|
Re: يوميات واقف في سوق واقف...................................2010 (Re: محمد فضل الله المكى)
|
.. . مرت أمامي كنسمة خريفية..رشيقة ورقيقة..تابَعتها عيناي بانجِذاب لم تعهداه....جُرأة نظراتها حفَّزت جُرأتي المُتحفِّظة فتبعتها....دخلت محلاً للعطور لم أتوانى في اقتحامه.... وجدتها تستنشِق عطراً أعرِفه..كُلوِّي.. إستثمرتُ الفرصة التي كانت مواتية وخاطبتها بإنجليزيةِ حميمة طالباً مساعدتها في اختيار عطر سأهديه بمناسبة العام الجديد.... لم تسأل لِمن..رحَّبت بسخاء وبدأت تسأل البائع عن بعض العطور....كنالي....idialy....شاريول...إختارت عِطراً لا يُقاوم...قُلتُ لها إن اختيارها رائع لكونها رائعه..إبتسمت مُستحسِنةً إطرائي.. حافظتُ على التواصُل وسألتها إن كانت من أمريكا الجنوبية؟
ـ من أسبانيا أنا. قالتها بوجهٍ مُشرِق وإبتسامة لا ينمحي تأثيرها على من يتلقاها.... لم أبتعد كثيراً في توقُّعي فتأثير الأسبان في أمريكا اللاتينية لا تُخطئه العين....الأسبان كانوا هناك وعندما خرجوا تركوا ثقافتهم وراءهم.
من أشبيلية (زادتني علماً). شردت الذاكرة للماضي البعيد تستعيد شريطاً اختزنته..السفن تتزاحم في المتوسط وقد سدَّت أشرِعتها الأفق وهي تقتحم لُجَّتِهِ في إتجاه الشمال..طارق بن زياد في مقدمة سفينة القيادة شاهراً سيفه بإشارة التقدم. .... لن يُعيد التاريخ نفسه..إنها مجرد شطحة خيال أفرزتها أحلام يقظة.. سألتها حين أفقت:
قُلتُ يا حسناءُ من أنتِ أيُّ دوحٍ أفرعَ الغُصنَ وطالا ؟ فَرَنَتْ شامِخةً أحسبُها فوق أنساب البرايا تتعالى وأجابت أنا من أندلُسٍ جنَّة الدُنيا سهولاً وجِبالا وجدودي ألْمحَ الدهرُ على ذكرهم يطوي جناحيهِ جلالا هؤلاءِ الصِيدُ هم قومي فانتسِب إن تجِد أكرم من قومي رِجالا
أطرَقَ القلبُ وغامتْ أعيُني .... بِرُؤاها وتجاهلْتُ السؤالا
............................................... أبو ريشة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يوميات واقف في سوق واقف...................................2010 (Re: محمد فضل الله المكى)
|
.. . الأندلس .. ذلك الفردوس المفقود الذي ظل يبكيه الشعراء والأدباء وكتاب التاريخ.. عهدٌ وردي لن يتكرر, ذلك العهد الذي كان فيه الأندلسيون الجدد يغسلون ثيابهم بزهر الليمون ويعطرونها برزاز الخُزامِي.
حُمى إقتفاء آثار صُناع ذلك المجد ترتفع حرارتها تاره وتنخفض تارتين , بحثاً عن شواهد تحكي عن الماضي علها تعيد الدماء لزاوية في الذاكِرة تكلَّست بفعل النسيان.. لن تعود عجلة الزمن للوراء ولن يعيد التاريخ نفسه. أسبانيا هي أسبانيا وقد تراجع عنها المسلمون إلى قواعدهم غير سالمين. ..كِدْتُ أفقد ذلك التواصُل نتيجة غيبوبة إسترجاع الذاكرة....عزمتها على فنجان قهوة استبدلتها بالآيسكريم حين انزوينا بكافترياhagen daz ..عندما جلست دونا ماريا قُبالتي كان الهواء حليفي فامتلأت رئتي بعبير عطرها الأنيق وامتلأتُ سعادةً حين عرفت إنها مدرسة للتاريخ....تحدثنا في أمور شتى متنافرة..الطقس المعتدل هذه الأيام,حبها للشرق ,الفكر الخلاق الذي أعاد الحياة لسوق واقف. عُدتُ بها لأسبانيا عندما سألتها سؤالاً مباشراً:
ـ ماذا ترك العرب والمسلمون هناك ؟ في أسبانيا أعني؟ ـ تركوا ساحة السباع في الحمراء وجامع قرطبة و العديد من الأماكن والمدن التي تحمل أسماء عربية قد تكون شابتها لكنة أسبانية.. تركوا قصور كثيرة ومساجد لا تُعد وأضرِحة, فضلاً عن ذلك بقيت إبداعات لشاعرات مجيدات..ولادة بنت المُستكفي,نزهون الغرناطية ومُهجة القرطبية..وشعراء مجيدين من أمثال إبن خفاجة وابن زيدون وغيرهم كُثر.
