|
|
 Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة (Re: الجندرية)
|
الفصل الثاني
بعض العناصر البنائية
أولاً : الفضاء المكاني :
يرى الناقد البنيوي " يوري لوتمان " أن النماذج الاجتماعية والدينية والسياسية والأخلاقية في عمومها تتضمن ـ وبنسب متفاوتة ـ صفات مكانية ، تارة في شكل تقابل السماء / والأرض . وتارة في شكل نوع من التراتبية السياسية والاجتماعية ، حين تعارض بوضوح بين الطبقات ( العليا )و الطبقات ( الدنيا ). وتارة أخرى في صورة صفة أخلاقية حين تقابل بين ( اليسار ) و ( اليمين ) أو بين المهن ( الدونية ) و ( الراقية ) …. وكل هذه الصفات والأشكال تنتظم في نماذج للعالم تطبعها صفات مكانية بارزة . وتقدم لنا نموذجاً أيديولوجياً متكاملاً يكون خاصاً بنمط ثقافي محدد معطىً " ( 1) .
ونجد أن الفضاء المكاني يأخــذ أهمية اكبر من تلك التي اسبقــها عليه الناقد البنيوي " يوري لوتمان " في منظور القراءة الجندرية ، إذ أن هذه القراءة تهتم أساساً، بمفاهيم الجندر وتنزلاتها في النصوص المدروسة، وإشكاليات التمايز الجندري وكيفية معالجتها فنياً داخل تلك النصوص؛ وهو موضوع متصل أصلا بالفضاء المكاني، وما تنتجه علاقات ذلك الفضاء الاجتماعية والاقتصادية من منظومة قيم ومفاهيم ، حول مكانة مفاهيم الجندر ، ادواره وهويته …. الخ ، وهذه المنظومة تختلف من مكان للآخر ومن ثقافة لأخرى ، بل أنها تختلف في المكان المؤطر ضمن مفاهيم الجغرافيا السياسية باعتباره مكاناً واحداً أي في الدولة الواحدة من حضر لريف ، وثقافة لأخرى في الدول متعددة الثقافات ، ومن عرق لآخر في الدول متعددة الأعراق ، ومن اثنية لأخرى في الدول متعددة الاثنيات وحتى من طبقة لأخرى .
الفضاء المكاني في رواية (عرس الزين) لم يتحدد بدقة بقرية (ود حامد)، ولكن تمت تسميته بوضوح، وتكرار، وإعادة في كل من روايتي (ضوء البيت ومريود ) :
"كنا أمام دكان سعيد والليل يزحف حثيثاً على ود حامد " (2 )
" يا زول . إنت عاوز حصة طويلة على شان نفهمك النظام الجديد في البلد . إنت فاكر ود حامد هي ود حامد ال إنت عارفها ؟ " (3 )
" ضحك ضحكته البريئة التي أذكرها من أيام طفولتي في ود حامد " ( 4)
الكلام أنت يا محيميد ضيعت عمرك في التعليم ولفيت ورجعت لي ود حامد السجم دي بخفي حنين " ( 5)
" يعني هسع جيت لي ود حامد المسجمة دي على شان فيها الحقيقة ؟ والله حكاية " (6 )
" رجعت عشان أندفن هنا . أقسمت ما أعطي جثماني أرض غير أرض ود حامد "( 7)
" إنت يا محيميد اما شاعر أو مجنون ، أو خــرف الشيخوخة . لكن اهلاً بيك ومرحبا . ود حامد مسجمة ومرمدة " ( 8)
" والدنيا في ود حامد فجر قرب يطلع " (9 )
" لم يكن عجيباً أنهم تسامعوا بنبأ الاحتفال الكبير في ود حامد " (10 )
" عصارة الحياة كلها في ود حامد " (11 )
" محيميد مما رجع لي ود حامد وهو يسأل وينشد تقول عاوز يؤلف تواريخ " (12 )
" يزعم بعض رواة الأخبار في ود حامد " (13 )
" كان رجلاً أبيضاً وفد على ود حامد " (14 )
" وهو راوية ثقة في تاريخ ود حامد " (15 )
" وفد على ود حامد من الحجاز " ( 16)
" سادة ود حامد الذين سميت البلد باسمهم ، وهي غير ود حامد الأخرى ، في الصعيد الموجودة قرب مدينة شندي " (17 )
" تحس كأن ود حامد كلها، بأنسها وحيوانها وشجرها، وحجارتها، ورملها وطينها، من أسفلها إلى أعلاها من برها إلى بحرها، قد اهتزت وارتجت وأصابتها قشعريرة " (18 ).
