جـوبـا... من رأى ليس كمن سمع
بلاد يمتلكك الحنين لها, سمعنا عنها فى ساحات الفداء و قرأناها علي صفحات الجرائد, كانت الأخبار دائما ما تأتينا منها علي شاكلة سقوط طائره هليكوبتر فى أحراش الجنوب علي أيدى المتمردين. نحن أبناء جيل يفتقد الإنتماء للوطن و التاريخ و أشياء أخرى كثيره, الوطن؟ كلمه نفتقد الإحساس بها ولا ندرى ماذا يقصد منها؟ أو ماذا يفعل بها؟ آخر عهدنا بهذه الكلمه علي ما أذكر كانت المرحلة الإبتدائيه حين كان نشيد العلم آنذاك "نحن جند الله جند الوطن" و قبل أن يستبدله الممسكون بزمام الحكم الآن إلي "رياح الجنه هبي", حينها أصبحنا لا ندرى هل الوطن هو الجنه أم الوطن هو رقعة مليون ميل مربع تسمي السودان؟ كانت السلطه تدفع بأبناء هذا الجيل إلي التجييش و الموت السريع بطلقه تساوى نصف دولار علي الأكثر هذا هو الوطن الذى غرسوه بداخلناعلي ما أذكره. و هنا أذكر أيضا عندما كنت موجودا بإحدى دوائر الوعى بالخرطوم و سأل أحد المنتمين للأجيال الأخرى عن الوطن فأجابه أحد أبناء جيلي بأنه فليحترق هذا الوطن و لتحترق هذه البلاد فهى لم تقدم لنا شئ و نحن لا ننتمي لها بشئ بل على العكس تماما فهى أخذت منا أكثر مما أعطتنا, هذه بلاد قد يختلف حولها من ينتمون إلي أجيال أخرى لأنها قدمت لهم كل شئ, أخذتهم من بين أهليهم و أدخلتهم المدارس بالقوه و ما زالت تعطيهم حتي جعلت منهم رجالا يعتمدون علي أنفسهم. أما نحن ننتمى لزمن فعلنا فيه بأنفسنا كل شئ بل صرنا ندفع لهذا الوطن بدلا من أن نأخذ منه, لذلك تجدني الآن أعتقد جازما أن الوطن هو وطن تلك الأجيال الغابره التى ما زال يعطيها بجميع و إختلاف أشكالها حين تكون فى سدة الحكم أو متاجره بإسمه فى المعارضه. عندما أوشكت الطائره علي الهبوط تذكرت كيف زف لنا الإعلام موت الزبير نائب الرئيس السودانى و كان السبب حينها أن ال "RUNWAY" بمطار جوبا قصير جدا مما جعل الطائرة تخرج منه و هذا بالضبط ما أحسسته عندما هبطت الطائره و أصبحت تجرى و الكابتن يحاول التحكم بها لدرجه جعلتنا نحن الركاب نحس بقوة الفرامل أو لا أدرى ماذا يسمونه خبراء الطيران, نزلت فى مطار جوبا بسلام و شكرت الله كثيرا فكون أن تنزل سالما فى تلك المناطق هذه نعمة يجب أن تشكر الله عليها مدى الدهر, المهم أول ما أحسسته و أنا أتجول بنظرى فى المنطقه الممتدة بين الطائره و صالة الوصول أن هذه البلاد أهلها أكثر قدرة علي إدارة بلادهم من غيرهم, تجولت كثيرا فى صاله الوصول التى هى أصغر من صالة إستقبال الزوار بمنزل أى من وجهاء شمال البلاد و أول ما عرفته أن هؤلاء قوم زنوج بالفطره فملامح الجنوبيين بالشمال فى سوق نيفاشا و أحياء مايو و الحاج يوسف تختلف تماما عن ملامحهم بجنوب البلاد, لا أدرى هل هى رهبة اللقاء الأول أو تلك حقيقة و لكن علي العموم كان هذا هو أول ما عرفته أن الجنوبيين هم هم و لكن ملامحهم فى الجنوب تعطيك إحساس أنهم أكثر إفريقية. أكثر ما أحزنني من أول دقائق أيضا هو الكم الهائل من الشعر المستعار الذى لا تخطئه عينك عند الوقوع علي أول إمرأة جنوبيه تقابلك فى المطار, تسائلت حينها لماذا و هن يمتلكن تسريحات إفريقيه غاية فى الجمال علي شاكلة مشاط بتعابير مختلفه, تمنيت حينها لو أستطيع الإمساك برؤوس هوؤلاء و أقول لهم كم يأسر الرجال مشاطكم التلقيدى ذاك لأنتزع شعرهن المستعار و أقول لهم أنه مستعار و كذلك الذى يقف بجانبي يعرف ذلك من أول نظره و كذا الذى يقف أمامي و هذا و ذاك جميعهم يعرفون و أنه ليس جميلا علي الإطلاق أو علي الأقل أنه أقل جمالا من شعركن الطبيعي بمشاطه التقليدى. قطع تفكيرى بقضية الشعر هذه تلك الرائحة التى تنبعث من معظمهم إن لم أقل جميعهم فرائحة المريسة قد مررت بها من قبل و لم تخطئني أبدا, حينها عرفت أنها ستكون أول ما يعيق تقدم هؤلاء القوم. أخيرا قد وطأت قدماى أرض الجنوب, فعندما كنت أشد أحزمتي و أهم بالرحيل إلي الجنوب صحبتني دعوات الأهل, تمتمات من الحبيبه و حفنة من نظرات وداع الأصدقاء. أخيرا أيضا ها أنا أهم بمغادرة مطار جوبا الذى وضع عليه لافته مكتوب عليها "مطار جوبا الدولي" قرأتها و ضحكت سرا, لماذا لا أدرى, أعني أننى أدرى لماذا ضحكت و لكني لا أدرى لماذا ضحكت بصمت؟ قد يكون هو وازع ما تبقي من أفكار علمانيه إعتنقتها أيام المراهقة التى صحبتها مراهقتي السياسيه و لكن الأرجح أنني كتمت ضحكتي سرا لأنني أحسست بأن هؤلاء القوم ورثوا منا السياسه بكل أمراضها و أعراضها الجانبيه فالضحك يدعو للشك عندهم و هم فى ذلك مثلهم مثل كل بلاد العالم الثالث, فنحن كمواطنين ليس من حقنا أن نضحك فى المطارات أو نبتسم أثناء قيامنا ببعض الأعمال فى الدوائر الحكوميه, حدث ذلك لي أيضا فى مطار دبي الدولي "Terminal 3", نعم هو دولي بكل مقاييس البناء و التصميم و لكنه يفتقد إلي الإنتماء و البيئه المحيطه, فليس فيه ما يوحي لك بأي بلد أنت؟ فقد وضعوا فيه كل شئ من سلالم متحركه و شلالات مياه زجاجيه و سوق حره, لكنهم نسوا أن يضعوا فيه نكهة "الأمارات العربيه" هذا إن كانت لها نكهة. عندما وقفت لإكمال إجراءات خروجى وقفت أمام فتي يافع يلبس جلباب ناصع البياض و لكنه يوحي لك أيضا بأنه صاحبه قليل الإمكانات العقليه, فهؤلاء قوم حباهم الله بالغني و أفقدهم الذكاء و سرعة الفهم فسبحان المانع و المعطى بقدر, وقفت أمامه و أعطيته كل ما يلزم لإتمام الإجراءات التى خبرتها عن ظهر قلب لكثرة الأسفار و التى لا يوجد فيها ما يستدعى لشئ يذكر, رأى صاحبي جواز سفرى السوداني فأصبح يقلبه كيفما يشاء عندها رن هاتفى الجوال فهممت بالرد عليه عليه بصوره عفويه جدا فما كان ما صاحبي الأماراتي إلا إن قال بكل جديه "التلفون ممنوع" هه! التلفون ممنوع. OK رددتها له بالإنجليزيه لعلمي المسبق بأنهم قوم لا يجيدون الإنجليزيه بل و يتضايقون منك عندما تتحدث لهم بها, ففى زيارتي الأولي لدبي و