سارا .. و الموشوم على الجبين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 03:51 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة جلال داوؤد(ابو جهينة)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-30-2005, 05:40 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
سارا .. و الموشوم على الجبين

    لندن .. ذات صيف من ثمانينات القرن الماضي
    ***
    لم أشعر بهذا الإحساس منذ أمد بعيد ..
    عندما تجرعت بعد الظهيرة قارورتين من البيرة المثلجة .. أعطاني المشروب إحساساً بالإنطلاق كعهدي بتلك الأيام الخوالي في الخرطوم عند الخروج نهارا جهاراً من ( بار سنترال ) و التوجه منتشياً إلى المحطة الوسطى متأبطاً جريدة ( الأيام ) .. و بضع قطع من العملات المعدنية داخل جيب البنطال تموسق الخطْو .. و قشور الترمس التي أرميها خلفي تتبعني و كأنها رتل من النمل يتجه نحو خليته .. و الإنتعاش يمد لسانه لحرارة الجو و يَرْبِتُ على الجو الخانق داخل البص الذي إنتهى زمنه الإفتراضي ..
    الطريق من الشقة حتى ( الهايد بارك ) .. جعلني أسبح في نفس مساراتي القديمة من شارع معرض الخرطوم و حتى مدخل جامعة الخرطوم مروراً بالخرطوم الثانوية القديمة و النفق..
    أتخيل أنني سأقابل كل أولئك الذين عرفتهم في براري الخرطوم ..
    الكوتش إبراهيم .. بين نادي بري و كمائن الطوب قبالة الجريف شرق ..
    الطاهر سائق التاكسي الذي لا تفرق بين سعاله و سعال عربته المتهالكة ..
    آمنة موظفة بنك السودان التي تسكن بالقرب من نادي الشرطة و إبتسامتها الغامضة و هي تلوح في إنتظار حافلة نقل موظفات البنك...
    ألبينو .. الجنوبي الأنيق الهندام و الوجه ..
    وصلتُ الهايد بارك .. المتحدث هندي من السيخ يتحدث بخليط من لغته و الإنجليزية ..
    معظم الوقوف لا يتابع ما يقوله بل يتمعن في زيه و ما يزين أذنيه و أصابعه من أساور نحاسية و فضية و فصوص من أحجار كريمة تتلألأ.
    مللتُ حديثه و عمامته البرتقالية الفاقعة اللون ..
    ركبت تاكسياً لندنياً إلى ميدان الطرف الأغر .. عشقي الكبير في هذه المدينة الضبابية ..
    صيف لندن المتقلب جعلني أتوق إلى زجاجة أخرى من البيرة ..
    وَدَدْتُ لو أعرف مكاناَ تباع فيه البيرة بتلك الأكواب الكبيرة كما في مدن ألمانيا تندلق من صنبور برميل ضخم ،، تجلل الرغاوي أطراف الكوب حتى الثمالة .. تجعلك تشعر بأن رأسك لن تفرغ من تأثير المشروب مادام ذلك البرميل يرقد كتمساح النيل العشاري في جزيرة رملية فاغراً فاه..
    عاجلني عجوز بقبضة من الحبوب لأطعمها الحمام الذي لا ينقطع جوعه في ذاك الميدان المزدحم ..
    مزيج متنوع من الناس تجوب الميدان جيئة و ذهاباً ..
    رأيتها تقف خجلى مترددة .. عرفت فيها غربتها عن المكان و عن ما يدور حولها ككل قروي يأتي إلى المدينة فتَنْفُر الدهشة و الريبة من العينين بشكل صارخ و سافر .. و تكتسي بحذر مشوب بالتقوقع و الإنفراد..
    ينطق وجهها بروعة الجمال الأمهري .. بلون نبيذي أخاذ .. يتحدى خمرة باخوس ..
