|
Re: مكان محمد جلال شاغر في قاعات الدرس وحلقات الحوار العفيِّ (Re: hanouf56)
|
الأخ Welyab في آخر زيارة شرفني بها في منزلي المتواضع بلندن كنا كمن يسابق الريح: هو في عجلة ليرتب آخر أغراضه قبل التوجه إلى هيثرو في رحلة العودة المظفرة إلى الوطن بعد أن نال شهادة الدكتوراه في اللغة النوبية على يد العالم الكبير بروفيسور هيرمان بيل ، وأنا وزوجتي في حثه على تناول الطعام فقد وصل متأخراً لأنه كان يصر على أن تكون دارنا هي آخر مكان يودعه وأن تكون وجوهنا نحن والأطفال آخر الوجوه التي يودعها قبل الذهاب لهيثرو. كنت أقتطع من الدقائق القليلة المتبقية ثوان لآقول له فيها: هذه المرة لابد أن يكون نصيب هالة المغربي والصغار هو نصيب الأسد من الإهتمام..وبالله ياجلال تاخدهم أي مكان عشان يتفسحوا شوية..دا حقهم عليك ! وأظنه سئم ثرثرتي..قطع رجاءاتي بأن نبهني إلى أن أفرغ لمشاريع الكتابة التي شغلت بها بعض الوقت وحدثته عنها. ثم إنه نبهني أن أفي بوعدي بالتوجه إلى الوطن أو قريبا منه. نبهته مرة أخرى إلى أنه لم يطعم ، وينبغي أن يأكل شيئا.
كنت أحمل همه وهو سارح في هموم وطن بحجم قارة. حسبت كثيرا أنني أصقل تجربتي الوطنية ونقائي الثوري بحيث يرث أبنائي من بعدي سيرة أب وطني نظيف أحب بلاده وشعبه إلى حد الغلو. كنت واهماً. صداقتي بالثائر والمثقف العف محمد جلال احمد هاشم نزعت مني ذاك الوهم وأكدت لي أنني بحاجة لأدخل مدرسة المثقف الواهب ثقافته لمواطنيه دون خيلاء كاذب..مدرسة النوبي الأصيل والسوداني الأكثر أصالة محمد جلال هاشم.
في معتقلات السودان _ويشرفني أنني كنت نزيلها - يلتقي ضباط وعسكر السجون وبعض نزلاس السجن يلتقون بأمثال محمد جلال هاشم؛ وتكون النتيجة دائما هي أن تتنزل الثقافة كمفهوم إنساني نضالي وأخلاقي إمن برجها العاجي إلى أرض الواقع، وتتزود زنازين السجن وطوب حائطه بالضخ المعافى لرسالة المثقف حين يكون دخوله إلى زنزانة السجن شرفا يتمناه كل شريف ، وشمسا يعجز صغار الآلهة وحائط السجن عن حجب ضيائها.
|
|
|
|
|
|
|
|
|