أذهلني حديثها الذي باغتني كالسيل المتدفق من عِلْ، كان حديثها جريئاً وصادقاً, لم تدفعها أسبانيتها للتسويف!
لم يبق من أسبانيا منها ومن قصورها الثمانية غير الذي يبقى من الخمر بجوفِ الآنيه ما زال في سوادها ينامُ ليل الباديه لم يبق من قُرطبة سوى دموع المئذنات الباكيه
.................................نزار قباني
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يوميات واقف في سوق واقف...................................2010 (Re: محمد فضل الله المكى)
|
: : الحوار مع دونا ماريا مُتعة لا تدانيها مُتعة..تواصل حديثنا عن تأثير العرب والمسلمين في أسبانيا...قلت لها:
ـ لقد تركوا مزيجاً فريداً هناك..عربي,بربري,غجري..أجزم أنَّكِ من نتاج ذلك الإختلاط الفريد....فاجأتها!
ضحكت بكل سنتمتر مربع من جسدها وهي ترجع بكرسيها إلى الوراء..خللت شعرها الفاحم المنساب وراءظهرها بأصابعها...تماسكت سريعاً مستعيدةً رباطة جأش أستاذة التاريخ وقالت:
ـ نعم....لقد ترك العرب والمسلمون ملامحهم وإن ذهبوا بدينهم..عندما خرج المسلمون من أسبانيا خرجت معهم اللغة وخرج معهم الدين....ذلك بعكس ما حدث لنا نحن الأسبان في أمريكا اللاتينية، فعندما خرج أجدادنا من هناك تركوا لغتهم وتركوا ثقافتهم..بل ودينهم... لغتنا ما زالت سائدة هناك تربطنا بتلك البلاد وإن باعدت بيننا الجغرافيا. ـ ولكن العرب والمسلمون لم يخرجوا باختيارهم؟ ـ نعم.... هذه القسرية اجتثت معها الثقافة والدين ولكن النُصُب التذكارية والنقوش والكتابات العربية البديعة مازالت تزين الجدران..القصور والمساجد مازالت موجودة..الملامح والسِحنات العربية تجدها في بعض نواحي أسبانيا.
الكمنجات تبكي مع الغجر الذاهبين إلى الأندلس الكمنجات تبكى على العرب الخارجين من الأندلس الكمنجات تبكي على زمنٍ ضائعٍ لا يعود الكمنجات تبكي على وطنٍ ضائعٍ(لن) يعود
غناء مارسيل خليفة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يوميات واقف في سوق واقف...................................2010 (Re: محمد فضل الله المكى)
|
: : كان لنا لقاء مع دونا ماريا في كافتريا الماندرين بسوق واقف، الحوار مع دونا ماريا مُتعة وإذا كان في التاريخ الأندلسي يصير أكثر إمتاعاً.... سادت بيننا لحظة صمت..أصطادتني أسترق النظر إليها.. لص مع سبق الإصرار والترصُد بالجمال الأندلسي..إبتَسَمَتْ....إبتَسَمتُ.
مررتُ بأكثر من موقف (مَطَبْ) بسوق واقف.. الكاميرا التي تلازمني دائماً تعطي حاملها مظهر الصحفي الفضولي أو السائح الذي يحرص على تسجيل ذكرياته أو الهاوي الذي يبحث عن لقطة وليدة صدفة قد لا تتكرر....كثيرون من زوار السوق يحملون كاميراتهم ويسجلون لقطات غاية في الإدهاش.