    يرقد صليب موشوم على جبهتها يحدِّث عن دينها و إبتسامة تحكي عن دَيْدَنها .. تملأ ما بين شفتيها ليَفْتَر عن صفين من اللؤلؤ المكنون.. و حاجبيها الكثيفين دون رتوش و رموشها دون إكتحال لوحة مرسومة على مهل..
    ينفرج ثغرها عن إبتسامة جعلتني أسترجع عذوبة غفوة الظهيرة على (عنقريب ) من الحبل تحت ظل راكوبة على ضفاف النهر الخالد الذي يباركه أهلها قبل أن ينساب إلينا منذ الأزل منزلقاً من هضابه..
    أيا سليلة الأمهر .. ما الذي رمى بك في طريقي ؟؟
    كانت حبات القمح التي نفحني إياها العجوز جواز مرور إلى التعرف عليها..
    أمسكتُ بيدها و دلقتُ فيها الحبات رويداً رويداً .. متعمداً الإطالة و أنا أحس بحرارة جسدها الإفريقي تسري إلى جسدي المتورم نشوة .. و أنا أبحلق في عينيها و في الصليب الموشوم على جبينها ..
    وقفتْ مستسلمة لجرأتي ..
    سرعان ما إختلطتْ ضحكاتها المتوجسة مع رفرفات أجنحة الحمائم ..
    دعوتها إلى ذلك المطعم الذي أعشق طهيه الذي يذكرني بنكهة المرق في قدور الفخار بقريتي .. أستحثها على الأكل و هي تمضغ بفم مطبق ..
    تواعدنا في المكان و الزمان أكثر من مرة .. فأنطلقتْ بعفوية الأطفال ..
    تأتي دون تأخير .. مرتدية نفس الزى الذي شاهدتها به أول مرة .. نفس الحذاء ..
    ما أجمل أن تكون دليلاً سياحياً لفتاة بمثل هذا الجمال.
    أمسك يدها النحيلة .. فتجفل و تسحبها .. ثم تعود لتضعها بين يدي كمن يقدم إعتذاراً مبطناً .. و هي ترمقني خَجْلَى ..
    حكتْ لي عن ظروف خروجها من قريتها .. و كيف أنها وصلتْ إلى السودان و مكثتْ عند خالتها في الديوم .. مرة بلغة عربية تدغم فيها ما تشاء و تقلب الخاء كافاً و تُعَطِّش حرف العين حتى تشفق عليه من الإختناق ..
    ضحكتْ كثيرا و هي تحكي لي عن سائق ( البرنسة ) السوداني الذي إنطلق بها دون أن يتوقف عند محطتها مما جعلها تقفز مذعورة بعد أن أنقذتها مطبات الطريق.. و كشفتْ عن ركبتها لتريني آثار السقطة على الطريق ..
    توثقتْ علاقتها بي يوما عن يوم ..
    صارحتني بأنها تحتاج للعمل .... فقد ملَّتْ الإعتماد على صديقاتها في السكن.. و طال بحثها عن عمل ..
    ألحقتها بالعمل لدى أرباب عملي في جادة Hill Street ..
    تفانت في عملها لدرجة بعيدة ..
    إضافة إلى ما يعتلج في قلبها البِكْر الذي ظلتْ تبديه دون مواربة و الذي لم يغبْ عن حدْسي.. فقد ظلتْ ممتنَّة للخدمة التي قدمتها لها بتوفير عمل شريف لها...
    في أحيان كثيرة تتحول مشاعر الإلفة بين إثنين إلى حب جارف لا يُبْقِ و لا يُذِر .. و بشكل خاص في الغربة .. لذا فقد خفتُ كثيراً من تلهفها على حضوري .. و تعلقها الشديد بي .. و تلك النظرة التي أعرف مغزاها جيداً.. صرتُ أتحاشى كثيراً من المواقف و إمتنعتُ عن التعليق على تعليقاتها المبطنة بالحب الكامن داخلها ..