كنت عائدا حينها من لندن كنت أتحدث معهم بالإنجليزيه لا لشئ و لكن لما تبقي من لسان معووج إعتاد التحدث بها فى الأيام السابقه و أيضا لما نقله لي جهلاء القوم من السودانيين المتواجدين بالأمارات من أن الأماراتيين قوم يجيدون الإنجليزيه بل أن ثقافتهم أيضا أصبحت ثقافه غربيه, حينها أوقفني الضابط المسئول كيفك يا زول Fine thanks ويش بيك يا زول أنا أقولك كيفك و إنته ترد عليه بالإنجليزى, إنته جاى من لندن و تبقي تاخد تأشيره يومين مو هيك؟ أو كما قال بعربيتهم التى هى أقرب للرطانه منها للعربي الذى نعرف. أحسست بأنه أعطاني خيط الإعتذار, معليش لكن لسه أنا معتاد علي الكلام بالإنجليزى عندها أدركت ما إرتكبت ما حماقه و علمت أن الضابط قليل الإلمام بهذه اللغه, عندها أيضا علمت أن الأماراتيين لا يجيدون الإنجليزيه بل أن السودانيين الموجودين هناك يجهولون ما هى الإنجليزيه لذلك يرون أن هؤلاء القوم ملمون بتلك اللغه, واصل صديقي الأماراتي المتواجد عند تأشيرات الخروج هوايته فى تصفح جوازى و نظرة الإحتقار لنا كسودانيين فى عينيه تصحبها نظرة حسد كلما مر بتأشيره دوله ما, قرأتها فى عينيه يقول كيف لهذا الأسود أن يسافر كل هذه الدول, وضع لي ختم المغادره مصحوبا بإمضائه البدوى الذى حمدت الله كثيرا عليه, لذلك أعتقد أنني ضحكت سرا فنحن كسودانيين يمكن أن نكتب "البان الجديد للعمارى الدولي", "شركة حسنكو العالميه" و أيضا مدارس "أستاذ الفاضل العالميه" و علي ذلك قس فكلمة عالميه و دولي مصبوغه فى أذهاننا أكثر مما هى مربوطه بواقع العمل, فنحن قوم تكمن مشكلتنا و التى تجعل كل شعوب العالم تحتقرنا أننا تجد الفرد فينا متمكن من أداء وظيفته و لكنه لا يدرى كيف يقدم نفسه فى المظهر و السلوك و لكننا فى نفس الوقت نريد أن نكون عالميين و دوليين حتي ولو كان ذالك بالألفاظ فقط. و أنا أهم بمغادرة المطار رأيت شابة تجلس علي المقعد الخلفى فى عربه لانكروزر حديثة الصنع يقودها شخص يظهر عليه أنه السائق مع أنه يحمل نفس سحنات الفتاة التى توحى إليك طريقة جلوسها بأنها مالكة السياره علي عكسنا فى الشمال فغالبا ما تجد أن سحنة الذى يقود العربه تختلف عن صاحبها و ذلك لإرتباط ذوى السحنات السوداء أو ما يسمونهم بالغبش فى بلادى بالأعمال الهامشيه, ليس هذا ما أزعجني و لكن وجود فرد ثالث فى السياره رباعية الدفع فى المنطقة المخصصه للعفش برغم فراغ جميع مقاعد السياره الاخرى هو ما أزعجني حقا, إن كانت هذه الفتاة هى صاحبة السياره فمن حقها أن تجلس فى المقعد الخلفى لكن ما المانع من أن يجلس هذا الذى فى مؤخرة السياره بجوار السائق؟ لا لشئ و لكن حتى إن كان كتعبير من إعطائه قليل من الكرامه, فجلوسه بهذه الطريقه مكوم كالبهيمه التى تؤخذ للذبح أو كالعفش الذي نحمله لمغترب عائد من المطار هذا ما أزعجني حقيقة و جعلني أدرك أن هؤلاء القوم طبقات و لديهم تمييز كبير جدا أكثر من الموجود بيننا كشماليين و جنوبيين. أخذت فيما أخذت من تجوالي و نظراتهم بأنهم أكثر ثقة فى أنفسهم فى تواجدهم بالجنون من الشمال, هم أيضا أكثر سلما و أقل عدوانيه, نسائهم جميلات حد الثماله أفريقيين الثقافه التى بدأ واضحا أنها ممزوجه بشئ من الثقافه الغربيه, ليس من العيب أن يأخذ الإنسان الإفريقي من الثقافة الغربيه شئ, و لكن كنت أتمني أن يبدأ الجوبيين من حيث إنتهي الاخرون فالكل أخد من الثقافه الغربيه أسوأ ما فيها, و فى هذا تتساوى جميع شعوب العالم الثالث, لذلك كنت أعتقد بأن الجنوبيين عندما يبدأون في بناء دولتهم سيهتمون بثقافتهم و سيدركون ماذا يريدون أن يأخذوا من محاسن الثقافات الاخرى, أخذوا من الغربيين بنطال الجينز الضيق و البلوزه عارية الأكمام و الصدر و بعض المساحيق التى توضع علي الوجه, رجالهم يرتدون البدله الأوربيه دون أن يضعوا حساب لعرض الكتف و طول الأيدى و أشياء أخرى تجعل المظهر يبدو غير متناسق تماما و يعطيك الإحساس بأن شئ ما خطأ يحدث, هم قوم إذن إختاروا أن يعتمدوا علي المظهر أكثر من المضمون غناء فاجر و فقر قاهر قساوسه بالزى المسيحي و أشياء أخر. حقيقة أحسست بأنهم يريدون أن يفعلون شئ و لكنهم لم يدركوا إلي الان ما هو؟ أو كيف سيفعلونه؟ تتوفر له الإمكانات, الثقه و الفكره العامه لذلك وددت لهم الإنفصال عسي أن يستطيعوا أن يحققوا ما يحلموا به و لكنى تريثت قليلا, فعندما تتجول كثيرا و تنظر للأشياء من عدة نواحي تدرك أن بالجنوب دوله لم تكتمل ملاحها بعد فهو مشروع دوله يمكن لها الإنفصال و لكن ليس هذا الوقت المناسب, الجنوب و أنت خارج من المطار يحمل من اليمين دوله لها ملامح أديس فى الفقر ولا يخلو ما مفارقات دول العالم الثالث فتجد طبق هوائي محاط بحظائر البهائم ما ذكرني مقولة أحد مدراء المنظمات العالميه عندما زار شمال السودان فى تسعينيات القرن الماضى و حينها كان الإسلاميين ممسكون بقبضه من حديد علي السلطه و الحرب فى أوجها و الجهاد معلن قبل أن يأتي شيخهم الترابي لاحقا بعد المفاصله التى أدت لأنشقاقهم أخيرا و يعلن أن موتي الشماليين فى حرب الجنوب "فطائس" بعد أن كان يقام لهم عرس الشهيد قبل أن تجف دمائهم علي أرض الجنوب, فسبحان مغير الأحوال, فالقلوب بين يدي الرحمن يقلبها كيفما يشاء, اللهم ثبت قلبي علي دينك يا الله. كان برفقتي شاب من مثقفي الجنوب, كان فى قمة الكرم فأنزلنني بفندق علمت لاحقا أنه الأفضل علي الإطلاق وجدت بإستقبال الفندق فتاة غاية فى الجمال من ملامحها أدركت أنها أثيوبية الجنسيه فهؤلاء قوم خبرتهم منذ سنين مضت, لاحقا و أثناء تجوالي بالمدينه أدركت أن الجنوبيين يميلون للأثيوبيين فى كل شئ لذلك تجد الأثيوبيون يتواجدون فى كل شبر من أرض المدينه و يعملون بشتي المجالات. أكثر ما أثار فضولى هو أن الفندق تم بنائه بمباني تم تركيبها بصوره مباني متحركه, وهو الشئ الذى لاحقا فهمت أن هؤلاء قوم من الأفضل لهم