكل السودان ككل بما فيها مشاكل الجنوب, وهذا الظرف معقد بالنسبة لها وللقوى السياسية ككل, لذلك لا نستطيع أن نفرز موقف الحركة ونصدر عليه الأحكام. ولكن قطعاً يمكن أن ترى موقفها كمكون من مكونات التجمع وكقوة من القوى التي صاغت برنامج أسمرا للقضايا المصيرية والسير على طريق تنفيذه, وهذا يحتاج لصبر ومدى زمني يسمح بالاختبارات ولجو يسمح بذلك، فمن السهل الحديث عن تبني برامج ولكن العبرة بالنشاط العملي والتنفيذ. * وماذا إذا قرأنا ذلك مع زيارة حزبكم بقيادة نُقد وسليمان حامد لجوبا العام الماضي.. ألا تعتقد أن الزيارة لم تحظ بالحفاوة المطلوبة من قبل الحركة الشعبية, فرئيس الحركة وسكرتيرها العام لم يلتقيا بوفدكم وتركا أمر استقباله والاجتماع به لمسؤول قطاع الجنوب آن إيتو بالرغم من أن الزيارة وباعتبارها الأولى لحزب للجنوب بهذا المستوى القيادي كان من الممكن أن تدفع بوحدة السودان وتدعم عدة قضايا أخرى؟ هذه واحدة من الأشياء التي يمكن وضعها للحكم على الحركة وبرامجها ومدى توافق البرامج والأقوال مع الأفعال، هذا ممكن، ولكننا نضع في الاعتبار أشياء أخرى كثيرة. والحركة لا تريد أن تعطينا نحن وحدنا رسائل, فمواقف الحركة هي رسائل توجهها لقوى كثيرة إقليمية ومحلية ووطنية عامة وقوى دولية, وليس دائماً كل القوى السياسية توجه رسائل مباشرة أو يمكن اعتبارها تعبر عن موقفها الحقيقي, وربما لا تريد إعطاء كل رسائلها، وبالنسبة لنا نحن لدينا وسائل لنعرف بها موقف الحركة سواء اللقاءات المشتركة أو مواقفها من المعارك التي ندخلها. * لأي مدى تعتقد أن رحيل د. جون شكل تغييراً كبيراً في مواقف الحركة ووضعية التجمع و الساحة السياسية بشكل عام؟ إذا أصبحت المسألة بأحكام عامة، بإسقاط التجارب الكثيرة التي حدثت في الدنيا، يمكن القول إنه بمواقف د. جون هناك أشياء كثيرة كان يمكن أن تكون مختلفة، ولكن لا نستطيع أن نعرف ذلك أيضاً لأن د. جون لم يعد موجوداً معنا ولا يمكن أن نحكم على المستقبل بالمواقف السابقة. ربما كانت ستحدث تغييرات وهو يستطيع أن يبررها مثلما حدث في عدم مشاركة التجمع في المفاوضات, فبرغم موافقته على ضرورة اشتراك التجمع, لكن هذا لم يحدث ولم تتم هذه المشاركة, وهو أبدى تبريرات من وجهة نظره قد تكون صحيحة أو خاطئة وهذا نفس الشيء الذي يمكن أن يكون بالنسبة لأي مواقف أخرى, فأنا لا استطيع أن أقول ماذا كان يمكن أن تكون مواقفه بالضبط ولكن إذا كان موجوداً وأخذ مواقف بالضرورة ستكون له أسباب ودوافع لها وفق ما يراه لظروف الحركة والجنوب, فهو كان دائماً يعطي اعتباراً لاحتياجات الحركة السياسية في الجنوب بشكل عام، وأنا احترم جداً دكتور جون وكانت علاقتي معه جيدة, وبشكل عام استطيع القول إن الوضع كان سيكون أحسن, ولكن كما يقولون الشيطان يكمن في التفاصيل. * مشاركة التجمع في السلطة صاحبها الكثير من اللغط فما هو الموقف الصادر من القيادة؟..وكذلك مشاركتكم كحزب في السلطة التشريعية (البرلمان) دار حولها جدل كبير داخل أروقة حزبكم لم يحسم بعد؟ بالنسبة للمشاركة البرلمانية للحزب كانت هناك اختلافات حول المشاركة, لكن الذي وافقنا عليه كان أن نشارك في السلطة التشريعية نتيجة للتغيير الذي حدث بشكل عام, فما عادت الحالة السياسية كما كانت قبل 2005, فقد صار اتفاق نيفاشا بتوابعه يحكم السودان وتحت ظله السياسي يمضي العمل السياسي. لذا الطبيعي أن تحدث إعادة نظر في التكتيكات المختلفة, فموقف المعارضة قبل 2005 لا يمكن أن يكون هو الموقف نفسه بعده، والمشاركة في المجالس التشريعية لم تتم لأنها مشاركة في النظام ككل أو لـ(قلب) النظام إنما استفادة من الظروف من أجل دفع العمل المعارض بشكل عام، يمكن النظر إليها في إطار عملية طويلة جداً في الوقت الحاضر, فبتوازن القوى نحن دخلنا معركة مع النظام لم ننتصر فيها والنظام لم يدمرنا فيها, وأصبحنا في