من وحيي انتفاضات الشعوب العربية (2) بقلم : التجاني حسين
خيانات الحكام العرب وطغيانهم وبالتالي فقدانهم للشرعية الجماهيرية التي هي الأساس في الحكم، واستنادهم فقط في بقائهم في الحكم على القوة الغاشمة، أمر لم يعد هنالك جدال عليه. فالفساد وتجويع الشعب ونهب قوته وخيانة طموحاته في مواجهة الصهيونية وتحرير فلسطين هي القاسم المشترك بين الحكام العرب.. وقد كان البعض يرون أن ما يطفو على السطح من مظاهر استسلام الشعوب لحكامها هو الحقيقة حتى جاءت انتفاضة تونس ومصر والجزائر والأردن واليمن وغيرها لتؤكد غير ذلك. في يناير من العام 2009 كان العدوان الإسرائيلي الشامل والمدمر على قطاع غزة الفلسطيني بدعم من أمريكا والغرب وبعض عرب الجنسية المتأمركين، والمعروف أن دورة الحرب الإسرائيلية على العرب عمرها سنتان. ففي كل عامين تشن إسرائيل الحرب أما على لبنان أو على قطاع غزة والضفة الغربية مستهدفة كسر شوكة العرب وجعلهم (خائفين ومطأطئي رؤوسهم) للقوة الإسرائيلية الغاشمة المدعومة بالقوة الأمريكية. وهناك حكام عرب في مقدمتهم حسني مبارك كانوا يوفرون غطاءً عربياً لتمكين إسرائيل من تحقيق أهدافها في تدمير قطاع غزة ولبنان. والحرب التي شنتها إسرائيل على غزة كانت تستهدف كسر شوكة المقاومة الفلسطينية بصورة نهائية وتدمير معنويات الشعب بحيث لا يبقى أمامه سوى الاستسلام، فالحكام قد تم ترويضهم والمطلوب (ترويع الشعب) ولذلك كان التدمير شاملا: قتل الإنسان وتدمير البنيات الأساسية والاقتصاد وجرف المزارع وحرق الأرض بصورة شاملة.. غير أن تلك الحرب اللعينة والتي جلبت الغضب على إسرائيل من كل أحرار العالم لم تفت من عضد الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية وعزم شعب فلسطين والشعب العربي على التحرير، وعزم الشعوب العربية على تغيير حكامها الخونة. إن المواقف العربية الرسمية ليست مخزية وحسب ولكنها متواطئة مع العدو الإسرائيلي، فقد كنا في الماضي نستغرب من إطلاق الحكام العرب لعبارات (نشجب وندين ونستنكر) دون أن يتحركوا لردع العدوان وحماية الشعب الفلسطيني، ولكنهم اليوم (لا يشجبون) و(لا يدينون) و(لا يستنكرون)، إنهم (لا يرون ولا يسمعون ولا يتكلمون) و(كأن على رؤوسهم الطير)، ومنهم من يتصل تلفونياً بالعدو ويشجعه على الحرب بحجة (التخلص من حماس) ولذلك فإن إسرائيل في عدوانها المدمر الأخير كانت (مطلوقة اليد) وهي على قناعة بأنها عليها أن تحرق كل قطاع غزة دون ردود فعل من الحكام العرب وهي مدعومة من أمريكا. إن هنالك دول من خارج الوطن العربي كانت مواقفها أقوى وأفضل من الحكام العرب على رأسها تركيا وفنزويلا شافيز، إذ كانت هاتان الدولتان على رأس موجة الاستنكار والرفض والمقاومة للعدوان على غزة وبقي الحكام العرب يتفرجون. إنه مسار معكوس للعدالة.. فإسرائيل مسموح لها أن تقتل وتدمر ما تشاء دون أن يسألها أحد.. وإسرائيل مسموح لها بإنتاج السلاح الذري والنووي ، بلا تفتيش لمؤسساتها .. ومسموح لها أن تقتل من تشاء من الفلسطينيين انتقائياً أو جماعياً .. ولكن غير مسموح للعرب بالتفكير في امتلاك الطاقة الذرية حتى للأغراض السلمية. والحكام العرب راضون عن ذلك.. إن كل ما خرج به العالم عندما دمرت إسرائيل قطاع غزة فوق رؤوس ساكنيه هو لجنة غلادستون وتقرير غلادستون.. ذلك التقرير الذي يساوي بين الجلاد والضحية .. بين إسرائيل وحماس ويقول كذبا وزورا أن الطرفين قد ارتكبا جرائم حرب .. وشتان ما بين صواريخ حماس وبين صواريخ إسرائيل.. العلة كل العلة تكمن فينا نحن العرب .. تكمن في التخاذل العربي الرسمي.. وفي ظل الواقع العربي المتردي .. كنا نحلم بانتفاضات شعبية عربية.. من أجل تحرير الشعب العربي من طغيان الحكام الخونة ومن أجل تحرير فلسطين.. وبأن تلعب الجيوش العربية دورها في التحرير ... وكان يبدو على السطح أن الشعب العربي في جميع أقطاره قد استسلم.. ولكن خاب فألهم.. فهاهي اليوم الجماهير العربية الشعبية تغلي كالمرجل من المحيط للخليج وتعبر عن إراتها بحرية، وإن كان صوتها في مصر وتونس والجزائر واليمن هو الأعلى غير أنها لن يطول سكونها الظاهري في بقية أنحاء الوطن العربي.. ولهم نقول: اسمعوها ألفَ مرةْ نحن رغم القهرِ لن نرضى بأنصافِ الحلول التصفويةْ لن تمرَّ التسوياتُ المسرحيةْ لن تزحزحنا الحروبُ البربرية والمجازرْ اسمعوها لن نتاجرْ .. نحن جئنا عبر فوْهةِ بندقيةْ عبر بحر الموت والدم عبر أشواك القضيةْ نحن قاومنا .. وقاومنا .. وقاومنا .. كأعصاب الزلازلْ.. وانطلقنا في طريق الشمس إيماناً نقاتل .. راية التحرير لن تسقط مِنَّا .. فهي فينا.. في دمانا في يد الفلاح في ساق المعاولْ .. نحن لن ننسى مدى تاريخنا هذي القضية فاسمعوها ألف مرة نحن رغم القهر لن نرضى بأنصاف الحلول التصفوية لن تمر التسويات المسرحية لن تزحزحنا الحروب البربرية والمجازر اسمعوها لن نتاجرْ ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة