|
عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب
|
بواسطة عبد الحميد البرنس مشاهد أخيرة من حياة سامي سالم 51 2742 عبد الحميد البرنس 16-10-07, 05:16 م بواسطة عبد الحميد البرنس رحم الله سامي سالم رحمة واسعة [ 1 2 ] 149 3513 عبد الحميد البرنس 22-09-07, 01:59 م بواسطة خدر رحم الله والد الزميل عبدالحميد البرنس [ 1 2 ] 185 4473 elsharief 20-12-06, 07:07 ص بواسطة تماضر الخنساء حمزه أبوجهينة.. عالم قصصي بديع عماده المحبة: 65 928 عبد الحميد البرنس 09-10-06, 04:37 ص بواسطة ابو جهينة إلهام... [ 1 2 ] 172 8947 عبد الحميد البرنس 15-06-06, 01:14 ص بواسطة مجدي شبندر إشراقة مصطفى حامد: يا آل كوستى ومحبيها.... تعالوا نشق نهرا فى قلب المدينة 68 2127 عبد الحميد البرنس 12-05-06, 08:38 ص بواسطة الجندرية رسالة حب للعالم 94 1654 عبد الحميد البرنس 19-04-06, 04:02 م بواسطة elham ahmed الشيء.. 26 779 عبد الحميد البرنس 14-02-06, 03:53 م بواسطة عصام عبد الحفيظ سجيمان 91 4530 عبد الحميد البرنس 02-02-06, 04:08 ص بواسطة طارق جبريل يا أنيس الحسن.. يا عالي المكانة.. ! 25 1130 عبد الحميد البرنس 18-01-06, 02:29 م بواسطة Dr.Mohammed Ali Elmusharaf تأملات في عالم "سي جي" الساخر 53 3121 عبد الحميد البرنس 10-01-06, 02:36 ص بواسطة Hani Abuelgasim بعد التحية.. إلى الأستاذة نجاة محمد علي [ 1 2 3 ] 205 5914 عبد الحميد البرنس 30-12-05, 07:20 م بواسطة عبد الحميد البرنس الحاجة الماسة إليها.. 19 3267 عبد الحميد البرنس 27-12-05, 00:04 ص بواسطة عبد الحميد البرنس أشكر المهندس بكري لكرم لا أستحقه 17 1569 عبد الحميد البرنس 13-12-05, 08:50 م بواسطة عبد الحميد البرنس إحترام [ 1 2 ] 102 4374 عبد الحميد البرنس 05-12-05, 04:57 م بواسطة Abdalla Hussain تعرفونهم من كتاباتهم: (الطيب صالح.. صالح وطيب وإنسان)! [ 1 2 ] 134 7846 عبد الحميد البرنس 25-11-05, 04:35 ص بواسطة عبد الحميد البرنس القطاع ( تأملات حزينة ضاحكة في وجوه الهزيمة والرحيل) 25 1383 عبد الحميد البرنس 13-11-05, 07:43 م بواسطة عبد الحميد البرنس كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز 49 3802 عبد الحميد البرنس 12-11-05, 07:16 م بواسطة عبد الحميد البرنس إعادة جذرية لرواية عنوانها: (السيرة العطرة للأمنجي السابق) [ 1 2 ] 137 6110 عبد الحميد البرنس 27-10-05, 09:45 ص بواسطة عبد الحميد البرنس أهلا أيها الوطن الجميل [ 1 2 ] 120 3886 عبد الحميد البرنس 22-10-05, 04:49 م بواسطة عبد الحميد البرنس الأمنجي السابق وصاحبه الخليفة بدري ما بدري 3-5 53 2391 عبد الحميد البرنس 22-10-05, 03:17 م بواسطة عبد الحميد البرنس الآن أتكلم بعد أن مر وقت من عواصف المنابر 54 3546 عبد الحميد البرنس 07-10-05, 06:24 م بواسطة عبد الحميد البرنس أين حدود الفوضى والنظام.. سؤال لنقاش عام.. حال "المنبر العام" نموذجا. 37 1538 عبد الحميد البرنس 26-09-05, 01:43 ص بواسطة عاطف حسن وجوه من رحلة التعب [ 1 2 ] 107 4623 عبد الحميد البرنس 18-09-05, 03:24 م بواسطة عبد الحميد البرنس أنا حزين الآن كما لم يحدث لي ذلك من قبل 19 1650 عبد الحميد البرنس 12-09-05, 08:46 ص بواسطة عبد الحميد البرنس الحنين إلى شيء يدعى الطعام 37 1708 عبد الحميد البرنس 09-09-05, 11:47 م بواسطة waleedi399 في الحب والحنين (مساحة حرة) 87 1564 عبد الحميد البرنس 06-09-05, 07:24 م بواسطة عبد الحميد البرنس الأمنجي السابق وصاحبه الخليفة بدري ما بدري 2 - 3 55 2015 عبد الحميد البرنس 03-09-05, 12:38 م بواسطة عبد الحميد البرنس بيدي لا بيد عمرو هذه المرة.. 22 1880 عبد الحميد البرنس 26-08-05, 06:51 م بواسطة عبد الحميد البرنس لكنكم قلتم ما بشاشا سوى كذاب أشر.. يا لكم من عقلانيين عرب! 87 2900 عبد الحميد البرنس 19-08-05, 11:48 ص بواسطة عبد الحميد البرنس الأمنجي السابق وصاحبه الخليفة بدري ما بدري 52 2269 عبد الحميد البرنس 16-08-05, 04:40 م بواسطة عبد الحميد البرنس ما الذي ينشده البشر (من كتاب الحكم المتفرقة)؟!. 25 1214 عبد الحميد البرنس 02-08-05, 08:35 م بواسطة عبد الحميد البرنس كنت أبحث عن سبب وجيه للبكاء 19 1365 عبد الحميد البرنس 01-08-05, 05:00 م بواسطة على عمر على كنت أشاهد الملايين عبر شاشة الفضائية.. 6 1444 عبد الحميد البرنس 01-08-05, 08:08 ص بواسطة عبد الحميد البرنس كنت في رحلة داخل كندا استغرقت أياما.. 94 3199 عبد الحميد البرنس 27-07-05, 09:54 م بواسطة عبد الحميد البرنس والسؤال: أهي رؤى يسارية.. أم أفكار حديثة زائفة منتجة بعقل قديم.. 62 3412 عبد الحميد البرنس 26-07-05, 07:23 م بواسطة عبد الحميد البرنس دعوة للتأمل في وضعيتي السجن والمنفى (إلى خطى الخواض كمشاء بين الناس والثقافات)!.. 47 1928 عبد الحميد البرنس 19-07-05, 06:44 ص بواسطة عبد الحميد البرنس في مقاربة الفعل السياسي عربيا.. دعوة أخرى لحوار هادف! 22 1469 عبد الحميد البرنس 07-07-05, 06:19 م بواسطة عبد الحميد البرنس القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. 22 1929 عبد الحميد البرنس 04-07-05, 04:26 م بواسطة عبد الحميد البرنس سلطة الحزب.. أوالجماعة في مواجهة الفرد.. من هنا تبدأ الأعمال الجليلة في التكون!.. 9 1342 عبد الحميد البرنس 04-07-05, 00:27 ص بواسطة عبد الحميد البرنس مقطع من سيرة العابرين 0 722 عبد الحميد البرنس 29-06-05, 08:10 م بواسطة رواية لحرب بعيدة جدا 6 1069 عبد الحميد البرنس 29-06-05, 04:34 م بواسطة عبد الحميد البرنس أنصاف مواهب.. عقبات مزمنة.. طموحات كبيرة ووسائل محدودة.. وأنفس مهترئة بمشاعر سلبية كالحسد!. 44 3197 عبد الحميد البرنس 18-06-05, 11:00 م بواسطة عبد الحميد البرنس من (كتاب القاهرة الطيبة) - 1 5 1219 عبد الحميد البرنس 15-06-05, 02:38 ص بواسطة عبد الحميد البرنس فضاء يصلح للتنفس سرا.. 2 1044 عبد الحميد البرنس 10-06-05, 10:45 ص بواسطة عبد الحميد البرنس إني لأجد ريح نهلة.. 37 3119 عبد الحميد البرنس 09-06-05, 05:13 م بواسطة عبد الحميد البرنس زاوية لرجل وحيد في بناية.. 20 1542 عبد الحميد البرنس 09-06-05, 08:31 ص بواسطة عبد الحميد البرنس
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
بقلم : عبدالحميد البرنس ________________
غادر الرصيف، ومشى ببطء بين الورش ومكاتب المفتشين ذات الطابع الاستعماري القديم، ثم انحدر شرق مساكن عمال السكة الحديد الحمراء الكابية، رويداً رويداً زاد من سرعته، واندفع بُعيد مطاحن الغلال، مخترقاً حقول الرز المغمورة بالمياه وجسر الحديد المقام على نهر صالحين، وما إن توغل داخل عشب السهل الاصفر الحائل ذي الفجوات الحجرية الواسعة، حتى اجهش بالبكاء بين وجوه المسافرين الساهمة وراء الاجمة المتناثرة من اشجار السنط، حيث تشرئب منذ قديم الازل سلسلة جبال العاديات، ملقية في نفس الرائي بذرة الشعور بالضآلة او الفناء، وقد بدا لصمتها الثقيل الموحش على رغم زلزلة القطار الهادر وكأنها لا تزال تصغي لاحلام المهدي بغزو العالم في زمان لن يعود.. البتة. كانت الشوارع الجانبية المُتربة خالية أو تكاد، كان يتقدمه شقيقه الذي يصغره بنحو عامين، دافعاً الدراجة عبر التراب الكثيف الموحل، "هذا ما يدعونه فراق الوطن"، قال في نفسه، ثم واصل السير، مختزناً في ذاكرته ما تبقى من الأماكن الاليفة الآخذة في التراجع عكس ايقاع خطواته، وبينما كان يتأمل اهتزاز شنطته "الهاند باك" المربوطة الى سرج الدراجة الخلفي بحب وعناية كبيرين، ادرك بكثير من الأسى ان سنواتهما القليلة التي عاشاها معاً كشقيقين قد ضاع معظمها في خضم النزاعات اليومية الصغيرة، آنئذ، هرع اليه، ود فقط ان يقول له بكل بساطة لا يمنحها للناس عادة سوى الرحيل او الاحساس الغريزي بدنو الخطر: "لو تدري يا أخي العزيز كم احبك" لكنه كان قد وضع الدراجة بعد مشقة على طرف الشارع الرئيسي المسفلت، واعتلى سرجها الامامي، مشيراً اليه وهو يأخذ وضع الانطلاق، بالركوب، يكاد الآن يحس بدفء انفاسه اللاهثة وراء اذنيه، وهو يردفه امامه صوب محطة القطار القريبة من دون كلمة واحدة. كانت تشير الساعة الى السادسة وخمس وعشرين دقيقة وثوان، عندما اطلق صافرته الحزينة الممطوطة، وغادر الرصيف، مُفتتحاً فصول رحلة لا يعلم إلا الله متى وكيف تنتهي؟!. في قادم الايام... الشهور... او السنوات، سيفكر في ذات الاماكن الاليفة، سيحكي عنها، وسيزورها اثناء النوم، يتردد اليها، يتلمسها بحنو يكلم في داخلها الوجوه التي احب، يستمع الى رنين ضحكته المفقودة، ثم يركض... ويركض... ويركض كعهد طفولته في الشارع ذي التراب الكثيف الموحل الذي يشهد خطواته الاخيرة الآن، قبل ان يصحو من نومه متوحداً أو فزعاً او ظامئاً او مجهداً بين جدران غرفة السطح المؤجرة في بناية قديمة تطل على احد شوارع القاهرة في كآبة، سيلازمه هذا الحلم كظله، وسيتكرر حتى خلال نومه النهاري القصير المتباعد الى أن يشرع أمام سيل الخيبات الذي لا يرحم في التأكد داخل الحلم نفسه ان ما يراه ليس حلماً، بل الحقيقة. هناك، أمام باب الحوش، قبل دقائق قليلة، ودع والده "وداع رجل لرجل". السائل المائي الحارق، أخذ يتصاعد الى عينيه فور ان انفلت من حضن امه، وكثيرة هي الدموع التي ذرفنها شقيقاته في اعقابه، كذلك بدأ السير، مقتفياً آثار شقيقه الى الشارع الرئىسي المُسفلت حيث انطلقا بالدراجة صوب محطة القطار القريبة من دون كلمة واحدة. لقد كن ذات الشقيقات، اللائي سيغرقنه في سنوات غربته الاولى بالرسائل، راسمات على حوافها الزهور الذابلة والقلوب التي حطمها البعد، ذاكرات من سطر لآخر ان بهن من الاشواق اليه ما يكفي لهدم جبال العاديات وتجفيف نهر صالحين وحرق غابات السنط النضيرة، وقتها كان ولا يزال منغمساً في سعيه الحثيث خلف طموح ظل مطموراً في اعماقه السحيقة، فكشف عنه الرحيل مثلما يكشف عن نفسه على حين غرة البركان الخامد أو الزلزال المدمر. يا إلهي... لماذا لماذا... لماذا تبقى اللحظات الاخيرة من علاقاتنا نحن البشر محفورة في تلافيف الذاكرة الى هذه الدرجة من العمق او الثبات"، تساءل ذات نهار قائظ بعيد اسفل تمثال رمسيس، وإذا احس في ما يشبه الكشف المتأخر بوجود اشياء في العالم مثل حضن الأم لا يعوض عن غيابها الزمن، ادرك للمرة الاولى حجم الفراغ الذي احدثه في نفسه رحيل والده قبل سنوات من غير أن يتاح له حتى عزاء ان يحمل النعش الى مثواه الاخير؟. عند منحنى الشارع ذي التراب الكثيف الموحل، توقف دفعة واحدة واستدار، بالكاد رفع يده اليمنى، لوح مودعاً، كان المشهد العائلي قد بدأ بالفعل في التشتت مرة وإلى الابد. آنذاك، رأى والده، ومسبحته الحجازية، ناظراً الى وجه الارض في شرود، والشقيقات الثلاث، اللائي سينقطعن تباعاً عن كتابة الرسائل من طرف واحد ظل يبث طويلاً لواعجه الاخوية بلا جدوى، مازلن ملتفات حول ابتسامة امه، يلوحن له بأيديهن الست، وقد بدون كأغصان شجرة.. هزتها رياح ذلك الصباح التي بدأت تنشط شيئاً فشيئاً... والتي ستمحو بعد قليل آثار اقدامه على ظهر الشارع المترب... لا محالة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
Quote: كاتب من الطبقة الأولى |
يا عم عثمان الكلام دا بجيب لي أخوك الهوا. الهوا جميل لأن من أجمل الحاجات في الدنيا دي: الكتابة تحت ضغط. موش الكتابة بس. كل عمل تقريبا. الحكاية ببساطة ممكن تلقاها في الحكمة دي: كاتب جاد ولا ما جاد. عمنا تومس أديسون بعد ما وصل بإختراعاتو لألف و93 قال ليهم والله يا جماعة الحكاية كلها ما بتمرق من المعادلة دي: 1% عبقرية و99% جهد وعرق. وحكاية جاد ولا ما جاد دي تفسيرها: أدوات + رؤية للعالم + منهج عقلاني لبناء الرؤية دي. الحكاية التانية يا عم عثمان قلتها مرة في بوست القصة في الكلام عن أخونا محسن شفاه الله ورجع بالسلامة: التخصص والتركيز في حاجة واحدة. يعني حكاية شاعر وباحث وأديب وصحفي وحزبي ولوا بالمعاش وهلمجرا أصبحت من زمان زي ما بقول عبدالصبور في خبر كان. أومن سمات التخلف لا التقدم. جماعة (أنصار السنة والبلاغ) بقول ليك واحد عندو 3 صحبان، قال للأول أنا عايزك تمشي معاي المحكمة قال ليهو لا، الصاحب التاني طلع زي الأول، أما التالت دا فقال يا زول ابشر تب أنا أمشي معاك لأي حتة، أها الجماعة قالوا الأول هو المال والصاحب التاني هو الأهل، أما التالت دا فهو العمل الصالح يذهب معك حتى إلى القبر أوالمحكمة. التاريخ لا يصنعه المذيفون. ومثال الجماعة إياه ذكرته للوصول لحقيقة مفادها حسب بورخيس: "في مجال الكتابة لن يسعفك أحد". عموما الكتابة لدي هي موقف من العدم. وهذا عصمني من أن أكون المليك على أوجه البهجة المستعارة حسب صديقي دنقل. الألقاب يا عثمان أخي لا تهمني عادة أولا أتوقف عندها. إذا كان المفهوم عن الكتابة كذلك أتصور أن كل تلك الحسابات الآنية تسقط وتنتهي. محبتي وتقديري لكل هذا النبل.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
أبوجهينة كاتب يتميز بثراء الموضوعات كما ونوعا, فقصصه تصور مقاطع من حياة شخصيات تنتمي إلى خلفيات مجتمعية وثقافية مختلفة, شخصيات حية تعبر عن ذاتها بخطاب يناسبها ويحدد وعيها وموقعها في العالم ولا يفرض عليها تصورات تجعل منها مجرد دمى ميتة أوأقنعة تكمن وراءها أفكاره هو الذاتية, ففي قصة:
الشريط ...
نطالع شخصية علوية, وهي شخصية نجح أبوجهينة ببساطة آسرة في أن يجعل منها نموذجا إنسانيا بالغ الدلالة على تشوقات البشر الأبدية للحب والأمان والدفء في عالم شديد القسوة تنكسر الأحلام فيه عادة على عتبة الواقع الصلبة وما يسببه ذلك من تشوهات وجراحات نفسية لا يخفف من وطأتها مرور الزمن. وقريبا من هذا النموذج, تطالعنا شخصية الراوي في قصة:
سارا .. و الموشوم على الجبين
حيث نلمس ذلك الخيط القدري الذي يصنع مصير الشخصية, سواء في حدود مقاومتها الهشة كما في حالة علوية, أوفي حدود الإقرار بقصورها في مواجهة أحداث ماضية كما في حالة الراوي المشار إليه, ف(سارا .. و الموشوم على الجبين) نص سردي جميل يعبر في وجه عن مأساة عالم لكائن بشري (حر) خارجيا (مكبل) داخليا. ليس بمقدوره التعاطي مع العالم المختلف أوالخارجي من منطلق حقيقة تؤسسها لحظة آنية (مختلفة عن حصيلته المعرفية المتكونة لديه منذ الصغر). ثمة شيء ثقيل وغامض قادم من التاريخ أوالعادات كشبح يكبت بركان مشاعر الرجل تجاه المرأة على نحو يصل إلى القاريء في شكل إيحاء. لكن السرد الذي يتم على خلفية شفيفة من الإعترافات الصادقة يبدو كفعل خلاق لذلك الكائن نحو تحرره أوإعادة بناء ذاته على نحو أكثر إنسانية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
عبدالحميد البرنس كاتب من الطراز الأول وهو عالي الإحساس طوع الكلمات حيث ما أراد ويتمتع بخيال جميل خصب ، نأمل يا برنس عدم التوقف عن الكتابة ، وكما أدعوك إلى زيارة مهد الصبا والفكرة التي خمرتها في ذهنك ونفذها أخونا عصام دهب ونحت نقترب من الإحتفال بالميل المئوي خلال أيام قليلة تعد على اليد نتوقع زيارتك لينا في بوستك العزيز - ناس الزقازيق أجدع ناس ،،،
شكراً أخي عثمان ، البرنس يستاهل .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: ميسرة سيد أحمد)
|
Quote: نتوقع زيارتك لينا في بوستك العزيز - ناس الزقازيق أجدع ناس |
عزيزي ميسرة:
لم أنقطع يوما واحدا. زياراتي لرؤية تلك الوجوه الأليفة تتم حتى الآن في صمت. الصمت يسمح لي ببعد كاف للتأمل والملاحظة وتعديل الصورة التي في ذهني للزقازيق. ناهيك عن متابعة التطورات اللاحقة لزملاء وزميلات أفرد لهم مساحة في داخلي. الزقازيق كمكان يتمدد في مسودة روايتي "إنسان المكان". وإذ أشكرك لكل هذا البهاء في حق أخيك؛ هنا بعض من ملامح تلك المسودة:
...... ......... ...............
آنذاك لم أتبين مدى حزنه جيدا.
إذ ضحكت مرة أخرى وأنا أتذكر تفاصيل ذلك الفخ المحكم الذي لم تشهد مثله جامعة الزقازيق من قبل.. والذي عكفت على حياكته بصبر ودأب أيام طوال إلى أن غدا في جمال فكرة خارجة من رأس شيطان عزب له سبعة قرون من الوحدة والكبت والظمأ.. ضحكت وأنا أتذكر أنين حمامة المدرج البيضاء الخافت ذلك المتناهي أسفل وطأة اللذة كرنين أجراس الكنائس البعيدة.. ضحكت وأنا أتذكر ملمس ذلك الشعر الحريري المنسدل فوق كتفيها العاريين مثل خيمة أعرابية مطهمة بالخمر والشواء ونمير الرغبة المتحققة.
سوى المكتبة.. أروقة الكلية.. المدرجان.. وقاعات الدراسة الصغيرة المزدحمة.. كان لا شيء يجمع بيني وبينها. كانت شديدة التدين برغم جمال سفورها الفاتن المستفز. كنت أتقمص بعض آراء سيف الدين المبارك المارقة. وكان لا بد من النفاذ إلى ما وراء فترينة العرض الأوربي المتحرك بين جدران الحرم الجامعي بحزم حتى لو تجمعت أحذية الزقازيق فوق رأسي العملية الحالمة. وقد كان.
آن تلك البداية:
كان شهر نوفمبر يسكب بعيد آذان فجر بعض دموع الشتاء مودعا العالم كعادته الأزلية في برود. كانت شمس الضحى التي أعقبت سقوط ذلك المطر الخفيف تلف الأجساد الشابة حذاء نوافذ القاعات الزجاجية وأمام مبنى الكلية ذي اللون الأصفر المقاوم لتقلبات الفصول أوالزمن.
كنت أتجاوز منحنى الطرقة الأرضية الأسمنتية الباردة الطويلة الرطبة.. التي حوت في عمق جانبيها بعض مكاتب الإدارة والمعيدين وأمن الكلية.. عندماا وجدتني مدفوعا نحوها في تلك اللحظة الحاسمة عبر قوة قدرية غامضة لا قبل لي بها البتة. كانت تقف بعيد باب المدرج الغربي بين محاضرتين متباعدتين كساقي قصيدة عمودية تداعب سلسلة الصليب المذهب الساقط عادة صوب مفرق النهدين الضيق العميق.
وكأن لا برد هناك.
كان لظى جهنم يستعر داخل سراويلي الناشفة حين غادرني صوتي الجاد الهامس المرتعش النبرات والذي بدا لي في تلك اللحظة ولسبب ما مثل رجل وثني يقبل صوب أعتاب دين جديد:
............ ...................
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: elham ahmed)
|
يا عثمان:
منذ أمد بعيد، أدركت بصورة أوأخرى أني صاحب طريق مختلف. نعم، كان لا بد لي أن أتريث كثيرا قبل أن يشيرا إليها، قلبي وعقلي معا، قائلين: "أيها المنفي الغريب، انتبه، ها هي، رفيقة دربك تتهادى نحوك الآن، كما لو أن الله يمسح من على رأسك كل تلك الأحزان".نعم، هذه (يا عثمان) أم عيالي محمد وأنيس (أبناء حب عظيم). امرأة إستثنائية تحثك لأن تسمو دائما نحو قمم تبدو للوهلة الأولى مستحيلة. نعم، تحثك نحوها في عليائها البعيد البعيد برقة زهرة وصلابة معدن نفيس. هكذا، لا أبدو كأولئك الناس الذين لا يشعرون بقيمة ما في يدهم سوى بعد فقد.هناك، في الفردوس، سأشكر الله على أنه منحني بنات حور، قائلا: تباركت أحسن الخالقين بيد أني لا اريد سوى إلهام رفيقة في وحشة هذا النعيم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
كتب البرنس أيام القاهرة في 2005م:
Quote: غنى
كان الشارع خالياً تماماً من المارة. كانت درجة الحرارة تلاحق نسبة الرطوبة في الإرتفاع. كنت أسير حذاء البنايات الأسمنتية العالية. فجأة، انشقت الأرض عن طفل شديد الهزال. "تشتري"، سألني. وقد مد نحوي علبة مناديل ورقية صغيرة. فتشت في جيوبي بتمهل. ثم نظرت إلى خطوط العرق المنحدرة من جبينه الدقيق. "لا توجد نقود"، أجبته. وشعرت بيده الخالية وهي تضغط برفق على يدي وتبتعد. |
4 أسطر و لكنها كاميرا بفلاش
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: ابو جهينة)
|
و أنت وسط كل هذا الأسى،تقف قبالة رأس الجزيرة،" أسيني بويني " يزحف مثل شيخ منهك،و " الريد ريفر " كالنيل الأزرق يندفع بمياهه المعتكرة إلى يسارك، و ليس أمامك من شيء آخر سوى إطلالة التجاني الطيب، تقفز إلى ذهنك فجأة،صورة هندي أحمر عجوز،أطل على ذات المشهد قبل ألف عام،ومن المؤكد أن خياله لم تطرأ عليه وقتها فكرة أن الحياة قد آلت إلى ماهي عليه الآن على جوانب النيلين. وهو الغريق في تأملاته تلك،يحكي التجاني الطيب قصة،لا أذكرها،وقد مضى على زيارته نحو أكثر من نصف عام،إلا على نحو ضبابي،قال إنه كان وقتها مجرد طفل صغير،يتخذ طريقه بمحاذاة قناة مائية إلى خارج القرية،بينما " سعف " النخيل يهفهف أعلى رأسه. هو الخروج إذن. رحلة إنسان بدأت. و لا يعلم إلا الله متى و كيف تنتهي. لكن المؤكد أن ما تبقى من ذلك الطفل هو قدرته على الحلم وإن اتخذ مسارات مختلفة، و الصراع ضد غول آخر يغذيه عزم لايلين أو ينفد ما تعاقب أجيال الحلم بغد أفضل، و كلمات الشاعر الجميل صلاح محمد إبراهيم تلوح مثل علامات بالغة الدلالةو منيرة مثل صوى الساري وسط ظلام الليل الحالك : " رباه .. إن ما هو أقسى من الألم .. ومن التعبير عن الألم ... ألا وهو التصميم على الوصول ".
( عبدالحميد البرنس مصور بارع )
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
واو ___ غادر الرصيف، ومشى ببطء بين الورش ومكاتب المفتشين ذات الطابع الاستعماري القديم، ثم انحدر شرق مساكن عمال السكة الحديد الحمراء الكابية، رويداً رويداً زاد من سرعته، واندفع بُعيد مطاحن الغلال، مخترقاً حقول الرز المغمورة بالمياه وجسر الحديد المقام على نهر صالحين، وما إن توغل داخل عشب السهل الاصفر الحائل ذي الفجوات الحجرية الواسعة، حتى اجهش بالبكاء بين وجوه المسافرين الساهمة وراء الاجمة المتناثرة من اشجار السنط، حيث تشرئب منذ قديم الازل سلسلة جبال العاديات، ملقية في نفس الرائي بذرة الشعور بالضآلة او الفناء، وقد بدا لصمتها الثقيل الموحش على رغم زلزلة القطار الهادر وكأنها لا تزال تصغي لاحلام المهدي بغزو العالم في زمان لن يعود.. البتة. كانت الشوارع الجانبية المُتربة خالية أو تكاد، كان يتقدمه شقيقه الذي يصغره بنحو عامين، دافعاً الدراجة عبر التراب الكثيف الموحل، "هذا ما يدعونه فراق الوطن"، قال في نفسه، ثم واصل السير، مختزناً في ذاكرته ما تبقى من الأماكن الاليفة الآخذة في التراجع عكس ايقاع خطواته، وبينما كان يتأمل اهتزاز شنطته "الهاند باك" المربوطة الى سرج الدراجة الخلفي بحب وعناية كبيرين، ادرك بكثير من الأسى ان سنواتهما القليلة التي عاشاها معاً كشقيقين قد ضاع معظمها في خضم النزاعات اليومية الصغيرة، آنئذ، هرع اليه، ود فقط ان يقول له بكل بساطة لا يمنحها للناس عادة سوى الرحيل او الاحساس الغريزي بدنو الخطر: "لو تدري يا أخي العزيز كم احبك" لكنه كان قد وضع الدراجة بعد مشقة على طرف الشارع الرئيسي المسفلت، واعتلى سرجها الامامي، مشيراً اليه وهو يأخذ وضع الانطلاق، بالركوب، يكاد الآن يحس بدفء انفاسه اللاهثة وراء اذنيه، وهو يردفه امامه صوب محطة القطار القريبة من دون كلمة واحدة. كانت تشير الساعة الى السادسة وخمس وعشرين دقيقة وثوان، عندما اطلق صافرته الحزينة الممطوطة، وغادر الرصيف، مُفتتحاً فصول رحلة لا يعلم إلا الله متى وكيف تنتهي؟!. في قادم الايام... الشهور... او السنوات، سيفكر في ذات الاماكن الاليفة، سيحكي عنها، وسيزورها اثناء النوم، يتردد اليها، يتلمسها بحنو يكلم في داخلها الوجوه التي احب، يستمع الى رنين ضحكته المفقودة، ثم يركض... ويركض... ويركض كعهد طفولته في الشارع ذي التراب الكثيف الموحل الذي يشهد خطواته الاخيرة الآن، قبل ان يصحو من نومه متوحداً أو فزعاً او ظامئاً او مجهداً بين جدران غرفة السطح المؤجرة في بناية قديمة تطل على احد شوارع القاهرة في كآبة، سيلازمه هذا الحلم كظله، وسيتكرر حتى خلال نومه النهاري القصير المتباعد الى أن يشرع أمام سيل الخيبات الذي لا يرحم في التأكد داخل الحلم نفسه ان ما يراه ليس حلماً، بل الحقيقة. هناك، أمام باب الحوش، قبل دقائق قليلة، ودع والده "وداع رجل لرجل". السائل المائي الحارق، أخذ يتصاعد الى عينيه فور ان انفلت من حضن امه، وكثيرة هي الدموع التي ذرفنها شقيقاته في اعقابه، كذلك بدأ السير، مقتفياً آثار شقيقه الى الشارع الرئىسي المُسفلت حيث انطلقا بالدراجة صوب محطة القطار القريبة من دون كلمة واحدة. لقد كن ذات الشقيقات، اللائي سيغرقنه في سنوات غربته الاولى بالرسائل، راسمات على حوافها الزهور الذابلة والقلوب التي حطمها البعد، ذاكرات من سطر لآخر ان بهن من الاشواق اليه ما يكفي لهدم جبال العاديات وتجفيف نهر صالحين وحرق غابات السنط النضيرة، وقتها كان ولا يزال منغمساً في سعيه الحثيث خلف طموح ظل مطموراً في اعماقه السحيقة، فكشف عنه الرحيل مثلما يكشف عن نفسه على حين غرة البركان الخامد أو الزلزال المدمر. يا إلهي... لماذا لماذا... لماذا تبقى اللحظات الاخيرة من علاقاتنا نحن البشر محفورة في تلافيف الذاكرة الى هذه الدرجة من العمق او الثبات"، تساءل ذات نهار قائظ بعيد اسفل تمثال رمسيس، وإذا احس في ما يشبه الكشف المتأخر بوجود اشياء في العالم مثل حضن الأم لا يعوض عن غيابها الزمن، ادرك للمرة الاولى حجم الفراغ الذي احدثه في نفسه رحيل والده قبل سنوات من غير أن يتاح له حتى عزاء ان يحمل النعش الى مثواه الاخير؟. عند منحنى الشارع ذي التراب الكثيف الموحل، توقف دفعة واحدة واستدار، بالكاد رفع يده اليمنى، لوح مودعاً، كان المشهد العائلي قد بدأ بالفعل في التشتت مرة وإلى الابد. آنذاك، رأى والده، ومسبحته الحجازية، ناظراً الى وجه الارض في شرود، والشقيقات الثلاث، اللائي سينقطعن تباعاً عن كتابة الرسائل من طرف واحد ظل يبث طويلاً لواعجه الاخوية بلا جدوى، مازلن ملتفات حول ابتسامة امه، يلوحن له بأيديهن الست، وقد بدون كأغصان شجرة.. هزتها رياح ذلك الصباح التي بدأت تنشط شيئاً فشيئاً... والتي ستمحو بعد قليل آثار اقدامه على ظهر الشارع المترب... لا محالة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
عزيزي عثمان:
أن يحتفي بعملي هنا على هذا النحو لهو أمر عند أكثر قيمة من ذهب الأرض جميعا. أشكركم مرة اخرى. ومن باب الشجون، ثمة مفاجأة تتبعها أخرى في ظرف أقل من عام من الآن على صعيد مسيرتي السردية. كل ما يمكن أن يقال في هذا الصدد أن رواية "الأمنجي السابق" سترى النور قبل رواية "إنسان المكان". دمت.
نحن ضحاياه لا نعلم له إسما محددا. كل ما نعلمه أنه حمل خلال حكم المشير فحل بلد أم تور جاموس الثالث عشر إسم "الأمنجي". وذلك قبل أن يحمل بعد سقوط ولي نعمته عند منتصف الثمانينيات تقريبا بثورة شعبية تمت سرقتها في المهد إسم "الأمنجي السابق". وإن حمل خلال طفولته كما يرى العارفون أسماء عديدة من بينها إسم "الناظر الرهيب". والمراقبون لاحظوا أيام جبروته أن صورته كانت تظهر في الصحف حاملة أسماء ورتبا مختلفة. كانت تلك الصور تظهر في العادة ضمن القائمة السنوية التي كان يصدرها مكتب المشير آنذاك لأمنجية أنجزوا خدمات للنظام تطلق عليها الصحيفة الوحيدة في البلاد دائما صفة "جليلة". لكن بعض الناس الذين نالوا حظا من علم النفس ينفون أن يكون الأمنجي السابق قد ظهر حتى ولو عابرا عبر جهاز إعلامي ما. كأن يقف كجزء ضئيل من خلفية مبهمة مكونة من آلاف الأوجه المجهولة أثناء تصوير المشير وهو يتفقد الجماهير في منطقة تشابه مدينة واقعية. ذلك أن للنظام مدن سرية تشبه المدن التي يراها التلاميذ في الخريطة أثناء حصة الجغرافيا. كان يدفع إليها بالكثير من الأمنجية وأسرهم ليلا ليستقبلوا المشير في الصباح كسكان أصليين على وجوههم آثار النعمة والولاء اللامحدود. وكان المشير لعدله يتجول بينهم بلا حراس إلى الدرجة التي كان يجلس معها على الأرض بين عمال الميناء بهيئاتهم النظيفة وأحذيتهم العسكرية السوداء اللامعة. ولأنه شهير بحب السيجار الكوبي الفخم كان هؤلاء العمال المزيفون يقدمون له سيجارا ثم يوقدونه بقداحاتهم الماسية وقد رسخ في وعيهم أنهم يقدمون بذلك صورة جذابة للعالم في الخارج تعكس درجة الرفاهية التي وصلت إليها البلاد في ظل حكومة المشير الرشيد. وكان أولئك الذين نالوا حظا من علم النفس يدافعون عن موقفهم بحجة أن ضحايا الأمنجي السابق ماينبغي أن يعتد بشهادتهم حين يتعلق الأمر بالسؤال عن أوصافه الدقيقة. ذلك أن ماأصابهم على يديه جعل بعضهم يهاب الخروج من بيته تحسبا أن يكون الأمنجي السابق قد تنكر وقتها في هيئة عمود للنور عند ناصية الشارع. وأكثر من ذلك أخذ أحدهم يتجنب زوجته في الفراش ظنا منه أن مايراه لم يكن سوى الأمنجي السابق متقمصا كافة تفاصيلها بعد أن تم إغتصابها ودفنها في مكان ما. حتى أن شفرات الغزل السرية بين زوجين لم تكن لتعيده إلى رشده بعد سنوات التعذيب الطويلة في السجن على يد الأمنجي السابق شخصيا. ومع أنه تجنب معاشرة زوجته في تلك الأحوال إلا أنه خلال ساعات اليوم الواحد لم يكن ليكف لحظة واحدة وبلا سبب من كيل المديح للمشير مؤكدا بصدق شديد تنكره لماض ثوري لم يدفعه إليه سوى الجهل وأولاد الحرام. لكن المرتابين ظلوا يسخرون في السر من كل تلك التأويلات "التي لا أساس لها في الواقع" على حد تعبيرهم. كانوا يستندون في ذلك على تاريخ الأفعال الصغيرة التافهة التي أشتهر بها الأمنجي السابق وسط مجموعات كبيرة من محدودي الدخل. لكن أكثر مايلفت الإنتباه من كل ذلك اللغط هو الإختلافات الحادة بين إفادات الضحايا خلال الأيام الأولى لتلك الثورة الشعبية حول لون عيني الأمنجي ومكانهما من رأسه المستديرة ككرة من المطاط. لقد دفعت القاضي أثناء محاكمة رموز نظام المشير إلى التشكيك بجدية لا تخلو من عطف في مدى مايتمتعون به من قوى عقلية. لقد كان من السهل للقاضي وقتها التصديق أن السماء أمطرت يوم ولادة الأمنجي السابق دما أحمر من وجود عينين في رأسه تبيتان كل ليلة في موضع مختلف ولون جديد. كان الأمنجي السابق مختفيا خلال تلك المحاكمات العلنية في مكان ما. وكان من نتائج ذلك أن قامت صحافة العهد الجديد حسب رواية الشهود بنشر صور لشخص مطلوب القبض عليه بألف هيئة من بينها صورة لمواطن بعينين أسفل ذقن حليقة. ويبدو أن المكآفات الكبيرة التي رصدت لهذا الشأن قد دفعت المواطنين إلى وضع النساء أنفسهن في دائرة الفحص والتدقيق. لقد كان بسطاء القوم في تطلعاتهم المشروعة للثراء يدافعون عن أنفسهم حين يبطحون سيدة ما على قارعة الطريق قائلين ليس غريبا فعل ذلك على شخص له عينان في الجمجمة. لكن أكثر ما غاظ خالي حسين الذي ورث من جدتي المجرية زرقة عينيها المستديرتين تلك اليد الغليظة لرجل يقف في الصف إلى يساره أثناء صلاة الجمعة التي أحكمت قبضتها قبيل أن يفرغ الأمام من الصلاة على عنقه تماما قبل أن يتكشف لصاحبها الذي باغته لون العينين خلال الخطبة أن الأمنجي السابق ما كان له أن يتواجد داخل مسجد لأسباب خاصة وإن بدا على وجهه أنه غير مقتنع تماما بوجود عينين زرقاوين لبشر سوي في هذه الحياة. الأمنجي السابق أفصح بنوع من الفخر في لحظة سكر جمعته بمنفيين يقضون سحابة نهارهم داخل سوق تجارية ضخمة في تذكر نضالاتهم القديمة بشيء من الأسى أنه كان يتنكر وقتها في هيئة جامع قمامة في مصلحة البلدية مستغلا معرفته بالإختلاسات الضخمة لمديرها خلال العهد البائد. ويبدو أن المنفيين كانوا في حاجة ماسة إلى ذكرى حية من ذلك العهد لتصفية حسابات تاريخية عجزوا عنها وقتها فكانوا يصفعونه بلاسبب على وجهه أحيانا. وكان هو يتقبل ذلك بتسامح كبير خوفا من قذفه إلى التفسخ في عزلة مطبقة مليئة بالكوابيس الليلية لضحايا دفنهم من قبل أحياء فعادوا الآن في هيئة أشباح يزعجون ماتبقى له من سنوات ولاهم لهم سوى ملاحقته إلى نهاية العالم. لكن ماحدث أثناء ولادة الأمنجي السابق على يد الداية أم صدير أمر يفوق الخيال.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
عبدالحميد حين يرسم يصور كل التفاصيل بحيوية شديدة . ________
أعرفه كصوت بطني لحظة جوع. لا أدري متى بدأت علاقتي به. لكن المؤكد أنه ظل يلازمني عبر أغلب مراحل حياتي. مرة أقول إنه (يا صابر) ليس سوى وهم. مرة أخرى يخال لي أنه عصي على رؤية كل الناس. ومع ذلك أراه دائما هنا أوهناك. يجلس قبالتي داخل مركبة عامة, أوينطوي على نفسه عند ركن معتم من احدى الغرف الكثيرة التي أنفقت فيها سنواتي المقتربة من الستين حثيثا, زوجتي ماريا التي تصغرني بنحو العشرين عاما تقول إنها لا تراه ولكن تتفهم ما يحدث لي, قالت إن والدها الذي جاء إلى كندا لاجئا من ضواحي احدى مدن السلفادور المجهولة قبل أربعين عاما ظل يراه بدوره بنفس الملامح الحزينة لكلب جائع حتى الممات.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
عبور
وقالت لي: "تعال". ثم نضتْ عنها الملاءة الملفوفة. كانت قد خرجت من الحمام للتو. باعدتْ مابين فخذيها. أوغلتُ ببطء. بلغ كلانا الذروة في لحظة واحدة. كل ذلك تم عبر الهاتف.
صدى
كنت أقرأ لها عبر ذات الهاتف ما قد صنعت يدانا. كانت تنصت كما لو أنها غير موجودة هناك. حين أنهيت آخر جملة.. وتكشف لها مغزى الكتابة كاملا.. أطلقت ضحكة.. مازال وقعها الدافق الحزين.. يرن داخل أذني حتى الآن.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
حياة
مغمض العينين، خافت الصوت، ملتف الساقين، متمدداً فوق عنقريب عتيق، أخذ يستعيد "قصة بناء هذا البيت". كانت تواصل الإصغاء جالسة قبالته على مقعد صغير، بينما حبات مسبحة خضراء باهتة تتساقط من بين أصابعه النحيلة المعروقة واحدة واحدة، عندما تناهى من أقصى الحوش ضجيج أحفادهما المرح السعيد. قالت وهي لا تزال تتابع النظر إلى ضوء الشمس الغارب وراء النافذة المشرعة: "ها هم، يا حاج، مرة أخرى، يمارسون لعبة العريس والعروس، لعلك تنام الآن"؟.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
لغة
حدث وأن قامت شركة أمن الحراسات الخاصة التي أعمل لحسابها منذ سنوات عديدة بتدريب حارس نحيف كعصا الراعي يدعى "نورمين" على العمل كبديل في حال أن مرض أحدنا أوتغيب عن "الموقع" لسبب أوآخر.
نورمين هذا "عبارة عن غباء مطلق يسعى على قدمين". هكذا، أخبرني زميلي "توماس" من غانا بعد ساعتين فقط من تدريب الحارس البديل على كيفية التحكم في المبنى الكترونيا. ما أسر لي به وقتها أنه من دواعي دهشته الحقيقية في هذا العالم أن يرى رجلا أبيض بمثل "هذا الغباء". لكن الأكثر إثارة للدهشة بالنسبة لتوماس كان يتمثل في أنه بدأ يتخيل تعابير الإرتياب التي يمكن أن تظهر على ملامح ذويه في ضواحي العاصمة "أكرا" بمجرد أن يحكي لهم عن غباء رجل أبيض "يدعى نورمين".
الحق، أحدث "نورمين" خلال الأيام التي غابت خلالها "بروكلين" التي أصيبت بنزلة برد حادة فوضى عمت المجمع البنكي بسوقه التجارية الضخمة. كانت التقارير تتوالى على المكتب الرئيسي في شارع "برادوي". ومع ذلك بدا لأمر أو آخر ألا غنى عنه. كانت أفعاله "الخرقاء" تلك تدفع "جيف" الأمريكي الأصل إلى الجنون. كيف ولا!، وجيف حاد المزاج وبالكاد يسيطر على أعصابه. ولو لا صرامة القوانين الكندية لتصرف في أحيان كثيرة كما لو كان في أحد الشوارع الخلفية لمدينة "نيو يورك" التي ولد ونشأ فيها لأبوين من أصل إيطالي.
ويبدو أنه وجد متنفسا لكم المشاعر السلبية التي يحدثها " نورمين" في داخله. فكان يسألني في أوقات الراحة بنوع من الغبطة عن معنى مقابل لبعض المفردات والعبارات في العربية. هكذا ما أن يقع بصره على "نورمين" حتى يرميه بما تعلم للتو من لغة الضاد بلهجة لا يعلمها إلا الله. كان يشير إليه بسبابة مستقيمة تكاد تلامس أرنبة أنفه قائلا:
-"غبي غبي".
نورمين "المسكين" كان يفتح فمه على اتساعه قبل أن يرد عليه قائلا: "أنا لا أفهمك يا جيف". بيد أن "جيف" كان يرى في رده مبررا آخر للسباب بالعربية: "وسخ وسخ". حين يعجز "نورمين" عن الفهم هذه المرة أيضا لا يجد "جيف" أمامه من حيل سوى أن يتحول إلى لغته الأم شاتما: "صن أوف ذا بيتش". بيد أن الأمر بدا في سبيله إلى أن يتحول إلى ما لا تحمد عقباه.
آنذاك جاءني "جيف" في المكتب وهو يكاد يتميز من الغيظ مقسما أنه لا بد أن يضرب "نورمين". سألته لماذا. "جيف" صمت مسافة قبل أن يسألني عن معنى عبارة في العربية. قال بعدها بخليط من اللغتين: "إذن هي (إرادة الله) أن أضرب "نورمين" الغبي"!.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
يا أسامة:
هذا جزء من حوار لدرويش مع "أخبار الأدب-29/12/2002:
-لاحظت في "حالة حصار" ومن قبل في "جدارية" وحتى قصائدك الأخيرة غير المنشورة والتي ألقيتها في الجامعة الأمريكية... هيمنة هاجس الموت وحضوره وتكرار مفرداته... ألا تعتقد أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة!.
-كل ما على الأرض يستحق الحياة.. وكل مشروعنا الوطني والإنساني هو أن تتاح لنا فرص أن نحيا وأن نحب الحياة وأن نجد فرصة في جماليات الحياة. ولكن موضوع الموت للأسف هو جزء مرادف لعلاقتنا بالحياة. فالموت في حياتنا الوطنبة أصبح موتا يوميا.. والصراع بين الموت والحياة عنوان حياتنا الآن. ولا يستطبع الشاعر أن يتجاهل الجانب الدرامي في الأمر.
أما فيما يتعلق بالجدارية فهذا موضوع آخر.. تجربة شخصية وصراع مرير مع الموت.. وعندما أعطاني الموت اجازة مرة أخرى استعدت هذه التجربة الشخصية التي مررت بها وهي أخطر تجربة وجودية تعرضت لها في حياتي. ثم هناك التجربة العامة التي أصبح فيها موت الفلسطيتي متكررا بشكل يومي.. ويتساقط الشهداء دفاعا عن حقنا الطبيعي في الحياة ولذلك كل شيء يستحق الحياة.ة ولذلك أيضا نموت من أجل أن نحيا ونحن نموت مضطرين ولا نموت موتا اختياريا.. نحن نقتل.. ولكن جوهر المسألة هو ارتباط بالحياة ودفاع عنها وحب لها...
لبلادنا في ليلها الدموي جوهرة تشع على البعيد تضيء خارجها أما نحن داخلها فنزداد احتراقا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
مشاهد أخيرة من حياة سامي سالم
كان آخر ما رأيت من سامي سالم إبتسامة.. وهيئة صديق يهم بالذهاب فيما يبدو لي الآن بعيدا بعيدا. هكذا, افترقنا. ولم أدر لحظتها أنني لن أراه مرة أخرى سوى على فراش موته البارد كأغنية حزينة ترط بقدميها الحافيتين في شارع خال آخر الليل.
قبل أسابيع قليلة, عند احدى بوابات المستشفى التي رحل منها إلى الأبد, كنت أدخن خلال الوقت الوجيز المخصص للراحة بين ساعات العمل, أتأمل في أعقاب السجائر المتناثرة هنا وهناك, فإذا بالأرض تنشق بغتة عن سامي سالم. لكأنه سعى إلى وداعي على طريقته في ذلك الغروب القريب القريب!.
قال إنه كان قبل يومين 'حايم' في الحي الذي أسكن فيه, وإنه لم يتعرف على شقتي, وإنه كان يهم وقتها بزيارتي. يالسامي, لم يتخل عن عادة النشأة الأولى في رؤية الناس والتعرف على العناوين. كيف ولا, وقد ظل محتفظا بجواز سفره السوداني ولم يسع إلى غيره برغم الإغراء حتى الممات.
أذكر في لقاء سابق أن سامي كتب رقمي هاتفي "الجوال والبيت' على غلاف 'لوعة الغياب" لعبدالرحمن منيف. لعل الكتاب لم يكن معه حين هم لحظتها بزيارتي. قلت له "كنت قبل حضورك أتأمل في هذه الأعقاب من السجائر'. وكان ثمة شيء يشدني إلى هذه الأشياء. لعله الشوق إلى مطالعة كل تلك الأشجان البشرية الذاهبة عبر أنفاس السجائر. قال بسخريته المسالمة "لعلك تفكر في مشروع تجاري بشأنها'. وضحكنا كغريبين في بلاد بعيدة. لحظتها, لم أشأ أن أذكر له لضيق الوقت ما تعلمته في هذا الشأن من بشار الكتبي كحالم كبير: أن تتأمل الأشياء على نحو يخرجها من عاديتها.
كان زميلي الفلبيني 'أدوين' قد انضم إلينا خلال ذلك الوقت القصير المخصص للراحة بين ساعات العمل. ثلاثون دقيقة لا غير لوداع أبدي. ويبدو أنه قد أخذ ملاحظة سامي بشأن المشروع التجاري لأعقاب السجائر بجدية شديدة حين صمت غارقا في تأمل داخلي عميق. بعد أسابيع قليلة, قلت له متسائلا: 'أتذكر ذلك الرجل الذي كنت أتحدث إليه عند بوابة المستشفى. لسبب ما شخص بعينيه وقال: 'نعم أذكره". قلت له: 'لقد مات يا أدوين". هز رأسه وصمت غارقا في تأمل داخلي مختلف هذه المرة.
أشتم رائحة العشب الخريفي في احتضاره.
تركنا "أدوين" بعيد ثوان أسيرا لتلك التأملات. أن تحلم بالغنى وهم كبير في هذه البلاد. وربما تحقق الأمر كضربة حظ عابرة لحواجز "الرق الحديث" المرسومة بدقة كاهن. ولم يكن المال بالنسبة لسامي عهدي به سوى وسيلة لا بد منها أحيانا لصنع بعض وقود الأفراح الصغيرة ك"وجبة لحم". كان جسده وهو ممدود على فراش موته يحكي كل تلك الوقائع والأحداث التي يمكن أن ينطوي عليها التاريخ العريق للفقر أوالمعاناة.
ودعني سامي. وداع أبدي أخير لا تلاق بعده. ومع ذلك: طلب مني أن نكون على اتصال دائم في 'الأيام القادمة". قلت له 'نحن في حاجة إلى ذلك". وذكرت على سبيل التأكيد شيئا ما عن أرقام الهاتف.
كان سامي يعمل دائما في ورديات الليل. كنت ولا أزال أجمع بين وظيفتين مرهقتين. أجل, للحياة إيقاع لاهث في هذه البلاد البعيدة.
بعد ذلك:
رأيته يستدير متجها ناحية الشرق.
كنت أهبط درجات السلم القليلة متجها في صحبة "أدوين" إلى عملي في الطابق الأرضي من المستشفى.
فقط لو كنت أعلم أن ذلك سيكون آخر عهدي به.
'عنف البادية':
رحل سامي وفي نفسه شوق لمعرفة شيء ما. ذلك ما أدركته أثناء وقفتنا تلك بعيد بوابة المستشفى. قال وقتها بشغف طفل صغير لحلوى ليست في متناول يده إنه تناهى إليه أن حسن الجزولي قد كتب شيئا عن "عنف البادية'. كان سؤال سامي وبؤرة اهتمامه وقتها كناقد كبير ليس في (ماذا قال) الجزولي حول 'عنف البادية" بل في (كيف قال) الجزولي ذلك. لقد كان سامي سالم في هذا ابنا شرعيا أوامتدادا أصيلا لسابقيه أمثال معاوية محمد نور وغيره: أن يموت وفي فمه لحن لم يكتمل!.
قبل كل ذلك:
رأيته فجأة يهرول نحوي, وهو يعبر بالكاد شارع 'الكنزواي' ذا الاتجاهين, تماما كما نعبر الشوارع في بلادنا, وقد علت وجهه إبتسامة, بينما انعكس شيء من شعاع الشمس الغارب على حواف نظارته الطبية المميزة لهيئته العامة. أشار بيده ناحية الشرق. وقال 'كنت في الطريق لزيارة صديق يعمل في تلك الطرمبة ثم لمحتك تقف هنا'.
كان ذلك آخر عهدي بسامي... حيا!.
أكتب الآن عسى أن يخف الألم قليلا.
من حكايات "الوراق':
قبل أشهر قليلة, كنت أتسوق على عجل في الطابق ما بعد الأرضي لمجمع تجاري ضخم يدعى "ستي سنتر", وقد أنهيت للتو مهام وظيفتي الأولى عند منتصف ذلك النهار. كان لزاما أن أذهب بعدها إلى البيت قبل البدء في مهام وظيفتي الأخرى في نحو الثالثة ظهرا. كان هناك عمال وموظفون في وقت الراحة ومنفيون أوسياسيون متقاعدون من العالم الثالث ناهيك عن غرباء أضناهم السعي وراء الدولار أوالحنين.
- 'البرنس.. البرنس"!.
هكذا, من بين مئات الأصوات وعشرات الألسن التي كانت تشكل الضجة المكتومة داخل المجمع التجاري الضخم منتصف ذلك النهار, يتناهى إلى مسامعي صوت سامي سالم (كعادته) أليفا خفيضا برغم نبرة النداء مستوقفا سائلا على بعد خطوات قليلة مني. سألته لحظة استقر وميض التحايا في عتمة الوقت الفاصل بين وظيفتين مرهقتين عن "الحال والأحوال" وكان قد بادرني قبل عام أنه أخذ يعتمد في حياته ما أسماه وقتها ((العيش بالحيلة)). أفكر فيما إذا كانت وسائل سامي سالم من أجل البقاء قد عطبت حينها في عالم شائك بينما أكاد أرى الآن عينيه المتعبتين وهما تبحثان عما تركه ذلك المصطلح على وجهي من أثر.
بضاعة لزبون خاص: لو أن استطلاعا للرأي جرى في هذه المدينة بين أكثر المستهلكين دراية بشؤون الأسواق لمعرفة ماذا كان يفعل سامي سالم داخل ذلك المجمع لربما لا يتوصل أحدهم لإجابة قريبة من مراميه منتصف ذلك النهار. بالنسبة لي (رغم معرفتي به) إلا أن ما علمته منه وقتها كان مثيرا للدهشة أوالشفقة. يا للإنسان مغمورا في كل ذلك البهاء الذي يسبق موته!.
كانت المحلات داخل المجمع التجاري تغري بالشراء. كل منتج تم عرضه بجاذبية وعناية فائقة: الملابس.. لعب الأطفال.. الأطعمة.. وغير ذلك مما وصلت إليه في حمى المنافسة يد خبراء وعمال مهرة بدوا لي دائما كما لو أن الله خلقهم فقط للقيام بهذه المهمة أوتلك.
قال سامي مشيرا بيده إنه أتى 'إلى هنا' لأن 'ذلك المحل' يقدم 'هذه الأيام' تخفيضات في أسعار الأقلام والورق وأشياء أخرى خاصة بمتطلبات 'الكتابة'. ثم دعاني لتفقد المحل المذكور. وألح برغبة طفل موضحا أن بوسعي 'الآن' إلقاء نظرة سريعة لن تأخذ من وقتي الكثير. لو لبيت دعوته وقتها ضاربا عرض الحائط بوظيفتي الأخرى لربما رأيته وهو يداعب تلك الأوراق والأقلام والدفاتر البيضاء بكل ذلك الحنان الذي يمكن أن تحدثه أنامل ناقد كبير على مشارف 'الكتابة'.
بعد تسع سنوات, أوقبل أشهر قليلة, وبينما كنت أهبط من البص رقم 8 في احدى محطات وسط المدينة متجها نحو عملي الآخر قبل غروب شمس ذلك اليوم, بادرني شخص طاعن في السن بالسلام على طريقتنا السودانية. ترددت للحظات لم تكن قصيرة قبل أن أدرك بشيء من الأسى أنني أمام سامي سالم وجها لوجه. كان سامي وقتها يهم بالصعود إلى ذات البص متجها إلى أسرته الصغيرة في جنوب المدينة.
يا للسنوات!.
وقلت له "لقد تغيرت كثيرا يا سامي"!
كنا قد شرعنا في الحديث عند محطة البص كغريبين من بلاد بعيدة. قال "أنا طبعا السكري والضغط ولكنك لا تزال كما تبدو من صورتك في سودانيزأونلاين". كنت قبلها قد حاولت التخفيف من وطأة ذلك الشعور الغامض بالرثاء موضحا أن الزمن قد ترك أيضا شيئا من آثاره على ملامحي. كان سامي لا يزال يقلب بين يديه "لوعة الغياب" لعبدالرحمن منيف حين أخذ يتحدث فجأة عن مفهوم "الموت" لدى نجيب محفوظ وأمل دنقل وربما جمال حمدان إن لم تخن الذاكرة الآن!.
في محطة البص نفسها, قال سامي إنه أنهى تأليف سبعة كتب, فكرت بيني وبين نفسي في شح المصادر والمصاعب الأخرى التي قد يكون واجهها ككاتب من خارج سياقه الاجتماعي والثقافي, ناهيك أن عملية إنجاز كتاب واحد فقط مسألة تستنفذ الكثير من الطاقات الداخلية للمرء. أجل, تلك عملية تزداد مشقة ووعورة حين نتحدث عن سامي سالم ككاتب يجمع في آن مابين حدة الذهن وكل ذلك الثراء الإنساني الفريد!.
قبل أربع سنوات تقريبا, في أمسية شتائية مضيئة بالثلج الأبيض المترامي وراء نوافذ شقتي الزجاجية الواسعة في مدينة "وينبيك', رن جرس الهاتف كأصابع روح غريبة تطرق الباب فجأة, فإذا بصوت سامي سالم يأتي من الطرف الآخر مهنئا بسلامة الوصول إلى كندا.
كان سامي قد سبقني إلى كندا بنحو خمس سنوات تقريبا, وبدا راغبا في الكلام خلال تلك المحادثة إلى الدرجة التي أنستني فيما يبدو لي الآن أن أسأله كيف تحصل على رقم هاتفي برغم حداثة عهدي بالمكان وقتها, ولعلي أكون قد فعلت (يا عبء الذاكرة وفداحة النسيان)!.
كان حديث سامي يتجه في أثناء تلك المحادثة إلى تلك المنطقة المشتركة من ذاكرة المنفيين الغرباء: القاهرة.
يومها, سألني عن الناس.. الأماكن.. الحركة الثقافية.. وأشياء أخرى لا أذكرها الآن, وقد بدا من شدة الحنين وكأن هذه البلاد قد تكشفت عن وهم كبير, ولا عزاء.
ما أحزنني ساعتها أن شخصا ما كان يطالبه على الطرف الآخر بإنهاء المكالمة على نحو خال من اللياقة. اعتذر لي سامي بتهذيبه المعهود موضحا أنه ظل يشغل الهاتف بينما أحد رفقائه يتوقع مكالمة هاتفية ما. قلت له 'لا عليك'. وكان قد وعدني أن يمكث معي قريبا بضعة أيام في محافظة 'منيتوبا' في طريقه من 'ألبرتا' إلى 'أونتاريو', وهو ما لم يحدث
مريض الغرفة رقم (4):
في المستشفى التي أعمل فيها, والتي رحل منها سامي ذات صباح بدت فيه السحب السوداء الكثيفة قريبة كأذرع تمتد لأخذ عزيز من بين يديك مرة واحدة وإلى الأبد, ظللت ألقي نظرة إلى ما وراء البوابة الزجاجية لتلك الغرفة القريبة من درج الممرضات كلما مررت بقسم العناية القلبية, وفي كل مرة أفعل فيها ذلك, كنت أرى الشحوب على وجه أحلام على أبواب الترمل والصغيرين محمد وعمرو وهما يعلنان عن خيبة أملهما الكبرى في شأن وعد كان قد قطعه لهما والدهما قبل أيام قليلة من سقوطه: شراء لعبة تدعى "كيربي'.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
رسالة حب للعالم
أصدقائي وصديقاتي:
منذ وقت بعيد, ظللت أحلم بها, المرأة/الحياة, ولم يدب اليأس في عروقي لحظة واحدة, إلى أن جاءت إلهام أخيرا, فإذا الحلم حقيقة ولا مراء. وضعت نفسها أمامي, أرتني جراح روحها.. أفراحها الصغيرة.. آمالها التي لا تحد, وقالت: "يا هذا.. هيا لنمضي معا إلى نهاية العالم". الأشياء الميتة تستيقظ في دخيلتي الواحدة تلو الأخرى. ولو أن إدريس جماع لم يقل غير هذا البيت لكفاه:
بسمة منك تشع النور في ظلمات دهري وتعيد الماء والأنهار إلى صحراء عمري
ذلك ما أشعر به الآن.
آنذاك كنا نعد في القاهرة عددا خاصا من مجلة "كتابات سودانية" في مناسبة مرور سبعين عاما على ميلاد سيدي ومولاي الطيب صالح. كانت رئاسة التحرير متداولة بيني وبين أصدقاء آخرين. وكنت مسئولا عن ذلك العدد. أذكر ذلك اليوم من صيف العام 1999 جيدا. خرجت من "مركز الدراسات السودانية" آخر النهار متوجها إلى شقتي بعد ساعات عمل شاقة توترت أعصابي خلالها لسوء تفاهم أوآخر أكثر من مرة. فجأة توقفت عند منتصف الطريق إلى موقف المواصلات العامة في ميدان عبدالمنم رياض القريب. وأخذت أتأمل في فداحة مأساتي الخاصة. وكانت الوحدة قد نخرت في عظامي عميقا. ما الفرق إذن بين شقتي وبين مركز الدراسات السودانية؟!!.
لا.. لا شيء (يا عبدالحميد).. سوى أنك ستجد في إنتظارك هناك نفس أرتال الكتب. كتب داخل الدولاب وخارجه وفوقه وأسفل السرير وعلى حوافه وعلى المكتب الخشبي والحمام وحتى المطبخ. عدلت من مساري. وجدتني أجلس على مقهى زهرة البستان. أعطيت حذائي الجلدي الأسود لماسح الأحذية العجوز بظهره المحدودب. شربت شيئا ما لا أذكره الآن. وبعد قليل وجدتني أسير نحو الشقة كملاذ أخير. هناك, أمام الباب ذي الطلاء البني القديم الكالح, رحت أنصت بأذن خيالي إلى ضجة أطفالي بالداخل, لحظتها فقط كاد أن يبكيني الحنين إلى كائن جميل يدعى الأنثى.
كنت قد بدأت في تحقيق بعض الخطى المهمة على صعيد مشواري الأدبي. فريدة النقاش, تلك الأم الجميلة, سألتني وقتها إن كنت لا أمانع أن أكون ضمن هيئة مجلس تحرير "أدب ونقد". تذكرت وقتها إكتشافي لتلك المجلة الحبيبة (خلال العام 1990) وقت أن كنت طالبا في سنة أولى جامعة. آنذاك كتبت شيئا لا أذكره الآن. بعثته بواسطة البريد. ظللت أذهب إلى بائع الجرائد كل شهر لمدى عام كامل. أفحص صفحات المجلة الأخيرة. عسى ولعل أن يقوم أحدهم بالرد على مرسالي في باب (بريد القراء). كان حزني يتجدد كل مرة وكذلك تصميمي على الوصول. تتوالى نقلات مهمة أخرى على الصعيد الأدبي كأن أبدأ في الكتابة إلى "الحياة اللندنية" منذ العام 1994 أوأن يقوم الناقد أيمن بكر بتدريس نصين قصصيين من مجموعتي "تداعيات في بلاد بعيدة" لغير الناطقين بالعربية قبل فترة في الجامعة الأمريكية في القاهرة ومعهد آخر ضمن دراسة شملت أعمال من صلاح عبدالصبور وصلاح جاهين وغيرهما موضحا إنتمائي لمشهد ما بعد الحداثة الأدبي في العالم العربي. ومع ذلك, ظل الحنين إلى ذلك الكائن الجميل ينهك قلبي كلما تكاثف أسى الوحدة من حولي.
كانت وحدتي من نوع غريب, بحث دائم عن وطن آمن ودفء على ضوء مقولة ميلان كونديرا "من يعش في الغربة, يمشي فوق فضاء خاو, مجردا من شبكة الرعاية الاجتماعية التي تحيط به, كل كائن بشري بلاده الأم, حيث توجد عائلته وأصدقاؤه, وحيث يستطيع أن يتحدث باللغة التي تعلمها في الصغر من دون أدنى مشقة". كانت وحدة قاتلة تداهمني على وجه الخصوص في لحظة الإفطار من كل رمضان, آنذاك تكون الشقة صامتة كعادتها, حركة الناس تنقطع في العمارة تماما, ولا يكاد إنسان واحد يتحرك في الشارع أوعربة, الرعب يدب إلى أوصالي, إذ أشعر وسط كل هذا الموات وكأن قنبلة نووية ألقيت على العالم. وحدة تزيد بمرور الوقت ورحيل أحباء سفرا أوموتا, هكذا بدأت حاسة اللمس التي تشعرني بوجودي تضعف وثقل العالم يخف بين أصابعي شيئا فشيئا, والنسوة اللائي مررن بحياتي من قبل كن طيبات, أحببنني بصدق, لكن شيئا ما في أعماقي ظل يشعرني أن المرأة التي حلمت بها وتشكلت ملامحها في وجداني على مدى سنوات لم يحن أوانها بعد.
ويزداد الشوق والحنين إليها, بينما أتابع مسلسلا أمريكيا عن حياة أحد القياصرة الروس, قام ببطولته المصري الأصل عمر الشريف, قيصر قاده العدل إلى أن يعدم في النهاية فلذة كبده. كان الإبن الذي أهدر أرواحا وسبب أحزانا لا مبرر لها يشكو صرامة الوالد لأمه, قالت له بحنو أوتفهم "يا ولدي, لا تنظر إلى أبيك القيصر هذا, يصول ويجول خلال النهارات هكذا, إنه حين يأتي الليل يبكي على صدري كالطفل"!.
كنت بالفعل بحاجة ماسة إلى مثل تلك المرأة, ربما لأن تاريخ حياتي بدا لي في كثير من الأحيان شاقا أومحفوفا بالعناء, وربما لأن بحيرة الأسى الراكدة في صدري تحتاج إلى ماهو أكثر من الكتابة, وربما لأني أشاغب الناس في الخارج كثيرا, فأعود إلى بيتي, وبي رغبة في امرأة تغسلني وتعيدني في اليوم التالي إلى نفس الشارع بروح أكثر صلابة وقدرة على المواجهة, امرأة تهمس في أذني بين فترة وأخرى قائلة "سأقف إلى جوارك حتى النصر أوالنصر", وما رسخ في ذهني أن امرأة بمثل تلك المواصفات لا بد أن تكون قد عبرت بجحيم الآلام قبل لقائي بها, وأية سلسلة من المعاناة الروحية الهائلة قد صهرت معدن إلهام في السابق؟!.
هكذا وضعت نفسها أمامي, أرتني جراح روحها.. أفراحها الصغيرة.. آمالها التي لا تحد, وقالت: "يا هذا.. هيا لنمضي معا إلى نهاية العالم". آنذاك قلت في نفسي إذا لم تكن الحرية هذه المرأة, فما هي؟!.
