|
Re: أوكازيون/ التجمع الوطني الديمقراطي : نفاد معظم البنود في فترة وجيزة ( 2005 ـ 2010 ) (Re: عادل عبدالرحمن)
|
سبقنا أخونا/ عبدالحكيم نصر ، بالدعوة إلى رفع الغطاء عن المسكوت عنه ، فآزره ، ولسوف يؤازره ، العديد منا ، وهنا ما كتبه الباش مهندس/ أبو بكر سيد أحمد ( abubakr ) :
Quote: يا قريبي ويافضليات وافاضل ..... ارجو الا نعطي انطباع اننا كنا نتوقع منهم خيرا او احسن مما فعلوه بنا وبامالنا في التجمع الديمقراطي في تسعينات القرن الماضي ؟؟؟ هؤلاء هم بذاتهم الذين سهلو للانقاذ بقاء اطول قبل 2005 وبعد ذلك متضامنيين معها بحجة " الاستفادة من هامش الديمقراطية" كما سمو اسلوب الانقاذ ورميها لهم بالطعم في شكل كراسي في برلمان المؤتمر الوطني .. هؤلاء كان يهمهم الفتات طالما يشبعهم هم ...؟؟ الحركة فعلت ما يناسبها كحكومة في الجنوب مشاركة شكلا مع المؤتمر في الشمال لحين ياذن وقت الاستفتاء وحتي برنامج ياسر كان اخر محاولة للحركة لاستنهاض هؤلاء وهو جهد المقل عل وعسي ..... هؤلاء وباصرار تام من خلال تقاعسهم ونومهم في كراسي برلمان المؤتمر منذ 2005 دون ان يعملو شيئا ليوم الانتخابات من استعدادات توعوية وترتيبات وقرارات تبطل مفعول او بعض من مفعول ترتيبات المؤتمر الدؤوب لفرض واقع من خلال صناديق اقتراع بكل السبل زورا كان ام بهتانا .....المؤتمر الوطني عمل باصرار كالنمل لمدة خمس اعوام ليوم الانتخابات وهؤلاء نامو نومة اهل الكهف وحين استيقظو علي صوت طبول التمكيين التاني تلجلجت السنتهم ورقصو رقصة الموت .... فلتاتي اجيال اصغر واقدر واوعي يوما بقيادات تناسبها وطموحها وامالها فكل الذي في الساحة من الطرفيين فاسد واعادة تدويير الاسقاطات الذي استمر خمس عقود صار الناتج منه رمادا لا ينفع لاعادة التدويير مرة اخري ... |
Re: لن نستثني احدا...من المسئول في كل ما حدث؟؟؟
فالفشل الذريع لقوى التجمع في تحقيق أهدافه ومراميه منذ إنشائه ، والتآكل الذي أصاب قواه إلى أن صار عظاما ً منثورة على مقاعد البرلمان الذي ليس بيده المُلك ، هو ما يجب أن ننظر في أسبابه .. فإذا كنا على يقين من أن النظام الحاكم لا يبصم على عقد أو عهد ، إلا وعاد إلى العمل على نقضه وتفكيكه وازدرائه ، أليست هذه ، كلها أو بعضها ، إحدى سمات ما عوّدتنا عليه قوى التجمع ـ من اليوم الأول الذي بصموا فيه على "الميثاق" ، إلى الأداء البائس والمتقاعس في مهزلة الانتخابات ، تلك التي أسماها أحد الظرفاء/الموجوعين ، ههنا ، بالانتحارات ؟!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أوكازيون/ التجمع الوطني الديمقراطي : نفاد معظم البنود في فترة وجيزة ( 2005 ـ 2010 ) (Re: عادل عبدالرحمن)
|
كنت قد كتبت إلى عادل عثمان في بوسته الفنان ـ قرفناااااااااااااااااا :
Quote: العزيز/ عادل أخوي ، بالطبع لسنا بمختلفين ، أو مختلفان ، إلا في اختلاف الأدوار ، التي يجمعها هدف واحد : أنت تعمل من أجل إبقاء أواصر العلاقة حية بين أطراف الأحزاب والقوى المتنافرة ، وأنا أريد منها أن تنظر في أسباب شتاتها وتنقب في أساسها ومصادرها .. وأن تتمعن في تجاربها وأخطائها ـ كي لا نعود ثانية إلى تلك الدائرة الجهنمية التي ظللنا ندور فيها طيلة عمرنا !
فما يمهمني الآن أن لا ننظر فيما نتفق عليه ـ فقط ـ بل أن نتيقن من أننا ، كسودانيين ، نختلف عن بعضنا في الرؤى والمعتقدات والأصول ـ الدينية والثقافية والعرقية ، وأن نقف بعدها مع نفسنا ، أو أنفسنا ، ونسأل ونجيب بكل صراحة ووضوح : هل نستطيع ، بكل ما لدينا من تنوع واختلاف ، أن نعيش في وطن واحد يسعنا جميعا ، وما شكله ـ أمْ يذهب كل منا في حال سبيله ، ويبني وطنا له ؟
|
قرفناااااااااااااااااااااا
شمال وجنوب نعيش سوا سوا :
لا نريد أن ننكر وجود علاقات (عرقية، ثقافية، اجتماعية، دينية ـ أو غيرها) تربط بين شعب الجنوب، أو شعوبه، ببقية شعوب السودان ـ أو شعبه؛ بقدر ما يهمنا أن ننظر إلى أواصر هذه العلاقات بدون أن نضفي عليها من خيالنا وعواطفنا وأمانينا؛ أن ننظر إليها على طبيعتها دون أن نعلي من قدرها بما لا تستحق، أو ننتقص منها ومن شأنها بما لا تستحق ـ أيضاً !
طافت مسيرة الحرب بين أبناء وبنات الجنوب وجيش (أو جيوش) الحكومات المدنية والعسكرية المتعاقبة على حكم السودان، بمحطات ومنعطفات ومنعرجات عديدة؛ من "أنانيا وَن" إلى "أنانيا تو"، إلى "الحركة الشعبية" ومشروع السودان الجديد .. من مطالبَ بالانفصال، إلى تحقيق حكم ذاتي لا مركزي (بعد اتفاقية "أديس" زَمن مايو)، إلى شبح الانفصال المخيّم الآن على مسرح الأحداث .. الشبح الذي يهلل له البعض، هنا وهناك، كي يظهر ويبين، ويخشاه البعض، ويتحسر عليه آخرون.. وقبل "الاستقلال" أبرمت عهود ووعود بين ساسة الجنوب والشمال لوضع إطار قانوني وسياسي يحكم العلاقات بين الطرفين، وتحديدا كان وعدا بالفيدرالية، فهدأت الأمور إلى حين، ثم جاءت الحرب ثانية بعد أن لم يحصل الجنوبيون بما وُعدوا به. وإذا نظرنا إلى بقية المحطات التي وضعت فيها الحربُ أوزارها، سنجد نفس الأسباب المتمثلة في نقض العهود والمواثيق من قبَل أنظمة الحكم المركزي، ودعاواها هي ـ هي. مما ولد وأنمى بذور الشك والريبة في أنفس الجنوبيين فصارت "شجراً" ثم غابة .. الشك وعدم الثقة المبنيان على تاريخ بغيض من العنصرية والاستغلال والفهلوة. من "حسن بشير" وسياسة الأرض المحروقة، إلى "عمر البشير" والجهاد الأكبر! ومن أهم المحطات ومُنعرجاتها كان "ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي أشرك الجنوبيين، متمثلين في تنظيم الحركة الشعبية وجيشها، لأول مرة في عمل يجمع تنظيما جنوبيا مع أحزاب "شمالية"، له دوافع ومهام مشتركة ـ مبنية على مسودة دستور مدني لدولة متعددة الأعراق والثقافات، تقوم على أسس إنسانية تحفظ لكل فرد حريته وكرامته وحقه وواجباته على قدر المساواة بين أبنائه وبناته.
والناظر في مسودات ومواثيق وأدبيات "التجمع" لا بد أنه سيفخر، إن كان سودانياً، أو يُعجب إن كان أجنبياً أعجميا عربيا أفريقيا أو صينيا ـ بأن للسودانيين مثل هذه العقول النيّرة والمستنيرة، وهذه الروح الوثابة للحاق بروح العصر الآدمي الذي بلغ شأواً عظيماً في العلم والعمل والتعلم!
هل كان حُلماً وخيالا لا يستجيب إليه الواقع العملي، ولئن كان مجرد حُلم عشنا على أمل تحقيقه، وأهدر من أجله شهداء روحهم، والعديدين وقتهم ومالهم ـ ألا يحق لنا أن نقف هنيهة لنتأمل في كيف ضيعناه، وأهدرناهْ ؟!
لننظر ونرى ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أوكازيون/ التجمع الوطني الديمقراطي : نفاد معظم البنود في فترة وجيزة ( 2005 ـ 2010 ) (Re: عادل عبدالرحمن)
|
الحلال والحرام في السياسة السودانية/ أو : حلالٌ في السياسة، وحرامٌ في الدين؛ أو العكس :
ففي الحقيقة، ليس هناك ما هو حرام أو حلال، بصورة مستديمة أو واضحة المعالم، في السياسة والدين لدى النخب السياسية والدينية التي حكمت في السابق، أو تلك التي تحكم الآن . فالذي كان حلالا إبان الحكم، إذ سرعان ما يصير حراما زمن المعارضة. والأدهى والأمرّ أن ذلك من الممكن أن يحدث إبان فترة الحكم أو المعارضة لحزب واحد، أو تحالفٍ ما ! ف"الإنقاذ" فعلت كل ما بوسعها كي تُكرِه كل مَن ينادي بوحدة السودان مِن الجنوبيين، على أن يتشكك في جدوى ذلك وييأس منه. وفي سبيل ذلك لا تخشى فِعل الشيء وضده : ترضى بدستور مدني (وقيل علماني) لا يفرق بين دين وآخر ولا مواطن وآخر أو ثقافة وأخرى ـ في المواثيق والعهود ـ وتسوسُ الناسَ بدين الإسلام وشِرعته وعروبته؛ يتطاولون في البُنيان بما يسرقونه "من بيت المال" ويقطعون يد مَن يسرق كي يُقيم الأوَدْ؛ أتوا من أجل رفاه الشعب السوداني وإيقاف نزيف الدم (كما يقولون) فيحيلون حربَ الجنوب من سياسية/اقتصادية إلى حربٍ مقدسة .. ويشعلون نار الحرب في دار فور بوقود العنصرية والبغضاء واغتصاب النساء وقتل الأطفال ويرمون بشعبها في معسكرات الذل والهوان فيصبح جائعا يأكل من فتات موائد الدول الكبرى، والصغرى . والنُخب التي حكمت من قبل حرّمت في البدء على كل جنوبيّ ـ سياسي، حزبي، مليشياتي ـ أن ينطق بكلمة فيدرالية، ثم بدأت "تتهاون" فقبلت بالكونفدرالية، ولما استعصت رضِيت بحق تقرير المصير غير منقوص لشعب الجنوب، وهي تعضّ بنان الندم! ولسوف لن نستشهد بالنصوص المطوّلة للمواثيق أو الكتب المقدّسة؛ فالقاصي والداني يعرف أن بنود الميثاق للتجمع الوطني الديمقراطي بُنيتْ على أسس مقوّمات الدولة الحديثة، على أن: "الناس سواسية أمام القانون، ولهم الحق في التمتع بحماية القانون دون تمييز بينهم بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو العقيدة الدينية أو الرأي السياسي أو الأصل العرقي" .. فهل يا ترى، أن الأحزاب التي تقوم على أسس دينية أو طائفية، قد تابت عن ما ظلت تؤمن به وتسعى إليه "بدستور إسلامي"؟! أو تلك التي تقوم على عقيدة سياسية تؤمن بعلو شأن طبقة عن أخرى؟!
إن مقولة "فاقد الشيء لا يعطيه" هي التي تصلح هنا، وليس ذلك على قاعدة أن حزباً غير ديمقراطي التكوين، لا يصلح لبناء وطن ديمقراطي ـ فقط! فنحن، لن يغرنا أن الحزب الفلاني أو العلاني قد صار ديمقراطياً في عقد المؤتمرات والندوات واجتماع مكتبه السياسي كي يتخذ القرار؛ فما يهمنا هل أن زعامات وقيادات ومؤسسات هذا الحزب أو ذاك، قد غيّرت من أفكارها ومعتقداتها ونهجها السياسي القديم، وزرعت بذرة هذا الوعي الجديد بين جماهيرها وقواعدها كي تنمو وتزدهر، أم لا؟!
فسيظل الشك والريبة ديدننا، إلى أن تقوم تلك الأحزاب بالدعوة علناً إلى أجندة ما مهرَت عليه من عهود ومواثيق، بين ناسها، قبل أن تدعو إليه الآخرين ..