    شعرتْ بتملصي من لقاءاتها الحميمة .. فآثرتْ ان تقطع شكها بيقينٍ يكفيها شر الحيرة و الإرتباك ..
    قالت و هي تتشاغل بتنظيف طاولة أمامي : ألا تحس بمشاعري نحوك ؟
    قلتُ محاولاً الإنفلات : أحس بها تماماً .. فأنت أخت عزيزة في هذه الغربة ..
    قالت ممتعضة : لا أقصد هذا ..
    قلت و قد شعرتُ بأن حصارها سيدمي قلبها و قلبي : ماذا تقصدين إذن ؟
    قالت بثقة يشوبها الترقب : أنا أحبك .. أحبك كما لم أحب أحداً من قبل..
    ثم سكتتْ و كأنها أحسّتْ بالتسرع في الفضفضة و الإفصاح عما يجيش بدواخلها ..
    لم أستطع الإجابة ..
    فأنا أحترمها .. و بالفعل هي التي جعلتْ من أيامي تلك شيئاً يمكن تجاوزه برفقتها الحلوة .. و معشرها الطيب ..
    قالت و كأنها وجدتْ مدخلا للحل : هل أفهم من هذا أن ديني يقف حائلاً بيني و بينك ؟
    قلت : لا يا عزيزتي .. فدينك أنا أؤمن به كدين سماوي ..
    قالت و هي تجلس على ركبتيها أمامي : أحبك .. و من أجلك سأعتنق دينك ..
    ثم إستدركتْ : يمكنني محو هذا الوشم من على جبيني مهما كلفني ذلك .. أعرف فتاة قامت بذلك ..
    ثم تابعتني بنظرات ملؤها الأمل و الرجاء ..
    ذبحتني كلماتها من الوريد إلى الوريد .. ذبحتني عيناها التي تبحث عن إجابة في عيني.
    كيف أقابل كل هذه التضحية ؟ و هي تضحية أكبر من مشاعري مقارنة بإحساسها نحوي ..
    لا يمكن أن أخدعها .. بل هذا آخر شيء أفكر به ..
    طلبتُ منها أن تُرْجيء الأمر إلى حين ..
    عذبني أكثر إحساسي بإنكسار شيء ما في دواخلها .. فقد كانت تنتظر أن أبادلها شعورها فرِحاً ..
    تعمدتُ المبيت عند صديقي في شقة أخرى لعدة ليالٍ متحاشياً تواجدها عند أوقات عملها ..
    لم ينقذني من هذه الورطة إلا موعد سفري من لندن الذي أتى مفاجئاً دون سابق إنذار ..
    ذهبتُ إلى شقتي ..
    فتحتْ لي الباب و ردتْ تحيتي مهمهمةً ..
    قلت لها : أعرف ما يدور في ذهنك ..
    قالت دون أن تواجه نظراتي : أنت لا تعرف شيئاً من ذلك ..
    قلت : لم تقولين ذلك ؟
    قالت و غصة تقف في حلقها: لا تزعج نفسك بما قلته لك .. أرجوك أن تنسى كل ذلك ..
    قلت : بل أطلب منك أن تعطيني بعض الوقت و ..
    قاطعتني بعناد : هذا هو الشيء الوحيد الذي لا يحتاج أن تعطي لنفسك فيه وقتاً للتفكير و التمحيص أو مهلة زمنية .. إنه أمر قاطع .. يكون أو لا يكون ..
    ألجمتْني كلماتها النابعة من صميمها ..
    ودعْتها .. و دمعات عصية تقف على أطراف مآقيها .. تكابر بها أنِفَتَها و عزة نفسها و كبرياءها .. و ما أقسى مكابدة كبرياء مجروح ..
    أمْعنْتُ في تناسيها .. و لكن ظلتْ كلماتها ترن في أذني لفترة طويلة ..
    ما أقسى الحب من طرف واحد .. عذاب مستمر و ألم نازف .