هكذا وافق شن طبقة, وإلهام تقول بضحكة طفلة عند قمة الإنسجام "فولة واتقسمت نصين", لقد خرجت حبيبتي من ركام الماضي قوية واثقة أن ما حدث كان لا بد أن يحدث لرؤية الحياة على نحو خال من الزيف, هي الآن تعرف جيدا أن ثمة فرق بين ما يعلنه رجل ما عن تقدميته وبين الحقيقة الواقعية العملية لهذا الرجل أوذاك, ربما لهذا تعلن في بوستها أنها ستواصل السير لدعم قضيتها العادلة قدما, إنها مسألة غير شخصية, إنه واقع تكابده في الغالب نسوة أخريات ولكن في صمت.
ما أجمل أن تسير إلى جوار امرأة مرفوعة الرأس مثل إلهام, امرأة حين أنصتت إليها أمي جيدا, قامت لتوها و صلت إلى الله ركعتين, إذ إن الله قد وهب أحب أبنائها إليها امرأة ترعاه لا سيما وهو لا يزال يصر على العيش كطفل كبير في عالم خال من البراءة أويكاد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: سيف النصر محي الدين محمد أحمد)
|
شكرا ياسيف.
ملف داخل كومبيوتر محمول
أدخن بُعيد الواجهة الزجاجية المصقولة للمبنى الحكومي الضخم كحارس ليلي أتعبته الذكريات. لا شيء يتحرك أمامي على مدى كتل الجليد المترامية. لا شيء يطرق أذنيَّ سوى أزيز المراوح الهوائية المتناهى من الطبقة الأرضية في صوت مكتوم ورتابة.
"من كان يغني هناك"؟.
شجية هي (يا أماندا) أغاني الهنود الحمر.
لحظة أن بدأت الوردية كنت أنصت إلى احدى مقطوعات "تايتنك". مأساة الذين ذهبوا في ذروة تشبسهم بالحياة إلى قاع المحيط قبل نحو قرن ولم يعودوا. أية لوعة، بل أية وحشة، لعين في برودة الماء وحلكتها تشد إليها طوق نجم بعيد؟.
الموت وحده لا يخيفني.
يخيفني (ياأماندا) الموت وحيدا.
أتذكر على نحو غامض وجه شاعر من مصر. ولا أفطن إلى أنني منذ لحظات أدلف عبر موسيقى "البلوز" إلى حزن من نوع آخر.
هكذا، أرخي أذني لأنَّات العبيد العائدين من حقول القطن في جورجيا أومسيسبي. وقد خالجهم شعور ممض ألا شيء سينتظرهم عند مراقدهم البائسة بعد خطوتين أوثلاث سوى الرهق، أو الحنين.
فجأة يعم صخب احدى أغنيات "الهيب هوب". كانت قد تركتها لي على الجهاز ومضت. "مؤسف أن أغادر العالم (يا أماندا) بلا قدرة على الرقص". أجيل بصري مابين شاشات الكومبيوتر والمراقبة. تعشي عينيَّ غلالة من نعاس. وهناك، في قلبي الذي صار رهيفا هذه الأيام، يتمدد ظل لغناء قديم:
يا أنيس الحسن.. يا عالي المكانة أهدي لي من فضلك نظرة أوبرتكانة
الآن، مضى أكثر من ساعة على بداية الوردية. زميلي "جيف" لا يزال يتفقد الأوضاع عبر الطوابق العليا. يحمل في يده جهازا صغيرا يدعى "البايب". يضغط به على دوائر معدنية صغيرة تتوزع على المبنى هنا وهناك. في الصباح، يأتي "تيري"، الرئيس، بقامته القصيرة، يفرغ محمولات الجهاز على الكومبيتر بعناية، ليعلم في أية ثانية كنا بين دائرة معدنية وأخرى.
حين يعود "جيف"، بعد نصف الساعة تقريبا، ليتبادل معي المواقع، سيشرع على الفور كما يحدث عادة في شتم "مايكروسوفت"، قائلا: "شكرا بيل جيتس إلهنا الحديث".
ثمة حاجة ماسة إلى غناء من نوع آخر. يتراءى لي وجهها في هذه اللحظة مثل حلم عصي المنال. أخيرا أعثر على أغنية قديمة ل"سلين ديون". أية رغبة غريبة في الفرح أوالحياة تتخللني الآن، أية مشاعر مختزنة "إليها" لا تزال تنمو على مدى السنوات؟.
لكن وجه أماندا أبدا لا يغادرني.
ووجهها.. يا لوجهها!.
أفكر "ربما يوجد في موسيقى "الريجي" بعض العزاء". "أوقف هذا القطار". ذلك صوت بوب مارلي معلنا بذات النغم الآسر الحزين عزمه على المغادرة. "إلى أين"؟، أتساءل في سهوم.
أسى أسى.
مطر خفيف في الخارج ينصب خيامه فوق المصابيح المضيئة منذ فترة. الريح لا تزال ساكنة. أبصق في أعقاب آخر الأنفاس. شأن جدي في زمان بعيد. الوجوه التي أوغلت في الغياب شيئا فشيئا لا تنفك تحضر إلى عزلتي كثيرا هذه الأيام.
"ستكتب عن علاقتنا"، قالت نظرة أماندا ساعة أن غادرتني مرة واحدة وإلى الأبد. "لكننا آخر الليل نمضي وجوها تنفسها الصباح"، قال راثيا الأصدقاء القدامى. وهي في كل مرة تضحك محتجة: "لا.. أنا بأهديك نظرة"، بينما أُلح معاندا: "لا.. أنا عايز برتكانة".
لا يزال بريق ضحكتها، عبر ركام السنوات، يومض في ليل الذاكرة المدلهم، كلما أشجتني ، أو تناهت إلى مسامعي... تلك الأغنية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
كان الشارع خالياً تماماً من المارة. كانت درجة الحرارة تلاحق نسبة الرطوبة في الإرتفاع. كنت أسير حذاء البنايات الأسمنتية العالية. فجأة، انشقت الأرض عن طفل شديد الهزال. "تشتري"، سألني. وقد مد نحوي علبة مناديل ورقية صغيرة. فتشت في جيوبي بتمهل. ثم نظرت إلى خطوط العرق المنحدرة من جبينه الدقيق. "لا توجد نقود"، أجبته. وشعرت بيده الخالية وهي تضغط برفق على يدي وتبتعد.
The road was vacant of passer-bys. The temperature degree was chasing after the relative humidity in rising up. I was walking next to the high concrete buildings. All of a sudden the land burst opened and belched out a very skinny boy. “Do you buy?” he asked me offering a small box of facial tissues. I carefully dug into my pockets. I looked at the sweat lines running down his narrow forehead. “No money”, I answered him. I felt his empty hand pressing mine gently while it was disappearing
من درر الكاتب البرنس . التى ترجمها الجميل بناديها
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
Quote: تحياتى وكتير احترامى |
عزيزي عثمان:
حتى قبل أن تخاطب أباجهينة بتلك العبارة، كنت أدرك مدى النبل الذي ساقك إلى فتح هذا البوست، بل والتعامل معه بمحبة كصخرة سيزييف، وها أنت تؤكد لصديق حقيقي قاسمني في السابق جرعة ماء ولقمة طعام ذات حاجة:
Quote: البرنس يا عزيزى سيف . كاتب مجتهد ومثقف تتوافر فيه كل شروط كبار المثقفين . اتمنا أن لايصمت وأن يكتب ويطبع ويكتب . تحياتى وشكرى |
ليطمئن قلبك (أيها النبيل)، لست بصامت، لأن في الصمت بذلك المعنى السلبي موات، أصمت فقط حين أريد لا كما أرادت أسباب أخرى غير موضوعية، وهذا ليس من باب الموهبة الإستثنائية، بل طريقة حياة تدربت عليها طويلا، حتى أني أطلقت عليها عبارة شاعرية مفادها (القدرة على العمل تحت ضغط)، إنني بهذا المعنى أحدد موقعي في هذا العالم قائلا (لست عابر سبيل بحقل الكتابة السردية)، ذلك موقع أسعى إلى تدعيمه عنوة واقتدارا ما وسع الجهد، إنني أكتب كموقف من العدم ولا أطلب منحة اعتراف من قطيع سائد أوآخر.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
أصدقائي وصديقاتي:
منذ وقت بعيد, ظللت أحلم بها, المرأة/الحياة, ولم يدب اليأس في عروقي لحظة واحدة, إلى أن جاءت إلهام أخيرا, فإذا الحلم حقيقة ولا مراء. وضعت نفسها أمامي, أرتني جراح روحها.. أفراحها الصغيرة.. آمالها التي لا تحد, وقالت: "يا هذا.. هيا لنمضي معا إلى نهاية العالم". الأشياء الميتة تستيقظ في دخيلتي الواحدة تلو الأخرى. ولو أن إدريس جماع لم يقل غير هذا البيت لكفاه:
بسمة منك تشع النور في ظلمات دهري وتعيد الماء والأنهار إلى صحراء عمري
ذلك ما أشعر به الآن.
آنذاك كنا نعد في القاهرة عددا خاصا من مجلة "كتابات سودانية" في مناسبة مرور سبعين عاما على ميلاد سيدي ومولاي الطيب صالح. كانت رئاسة التحرير متداولة بيني وبين أصدقاء آخرين. وكنت مسئولا عن ذلك العدد. أذكر ذلك اليوم من صيف العام 1999 جيدا. خرجت من "مركز الدراسات السودانية" آخر النهار متوجها إلى شقتي بعد ساعات عمل شاقة توترت أعصابي خلالها لسوء تفاهم أوآخر أكثر من مرة. فجأة توقفت عند منتصف الطريق إلى موقف المواصلات العامة في ميدان عبدالمنم رياض القريب. وأخذت أتأمل في فداحة مأساتي الخاصة. وكانت الوحدة قد نخرت في عظامي عميقا. ما الفرق إذن بين شقتي وبين مركز الدراسات السودانية؟!!.
لا.. لا شيء (يا عبدالحميد).. سوى أنك ستجد في إنتظارك هناك نفس أرتال الكتب. كتب داخل الدولاب وخارجه وفوقه وأسفل السرير وعلى حوافه وعلى المكتب الخشبي والحمام وحتى المطبخ. عدلت من مساري. وجدتني أجلس على مقهى زهرة البستان. أعطيت حذائي الجلدي الأسود لماسح الأحذية العجوز بظهره المحدودب. شربت شيئا ما لا أذكره الآن. وبعد قليل وجدتني أسير نحو الشقة كملاذ أخير. هناك, أمام الباب ذي الطلاء البني القديم الكالح, رحت أنصت بأذن خيالي إلى ضجة أطفالي بالداخل, لحظتها فقط كاد أن يبكيني الحنين إلى كائن جميل يدعى الأنثى.
كنت قد بدأت في تحقيق بعض الخطى المهمة على صعيد مشواري الأدبي. فريدة النقاش, تلك الأم الجميلة, سألتني وقتها إن كنت لا أمانع أن أكون ضمن هيئة مجلس تحرير "أدب ونقد". تذكرت وقتها إكتشافي لتلك المجلة الحبيبة (خلال العام 1990) وقت أن كنت طالبا في سنة أولى جامعة. آنذاك كتبت شيئا لا أذكره الآن. بعثته بواسطة البريد. ظللت أذهب إلى بائع الجرائد كل شهر لمدى عام كامل. أفحص صفحات المجلة الأخيرة. عسى ولعل أن يقوم أحدهم بالرد على مرسالي في باب (بريد القراء). كان حزني يتجدد كل مرة وكذلك تصميمي على الوصول. تتوالى نقلات مهمة أخرى على الصعيد الأدبي كأن أبدأ في الكتابة إلى "الحياة اللندنية" منذ العام 1994 أوأن يقوم الناقد أيمن بكر بتدريس نصين قصصيين من مجموعتي "تداعيات في بلاد بعيدة" لغير الناطقين بالعربية قبل فترة في الجامعة الأمريكية في القاهرة ومعهد آخر ضمن دراسة شملت أعمال من صلاح عبدالصبور وصلاح جاهين وغيرهما موضحا إنتمائي لمشهد ما بعد الحداثة الأدبي في العالم العربي. ومع ذلك, ظل الحنين إلى ذلك الكائن الجميل ينهك قلبي كلما تكاثف أسى الوحدة من حولي.
كانت وحدتي من نوع غريب, بحث دائم عن وطن آمن ودفء على ضوء مقولة ميلان كونديرا "من يعش في الغربة, يمشي فوق فضاء خاو, مجردا من شبكة الرعاية الاجتماعية التي تحيط به, كل كائن بشري بلاده الأم, حيث توجد عائلته وأصدقاؤه, وحيث يستطيع أن يتحدث باللغة التي تعلمها في الصغر من دون أدنى مشقة". كانت وحدة قاتلة تداهمني على وجه الخصوص في لحظة الإفطار من كل رمضان, آنذاك تكون الشقة صامتة كعادتها, حركة الناس تنقطع في العمارة تماما, ولا يكاد إنسان واحد يتحرك في الشارع أوعربة, الرعب يدب إلى أوصالي, إذ أشعر وسط كل هذا الموات وكأن قنبلة نووية ألقيت على العالم. وحدة تزيد بمرور الوقت ورحيل أحباء سفرا أوموتا, هكذا بدأت حاسة اللمس التي تشعرني بوجودي تضعف وثقل العالم يخف بين أصابعي شيئا فشيئا, والنسوة اللائي مررن بحياتي من قبل كن طيبات, أحببنني بصدق, لكن شيئا ما في أعماقي ظل يشعرني أن المرأة التي حلمت بها وتشكلت ملامحها في وجداني على مدى سنوات لم يحن أوانها بعد.
ويزداد الشوق والحنين إليها, بينما أتابع مسلسلا أمريكيا عن حياة أحد القياصرة الروس, قام ببطولته المصري الأصل عمر الشريف, قيصر قاده العدل إلى أن يعدم في النهاية فلذة كبده. كان الإبن الذي أهدر أرواحا وسبب أحزانا لا مبرر لها يشكو صرامة الوالد لأمه, قالت له بحنو أوتفهم "يا ولدي, لا تنظر إلى أبيك القيصر هذا, يصول ويجول خلال النهارات هكذا, إنه حين يأتي الليل يبكي على صدري كالطفل"!.
كنت بالفعل بحاجة ماسة إلى مثل تلك المرأة, ربما لأن تاريخ حياتي بدا لي في كثير من الأحيان شاقا أومحفوفا بالعناء, وربما لأن بحيرة الأسى الراكدة في صدري تحتاج إلى ماهو أكثر من الكتابة, وربما لأني أشاغب الناس في الخارج كثيرا, فأعود إلى بيتي, وبي رغبة في امرأة تغسلني وتعيدني في اليوم التالي إلى نفس الشارع بروح أكثر صلابة وقدرة على المواجهة, امرأة تهمس في أذني بين فترة وأخرى قائلة "سأقف إلى جوارك حتى النصر أوالنصر", وما رسخ في ذهني أن امرأة بمثل تلك المواصفات لا بد أن تكون قد عبرت بجحيم الآلام قبل لقائي بها, وأية سلسلة من المعاناة الروحية الهائلة قد صهرت معدن إلهام في السابق؟!.
هكذا وضعت نفسها أمامي, أرتني جراح روحها.. أفراحها الصغيرة.. آمالها التي لا تحد, وقالت: "يا هذا.. هيا لنمضي معا إلى نهاية العالم". آنذاك قلت في نفسي إذا لم تكن الحرية هذه المرأة, فما هي؟!.
هكذا وافق شن طبقة, وإلهام تقول بضحكة طفلة عند قمة الإنسجام "فولة واتقسمت نصين", لقد خرجت حبيبتي من ركام الماضي قوية واثقة أن ما حدث كان لا بد أن يحدث لرؤية الحياة على نحو خال من الزيف, هي الآن تعرف جيدا أن ثمة فرق بين ما يعلنه رجل ما عن تقدميته وبين الحقيقة الواقعية العملية لهذا الرجل أوذاك, ربما لهذا تعلن في بوستها أنها ستواصل السير لدعم قضيتها العادلة قدما, إنها مسألة غير شخصية, إنه واقع تكابده في الغالب نسوة أخريات ولكن في صمت.
ما أجمل أن تسير إلى جوار امرأة مرفوعة الرأس مثل إلهام, امرأة حين أنصتت إليها أمي جيدا, قامت لتوها و صلت إلى الله ركعتين, إذ إن الله قد وهب أحب أبنائها إليها امرأة ترعاه لا سيما وهو لا يزال يصر على العيش كطفل كبير في عالم خال من البراءة أويكاد.
نواصل:
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
حدث ذلك ذات ليلة قاهرية بعيدة.
كان أحمد عبدالمكرم غائبا في مكان ما.
كنا نتناول سيرة ما جرى كغريبين جمع بينهما حزن شفيف.
حكى لي وقتها تفاصيل من لحظات أمه الأخيرة في هذه الحياة.
قال إنها تحاملت على نفسها.. توكأت على كتفه.. وسارت تودع البيت غرفة غرفة.
يا أسامة:
هل رأى عبداللطيف علي الفكي لمسة أصابعها الحانية على الأشياء!.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: elham ahmed)
|
«أيها الغريب، يا من شراعه حاذى طويلاً شواطئنا، ويُسمع أحياناً في الليل صريرُ بكراته.
هل ستقول لنا ما بليتك ومن يدفعك، في أكثر المساءات دفئاً، لكي تهبط بيننا على الأرض الأليفة؟» (سان جون بيرس، منارات، ترجمة: أدونيس، المدى، دمشق 1999).
كان ذلك أول وآخر لقاء لي بالطيب صالح
أتذكره الآن...
لا كمن يطالع صورة في مرآة.
بل كمن ينظر إلى ملامح قريبة عبر عين فاض بين رموشها الحنين أو يكاد.
كان قد جاء إلى القاهرة لإلقاء محاضرة في الجامعة الأميركية.
وكان ذلك حدثاً فريداً في حياة بعض أولئك المنفيين الذين أخذوا يدركون بنوع من الأسى أن وجودهم في تلك المدينة لم يعد في الأخير سوى محاولة بائسة لتوسيع مساحة السجن في دواخلهم.
ما أثار دهشتي وقتها أنه ظل يستقبل الناس عند مدخل تلك القاعة الدراسية، كما لو أنهم كانوا يتوافدون إلى رحاب داره الخاصة.
لكأن لوحاً من زجاج يتهشم في قلبي.
كانت تبدو على مُحيّاه بوضوح تام، الخطى الأخيرة للنهر نحو مصبه، الآثارُ المتبقية عند الحواف الرملية بعد موسم الفيضان، هدير الموج على شواطئ جزر بعيدة ونائية لاحت في ذاكرة بحّار متقاعد، وتلك العلامات التي يخلفها الزمن بين عيني كاتب أشقته عادة أن يجلس على حواف العزلة الحزينة المعتمة... يتأمل مصائر... حيوات آلت إلى زوال... وإحساسا بقبلة اشتعلت في فم عـاشقيـن عـاشا قـبـل ألف عــام وهما يـحلمان بـقــبـلة أخرى لن يرتشفا رحيقها المختوم حتى الممات.
«ريشة بيضاء في الماء الأسود، ريشة بيضاء في اتجاه المجد».
«سببت لنا فجأة هذا الألم الكبير، لأنها بيضاء إلى هذا الحد ولأنها كذلك، قبل المساء...».
سعت إليه سيدة مصرية على مشارف الثلاثين، كانت جميلة كما لو أنها تضرعت إلى الله لحظة الخلق أن يوجدها على مثال ولا أروع. كان كل شيء فيها يغري بالعناق. وقد وشى عن تاريخ عريق من «التغذية الجيدة»، كانت تخاطبه بلغة إنكليزية ذات لكنة أميركية سليمة، تطلب توقيعه على عمل مترجم له. فجأة، أخذ يتقمص دور «عطيل»، وقد بدا مثل شخصية خارجة للتو من كتاب «موسم الهجرة إلى الشمال»، قائلاً بإنكليزية ذات لكنة سودانية خالصة: «على الرحب والسعة».
لسبب ما، أذكر هنا ما حكاه كازنتزاكي من أن جدّه الذي بلغ من العمر عتياً وقتها، كان يتربص عند بئر القرية بالحسناوات الصغيرات، يتلمس فاكهتهن بيدين مرتعشتين، عيناه دموع، لسانه مرارة، وهو يتحسر على نفسه، قائلاً إنه لا محالة سيموت في القريب، تاركاً من ورائه كل هذا الجمال الذي لن ينعم به قط.
هناك، داخل القاعة ذات الدرجات الخشبية المتصاعدة، بدأ يخاطب الحضور بإنكليزية لم تتخل عن تلك اللكنة الأليفة: «الكتابة عملية شاقة وعسيرة، أجل، ذلك أمر من الصعوبة بمكان: أن تغوص بعيداً في أعماق نفسك كيما تخلق عالماً من خيال. ربما لهذا لم أكتب كثيراً»...
البعض يجيد لعب الدور ككاتب، مثال ذلك همنغواي، لعب دور الكاتب بصورة متقنة وجمع مالاً من هذا العمل، لكن بلزاك الذي أفضله لم يستمتع بالدور.
كانت حياته تعيسة. يبدأ الكتابة ليلاً وينام نهاراً. أجدني هنا أقرب إلى يحيى حقي، يكتب فقط حين يأخذه المزاج، يحيى كاتب يضج بالحياة والإنسانية.
صديقي يوسف إدريس، حاول أن يبتلع قطعة «غاتوه» دفعة واحدة فاختنق ومات، قابلته مرة في بغداد. بدا غاضباً لأنه كان يشعر أنه أحق بجائزة نوبل من نجيب محفوظ...
كنت أسمع... أنصت... أصغي... أرهف... وأرخي أذني لكل ذلك الأسى وهو يفيض من بين كلماته الأخيرة: «لو تبقى لي شيء من العمر لأكملت ثلاثية «بندر شاه».
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: elham ahmed)
|
يا أسامة:
هذا جزء من حوار لدرويش مع "أخبار الأدب-29/12/2002:
-لاحظت في "حالة حصار" ومن قبل في "جدارية" وحتى قصائدك الأخيرة غير المنشورة والتي ألقيتها في الجامعة الأمريكية... هيمنة هاجس الموت وحضوره وتكرار مفرداته... ألا تعتقد أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة!.