فجنّة الرحمن، أو جنّة الشيوعيّة، لن يدخلها أحدٌ منا، نحن الأحياء الآن، فأوانهم لم يَحِن بعدُ .. فبيننا وبينهم عهودٌ وعهود، من العمل الصالح، والكدّ والجدّ فيما ينفع الناس في دنياهم ـ قبل المَماتْ.
فلنعشْ، ونرى .. إلى يوم الغد!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أوكازيون/ التجمع الوطني الديمقراطي : نفاد معظم البنود في فترة وجيزة ( 2005 ـ 2010 ) (Re: Abdel Aati)
|
العزيز/ عادل عبد العاطي، سعيد بمتابعتك الدقيقة لموضوع هذا البوست، كما وأنني أتابع كتاباتك بكل جدّ واهتمام ـ تلك التي تولي اهتمامها لقضايانا الجوهرية ..
إن ما نحن "السودانيين" ظللنا منذ عقود وعهود نتحدث فيما "يجمع" بيننا، برغم اختلاف الرؤى والمعتقدات والأماني والأحلام، وبدون أن نحقق أيّاً منها على أرض الواقع .. وهاهنا تقبع معضلتنا: لماذا "نتفق" بالكلام على الورق، أو المُطلق في الهواء، ويستعصي علينا في الممارسة والعمل؟ فحقّ علينا أن نتساءل عن ما "يمنعنا" من المضي قدُما في تنفيذ ما اتفقنا، أو ما توافقنا عليه .. عن أسبابه الجوهرية، عن ما هو "تكتيكي" أو "استراتيجي"، عن ما يُسمى ب"الحد الأدنى" الذي نبحث في أمره كلما ادلهمّت الخطوب وحاصرتنا المِحن، وهل أن برناماج التجمع، في حقيقة الأمر، الذي يسعى لبناء دولة مدنية حديثة، أو ما اتفقت عليه "أحزاب جوبا"ـ مؤكّدةً على الوحدة القائمة على التنوّع الاختلاف، هل كل ذلك مجرد حدّ أدنى، سنتجاوزه كلٌ منا بطريقته، عندما يجلسَ طرف في سدّة الحكم وطرفٌ آخرٌ على كنبات المعارضة؟!!
فما أعرفه، إلا إن كنتُ في ضلالٍ مبين، أن الدول المتعدّدة الكيانات الدينية والثقافية والإثنية، لا تُبنى "بالتكتيك" أو برامج الحدود الدنيا، أو التحالفات المرحلية .. إن "شعوب السودان" المضطهدة والمستغَلة لم ترفع السلاح من أجل التخفيف عن معاناتها، فقط .. بل رفعته من أجل حقوقها العليا غير المتنازَل عن أحدها ـ المتمثلة في وطنٍ يكفل لكل مواطن كامل الحقوق والواجبات، وعلى قدَم المساواة؛ وأن ذلك لن يتم إلا بوضع دستور دائم، تفوم عليه مؤسسات الدولة، لتضمَن كل ذلك . وليأتِ مَن يأتي، بعدها، ويُسميه ما يشاءْ: أدنى، أو أعلى، فسوف لن نختلفْ
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أوكازيون/ التجمع الوطني الديمقراطي : نفاد معظم البنود في فترة وجيزة ( 2005 ـ 2010 ) (Re: عادل عبدالرحمن)
|
من حلَقةٍ جهنميّة "للحكم"، إلى حلقة جهنميّة "للمعارضة" ، أو، شعوب السودان وأسطورة سيزيف :
{ وفي القرن الأول قبل الميلاد فسّر الفيلسوف الأبيقورى لوكريتوس أسطورة سيزيف كتجسيم للساسة الذين يطمحون ويسعون باستماتة إلى الكرسي والمنصب السياسي وأنهم مهزومون مغلوبون في مسعاهم بصفة دائمة مستمرة، وأن السطوة والسلطة مجرد شيء فارغ خاو في حقيقتها، تماما مثل دحرجة الجلمود لأعلى التل
و قد اقترح فيلكر أنه يرمز إلى الصراع العبثي للإنسان في سبيل المعرفة، و قال رايناخ أن عقابه تم بناء على صورة يظهر فيها سيزيف مدحرجا حجرا ضخما هو أكروكورنثوس ، و هو رمز الكدح و المشقة والحنكة والمهارة التي استخدمها في بناء السيزيفيوم
و رأى ألبير كامو في مقاله المنشور عام 1942 و المسمى أسطورة سيزيف، أن سيزيف يجسد هراء وسخف و لا منطقية ولا عقلانية الحياة الإنسانية، و لكنه يختم بقوله أن المرء لابد أن يتخيل أن سيزيف سعيد مسرور.تماما كما أن النضال والصراع والكفاح ذاته نحو الأعالي والمرتفعات كاف وكفيل بملأ فؤاد الإنسان }
أفلا يحق لنا أن نطلق على كل شعب من شعوب السودان، وعلى كل فرد منه، اسم سيزيف ؟!
يُطلِق كثيرٌ مِن ساسة السودان على دورة الحكم فيه، من حقبة مدنية (ديكتاورية؟!) إلى ديكتاتورية عسكرية ـ وصفَ الحلقة الجهنمية؛ ولكن هذا الوصف، في نظرنا غير كافٍ . فهذه الحلقات الموصوفة، لا تحمل في داخلها وصفا لمعاناة الناس، إلا إشارة؛ وهي "الصخرة" التي يرفعها السودانيّون إلى سدّة الحُكم، يرفعها الشعب إلى الأعالي وهي تهوي، دوماً، إلى أسفل سافلين.. و"الآلهة" المتحكّمون في مصائر العباد والبلاد يأمرون الخَلقَ بأن يرفعونها، من جديد، وإلى أبد الآبدين! إن عدم الحياء مِن تكرار الخطايا نفسها، والوعود الكاذبة نفسها، والحلف والقسم الغليظيْن اللذان يُهدران صبيحة كل حُكم جديد، أصبحت سِمة على جباه العديد من ساستنا الأفاضل. فمن حزبٍ لا يستحي، إلى قادة يهجرون مناصبهم العالية في أحزاب مُعارضةٍ ليصبحوا في غمضة عين يلهجون بِنِعَمِ السلطان وسجاياه الحميدة وصراطه المستقيم. ونحن هنا لا نتحدّث عن الانتهازيّة أو الجشع والطمع في نعيم الدنيا الزائل، أو المستديم. فنحن نبحث عن أسباب وجذور هذه الظاهرة "العجيبة" التي يرتكبها حزبٌ أو فرد. ولأن العجائب لا تظهر في هذه الدنيا صبيحة كل يومٍ جديد، أو تأتي تباعاً ـ وجبَ علينا أن "نعرف السبب كيْ يبطل العجب".
وأيضاً، نحن هنا لا ندّعي بأننا اكتشفنا، أو سبقْنا الآخرين بقولٍ جديد. فكثيرا ما قيلَ عن "إدمان الفشل"، وكثيرا ما قيل الحديث والتساؤل عن ما يفرّق بين الأحزاب التي تدين بدين الإسلام هادياً ومُرشدا لها.. ومن طيْبِ الطويّة أن نقول: إنها السياسة.. ونكتفي! ومن مظانها أن نبحث عن دروبٍ أُخر!
فمن كان يحكم ويصلي من أجل أن يظل السودان بلداً واحداً، سنقول له: أنظر إلى حاله الآن... فوحدة السودان التي كنا نحلم بها ترقد على فراش الموت، وأن مشاكله وهواجسه ومشاغله حيّةً لا تموت! ولئن ذهب "الجنوب"، فإنه لن يذهب وحده.. ولمَن كانوا يتحدّثون عن الصلات والعلاقات والوشائج والقُربى، سنسأل: هل تحلمون، أو تعمهون، في انسلاخ الجنوب دون أن يأخذ معه أترابه ـ دون أن يجرّ خلفه، بعضاً أو كُلاً، من أقربائه وأصهاره وأنصاره ـ المغلوبين على أمرهم؟!!
فهل سننتظر لنرى.. أمْ يجب علينا القول، لكل من ينادي بدولة دينية أو مدنية، أن نكفّ قليلا عن الدعوات والأحاجي والغُنا، أن نلتفت إلى ما يفرّقنا ويميّز بيننا، لنتفق بعدها..؟ فلربما، بعدها، لن نفترق!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أوكازيون/ التجمع الوطني الديمقراطي : نفاد معظم البنود في فترة وجيزة ( 2005 ـ 2010 ) (Re: عادل عبدالرحمن)
|
قِربة "نظام الإنقاذ" المقدودة / أم قربة "التجمع" أو "التحالف" .. أولا؟!
وهي حكمةٌ شعبيّة سديدة : لا تنفخوها، فإن ذلك لن يجدي فتيلا .. فلو كان القصد، من السعي الحميم والتوثيق للتزوير، الجاري الآن، إحراج النظام أمام "الشعب" ـ فالنظام يعرف أنه فرعون عصره، ولكنه لا يتحرّج؛ والشعب السوداني لا يحتاج لمن يكشف سر النظام الباتع! فهو يكتوي بلظاه وناره صباح مساءْ ـ في جوعه وعطشه وفقدان أمنه وتسفيه نسائه؛ أما إن كان الهدف شَكْوَه للقضاء والعدالة، فالكل يعلم أن أمرهما بيد السلطان؛ وأما إن كان المقصود هو الرأي العالمي العام، فلا الإعلام العالمي ولا مؤسسات العدل الدوليّة ـ المغلولة اليد ـ غضّت الطرف عن جرائم السلطان وزبانيته؛ ولئن كنا ننشد دعم الدول الكبرى والصديقة والشقيقة والإقليمية، فنحن كمن ينفخ في قربةٍ مخرومة هي الأخرى: فالدول وحكوماتها تنظر في البدء، لمصالحها وأمنها، قبل أن تلتفت لقضايا شعبٍ آخر.. فالدول لا تتعامل إلا مع دولٍ وحكومات. وهذا إن لم نقل، أن بعض هذه الدول والحكومات، أو جُلّها، مشغولةٌ ولاهية عنّا ـ لتكفّ عنها "شرّ" شعوبها التي تسعى إلى إسقاطها!
والمثل الشعبي السديد هذا، بسيط الدَلالة ـ فهو يدعونا إلى سدّ الثقوب قبل كلّ شيء. فالتجمع، قبل أن ينعيهِ البعض، الذي يضم في أحشائه "الحركة الشعبية" و"أحزاب الشمال" و"القيادة الشرعية" والنقابات والأفراد، تكتنفه الكثير من العِلل، والريبة والشك وما هو باقٍ في النفوس من تجارب مريرة: من تضاربٍ للأهداف وتناقض في الأولويّات والرؤى ـ ليس بين طرفٍ وآخر، فقط ـ بل ضمن الكيان الواحد لمجموعةٍ ما.. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، "الحركة الشعبية" و"القيادة الشرعية": فكلتاهما ليسا بحزبين بالمعنى السياسي والأيديولوجي العام. فالحركة الشعبية تعاني من صراع مرير بداخلها بين تيارين متباينين، يصعد فيه طرف على حساب الآخر حسب منعرجات الصراع بينها والسلطات الحاكمة في المركز، وصل إلى حد الاقتتال والتشرذم والانشقاقات، ولئن بانت لنا الآن إحدى الكفتين صاعدةً، فليس بمعنى ذلك أن الكفة الأخرى قد هجعت واستكانتْ إلى الأبد؛ أو هكذا تعوّدنا، أو تآمَلنا..(من الأمل)! والقيادة الشرعيّة كانت مكوّنة من مجموعة ضبّاط من الجيش وقيادته ومَن تطوّع للعمل العسكري من مدنيين حزبيين أو مستقلين؛ لا يجمعهم فكرٌ واحد ولا خطّ سياسي واحد، بل هدفٌ محدّد بأمرين: الأوّل إسقاط النظام الشمولي، والثاني بناء جيشٍ وطني مُحترف. ولكنها لم تسْلَم هي الأخرى من التجاذبات الحزبية وصراع الرؤى والمصالح داخل التجمع، فانقسمت ثم تشرذمت ثم اندثرت.
فالصورة البرّاقة التي رسمها "التجمع" لنفسه، بأهدافه النبيلة ومسوّداته المُحكمة بالفكر السديد وبُعد النظر، لم تكن تصلح إلا للنظر إليها من بعيد! فكلّ ما قاربناها، وساءلناها، مع الواقع العملي وإرادة التنفيذ، وجدناها حبراً على ورق، ليس إلا! وللأحزاب الكبيرة والمؤثرة (أمّة، إتحادي، شيوعي) "نصيب الأسد" في المسؤولية عن ذلك. لأنها رضيْت وتوافقت على هدف وبرامج عملٍ لم يكن بوسعها أن تنفذ أغراضه ومراميه، ولئن تعدّدت الأسباب: من عدم انسجام مع فكرها وأيديولوجيّتها؛ إلى الخشية من فقدان "شعبيّتها" وقواعدها؛ إلى الركون، والسكوت، لوعدٍ غير جاد، أو قول الحقيقة، أو قلّة الحيلة.