أن يستثمروا أمولاهم فى الجنوب فى الوقت الحاضر و لكنهم كجميع رجالات الأعمال فهم قوم تهمهم أمولالهم أكثر من مصير العباد و البلاد, نظرتهم للأمور بأن هذه المدينه ترقد علي رماد من تحته نار هادئه أو بتعبير آخر أنها مدينة تجلس علي رمال متحركة, هى أيضا مدينه قد يأتيها الطوفان ما بين عشية و ضحاها لذلك هم قوم يهمون بالرحيل فى أى لحظه و يريدون حتي أن يحملون معهم ما بنوا به الأموال فى الوقت الحاضر, و من يعلم؟ قد يقومون بتركيب هذه المباني فى الفاشر بعد أن تهدأ الإمور لا محاله بسلاح كان أم المفاوضات, أو سيضعونها فى أى من البلاد الأفريقيه الأخرى, فبينهم زواج كاثوليكي علي ما يبدوا, فهؤلاء رجال أعمال يجيدون الإستثمار علي حساب الآخرين و هذه قاره خبرت الحروب و الدمار لكل شئ. حدث لي ما كان فى الحسبان قبل أن أمتطى تلك الطائره المتجه جنوبا و ما لم يكن فى الحسبان منذ أن وطأت قدمي أرض جوبا التى أحسست بإلفه معها و دفئ غريب, علي بعد 50 مترا من مركز للشرطه الذى تركناه خلفنا أثناء مرورنا به و قبل 50 مترا أخرى من الفندق الذى يقع أمامنا أى في منتصف المسافه تقريبا و تحت ظل شجره كان يجلس فرد بكامل ملابسه العسكريه, لاحقا عرفت أنه ينتمي لأفراد الجيش التابع للحركه الشعبيه, ما أن رأى العربه تسير فى الطريق و إقتربت منه حتي قام ووقف فى منتصف الطريق و أشار للسائق بالتوقف, إستعجبت من الأمر فلا يوجد ما يوحي بأن هذه منطقة تفتيش أو ما شابه. دار نقاش هادئ بينه و الفتي الجنوبي الذى كان بصحبتي و كان يجلس فى المقعد الأمامي للعربه, فعندما هممنا بمغادرة المطار أشار لنا بالركوب فى المقعد الخلفي وترك المقعد الأمامي له, لم أهتم للأمر حينها كثيرا و لكني فهمتها الآن, فوجود سحنة غير الجنوبيه أيما كانت و خاصه الشماليه تدعو الاخرين لإختلاس النظر و قد يكون التتبع أيضا للعربه لذلك فضل أن يكون هو فى المقدمه, ما زال يدور الحديث بينهما بإحدى لغاتهم المحليه و مازال الفتي الذي لم يبلغ الحلم بعد -علي ما يبدو لي- ينظر تاره بعد تاره بإتجاهنا بالخلف فقد كان بصحبتي رجل من البيض الأوربيين, آآآآآه - الان بدأ يظهر الوجه القبيح لتلك البلاد- إالتفت ناحيتي الذى كان برفقتنا و قال لي أن أعطي ذلك الفتي أى مبلغ من المال, سألته حينها "كم يعني" فقال لى أى شئ "إثنين جنيه تلاته أى شئ", أخرجت محفظتي بتوجس ووجهتها للأسفل خشية أن يري ذلك الفتي ما بداخلها فيطلب المزيد, أعطيته ثلاثة جنيهات سودانيه ما يعادل ثلاثة ألف جنيه سوداني بالعمله القديمه أو قل دولار و نصف بالتقريب إن شئت, أشار إلينا بالمرور فسألت الذى برفقتنا ما هذا؟ أجابني بأن ذلك الفتي ينتمي للجيش الشعبي للحركه و هل هذه نقطه تفتيش هو يجلس فيها؟ إذ لا يوجد ما يدل علي ذلك فهذا الفتي فقط يجلس تحت ظل تلك الشجره نعم هذا صحيح, لكنه قال أنهم لم يأخذوا مرتباتهم منذ ثلاثة أشهر و أنه يريد شئ ليشترى به طعام و ما دخلنا نحن بذلك؟ هؤلاء فتيه جندتهم الحركه من الصغر و هم لا يعرفون شئ غير الحرب, الآن إنتهت الحرب و أصبجوا بلا عمل بل أصبحوا عاله علي الحركة الشعبيه, الحركه الان لا تفى بإلتزاماتهم عليها أو علي الأرجح تستكثرها عليهم لذلك تجدهم يتفرقون في الأنحاء يدخلون المتاجر أو يوقفون الماره ليأخذوا منهم ما يستطيعون و ماذا إن لم أعطهم؟ لا أستطيع لك التنبؤ كيف ستكون ردة فعله, قد يجعلك تمر بسلام, قد يطلق عليك النار, قد يجعلك تمر و يوقفك عن مرورك بهذا الشارع إن صادفك مره أخرى أو قد يتركك تمر الآن و يطلق عليك النار إن شاهدك مره أخرى, لا أدرى حقيقة لا أدرى ماذا يمكن أن يحدث فالأسلم دائما أن تعطيهم ما تستطيع فهؤلاء حتي الحكومه لا تستطيع إيقافهم. عموما عندما تتجول فى أنحاء المدينة تشاهد مباني يعاد ترميمها, بدلات عسكريه توزع فى الشارع لتعرف حينها أن مفهوم المليشيات مازال موجودا, أما أكثر ما أعجبني أن النساء هناك يعملن فى كل شئ, فى شركات الحراسه, عسكريات فى شرطة المرور و سكرتيرات فى غاية الجمال, الآن فقط أدركت أن الجنوبيات هم أفضل من يجيد عمل السكرتاريه فى السودان علي الإطلاق, وجه بشوش, بسمه ترتسم علس الشفاه, أناقة مكتمله و إحترافيه فى طريقة أداء المهنة. عموما أيضا علي الجانب الآخر يوجد بالمدينه شوارع مرصوفه لا تتتعدى أصابع اليدين -حتي الان-, و عربات حديثة الصنع جميعها, فعلي ما يبدوا أن هؤلاء القوم ينفقون علي العربات أكثر مما ينفقون علي البني التحتيه التى لا يوجد لها أثر علي الإطلاق فى المدينه, فى الخرطوم نحن نعرف أن ال "ARMADA" يركبها جمال الوالي و شلة صغيره من الذى إمتلكوا المال حديثا من غير أن يشقوا فى جمعه بالإضافة إلي آخرون ممسكون بزمام السلطه فى الخرطوم لا يتعدى عددهم مجتمعون العشره, إنما فى الجنوب تشاهد ال "ARMADA" و ال "SEQUOIA" و ماركات أخرى من العربات لم تشهدها الخرطوم بعد, أذكياء هؤلاء الإسلاميين فقد جعلوا الفساد يستشرى فى الجنوب أيضا أكثر مما هو مستشري فى الخرطوم, قد يكون من باب أن يجعلوا الجنوبيين غير قادرين علي فتح ملف الفساد أو قد تكون إستراتيجيه لجعل الجنوبيين فى كف الإنقاذ يقودوهم كيفما شائوا, إستغرابي ليس فى أن يكون بالجنوب عربات حديثة الصنع و لكن إستغرابي يكمن فى أن الجنوب ليس مؤهل بعد من ناحية شوارع لقيادة مثل هذه العربات فعلي بعد كل متر توجد حفره – و هذه حقيقة و ليس صيغة مبالغه – مما جعلني أريد الإستفراغ من شدة الحركه و تمايل العربه و إقترحت للذين بصحبني أكثر من مره أن نكمل بأرجلنا بدلا من ركوب العربه, فأى كانت نوع العربه التى تركبها ستهلك لا محاله فى عام علي الأكثر فى تلك البلاد, إذن الذى يركب عربه تبلغ قيمتها أو تفوق الثلاثمائة مليون جنيه سودانى فى تلك البلاد هو قطعا إنسان لا يخشي الفقر -لا محاله-, هنالك أيضا أطفال مدارس يصطفون للحمامات و جنسيات أفريقية من كل صوب تملأ المدينه حد الإكتفاء و فساد مستشري عرفته عندما مررنا بالبيوت الحكوميه جوالي الساعة العاشره صباحا فشاهدت أكثر من سبعة عربات داخل منزل أسواره من قش, فسئلت الذى برفقتي هل كل هذه العربات لشخص واحد؟ أجابني نعم ثم إستدرك, هذا يمتلك أكثر من هذا العدد لأنه الآن الساعه العاشره فهذا يعني أنه غادر للعمل بعربه. فنادق و بارات و سهرات نهاية عطلة الإسبوع, مؤتمرات تقام يحشد لها الشباب يتحدثون فيها باللهجات المحليه لذلك لم أدرك ما يقال فيها و لكن من طريقة الخطاب و تفاعل الحاضرين أدركت أنها مؤتمرات ثوريه لا أكثر القصد منها الحشد لقوم من البسطاء تقودهم العاطفه بالضبط مثل ما يفعله الإسلاميين من حشد للرجرجه و الدهما و النطيحة و ما أكل السبع يحدثونهم كيف أن أمريكا روسيا قد دنا عذابها. و أنا أغادر جوبا سألت نفسي هل سينفصل هؤلاء القوم أم لا؟ الأمر لم يستغرق منى زمن لمعرفة الإجابه, مما رأيته هناك أدركت أن زمن الحرب قد ولي و أتي زمن الرفاهية, أدركت ان التنميه فى الجنوب شبه منعدمه تماما و أن القوم ا لا يتطاولون فى البنيان مثل البدو الخليجيين إنما هؤلاء قوم يستعرضون "بنائهم أرضي مسطح" فى البنيان علي طريقة الريف الإنجليزي, أدركت أيضا أن المشكلهأصبحت حاليا ليست مشكلة حقوق و لا مشكلة سلطه أو هل يمكن أن يحكم السودان رئيس من أبناء الجنوب, المشكله ليست تفرقه عنصريه أو كبت ديني, فللأسف الذي سيقرر مصير الجنوب ليس ذلك المواطن الجنوبي البسيط الذي بدأت الحرب حتي إنتهت و هو لا يدري فيما كان القوم يحتربون, الذي سيقرر المصير ليس هو الجندى البسيط الذي يكتفى بثلاثة جنيهات للقيمات يقمن صلبه, الذى سيحدد مصير الجنوب هم ثلة من المنتفعين الذي بدأ الثراء يظهر علي وجوههم تماما مثل الذين أتخمهم الثراء فى شمال البلاد فأتخذوا قرار نيابه عن السودان بأجمعه أن يعطوا الجنوب حق تقرير المصير, أدركت تمام أن هؤلاء القوم منفصلون لا محاله, فالذي إعتاد رقد العيش و الكسب السهل يستصعب العوده للحرب مره أخري, و الذى يأخذ المال ليلا يطلب المزيد نهارا, و الذى يشتم رائحة المال سيفعل المستحيل للإمساك بمنابعه و الإمساك بمنابع المال تقتضي الإنفصال و السلطه المطلقه مثلما إستفرد الإسلاميين بالبلاد. (عدل بواسطة ناصر البطل on 01-02-2010, 01:57 PM)

[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان

اراء حرة و مقالات	Latest Posts in English Forum
Articles and Views	اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases	اخبار و بيانات

الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة

About Us
Contact Us
About Sudanese Online

اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين

News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums

If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]