-كل ما على الأرض يستحق الحياة.. وكل مشروعنا الوطني والإنساني هو أن تتاح لنا فرص أن نحيا وأن نحب الحياة وأن نجد فرصة في جماليات الحياة. ولكن موضوع الموت للأسف هو جزء مرادف لعلاقتنا بالحياة. فالموت في حياتنا الوطنبة أصبح موتا يوميا.. والصراع بين الموت والحياة عنوان حياتنا الآن. ولا يستطبع الشاعر أن يتجاهل الجانب الدرامي في الأمر.
أما فيما يتعلق بالجدارية فهذا موضوع آخر.. تجربة شخصية وصراع مرير مع الموت.. وعندما أعطاني الموت اجازة مرة أخرى استعدت هذه التجربة الشخصية التي مررت بها وهي أخطر تجربة وجودية تعرضت لها في حياتي. ثم هناك التجربة العامة التي أصبح فيها موت الفلسطيتي متكررا بشكل يومي.. ويتساقط الشهداء دفاعا عن حقنا الطبيعي في الحياة ولذلك كل شيء يستحق الحياة.ة ولذلك أيضا نموت من أجل أن نحيا ونحن نموت مضطرين ولا نموت موتا اختياريا.. نحن نقتل.. ولكن جوهر المسألة هو ارتباط بالحياة ودفاع عنها وحب لها...
لبلادنا في ليلها الدموي جوهرة تشع على البعيد تضيء خارجها أما نحن داخلها فنزداد احتراقا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
أبوجهينة كاتب يتميز بثراء الموضوعات كما ونوعا, فقصصه تصور مقاطع من حياة شخصيات تنتمي إلى خلفيات مجتمعية وثقافية مختلفة, شخصيات حية تعبر عن ذاتها بخطاب يناسبها ويحدد وعيها وموقعها في العالم ولا يفرض عليها تصورات تجعل منها مجرد دمى ميتة أوأقنعة تكمن وراءها أفكاره هو الذاتية, ففي قصة:
الشريط ...
نطالع شخصية علوية, وهي شخصية نجح أبوجهينة ببساطة آسرة في أن يجعل منها نموذجا إنسانيا بالغ الدلالة على تشوقات البشر الأبدية للحب والأمان والدفء في عالم شديد القسوة تنكسر الأحلام فيه عادة على عتبة الواقع الصلبة وما يسببه ذلك من تشوهات وجراحات نفسية لا يخفف من وطأتها مرور الزمن. وقريبا من هذا النموذج, تطالعنا شخصية الراوي في قصة:
سارا .. و الموشوم على الجبين
حيث نلمس ذلك الخيط القدري الذي يصنع مصير الشخصية, سواء في حدود مقاومتها الهشة كما في حالة علوية, أوفي حدود الإقرار بقصورها في مواجهة أحداث ماضية كما في حالة الراوي المشار إليه, ف(سارا .. و الموشوم على الجبين) نص سردي جميل يعبر في وجه عن مأساة عالم لكائن بشري (حر) خارجيا (مكبل) داخليا. ليس بمقدوره التعاطي مع العالم المختلف أوالخارجي من منطلق حقيقة تؤسسها لحظة آنية (مختلفة عن حصيلته المعرفية المتكونة لديه منذ الصغر). ثمة شيء ثقيل وغامض قادم من التاريخ أوالعادات كشبح يكبت بركان مشاعر الرجل تجاه المرأة على نحو يصل إلى القاريء في شكل إيحاء. لكن السرد الذي يتم على خلفية شفيفة من الإعترافات الصادقة يبدو كفعل خلاق لذلك الكائن نحو تحرره أوإعادة بناء ذاته على نحو أكثر إنسانية.
ولنا عودة:
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
Quote: لم اكن اتصور يوما ان تأخذ الكتابة ذلك الركن القصي البعيد من قلبه فتحكرنا نحن التلاتة
|
أم العيال:
الحب يأتي في المقام الأول حين تتعارض معه الأشياء، وأي حب؟.
عثمان:
هذا يوم طويل آخر. بدأ صباحه بمشوار الأولاد اليومي للحضانة. ظهره أنفقناه في معاملات حسابية هنا وهناك من ضمنها محاولة إصلاح ما قام به أحدهم ليلا من تهشيم أحد مصابيح سيارتي (ربما لأن العربة بدت في نظره جديدة إلى هذا الحد). نعم "حتى هذا يحدث في كندا". تلك عبارة تقالها العبدلله لأول مرة قبل نحو خمس سنوات في مدينة وينبيك. وقتها كنت أعمل حارسا في مستشفى "سان بونفس". كنت أنظر كالعادة الى الثلج المتراكم وراء الحائط الزجاجي لطرقة ممتدة. غير بعيد منه كانت تلوح خيمة المدخنين. كانوا دكاترة وممرضات وعاملين وبعض رؤسائي في العمل. كنت ألاحظ بعض الناس يأتون خلسة حين لا يكون ثمة مدخن واحد. يلتقطون أعقاب السجائر وينصرفون على عجل. (حتى هذا يحدث في كندا).
في المساء، ذهبت الى الكلية. المحاضر فتح عيني على ما أسمته الموسوعة في الانترنت:
Quote: WIKIPEDIA FOREVER
[Show] WIKIPEDIA FOREVER Our shared knowledge. Our shared treasure. Help us protect it.
[Show] WIKIPEDIA FOREVER Our shared knowledge. Our shared treasure. Help us protect it.
Permian–Triassic extinction event From Wikipedia, the free encyclopedia Jump to: navigation, search K-TTr-JP-TrLate DO-SMillions of years ago Marine extinction intensity through time. The blue graph shows the apparent percentage (not the absolute number) of marine animal genera becoming extinct during any given time interval. It does not represent all marine species, just those that are readily fossilized. The labels of the "Big Five" extinction events are clickable hyperlinks; see Extinction event for more details. (source and image info)The Permian–Triassic (P–Tr) extinction event, informally known as the Great Dying,[1] was an extinction event that occurred 251.4 million years ago,[2][3] forming the boundary between the Permian and Triassic geologic periods. It was the Earth's most severe extinction event, with up to 96 percent of all marine species[4] and 70 percent of terrestrial vertebrate species becoming extinct; it is the only known mass extinction of insects.[5][6] Fifty-seven percent of all families and 83% of all genera were killed off. Because so much biodiversity was lost, the recovery of life on earth took significantly longer than after other extinction events.[4] This event has been described as the "mother of all mass extinctions".[7] The pattern of extinction is still disputed,[8] as different studies suggest one[2] to three[9] different pulses. There are several proposed mechanisms for the extinctions; the earlier peak was likely due to gradualistic environmental change, while the latter was probably due to a catastrophic event. Possible mechanisms for the latter include large or multiple bolide impact events, increased volcanism, or sudden release of methane hydrates from the sea floor; gradual changes include sea-level change, anoxia, increasing aridity,[10] and a shift in ocean circulation driven by climate change.
|
الى ذلك، كان يتحدث عن عمر الثمس billions years 5, وأنه نتيجة لحركة التفاعلات والانفجارات التي تتم داخلها لم يتبق له من فرصة للعيش سوى 6 بليون سنة. أشعر كما لو أني في سبيل الى التتلمذ على يد (ناسا) هذه المرة.
تحية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
(ناسا)، تحيلني هنا إلى تلك الفجوة الماثلة داخل نظامي المعرفي بوضوح. ليس كافيا في تصوري (ياعثمان) مسألة التوغل بقدر أوآخر في تاريخ العالم أوتاريخ السودان فحسب، يا لها من فجوة حين نواجه مثل هذا المفهوم (تاريخ الكون). وبالمناسبة هنا بعض ما يشغلني على مستوى القراءة:
من منشورات المهدي في 1882
Quote: ثم، احبابي، كما اراد الله في ازله وقضائه تفضل على عبده الحقير الذليل بالخلافة الكبرى من الله ورسوله. واخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأني المهدي المنتظر. وخلفني عليه الصلاة والسلام بالجلوس على كرسيه مرارا بحضرة الخلفاء الاربعة والاقطاب والخضر عليه السلام وايدني الله تعالى بالملائكة المقربين وبالاولياء الاحياء والميتين من لدن آدم الى زماننا هذا، وكذلك المؤمنين من الجن. وفي ساعة الحرب يحضر معهم امام جيشي سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بذاته الكريمة وكذلك الخلفاء الاربعة والاقطاب والخضر عليه السلام. واعطاني سيف النصر من حضرته صلى الله عليه وسلم، واعلمت انه لا ينصر عليّ معه احد ولو كان الثقلين الانس والجن |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
The road was vacant of passer-bys. The temperature degree was chasing after the relative humidity in rising up. I was walking next to the high concrete buildings. All of a sudden the land burst opened and belched out a very skinny boy. “Do you buy?” he asked me offering a small box of facial tissues. I carefully dug into my pockets. I looked at the sweat lines running down his narrow forehead. “No money”, I answered him. I felt his empty hand pressing mine gently while it was disappearing
الكاتب / عبدالحميد عباس محمد (البرنس ) ترجمة / بناديها
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
مغمض العينين، خافت الصوت، ملتف الساقين، متمدداً فوق عنقريب عتيق، أخذ يستعيد "قصة بناء هذا البيت". كانت تواصل الإصغاء جالسة قبالته على مقعد صغير، بينما حبات مسبحة خضراء باهتة تتساقط من بين أصابعه النحيلة المعروقة واحدة واحدة، عندما تناهى من أقصى الحوش ضجيج أحفادهما المرح السعيد. قالت وهي لا تزال تتابع النظر إلى ضوء الشمس الغارب وراء النافذة المشرعة: "ها هم، يا حاج، مرة أخرى، يمارسون لعبة العريس والعروس، لعلك تنام الآن"؟!.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
إني لأجد ريح نهلة
صدر كاعب.
ملامح دقيقة.
خصر قال الوهاب له كن فكان ولا أضيق.
على كتفيها، حيث أضاف الخالق لمسته الأخيرة، ثمة شعر فاحم ينسدل مثل ليل سرت في حلكته دعوات القائمين الثلث أو يزيد قليلا.
أما إبتسامتها، أما إبتسامتها "الساحرة الوادعة الرقيقة الحانية"، أما إبتسامتها "ذات الصفاء والبهاء والرواء"، أما إبتسامتها "التي أذابت ركبتي على سعير الدهشة ومارأفت؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله"!.
كذلك، في زحام ذلك العرس، حين بدأ يخرق الأرض بشاربه الوليد بالغا به جبال العاديات طولا، رأى نهلة، شقيقة العريس، كما لم يرها من قبل. "أجل نهلة، نهلة نهلة، وماأدراك ما نهلة"؟.
"تبارك الله أحسن الخالقين"، همس في نفسه. ثم شرع يترصدها في ما تبقى من نهار أترعت جوانحه بالولائم وأنغام الصبايا وزغاريد النسوة الجميلات. وقد أدرك، دفعة واحدة، أن ماهز كيانه، على ذلك النحو، كان ولاريب أوانُ زراعته.. بذرة إحساسه العذب تعلن عن ذاتها في ما هي تتوغل هناك.. بعيدا بعيدا.. شاقة طريقها إلى أعماقه السحيقة بيسر ولاهوادة.. قبل أن تتلألأ في الحال زهرةً معطارة زكية.. تزين أرض عواطفه البكر.. حيث لا إختلاج نما.. حتى تلك اللحظة.. سوى "دغل كراهية الشيطان" و "أعشاب حب الوالدين.. تقاة الناس.. وخالقهم من عدم".
لكأني به ينشد قائلا:
عيون المها.. بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
ليلا، قبيل زفاف شقيقها، بعد محاولات أمسكت الرهبة والحياء بأقدامها، نجح أخيرا في الدنو منها، بينما كان يتناهى من مكان أشبه بعبق تاريخ حميم، مبينا الغاية والوسيلة، شارحا الهامش والمتون، واصفا نضار الطريقة والطريق؛ صوتُ شيخه ابن حزم الظاهري:
"وأقصى أطماع المحب ممن يحب المخالطة بالأعضاء.. إذا رجا".
"مبروك"، قال.
ولم ينس:
"إن شاء الله عقبالك".
سحبتْ راحتها الدقيقة من باطن كفه في دلال. وقالت لحظة أن أخذ يكابد بالكاد وهج الأنوثة المتدفق من مدار وجهها حديثا: "الله يبارك فيك.. وإنت كمان عقبالك". كان بهاء الحفل وضجيجه يختفيان في ظل كلماتها الحيية الوامضة.
منذ تلك اللحظة، ولسنوات ملء أيامها الإشراق، صار مسكونا بعشق نهلة. "أتتبع فقر حركتها ذا الادقاع وغنى سكناتها. أجردها بعين خيالي فأراها كملكة ساعة الوصل مغسولة ندية. أسرج بعير إنتظاري خلف نافذة دارنا المطلة على دارها. أترقب طلعتها تاليا ما تيسر من آيات الهوى والصبر الجميل:
ولما أن جلتك لي اختلاسا أكف الدهر للحين المتاح رأيت الشمس تطلع من نقاب وغصن البان يرفل في وشاح فلو أسطيع طرت إليك شوقا وكيف يطير "مقصوص الجناح
لأسباب، ما زال يخجل من ذكرها، كان يكتفي من الحب بالنظر. وحين تغيب من مجاله البصري محتجبة داخل دارهم لأيام، ويمضه رهق الشوق إليها، كان يخلع نعليه، كي يقابله هناك، في سجوده الطويل، طالبا منه، وهو المانع العاطي، أن يتقبل منه دعوتين إثنتين ولا ثالثة:
"اللهم.. خالق الذكر والأنثى.. اجعل نهلة من نصيبي.. وأرزقنا ثلاثة أبناء من الذكور.. واحد لنصرة المسلمين.. الآخر لرعاية والديه.. أما الثالث فأنت أعلم به منا. واللهم.. رب ابن عباس حبر الأمة.. وعلي بن أبي طالب باب مدينة العلم.. إدخلني جامعة الخرطوم.. فهي مفتاح الفرج لعبد فقير مثلي.. فمن لم يدرس باللغة الإنجليزية وأنت العليم بباطن الآمور فلا مستقبل له". لكنه لحكمة لا يعلمها إلا هو أدخله " دار العلوم".
في هذه اللحظة.. أذكر رنين ساعة حائط انجليزية قديمة.. إرتعاش حافة شاربي الذي نما.. وسحابة من حزن غامض عبرت سماء عينيها السوداوين.. عندما أخبرتها في حشد من الجيران بسفري الوشيك إلى أرض الكنانة. حتى الآن.. ما زال يتساءل آناء الليل وأطراف النهار: "هل كانت تهجس لحظتها بكل ما سيجري أثناء غيابي الطويل"؟. في سنوات الدراسة المتخمة بالرسوب، بُعيد خيام الجرجاني، أوشامَ قواعد الخليل بن أحمد، أوحتى عند شروح ابن طباطبا؛ كان يتلقف أخبارها.. يتسقطها من هنا وهناك. وفي كل مرة.. لذات الأسباب ربما.. كان يسلك للسؤال عنها طرقا ملتوية وصيغا غامضة.. وكان طيفها يطل دائما دائما.. من أروقة "دار العلوم".. مثل نسمة صبر تمنح المعنى لكلمات "جعجع" و"مجمجم" و"عقنقل".
ما إن يحل عليه مساء آخر حزين، حتى يكف عن عادة الطواف حول غرفة السطح المؤجرة، يغالب هوان الغرباء، دمع البين، وأشياء أخرى. وإذا المآقي نضبت.. وغار ماؤها في صحراء الفقد ولا أمل.. يبدأ النظر في أسى إلى سماء القاهرة المضيئة.. وليس ثمة من عزاء سوى النشيد:
ليالي بعد الظاعنين شكول طوال وليل العاشقين طويل يبن لي البدر الذي لا أريده ويخفين بدرا ما إليه سبيل
هكذا.. عند تشابك الهواجس واضطرام الضعف اللذيذ.. كنت أخلع نعلي.. كي أقابله هناك.. داخل صحن الجامع الأزهر.. طالبا منه هذه المرة إستجابة دعاء من أهلكه ثقل الحنين: "اللهم.. ربَّ السبعة.. الذين ستظلهم بظلك.. يوم لا ظل إلا ظلك.. لو لا تصرف عني سحر المصريات.. أصبو إليهن.. وأجهل حب نهلة.. فثبت أقدام العاشق.. واحفظ نهلة في غيابي.. وقِها.. مجيبَ الدعوات.. شرَّ غريم أجهله.. آمين".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
هكذا.. عند تشابك الهواجس واضطرام الضعف اللذيذ.. كنت أخلع نعلي.. كي أقابله هناك.. داخل صحن الجامع الأزهر.. طالبا منه هذه المرة إستجابة دعاء من أهلكه ثقل الحنين: "اللهم.. ربَّ السبعة.. الذين ستظلهم بظلك.. يوم لا ظل إلا ظلك.. لو لا تصرف عني سحر المصريات.. أصبو إليهن.. وأجهل حب نهلة.. فثبت أقدام العاشق.. واحفظ نهلة في غيابي.. وقِها.. مجيبَ الدعوات.. شرَّ غريم أجهله.. آمين".
...
البرنس . الدقة الشديدة فى رسم النفاصيل .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
سؤال
كنت أشعر أنها تريد أن تقول لي شيئا.
قبلها راجعت مكتب الأمن في المستشفى. سألتهم عما إذا كنت سأعمل الليلة كحارس موفد من الخارج في عنبر المرضى النفسانيين أم سأذهب لمراقبة أولئك المصابين بداء الصدر؟.
كان وجودي، في كل مرة، إلى جانب أولئك المصابين بخلل في عقولهم، يجعلني أشعر دائما كما لو أنني أجلس إلى شيء قابل للإنفجار في أية لحظة.
في الوقت المحدد تماما لبداية الوردية، كنت أجلس عند نهاية الطرقة الطويلة المضاءة، التي تطل عليها من الجانبين غرف المرضى الموصدة، التي أخذ يتناهى من داخلها بين فترة وأخرى سعال جاف مكتوم؛ عندما رأيتها تقبل من ناحية مدخل العنبر المواجه لجلستي تلك.
شفتان شهوانيتان. ربعة. ممتلئة العود قليلا. متوردة الخدين. لها نظرة الغرباء الحزينة الساهمة حتى وهي تنظر ضاحكة إلى محدثها. بدا من ملامحها وهيئتها العامة أنها ممرضة فلبينية على أبواب الثلاثين تقريبا. حيَّتني بتردد. وبدت مترددة أكثر في الجلوس قبل أن تلقي بثقلها على مقعد جلدي إلى جواري. بعد صمت شملني خلاله عطرها الخفيف، سألتني إن كنت أعرف شخصا من (آفركا) يدعى (مايكل) ظل يعمل في نفس شركة الأمن الخاصة التي أعمل لحسابها.
لم تكن نظرتها ساهمة حزينة هذه المرة. كانت نظرة تجمع، في آن، وهي تنفذ بتوسل إلى أعماقي السحيقة النائية، مابين اليأس والرجاء. لا، لم تكن كذلك. كانت نظرة سيدة متعبة تنتظر إجابة قدرية .
"لا، يا سيدتي، للأسف، لا أعرف شخصا بهذا الإسم".
مضت لحظة صمت قصيرة أخرى. جثم خلالها على صدري حزن غامض ثقيل. كنت أستدير نحوها هذه المرة بنصفي الأعلى كله. أتمعن فيها كوجبة شهية على مائدة الغد.
كانت تبتسم وهي تشيح بوجهها نحو احدى الغرف محاولة إخفاء ستارة الدموع الخفيفة التي ظللت عينيها السوداوين على حين غرة.
قلت في نفسي، وأنا أتتبعها إلى نهاية الوردية، وهي تدلف من غرفة لغرفة، أنا أيضا (يا سيدتي) أضعت في ما مضى حبا عظيما هنا وهناك.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
العزيزة ماجدة:
تحية متجددة..
