|
الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة
|
مدخل إلى النسيج : غريب هو نسيج هذه الأمة ... أسباب توحدها تفجر كوامن خامدة كما تتفجر ركام البراكين دون سابق إنذار ترمي بحممها في كل إتجاه .. و أسباب تشتتها تجعل هذه الأمة تتسارع بلهفة و جزع نحو الإلتحام .. لتعود ليعتلج هذا و ذاك في بوتقة تجعل نسيج هذه الأمة يبدو دون رتْق أو نتوءات في جسدها .. ثم تعود ليبدو كساءها الخارجي مرقعا كما ثياب الدراويش .. بأكثر من رقعة و أكثر من لون و بخيوط متنوعة .. بوتقة عجيبة لا أظن أن هناك أمة بهذا السبكة الفريدة .. و لكن الحذر ثم الحذر من حشرات مجهرية و زواحف قملية تنخر عباب هذا النسيج و ترتع بين خيوطه ، فإن لم تقض عليه .. ستمتص رحيق الجسد الواهن.
مشاهدات من أيام الأحزان :
الحكومة و بعد أن قامت بحسابات عديدة .. قامت بالترقب بعد إعلان مقتل أو موت قرنق. ففي الترقب و الإنتظار دون أن تقوم بالتحسب لأي رد فعل عنيف يمكن أن تصطاد به عدة عصافير بحجر واحد :
1. إمتصاص غضبة الجماهير ( بشقيها الجنوبي و الشمالي حيث أن المظاهرات في بدايتها كانت جنوبية شمالية ). 2. درء أي تهمة بأن لها يد في الحادث ( حيث أن التحسب و نشر قوات الأمن يعني أنها تضع نفسها في موضع المدافع عن نفسه عن جرم إرتكبه ) . 3. الغضب الآتي من الجنوبيين و ردة فعلهم سيجعل العالم يجزم بأن الجنوبيين هم ضد الإستقرار. 4. معرفة نتيجة إرهاصات كثيرة كان مفادها بأن حزام الفقر يعد العدة للقيام بعمل ما في الخرطوم عند أول إحتكاك ( حيث أن الجنوبيين بعد توقيع الإتفاقية و عودة قرنق للخرطوم كانوا يطلقون عبارات تنم عن إنتقام قادم ) . 5. معرفة ردة فعل غير الجنوبيين .. و من ثم التدخل كطرف ثالث يهمه أمر العباد و البلاد ( و هذا ما حدث بعد ردة الفعل العنيفة للغاية ضد الجنوبيين كإفراز طبيعي لما حدث يوم الإثنين الأغبر ) .
كعادة الدهماء و الغوغاء و الصيادين في الماء العكر ، فإن اللصوص قاموا بالتستر وراء رد الفعل بالسلب و النهب و هو ما حدث عند موت كثير من زعماء العالم المهتمين بقضايا شعوبهم ، و هو كالذي حدث عند موت مارتن لوثر كنج في أمريكا ، و أيضا عند موت المهاتما غاندي و غيرهم كثر .. شاهدت بأم عيني تقاسم المسروقات من المواد الغذائية في عرض الشارع ( ليس كلهم جنوبيين ) .. ليس كل حوادث القتل يوم الإثنين حوادث عشوائية ، و لكن هناك حوادث حدثتْ عن سبق إصرار و ترصد نتيجة عداوات شخصية في بعض الأحياء بإستغلال هذه الفوضى حتى يضيع الدم بين قبيلة الفوضى و الغضب الذي تم إفراغه في الحزانى على موت قرنق فكان الألم مضاعفاً و تركيبته و كيمياؤه أصعب من أن يتم فك طلاسمه أو التعبير عنه.