ليست هنالك مشكلة في أن تطلب من سائحة جميلة أخذ صورة لها أو معها,فهنا يسرح الجمال كما تسرح الظباء في براري كردفان في مواسم الخريف المبللة بالرزاز حيث تأتيك رائحة الدعاش ندية وعطِرة.
أسير غزال فوق القويز كلام غزل معسول لذيذ كلمات عتاب من زولاً عزيز سالت بحر شال القليب في كردفان
فضيلي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يوميات واقف في سوق واقف...................................2010 (Re: محمد فضل الله المكى)
|
: : ضمتنا جلسة في محل ام عبدالعزيز بائعة المأكولات الشعبية.... ٌقلتُ لدونا ماريا:
ـ يستهويني الرقص الذي يعتمد على إيقاع الأرجل..الفلامنكو عندكم والدبكة اللبنانية....العديد من رقصاتنا الشعبية في السودان تعتمد على الأرجل في ضبط إيقاعها، فعلى سبيل المثال تجدين رقصة الكمبلا ورقصة الكيسه عند قبائل النوبة، كما تجدين المردوم والدرملي عند قبائل البقارة، بل وحتى غناء الشايقية تجدين فيه للأرجل دوراً....إيقاع الأرجل يعكس جماليات الحركة ويرتفع بحرارة الإحساس بالزمان والمكان والمناسبة.
اعتدلت دونا في جلستها وقالت:
ـ إذا كنت تشاهد رقص الفلامنكو لأول مرة فقد تكون البداية آلية في نظرك ولكن قليلاً قليلاً تسري كهرباء الرقصة في جسدك.. الفلامنكو يعتمد كلياً على الحركة عالية الإنتظام والدقة،التي تجعلك تُحِس بالدفء يتسرب إلى جسدك رويداً رويدا حتى تبلغ ذروة الإنسجام مع الرقصة،لتتمنى أن يستمر المشهد بلا نهاية..الفلامنكو ثقافة جسد تُعبِّر عن الثقافة الأسبانية فهو يتميز بالحرارة والحركة والحيوية.
لم نشعر بالوقت وقد قطعنا! أربعة ساعات لم تعرف الملل ولم ينقطع الحديث وأم عبدالعزيز لا تترك الطاولة التي أمامنا من فطائرها المحلاه بالعسل ...... انشغلت دونا ماريا بشيءِ ما في حقيبتها الكبيرةالتي تحملها دائماً، والتي تجعلك تظن أنها تحمل فيها كل ممتلكاتها.....ثيابها وكتبها وعطرها...أخرجت بعض الصور التي تبرز جمال العمارة الإسلامية في بعض مدن الأندلس....بعض المشاهد كأنما التُقطت من سوق واقف قالت إنها من غرناطة.
لما اتصلتِ اتصال الخِلْبِ بالكبِدِ....ثم امتزجتِ امتِزاج الروحِ بالجسدِ ساءَ الوشاةُ مكاني مِنْكِ واتقدتْ....في صدرِ كُلِّ عدوٍ جمرة الحسدِ فليسخطِ الناسُ لا أهدي الرِضا لَهُمُ....ولا يضِع لكِ عهدٌ آخر الأبدِ لو استطعتُ إذا ما كنتِ غائبةً....غضضْتُ طرفي فلم أنظُر إلى أحدِ
إبن زيدون
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يوميات واقف في سوق واقف...................................2010 (Re: محمد فضل الله المكى)
|
: : : نلتقي مع دونا ماريا ونفترق لنلتقي مرة أخرى في مسرح لِقاءاتنا...سوق واقف، تسعد دونا عندما تسترجع ذاكرة التاريخ الأندلسي.... تطلق للحديث العنان فيتمنى من يستمع إليها أن تسترسل بلا نهاية.
قالت هنا الحمراءُ زهو جدودنا فاقرأ على جُدرانها أمجادي أمجادها!ومسحتُ جُرحاً نازفاً ومسحتُ جُرحاً ثانياً بفؤادي ياليت(فاتِنتي) الجميلة أدركت إن الذين عنتهُمُ أجدادي عانقتُ فيها عندما ودعتها.... رجلاً يُسمى طارق بن زيادِ
_________________________نزار قباني
| |
|
|
|
|
|
|
|