ولئن كنا لا نملك "الوثائق" والبراهين الماديّة على ما نقول (فجلّها محاضر اجتماعات "هيئة القيادة" التي يدسّها البعض عن مناصريهم أو لا يحفل بها، أو صراع قياداتٍ حزبية تدور خِفية عن القواعد والتابعين) إلا أن أمامنا النصوص المنشورة، وواقع الحال، كي نقرأ ونشوف.
والثقب الأوّل، أو الفتق الكبير، هو الهوّة التي تفصل ما بين "الحركة" وبقيّة أطراف التجمع؛ من تاريخ مرير من الصراعات السياسية والحروب. فالظلم التاريخي الواقع على الجنوبيين منذ ما قبل "الاستقلال"، إلى عهود الأنظمة والحكومات بعده، ما زالت جراحه نازفة. وإن ما يقع على كاهل الحركة وزعاماتها من مَهام جسام، يفوق التصوّر. وبما أننا نتحدّث عن "ماضٍ ما"، بدأ بجلوس الحركة بزعامة الشهيد/ جون قرنق مع الأطراف الأخرى للتجمع، تجبُ علينا الإشارة إلى أن "فكرة السودان الجديد" التي صارت هدفا وأملا لتوجهات الحركة حينها، ولم تزل لدى البعض فيها، وجدَت المقاومة والاستنكار من أبناء وبنات الجنوب قبل مَن بيده السلطة، أو الممسك ببعض خيوط اللُعبة، في المركز/الشمال. فكان على قيادة الحركة أن تشقّ دربين وعِريْن: أن "تقنع" شعبها وقواعدها وكوادرها بمزايا الوحدة والعيش المشترك، وأن الأحزان والقهر والتعالي ستصبح شيئا من الماضي لا رجعة إليه؛ وفي نفس الوقت أن تعمل على "إقناع" مَن يجلسون معها في ساحة التجمّع، وأولئك الذين تحارب جيشهم، أن هذا الأمن والسلام والعيش المشترك لن يتمّ إلا تحت سقف دولةٍ مدنية، بقوانين مدنية ـ أيْ بمعني أن الدين لله، والوطن للجميع.
لقد استعملت تعبير "مَن تجلس معهم" الحركة في ساحة التجمع، ولم أسعى لقول: حلفائها فيه؛ لشيءٍ في نفس يعقوب. فأنا أزعم أن التجمع لم يكن فيه مِن حليفٍ للحركة؛ بل العكس، ربما يكون هو الأقرب لواقع الحال ـ إما لبُعد الشِقّة بين الآمال والأحلام والنوايا.. أو للغيرة، والمكيدة السياسية! فلعدَم وجود تحالفٍ حقيقيّ بين أطرافٍ متباينة، يجمع فيما بينها هدفٌ مشترك، يستحيل الوصول إليه ـ إلا عبر دربٍ طويل وشاق، تكتنفه الصعوبات والتضحيات .. بدايته نقد الذاتي، وجهاد الروح!
ودون أن نبخّس جهود الآخرين كأفراد وأحزاب، نريد أن نعرف: هل فعل كلٌ، بما في وسعِهِ، وقال: هذا كتابيَ.. أم لا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أوكازيون/ التجمع الوطني الديمقراطي : نفاد معظم البنود في فترة وجيزة ( 2005 ـ 2010 ) (Re: عادل عبدالرحمن)
|
Quote: 89 بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله خالق ، الانسان والشعوب وواهب الحياة والحرية وشاع الهدى للمجتمعات ، نحن شعب السودان ، بتوفيق الله وبعبرة التاريخ ، وبدفع ثورة الإنقاذ الوطني المتجددة ، قد وضعنا لأنفسنا هذا الدستور نظاما للحياة العامة نتعهد باحترامه وحمايته ، والله المستعان .
الحاكمية والسيادة 4- الحاكمية في الدولة لله خالق البشر ، والسيادة فيها لشعب السودان المستخلف ، يمارسها عبادة لله وحملا للأمانة وعمارة للوطن وبسطا للعدل والحرية والشورى ، وينظمها الدستور والقانون .
|
وهذا ليس سواء افتراء على الله وشعب السودان وشعوبه، ومجرّد ضحك على عقول الناس. فالله لم يرسل أحداً لحكم السودان، أو لهِدايتهِ، لا من قبل أو من بعد ـ لا مهديّاً ، ولا عمر البشير؛ وبحسب كلام رسول الإسلام ونبيه أنّه آخر المُرسلين، فما من أحد يملك صكّا بذلك أو حُجّة. وشعوب السودان بها مَن لا يؤمن بدين الإسلام، وحتى المؤمنون به يتفرّقون بين المذاهب والطوائف والمِلل. وفيهم مَن يكفّر بعضهم بعضا، وفيهم مَن يرى أن الدين، أيّ دين، للعبادة والتقرّب إلى الله ودخول الجنّة، وليس للتربّع على عرش الحكم. فليكفوا عن هذا العَبث ..! وأن مثل هذه النصوص، من بسمَلتها إلى خاتمتها، لا تصلح، حتى، لخطبة جُمعةٍ بائسة؛ ناهيك عن حُكم شعبٍ وشعوب، فتح الله على الكثيرين مِن بناتها وأبنائها، ومن كافة المذاهب والأديان، بفيْضٍ من العلم، وسعَة الخيال!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أوكازيون/ التجمع الوطني الديمقراطي : نفاد معظم البنود في فترة وجيزة ( 2005 ـ 2010 ) (Re: عادل عبدالرحمن)
|
"الحركة الشعبية" وقميص عثمان
{ وهذا حزبٌ يتَخوْزقُ مُختاراً لا إكراهَ .. ولا بطيخْ }
من هجائيّات "مظفر النوّاب" لحزبه الشيوعي العراقي !
عانى الحزب الشيوعي السوداني من عدّة انقسامات، ومن خروج بعض كوادره لأسباب "خاصة" أو لخلافات وصراعات فكريّة وسياسية، وليس في هذا ما يُعيب في حدّ ذاته. ولكن المُلاحِظ أو المتأمّل لمعالجة الحزب أو تعامله مع هذه الأحداث لا بدّ أن يُصاب بالدهشة، والأسف. إذ كان الحزب يمارس الحرقَ السياسي والمعنوي للمارقين عليه، دون تمييز لمن صار عدوّاً أو لمن شقّ له دربا آخرَ للنضال، ويصفهم ويدمغهم بأقبح النعوت: فالذين كانوا جماعةً، فهم مُنحرفون ومحرّفون لفقه الماركسية اللينينية ـ السويّ. ولئن كانوا أفرادا، فهم مُنفنِسون، أو مُنحلون أخلاقيا أو ماليّاً أو الاثنان معا! فمنذ خروج أحمد شامي وجماعتو .. إلى القطيعة الفكرية التي أعلنها الخاتم عدلان، يكفي أن نشير إلى ما كنا نسمعه من بعض الحزبيين بزعامة "عم تيجاني" في القاهرة.. حتى تصدّى لهذه الحملة "الدفتردارية"، الشيوعيّون الملتزمون قبل غيرهم، ممن يعرفون ويقدّرون سماحة "الخاتم" وعفته وتضحياته وسعة فكره المستنير.. فآبوا إلى محاورته علنا، ومحاربته سرّا، وهو الذي بدأ الدعوة للحوار والتفاكر داخل الحزب، سنينا عددا، فلما صمّوا آذانهم وعقولهم خرجَ ليدعو بأن "آن أوان التغيير". وللحزب الشيوعي، أو أيّ حزب، الحقّ في الدفاع عن سلامة خطه الفكري والسياسي، والحفاظ على عضويّته من الذوبان والتآكل، بل وتنميتها علاوةً على ذلك. وإذا سلّمنا بهذه "الحقوق" على قاعدة: أنّ لا حرام في السياسة؛ فإنّ ذلك ليس مشاعا لحزب يتوخى محاربة "الأفكار البالية" و الفَكاك من أسْر "التقاليد الاجتماعية المعوّقة للتطوّر" و"الانتماء الطائفي ـ السياسي" ضدّ المصالح الطبقية ومحاربة "تجار الدين" .. إلخ، لأن ذلك لن يتأتى إلا بنشر الوعي والصراع الفكري وإعلاء مبدأ الحوار.. إلخ، أيضاً. وبنشر ثقافة الإطلاع على العلم والتفكير العلمي والانفتاح على الإنجازات الإنسانية على كافة الأصعدة والمجالات. وأن محاربة "الأفكار الهدّامة" لا تأتي عن طريق الانكفاء على فكر وفلسفة الذات، بل بمواجهة الآخر ومقارعته فكراً بفكر. وإذا سلّمنا بأن هذه من البديهيّات، فعلينا أن نمعن النظر بعين فاحصة وناقدة لمسار حزبٍ كهذا؛ لسلوكه الفكري وخطّه السياسي، لمنعرجات الصراعات التي يخوضها، لانتصاراته وكبواته، ولنتيقن مِن هل أنّه، في لحظةٍ تاريخيّة معيّنة، يصعَد إلى درجات التطوّر، أم أنّه يهبِط على سلّمِ الانحدار؟ وإذا وقفنا لنسأل أنفسنا، أو لو سألَنا الغير: لماذا نكلّف النفسَ كلّ هذا الجهد والعناء؟! فمن السهل أن نقول: إنّه العَشَمْ.. ونتجنّب اللومَ والعتاب! ومن الصدق أن نقول: لأنه تقع على كاهل هذا الحزب مسؤولية تاريخية. فهو حزبٌ شارك، ولم يزل يشارك، في صنع "الأحداث" و"مستقبل" شعوبٍ تبحث عن وطنٍ وملاذ.. ونتحمّل مسؤولية ما نقول. * إن الأصوات التي تنحي باللائمة، قليلا أو كثيرا، على "الحركة الشعبية" وعلى "سلوك" زعاماتها "المتناقضة" بين "وحدة" و"انفصال"، عليها أن تبحث في طبيعة الصراع، وتاريخيّته، ومساراته.. منذ "أنانيا" 1 و2 ، وحتى الآن ـ لتجد الإجابة، أو بعضا منها، مِن بين طيّات وثنايا هذه المسيرة، أو السيرة. وإذا ما نظرنا إلى "تطوّر" الفكر السياسي، من دعوة إلى الانفصال وإقامة دولة مستقلة عن الشمال.. إلى طرح "فكرة السودان الجديد"، ثمّ الدعوة (التي يعتبرها البعض نكوصا) إلى المطالبة بخيار تقرير المصير بما فيه من حق الانفصال، وتضمينه في اتفاقية السلام والدستور الانتقالي ـ إنّ كلّ ذلك لا يشي بأيّ تنكّر من جانب "الحركة" لمبادئها التي قامت من أجلها، ولا لعهودها أو المواثيق التي أبرمتها مع قوى التجمع. وبكل بساطة يمكن القول: أن الحركة ليست اللاعب الوحيد في هذه "الميادين"، ولا ينبغي لها أن تكون. فجدلية الصراع هي التي تصنع الأحداث والمواقف. فالحركة كانت تعلم، ومنذ بداية طرحها الجديد، أن تحقيق ذلك يتوقف على قيام دولة علمانية، أو لا دينية، أو مدنية إن شئنا قول ذلك. وأن قيام دولة كهذي، ليس برغبتها ولا في مستطاعها أن تفعل. فدورها ينحصر في أن تسهم في إنجازها أو تحقيقها، مع شركائها "الآخرين". فالحركة تحمل على عاتقها كلّ سلبيّات وإيجابيات مَن سبقوها في النضال من أجل حقوق الجنوبيين ومطالبهم ورفع الضيم عنهم. وكل، أو أقصى ما تستطيع فعله في أرض الواقع "الشمالي" هو أن تتحالف، أو يتحالف معها، مَن هُم على قناعةٍ وناضلوا ويناضلون الآن من أجل إقامة دولة مثل التي يأملون فيها. وأقصى ما يمكن لها عمله مع تلك القوى التقليدية التي كانت تحكم في السابق، وسبق لها أن حاربتهم فعلا لا قولا، أن تصل معهم إلى السقف الذي لا تنازُل عنه، ومِن قِبَل الطرفين.
فهل حقاً، وجدت الحركة من جانب القوى "الشمالية" التي ترفع شعار التغيير، وناضلت وتناضل الآن (بطريقتها) من أجل إقامة أساسٍ مدنيّ لا ديني مبني على قيَم المساواة بين الشعوب والعشائر والقبائل لدولة سودانية ـ تجاوباً ونصيراً وتحالفا استراتيجيّا ـ أم لا؟ وبالطبع، نحن نخصّ الحزب الشيوعي السوداني بهكذا سؤال. ولنرى ما هي أسباب عدم قيام علاقة أمتن وأقوى مما هي "عليه الآن" مع الحركة الشعبية. وبعلمنا أن هناك قوىً جديدة وحديثة الفكر والمحتوى، وليست معادية للحزب الشيوعي ولا لطموحاته وأهدافه المعلنة، ولكنها تجد جفاءً من قِبل الحزب للتضامن معها. فبعض هذه القوى (اليسارية) كانت موجودة قبل انتفاضة مارس/أبريل، بل وأسهمت بقدر لا يُستهان به في انفجارها، ولكنها حين عرضتْ على الحزب عام 86 أن يتحالف معها من أجل خوض معركة الانتخابات شويّا، رفض بحجّة أنه يريد أن يختبر قواه وشعبيته وسط الجماهير!