    عندما عدت إلى لندن في العام التالي .. وجدتها قد تركتْ العمل الذي ألحقتها به ..
    بحثتُ عنها و سألتُ عنها كثيراً ... و لكن دون جدوى ..
    دخلتُ غرفتي و صوتها يملأ الأركان .. بكل صدقها .. و عفويتها ..
    تقبع طاولة مكتب صغيرة في غرفتي ..
    بالدرج العلوي وجدتُ قصاصة من ورق .. كتبتْ عليها :
    لا زال الوشم على جبيني .. لم يعد يعني لي الكثير .. و لكن لن أدعه يمسك بزمام قلبي و يوجهه ..
    و بقيتُ على ديني .. أذهب كل يوم أحد و أجثو لله طالبة أن يمدني بأسباب نسيانك ..
    هل تصدق : لم أستطع نسيانك و لو للحظة .. فليغفر لي قلبي تعلقي بك .. أو بالأصح .. فليسامح الرب قلبي .. فهو الذي قاد خطواتي نحوك ..
    أذهب كثيراً لميدان الطرف الأغر .. أراك في خفقات أجنحة الحمام .. و في هديلها ... و لأنني لا زلت أحبك .. أقول لك .. فليحفظك الله و ليبارك خطواتك أبداً ..
    لك أبداً ... سارا

    (عدل بواسطة ابو جهينة on 08-30-2005, 05:53 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
سارا .. و الموشوم على الجبين ابو جهينة08-30-05, 05:40 AM
  Re: سارا .. و الموشوم على الجبين Ali Alhalawi08-30-05, 05:57 AM
    Re: سارا .. و الموشوم على الجبين ابو جهينة08-30-05, 06:15 AM
      Re: سارا .. و الموشوم على الجبين عبد الحميد البرنس08-30-05, 08:41 PM
        Re: سارا .. و الموشوم على الجبين ابو جهينة08-31-05, 00:36 AM
  سارا .. و الموشوم على الجبين Ahmed Daoud08-31-05, 00:06 AM
    Re: سارا .. و الموشوم على الجبين ابو جهينة08-31-05, 01:51 AM
  Re: سارا .. و الموشوم على الجبين ودقاسم08-31-05, 01:07 AM
    Re: سارا .. و الموشوم على الجبين ابو جهينة08-31-05, 02:53 AM
  سارا .. و الموشوم على الجبين Ahmed Daoud08-31-05, 04:45 AM
    Re: سارا .. و الموشوم على الجبين ابو جهينة08-31-05, 05:20 AM
  Re: سارا .. و الموشوم على الجبين معتصم دفع الله08-31-05, 05:09 AM
    Re: سارا .. و الموشوم على الجبين ترهاقا08-31-05, 05:29 AM
    Re: سارا .. و الموشوم على الجبين ابو جهينة08-31-05, 05:53 AM
      Re: سارا .. و الموشوم على الجبين عبد الحميد البرنس08-31-05, 10:56 AM
        Re: سارا .. و الموشوم على الجبين ابو جهينة09-01-05, 00:01 AM
          Re: سارا .. و الموشوم على الجبين ابو جهينة09-05-05, 00:50 AM
  سارا .. و الموشوم على الجبين Ahmed Daoud09-05-05, 04:00 AM
    Re: سارا .. و الموشوم على الجبين ابو جهينة09-05-05, 05:43 AM
      Re: سارا .. و الموشوم على الجبين إسماعيل حميم09-06-05, 03:19 AM
        Re: سارا .. و الموشوم على الجبين ابو جهينة09-06-05, 04:26 AM
  Re: سارا .. و الموشوم على الجبين shatat09-06-05, 12:28 PM
    Re: سارا .. و الموشوم على الجبين ابو جهينة09-07-05, 00:39 AM
  Re: سارا .. و الموشوم على الجبين shatat09-07-05, 10:30 AM
    Re: سارا .. و الموشوم على الجبين ابو جهينة09-07-05, 11:45 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de