العزيز عثمان موسى، أتاح لي هنا نشر معظم نصوص مجموعتي الثانية (من كتاب القاهرة الطيبة)، وهي خطوة في تصوري مهمة سواء على مستوى التنقيح أو على مستوى تعديلات جوهرية قبل أن تأخذ النصوص شكلها النهائي في كتاب، ويمكن ملاحظة ذلك بما طرأ على تلك النصوص التي سبق وأن قام نصار الحاج بتضمينها في كتابه (غابة صغيرة)، وأرجو أن أكون قد حققت نقلة ما مقارنة بنصوص مجموعتي الأولى (تداعيات في بلاد بعيدة). في أمان الله.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
الرجل القبرصي / الطيب صالح
نيقوسيا في شهر يوليو كما لو أن الخرطوم قامت مقام دمشق. الشوارع كما خططها الإنجليز، والصحراء – صحراء الخرطوم. ولكن ذلك الصراع بين ريح الصبا وريح الدبور كما أذكره في دمشق وهي إنجليزية من رأسها حتى أخمص قدميها بالرغم من كل تلك الدماء صدمت لأنني توقعت بلداً ذا طابع هليني لكن الرجل لم يهملني ريثما أوصل الفكرة إلى نهايتها. جاء وجلس جانب على حافة حوض السباحة التفت لفتة خفيفة فأحضروا له فنجان قهوة فوراً اتجه نحوى كأننا كنا على موعد. وقال: سائح ؟ قلت: نعم أحدث صوتاً لم أفهم مغزاه كأنه يقول أن مثلي لا يستحق أن يكون سائحاً في نيقوسيا، أو أن نيقوسيا لا تستحق أن يكون مثلي سائحاً فيها. انصرفت عنه بالتمعن في امرأة وجهها مثل ملائكة روفائيل، وجسدها مثل نساء قوقان. هل هي الزوجة أم المرأة الأخرى؟ وقررت بسرعة أن الزوجة هي المرأة الأخرى لأن الرجل منصرف بكليته إلى المرأة السماوية الوجه، الأرضية الجسد. مرة أخرى قطع علي صاحبي القبرصي حبل تفكيري: - من أين؟ - من السودان؟ - ماذا تعمل؟ - في الحكومة؟ أيضاً ذلك الصوت الغريب، لكن مغزاه كان واضحاً لا مراء فه هذه المرة، يعني، أنني، والسودان، والحكومة، ماذا أقول؟ ابتسمت لأن الحكومات صدرها واسع على أي حال، وأنا في الواقع لا أعمل في الحكومة. - قال بلا مناسبة ، بإنجليزية حسنة: - عندي مصنع. - صحيح؟ - لصنع أزياء النساء. - شئ جميل. - كونت ثروة كبيرة اشتغلت مثل العبد . عملت ثروة. الآن لا أعمل أقضي وقتي كله في الفراش. - تنام؟ - أنام ؟ أنت تمزح. ماذا يفعل الرجل في الفراش ؟ يلهو. طالع نازل. واحدة تلو الأخرى. طول اليوم. - ألا تتعب؟ - أنت تمزح. انظر إلى كم تظن سني؟ - أحياناً خمسون، وسبعون أحياناً، لكنني لم أشأ أن أساعده قلت له: - سبعون لم يؤلمه ذلك كما قدرت، ولكنه ضحك ضحكة مجلجلة وقال: - خمسة وسبعون في الواقع، ولكن ما من أحد يعطينى أكثر من خمسين، قل الحق. - خمسون إذا شئت. - لماذا؟ - تتريض. - نعم، في الفراش، أطلع أنزل بيض وسود وحمر وصفر. كل الألوان. أوروبيات وزنجيات وهنود وعرب ويهود مسلمون ونصارى وبوذيون جميع الأديان. - أنت رجل متحرر. - نعم في الفراش.. - وفي الخارج؟ - أكره اليهود. - لماذا تكره اليهود؟ - هكذا، لوجه الله . ثم إنهم يلعبون بحذق ! - ماذا؟ - لعبة الموت. مارسوها منذ قرون. - لماذا يغضبك هذا؟ - لأنني.. لأنني.. لا يهم. - ألا يغلبون؟ - كلهم ستسلمون في نهاية الأمر، بكت ، في انتظار قودو. - ونساؤهم؟ - ليس أحسن منهن في الفراش.. كلما ازدادت كراهيتك لهم ازدادت متعتك مع نسائهم انهم شعبي المختار. - وزنوج أمريكا ؟ - لم تصل علاقتي بهم إلى درجة الكراهية. يجب أن أنتبه لهم أكثر. - والعرب؟ - يثيرون الضحك أو الرثاء ، ويستسلمون بسهولة، في هذه الأيام على الأقل اللعب معهم ليس ممتعاً لأنه من طرف واحد.. فكرت، لو أنهم قبلوا بقبرص، لو أن بلفور وعدهم إياها. ضحك الرجل القبرصي ضحكته المجلجلة وقال: "المرأة تطيل العمر – يجب أن يبدو الرجل أصغر من سنه بعشرين سنة على الأقل، هذه هي الشطارة". - هل تخدع الموت ؟
- ما هو الموت ؟ شخص يلقاك صدفة ، يجلس معك ، كما تجلس الآن ، ويتبسط معك في الحديث ، ربما عن الطقس أو النساء أو أسعار الأسهم في سوق المال. ثم يوصلك بأدب إلى الباب يفتح الباب ويشير إليك أن تخرج بعد ذلك لا تعلم. كأن غيمة رمادية ظللت برهة فوق المكان، لكنني في تلك اللحظة لم أكن أعلم أن القداح تضرب وأن الرجل القبرصي يلعب معي لعبة خطرة. اتسعت موجة الضحك فشملتني كانت عائلة عذبة أنست لها منذ جلست، الأب طيب الوجه، والأم صوتها الإنجليزي مثل لحن إليزابيثي من أوتار قيثارة عريقة أربع بنات كبراهن لا تزيد عن الثانية عشرة. كن يدخلن حوض للسباحة ويخرجن ويضحكن، ويعابثن أبويهن ، ويضحكن وكانوا يبتسمون لي، ويوسعون دائرة سعادتهن حتى شملتني. وجاءت لحظة رأيت على وجه الأب أنه يوشك أن يدعوني أن أنضم إلى مجلسهم، في تلك اللحظة دهمني الرجل القبرصي قامت البنت الكبرى وخطت برشاقة نحو حوض السباحة قال الرجل للقبرصي والبنت توقفت فجأة كأن قوة غامضة أوقفتها قال: - هذه أدفع فيها مائة جنيه إسترليني. قلت له مذعوراً: - "لماذا"؟ أشار الرجل القبرصي بذراعه إشارة بشعة. في تلك اللحظة انكبت البنت على وجهها، سقطت على الحجر وسال الدم من جبهتها هبت العائلة الطيبة مثل طيور مذعورة وأحاطوا بالبنت فوراً قمت من جنب الرجل وأنا أشعر نحوه بكراهية طاغية، وجلست على مائدة بعيداً عنه. تذكرت بنات وأمهن في بيروت وغضبت، ورأيت أفراد العائلة الجميلة ينصرفون مبتئسين، البنات يتشبثن بالأم والأم تتحامل على الأب، فغضبت أكثر ثم سكت وسكتت الأشياء حولي . وانحسرت الضوضاء وجاء صديقي الطاهر "ود الرواسي" وجلس إلى جانبي على الكنبة أمام متجر سعد كان متهلل الوجه نشطاً ممتلئاً عافية قلت له: "صحح ليش ما كبرت أو عجزت مع أنك أكبر منهم كلهم؟" قال: "من وعيت على الدنيا وأنا متحرك ما أذكر أني وقفت من الحركة أشتغل مثل الحصان وإذا كان مافي شغل أخلق أي حاجة أشغل نفسي بيها. أنوم وقت ما أنوم بدري أو وخري، شرط أصحي على المؤذن أول ما يقول "الله أكبر الله أكبر" لصلاة الفجر". - لكنك لا تصلي؟ - أتشهد وأستغفر بعد ما المؤذن يخلص الأذان، وقلبي يتطمن أن الدنيا ماشية زي ما كانت. آخذ غفوة مثل نص ساعة، العجيب غفوة ما بعد الأذان تسوي عندي نوم الليل كله. بعدها أصحي كأنه صحاني منبه. أعمل الشاي واصحي فاطمة. هي تصلي صلاة الصبح.. نشرب الشاي. أنا أ،زل أقابل الشمس فوق صفحة النيل وأقول لصباح الله حبابك ومرحبابك. أغيب ذي ما أغيب أرجع ألقى الفطور حاضر نقعد أنا وفاطمة وأي إنسان من عباد الله تجئ به لينا القسمة أكثر من خمسين سنة على هذي الحالة". يوماً ما سأسأل الطاهر ود الرواسي، عن قصة زواجه بفاطمة بنت جبر الدار، إحدى أخوات محبوب الأربعة. هل أسأله الآن؟ لم يكن ولاؤه لنفسه، بل كان لمحبوب، وكان يضحك على نفسه وعلى الدنيا. هل صبح بطلاً ؟ واضح أنه إذا جد الجد فسوف يفدي محبوب بنفسه. هل أسأله الآن؟ لكنه قال، وحده جملة صغيرة مصنوعة من نسيج حياته كلها: - "فاطمة بنت جبر الدار هالله. الله". - ومحبوب؟ ضحك الطاهر ود الرواسي ضحكة لها طعم تلك الأيام، وذلك مدى حبه لمحبوب، حتى ذكر اسمه يملؤه سعادة، كأن وجود محبوب على وجه الأرض يجعلها أقل عدواناً، وأكثر خيراً في نظر الطاهر ود الرواسي ضحك وقال وهو يضحك: "محبوب حاجة تانية محبوب معمول من طينة غير" ثم سكت وكان واضحاً لي أنه لا يريد وقتها أن يقول أكثر في ذلك الموضوع بالذات بعد مدة سألته: "عبد الحفيظ قال إنك ما دخلت الجامع في حياتك أبداً صحيح؟ - مرة واحدة بس دخلت الجامع. - ليش ؟ وعلشان إيش ؟ - مرة واحدة فقط كان شتاء من الشتوات طوبة أو أمشير والله أعلم. قلت له: - كان في أمشير بعد ما دفنتم مريم باللّيل. - صحيح عرفت كيف؟ - كنت معاكم موجود. - وين؟ ما شفتك داك الصباح، مع أن البلد اجتمعت كلها يومداك في الجامع؟ - كنت عند الشباك أظهر وأبين لحد ما قلتم ولا الضالين آمين. - سبحان الله الرجل الغريب محيميد المسكن كان صرخ ويقول: الرجل الكان هنا راح وين؟" - وبعدين؟ فجأة طائر الأحلام طار. اختفى ود الرواسي، واختفت "ود حامد" بكل تلك الاحتمالات وحيث كان يجلس رأيت الرجل القبرصي، سمعت صوته فانقبض قلبي سمعت الصراخ والضوضاء وارتطام الماء بجوانب المسبح، وتشكلت الأشباح على هيئة نساء عاريات ورجال عراة وأطفال يتقافزون ويتصايحون وكان الصوت يقول: "أدفع في هذه خمسين جنيهاً استرلينياً فقط". ضغطت عيني لأصحو أكثر ونظرت إلى السلعة المعروضة في السوق كانت تلك المرأة كانت تشرب عصير برتقال في اللحظة التي قال فيها الرجل القبرصي ما قال شرقت واختنقت وهب إليها الرجل وهبت المرأة وجاء الخدم والسعاة واجتمع الناس وحملوها مغشيا عليها وكأنما ساحر أشار بعصاه السحرية، فإذا بالناس، كما خيل لي قد اختفوا فجأة والظلام أيضا كأنه كان على مقربة ينتظر إشارة من أحد، نزل دفعة واحدة أنا والرجل القبرصي وحدنا والضوء يلعب ألاعيبه على صفحة الماء قال لي بين النور والظلام:- "بنتان أمريكيتان وصلتا هذا الصباح من نيويورك جميلتان جداً وثريتان جداً واحدة في الثامنة عشرة وهي لي والثانية في الخامسة والعشرين وهي لك. أختان تملكان فيلا في كابرينيا عندي سيارة لن تكلفك المغامرة شيئاً اسمع كلامي لونك سيعجبهن جداً".
كانت الظلمة والضوء يتصارعان حول المسبح وعلى سطح الماء وكان صوت الرجل القبرصي كأنما يزود جيوش الظلام بالسلاح لذلك أردت أن أقول له فليكن، ولكن صوتاً آخر خرج من حلقي دون إرادتي قلت له وأنا أتابع الحرب الدائرة على صفحة الماء: "لا، أشكرك لم أحضر إلى نيقوسيا بحثاً عن هذا جئت لأتحدث إلى صديقي الطاهر ود الرواسي في هدوء لأنه رفض أن يزورني في لندن، وأعياني لقاؤه في بيروت". ثم التفت غليه ويا هول ما رأيت أنا واهم أم حالم أم مجنون؟ جرت، جرت لائذاً بالجمع في مشرب الفندق طلبت شراباً ما وشربته لا أذكر مذاقه وشربته لا أعلم ماذا كان.. هدأ روعي قليلاً ولكن الرجل القبرصي جاء وجلس معي كان يقفز على عكازين طلب كأساً من الو سكي دبل قال انه فقد ساقه اليمني في الحرب أية حرب؟ حرب من الحروب ماذا يهم أية حرب؟ تهشمت ساقه الخشبية هذا الصباح صعد جبلاً ينتظر ساقاً جديدة من لندن. صوته إنجليزي أحياناً وتشبه لكنة ألمانية أحياناً ويبدو لي فرنسياً أحياناً، ويستعمل كلمات أمريكية: - هل أنت...؟ - لا لست أنا بعض الناس يحسبوني إيطالياً وبعضهم يحسبونني روسياً، وبعضهم ألمانياً.. أسبانياً.. ومرة سألني سائح أمريكي هل أنا من بسوتولاند تصور ماذا يهم من أين أنا؟ وأنت يا صاحب السعادة؟ - لماذا تقول لي يا صاحب السعادة؟ - لأنك إنسان مهم جداً. - ما هي أهميتي؟ - إنك موجود اليوم ولن تكون موجوداً غداً.. ولن تتكرر. - هذا يحدث لكل إنسان ما أهمية ذلك؟ - ليس كل إنسان مدركاً أنت يا صاحب السعادة تدرك موضعك في الزمان والمكان. - لا أعتقد ذلك. شرب الكأس دفعة واحدة، ووقف على ساقين سليمتين إلا إذا كنت واهماً أو حالماً أو مجنوناً وكان كأنه الرجل القبرصي انحنى بأدب متصنع جداً وكان وجهه كما رأيته على حافة البركة يجعلك تحس أن الحياة لا قيمة لها وقال: "لا أقول وداعاً ولكن إلى اللقاء يا صاحب السعادة". كانت الساعة العاشرة حين دخلت فراشي تحايلت على النوم بوسائل شتى وكنت متعباً سبحت طول اليوم حاولت التحدث إلى الطاهر ود الرواسي.. سألته عن قصة زواجه من فاطمة بنت جبر الدار سألته عن حضوره صلاة الفجر في ذلك اليوم المشهود سألته عن ذلك الغناء الذي كان يعقد ما بين الضفتين بخيوط من حرير، بينما كان محيميد المسكين يضرب في أليم ملاحقاً طيف مريم لكنه لم يجب . لم تسعفني الموسيقى ولم تسعفني القراءة وكان يمكن أن أخرج أذهب على ملهى أو أجلس في مشرب الفندق لا حيلة لي ثم بدأ الألم خدر خفيف في أطراف أصابع القدمين، أخذ يزحف تدريجياً إلى أعلى حتى كأن مخالب رهيبة تنهش البطن والصدر والظهر والرأس وكأن نيران الجحيم اشتعلت مرة واحدة كنت أغيب عن الوعي ثم أفيق، ثم أدخل في دوامة رهيبة من الآلام والنيران والوجه المرغب يتراءي لي بين الغيبوبة وشبه الوعي، ينط من مقعد إلى مقعد يختفي ويبين في أنحاء الغرفة أصوات لا أفهمها تجئ من المجهول ووجوه لا أعرفها مكشرة قاتمة ولم تكن لي حيلة كنت واعياً بطريقة ما ولكن لم تكن لي حلة أن ارفع سماعة التلفون أطلب طيباً أو أ،زل إلى الاستقبال في الفندق أو أصرخ مستغيثاً كانت حرباً شرسة صامتة بيني وبين أقدار مجهولة ولابد أنني انتصرت نوعا من الانتصار لأنني صحوت على دقات الساعة الرابعة صباحاً. والفندق والمدينة صامتين اختفت الآلام إلا من إحساس بالإعياء وإحساس بيأس شامل كأن الدنيا بخيرها وشرها لا تساوي جناح بعوضة بعد ذلك نمت في التاسعة صباحا حقت الطائرة الذاهبة بي إلى بيروت فوق نيقوسيا فبدت لي مثل مقبرة قديمة. في مساء اليوم التالي في بيروت دق جرس الباب وإذا امرأة متشحة بالسواد تحمل طفلا كانت تبكي وأول جملة قالتها: "أنا فلسطينية ابنتي ماتت" وقفت برهة أنظر إليها لا أدرى ماذا أقول ولكنها دخلت وجلست وقالت: "هل تتركني أرتاح وأرضع الطفل ؟" - بينما هي تحكي لي قصتها دق جرس الباب أخذت البرقية وفتحتها وكانت المرأة الفلسطينية تحكي لي أنباء الفاجعة الكبرى وأنا مشغول عنها بفجيعتي قطعت البحار والقفار وكنت أريد أن أعلم قبل أي شئ متى مات وكيف مات . اخبروني انه عمل في الحديثة في حقله كعادته في الصباح وعمل الأشياء التي يعملها عادة في يومه لم يكن يشكو من شئ دخل دور أقربائه وجالس مع أصدقائه هنا وهنا أحضر بعض التمر في نصف نضجه وشرب به القهوة ورد اسمي في حديثه عدة مرات وكان ينتظر قدومي بفارغ الصبر لأنني كتبت له أنني قادم . تعشى خفيفاً كعادته وصلى صلاة العشاء ثم جاءته نذر الموت نحو الساعة العاشرة قبيل صلاة الفجر فاضت روحه وحين كانت الطائرة تحملني من نقوسيا إلى بيروت كانوا قد فرغوا لتوهم من دفنه. وقفت على قبره وقت الضحى وكان الرجل القبرصي جالساً على طرف القبر في زيه الرسمي يستمع إلي وأنا أدعو وأبتهل. قال لي بصوت كأنه ينبع من الأرض والسماء ويحيط بي من النواحي كافة: "لن تراني على هذه الهيئة إلا آخر لحظة حين افتح لك الباب وانحني لك بأدب وأقول لك "تفضل يا صاحب السعادة" سوف تراني في أزياء أخرى مختلفة قد تلقاني على هيئة فتاة جميلة تجيئك وتقول لك إنها معجبة بأفكارك وآرائك وتحب أن تعمل معك مقابلة لصحيفة أو مجلة أو على هيئة رئيس أو حاكم يعرض عليك وظيفة يخفق لها قلبك أو على هيئة لعبة من ألاعيب الحياة تعطيك مالا كثيراً لم تبذل فيه جهداً وربما على هيأة بنت تصغرك بعشرين عاماً تتشهاها، تقول لك نذهب إلى كوخ منعزل في الجبل احترس لن يكون أبوك موجوداً في المرة القادمة ليفديك بروحه احترس الأجل مسمى ولكننا نأخذ بعين الاعتبار المَهرة في اللعب. احترس فإنك الآن تصعد نحو قمة الجبل". ولما تيقنت أنه كان ذلك اليوم في نيقوسيا يفاضل بيني وبين أبي، وأنه اختار أفضلنا بكيت الدموع التي ظلت حبيسة طول ذلك العهد بكيت حتى نسيت الموت والحياة والرجل القبرصي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
أذكر في لقاء سابق أن سامي كتب رقمي هاتفي "الجوال والبيت' على غلاف 'لوعة الغياب" لعبدالرحمن منيف. لعل الكتاب لم يكن معه حين هم لحظتها بزيارتي. قلت له "كنت قبل حضورك أتأمل في هذه الأعقاب من السجائر'. وكان ثمة شيء يشدني إلى هذه الأشياء. لعله الشوق إلى مطالعة كل تلك الأشجان البشرية الذاهبة عبر أنفاس السجائر. قال بسخريته المسالمة "لعلك تفكر في مشروع تجاري بشأنها'. وضحكنا كغريبين في بلاد بعيدة. لحظتها, لم أشأ أن أذكر له لضيق الوقت ما تعلمته في هذا الشأن من بشار الكتبي كحالم كبير: أن تتأمل الأشياء على نحو يخرجها من عاديتها.
يا سلام .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
Quote: لحظتها, لم أشأ أن أذكر له لضيق الوقت ما تعلمته في هذا الشأن من بشار الكتبي كحالم كبير: أن تتأمل الأشياء على نحو يخرجها من عاديتها.
|
يا عثمان:
تلك العبارة وضعتني الآن وجها لوجه أمام عالم الصديق الراحل بشار الكتبي. لقد تقاطعت خطانا في هذا العالم حينا من الدهر. قبل أيام، خلال بحث ما في الشبكة العنكبوتية، عثرت مصادفة على بوست كان سموأل أبوسن قد كتبه إبان مرض بشار الدرامي، وقد سرد شيئا من ذلك التاريخ المشترك الذي جمع بيننا نحن الأربعة في شقة السطح المؤجرة في مصر الجديدة، كان رابعنا أخي أحمد عبدالمكرم، لكني أجد نفسي حتى الآن بعيدا عن مزاج الكتابة عن بشار على الرغم من تأثيره القوي على مجرى حياتي. أحيانا تبدو لي مأساته كثوري حالم حتى الممات، أوكإنسان ظل يتشبث بالطفل في دواخله حتى النهاية، أوكسجين لموقف سياسي ظل يعاني مردوده لأكثر من أربعة عقود. ومع ذلك، ظل بشار يمثّل لي تلك المعادلة: الصراع بين الفرد والجماعة. إذا انتصرت الجماعة في النهاية يكون انتصارها بمثابة سقوط أخلاقي. وإذا انتصر الفرد أخيرا يتجاوز الانتصار مفهومه إلى تخوم الأسطورة. بشار لا يزال عصيا على الكتابة!.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
البرنس فضلك الولوج هنا فى عالمك الخاص الذى دشنه الاخ عثمان موسى ..فالمرور هنا سهل بعيدا عن تضاريس الزقازيقاب..فارجو ان تتطلع على ردى المعدل على خفيف ....
كلماتك
المنمقة والشفيفة بحقى والتى حملت مدحا وغزلا جميلا يحمل نظما اقرب الى محاولة البدء فى افتتاحية رواية جديدة من رواياتك الرائعة حقا بيد ان ما اثار دهشتى هو ايحاءات السطر الاخير فلو كنت تعلم ان عباراتك الاخيرة قد احزنتنى بكونى قد شبهتها بخضراء الدمن بل السم فى الدسم ؟؟؟؟؟ قد اكون مخطئأوارجو ذلك.ولعلك تدرى اننى لم اخرج من بيت فاقة فقد ارسلنا الوالد اخوتى وانا الى بغداد وفرنسا وانا وشقيقى الاكبر الى مصر لطلب العلم ليجنى هو الحصاد الان....... فهل يحتاج احد ابنائه للبحث عن اللقمة الرخيصة اراك قد ظلمتنى وظلمت صداقتنا.... فما كنت اعتقد ان غيوم السياسة قد تدفعتك لمثل هذا الطعن والقول مردود ياصديقى العزيز.. . ..مهما يكن فلك خالص تحياتى واشياقى وتحية خاصة الى ام محمدالرائعة الجميلة الهام وربنا يحفظ الحلوين محمد واخوه وشايف التشابهة والتلاقى بيننا ما زال متواصلا ان شئت ام ابيت فلدى ايضا كتوكتين حلوين (بشار وبياز) وكان لديك دعاء جميل من والدتك دائما ما كنت تستدل به وتختم به كتاباتك وان كنت لا استحضره الان الا اننى اقول لك بحجم دعوات الام لك ودى واشياقى حتى وان بقى شيئ من حتى وقبل ان اغادر استدل بقول الميح (من يكن منا بغير خطيئة فليرمها بحجر ...... سمـعة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
أبوجهينة, أوجلال داوؤد, اسم بدأ يطرق أبواب المشهد السردي القائم في السودان فجأة وبقوة, وهو في هذا ليس ضربا من الإستثناء في شبه غياب وسط ثقافي محلي فاعل ذي ملامح يمكننا عادة من ملاحظة مختلف مراحل تطورات موهبة ما, فقد سبقه من قبل أسماء برزت في حياتنا المحلية فجأة, ولا أذكر هنا الطيب صالح وعماد محجوب وليلى أبوالعلا وطارق الطيب وآرثر غابريال وأمير تاج السر ومحسن خالد وغيرهم ممن تلمس طريقه بمفرده أونشأ في سياق وسط ثقافي خارجي قبل أن يتم تصديره إلى بيئته الأم ككاتب مكتمل الأدوات أويكاد. وهنا ملاحظات نقدية تحاول تسليط الضوء ماأمكن على عالم جلال داوؤد القصصي البديع:
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
نهض "جيري" كمن أدى مهمة جليلة. ومثلما فعلتُ أول مرة، ظللت أرقبه من شاشة لشاشة، وهو يغادر المكتب، يتجه نحو أحد السلالم المتحركة، يدلف إلى بهو بنك "اسكوتشيا" الرخامي المغلق، متجها بكل تلك الجثة المهولة صوب موقف السيارات أسفل الأرض. درجت "أماندا" على زيارتي أثناء العمل في الأوقات التي أحمل خلالها جهاز الكومبيوتر المحمول إلى المكتب لإستغلال الساعات الهادئة في أغراض تتعلق بالبحث الأكاديمي وأشياء أخرى. كانت تقول إنها تشعر بالضجر من غير عمل تمارسه، وقد حرمتها الحديث عبر غرف الدردشة في موقع "ياهو" إلى أصدقاء وصديقات وراء البحار، بينما يمتد دوام عملي إلى أكثر من نصف اليوم عادة، وهي محقة في هذا تماما، بيد أني كنت أدفعها دائما إلى البحث عن عمل أومواصلة الدراسة دون جدوى. منذ أن رآها "جيري" للمرة الأولى، ما انفك يسألني عنها على فترات، وهي حين تراه عبر الشاشة عند باب المكتب الخارجي، أوعندما تتناهى إليها حركة المفتاح رقم 14 على القفل في الدقائق التي تكون فيها غرفة التهوية ساكنة، كانت لسبب ما تنطوي على نفسها لائذة إلى هدوء غريب. في الواقع، "جيري" لم يجلس إليها سوى مرة واحدة، عدا ذلك كان يحييها على طريقته الدمثة، قبل أن يدلف إلى دورة المياه ويخرج إلى حيث أتى في صمت، لكنه في تلك المرة برهن عن خبرته كحارس حقيقي، عندما تابع أسئلته الاستطلاعية على نحو جعل "أماندا" تنظر إليَّ بتوسل، إلى أن سألني في ذلك اليوم إن كان لدى فتاتي أخت أكبر عمرا أم لا؟. لسبب ما بدا لي في تلك اللحظة، وأنا أتطلع إلى حياء وامض أطل من وراء نظارتيه الطبيتين، مثل كهل قدم للتو من إحدى قرى شرق النيل في السودان، طارحا عند حافة اليأس بين قوم مجهولين مسألة على درجة عالية من الخطورة، ومثل ذلك السؤال لا يطرح في مثل تلك المدينة عادة.
