شهد الأسبوع الاول من نوفمبر ٢٠١٨، زيارة رسمية قام بها وزير الخارجية السوداني (الدرديري محمد احمد) للعاصمة الامريكية واشنطون، التقى خلالها بعدد من المسئولين في الادارة الامريكية على رأسهم نائب وزير الخارجية الامريكي (جون ساليفان). وسبقت هذه الزيارة، زيارة اخرى قام بها رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش السوداني (الفريق اول كمال عبد المعروف) للولايات المتحدة في اكتوبر ٢٠١٨ ، هى الاولى من نوعها لمسئول عسكري سوداني بهذا المستوى للولايات المتحدة ، و ذلك لحضور موتمر عقدته قيادة الجيش الامريكي بخصوص مكافحة التطرّف العنيف ، كما إلتقى على هامش المؤتمر بقيادات رفيعة في الجيش الامريكي ووكالة الاستخبارات المركزية. و تعتبر زيارة رئيس هيئة الأركان السودانى بمثابة تطور لافت في مسار العلاقات الامريكية السودانية يكشف عن خروج التعاون العسكري والأمني الذي ظل قائمآ بين البلدين الي العلن بعدما كان يتم في الخفاء محاطا بالسرية وبعيدا عن اعين الاعلام.
وقد أصدرت الخارجية الامريكية ، بعد زيارة وزير الخارجية السودانية، بيانا كشفت فيه عن بدء جولة جديدة من المباحثات بين الجانبين الامريكي والسوداني بغرض رفع اسم السودان من قائمة الدولة الراعية للإرهاب. وكانت الولايات المتحدة قد رفعت فى أكتوبر من العام الماضى العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ العام ١٩٩٧، إلا انها ابقت على اسمه في قائمة الدول الراعية للإرهاب. و لقد حوى بيان الخارجية الامريكية عدة شروط او مسارات يتم التفاوض حولها من اجل رفع اسم السودان من قائمة الاٍرهاب وتشمل: توسيع التعاون في مكافحة الإرهاب، وتعزيز حماية حقوق الإنسان وممارساتها، بما في ذلك حرية الأديان والصحافة، وتحسين وصول المساعدات الإنسانية، ووقف الأعمال العدائية الداخلية، وخلق بيئة أكثر ملاءمة للتقدم في عملية السلام في السودان، واتخاذ خطوات لمعالجة بعض الأعمال الإرهابية البارزة، و الإلتزام بقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن كوريا الشمالية.
غير أن مصادر مختلفة افادت بان هذه المسارات لم تكن الموضوع الرئيس في الاجتماع بين المسئولين السودانيين والأمريكان. فقد اثار الجانب الامريكي بشكل بارز ضرورة إعادة تأهيل وتقديم الرئيس البشير بشكل جديد ، بما يتضمن تحسين صورته الجماهيرية و الدفع به لإتخاذ قرارات استراتيجية والتوقف عن التلاعب التاكتيكى و الدبلوماسي في صعيد العلاقات مع روسيا وكوريا الشمالية ودعم الإسلاميين. الجدير بالذكر أن الدورة الرئاسية الحالية للرئيس البشير الذي يحكم منذ العام ١٩٨٩، تنتهى فى عام 2020 . وكان الدستور السوداني المجاز في عام 2005 قد حدد فترات تولي الرئاسة بدورتين رئاسيتين. وترشح البشير بعد إجازة دستور 2005 ، في انتخابات ٢٠١٠ وانتخابات 2015 . إلا أن الحزب الحاكم أعلن عدة مرات وآخرها عبر مؤتمره السياسي العام ال1ى عقد فى نوفمبر 2018 ، عن عزمه إعادة ترشيح البشير كمرشح رئاسي في عام ٢٠٢٠ ، وهو الامر الذي يتطلب تعديل الدستور عبر البرلمان الذي يسيطر عليه حزب المؤتمر الوطني الحاكم. و تأكيدآ على هذا العزم ، قام الحزب الحاكم ، باستخدام اغلبيته في البرلمان ، بإجازة قانون الانتخابات الجديد وسط إعتراضات واسعة من نواب الأحزاب الموالية له والمشاركة في البرلمان والتي انسحبت من الجلسة التي تم فيها تمرير القانون، بجة أن القانون يشتمل على عدد من العيوب التى قد تيح المجال لخروقات واسعة في العملية الانتخابية وتزوير نتائجها و من أبرز تلك العيوب هى إمتداد فترة التصويت و فرز الأصوات لمدة ثلاثة ايّام.
لَم تكن هذه المرة الاولى التي يثير فيها مسئولون أمريكيون موضوع إستمرار رئاسة البشير المقاطع دوليا بسبب امر القبض عليه الصادر من المحكمة الجنائية الدولية ، فلقد تم نقاش الموضوع إبان زيارة نائب وزير الخارجية الامريكي جون سوليفان الي الخرطوم في نوفمبر ٢٠١٧ بعد القرار الامريكي برفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، حينما رفض المسئول الامريكي لقاء البشير وأثار موضوع إستمراره في السلطة في اجتماعاته الثنائية مع المسئولين السودانيين. وقد رد البشير على هذا الامر حينها بزيارة روسيا ولقاء الرئيس الروسي فلادمير بوتين والطلب منه بشكل علني (الحماية) من التحرش والاعتداءات الامريكية.
كما تلى أيضآ إجتماع وزير الخارجية السوداني مع المسئولين الأمريكيين في واشنطون، تصريحات غاضبة من الرئيس البشير في مخاطبته لحشد حماسي لقوات الدفاع الشعبي، استخدم فيها المثل السوداني في وصف الولايات المتحدة الامريكية قائلا (المتغطي بامريكا عريان) بما يعنى أن لا فائدة ترجى من التعويل على إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة. و ألحق الدرديري زيارته لواشنطون بجولة أوربية واسعة شملت باريس وبروكسل وبرلين إلتقى خلالها مسئولين بارزين، مثل نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الاوروبي ، في محاولة لاستخدام كرت تعاون السودان في وقف الهجرة الي أوروبا لتقوية العلاقات مع حلفاء جدد في المجتمع الدولي و محازلة صفهم في الضغط على امريكا لرفع اسم السودان من قائمة الاٍرهاب.
وعليه يبقى السؤال عن تحسن العلاقات الاميركية السودانية حائراً حول الثمن الذى تبتغيه الولايات المتحدة : هل هو إستيفاء شروط المسارات التفاوضية الجديدة التي طرتحها الإدارة الامريكية أم عدم استمرار البشير في السلطة ؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
Sudan Democracy First Group
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست