نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
|
مصطفى سيد أحمد ... الصوت والشجن
|
Quote: مصطفى... الصوت والشجن
لا أدعي معرفتي بالفنان الراحل المقيم مصطفى سيد أحمد، معرفةً تامة لدرجة أن أقوم بتشخيص حالته الفنية أو الإنسانية، بقدر ما أعرف أنه فنان يحرك في داخلي أشياء كثيرة .. ففي صوته ذلك الشجن الذي تحس معه بالنشوة حيناً، وبالفرح حيناً آخر، وتتوه معه في الدموع والعذاب أحايين كثيرة .. صوت مصطفى يمثل لي كل الحالات والإنفعالات الإنسانية التي تمر بي .. فحين أحس بالتوهان ألوذ بصوته وأستنجد .. وحين أحس بالفرح أهرع لصوته وأبشره .. وحين أحس بالحزن والعذاب أرتمي في حضن صوته الدافيء فينسيني ما بي من أسىً وشجن .. وحين تشتد بي لوعة الشوق أحس في صوته المعين لتحمل نار البعاد ..
مصطفى حالة متفردة من الإبداع قلّ أن يجود الزمان بمثلها .. كنتُ وما زلت أتتبع خطاه للتعرف عليه أكثر وأكثر .. سمعته أول مرة وأنا أستكشف الغناء السوداني الذي لا أعرف ملامحه جيداً في ذلك الحين (بسبب التنشأة خارج السودان) .. إلاّ من خلال وردي ومحمد الأمين وسيد خليفة وصلاح بن البادية – بحكم إستماع الكبار من حولي لهؤلاء– وكنت أعتقد أن الفنانين السودانيين ينحصرون في هؤلاء فقط .. وبدأت أكتشف ملامح صوته ومفرداته التي كانت عصية عليّ نوعاً ما .. أحسست بشيء ما يشدني إليه .. شيء غامض لا أفقه كنهه .. ما زلت أذكر صوته يشدو:
بلابل الدوح ناحت على الأغصان طرب وسرور مالت فريع البان
وقلت في نفسي إن في هذا الصوت سرٌ ما .. سرً غامض .. ويجب علي أن أكشف ما هو .. ظللت أتقصّى بعض الأخبار هنا وهناك .. وأشنّف آذاني كلما عبرت سيرته في مكانٍ كنت فيه .. حتى أيقنت أنه هو الذي يجب أن يكون من أسمع ولا غيره ..
بعض أخبار عن إنتمائه السياسي لم أفهمها وقتها .. كانت سبباً في سخط البعض عليه .. ربما لإنتمائهم إلى كيانات أخرى .. ولكن هذا لم يهز من المكانة التي وضعته فيها .. فما كنت بعد أفهم السياسة وتعقيداتها .. وكان صوته وحرفه وموسيقاه هي الهدف الوحيد .. فما يفعله في حياته الخاصة وإنتماءاته رهن به وحده ولا دخل لي فيها .. ما دام هو مواصلٌ في إبداعه الذي يُسكرني .. وما زلت عند رأيي أن إنتماء الفنان لأي كيان سياسي ما لا ينفي كونه مبدعٌ بشكلٍ أو بآخر .. ربما يختلف معي البعض في هذا .. ولكن يجب أن نتعامل مع كل حالة على حدة.
هذه الحروف ليست بحثاً في صوت مصطفى وأغنياته وألحانه .. بقدر ما هي محاولة للبوح "بالريدة" والعشق لهذا المتفرد الذي رحل وأنا في أشد الحوجة إليه وإلى صوته وأغنياته .. ولكن يبقى العزاء في أنه خلد فينا بما خلفه من إرثٍ، وأعني بالإرث تلك الدروس والعبر التي تحتويها أغانيه إن كانت في حب الوطن أو في معاناة البسطاء و"الترابلة" أو الحب والعشق أو في أي منحى من مناحي الحياة المختلفة .. سيظل صوت مصطفى باقٍ يرن في آذاننا ما بقينا .. وسيظل ذلك المحرك لكل المكنونات المعرّفة والمجهولة بالدواخل الإنسانية عبر كل الأزمان .. وستظل ذكراه باقيةً في دواخلنا .. وسيظل حبنا له يتأجج ويشتد .. كلما سمعناه وكلما مر بخاطرنا .. وكلما دندنا بلحنٍ من ألحانه.
مصطفى... أحبك وكفى |
نشر المقال بالمشهد الثقافي لجريدة الأخبار صباح اليوم الخميس 14/1/2010
|
|
|
|
|
|
|
|
|