وبما أن الظنّ، في عرفنا، له حسَناتٌ وفوائد: هل إنّ الحزب يحبّذ اللَعب مع "الكبار" دون الصغار، وأن مسؤوليّاته وهمومه الوطنية العليا تفرض عليه ذلك ـ حفاظاً على وحدة البلد .. وما هو موقع الحركة من كل ذلك، أهوَ بين الكبار أمْ الصغار؟!
فلننظر، ونرى ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أوكازيون/ التجمع الوطني الديمقراطي : نفاد معظم البنود في فترة وجيزة ( 2005 ـ 2010 ) (Re: عادل عبدالرحمن)
|
من حوار مع بروفيسور/ عدلان الحاردلو (أجراه: عبد الوهاب همّت)
Quote: { هل كانت هناك اي مشاركة واضحة للدكتور الجزولي دفع الله في الاجتماع ؟ لا الدكتور الجزولي دفع الله كان موجوداً لكنه رفض ان يشارك بالحديث،ولاول مرة كنا قد نادينا باسقاط النظام علناً, واذكر انه في اليوم الثاني من ذلك الاجتماع اتصل بي بعض الاصدقاء والذين كانوا يرون بأننا قد استعجلنا في أمر اسقاط النظام المايوي, وقد كان ردي باننا لم نستعجل وبأن الجماهير مستعدة ويمكنها القيام بعمل كبير }
{ عدم اتصالكم بالاحزاب هل كان ذلك خوفاً من تكويشها على العمل أم لحسابات اخرى؟ في الاساس لعدم الثقة في الاحزاب وانهم يمكن ان يلخبطوا عملنا وفعلاً بعد أن شاركوا حدث ما توقعناه(ونفسوا) عملنا حيث كنا قد اقترحنا فترة انتقالية مدتها 3 سنوات قانت الاحزاب بتقليصها الى سنه واحدة واقترحنا شكل أن يقوم الجهاز التشريعي بقيادة الدولة وكيف يمكن قيام الحكومة وفعلاً اثروا تاثيراً شديداً في عملنا بعد مشاركتهم.
{ هل كان الاتصال من باب الحرص على سلامتكم ام أن ذلك باعتبار أن حساباتكم لم تكن دقيقة كما كانوا يعتقدون؟ كانوا يعتقدون بان الاستعدادات غير كافية ولا بد ما التاني وكانوا يرون بأن العجلة في اعلان اسقاط النظام لم تكن مبررة بهذه السرعة. هل كانت هذه الاتصالات من قبل اصدقائكم أم من قبل بعض السياسيين ؟ كانت من قبل سياسيين يساريين. من هم هؤلاء هل يمكن ان تذكر لنا بعضالاسماء؟ } لا لا داعي لذكر الاسماء.
{ هل يمكن ان نقول بان هناك حزب بعينه ضغط لتقليص الفترة من 3 سنوات الى سنة واحدة؟ جميع الاحزاب وعلى رأسهم حزب الامة بواسطة المرحوم عمر نور الدائم وهناك اخرين اتبعوا حزب الامة مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي وقد حاولنا ان نستفيد من تجاربهم في محاولة اسقاط النظام وكنا ننوي الاتصال بهم بعد ان نعد العدة لكل شئ. في حال عدم تدخل الاحزاب وقيام ونجاح الانتفاضة هل كان لديكم تصوراً محدداً في التجمع النقابي لحكم البلاد لفترة ومن ثم اشراك الاحزاب في مرحلة لاحقة.؟ التجمع النقابي كان لديه تصوراً حول رئاسة الدولة وان (البندقية) الاساسية للقوات المسلحة وقوات الحركة الشعبية لتحرير السودان على ان يتم اختيار احد العمال ليترأسوا الدولة والاحزاب تشكل الحكومة والتجمع النقابي يصبح مجلس للتشريع المؤقت هذه كانت الفكرة. من هو صاحب هذه الفكرة؟ صاحب هذه الفكرة هو الاستاذ محمد الامين التوم ونحن وافقنا عليها لكنها في الاخير (طرشقت) } http://www.sudaneseonline.com/ar1/publish/article_7622.shtml
|
الاستفتاءُ الذي نَسَخَ آيات الجهاد، والعضَّ عليهِ بالنواجذ!
"عدم الثقة في الأحزاب" إجابة بسيطة وواضحة وصارمة، وبدون فَرِز. فالأحزاب التي تتشدّق بدورها وريادتها للانتفاضة، والتي تشعلقتْ إلى كراسي الحكم والبرلمان، كانت فاقدةً للثقة والمصداقية من قِبَل الفصيل صاحب القدح المُعلّى في إشعال الانتفاضة وقيادتها: النقابات. وعدم الثقة هذا، هو الذي أثبَت "جدارته" حين دخلنا في نفق عمر/الترابي؛ بسبب تخاذل الأحزاب وخيانتها ل"مشروع الانتفاضة"؛ بعجز البعض أو تآمرهم، لغفلة البعض أو قصر نظرهم؛ مثلما كانوا يظنون عشيّة الانتفاضة ب"أنّ أوانها لمْ يحِن بعد" ومافي داعي للعجلة! وقِصر النظر هذا، أساسه أن قيادة هذه الأحزاب كانت تفصلها عن قواعدها فراسخٌ وآماد. وفي نومتهم الكهفية لم يحسّوا بنبض الشارع (كما يقولون) لينتبهوا وينهضوا وينتفضوا. ومن بعد كل هذا كانوا يجأرون بالشكوى بأن "الحركة الشعبية" لم تنحاز إلى انتفاضة الشعب؛ ولم يُصدّقوا (أو كانوا يعلمون) قيادة الحركة حين وصَفتْ "المجلس العسكري الانتقالي" ومجلسَ وزرائه ب: مايو 2 . ومن بعدها، حين دخَلتْ (حرّرت؟!) الحركة بجيشها الشعبي الكرمك، وباعتبار أنها "عُضواً" من الشمال، أصيبوا بالسَهَر والحُمّى ـ مثل الجسد الواحد، والتئموا من أقصى اليمين/ الطائفي إلى أقصاه اليسار/ الشيوعي، فجمعوا المال وأعلنوا الجهادَ في سبيل الوطن! واليوم يطلبون من الحركة أن تثق فيهم وتتضامن وتتحالف وتدعم .. وشنو كده ما عارف ـ عشان الانتخابات! فلو كانت النقابات، التي هي من جلدهم الذي لا يَجرّون فيه الشوك، لا تثق فيهم؛ فما بالكم والحركة الشعبية التي تكأكأتم عليها ذات يومٍ، ليس بالبعيد؟!!
ونحن هنا لا نودّ أن نختصر، أو أن نفسّر أداء الحركة ومواقفها بأنها فعلت "ما فعلت" نكايةً وكيْداً، أو ردّ الصاعَ بالصاع أو الصاعيْن. ولكن، لا تُكلّف نفسٌ إلا وسعها. والحرَكة أبعَدَ ما تكون عن اتهامها بالبيع والشراء. فشعب الجنوب وشعوبه لم يحاربوا جيوش الحكومات المؤتلفة أو الزائفة من أجل أن يموتوا شهداءَ ليدخلوا الجنّة ونعيمها. ولئن كان هناك من ثمن، فالثمن دفعه الجنوبيّون مُقدمّاً، وهو ليس بالبخسْ: إنه خمسون عام من الحرب المقيتة، إنه أرواح ملايين وجوع ملايين، وتشرّدهم. وأهوال الحرب وبشاعتها لا يعرفها ويُقدّر فداحتها سوى من خاضوا غمارها وقتَلوا أو قتِلوا. ولنسأل العديد من جُند الجيوش السودانية وضبّاطها الصادقين، والذين ليسوا من "جنرالات الحروب" أو تجّارها، لنسألهم قبل أن نسأل المقاتِلين من الجنوبيين وشعب الجنوب، لنتيّقن من هول ما فعلوه هناك! وبالرغم من أن العديد من قادة الأحزاب الآن، كانوا رؤساء حكومات ووزراء حرب ومسئولين عن أمن الناس وراحة بالِهم، إلا أنهم كانوا وِبالاً على إنسان الجنوب ساعة الحروب، بالرغم من ذلك جلست قيادة الحركة معهم في التجمع ليتفقوا على العمل سويّاً من أجل أن يُصبح كل ذلك بعضاً من التاريخ، وعظة وعِبْرة. وهذه هي مسؤولية الحركة التاريخية أمام مَن دفعوا الثمن: شعب الجنوب، أن تجنبّهم مزيداً من مآسي الحروب ومساخرها، وعلى أن يُجازوا بالعدل على الثمن الذي دفعوه: حريّتهم وكرامتهم وأمنهم. ومن أجل ذلك، هُمْ وشعبهم، لن يهابوا من خوض المعارك ثانية: لأجل سودان موحّد يسع الجميع، أو لأجل انفصال ووطن مُستقل.
ومن السُخرية بمكان، أن "يطلب" أو يرجوا أحدٌ من الساسة المُعارضين أو المُوالين، من نظام البشير أن يعملَ لأجل "الوحدة الجاذبة"! فالعطايا التي دفعها النظام مقدّماً، من تنازلات في اتفاقية السلام ـ بالرضا عن الاستفتاء الذي نسخَ آيات الجهاد، ومن بنود تتراوح بين العلمانية والهرطقة والتناقض، قبض "ثمنها" مرّتين، وبدّدهم في التوّ والحين: مرّة حين "أخرج" "الحركة الشعبية" من أطراف التجمّع، وحيّدَ سلاحها إلى حين. ومرّة حين يقبض دولارات البترول، التي سوف تزول بعد حين. فوقعَ في شرّ أعماله. فلا المالُ ولا راحة البال بباقِيَيْن.. فلِلاستفتاء جُندٌ تحرسه، ولن تغمض لها عيْن: جيشُ الحركة، فأمريكا والأمم المتحدة ودول الجوار العدوّة والصديقة والشقيقة شهداءُ على ما اقترفت يداهُ، حين بَصَمْ وحين نقول "جيش الحركة الشعبية"، فنحن نعني ما نقول.. وأكّده "عقار" في النيل الأزرق: فللتزوير حدود، جغرافية وإثنيّة ـ حقّتنا .. حقتنا، بالتصويت أو بالكبريت.
وكيفَ فرّطت قوى التجمع، طائفية وشيوعية، في برامجها وأهدافها وما زعَقتْ به، وهَتفتْ
وحاشا أن نكون شمتانين بقولنا هذا، وهل يشمت مَن سيتوزّع شعبه بين الأمم؟!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أوكازيون/ التجمع الوطني الديمقراطي : نفاد معظم البنود في فترة وجيزة ( 2005 ـ 2010 ) (Re: عادل عبدالرحمن)
|
كيف يفرّط حزبٌ في مثل هاهُنَّ
Quote: الذين استنكفوا!
