|
سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل
|
عبد العزيز العميري . . ما كنت حاريالك رحيل
1954 – 1989 سلمى الشيخ سلامة [email protected] كنت دائماً تقول لي: بتنومي بدري ليه؟ يا بت الشيخ راجياك نومة طويلة طول.
لكني ما زلت أنام باكراً. تعرف إني محاصرة دوماً بمواقيت العمل. كنت تجئ أحياناً في وقت أكون فيه أتأهب للنوم لكنك كنت تلح: حفلة ما تنسيها لمن تموتي ، يلا ياخي.
لم يكن مشيي معك بغرض أن أشجعك ، لكني كنت أود أن أظل في رفقتك . . لذلك لم أكن لأتردد في الذهاب معك كل مرة ، لأني (تبينت الآن) كم زودتني تلك اللحظات بذكرى ليست للنسيان. أن أكون صحبتكم كان ذلك أمراً يجلب اليّ سعادة لا أعرف كيف أفسرها لأن بي هاجس غريب إني سأفتقد ذلك لأي سبب إلا الموت. كنت أحياناً تحدثني عن رغبتك في السفر والعمل في الأبيض ، لذلك لم أكن لأتأخر في قبول طلب بحضور حفل ، لكني (ما كنت حاريالك رحيل)
ما كنت حاريالك رحيل .. كنت أنسى أحياناً ما يمكن أن يطال إمرأة حين تكون في مجتمع كمجتمعنا جراء ما كنت أفعل ، لكني كنت عادية التعامل معه. ببساطة الأشياء كنت أتعامل. لأمر خفي لم أكن أخشى الظهور معك رغم إني أعرف كم حبيبة كانت حولك. كنت تحدثني عنهن فأرجوك أن (تحفظ سرك) لكنك تفعل. دائماً كنت تقدمني لأصدقائك وصديقاتك: أخونا سلمى. أو تقول (سلمى دا صاحبي) كأنك تنفي عني أنوثتي لكني كنت سعيدة بتلك الصفة. أذكر أول مرة تعرفني فيها إلى الصديقة تماضر شيخ الدين وكنا في طريقنا لبغداد 1988 في صالة المطار قلت لها: حتنزلي مع منو؟ فأجابتك: ما عارفة والله . ناديتني لحظتها وقلت لها: انزلي مع سلمى ، دا صاحبي.
ومنذ تلك اللحظة زرعت ذلك الاخضرار بيننا . . كأنك توصينا إحدانا بالأخرى
لن أغير التاريخ يا صديقي ولا مجرى الأحداث ، لكني أحادثك كأنك دم ما زال يجري في عروق الحياة ، بل أنت يا صديقي .. حضورك منعقد كأن لم يحدث حضور لشخص في حياتي ، لم تهزمه الأيام ، لم تحد من فاعليته الأحداث .. يشملك لديّ حضور أقوى لا يدانى ، فأنت حالاً بروحك دوماً . . لعل سره يكمن في الضحكة التي طالما تقاسمناها.. في الذكريات التي كانت شراكة بلا رصيد سوى الحب الذي ظل أهلنا معاً جزءاً منه .. في الأبيض أو أبوروف .. وما بينهما المشاوير التي مشيناها أو في السفر الذي أزعم انه كان الرابط الأصيل في لحظة ما .. كم تصادف أن سافرنا معاً من الأبيض إلى الخرطوم أو بالعكس ، على متن الخطوط الجوية السودانية التي كانت (راقية) كما كنت تصفها.
كنت إذا ما حللت بالأبيض تفتح لي أبواب بيتكم وقبل ذلك قلوب أهله .. عم عبدالرحمن ، خالتي فاطمة ، سعدية ، منيرة ، أسماء ، أحمد ، الشريف ، هيبة ، التجاني ، أم بلة زوجة أحمد ، وكنت تزورنا في بيتنا في السكة حديد .. تدخل كالنسيم إلى (راكوبتنا) التي كانت تعجبك لأنها (باردة) تدخل بيتنا وكأنك أحد ساكنيه .. دونما إذن.