ويتضح لنا أن الفضاء المكاني للروايات الثلاث ـ محل الدرس ـ هو فضاء مشترك للأسباب التالية :
1- تكرر ظهور الشخصيات ـ خاصة الرجالية ـ (محيميد، محجوب، الطاهر ود الرواسي، الطريفي ولد بكري، الزين، سعيد عشا البايتات، سعيد القانوني، سيف الدين، شيخ الحنين، حاج عبد الصمد، وغيرهم )؛ وتطور تلك الشخصيات والتغيرات التي طرأت عليها على امتداد الروايات الثلاث، ليس على مستوى الاسم فقط كحال سعيد البوم الذي كان " بوماً" في رواية عرس الزين وأضحى " عشا البايتات" في رواية بندرشاة بجزيئها، بل أيضاً على مستوى التحولات الجوهرية في مكانتها الاجتماعية وانتمائها الفكري وإسهامها في السرد والأحداث والمصائر التي آلت إليها، كحال الزين الذي أصبح من الأعيان، وسيف الدين الذي أوشك أن يكون نائب في البرلمان، واتجاه عبد الكريم ود أحمد إلى التصوف:
" ما دام عبد الكريم ود أحمد بقى متصوف، والزين من الأعيان، وسيف الدين على وشك يعمل نائب في البرلمان، ايه الغريب سعيد البوم يكون اسمه سعيد عشا البايتات " (19 )
" أما أن سعيد البوم يصبح صهراً للناظر بجلالة قدره فهذه هي المعجزة " (20 )
" سيف الدين حصل عليه شنو ؟ ارتد تأني ولا إيه ؟ " (21 )
2- تتبع الشخصية منذ طفولتها وحتى شبابها ودورها الذي تلعبه على طول الروايات المدروسة، كما حدث لشخصية (الطريفي ود بكري ) التي كبرت ونضجت ثمرة تمردها في روايتي ضوء البيت ومريود ، بعد أن كانت مجرد بذرة عند ظهوره طفلاً في رواية عرس الزين.
"قدرت أن الطريفي لابد أن يكون في السادسة والثلاثين ، أو السابعة والثلاثين ، فقد كان في نحو الثانية عشر في عام عرس الزين" ( 22) .
" أيام عرس الزين أوكله محجوب بتوفير العلف لحمير الضيفان وكان هو أميل لتوفير الخمر لشاربين ...... محجوب انتهره وصفعه ولم يسكت الطريفي وقال له << أنت فاكر نفسك مين ؟ >> وترك العرس ولم يشارك فيه " (23 )
3- الكثير من الإحالات في روايتي ضوء البيت ومريود إلى بعض الأحداث، التي حدثت في رواية عرس الزين مثل :
" علي الحرام أخوك عرس عرساً خلى ناس هالبلدة تنسى عرس الزين " (24 )
" عرس الزين كان أعجوبة " (25 ).
" عرس الزين بقى جنبه زي الطهورة " ( 26)
ما سبق ذكره من أسباب، يكاد يجعلنا نجزم بان الفضاء المكاني لروايتي ضوء البيت ومريود هو ود حامد كما في عرس الزين ، وهو مكان متخيل شمال مدينة شندي بشمال السودان ، فقاطنو ذاك المكان يعتبرون شندي (صعيد) أي جنوبهم. وكما ذكر محمد خلف الله في مقاله (الحوارية النصية في عرس الزين) أن المؤلف يجعلنا " ندرك بصوره كافية أن ود حامد هو اسم تلك القرية الصغيرة عند منحنى النيل : مسرح رواياته وبعض قصصه القصيرة والإطار المكاني العام لمتنه الروائي المفتوح" ( 27).