رقية وراق
افترع الأستاذ من الله عبد الوهاب خيطا بموقع سودانيس أون لاين الاكتروني خلال الأشهر الماضية من العام الحالي(1) بعنوان" يا أيها الرفاق عودوا الى حزبكم الشيوعي " كتب فيه : "حول ما جاء في التقرير السياسي المقدم للمؤتمر الخامس والذي ينادي بعودة كل الرفاق الذين لم يعادوا الحزب واستنادا على قرار اللجنة المركزية على كل الرفاق الذين آثروا الابتعاد والذين أبعدوا والذين استنكفوا بمباشرة عضويتهم أن يعودوا لحزب الطبقة العاملة الذي يستعد للانطلاق عبر مؤتمره الخامس فالوالد على استعداد للترحيب بابنائه الخلص فهلا عدتم " انتهى الاقتباس . لفتت نظري جوانب عديدة في النداء ، من بينها الصياغة اللغوية ، ودرجة الحساسية الجندرية في المخاطبة التي لم تشتمل على نون النسوة ، وخلو الذهنية البائن عن أشياء من قبيل الجسور والمياه التي تمر تحتها ، وعن الأنهار التي لا نستطيع الجلبقة فيها مرتين ولو أردنا ، ولكن أكثر ما لفتني على الاطلاق كان عبارة " الذين استنكفوا " التي لم أتبين المقصود منها وعلاقته بما ورد قبلها وبعدها من عبارات ، ولكن مجيئها في قلب مخاطبة رسمية باسم الحزب الشيوعي السوداني ، أشعرني بأنها ماضية الى ثبات ووقار الاصطلاحات الخالدة ، الغريبة وغير المفهومة ، شبه المقدسة مع ذلك ، في أدب الحزب ، مما يتم الاصطلاح عليه لغويا وسياسيا فيدمغ الأحداث أو الأشخاص بأختام غلاظ يستعصي حبرها على الازالة أ والتخفيف لعقود من السنوات .قول مثل : فلان ما عادى الحزب ، أو علان عاداه ، يتحول من بضع كلمات، بخاصة في الحالة الثانية ، الى شريط لاصق ، من الدرجة الأولى في جودة الصناعة ، لا يمكن الفكاك منه أبدا أحيانا ، أو يمكن ، ولكن بعد أن يكشط معه طبقة عزيزة من الجلد الحساس لدى من يلتصق به أو يلتصق بها ، تسبب الآلام وعدم الارتياح وتستوجب الاعتذار من خزنة الشرطان أو الأشرطة اللاصقة السميكة ، والأفضل من أن نعتذر للآخرين عن الآلام الا نتسبب عمدا في حدوثها لهم أبدا بالطبع . تربعت عبارة " الذين استنكفوا " في سياقها الحزبي ذاك ،على حيز اهتمامي لأيام عديدة وفرضت نفسها عنوانا لمقالي هذا حتى قبل أن أكتبه فقلت أعيد زيارة معنى الاستنكاف في " المنجد في الثقافة والاعلام " ففعلت ، وعدت بالشروح التالية : * استنكف الرجل : استكبر * استنكف من كذا : امتنع انفة وحمية واستكبارا *نكف ينكف عن كذا : أنف منه وامتنع وعدل بعد الزيارة المعجمية ، تبين لي أن عسر الفهم الذي حدث لي لم يكن سببه النداء وانما المنادي ، أي الحزب الشيوعي ، مع الاحترام . أنا أفهم أن يصف التنظيم بعض الناس بالمناكفين والمناكفات وقد صاحبني شخصيا شرف الوصف ـ تاج الشوك جل فترة انتمائي له ، أما أن ينادي الحزب ، آخرين وأخريات ، مضمنا علنا في خطابه ، اعترافا بأنهم قد امتنعوا عنه حمية وانفة بل واستكبروا أن يكونوا ضمن عضويته فهو الأمر الجلل الذي دفع بي للتوثق من حسن الفهم الذي أسلمني لحيرة أخرى : من متين ؟ اما الأمر الثاني في محطة توقفي فقد كان كلمة " حظيرة " دون غيرها ، التي استخدمها الأستاذ من الله في رده على المتداخلات والمتداخلين وبينهم الأستاذة سلمى الشيخ سلامة التي تساءلت عن سبب تجميد عضويتها في " اسكيمو الحزب " كما قالت ، الأمر الذي رد عليه الكاتب ب " ان قرار اللجنة المركزية ودعوة التقرير السياسي تجب ما قبلها " وزاد بانه يتمنى أن يقرأ رسالة سلمى المعنونة للحزب . والحق أن روح من الله في الحوار كانت في غاية اللطف والايجابية رغم ما توقفت بكن وبكم عنده في السابق من المحطات واللاحق لها والذي أرجو أن أستصحب فيه روح التفاهم واهداء العيوب وأن تتسع له الصدور فلا يتحسس خزنة الأشرطة صمغهم والأختام لو سمعوا انتقاداتنا تدوي في المكان . ليس الأمر نيلا أحمقا من حزب كالشيوعي ، وانما اشراك في تجربة وبعض خبرة ، وتقدير لكون عدد كبير من بنات وأبناء الحزب من زمرة الوطنيات والوطنيين المخلصات والمخلصين لقضايا الوطن .تداعت لذاكرتي عشرات المواقف مما كان يستوجب" الاستنكاف " من قولة تيت ، وتوالت الصور أمام ناظري لعشرات الذين أعرفهم من أبطال حالة " الذين آثروا الابتعاد والذين أبعدوا " . انتخبت من بين الأحداث والصور والأشخاص والأوقات ما تداخل في فترة كنت أنوي أن أضمنها في الحلقات التي بدأت نشرها هنا تحت عنوان : كبرتي وليك تسعتاشر سنة ، ثمة بيان من الحزب ! ولكني رأيت فصلها وكتابتها مترافقة مع الدعوة المقدمة من مركزية الحزب الذي يزمع عقد مؤتمره الخامس في المستقبل القريب . قلت ان كلمة حظيرة أوقفتني ، توقفا يبعث بصور الأوتاد والقيود والعلف وزهور البرسيم البنفسجية الدقيقة ، وبالطبع الحيوانات الأليفة داخل المكان الذي اختار الكاتب ان يدعو الناس للرجوع اليه . أثناء قضائنا لعطلة صيفية بالوطن قبل سنوات ، اهتمت ابنتي أماندا ، والتي كانت في السادسة من العمر ، اهتمت ضمن ما اهتمت به من الحيوانات التي وجدت فرصة سانحة للتواجد قريبا منها ، اهتمت كثيرا بالحمار ، وان لم تشبع رغبتها في اعتلاء ظهره بعد أن طلبت ذلك من بائع متجول كان ينتظر نقوده أمام بابنا ، أثناها عن طلبها محذرا بانها لو ركبت الحمار فسقطت عنه فكسرت رجلها ، تاني البعرسك منو؟ اعتذرت لابنتي عن موجة الضحك التي غرقت فيها رغما عني وهي تقص علي نبأ المحاولة الفاشلة المحزن ووعدتها بالبحث عن حمار آخر يحتفظ صاحبه بتوجسه حول أدوار " النوع " لنفسه ويسمح لنا بدقائق على ظهر الحمار. رغم ذلك واصلت أماندا مراقبتها اللصيقة للحيوان وفي مرة تقدمت لي بملاحظة طابعها الاستغراب والغضب ، و مفادها أن الحمار يتحمل ضربا عنيفا طوال وقت توزيع الحليب قبل المغيب ، سألتها: وماذا تريدين له أن يفعل ؟ هتفت بتعجب : ماذا أريده أن يفعل ؟ ماذا أريده أن يفعل ؟ هذا ما أريده أن يفعل : يجري بعيدا بأقصى سرعة ممكنة ، بالحليب الذي يحمله على ظهره ! ثم تابعت بحزن ، انها رأت الحمار ( يرمش ) عينيه سريعا من أثر الضربة قبل أن يسرع في مشيته وأن هذا يعني أنه يتألم ، وانها تلاحظ أنها حتى لو أرادت أن تربت عليه بأصابعها فانه كان يجفل قليلا ويهتز كل جسمه ، قالت ذلك ثم انصرفت ببساطة ، تاركة لي التأمل في مراصد الطفولة وحلولها في أحوال الحمير والمالكين والحظائر. انغرز في ساحة انطلاقي التي ولدتني بها أمي حرة ، وتد استعباد تقدمت بطلب خطته أصابعي الجهولة الظلومة لكي يحيط قيد منه بقدمي الشقية ، قيد ألزمني ردحا من الزمن " حظيرة " سميت وقتذاك ب " خلية المرشحين لعضوية الحزب " شاركني فيها زمالة الحبس طلاب آخرون بجامعة القاهرة الفرع ، معظمهم من المحامين المعروفين في يومنا هذا ، ولا أرى مانعا من توضيح طبيعة الترشيح التنظيمي ذاك للقارئ والقارئة بالشرح الضروري للاحاطة بالمعنى المقصود . لاحظت أهمية هذا التوضيح وأنا أتحدث مع أستاذ جليل انتمى لذات التنظيم سابقا ولكنه لم يكن يعرف شيئا عن موضوع خلايا الترشيح وربما يكون مثيرا للاهتمام الوقوف على التاريخ الذي بدأ فيه عهد هذا الترشيح عوضا عن الحصول على العضوية مباشرة بعد التقدم بطلب الانضمام . لا أعرف ان كان الحال هو نفسه الآن لمن يود أو تود الانتساب ، ولكني أتقدم بشهادتي ، أمام انتمائي الطليق : المدى المفتوح بيني وبين القراء والقارئات أجمعين ، وأرجو أن تجد الشهادة من يظن فيها نفعا للمؤتمرات والمؤتمرين فيوصلها لمكان الانعقاد ، علها تسهم في اقتلاع أوتاد و فك حبال، وعلها تسهم في رد حقوق الأقدام والأنام. لو كان ثمة مايصف حال مجموعتنا تلك ، مجموعة المرشحين لنيل عضوية الحزب الشيوعي ، بجامعة القاهرة الفرع ، في الفترة بين الأعوام 1983 و1986 في حالتي ، وأكثر أو أقل في أحوال الآخرين ، لو كان ثمة مايصف حالهم لما كان غير ذاك المقطع من أغنية البنات الرائجة :
يا لطيف يا لطيف يا أب شرا يا لطيف سعدي يبقى خفيف يا أب شرا
الذي ما سمعته اليوم الا غلبني التأثر ، تحزنني حرارة النداء وشدة الرغبة في الاستجابة للدعاء وتحقيق المطلوب" والصرمة "ـ بمعنى شدة الحاجة للشئ ـ التي يمور بها اللحن والكلمات في الأغنية ولو كان الشئ هنا "عريسا " وهذا موضوع آخر بالطبع . تطلق المغنية الزفرات الحرى تخاطب بها الشيخ أب شرا بما يشبه استنجاد الابنة بالأب . الأب الذي تقوم قبته الجليلة نيابة عنه باحتضان الظلامات واستقبال الأيادي المرتعشة الملحة في الطلب :
جاياك جاياك يا أب شرا جاياك جاية أفتو معاك يا أب شرا
"أفتو معاك " أو مع أي شخص آخر ، كان مما لاسبيل له لمجموعة ذات الأوتاد اياها . فاللائحة تنص على أن يمضي المتقدم أو تمضي المتقدمة للعضوية ، فترة ستة أشهر في الخلية تتلقى الدراسات الضرورية خلالها ومن ثم ، بالسلامة ، الى عضوية كاملة قراصتها حق الانتخاب وادامها حق التصويت في " دبكر "(2) الحزب الكبير . ولكن اشارة لئيمة خافتة في شأن الستة أشهر تقول انها قابلة للتجديد ولا يخطرن ببال عزيزة وعزيز من قارئات وقراء المقال ، ظل ايجابية في كلمة تجديد النضرة هذه ، فبسياقها ذاك ، لم تكن سوى صنو لزحف الأقدام خلفا ، تجديدا عقب تجديد ، ووثاقا لوثاق، فوق كومة القش الجاف ، أو تذكرنا بالحظائر يا من الله؟ امتد تجديد وضع الترشيح لتلك المجموعة لسنوات ، تراصت كدرجات سلم هابط لأسفل أرض الحزب ، للانتقاص من الكرامة ، كرامة المواطنة المستحقة في تلك الأرض ، سلم بناه الشخصي بعد أن لبس زي الرسمي ، من قيادة فرع الحزب بالجامعة ، بعد أن ووجه بمجموعة تميزت بقوة الشكيمة ، وتفرد شخصيات أفرادها البائن ، وقدراتهم القيادية ـ لو اقتلعت الأوتاد ـ التي لا تخطئها عين ناصفة . وضع يذكر ببيروقراطية وصلف ادرات الهجرة الذي يقع على من ينتظرون ويتنظرن أوراق الاقامة في بعض البلدان وما يسببه ذلك من قيود في الحركة ومن شعور عدم الاستقرار النفسي والجانب الأخير هو الأهم . ولكن من أين " يهاجر" الناس حتى يصلوا أرض الحزب الشيوعي ؟ الواقع أن من تأتي أو يأتي الى الحزب ، هي في الغالب امرأة ، أو هو رجل ، أبعد ما تكون أو يكون من حالة اللوح الممسوح ، الجاهز النظيف لتسطر عليه يد الحزب ما شاءت من كتابة ، وابعد ما يمكن أن يخطر ببالهن وببالهم ، أن يتحولوا لطلاب معروف ، وأن يرضوا بالذلة والهانة في سبيل تلك "الهجرة " . نعمة " أفتو معاك " التي تمني بها النفس المغنية ، وتبشرنا أنها في سبيلها اليها بعد وصولها قبة الشيخ اب شرا ، لم تكن متوفرة لفصيل المرشحين الشرس ، الأشهر بالجامعة ، الذي أكتب عنه ، والذي آمل أن يدلي غيري منه بشهادته ، فبث الشكوى والتشاور لمنافحة الظلم في مثل حالنا تلك ، كا ن مما يصنف " تكتلا" ضد القيادة عقوبته المزيد من " التجديد للوراء " وبناء المزيد من العتبات والعقبات . يضاف لذلك ظروف الديكتاتورية المايوية والتواجد الكبير لأفراد أمنها وشبح الاعتقالات المخيم على مجال الجامعة . تلك الخلية ظلت محكومة بالأسر الذي لا تداويه الاستقالة ولا يفر منه شخص ايمانا بالمبدأ وحق واستحقاق القبول . خلية كانت تعيش أجواء الاستهداف وخدش الكرامة على المستوى الشخصي ، فيما كان أفرادها كوادر خطابة وحماية وتفاوض تعرفها التنظيمات الأخرى وجماهيرها . م.م تعرض لضربة خنجر في ساعده الأيمن أفقدته الاحساس فيه بالكامل أثناء أحداث العنف بالجامعة في العام 1986 وكان جرح أسره في الترشيح سابقا لجرح يده ولكنه لم يقعده عن الدفاع عن منبر الحزب وتابع علاجه وحيدا بعد ذلك وكان من أكثر من رزحوا في لعنة الترشيح ولا أعرف ان كان حصل على العضوية أم لا . في مرة عرض أمر حزبي في اجتماع لخلية ذات الأوتاد ، أتى اليه مسؤول الفرع السياسي ، الذي كان يكبرنا في السن كثيرا ، وكان يكنى بصفة جسمانية ، صاح خلاله في وجه م.م ، بأنه قد أوضح أمرا تنظيميا في بداية الاجتماع وأردف : لكين انتوا ما راح تقتنعوا ، لا انت ولا رقية وراق ! كانت المفارقة انني لم أكن حاضرة في ذلك الاجتماع ! الانطباع والتخوف كانا أن تلك المجموعة صعبة المراس ، وأن من المتوقع أن تتخذ القرار السياسي الذي تراه لو استدعى الأمر، أي لو غابت قيادة فرع الحزب عن المتابعة كما فعلت مجموعة ياسر عرمان في حادثة الانقسام . كان مشهد حالتي السياسية والتنظيمية متناقضا ومحيرا ، ارتباط لا حدود له بالقضايا الوطنية ، على خط الحزب ، وشعور بالكآبة والاحباط على مستوى الحياة الداخلية بالحزب . قبلت مع المجموعة المغضوب عليها من قبل قيادة الفرع ، تحجيما لو عاد بي الزمن للوراء ما بقيت فيه مقدار دقيقتين من الزمن الفسيح ، والتزمت مع بقية أفرادها بأقصى درجات الانضباط التنظيمي حتى لا نسئ لقضية أسرنا الظالمة بالفوضى وعدم المسؤولية لو أعاد النظر في ملفاتها ناظر ، وبقينا بين منزلتي الديمقراطي والشيوعي المرهقة من ناحية الواجبات والأعباء التنظيمية لاختبار الناس وترشيحهم ( من ماذا ، كان سألتكم ؟)، والواضحة في كونها لا تمنح حقا في انتخاب أو تصويت لشعلات في واجهة نشاط الجبهة الديمقراطية ومتحدثاتها ومتحدثيها في الندوات وأركان النقاش . كانت حرارة القلب الوفيرة التي أتينا بها للحزب تتحول بالتدريج لآلام قلب بالحرمان من الحق لسنوات ، والتلميح بان الحرمان يمكن أن يستمر سديميا ، اذا لم تلن الرؤوس ! هل يستطيع انسان نصرة ضعيف من خلال حزب هو من أوائل المستضعفين فيه ؟ كيف ترانا احتملنا ذاك التناقض ؟ كيف احتملنا الظلم الشخصي وقد كنا على استعداد للموت ، حقا وفعلا لا مجازا ، ردا للظلم عن شعب ووطن ؟ كيف فعلنا ذلك يا م. م ويا م. ع ويا ع.ج ؟ كيف فعلنا التناقض ؟ لقد غادرت الحزب في أفضل أحوال اعترافه بمقدراتي السياسية والتنظيمية ، بعد كسر القيد ، لأصبح ضمن طاقم قيادة قسم الجامعات والمعاهد العليا ، الذي سامنا في الماضي سوء التقدير و العذاب ، متفرغة لعمل الطالبات بعد تخرجي ، وقد ناقشني في أمر التفرغ حبيبنا الراحل كمال أبو عكر، سقت قبره شآبيب الرحمة والغفران ، فرددت الطلب مع الود والزهد فتركني لحالي ، ولكن عزيزنا بكري جبريل لم يترك أمر التفرغ حتى عاد بموافقتي" للقسم" الذي كان يقود العمل على أيامنا ، ورغم ذلك فقد ظلت التجربة ذات الأوتاد اياها ، ماثلة في ذهني عندما تقدمت باستقالتي من الحزب بعد ذلك ، وكان من آخر ما توقفت عنده وأنا أستيقن من أمر نفسي في وداع ما استحوذ على فؤادي زمانا ، تلك النار العظيمة التي أوقدناها عشية انتخابات اتحاد الطالبات والطلاب بالجامعة ، تحسبا لانقطاع التيار الكهربائي لأن ليلة فرز الأصوات صادفت احتفالات نهاية العام ، ونحن ساهرات وساهرين بفناء الجامعة ، والموت يحدق بنا في صراع التنظيمات الطلابية بطابعه الذي يمكن أن يكون دمويا للأسف ، نار رأيت على نورها وأنا أزمع مغادرة الحزب ، أن عددا ممن تواجدوا في موقع الخطر البائن ذاك ، كانوايشكلون معظم خلية المرشحين ، وأنهم كانوا من الممكن أن يقضوا في ليلتهم تلك وهم يدافعون عن منبر الحزب دون أن يكون الحزب قد اعترف بهم وأن من كانوا يحركون بوصلة أسرهم الحزبي كانوا ينعمون بالنوم الآمن في أسرتهم تحت أي دعاو كانت من سرية وخلافها . أو تدعونا للعودة للحظائر يا من الله ؟ عسى أن يهنأ " الذين استنكفوا " ، بحالة" الريد بدون مواعيد يزورك" كما في رائعة الأستاذ محمد الأمين المعروفة ، التي غمرهم بها الحزب ففاجأني وأيقظ أحزاني القديمة ، العميقة دون مرارة، وعسى ان يتحسس الحزب مواقع الظلم الشخصي للأفراد ، وأن يعرف كيف يكون الريد ، وليه الناس ، ليه ، ليه بتتألم !
الذين استنكفوا!
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أوكازيون/ التجمع الوطني الديمقراطي : نفاد معظم البنود في فترة وجيزة ( 2005 ـ 2010 ) (Re: عادل عبدالرحمن)
|
السهلُ المُمْتنع
إنّ النزاهة والاستقامة وعِفّة اليدِ واللسان التي يتمتع بها الشيوعيّون في أوساط المجتمع، يعرفها ويُقدّرها كل سوداني ـ عاشرهم وساكنهم وعمل معهم. وأن تفانيهم في القيام بواجبات عملهم في كل الميادين التي يمتهنونها، جعلتهم، ولعقودٍ طِوال، يتصدّرون قيادة تلك النقابات العديدة.. فما هو شائع بين العمال والمزارعين والمهنيين والطلبة: "مافي زول بيعرِف يجيب حقّنا أحسن من الشيوعيين". ولكن المفارقة تكمن في العمل السياسي؛ فالعديد ممن يساند ويُرشح ويقترع للشيوعيين في نقابته، ينأى بصوته الحزبيّ عنهم.. وعلى قاعدة هذه المفارقة وجذورها تمَوْضعتْ تركيبة الحزب وهيكليّته: فالحزب الشيوعي، كأي حزب ماركسي لينيني على الطريقة السوفييتية، ينشأ على فكرة التحالف بين العمال والمزارعين كقاعدة عريضة، التي يتحالف معهم فيها المثقفون الثوريّون والبرجوازيّون الصغار والرأسمالية الوطنية، وكل مَن أدخلتهم "سودنة الحزب الشيوعي"...إلخ. ولكن..، قاعدة هذا الهرم/المثال صارت مقلوبة رأساً على عقب ـ فالتمثيل النسبي لهذه القواعد في مؤسسات الحزب وقيادته تأتي الغلبة فيه للمثقفين الثوريين، ثم و.. و.. ومنبع هذا واضح ولا يحتاج إلى دراسةِ أنثروبولوجي وسيسيولوجي أو سايكولوجي! فالمادية الجدلية والتاريخية اللتان يشكلان فلسفة وفكر الحزب عصيّتان، على الفهم والتقبّل، حتى على المتعلمين الجامعيين وطلاب الدراسات العليا، ناهيك عن صغار المزارعين والعمال السودانيين الذين يرزحون تحت كوابل الأميّة والانتماء الطائفي والقبلي والعشائري. ولكن، أيضا، وبرغم أن الحزب سجّل اختراقات عديدة لهذه المعوقات والمصدّات، وكسب بعض المناصرين من تلك الفئات الاجتماعية، إلا أنه وقف عاجزاً أمام "الأحْجيَة" والفخ الذي نصبته له الزعامات الطائفية و"الأخوان المسلمون"، بدعاوى الإلحاد وعدم تقبّل الشريعة الإسلامية. فبدل النأيْ بحزبٍ لا ديني عن مغالطات كافر/مسلم، شرعَ الشيوعيّون سلاح إسلامهم الصدئ. وبدل أن يخوضوا معرَكتهم على أساس فكري، في بلد متعدّد الديانات والثقافات، راحوا يجاهرون بإيمانهم وتقواهم وصيامهم وصلاتهم؛ بدل الدفاع عن حزبهم وخطهم السياسي والفكري الذي لا يتدخّل في معتقدات عضويّته أو بينهم وربّهم وما يعبدون. ووقعوا في تناقضات ذميمة: فالمسلون في السودان، كما غيرهم في أطراف المعمورة، شِيَعاً وأحزابا وطوائف، صار عليهم أن يبيّنوا إلى أيّ فِرقةٍ ينتمون! فبجانب عجزهم عن قراءة الدين الإسلامي قراءة جديدة منحازة إلى قضاياهم التي ينافحون من أجلها ـ شرعوا يردّدون آيات أبا ذر الغفاري التي حاربَ بها عثمان بن عفان الذي كنَزَ الذهبَ والفضّة، ويستشهدون بتعطيل عمر ابن الخطاب لحدّ قطع يد السارق في زمن المجاعات، ويتغنّون بعدْل عمر بن عبد العزيز الذي وزّع المال على الفقراء.. ونسوا أن كل ذلك لا يُكفّر حاكما ظالما، أو يُمهّد الطريق إلى رحاب الاشتراكية والعدل بين الطبقات ومساواة المرأة بالرجل! فالشريعة الإسلامية السمحاء لمْ تضع سقفا للغناء الفاحش أو أمراً بالتنازل عن غنائم التجارة أو عددا محدودا من الإماء وملك اليمين.. وشرَعَتْ للمؤمنين المُتقين ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع. ولو أن الشيوعيين المسلمين سنّوا لهم طريقة إسلامية وفِرقة، مسنودة بالمُنزل والمُحكم من آيات الذكر الحكيم، لسَقطت عنهم دعاواهم وحُججهم ضد المتاجرين بالدين. وألّبت عليهم كلّ من لا يدين بدين الإسلام في السودان، وفوق ذلك كلّ مُلحدٍ زنيم. فظلّت الشِيم والأخلاق التي ذكرناها في مُفتتح هذه الأسطر، لا تصلح سوى لنقابيّ شيوعي لا يستطيع المحاربة بها خارج حوش عمله ومهنته، ذلك المسيّج بأحابيل الساسة ودهاقنتهم، وجهل الناس وأميّتهم، والموصد بابه بزبانية السلطان وجنده. ولذا، أصبح الجدل في الفكر والفلسفة، يتعاطاه المثقفون الثوريّون بداخل بيوتهم أو دُورهم الحزبية، ودون عضويّة الحزب من الكادحين وأنصاف المتعلمين.. فأصبحوا غرباء عن طبقاتهم التي يسعون لفكّ أسْرها.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أوكازيون/ التجمع الوطني الديمقراطي : نفاد معظم البنود في فترة وجيزة ( 2005 ـ 2010 ) (Re: عادل عبدالرحمن)
|
في لاهوت التحرير ، أو تحرير اللاهوت – 3
Quote: by مينا جرجس on Mon, 18/07/2005 - 11:17. "إن تكوين لاهوت التحرير لا يبدأ إلا في اللحظة التي تشرع فيها جماعة دينية ما، في مكان ما، في المشاركة في الكفاح الذي يخوضه شعب هذا المكان لتحقيق كامل إنسانيته" (ألويزيزس بييريز)
يبدو الأمر الآن ملتبساً بعض الشيء أمام قاريء الجزئَين الأولين من هذا الحديث. في هذا الجزء سنلقي بعض الضوء على الأفكار الأساسية و التي شكّلت مرجعية عامة للاهوت التحرير على اختلاف أماكنه التي حلّ فيها. و ما زلت أظن أن هذه المرجعيات يمكن - بل و يلزم- تأصيلها في أي دين من الأديان إذ هي في نظري ليست خاصة بالمسيحية. و أزعم أنه لا فضل للمسيحيين على لاهوت التحرير سوى أنهم قد تبنوا صياغة الفكرة في مهدها.