وضع ليس هو بالضبط (توازن عقيم), فالمشاركة ليست شكلاً لإسقاط النظام وإنما جزء من عملية متعددة فيها المعارضة وعدم القبول بالنظام الحاكم, وفيها كذلك المشاركة في الأجهزة التشريعية في اتجاه فضح النظام من داخله, وهذا جزء من عملية مركبة مثل القبول بإصدار صحيفتك أو ممارسة نشاطك في ظل قوانين مرفوضة بالنسبة لك، فهي مرفوضة فكرياً وسياسياً ولكنها مقبولة بتوازن القوى الموجود مثل العمل أيام الاستعمار فأنت ترفض فكرة الاستعمار ككل وقوانينه لكنك مضطر في نفس الوقت للعمل السياسي. *وماذا عن مشاركة التجمع.. ففي الوقت الذي يتحدث فيه الاتحاديون عن أن التجمع قرر المشاركة في السلطة التنفيذية تتحدثون في الشيوعي عن أن التجمع قرر المشاركة في السلطة التشريعية فقط وترك الباب مفتوحاً لمن أراد من الفصائل أن يشارك في السلطة التنفيذية بصفته الحزبية؟ بالضبط، لقد كان هناك اجتماع لمناقشة هذا الموضوع وتوصل لهذا القرار تحديداً, فنحن وآخرون كذلك لم نقبل بالمشاركة في السلطة التشريعية لأنه عندها يترتب على ذلك تحمل مسؤولية سياسات النظام وليس هناك ما يثبت أنك معارض لهذه السياسات, ونحن لنا موقف في التجمع بأن أي قرارات لم نشارك في اتخاذها بصورة حرة وواضحة فنحن غير ملتزمين بها. لقد قالوا إن التجمع مشارك في ما يسمى (حكومة الوحدة الوطنية) والحقيقة أننا لسنا طرفاً فيها ولم نتناقش حولها ولا نعرف شيئاً عن كيفية اتخاذ القرارات فيها أو من الذي يتخذها، يقولون مجلس الوزراء ولكننا لا نعرف.. لكن في كل الأحوال عندما تصبح جزءاً من مجلس الوزراء تصبح مسؤولاً عن القرارات, والذين شاركوا (معينين) كوزراء ماذا كان موقفهم من القوانين (الصحافة- الأمن- الأحزاب-الانتخابات)؟ هل كانوا موافقين عليها؟ وإذا كانوا معترضين أين ظهر اعتراضهم هذا؟؟ * أستاذ التيجاني.. من خلال تجربة أزمات التجمع وما سبقها من تجارب مشابهة في عملكم كأحزاب هل تعتقد أننا كسودانيين نفتقد للقدرة على العمل بشكل جماعي وعبر تحالفات وطنية تستطيع تغليب المصلحة العامة أم أن عدم القدرة على الثبات طبيعة سودانية؟ عموما المجتمع السوداني مجتمع متحرك به قوى اجتماعية من طبيعتها عدم الثبات, بينما في أماكن أخرى هناك قوى ثابتة برجوازية مالية صناعية, وبالتالي ثبات البرامج وعدم الحاجة للتغيير في المواقف, وفي السودان يمكننا أن نرى ونقيم لأي مدى وعبر التاريخ سواء في فترات طويلة أو قصيرة غيرت بعض القوى مواقفها, فهناك قوى ثابتة حتى في اليمين لا تغير مواقفها لذا الأفضل أن نرى ذلك بشكل واقعي حتى لا يكون (نضمي وحِجة ساي), فمثلا الحزب الوطني الاتحادي هو حزب قام على وحدة وادي النيل وصارع الاستعمار البريطاني لكن عند لحظة الالتزام ببرنامجه وقف مع الاستقلال بغض النظر عن صحة الموقف وحدث تغيير جوهري في شيء أساسي وتاريخي في برنامجه، وهناك أمثلة كثيرة أخرى لموقف الأحزاب يمكن أن تعطينا مثالاً لـ(ميوعة) الأساس الاجتماعي للقوى السياسية وهذه مسألة مهمة في التزام القوى السياسية ببرامجها التي تعلنها، فمن الصعب القول إن التحالفات السياسية في السودان تأخذ طابع ديمومة, فمثلاً التجمع وببرنامج أسمرا سنة 95 ليس هناك أي سبب يجعله يغير موقفه من النظام في السودان, ولكن مع ذلك تم تغيير هذا الموقف, وكذلك في التحضير للانتفاضة كان هناك التجمع الوطني النقابي لإنقاذ الوطن والذي وقع على ميثاقه في 6 أبريل ولكن مباشرة وعند التنفيذ ورغم الاتفاق على فترة انتقالية 3 سنوات أصروا على ستة أشهر, حيث قال البعض إن هناك أحزاباً (جعانة) وتريد أن تسمن خلال الثلاثة أعوام هذه ولا يمكن أن نعطيها الفرصة, وأصروا على موقفهم, وبعد كثير من (اللت والعجن) وافقوا على أن تكون الفترة الانتقالية عاماً. لذلك من الصعب القول بأن التحالفات السياسية في السودان تأخذ طابع الديمومة. حاوره: عادل بدر علي الأخبار