قلت:
"لا" "لا عليك" "لماذا تسأل، يا جيري"؟. "لا شيء". في الحق، كان لدى "أماندا" أكثر من شقيقة كبرى. أغلبهن كن مرتبطات. لا جمال يتبقى طويلا في هذا العالم من غير طارق. لكني لا أذكر الآن سوى شقيقتها الصغرى "سمانتا". كانت دون العشرين وجمالها من ذلك النوع الذي يصيب الناس عادة بشيء من الحزن. لها صديق آسيوي بعينين مبتسمتين وسحنة قاتمة. "العاهرة"، قالت "أماندا" بعد أن لحقت بي في ذلك المساء. قبلها كنا نسير نحو الشقة بخفة عاشقين. فجأة أفلتت يدها من يدي وعبرت الشارع مسرعة نحو "سمانتا". لم أكن أعلم وقتها أنهما شقيقتان.
يتبع:
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Mohammed Haroun)
|
رأيتهما على ضوء مصابيح الشارع الكابية، وهما تتحدثان كصديقتين، وغير بعيد لاح الآسيوي في هيئته النحيلة غارقا في معطف واسع جعله في تلك العتمة أقرب ما يكون إلى خيال المآتة لو لا أنه كان يحشر يديه داخل جيبيه. "سمانتا، شقيقتي، تلتقط الرجال من الشارع مقابل مبلغ من المال"، قالت "أماندا" كما لو أنها كانت تقرر أمرا عاديا.
كان الأمر بالنسبة لي في تلك اللحظة أشبه بوقع الصاعقة في مدارات استوائية بعيدة ونائية تماما.
ما إن يغادر "جيري"، متجها من جديد إلى موقف السيارات أسفل الأرض، حيث يغالب تلوثا وعتمة كئيبة وضجيج مراوح وشفاطات هواء ضخمة وذكرى رحيل والدته قبل عام، حتى تهجم "أماندا" على الأسطوانات الغنائية المتراكمة ل"ليليان"، وتبدأ في نسخ بعض أجزائها على جهاز الكومبيوتر، أسألها وقد عاد إليها وجهها الأليف:
- "ما الذي تفعلينه بأغاني الريف القديمة"؟. - " لا تنسى أنني نشأت مع والدي في الريف". - "لكنك تدمنين "فيفتي سينت" و"ماريو" وما لا يعلمه من قبيلة "الهيب هوب" سوى الله". - "يا إلهي، إنها " ليلة السبت في مدينة صغيرة"، أحب هذه الأغنية، فقط استمع، وليم"؟.
هكذا، تتحكم البدايات في مساراتنا أحيانا، وحتى بعد أن عرفت اسمي الحقيقي ثلاثيا، ظلت لا تناديني في أكثر اللحظات حميمية، وإلى النهاية، سوى بذلك الإسم:
وليم.
يتبع:
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
"حفيدتي".
"بنتي".
"زوجي السابق".
تلك أحب الكلمات إلى "عزيزتي ليليان" كما أحب أن أدعوها دائما. امرأة تقف على بعد خطوات قليلة من بوابة نهاية الخدمة المدنية. لا تزال حين ودعتها صباح ذلك اليوم تحتفظ بشعر مراهقة ذهبي لامع، متوسطة الطول، رشيقة القوام لا تزال، على مدى نحو العامين أسلِّمها الوردية وأتسلَّمها منها في اليوم التالي، وما إن أراها في كل مرة حتى أحس أنها في حاجة أخرى لذات الكلمات: "تبدين هذا الصباح جميلة يا عزيزتي ليليان". هكذا لا أجعلها تنتظر طويلا. هنا يشرق وجهها، ترتبك لوهلة، قبل أن تغادر المكتب دائما على عجل، سوى في تلك المرة، عندما مكثت معي بعد إنتهاء ورديتها أكثر مما ينبغي.
ظللنا أنا وليليان متعانقين مسافة. بالكاد حبست دموعي. وقتها، حضرتُ إلى المكتب لآداء تلك المهمة الروتينية، وما كان لعيني المدربة على أحزان البشر الخفية أن تجهل المأساة التي ألمت بها في ذلك الصباح. و سألتها:
- "عزيزتي "ليليان" ما الذي أصابك"؟.
وقد بدا عليها وجوم ثقيل على غير العادة:
- "ابنتي دوريان".
ربت على كتفها بحنو:
- "ما الذي حدث"؟.
قالت:
-"هاتفتني منذ قليل. قالت إنها تشعر أنها قبيحة وغير مرغوبة".
كنت أعلم أنها مطلقة. وحين جاءت مرة لاصطحاب أمها بسيارتها، بدا لي بالفعل أنها أقل جمالا منها بكثير، حتى أني قلت في سري إن "ليليان" قد حبلت بها ولا بد في لحظة كراهية مباغتة للعالم.
أخيرا خرج صوتي:
- "عزيزتي "ليليان" نحن لا نتحكم في أشكالنا لحظة قدومنا إلى هذا العالم". - "قلت لها ذلك، يا هميد". - "أرى شيئا آخر". - "ما هو"؟. - "لا بد لها أن تتقبل شكلها بأية حال".
قلت كمن يحدث نفسه لحظة أن غرقت "ليليان" في صمتها مرة أخرى: "أنا يا "ليليان" مررت خلال حياتي الماضية بأحزان كثيرة لا مبرر لها، لكن أكثرها قسوة كان إكتشافي أني ظللت كل ذلك الوقت بلا صداقات حقيقية، ذلك ما تميط عنه اللثام عادة المحطات الأصعب، وقد تعود "دوريان" غدا أواليوم إلى تقبل شكلها كواقعة طبيعية كغروب شمس هذا اليوم بعد ساعات، ولكن كيف أطرد ذكرى عزيز خان بوجبة طعام رخيص في مدينة لا ترحم مثل القاهرة، ها أنت تنسين أحزان "دوريان" متطلعة إلى قصص من عالم غريب تماما، هكذا الأحزان واحدة وإن اختلفت أشكالها هنا وهناك، ولو جاز لي أن أهب "دوريان" بعضا من خبرات متواضعة، لهمست في أذنها أن تواصل طريقها دائما بصبر وشجاعة ومحبة ولا تركن إلى المأساة طويلا".
بتلقائية تامة وهدوء، وضعت "ليليان" يدها على كتفي، وقالت بينما تنظر عميقا داخل عيني: "أنت لا تزال صغيرا، كيف حدث وأن طفح قلبك بكل هذه الأحزان"؟.
ابتسمت لها في بلاهة. ربما لأن حياتي ظلت لسنوات خالية من العزاء أوتكاد. ولا بد أنني كنت أتحدث مثل واعظ وقف يعدد فضائل "الصبر" على رءوس مصلين على عجالة من أمرهم . كان مثل هذا النوع من الحديث يجذب أحيانا "ليليان" مثل كاثولوكية طيبة لا تذهب للكنيسة ولكنها فكرت قبل سنوات بعيدة في "إنقاذ" طفل كما تقول من "آفركا"، لولا ضيق ذات اليد التي لا تزال تدفعها على ما يبدو إلى لعب القمار ساعة من أيام الأحد الهادئة، مضحية بذلك بساعات النوم القليلة المتاحة لها، وقد رسخ في ذهنها كما يظن "سايمون" حارس بنك "اسكوتشيا" الهندي أن في إمكانها النوم خلال وردية الليل من غير أن يحس بها أحد. أخيرا، قلت لها: " عزيزتي "ليليان"، لعله تشيرشل ذلك القائل: مطلقا، مطلقا، مطلقا.. لا تستلم".
بدأت "ليليان" تلملم أغراضها، وقد انفصلت عن عناقي لها كأم، تمنت لي وردية هادئة، ورجوت لها أحلاما سعيدة، وما إن خرجت وبدأت أتتبعها بأسى من شاشة لشاشة، حتى أدركت كم هو ثقيل على النفس أن تحمل والدة جميلة أحزان إبنة لا حظ لها مما ملكت الأم في زمان بعيد من ملاحة.
يتبع:
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
Dearest: William,
Good morning my love!! I just thought I would explain myself a little better than last night. I just want you to know that I was not kidding about the love I feel for you. I felt like this for quite some time, but I have a weakness about expressing my feelings for someone. I just hope that god has some great things ahead for me and you together as a couple. That is if you still want to be with me. I totally understand that you have a lot of things going on in your life, but I just want to be a part of that and to help you through it. I am so sorry for the past on how I acted toward you. I just hope you can forgive me. I like how we discuss our issues, and we ask each others opinions. To tell you the truth I have never wrote a letter like this to someone I really care for. Also I felt very sad and betrayed last night when you told me you were in love with your cosin. I just hope that I can be the love of your life!! Also I tried calling you a lot of times when I was away, but there was never no answer and you know that I do not leave messages. I always thought of you when I was away and I even called you on Valentines Day to see if you wanted to be my date for dinner. I tried to call you over Christmas, but there was still no answer. So you can not say that I didn’t think of you, because you were always in my mind. I even thought of you when I heard Bob Marley!! I believe that if were a couple we can accomplish a lot of things that we never thought possible. I just have to let you know that I can not be the second one you love; I always have to be the first!! I am terribly sorry for my past but I can not change that now. Well wake me if you have any questions about what I had to say I LOVE YOU William!!
LOVE
يتبع:
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
Dearest: William,
Good morning my love!! I just thought I would explain myself a little better than last night. I just want you to know that I was not kidding about the love I feel for you. I felt like this for quite some time, but I have a weakness about expressing my feelings for someone. I just hope that god has some great things ahead for me and you together as a couple. That is if you still want to be with me. I totally understand that you have a lot of things going on in your life, but I just want to be a part of that and to help you through it. I am so sorry for the past on how I acted toward you. I just hope you can forgive me. I like how we discuss our issues, and we ask each others opinions. To tell you the truth I have never wrote a letter like this to someone I really care for. Also I felt very sad and betrayed last night when you told me you were in love with your cosin. I just hope that I can be the love of your life!! Also I tried calling you a lot of times when I was away, but there was never no answer and you know that I do not leave messages. I always thought of you when I was away and I even called you on Valentines Day to see if you wanted to be my date for dinner. I tried to call you over Christmas, but there was still no answer. So you can not say that I didn’t think of you, because you were always in my mind. I even thought of you when I heard Bob Marley!! I believe that if were a couple we can accomplish a lot of things that we never thought possible. I just have to let you know that I can not be the second one you love; I always have to be the first!! I am terribly sorry for my past but I can not change that now. Well wake me if you have any questions about what I had to say I LOVE YOU William!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
كنت أجلس على بلكونة صحبة أصدقاء. على المائدة شراب مشكل وطعام طيب ترفده الونسة فتشعر بين وقت وآخر وكأن الفناء لا وجود له. ولم يخطر على ذهني مطلقا أنني مقبل بعد ثوان قليلة نحو غرام من نوع فريد.
آنذاك رن جرس الهاتف على حين غرة. أمسك صاحب الشقة السماعة المتحركة. أخذ يتفوه ببعض المجاملات قبل أن يمرر لي السماعة في صمت. وسط أجواء محتفلة على الجانب الآخر تطغى عليها أصوات نسائية مرحة أطلقها السكر، جاءني صوت صديقي عمر مبتهجا على غير عادة لهجته الجافة. بدا لي ذلك كسلوك صادر في أحيان كثيرة عن خبرة أنهكت صاحبها صدمات في الناس بلا نهاية أوحدود فآثر أن يحمي ذاته بستار كثيف من القسوة الظاهرية. هكذا، يبدو العالم كمجال غير صالح للتعامل بطيبة آسرة أومحبة.
طلب مني عمر وقتها أن أحضر في الحال و"على جناح السرعة". سألته وسط ضحكاته الصاخبة الرنانة لماذا يا عمر. قال إن جارتين تزورانه للمرة الأولى من دون سابق موعد أومعرفة. وقد أحضرتا معهما من الشراب ما يجعل جيشا يسير بعد ساعات معدودة على رأسه. آنئذ حملت سماعة الهاتف وذهبت إلى غرفة داخلية. قلت له وأنا أغلق الباب جيدا ورائي ولكنك لا تشرب. قال اشرب أنت فقط معهما وأنا سأنتظر. وسألته بغباء متعمد وأنا أكتم ضحكة كعادتي حين يبدو لي العالم على درجة من البراءة قائلا وما الذي تنتظره يا عمر بعد شرابي مع ضيفتيك. انتهرني وهو يمضي في صدقه البهي قائلا على حافة اليأس والرجاء: "حامد، يا أخي، إنت بليد ولا شنو"؟.
كنا أنا وعمر وقتها حديثي عهد بمعرفة كل منا بالآخر. وما صداقتنا آنذاك إن جاز تسمية ذلك صداقة سوى نوع من خوف غريزي للعيش في صورة قطيع في بلاد لا تشبه مطلقا منابت جذورنا البعيدة النائية في شيء.
عدت إلى البلكونة، حيث كان أصدقائي كسياسيين سابقين يتداولون أمرا حول أسعار الدولار "هذه الأيام" في السودان، بعد أن فرغوا للتو من الحديث عن الشراك اللازمة لإغواء "خواجية" تسير بصحبة كلب في شارع عام، وبدا أن جلستهم أخيرا في سبيلها إلى التحول إلى شيء آخر حزين، عندما أخذ إثنان منهما في التراشق اللفظي فجأة، وكان ذلك مدعاة للإنزواء ومحاولة التطلع من فوق فروع شجرة الآش القريبة إلى منحنى الشارع البعيد المعتم.
أوضحت ل"عمر" أني لا أستطيع الحضور "الآن" للأسف الشديد. وطلبت منه أن يدع إحدى الفتاتين تتحدث إلي. حين أنهيت مكالمتي الأولى مع "أماندا"، مرت نحو دقيقة على الأكثر، قبل أن يأتيني صوت عمر مرة ثانية حاملا كل تلك الحسرة اللا نهائية على أمل بدا قريبا ثم ابتعد إلى حين: "يعني الليلة نبيت من غير عشا يا حامد". أكدت له أنه ليس من العدل أن أترك دعوة أقامها لي أصدقاء على وجه الخصوص. ويبدو أنه لم يجد غير تلك الكلمات كمتنفس لغضبه: "لا تخبرني عن صداقة في الدنيا دي". ثم أغلق سماعة الهاتف فجأة. جلست لثوان داخل الغرفة محاولا تجنب التفكير في ما حدث ما أمكن.
أليس مساء الغد بقريب؟.
يتبع:
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: عبد الحميد البرنس)
|
Dearest ; My future husband,
I know I am guilty of leaving you to wonder what happened to me, I am also aware of the feeling that you had for me, I hope that you still feel this way about me, because I feel really strongly about me and you. I just want you to be your girlfriend or wife....
I am deeply sorry for the way I treated you in the past but everything is going to change. I am a new person and I am ready to start my life with a man that I really love and admire. I really admire you because you show and teach me things that I did snow!! I really look forward to being your wife and mother of your children....
Our love appears to be greater than ever, our love uplifts our days of struggle in life, our love will be forever. Nobody could ever invade the love that we share, there is no one that can compare. We share various bright and special times, I do not think this a crime, to love and cherish one another!! My love for you grows each and every time I see your handsome face or hear your lovely voice.....
BAHIYBUK HABEBE
YOUR WIFE,
يتبع (سمانتا سمانتا):
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
المحطة الاخيرة
غابرييل غارسيا ماركيز. في روايته الاخيرة «ذكريات عاهراتي الكئيبات» الصادرة بالانكليزية عن دار جوناثان كيب، بريطانيا، يتناول غابرييل غارسيا ماركيز عشق الاطفال كما لو كان من اكثر الاشياء بساطة، ابو الواقعية السحرية يتوقف عند السحر في غرام عجوز في التسعين (نعم) بفتاة في الرابعة عشرة، ويتجاهل بشاعة الامر وخرفه. يبدأ الكاتب الكولومبي روايته القصيرة بتقرير بسيط: «في السنة التي بلغت بها التسعين اردت ان اهدي نفسي ليلة من الجنس الجامح مع مراهقة عذراء». الراوي صحافي عادي مجّد شيخوخته في مقال علماً انه بدأ يشعر بالعمر عندما قال له الطبيب ان وجع ظهره طبيعي في الثانية والاربعين. «في هذه الحال، ما ليس طبيعياً هو عمري». في التسعين يرفض عمره ثانية بعد ان كان توصل الى «سلم مقدس» مع جسده طوال عقدين، وغيّبه خلالهما بالقراءة والاستماع الى الموسيقى. اراد فتاة يوم رغبته فيها ولم يطق التأجيل. مدام روزا تتواطأ كجنية طيبة مع إلحاح جسمه الذي يشبه «رسالة من الله». تجد فتاة فقيرة في الرابعة عشرة وتخدّرها لتحميها من عنف المواجهة المحتمل. يستكين «وجع المراهقة» فجأة لدى التسعيني، فيكتفي بمراقبتها والغناء لها ويغادر فجراً قبل ان تستفيق. يتكرر الامر ويعشقها، ويكتشف انه يفضلها حلماً لا حقيقة. عندما تتحدث في نومها يسمع لهجتها الشارعية ويتمنى ان تبقى نائمة. على ان الطفلة الغافلة تغير حياته. مقال الاحد يتحول قصائد حب تجذب القراء وتجلب له شهرة جميلة مفاجئة في آخر عمره.
«ذكريات عاهراتي الكئيبات» هي رواية ماركيز الاولى منذ عشرة اعوام. في 1995 اصدر «الحب وشياطين اخرى» التي تلاها عمل صحافي ادبي، «انباء خطف»، ومذكرات «أعيش لأروي القصة». الرواية الجديدة تفضح تعب الروائي البالغ الثامنة والسبعين، وتركز على المناخ وغنائية النص بدلاً من الشخصية والعقدة والتفاصيل. الراوي يعترف ببشاعته ويغفل عن حمى جسده القبيحة باعلائها. يترك الفتاة «سيدة عذريتها» في اقصى انكشافها وضعفها، ويحولها ملهمة تضيء آخر حياته بألق ابداعه الخبيء. نداء الجسد تحول نداء الروح، ومسيرته من منزله، الذي يوحي قدرة مادية اكبر من الواقع، الى دار المدام روزا كانت رحلة البحث عن ذات يجدها في المحطة الاخيرة.
سرق قراصنة الكتب في كولومبيا. نص الرواية قبل صدورها وباعوا النسخ خلال ساعات. غضب ماركيز وغيّر نهايتها وكوفئ باحتلالها قمة الاكثر مبيعاً في كاليفورنيا المكسيكية الاصل بطبعتيها الاسبانية ثم الانكليزية. اختار بطلها شيخاً جليلاً يشبهه وجعل الحب المستحيل فرصة المرء الاخيرة قبل الموت الواقف على العتبة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
ورشة غابرييل غارسيا ماركيز كيفَ تُحكى حكايَة ؟
يقول ماركيز : ان كل قصة تحمل معها تقنيتها الخاصة ، والمهم بالنسبة لكاتب السيناريو هو اكتشاف تلك التقنية . وفي محاولة جديدة تتسم بالذكاء الحرفي عمل الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز على اختبار جدارة هذا التصور الفني عن الكتابة الإبداعية من خلال تأسيس ورشة لكتابة السيناريو يرتكز عملها بشكل مباشر على تحويل الفكرة النظرية إلى ممارسة كتابية متفردة تدخل في التفاصيل وتنقب عن الجودة حينما تبحث عن نواة قصة ما تروى بصورة جيدة طالما ان ليس هناك ما هو أسوء من قصة يجري تطويلها كما يزعم غابو ( الاسم الذي يطلقه أعضاء الورشة على ماركيز ).
في مدخل الكتاب يسرد " غابو " الكيفية التي ابتدأت فيها الفكرة هناك في مكسيكو حيث طلب منه إنجاز ثلاث عشرة قصة حب تدور أحداثها في أمريكا اللاتينية ، مدة كل واحدة منها نصف ساعة . ولمباشرة هذا العمل " اجتمع عشرة من العاملين في حقل السينما كتابة وإخراجا ، من أمريكا اللاتينية وأسبانيا في ورشة سيناريو يديرها ماركيز فيما يشبه فرقة أوركسترا صغيرة تبحث عن قطعة موسيقية ، تصوغها وتعزفها ، لكن الورشة هنا تبحث عن قصة أو فكرة ، تكسوها لحما وجلدا ، وتعطيها ملامحها الخاصة في سيناريو سينمائي – تلفزيوني ، يرسم الحدود المتصلة بين الأدب والسينما ". وكما جاء في التقديم فان أنصاف الساعات هذه تتبناها جهة إنتاجية تقوم بتحويلها إلى الشاشة باتفاق جماعي ، فيما تُخصص ورشة ماركيز ريع بيع هذه القصص لمدرسة "سان انطونيو دي لوس بانيوس " الدولية للسينما والتلفزيون . يدرك ماركيز ان متطلبات السوق اليوم تقتضي تقديم أعمال تتسم بالإثارة والتشويق والمغزى الواضح ، لذا نراه يحاول لفت انتباه مجموعته إلى مبدأ صناعة نص أدبي – سينمائي جيد يتصف بالطرافة والإبداع والخفة من دون ان يتحول مبدعه إلى سلعة .
