صحيفة (الرأي العام) غاضبة لنقل السفير عبد المحمود من نيويورك للخرطوم

Quote: الاستفتاء قادم.. وأوكامبو يتربص.. والسودان في مفترق طرق عبد المحمود خارج نيويورك.. توقيت غريب ورسالة خاطئة ..هل يستبطن القرار اعتماد سياسة مُهادنة في التعامل مع المجتمع الدولي قراءة تحليلية: محمد عبدالقادر ولأنّ توقيت قرار نقل السفير عبد المحمود عبد الحليم مندوب السودان في الأمم المتحدة للخرطوم كان غريباً، فقد نشطت مراصد المراقبين في إيجاد تفسيرات تبرر هذه الخطوة المفاجئة، خاصةً وإن الرجل ظل وحتى يوم الخميس المنصرم يمارس مهامه الدبلوماسية بحماسه المعهود وشراسته البائنة في قطع الطريق أمام الأجندة التي تستهدف السودان! -- بيان سياسي البعض ذهب الى اعتبار القرار (بياناً سياسياً) يستهدف تغيير تكتيك الحكومة في التعامل مع المجتمع الدولي خلال المرحلة المقبلة، آخذين في الاعتبار حساسية التوقيت الذي تَتَشَكّل فيه الوزارة الجديدة، ويرى هؤلاء أن قرار نقل عبد المحمود رسالة تستبطن اعتماد سياسة مهادنة في التعامل مع الملفات الدولية.. غير أن التحديات التي تنتظر السودان في قادم الأيام تدحض مثل هذا التفسير خاصة وإن السفير عبد المحمود أبلى بلاءً حسناً في الدفاع عن السودان ورئيسه، وتمكن من تفكيك كثير من القنابل التي استهدفت البلاد وقيادتها خلال المرحلة الماضية. وما يعزز من ضرورة استمرار السودان في خط المواجهة التي نجح فيها عبد المحمود ما ينتظر الخرطوم من تحديات خلال الأشهر المقبلة التي تعتبر وبكل المقاييس اخطر حقبة في تاريخ البلاد، فحساسية المرحلة كانت تقتضي استمرار عبد المحمود في موقعه الحالي لأن معركة الاستفتاء المقبلة تحمل كثيراً من التحديات التي بدأ عبد المحمود في التصدي لها فعلاً حينما واجه القرار (1919) وأحبط مخططاً كان يهدف الى توسيع تفويض البعثة الأممية بالجنوب لمنحها صلاحيات تمكنها من الدخول بثقلها في عملية الاستفتاء المقررة بعد «7» أشهر من الآن. ام المعارك كذلك، فإنّ تحديات المرحلة المقبلة في (أم المعارك) لويس مورينو اوكامبو تحتم وجود عبد المحمود الذي تمرس في هذا الملف واستطاع أن يصرع مدعي المحكمة الجنائية الدولية في المواجهات كافة، والمعروف أن أوكامبو سيقدم الشهر المقبل التقرير الدوري الذي يوصي بتضمين الإبادة للائحة اتهامه مشفوعاً بشكوى حول عدم تعاون السودان مع محكمة لاهاي.. فالمصلحة الوطنية تقتضي أن يظل عبد المحمود في موقعه لأنه أدرك فنون اللعبة الدولية وعرف (من أين يُؤكل كتف) المؤامرات التي تُحَاك ضد السودان صباح كل يوم، فالرجل استطاع بمواقفه الصارمة وفصاحته البائنة أن يُشكِّل (كاريزما) مهابة في أروقة المؤسسة الدولية، ودفع بطريقته - النازعة نحو الاعتداد بوطنيته ودولته - بالسودان إلى دوائر الدول ذات الثقل الدبلوماسي داخل مجلس الأمن وهذا ما شهدت به «النيويورك تايمز» حينما كتبت في إحدى مقدماتها أن (الدبلوماسية السودانية تتلألأ). خطأ فادح ومن أكبر الاخطاء أن تقدم الحكومة عَلَى تغيير قيادة طاقمها، في الوقت الذي تَتَسابق فيه الأجندة الدولية لتقسيم السودان والزج به في أتون المؤامرات عبر الاستفتاء على مصير جنوب السودان، فكثير من الطبخات تُعد الآن داخل أروقة المؤسسات الدولية ولا نرى أن من المصلحة العامة التفريط في خط الدفاع الأول واستبداله بآخرين قد يحتاجون لوقتٍ طويلٍ حتى يتمرسون على التعامل مع الأجندة المفخخة، ولابد من التذكير بأنّ حساسية الملفات المقبلة لا تحتمل إضاعة الوقت في إطلاع الكادر الجديد و(تمرينه) خلال الزمن الرسمي لمباراة يحتاج فيها الوطن إلى كل ثانية! ومن المؤكّد أنّ قرار نقل عبد المحمود سيجعل