غليان البوتقة :
هناك مشاهد و حكاوي لا تعد و لا تحصى ، سيعلنها الناس بعد أن يجف الدم و بعد أن يلعق الناس جراحهم و يطوي الزمن هذا اليوم الحالك السواد. كنت أقود عربة كورية الصنع صغيرة الحجم ( Atos ) بمنطقة الجريف غرب ثاني أيام الحوادث ، يوم الثلاثاء و معي إبنتي لنطمئن على أسرة شقيقي ، فإنغرزت السيارة بلساتكها الأربع في الوحل. شاهدت ستة جنوبيين قادمين نحونا فتوجست خيفة شديدة ، بل أصابني الرعب رغم أنني كنت مستعدا للدفاع عن نفسي و إبنتي ، إلا أن أحدهم نقر على زجاج السيارة و قال : أنزل عشان نلز العربية. قاموا بحمل السيارة حملا و وضعوها على الجانب الجاف من الطريق. خجلت من شكوكي .. و لكن أليس معي حق بأن أشك و أخاف و أستعد ؟ هل رأيتم ماذا كانت نتيجة ما حدث ؟ إختلط حابل هذا بنابل ذاك .. يقول المصريون في مثل هذه المواقف : أولاد الحرام ما خلوش حاجة لأولاد الحلال.. و المشكلة عندنا أن أولاد الحلال و أولاد الحرام كان لهم يومئذ نفس الملامح و الشبه ، يمشون بيننا في الأسواق ، و يتقاسمون معنا الملح و الملاح ، و يلقون عليك تحية الصباح و يشاركونك أفراحك و أتراحك. هنا تكمن غرابة هذا النسيج الذي لا بد من علاج تراكماته و إزاحة طبقات الغبن عنه حتى يعود ناصع البياض لا غبار عليه. جاري ضابط جنوبي يقيم مع أسرته و يعول أسرة شقيه المتوفي .. ظل يوم الإثنين الأغبر يتصل بنا فرداً فرداً على مدار الساعة و ينصحنا بعدم الخروج. و في الليل ظل مع بقية الجيران يتناوب الحراسة حتى تباشير الفجر. رغم هذا كان هناك توجس منه من بعض الجيران .. من الذي جعل هؤلاء البعض يرى الوفاء و مراعاة حقوق الجار الذي مارسه هذا الجنوبي عبارة عن خنجر مدسوس وراء الظهر ؟ التباكي على ما حدث لن يقدم و لن يفيد بمثقال خردلة .. التحقيق في الذي حدث يجب أن يتم بشفافية حتى يأخذ كل من أجرم جزاءه الرادع .. فربما عرفنا من هو المحرض و ما هي غاياته .. يجب أن يعرف كل الشعب كيف و لماذا ؟ و أهم من كل هذا و ذاك .. يجب تحليل كل ملابسات موت قرنق أو مقتله .. ليعرف الكل من هو المستفيد من هذا الذي حدث .
هناك من يقول أن ما حدث يعتبر ( رب ضارة نافعة ) .. بمعنى أن الجنوبيين قد إنكسر شيء في دواخلهم لسببين : 1. فقدانهم للزعيم الشعبي قرنق و الذي كان معقودا عليه آمال عراض حتى بالنسبة للشماليين ) 2. ردة الفعل الأعنف التي أعقبتْ الإثنين الأغبر جعلت من الجنوبيين مهيضي جناح مكسوري الخاطر .
و أنا أقول أن ما حدث كان ( رب ضارةٍ ضارة ) ... لأن الآن وقع طبول الإنفصال أكثر زخماً. حتى و إن لم يقلها رجل الشارع البسيط ، و لكنها صارت أمنية تختلج في الدواخل كنار خابية تحت الرماد .. و ما الإستفتاء ببعيد. أقول رب ضارة ضارة .. و بذرة الثقة تتضاءل بين الحكومة و الحركة .. الحركة التي قال على لسانها سلفاكير ( بأن الإتفاقية ما زالت حبرا على ورق ) فكأن الذي بينهما طلاق (عرفي) ينتظر أن يتم إعلانه على الملأ ، و لكن يحجم الطرفان عن الإعلان عنه خوف الشماتة ، و خوف محاذير كثيرة أقلها إنفلات مسبحة هذا الوطن ليصير أوطاناً شتى.
و أقول فقط ( رب ضارة نافعة ) في حال عرف أهل الشمال و الجنوب على حد سواء بأن الوحدة أمر ضروري على ضوء الذي حدث و أن المصير واحد.. ليس الوحدة الجغرافية ، بل وحدة النسيج الإجتماعي و دفن الضغائن و تناسي الإحن. و إلا .. فإن الوطن موعود بتشرذم تجعل منه ألف وطن.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | ابو جهينة | 08-21-05, 04:39 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | ترهاقا | 08-21-05, 05:16 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | سجيمان | 08-21-05, 05:20 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | ابو جهينة | 08-21-05, 06:05 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | ابو جهينة | 08-21-05, 06:04 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | Abdulla Ageed | 08-21-05, 05:52 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | ابو جهينة | 08-21-05, 06:08 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | حيدر حماد | 08-21-05, 06:25 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | mahmed alhassan | 08-21-05, 06:59 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | ابو جهينة | 08-22-05, 00:28 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | ترهاقا | 08-21-05, 07:08 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | حيدر حماد | 08-21-05, 07:11 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | ابو جهينة | 08-21-05, 11:28 PM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | amara | 08-21-05, 07:18 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | ابو جهينة | 08-22-05, 01:15 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | حمزاوي | 08-21-05, 07:32 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | saifkeli | 08-21-05, 07:45 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | ابو جهينة | 08-22-05, 03:37 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | Abdulla Ageed | 08-21-05, 08:38 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | Lim Donato Lim | 08-21-05, 09:35 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | أبوذر بابكر | 08-21-05, 11:49 PM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | Sidig Rahama Elnour | 08-22-05, 01:38 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | ابو جهينة | 08-22-05, 06:04 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | ابو جهينة | 08-22-05, 07:41 AM |
Re: الطلاق العرفي .. و ثقوب في جسد الأمة | ابو جهينة | 08-22-05, 07:38 AM |
|
|
|