|
____وداعا برفيسور عاصم فاروق___!!!!!!؟؟
|
كيف ارتحالك؟؟؟
كتب دكتور محمود ميسره السراج بالتيار...
وداعا بروفيسورعاصم فاروق اهوكلام الاثنين 19/4/2010 ولأنّ حمامة الحزن تأبى أن تفارق سقف المدينة .. وسحاب الفجيعة فوق سمائنا يأبى أن ينقشع .. والمطر المر الذي لم ينقطع لحظة فأحال حارتنا جداولا من الأسيّة وزرائب ورواكيب مهشمة .. بكيتك يا سيّدي وأرهقني النحيب .
منذ الصباح الباكر وأنا تعتصر قلبي أبيات من شعر أستاذي الراحل محي الدين فارس .. عبثا أحاول طردها علّي أتابع ما تبقّى من حياة ولكنها تأبى ..
حبيبنا الذي أقام عندنا هنيهة وودّعا
ورجّعت أصداءه جبالنا ورجّعا
انّا ترقّبناك يا حبيبنا انّا ترقبناك
جناحك الورديّ هل يلوح من هناك
ولكنه ما لاح من هناك .. بل كان الخبر الفصل .. رسالة قصيرة تلقيتها في هاتفي كشفت سر هذا الصباح المتجهم .. كانت من زوجتي التي فارقتني قبل قليل الى عملها في الجامعة .. قرأت نعيه : (تعازينا الخاصة والحارة .. رحم الله بروفيسور عاصم فاروق) .
بدأت معرفتي بأستاذي الراحل في ثمانينيات القرن الماضي عندما كنّا طلبة في كليّة الصيدلة جامعة الخرطوم .. كان بروفيسور عاصم فاروق وقتها رئيسا لقسم الصيدلانيات وأستاذا لمادة الأحياء الدقيقة .. وكان من أكثر الأساتذة الذين كنّا نهابهم في الجامعة .. فهو بالأضافة الى علمه الغزير وجدّيته المفرطة ، زاده المولى بأن منحه بسطة في الجسم وسلاطة في اللسان .. ولا أذكر قط طوال فترة دراستنا في تلك الكلية أنّ أستاذ عاصم احتاج الى مرجع أو كتاب ليملي علينا منه محاضراته .. فلقد كانت ذاكرته هي المرجع وعقله هو الكتاب .. كان الرجل يقف ساعة أو ساعتين أو عشرة يتحدث (من رأسه) عن كائنات شديدة الصغر وشديدة الغموض يحتاج اسم الواحد منها الى صفحة كاملة ليكتب عليه .. وكنت أعجب كيف يتذكر الرجل أسماء آلاف الكائنات الدقيقة وأسماء عائلاتها وأنواعها وفروعها وأجداد أجدادها .. كيف ذلك .. ثم توطّدت معرفتي بالعالم الجليل أيام اضراب طلبة الصيدلة واعتصامهم في العام 82 .. كنت وقتها قائدا لذلك الاعتصام .. وأذكر أن الدكتور (الطالب وقتها) محمد مندور المهدي جائني صبيحة أوّل ايام الاعتصام ليخبرني أنّ دكتور عاصم يصر على الدخول – وكنّا قد أقمنا حواجزا ومتاريس لمنع غير المشاركين في الاعتصام من دخول مباني الكلية - .. أسقط في يدنا ولم نعرف ماذا نفعل ولكن حيرتنا لم تطل اذ فوجئنا بالدكتور عاصم وهو يقتحم حواجزنا ومتاريسنا ويأتى ناحيتنا (بجسمه الضخم) فلم نملك الا الفرار من أمامه .. وتوطدت معرفتي به أكثر أبّان رحلة علمية هيّأتها لنا الكلية الى مصانع الدواء في جمهورية مصر العربية .. في تلك الرحلة اكتشفنا الجانب الآخر للبروفيسور .. الوجه الآخر للقمر ..اكتشفنا حسّه المرح ودواخله النقيّة الشفافة وقلبه الكبير، والنكتة الحاضرة دوما على طرف لسانه، وحبه للشعر والموسيقى، فأحببناه .. ومن وقتها صار صديقنا .. وبعد أن تخرّجنا في كلّية الصيدلة وقررنا تكوين فرقة موسيقية أصرينا عليه أن يكون أبا روحيا ورئيسا فخريا أبديا لفرقتنا فوافق وهو يضحك ..
نثر البروفيسور علمه الغزير على طلبة الصيدلة في مختلف الجامعات السودانية وغير السودانية.. وتقلّد عمادة كلية الصيدلة في جامعة الخرطوم لعدة سنوات ، وأسهم في تاسيس كليّات الصيدلة في عدّة جامعات من بينها جامعة علوم التقانة التي شغل كرسي العمادة فيها لسنين عددا .. وأذكر أنني ذهبت اليه في مكتبه في ذلك الوقت لاقدم له طلب لتعيين احد المقربين استاذا بالجامعه، ووجدته مشغولا في اجتماع مهم .. كتبت له أبياتا من الشعر وطلبت من سكرتيرته أن تدخلها عليه بدون أن أكتب اسمي في أسفل القصيدة .. عندما قرأ الأبيات ناداني على الفور ,, تفحّص الشهادات والسيرة الذاتية بعين الخبير العالم ثم نظر اليّ وابتسم .. أدركت حينها أنّ طلبي قد قضي.
اللهم أرحم عاصم فاروق بقدرما أعطى لهذا الوطن .. اللهم تقبله قبولا حسنا وادخله جنات عدن تجري من تحتها الأنهار والهم آله وذويه والهمنا الصبر انك أنت السميع المجيب آمين .
|
|
|
|
|
|
|
|
|