من أنت يا لاهوت التحرير؟ يمكننا القاء نظرة عامة على الأعمدة المؤسسة للاهوت التحرير في خمس نقاط، وهي:
1- لاهوت الفقراء: كان الهاجس الأول لمؤسسي لاهوت التحرير هو الانفصال الكامل -لاهوتياً أولاً- عن مؤثرات الحضارة المُستغلة و المهيمنة . كان الغرب هو رمز هذا التأثير الخارجي، لذا فقد رفض اللاهوتيون كلّ ما جاء من الغرب المسيحي و ما أثّر في الأفكار المسيحية منه. و انطلق فكرهم من احتياجات مجتماعتهم المقهورة و الفقيرة. و إذا أردنا أن نعبّر عن هذه الفكرة بطريقة مثال بسيط فقد قطع اللاتينيون علاقتهم بكنيسة روما -فيما عدا الإداريات- و فرضوا عليها استخدام لغتهم في الصلوات. كما فرضوا عليها فك تحالفها العتيد مع الحكومات هناك. و أظن أن مرجعياتنا الدينية في مصر تحتاج بشدة للتخلص من مؤثرات خارجية شكّلت وعياً جماعياً لا مبرر له. من لا يتفق على أن تأثير السعوديين على الإسلام المصري قد غيّر شكله تماماً و جعله مسخاً وهابياً لا ملامحَ له؟ مع الأخذ في الاعتبار أن المجتمع السعودي مجتمعُ نفطي غنيُ بينما في مصر مجتمع زراعي يلامس الفقر في نقاط كثيرة. هل يمكن إعادة صياغة الإسلام على ضوء المجتمع المصري و احتياجاته؟ هذا سؤال يطرحه علينا اليوم لاهوت التحرير
2- وضع النص: قبل لاهوتيو التحرير بالنقد الكتابي، ليس كُرهاً في أصالة الكتاب المقدس، بل لأنه استطاع تحريرهم من تفسيرات عديدة مقيِّدة. و بصراحة شديدة، اعتبروا مصلحة الإنسان و المجتمع قبل أهمية النص و التمسك بأصالته التاريخية. لقد وضعهم هذا بلا شك في مواجهة عنيفة مع الكنيسة الرسمية التي تعتبر نفسها منوطة بحماية النص. لكنّ تقديمه للإنسان على النص حررهم من مشكلات و أزمات التفسير الحرفي الذي ارتبط في كثير من الأحيان بالقهر و الظلم و التمييز. هل يمكننا اليوم إعادة النظر في نصوصنا الدينية التي هي مرجعياتنا الأولى في الدين؟ كيف مثلاً ندّعي أننا نواجه إسرائيل بينما كتبنا مليئة بالتبجيل و التقديس لبني إسرائيل و وعودٌ شتى بعودتهم إلى أرض الميعاد؟ كيف نتحدث عن قبول الآخر في ظل آيات السيف و قتال المشركين و ضرب الرقاب؟ مرة أخرى يدعونا لاهوت التحرير لتقديس الإنسان لا النص - و في هذا يطرح أسئلةً لا نهاية لها!
3- رجل الدين: بوضوح، حدد لاهوت التحرير دور رجل الدين كخادم الإنسان و ليس حارساً للعقيدة كما قال جوتيريز. فماذا لو تعارضت مصال الإنسان المقهور مع استقرار المؤسسة الدينية مثلاً؟ كان لاهوت التحرير واضحاً في الإجابة و أيضاً عمَلياً كما في حالات الثورات في أمريكا اللاتينية. بالطبع هذا لا يضر فقط باستقرار المؤسسات من الناحية العقيدية، لكنه يعصف بالتوازنات و التحالفات بينها و بين السلطة. فتصبح المؤسسة الدينية بلا قوة حقيقية إلا قوة الحق و مناصرة المهمشين و الفقراء في المجتمع. و لا داعي هنا لذكر التاريخ المرير لتحالفات الدين و السياسة في مصر، و لاداعي لتذكر ما وقعنا فيه -وما زلنا- من مستنقعات بسبب هذه التحالفات التي هي لا نهاية لها و لا فكاك منها. فمتى يلعب رجال الدين دورهم الحقيقي إلى جانب المجتمع لتحريره و ليس لتكبيله؟ لا يختلف في هذا الإسلام عن أي دين آخر
4- قبول الآخر: و بخاصةً في آسيا - حيث تعدد حقيقي للأديان!- كان هذا الأمر على درجة أهمية قصوى. بل أن بييريز قد أعلن صراحةً أن الاختلاف الديني لا يمنع الشركة بين أصحاب الديانات في النزول سوياً إلى ساحة المعركة ضد الظلم.و ذهبوا أبعد من هذا إلى البحث عن صياغة لاهوت مشترك بين الديانات انطلاقاً من الفقراء، فيما أسموه لاهوت الفقراء. يقول بييريز: " على الكنيسة الآسيوية أن تتنازل عن تحالفاتها مع السلطة، لتجد مرة أخرى تأثيرها المفقود. و عليها أن تتواضع بالقدر الكافي، لتتعمّد في نهر الديانة الآسيوية، و أن تتماسك لتعتمد على صليب الفقر الآسيوي. إن خوفها من فقدان هويتها يؤدي بها إلى الارتماء في أحضان سلطان المال. إن بحثنا اليائس عن وجه المسيح الآسيوي لن يكتمل إلا إذا اشتركنا مع آسيا في بحثها هي عنه في أعماق الأديرة البوذية، حيث الدين و الفقر يجدان جذورهما المشتركة هناك: في الله الذي أعلن أن العدوّ هو سلطان المال. ليس المكان الأنسب لهذه الممارسة هو الحياة المسيحية المعاشة في حضن الكنيسة و في حضور غير المسيحيين. إنها اختبار العلاقة بالله -الذي يشكل الوجه الآخر لاهتمام البشرية- التي يعيشها شعب الله خارج حدود الكنيسة. فالكنيسة مدعوة إلى أن تفقد نفسها، في مشاركة كاملة مع غير المسيحيين!" و أظن أن ديننا في مصر في أمس الحاجة لتأصيل هذا الانفتاح العميق من دون الخوف المُلح من فقدان الهوية خاصة بالنسبة للأقليات. لذا- في رأيي- لابد من تأصيل هذا المفهوم بمبادرة من الأغلبية التي تنتمي لدين الإسلام
5- تحرير العقل، الحرية الداخلية: كما ذكرنا فإن اللاهوتيون الجدد قد رفضوا كلَّ وصاية للكنيسة على البشر و اعتبروها في خدمة "خلاص" الإنسان الذي هو التحرر من قيود القهر و الظلم و التمييز. و في سبيل ذلك دعوا إلى مسيرة حرية داخلية تقودها الأديان للناس عامة. و بدلاً من الصورة التقليدية عن سلطة كنسية تقاوم الفكر الإنساني و تعطل عجلة التقدم البشري، تصوروا الكنيسة هي التي تقود هذه المسيرة و في أقل الأحوال تشجعها. فلا مصادرة، و لا منع و لا تهديد، و لا وصاية من أي نوع من قبل مؤسسة دينية تخشى كلمة أو نغمة أو لقطة في فيلم هنا أو هناك. فكم عانينا من هذه الوصاية؟ و الأمثلة لا تغري بمحاولة العد من كثرتها! فهل جاء أوان الحرية، لا برفض الدين، بل بالتحالف الحرّ البنّاء معه؟ أظن أن لاهوت التحرير يطرح أسئلته علينا في هذه النقطة بالذات، و بالأكثر نحن بحاجة للتحرر من مفهوم الدين - القيد إلى مفهوم الدين المحرر
لماذا الدين؟ أو ما حاجتنا للاهوت التحرير؟ وقف لاهوتيو التحرير بين معسكرين متناقضين في نظر معظم الناس: الماركسية و العدالة الاجتماعية من جهة، و الدين و ما يمثله من سطوة هائلة من جهة أخرى. و كانت مجتماعتهم -على شبهها الكبير بمصر الآن- تولي أهمية كبيرة و أولية للدين و التدين. و هم بكونهم مسئولين دينيين لم يمكنهم تجاهل احتياجات شعوبهم. من هنا جاءت الفكرة التي مزجت بين متضادين في خلطة حلّ سحرية لمشاكل مجتمع فقير جداً. و في رأيي أن الدين لدينا يكتسب أهمية مضاعفة: فهو من ناحية له المصداقية الأولى لدى الجماهير، و من ناحية أخرى استخدم في كنف الأنظمة القمعية فوجب أن يكون الدواء من ذات الداء! أضف إلى هذا كون الدين طاقة إلهية خلاقة تعمل داخل الإنسان و تدفعه إلى اكتشاف ذاته و إلى التوحد مع احتياجات مجتمعه. فلو صار الدين طاقة تحرر لتغير وجه مجتمعاتنا تماماً
بقى سؤالٌ أخير عن لا هوت التحرير هل لاهوت التحرير دين أم سياسة؟ و إجابتي لن ترضي أحداً! فهو في رأيي مسيرة و طريق. يبدأ من عند فهم جديد للدين و التدين، و انطلاقاً من هذا الفهم يغير طريقة المشاركة للفرد في تغيير مجتمعه. فإذا اتخذت هذه المشاركة شكلاً سياسياً أصبح لاهوت التحرير سياسة خالصة! و إذا اتخذ شكل ابداع ثقافي أو فني أصبح فنّاً.... و هكذا فلاهوت التحرير لا يحدد شكلاً لتفعيله، و إلا صار رقيباً و وصياً على معتنقيه بشكل قام أساساً على رفضه. لكنه يبدأ من الحرية آملاً أن ينتهي إليها لاهوت التحرير 13 comments 1168 reads في لاهوت التحرير ، أو تحرير اللاهوت - 2 Submitted by مينا جرجس on Sat, 16/07/2005 - 15:28. "الإنسان قبل الأديان"
(جمال البنّا)
|
http://africano.manalaa.net/taxonomy/term/5
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أوكازيون/ التجمع الوطني الديمقراطي : نفاد معظم البنود في فترة وجيزة ( 2005 ـ 2010 ) (Re: عادل عبدالرحمن)
|
استراتيجي أم تكتيكي
إن المعيار الذي يحدّد طبيعة التحالف (استراتيجي، تكتيكي) بين أطراف المعارضة، في ظل نظام الإنقاذ، ليس هو إسقاط النظام في حدّ ذاته؛ وإنما شكل الدولة المُراد بناءه. كما، وأن الشعارات الحزبية و"بيانات الإجماع الوطني" المَمْهورة بأختام الزعامات، التي تصدر من الخرطوم أو جوبا أو أيّ مكان آخر في العالم، لا تصلح مقياساً للتنبؤ بخط سير كلّ حزب على حدة؛ فالمضمون الفكري والتكوين الاجتماعي والمصلحة المشتركة، داخل كل حزب مُعيّن، ومع الأحزاب الأخرى هي التي تحدّد طبيعة العلاقة، وحدودها. فمن السذاجة السياسية أن يظنّ "العلمانيّون" أو "الدينيّون" أن الطرف الآخر حليفاً استراتيجيّا له. ومن السذاجة، أيضا، أن يرْكِن طرفٌ للآخر: إن "السهولة" العجيبة التي وافقت بها الأحزاب التقليدية ـ اليمينيّة، بل ومشاركتها الفعليّة، على، وصياغة برنامج وأهداف "التجمّع الوطني الديمقراطي"، أمرٌ يدعو للريبةِ قبل الدهشة! فما الذي أسْرَى بأحزاب طائفية من "مشاريع دستور إسلامي" وعرّج بها للقبول بمشروع دولة مدنيّة/علمانيّة: سوى التكتيك؟!!