في الدورة المدرسية التي شهدتها الأبيض (1981) توطدت معرفتنا أكثر .. كنا (نمشي) من بيتنا إلى مسرح مدرسة الأبيض الثانوية بنات ، أحياناً يقلنا (الترحيل) وأحياناً (ندقها كداري) غير آبهين (بالخوض في متون الرمال) فالمشي كان قدراً اخترناه .. لأننا موعودين أثناءه بالضحك منذ بدء المشوار حتى نهايته .. نوبات من الضحك تعترينا .. لا نعرف من أين تبدأ ولا أين تنتهي؟ كأن غازاً منه ينتشر في فضائنا .. لا نحس برتابة أو ملل .. ووسط كل ذلك كانت الكتب تشكل حضوراً بيننا .. نتبادلها ، نناقشها ، أحياناً كنت تنسى لدي كتباً وكنت أفعل دونما عمد لكنك كنت حين يعجبك كتاب فأنت لا محالة دافعاً به لأحد الأصدقاء .. فيتوه الكتاب ..
أذكر انك أهديتني رواية (مالك الحزين) لكاتبها إبراهيم أصلان عام 1988 .. لكني لم أقرؤها إلا بعد أن شهدت الفيلم المأخوذ عنها عام 1991 في القاهرة ..
في القاهرة التقيت عام 1998 بعبد الرحمن الأبنودي لأول مرة في آخر جلسات مؤتمر (الرواية العربية) لمحني مع بعض قوم آخرين .. ناداني محيياً: الأخت سودانية قلت نعم ، قال: بتعرفي واحد جميل اسمه عبدالعزيز العميري؟ قلت أيوة
قال: كان (صحبي) لكنه فات .. تعرفي انه مستعجل (أوي) حزنت لما عرفت انه فات .. تعرفي ليه؟ لانه كان بجيني في المطار لما آجي .. وما بنتفارق لغاية لما أسافر .. الله يرحمه كان شاعر جميل .. وأجمل بني آدم عرفته .. مش لأنه مات .. هو ما ماتش .. تعرفي ليه؟ لأنكم صحابو ..
(تمشيت) في تلك الليلة (على الكورنيش) محاولة استعادة شارع النيل في السودان .. حيث أبوروف .. وتلك الاضاءة الخافتة (العود المتكي) لشجرة ماتت لسبب ما .. اعتدنا الجلوس عليها صحبة خالي محمود بعد أحد المشاوير من الاذاعة باتجاه بيتكم .. رفرفت تلك اللحظة كلمات الأبنودي كأغنية طازجة برائحة النيل في ابوروف .. مثلما كنت ندياً دوماً ما تزال نفس ذلك (الزول) في الذاكرة أبداً ..
كلما فتحت صفحتك في ذاكرتي رأيتك تضحك ، أحياناً (منك) أحياناً تغني ، أو تكتب شعراً على ظهر ورقة (علبة البرنجي) ، أو في ورقة مجترحة من على الأرض .. أو على (بطن) علب الكبريت ..
لم يكن ما يهم الناس يهمك كثيراً .. كانت لديك (هموم) خاصة بك .. يهمك أن تقرأ .. أن تحكي نكتة أو تؤلفها ، تمثل ، أو تغني ..