وقبل الشروع في العمل يشير ماركيز إلى نفسه قائلا : " ان اكثر ما يهمني في هذا العالم هو عملية الإبداع . أي سر هو هذا الذي يجعل مجرد الرغبة في رواية القصص تتحول إلى هوى يمكن لكائن بشري ان يموت من اجله ، أن يموت جوعا ، أو بردا ، أو من أي شئ آخر لمجرد عمل هذا الشيء الذي لا يمكن رؤيته أو لمسه ، وهو شئ في نهاية المطاف ، إذا ما أمعنا النظر ، لا ينفع في أي شئ ؟ " ويمكننا ان نرى ان مجرد الرغبة في إنجاح عمل الورشة وتقديم نتائجها للقراء في سلسلة كتب إبداعية ، يعني إصرارا حقيقيا على مواصلة الحياة .
تبنى طريقة العمل في الورشة على الحوار الصريح والجاد وبمشاركة جميع الأعضاء ، حيث يباشر أحدهم بطرح فكرة ما أو اقتراح صورة مشهد ، يتلقفها الباقون ويطورونها إلى أقصى حد ممكن ، مع محاولة تفكيك القصص واعادة تركيبها من جديد ، ثم تأخذ الفكرة / القصة بالتداول فيما بينهم بحيوية وجرأة تكسبها جمالا وتأثيرا ملحوظين ، وعندما يحين موعد نضجها ، تتركز جهودهم لاعادة صياغة البناء وتشذيب الأحداث والشخصيات بما يجعلها ذات سياق قصصي متسق يصلح للعرض على الشاشة .
أما في حال لم يتوصل أعضاء الورشة إلى صيغة نصية متفق عليها ، وأخذت الفكرة تنتقل بينهم من دون ان تتطور ، فمعنى ذلك ان ثمة خلل ما في الحكاية ، ويفضل تركها إلى حين . ولكي لا تتكرر الأخطاء يشير ماركيز إلى فكرة الاستبعاد ، داخل النص أو خارجه ، فإذا أحسست ان هذا الجزء غير ملائم ، لا تحاول ان تتمسك به عنوة ، فقط لأنك أنجزته . ونراه يلمح في مكان آخر إلى ان " الكاتب الجيد لا يُعرف بما ينشره بقدر ما يعرف بما يلقيه في سلة المهملات " . ومن سياق مقارب يحث ماركيز أعضاء الورشة على المضي في الطريق السليم مذكرا : " ان على أحدنا حين يكتب ان يكون مقتنعا بأنه افضل من سرفانتس ، أما عكس ذلك فان المرء سينتهي لان يكون أسوء مما هو في الواقع … فمن الصعب العثور على قصة لا تتشابه بطريقة ما مع أشياء كثيرة " .
وعند اكتمال القصة توكل لأحد الأعضاء مهمة إعدادها كسيناريو سينمائي أو تلفزيوني . ويشدد ماركيز غير مرة على فكرته الرئيسة بطرق مختلفة تتلخص في قوله : " إذا كانت لدى المرء قصة جيدة ، يمكن ان تروى بطريقة واضحة وبسيطة ، فعليه ان يتجنب تعقيدها " . ورغم ان اغلب الاعتبارات التي توجه صياغة القصص في ورشة ماركيز هي اعتبارات فنية سينمائية ، لكن شواهد الخبرة الأدبية الواسعة يجري اعتمادها أيضا وبشكل أساسي ، فالعمل السينمائي والأدبي متلازمان في جوانب كثيرة رغم اختلافهما البائن في أمور عدة … لقد كان غابو - كروائي مولع بالخرافة الواقعية - يعتقد بنقطة جوهرية تتمثل في " ان السينما تحب المبالغة ، لكن ليس بمقدار ما في الواقع من مبالغة " .
ان خبرة ماركيز كأديب محترف له تجربته الخاصة تهيمن على حوارات الورشة وتستحث جهود المجموعة على الاقتراح والمبادرة والتفكير بأفق مبدع ، لذا تستحق ان توصف بأنها دروس أدبية وفنية لها أهميتها ودورها التحفيزي ، خاصة وهي تتلبس بحس جدلي غير مفتعل شكل الملاحظة المشاكسة أو الجزم بأمر مرفوض فنيا ، من دون ان يقلل ذلك من شان آراء الآخرين التي تبدو لماحة وذكية عندما تكشف عن خبرة واسعة في مجال كتابة السيناريو وتأثيث المشهد السينمائي بثراء صوري مدروس .
ثمة دروس عدة يمكن لماركيز ان يقدمها لكتاب القصة أو المشتغلين بالسيناريو ، واهم تلك الدروس هو تحسين قدرة الكاتب على الإيجاز والترميز ، " فلابد من إقرار المستويات والأوزان في القصة ، مثلما هي الحال في الملاكمة " بتعبير غابو . بمعنى تكثيف انتباه القاص إلى مسار قصته حتى لا يضطر إلى التفكير لاحقا بوضع طريقة لإنقاذها من المأزق . هكذا يكشف لنا ماركيز عن سر الكتابة الجيدة والتي تبدو التزامه الوحيد ، بالقول : " إذا كنت لا تستطيع رواية قصة في صفحة واحدة ، فاختصرها إلى صفحة واحدة " . الارتكاز على مقدرة الخيال للّي الواقع مسألة مهمة بالنسبة لأي كاتب ، بقدر أهمية إيمانه بما هو فاعل ، فأية قصة خرافية ، ستصبح حقيقة تماما طالما آمنت بها .
في الصفحات الأخيرة يستعيد ماركيز أمام أصدقائه ردود فعله على قرار منحه جائزة نوبل، بالقول :" يا للعنة ، لقد صدقوها ! لقد ابتلعوا الأكذوبة ! هذه الجرعة من عدم اليقين رهيبة جدا ولكنها ضرورية في الوقت نفسه لعمل شئ جدير بالعناء . أما المتعجرفون الذين يعرفون كل شئ ، والذين لا تراودهم الشكوك مطلقا ، فيتلقون صدمات مروعة ، ويموتون بفعلها " .
ليس من المبالغة القول ان هذا الكتاب يعلّم الأديب والسينمائي اكثر مما تعلمه الكتب النظرية على كثرتها ، ولأسباب تتعلق بطريقة تأليفه ، وللدقة نقول طريقة مونتاجه ، بوصفه عمل جماعي يرتكن إلى الخبرة والخيال معا .وقد ذيل الكتاب بأسماء المشاركين في الورشة والعاملين على مونتاج الجلسات .
بقي ان نشير إلى ان ( كيف تحكى حكاية – إصدار 1998 ) هو الكتاب الأول من أعمال ورشة ماركيز ، حيث اُتبع بكتابين هما على التوالي : ( نزوة القص المباركة - 1999) و ( بائعة الأحلام – 2001 ) وصدرت الكتب الثلاثة عن المؤسسة العامة للسينما في وزارة الثقافة السورية – سلسلة الفن السابع وبترجمة مبدعة للأستاذ صالح علماني .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
بواسطة عبد الحميد البرنس مشاهد أخيرة من حياة سامي سالم 51 2742 عبد الحميد البرنس 16-10-07, 05:16 م بواسطة عبد الحميد البرنس رحم الله سامي سالم رحمة واسعة [ 1 2 ] 149 3513 عبد الحميد البرنس 22-09-07, 01:59 م بواسطة خدر رحم الله والد الزميل عبدالحميد البرنس [ 1 2 ] 185 4473 elsharief 20-12-06, 07:07 ص بواسطة تماضر الخنساء حمزه أبوجهينة.. عالم قصصي بديع عماده المحبة: 65 928 عبد الحميد البرنس 09-10-06, 04:37 ص بواسطة ابو جهينة إلهام... [ 1 2 ] 172 8947 عبد الحميد البرنس 15-06-06, 01:14 ص بواسطة مجدي شبندر إشراقة مصطفى حامد: يا آل كوستى ومحبيها.... تعالوا نشق نهرا فى قلب المدينة 68 2127 عبد الحميد البرنس 12-05-06, 08:38 ص بواسطة الجندرية رسالة حب للعالم 94 1654 عبد الحميد البرنس 19-04-06, 04:02 م بواسطة elham ahmed الشيء.. 26 779 عبد الحميد البرنس 14-02-06, 03:53 م بواسطة عصام عبد الحفيظ سجيمان 91 4530 عبد الحميد البرنس 02-02-06, 04:08 ص بواسطة طارق جبريل يا أنيس الحسن.. يا عالي المكانة.. ! 25 1130 عبد الحميد البرنس 18-01-06, 02:29 م بواسطة Dr.Mohammed Ali Elmusharaf تأملات في عالم "سي جي" الساخر 53 3121 عبد الحميد البرنس 10-01-06, 02:36 ص بواسطة Hani Abuelgasim بعد التحية.. إلى الأستاذة نجاة محمد علي [ 1 2 3 ] 205 5914 عبد الحميد البرنس 30-12-05, 07:20 م بواسطة عبد الحميد البرنس الحاجة الماسة إليها.. 19 3267 عبد الحميد البرنس 27-12-05, 00:04 ص بواسطة عبد الحميد البرنس أشكر المهندس بكري لكرم لا أستحقه 17 1569 عبد الحميد البرنس 13-12-05, 08:50 م بواسطة عبد الحميد البرنس إحترام [ 1 2 ] 102 4374 عبد الحميد البرنس 05-12-05, 04:57 م بواسطة Abdalla Hussain تعرفونهم من كتاباتهم: (الطيب صالح.. صالح وطيب وإنسان)! [ 1 2 ] 134 7846 عبد الحميد البرنس 25-11-05, 04:35 ص بواسطة عبد الحميد البرنس القطاع ( تأملات حزينة ضاحكة في وجوه الهزيمة والرحيل) 25 1383 عبد الحميد البرنس 13-11-05, 07:43 م بواسطة عبد الحميد البرنس كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز 49 3802 عبد الحميد البرنس 12-11-05, 07:16 م بواسطة عبد الحميد البرنس إعادة جذرية لرواية عنوانها: (السيرة العطرة للأمنجي السابق) [ 1 2 ] 137 6110 عبد الحميد البرنس 27-10-05, 09:45 ص بواسطة عبد الحميد البرنس أهلا أيها الوطن الجميل [ 1 2 ] 120 3886 عبد الحميد البرنس 22-10-05, 04:49 م بواسطة عبد الحميد البرنس الأمنجي السابق وصاحبه الخليفة بدري ما بدري 3-5 53 2391 عبد الحميد البرنس 22-10-05, 03:17 م بواسطة عبد الحميد البرنس الآن أتكلم بعد أن مر وقت من عواصف المنابر 54 3546 عبد الحميد البرنس 07-10-05, 06:24 م بواسطة عبد الحميد البرنس أين حدود الفوضى والنظام.. سؤال لنقاش عام.. حال "المنبر العام" نموذجا. 37 1538 عبد الحميد البرنس 26-09-05, 01:43 ص بواسطة عاطف حسن وجوه من رحلة التعب [ 1 2 ] 107 4623 عبد الحميد البرنس 18-09-05, 03:24 م بواسطة عبد الحميد البرنس أنا حزين الآن كما لم يحدث لي ذلك من قبل 19 1650 عبد الحميد البرنس 12-09-05, 08:46 ص بواسطة عبد الحميد البرنس الحنين إلى شيء يدعى الطعام 37 1708 عبد الحميد البرنس 09-09-05, 11:47 م بواسطة waleedi399 في الحب والحنين (مساحة حرة) 87 1564 عبد الحميد البرنس 06-09-05, 07:24 م بواسطة عبد الحميد البرنس الأمنجي السابق وصاحبه الخليفة بدري ما بدري 2 - 3 55 2015 عبد الحميد البرنس 03-09-05, 12:38 م بواسطة عبد الحميد البرنس بيدي لا بيد عمرو هذه المرة.. 22 1880 عبد الحميد البرنس 26-08-05, 06:51 م بواسطة عبد الحميد البرنس لكنكم قلتم ما بشاشا سوى كذاب أشر.. يا لكم من عقلانيين عرب! 87 2900 عبد الحميد البرنس 19-08-05, 11:48 ص بواسطة عبد الحميد البرنس الأمنجي السابق وصاحبه الخليفة بدري ما بدري 52 2269 عبد الحميد البرنس 16-08-05, 04:40 م بواسطة عبد الحميد البرنس ما الذي ينشده البشر (من كتاب الحكم المتفرقة)؟!. 25 1214 عبد الحميد البرنس 02-08-05, 08:35 م بواسطة عبد الحميد البرنس كنت أبحث عن سبب وجيه للبكاء 19 1365 عبد الحميد البرنس 01-08-05, 05:00 م بواسطة على عمر على كنت أشاهد الملايين عبر شاشة الفضائية.. 6 1444 عبد الحميد البرنس 01-08-05, 08:08 ص بواسطة عبد الحميد البرنس كنت في رحلة داخل كندا استغرقت أياما.. 94 3199 عبد الحميد البرنس 27-07-05, 09:54 م بواسطة عبد الحميد البرنس والسؤال: أهي رؤى يسارية.. أم أفكار حديثة زائفة منتجة بعقل قديم.. 62 3412 عبد الحميد البرنس 26-07-05, 07:23 م بواسطة عبد الحميد البرنس دعوة للتأمل في وضعيتي السجن والمنفى (إلى خطى الخواض كمشاء بين الناس والثقافات)!.. 47 1928 عبد الحميد البرنس 19-07-05, 06:44 ص بواسطة عبد الحميد البرنس في مقاربة الفعل السياسي عربيا.. دعوة أخرى لحوار هادف! 22 1469 عبد الحميد البرنس 07-07-05, 06:19 م بواسطة عبد الحميد البرنس القاص المصري الساخر محمد مستجاب يودع العالم ضاحكا صاخبا كعادته.. 22 1929 عبد الحميد البرنس 04-07-05, 04:26 م بواسطة عبد الحميد البرنس سلطة الحزب.. أوالجماعة في مواجهة الفرد.. من هنا تبدأ الأعمال الجليلة في التكون!.. 9 1342 عبد الحميد البرنس 04-07-05, 00:27 ص بواسطة عبد الحميد البرنس مقطع من سيرة العابرين 0 722 عبد الحميد البرنس 29-06-05, 08:10 م بواسطة رواية لحرب بعيدة جدا 6 1069 عبد الحميد البرنس 29-06-05, 04:34 م بواسطة عبد الحميد البرنس أنصاف مواهب.. عقبات مزمنة.. طموحات كبيرة ووسائل محدودة.. وأنفس مهترئة بمشاعر سلبية كالحسد!. 44 3197 عبد الحميد البرنس 18-06-05, 11:00 م بواسطة عبد الحميد البرنس من (كتاب القاهرة الطيبة) - 1 5 1219 عبد الحميد البرنس 15-06-05, 02:38 ص بواسطة عبد الحميد البرنس فضاء يصلح للتنفس سرا.. 2 1044 عبد الحميد البرنس 10-06-05, 10:45 ص بواسطة عبد الحميد البرنس إني لأجد ريح نهلة.. 37 3119 عبد الحميد البرنس 09-06-05, 05:13 م بواسطة عبد الحميد البرنس زاوية لرجل وحيد في بناية.. 20 1542 عبد الحميد البرنس 09-06-05, 08:31 ص بواسطة عبد الحميد البرنس
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبد الحميد البرنس _ كتا بات تتشعلق وتتعنكل العقل وتسر القلب (Re: Osman Musa)
|
نحن ضحاياه لا نعلم له إسما محددا. كل ما نعلمه أنه حمل خلال حكم المشير فحل بلد أم تور جاموس الثالث عشر إسم "الأمنجي". وذلك قبل أن يحمل بعد سقوط ولي نعمته عند منتصف الثمانينيات تقريبا بثورة شعبية تمت سرقتها في المهد إسم "الأمنجي السابق". وإن حمل خلال طفولته كما يرى العارفون أسماء عديدة من بينها إسم "الناظر الرهيب". والمراقبون لاحظوا أيام جبروته أن صورته كانت تظهر في الصحف حاملة أسماء ورتبا مختلفة. كانت تلك الصور تظهر في العادة ضمن القائمة السنوية التي كان يصدرها مكتب المشير آنذاك لأمنجية أنجزوا خدمات للنظام تطلق عليها الصحيفة الوحيدة في البلاد دائما صفة "جليلة". لكن بعض الناس الذين نالوا حظا من علم النفس ينفون أن يكون الأمنجي السابق قد ظهر حتى ولو عابرا عبر جهاز إعلامي ما. كأن يقف كجزء ضئيل من خلفية مبهمة مكونة من آلاف الأوجه المجهولة أثناء تصوير المشير وهو يتفقد الجماهير في منطقة تشابه مدينة واقعية. ذلك أن للنظام مدن سرية تشبه المدن التي يراها التلاميذ في الخريطة أثناء حصة الجغرافيا. كان يدفع إليها بالكثير من الأمنجية وأسرهم ليلا ليستقبلوا المشير في الصباح كسكان أصليين على وجوههم آثار النعمة والولاء اللامحدود. وكان المشير لعدله يتجول بينهم بلا حراس إلى الدرجة التي كان يجلس معها على الأرض بين عمال الميناء بهيئاتهم النظيفة وأحذيتهم العسكرية السوداء اللامعة. ولأنه شهير بحب السيجار الكوبي الفخم كان هؤلاء العمال المزيفون يقدمون له سيجارا ثم يوقدونه بقداحاتهم الماسية وقد رسخ في وعيهم أنهم يقدمون بذلك صورة جذابة للعالم في الخارج تعكس درجة الرفاهية التي وصلت إليها البلاد في ظل حكومة المشير الرشيد. وكان أولئك الذين نالوا حظا من علم النفس يدافعون عن موقفهم بحجة أن ضحايا الأمنجي السابق ماينبغي أن يعتد بشهادتهم حين يتعلق الأمر بالسؤال عن أوصافه الدقيقة. ذلك أن ماأصابهم على يديه جعل بعضهم يهاب الخروج من بيته تحسبا أن يكون الأمنجي السابق قد تنكر وقتها في هيئة عمود للنور عند ناصية الشارع. وأكثر من ذلك أخذ أحدهم يتجنب زوجته في الفراش ظنا منه أن مايراه لم يكن سوى الأمنجي السابق متقمصا كافة تفاصيلها بعد أن تم إغتصابها ودفنها في مكان ما. حتى أن شفرات الغزل السرية بين زوجين لم تكن لتعيده إلى رشده بعد سنوات التعذيب الطويلة في السجن على يد الأمنجي السابق شخصيا. ومع أنه تجنب معاشرة زوجته في تلك الأحوال إلا أنه خلال ساعات اليوم الواحد لم يكن ليكف لحظة واحدة وبلا سبب من كيل المديح للمشير مؤكدا بصدق شديد تنكره لماض ثوري لم يدفعه إليه سوى الجهل وأولاد الحرام. لكن المرتابين ظلوا يسخرون في السر من كل تلك التأويلات "التي لا أساس لها في الواقع" على حد تعبيرهم. كانوا يستندون في ذلك على تاريخ الأفعال الصغيرة التافهة التي أشتهر بها الأمنجي السابق وسط مجموعات كبيرة من محدودي الدخل. لكن أكثر مايلفت الإنتباه من كل ذلك اللغط هو الإختلافات الحادة بين إفادات الضحايا خلال الأيام الأولى لتلك الثورة الشعبية حول لون عيني الأمنجي ومكانهما من رأسه المستديرة ككرة من المطاط. لقد دفعت القاضي أثناء محاكمة رموز نظام المشير إلى التشكيك بجدية لا تخلو من عطف في مدى مايتمتعون به من قوى عقلية. لقد كان من السهل للقاضي وقتها التصديق أن السماء أمطرت يوم ولادة الأمنجي السابق دما أحمر من وجود عينين في رأسه تبيتان كل ليلة في موضع مختلف ولون جديد. كان الأمنجي السابق مختفيا خلال تلك المحاكمات العلنية في مكان ما. وكان من نتائج ذلك أن قامت صحافة العهد الجديد حسب رواية الشهود بنشر صور لشخص مطلوب القبض عليه بألف هيئة من بينها صورة لمواطن بعينين أسفل ذقن حليقة. ويبدو أن المكآفات الكبيرة التي رصدت لهذا الشأن قد دفعت المواطنين إلى وضع النساء أنفسهن في دائرة الفحص والتدقيق. لقد كان بسطاء القوم في تطلعاتهم المشروعة للثراء يدافعون عن أنفسهم حين يبطحون سيدة ما على قارعة الطريق قائلين ليس غريبا فعل ذلك على شخص له عينان في الجمجمة. لكن أكثر ما غاظ خالي حسين الذي ورث من جدتي المجرية زرقة عينيها المستديرتين تلك اليد الغليظة لرجل يقف في الصف إلى يساره أثناء صلاة الجمعة التي أحكمت قبضتها قبيل أن يفرغ الأمام من الصلاة على عنقه تماما قبل أن يتكشف لصاحبها الذي باغته لون العينين خلال الخطبة أن الأمنجي السابق ما كان له أن يتواجد داخل مسجد لأسباب خاصة وإن بدا على وجهه أنه غير مقتنع تماما بوجود عينين زرقاوين لبشر سوي في هذه الحياة. الأمنجي السابق أفصح بنوع من الفخر في لحظة سكر جمعته بمنفيين يقضون سحابة نهارهم داخل سوق تجارية ضخمة في تذكر نضالاتهم القديمة بشيء من الأسى أنه كان يتنكر وقتها في هيئة جامع قمامة في مصلحة البلدية مستغلا معرفته بالإختلاسات الضخمة لمديرها خلال العهد البائد. ويبدو أن المنفيين كانوا في حاجة ماسة إلى ذكرى حية من ذلك العهد لتصفية حسابات تاريخية عجزوا عنها وقتها فكانوا يصفعونه بلاسبب على وجهه أحيانا. وكان هو يتقبل ذلك بتسامح كبير خوفا من قذفه إلى التفسخ في عزلة مطبقة مليئة بالكوابيس الليلية لضحايا دفنهم من قبل أحياء فعادوا الآن في هيئة أشباح يزعجون ماتبقى له من سنوات ولاهم لهم سوى ملاحقته إلى نهاية العالم. لكن ماحدث أثناء ولادة الأمنجي السابق على يد الداية أم صدير أمر يفوق الخيال.
| |
|
|
|
|
|
|
|