الدول المتربصة بأمن السودان ووحدته وقيادته (تتنفّس الصعداء) لأن فيه إزاحة لسد منيع ظل يذود عن حياض الوطن وعزته وقيادته بمواقف قوية أعلت من شأن البلاد كثيراً، وبالمقابل فإنّ مثل هذا التطور سيقلق كثيراً من الأطراف في الأسرة الدولية التي أحْدَثَ عبد المحمود انفتاحاً في علاقتها مع السودان، ولابد من التذكير بما حَقّقَه السودان في ظل وجود الرجل من فتوحات دبلوماسية أبرزها رئاسة السودان لمجموعة دول الـ (77) والصين. رسائل خاطئة وفى واقع الأمر، فإنّ القرار بعث برسائل سياسية خاطئة بعد أن خرج في توقيت تتشكل فيه كثير من قضايا السودان داخل أروقة الأمم المتحدة، وربما يكلف مثل هذا القرار الحكومة ثمناً فادحاً، لأنّ السلاسة التي مضت بها سياسة عبد المحمود في التعامل مع القضايا ربما لا تتوافر بسرعة لخلفه القادم الذي يلزمه كثيراً من الإحماء قبل الدخول في أجواء المواجهة مع المجتمع الدولي الذي يتعامل مع السودان بأجندة معلومة! وما يُثير تساؤلات قلقة في مسألة عبد المحمود هو هذا الاستعجال غير المبرر في إنفاذ القرار الذي استبق حتى تكوين الحكومة الجديدة وصدر في مرحلة انتقالية تتكاثف فيها العديد من التحديات، وليس من الحكمة إحداث أي ارتباك في هذا المرحلة يمكن أن يبعث برسائل خاطئة للأطراف الدولية! وما يُثير الغرابة في قرار النقل ان الحكومة كانت قد مددت للرجل لعامين قبل وقت قريبٍ، وقد نقل عن مسؤول سيادي كبير حينها أنّ عبد المحمود ينبغي أن يكون سفيراً للسودان طيلة حياته، والعبارة - طبعاً - لاستحسان الأداء ليس إلاّ ولكنها تشير إلى رضاء القيادة عن أداء الرجل، بيد أنّ هذا القرار يستبطن وجود خلاف حول استمرار عبد المحمود، وإذا صدق هذا التوقع فإنّ على الحكومة مراجعة الأمر بطريقة لا تجعل ما وجده المندوب الدائم مثل جزاء سنمار لانه أبلى بلاءً حسناً، وكان صوتاً مقلقاً للمعارضين لأنّ كثيراً من الأجندة المعادية تحطمت على صخرة مواقفه الصلبة. سجل ناصع فالواقع يقول، إنّه وطيلة قيادة عبد المحمود لسفينة السودان في الأمم المتحدة التي انتاشتها عواصف كثيرة لم يُصدر قرار ضد البلاد - وهذه حقيقة - بل استطاع الرجل أن يعيد السودان الى منصة مبادأة ومبادرة جعلت منه في موقف الهجوم بدلاً عن خانة الدفاع. والأخطر من القرار وغرابة توقيته هو باب التأويلات الذي يبقى مفتوحاً على مصراعيه لتفسيرات يغذيها توقيت الصدور، ومن المهم جداً ألاّ تغفل الحكومة التأويلات القائلة بأن هنالك صفقة بينها ومجموعات وقف لها هذا المندوب (شوكة حوت) داخل أروقة المؤسسة الدولية، فالرجل الذي كان يحسن تعرية المخططات وإحباط الأجندة نجح كثيراً في إيقاف مد المطامع واستطاع تمشيط الطريق إلى عوالم دبلوماسية أعْلت من قيمة السودان وحكومته كثيراً! خطوة غير محسوبة ويبقى قرار نقل عبد المحمود خطوة غير محسوبة، ربما أربكت التعاطي مع المجتمع الدولي فى مرحلة اخطر ما فيها حساسيتها، وستكون الخرطوم مُطالبة بكثير من التوضيحات لطبيعة الخطوة وتوقيتها، خاصةً وإنها جاءت في مرحلة حساسة كانت تستلزم قدراً من الثبات في طاقم البعثة الأممية التي أظهرت تميزاً واضحاً في التعامل مع الملفات الساخنة. على كلٍّ، أظهر عبد المحمود عطاءً دبلوماسياً باهراً استطاع عبره أن يخطف الأضواء داخل المؤسسة الدولية، وكان هذا التميز امتدادا لمسيرة دبلوماسية مهنية ناجحة مَكّنته من قيادة دفة المواجهة باقتدار، وربما انتقل عبد المحمود الى محطة جديدة في رحلة عمله بوزارة الخارجية بشكل اعتاد عليه كثيراً، لكن من المؤكد أن الوطن سيفقد مجهوداته خلال مرحلة بالغة الحساسية تتشكل فيها كثير من المصائر داخل مطابخ المجتمع الدولي.