ويبدو من ناقلة القول ذكر أثر الفضاء المكاني كمحمول ثقافي على الشخصيات من حيث بناؤها .. هويتها .. وفعاليتها ، وعلى لغتها على وجه الخصوص ؛ وأيضاً أثره على مفاهيم الجندر ، لذا تمت قراءة هذه المفاهيم ، وتنزلاتها الفنية في النصوص المدروسة ، على أساس أنها تلك السائدة في المنطقة الريفية في شمال السودان أي المنطقة ( ود حامد) .
إلي جانب الفضاء المكاني العام (ود حامد) فهناك حضور لأمكنة خاصة ترمي بظلالها الجندرية على الأحداث ، كتلك الساحة الرملية أمام دكان سعيد القانوني.. ملتقى شلة محجوب ونادي حوارهم .. هزلهم وجدهم .. مكان الاحتفاء بالقادمين وتناول العشاء الجماعي على شرفهم .:
" بعد ذلك تحرك محجوب وجلس قبالة الدكان . ليس على الكنبة ولكن على الرمل مكانهم المفضل "(28 )
" كان محجوب مثل نمر هرم ، جالساً جلسته القديمة رغم السنين والعلة ..... كنا أمام دكان سعيد ، والليل يزحف حثيثاً على ود حامد "(29 ).
وهذا المكان رجالي خاص بالرجال فقط ؛ لم تجرؤ أي من شخصيات الروايات النسائية على الحضور فيه .. وهنا يبرز مجدداً أحد ملامح واقعية الطيب صالح ...بتطابق الواقع خارج وداخل المتن الروائي .. فهذا المكان موجود في الواقع وهو مكان اجتماع الرجال في كثير من القرى بشمال ووسط السودان .. وغير مسموح للنساء بارتياده ، يمكنهن فقط السلام والكلام العابر .. لكنه نادي رجالي ... وأرجح أنه لهذا السبب عندما فكرت جماعة الطريفي .. في عزل شلة محجوب اختارت مكاناً آخر .. مكان يسمح للنساء ـ القادمات حديثاً للحياة العامة والمشاركة فيها ـ بأن يحضرن ويكن فاعلات.
" تصدق البنات عملن مظاهرة في ود حامد وهتفن بسقوط محجوب وشلة الحرامية ؟"( 30).
اختارت مكان ينقلهن من الهامش، من (جناح الحريم)، ليس فقط كجزء من هندسة ومعمار البيت السوداني، بل كمحمول ثقافي وتاريخي يشيئ بدونية النساء وانحصار أدوارهن الجندرية في الأدوار التقليدية المتمثل بالعمل المنزلي، بموضع ومكان (التكل) داخل ذاك الجناح:
" الحريم في التكل أدني لحيمات أكلتها "(31 )
أو دورهن في رثاء وبكاء الموتى " ولما وصل النبأ بقدومه إلى أمه في الجناح الآخر وهي وسط الحريم على ( فراش البكاء ) ولولت من جديد كأن زوجها مات لتوه ، وولولت أخوات سيف الدين ، وعماته ، وخالاته ، وفار جناح الحريم في البيت وماج" ( 32)،
أنتقلت بنات (ود حامد) من التكل وجناح الحريم، إلى وسط البلد حيث السيالة الكبيرة، من الهامش إلى المركز حيث أمكنة صنع القرار والمشاركة فيه مع باقي المهمشين: الصعاليك والأطفال..
" تحت السيالة الكبيرة ، وسط البلد ، نص النهار ، محجوب انهزم. محجوب النمر هزمته الضباع . أطفال وصعاليلك وبنات فارغات "(33 ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 ) حسن بحراوي ، بنية الشكـل الروائي ، ص 34 . نقلاً عن آمنة يوســف ، تقنيات السـرد في النظرية والتطبيق ، مرجع سابق ، ص 25 .
