|
أيها الاتحاديون ، رُبّ ضارة نافعة فهل تسمعون
|
لا أشكّ كثيرا أن الحزب الاتحادي الديمقراطي هو السودان ، وذلك لما يلمسه الناس من أن الشخصية السودانية تظل شخصية وسطا ، تعشق الحرية ، والعدالة ، وتنتهج الإيثار ، وتتقبل الآخر ، وتمتثل أمر الله دونما غلو أو تقصير . هذا على مستوى الفرد . وأداء الحزب الاتحادي الديمقراطي يشبه الأداء الجمعي للسودان في أشياء كثيرة ، فكما ظلت وحدة السودان هاجسا على مر الأزمان ، كذلك ظلت وحدة الحزب الاتحادي الديمقراطي هاجسا يؤرق الاتحاديين ويؤثر في أدائهم . وفي الحالين تظل الوحدة أملا متأرجحا ، ويظل التقسيم حلأ مرفوضا . والاتحاديون على المستوى الفردي تجدهم يقدمون مثالا في الوطنية والنزاهة والتزام المؤسسية ، لكن كل هذا لا تجد له الأثر الكبير في الأداء الجمعي للحزب الاتحادي الديمقراطي ، فيتفلت البعض ويتحلل من هذه الالتزامات وتطفو الطموحات الشخصية فوق السطح وتنتقل العدوى بين الصفوف فتنتج الحالة الراهنة والتي ظلّ الحزب يعاني منها ومن إفرازتها لأزمنة طويلة يفقد خلالها الكثير من كوادره صبرهم ، ويفقد البعض عمره ، فيهترئ الحزب ويتمزق ويكون البديل شُللا وأحزابا لا تشبه الحزب الاتحادي الديمقراطي ، فتفقد الجماهير حزبها ولا يكون أمامها إلا أن تحتار في أمرها وتفقد شهيتها السياسية . وفي هذا أيضا نجد أن الحزب الاتحادي الديمقراطي تنطبق عليه الحالة السودانية تماما . فالسودانيون كأفراد يمتازون بكثير من الصفات الإنسانية والمؤهلات والخبرة التي تؤهلهم لإصلاح حال وطنهم ، وتطويره ، لكن أداءهم الجمعي يظل ضعيفا تشوبه الشبهات والأنانية وإهمال الإبداع والاستسلام للسلبية. وأنا هنا بصدد تشريح حالة الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يشهد تقلّصا جماهيريا كبيرا ، وتراجعا في أداء دوره كحزب رائد وقائد منذ البدايات الأولى للعمل الوطني . فشخصيات فذة مثل الشخصيات الأولى التي أوجدت الحزب وأخرجته إلى الوجود وقادته خلال مراحل العمل السياسي المختلفة ، لم تكن شخصيات مستحيلة ، بل يمكن تكرار هذه الشخصيات ويمكن إيجاد من يتفوق عليهم بحكم ما أتيح للأجيال الجديدة من تقنية وعلم متطور وخبرات متعددة . وما أصاب الحزب في السنوات الثلاثين الأخيرة قد يكون جزء كبير منه ناتجا عن جرثومة أصابت العمل السياسي على المستوى الوطني والدولي على حد سواء ، وقد نتجت هذه الجرثومة عن انهيار سياسة الأقطاب المتعددة لصالح القطبية الواحدة . ولا أجد مطلقا في الحزب الاتحادي الديمقراطي أزمة كوادر ، فالكثير ممن عملت معهم ، أو أتيحت لي فرصة التحاور معهم ، أو قابلتهم في مناسبات مختلفة ، أو استمعت إليهم كمتحدثين من المنابر أو وسائل الإعلام ، كلهم أو جلهم يحملون من الفكر والقدرات ما يؤهلهم للقيادة والفاعلية في العمل العام . والغالبية العظمى من هؤلاء يتمتعون بقدر كبير من الخلق الحسن والثقة بالنفس وعفة اليد واللسان . ومن المؤكد ان الحزب الاتحادي الديمقراطي لا يعاني من أزمة جماهير ، فجماهير الحزب ممتدة عبر تاريخ وجغرافية الوطن ، والمواطن السوداني الوسطي غالبا هو اتحادي بطبعه وبفطرته . لكن الجماهير لها مطالبها ، واحتياجاتها ، ولها ما يؤثّر عليها فيهز صمودها وولاءها أو يقوّيه . وقد لا تكون هناك أزمة فكر في الحزب الاتحادي الديمقراطي ، فالتنافس السياسي الحالي نجده يقوم على المستوى النظري لا العملى على أسس فكرية لها علاقة بالدين اقترابا أو نفورا ، وبالطبع لها أسس اقتصادية مرتبطة بالفكر السياسي . والطرح الفكري أو الاقتصادي للحزب الاتحادي الديمقراطي ربما يكون جاذبا أكثر من غيره باعتباره منطلقا من التجربة الإنسانية كلها دون حساسية عقدية . كما أن الاتحاديين ظلوا طيلة العهود متطابقي القول والعمل ، يحتفظون بمسافة عازلة بينهم وبين الفساد الأخلاقي أو الاقتصادي . وكنت قد تحدثت من قبل عن وجود أزمة المؤسسية في الحزب الاتحادي الديمقراطي ، وما زلت أعتقد بوجود هذه الأزمة . وما زلت أرى أن معالجتها هي أساس العمل المستقبلي للحزب الاتحادي الديمقراطي . والآن وقد انتهت العملية الانتخابية إلى ما انتهت إليه ، وحتى لا يصاب الحزب الاتحادي الديمقراطي بالحالة الوفدية هل يجلس الاتحاديون في وقفة صادقة مع النفس ، ليقيّموا بصدق وبدقة علمية ، وبحدس سياسي نقي نتائج هذه الانتخابات ليستوضحوا موقفهم ومكانتهم وسط الشعب السوداني ، أم أنهم سيظلون يتحدثون في الشأن العام دون بحث ودون دراسة ودون عودة إلى جذور المشكلة متكئين على وسادة الماضي التليد للحزب؟
|
|
|
|
|
|
|
|
|