فالأحزاب اليمينية التي جلست مع الحركة الشعبية، والأحزاب والقوى اليسارية الأخرى في التجمع، وتوافقت معهم على ضرورة قيام دولة مدنية علمانية حفاظاً على وحدة السودان ـ لم يكن موقفها مبدئياً. بمعنى أنها كانت تعلم، علم اليقين، بأن فصل الدين عن الدولة، والذي يعني عدم التمييز بين المواطنين باسم الدين، والتوزيع العادل للثروة، وتمكين الحكم الفيدرالي أو الكونفيدرالي للأقاليم..إلخ سيعني سلبَها أمضى أسلحتها التي تشقّ بها طريقها إلى سدّة العرش، وتحقيق مصالحها ومآربها من الحُكم. فالهدف الاستراتيجي بالنسبة لهذه القوى ليس هو بناء دولة بتلك المواصفات، بل هو إسقاط حكم النظام القائم، وبعدها لكل حادثٍ حديث..! أما القوى الأخرى، فإن الاستراتيجي بالنسبة لها، لا يقف عند حدود إسقاط النظام؛ بل يتعدّاه إلى بناء مؤسسات الدولة الحديثة، التي تقطع طريق العودة إلى أيّ نظام ديكتاتوري، مدنياً كان أمْ عسكري. وهذا هو أُس التناقض بين أطراف التجمع، وسبب التعارك بداخله: فللتجمع أهداف ومبادئ مُعلنة، وأساليب وأدوات مُتفقٌ عليها لتحقيقها ـ الانتفاضة الشعبية المحميّة بالسلاح. والأدوار وُزّعت بطريقةٍ منطقية، فعلى تجمع الداخل تحريك الشارع، وعلى القيادة الشرعية العمل العسكري، وهيئة قيادة التجمع العليا عليها الدعم المادي والمعنوي والسياسي الدولي. إلا أن الأحزاب الثلاثة الكبيرة ( إتحادي، أمة وشيوعي) التي تتوزّع فيما بينها المناصب الرفيعة داخل هيئة الرئاسة، والمُعتمِدة على هذه الاستراتيجية العامة، كانت تقف عَقبة كأداءْ في طريق تنفيذها؛ وعملوا بلا كلل على تخصيب أرضية الخلافات داخل القيادة الشرعية، وبنظرة حزبية ضيّقة ـ مرّة باستمالة بعض أعضائها، ومرّة بحجب المال عنها، ومرّات بمحاولات الهيمنة عليها؛ بالتدخّل في تفاصيل عملها العسكري الذي له خصوصيّته من الناحية الاحترافية وسريّة المهام التي ستقوم بها. فظلوا لأعوام طوال يسوّفون ويماطلون، مُعتمدين على عامل الزمن، في تفاقم الخلافات داخل النظام الحاكم بين المتشددين والبراغماتيين، وتصاعد الغضب الشعبي، والعزلة العالمية كعوامل لإسقاطه. ودونما الحاجة للعمل العسكري المشترك بين أطراف التجمع، الذي سيُقوّي من شوكة اليسار والقوى الديمقراطية والتقدمية. وللأسف الشديد، اختلطت بعض عناصر هذه التناقضات والصراعات الحزبية، لتعمل ك"مصالح" مشتركة بين النقيضيْن التاريخيين ـ الطائفي والشيوعي: فبينما كان اليمين متخوّفا من الدَوْر المتزايد لخصومه اليساريين بداخل التجمع، وبالمزيد من طلبات قوى وأحزاب حديثة، بالانضمام إليه، ويعمل على عرقلتها.. كان الشيوعيّون يتخوّفون، أيضاً، من منافسيهم الجُددْ، واجتهدوا في إقصائهم، قدْر المُستطاع! ومن دهاء الساسة اليمينيين و"نجاحاتهم"، أن أوقعوا الحزب الشيوعي بالأوهام، تارة ـ حين تقليدهم بمناصب عليا داخل هيئة قيادة التجمّع، تنتهي صلاحيّتها بسقوط النظام، وتارة ـ حين أبعدوه عن إقامة تحالف استراتيجي بينه وحلفائه المُفترضين بداخل التجمع.. فالحزب الشيوعي كان، وما يزال، ينامُ على حافّةِ أدواره التاريخية الريادية السابقة، وأحلامه بقيادة القوى اليسارية الصاعدة، ودون مُنافسْ وفي الحقيقة، أن قيادة الحزب تخشى من قواعده وكوادره، التي ما فتئت تتركه وتستنكف مواصلة المسيرة معه، وتلجأ إلى أحزاب سياسية تقدميّة وحديثة وغير أيدلوجية/ عقائديّة؛ ناهيك عن أن يتحالف ويحتك بالعمل والفعل مع "منافسيه" ـ فتزداد قوّة الجذب/ السالبة.
إن النظام لَعِب، وما زال يلعب على تناقضات قوى المُعارضة. ولما عجز عن كسب معاركه العسكرية لإخضاع الجنوبيين، لجأ لسياسة "فَرّق تَسُد". فأمام "عَجْز التجمع" عن توحيد بندقيّة، شرَع في العمل على إخراج أكبر قوّة عسكرية منه، وتنازل عن الجهاد في سبيل الله ورسوله، وأبْرَم صُلح السلام مع الحركة الشعبية، دون أخْذَ جذيةٍ أو دخول الدين الحنيف. وعلى وتر الخلافات وشتات بقيّة القوى، جغرافياً وسياسيا، بين القاهرة وأسمرا وجدّة، خَتَمَ لهم "تأشيرة دخول" على أوراق اتفاقية القاهرة، ليعودوا للوطن من أرض الغربة، فأعلنوا التوبة عن الكفاح المسلح برمي ذخيرتهم على التراب. وبهذا الصك على بياض، جلسوا على مقاعد البرلمان والوزارات، وتناسوا "وَعْد" عمر البشير لهم، بأن "مَن له حق عندنا فعليه أن يأخذه بحد السلاح، كما فعلنا".. إلا أن "الحركة" لمْ تنسَ هذا الوعيد، واحتفظت بجيشها الشعبيّ.
إنّ اتهامات بعض زعامات الأحزاب اليمينية "للحركة" بأنها خرَجَت عن "إجماع جوبا"، ليس هو سوى ضحك على الذقون! ففي جوبا لم تتفق الأطراف على استراتيجية مُوحّدة ولا يحزنون. والحركة، ومنذ أن انضمّت للتجمّع الوطني، لم تجد دليلاً واحدا من هذه الزعامات على أنّها تابت واستغفرت عن جرائمها السابقة في حق الجنوبيين، أو عن استعلائها وعنجهيّتها وتكبّرها.. ففي الوقت الذي كانت فيه الحركة على استعداد للزجّ بقواها العسكرية إلى عمل مشترك في أتون الحرب ضد النظام، كانت الأحزاب تقبع بقواها العسكرية الضئيلة في معسكرات بداخل الحدود الإرترية، ويتنازعون فيما بينهم، حزباً حزبا، على كَسْب ود سلطة أسمرا، وكلّ على حِدة، دون الآخرين.. مُترفعين عن العمل العسكري تحت غطاء الجيش الشعبي، الذي له الغلبَة. التأفُف والاستنكاف، عن الجُندية تحت إمْرَة الدينكا والشلك والنوير، هوَ لا غيره، ما يُفسّر لنا هَدْر مثل تلك الفرصة العظيمة، وإمكانياتها الراجحة لهزيمة نظام الجبهة وتركيعه. وبالطبع، ذلك مقرونا بعدم الجديّة مِن قِبَل القوى اليمينية لإنفاذ مُقررات التجمع. وفترة الخمس سنوات الانتقالية، كانت هي المحك لاختبار قدرات الأحزاب، يمينها ويسارها، على مقارعة النظام والضغط عليه من أجل تنفيذ اتفاقياته ـ ذات الجنوب، وذات الشمال. فلا يُعقل أن تتنادى الزعامات وتطالب بتنفيذ بنود اتفاقيتها البايرة لأعوام خَلتْ، في غضون أشهر معدودات، وهي تحتاج إلى دهور مِن العمل المُضني لأجل أن تفكك أجهزة الدولة التي استولى عليها البشير وحزبه، ولإعادة صياغتها من جديد: ليصير الإعلام قومياً، والعسكر في الجيش والبوليس وخفر الحدود وطنيا، والعدلُ يمشي بين الناس على صراط الدستور القويم! فهل من "العدل" أن تهبّ هذه الأحزاب من غفوتها وغيلولتها، على قرع جرس الانتخابات، مستجيرة بجوبا، ولتتذكر شعبها المسكين ومُعاناته واتكاله عليها، لتسيّره أعزلاً في الشوارع والكباري المدجّجة بجند الرحمن.. وتتركه حائراً بين "المشاركة" وعدمها.. ومن بعد ذلك تلوم قيادة الحركة الحائرة بين محاسن الوحدة، وسوءات الانفصال.. هل؟!
إن التحالف الاستراتيجي بين القوى الديمقراطية، وتوحيد كلمتها في مواجهتها لقوى اليمين في المعارضة، هو الذي سيُجبر الأحزاب التقليدية كافّة على التنازل من بعض "حقوقها التاريخية" التي يزعمونها ويتشدّقون بها، وللعمل على برنامج مُشترك، وأدوات تنفيذه ـ حدّه الأدنى هو الدولة المدنية التي تساوي بين الناس بدستورها الذي لا يفرّق بين دينٍ ودينْ وعرقٍ وعرقْ وغنىً وجوع.
إنّ التحالف الاستراتيجي للقوى الديمقراطية داخل جبهةٍ وطنية عريضة، ليس بالحرام أو المستحيل. فعلى قوى اليمين أن تختار بين مصيريْن: إما أن ترضى بالتوافق مع النظام والتخلي عن طموحاتها الحزبية فتخسر قواعدها الوطنية، وإما أن تقنع بنصيبها التاريخي في أن تعمل مع الآخرين من أجل وطن فيه المواطن متساوٍ في الحقوق والواجبات.
والكلام الواضح أحسن منّو مافي: فلو انفصل الجنوب، فسيظلّ سنداً وعَضَدا داعماً للقوى الديمقراطية، وشعوب السودان المناضلة من أجل حقوقها وقضاياها العادلة والمشروعة.. فَلْلا نَخَفْ!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أوكازيون/ التجمع الوطني الديمقراطي : نفاد معظم البنود في فترة وجيزة ( 2005 ـ 2010 ) (Re: عادل عبدالرحمن)
|
السودان القديم، والسودان الجديد
تغيّر وجه السودان، مرّة وإلى الأبد، منذ أن أمسكتْ "فِرْية الإنقاذ" دفّة الحكم؛ فَبانتْ على سِحنَتهِ كلّ سوءات الأنظمة السابقة؛ إذ جرأت على فعل كل ما "عجزت" عنه الحكومات المدنية والعسكرية ـ فأدْلجَتْ مؤسسات الدولة الحيوية كافة وأخضعتها لسيطرتها.. فالاستقلال النسبي الذي كانت تتمتع به تلك المؤسسات، مثل القضاء والبوليس والخدمة المدنية، وبحسب شكل وأطر الحكم القائم، فقدته تماما منذ صبيحة الانقلاب. وأوصلت بسياساتها الراديكالية العنيفة كلّ شيء إلى مداه الأقصى: عَملتْ بلا هوادَة وقسوة على فصل كلّ مَن لا يتبعها أو مَن لا تثق فيه، نساءً ورجالا ، من مرافق الدولة وأسكنت الجميع بيوتهم وبيوتهنّ بلا مصدرٍ للرزق.. فأصبح السوداني والسودانية، بدَلَ أن كانوا يلعنون المالَ الذي غرّبَ أحبابهم وأعزاءهم في بلاد العرب الموسرين، يلجئون إلى أفقر دول الجوار، ويُهاجرون إلى بلاد "الواق واق" وأقاصي الدنيا طلباً للقمة العيش، ويُبّدلون دينهم ولغاتهم و"قميص الكفنْ" وفتحَتْ "بيوت الأشباح" على مصراعيها وزجت فيها كلّ مَن لا يتبع، أو يعصي، سُنّة الترابي/البشير، واغتصبت الرجالَ والنساءَ، وعَذّبَ طالبُ العِلم أستاذه والجارُ جارَه والمُربّي تلميذه وابنُ القبيلةِ شيخَه وبني جِلدَتهِ قبْلَ الآخرينْ وما كان يفعله السابقون في سدّة العرش، بالحيلةِ والمَكر والدهاء وبعض الحياءْ، جَهَرت به وأعلنت السودان دولةً للحضارة العربية وإسلامها.. وتطهير غَلَفةِ الذَكَر والأنثى، وعجمة اللسان! والأدهى والأنكى، أن صار أبناءُ القبائل وبناتها، يُوالون نَسْلَ ذريّتهم وجلدتهم، قبل خليفتهم ومَهَديهم.. ويفرّون من أحزابهم، يمينها ويسارها، وطوائفهم، ويتحلّقون حول أترابهمْ.. ويزعقون في زعاماتهم وكُبَرائهم بأن يَحْزموا أمرَهم، ويَلوكون صبرهم، وألا يتدافعون بالمناكب إلى كراسي الحُكمِ.. قبل يومهِ وأوانهِ.
وتغيّر وجه السودان مذ خرجت الملايين، من جحور العاصمة المثلثة وبناياتها الشاهقة، وهُرِعوا وتَبادروا من الفيافي والأرياف، لملاقاة الشهيد/ قرنق والترحيب به.. يومها، لقفَ الرعبُ قلبَ الحزب المُعارض، قبل الحزب الحاكم.. وبعدها، حين أخلى بغيابه حديقتهُ وشرفته، في القلوب والحناجر، فارتاحَ المُنافِسُ والمُتاجرُ والمُتخابثُ والمُداهن والمُغامر.. بَيْدَ أنّ وصيّته لمْ تزل تعْلقُ في الأذهان والأفئدة، حيّةً وقّادة تحت الرماد.. توّاقة لمن ينفخ فيها، لتشتعل، فتخرج الجماهيرُ من جديدْ
كلّ ما نعلمَهُ، أن وجه سوداننا القديم، قد غابَ واندثر.. وللأبدْ
| |
|
|
|
|
|
|
|