كنت مهموماً بمسرح للأطفال .. كم مرة تحدثنا عن مشاريعك لأفلام ومسرحيات الأطفال ، العرائس على نحو خاص كان يستهويك .. كل مرة كنا نمشي فيها إلى الفنون الشعبية ندخل إلى مكتب العرائس .. لطالما تحدثنا إلى السر حسن أو الصلحي .. كم كنت تحلم بمسرح لا نهاية لعروضه للأطفال متدفقاً بتلك الفكرة .. لكنك (مشيت) دون أن تحدثنا عن (مشيك) لم يحدث قط أن (انسل) شخص كما فعلت .. فلماذا يا طائرنا الذي ما توقفت أجنحته عن الخفقان؟
عبثاً أحاول النسيان .. تجئ كسحابة تظللنا بأجمعنا ، مطر يتنزل فيغسل الأحزان. يعيننا على متابعة مشوار الحياة .. فلماذا صرت قمراً لا نطاله ؟ هل نطولك؟ وأنت الشاهق السامق؟ كيف وأنت في ذؤوبات الروح تعدو كخيل جامحة لا يروضها مروض ، لعلي قلت لك ذات مرة انك تظل تلك الضحكة التي تجلجل كلما اشتد حصار الحياة علينا ، تنفض عنا تلك الضحكة غبارات الوجع التي نثرتها الحياة .. تدخل مسام الروح ، تنكت كل العوالق بجاروفها .. ألا ما أطيب ذلك يا عزيز .. لكم نفتقد الآن كل ذلك .. أيها الوهج الذي اجترحته الأيام ليضئ مساحات الظلام في داخلنا .. كيف لنا بوهج في غيابك؟ أيتها الشمس التي وهبتنا أشعتها البنفسجية ما فوقها وما تحتها بالتسامح والجمال المرهون للضحك والحب .. نعم الحب .. فلقد كنت تؤاخي الورود ، تزدري زهرة عباد الشمس لأنها مرهونة للشمس .. كنت عباد شمس مغاير لا يرعوي للشمس .. فلقد كنت شمساً على نحو خاص .. أفما يزال دفئك بيننا ، نتقاسمه .. ؟
أفتقدك على نحو خاص .. أود لو تحل الآن لتقيني رطوبة الوحشة من حولي .. أعلم أن روحك قريبة مني ترقبني مثلما كانت تفعل دوماً .. تكلمني ، تضحكني .. يسرنا أن (نتقاود) في الطرقات ماشين أو على متن (البيجو البيضا) من الإذاعة إلى إبراهيم الحلبي في أقصى أم درمان .. إلى شارع النيل في أبوروف .. أو من الربع الأول إلى خور طقت صحبة عبدالمنعم ، مروراً بأسواق أب جهل ، ود عكيفة إلى (العمود) حيث (سيد الأقاشى) الذي كنا (نتتفن) له أرضاً لا علينا من غبار العابرين أو العربات ، إلى مستوصف التجاني هلال على مشارف أم بدة (لنشم) زهرة (دقن الباشا) ..
كنت كثيراً ما ترنو إلينا بسؤال كنا نراه غريباً. آخر مرة قلت لنا .. قبل رحيلك بعدة أيام:
- إنتو خمسة وتلاتين سنة مش كفاية؟
كنا (ننبهم) من السؤال .. ونرده لك:
- علي شنو؟
فتجيبنا:
- لا .. ساكت سؤال بس.
غموض يلف السؤال ويلفنا .. ترى هل كنت تدرك الما وراء ؟ لا أجد إجابة .. فلقد مضيت وأنت الذي لا أعرف له سوى إسم الصديق والرديف لروحي ، وما كنت حاريالك رحيل.
يوليو 2004
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 07-25-04, 10:16 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 07-25-04, 12:12 PM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Ishraga Mustafa | 07-25-04, 12:25 PM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | jini | 07-25-04, 01:12 PM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 07-26-04, 10:23 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 07-27-04, 10:57 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Ishraga Mustafa | 07-27-04, 12:21 PM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 07-27-04, 12:24 PM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 07-28-04, 11:04 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Elnasri Amin | 07-28-04, 11:19 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | ناجى الزبير الملك | 07-28-04, 02:29 PM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 07-30-04, 10:33 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Nada Amin | 07-30-04, 11:14 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Ishraga Mustafa | 07-30-04, 11:19 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Nada Amin | 07-30-04, 11:28 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | تراث | 07-30-04, 02:28 PM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 07-31-04, 10:51 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Elmosley | 07-31-04, 11:57 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 07-31-04, 12:07 PM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 07-31-04, 12:22 PM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | أبو ساندرا | 08-01-04, 09:07 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 08-01-04, 10:58 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | خضر حسين خليل | 08-02-04, 01:36 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Ibrahim Algrefwi | 08-02-04, 02:16 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | برير اسماعيل يوسف | 08-02-04, 03:46 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 08-02-04, 11:02 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 08-02-04, 12:02 PM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 08-02-04, 12:34 PM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | تراث | 08-02-04, 01:49 PM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 08-03-04, 10:47 AM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 08-04-04, 12:52 PM |
Re: سلمى الشيخ سلامة تكتب عن العميرى...عن سودانايل | Giwey | 08-06-04, 12:07 PM |
|
|
|