(2 ) ضوء البيت ، مصدر سابق ، ص 9 .
( 3) ضوس البيت ، مصدر سابق ، ص 12 .
( 4) نفسه ، ص 30 .
(5 ) نفسه ، ص 93 .
(6 ) نفسه ، ص 93 .
( 7) نفسه ، ص 98 .
(8 ) نفسه ، ص 98 .
(9 ) نفسه ، ص 114 .
( 10) نفسه ، ص 133 .
( 11) مريود ، مصدر سابق ، ص 12 .
( 12) نفسه ، ص 23 .
(13 ) نفسه ، ص 48 .
(14 ) نفسه ، ص 50 .
( 15) نفسه ، ص 53 .
( 16) نفسه ، ص 53 .
( 17) نفسه ، ص 54 .
( 18) نفسه ، ص 56 .
( 19) ضوء البيت ، مصدر سابق ، ص 12 .
( 20) نفسه ، ص 31 .
(21 ) نفسه ، ص 13 .
(22 ) نفسه ، ص 99.
( 23) نفسه ، ص 101 .
( 24) نفسه ، ص 30 .
(25 ) نفسه ، ص 31 .
(26 ) نفسه ، ص 38 .
(27 ) محمد خلف الله ، عرس الزين نموذجاً للحوارية النصية ، مرجع سابق ، ص 94 .
(28) عرس الزين ، مصدر سابق ، ص 84 ، 85 .
( 29 ) ضوء البيت ، مصدر سابق ، ص 9 .
( 30)نفسه ، ص 52، 53 .
(31)عرس الزين ص ، 11 .
(32) نفسه ، 56 .
(33) ضوء البيت ، مصدر سابق ، ص 54 .
يستمر
|
|
  
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
| نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | الجندرية | 02-18-09, 11:45 PM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | الجندرية | 02-18-09, 11:58 PM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | الجندرية | 02-19-09, 07:24 AM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | خضر حسين خليل | 02-19-09, 07:41 AM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | Emad Abdulla | 02-19-09, 07:44 AM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | الجندرية | 02-19-09, 09:21 AM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | الجندرية | 02-19-09, 07:48 AM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | الجندرية | 02-24-09, 11:20 AM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | ASHRAF TAHA | 02-28-09, 11:43 AM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | الجندرية | 03-01-09, 11:09 AM |
| | كمال ادريس | 02-19-09, 10:19 AM |
| Re: | تراث | 02-19-09, 08:10 PM |
| Re: | الجندرية | 02-22-09, 07:26 AM |
| Re: | الجندرية | 02-21-09, 05:01 AM |
| يا حزني عليك يا صالح | منى على الحسن | 02-19-09, 08:32 PM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | khatab | 02-22-09, 09:35 PM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | الجندرية | 02-28-09, 10:29 AM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | الجندرية | 02-28-09, 08:59 AM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | ناهد بشير الطيب | 02-28-09, 11:49 AM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | Tumadir | 02-28-09, 02:29 PM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | مدثر محمد ادم | 02-28-09, 02:37 PM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | باسط المكي | 03-01-09, 01:14 PM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | Bushra Elfadil | 03-01-09, 01:35 PM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | محسن خالد | 03-08-09, 10:42 AM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | Seif Elyazal Burae | 03-08-09, 04:31 PM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | الجندرية | 09-04-09, 07:11 PM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | الجندرية | 09-02-09, 07:02 PM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | الجندرية | 03-10-09, 08:05 AM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | Tagelsir Elmelik | 03-11-09, 12:02 PM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | sami Alzubair | 04-12-09, 08:29 AM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | كمال علي الزين | 04-12-09, 12:42 PM |
| Re: يا حزني عليك يا صالح | الجندرية | 04-13-09, 10:36 AM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | عبدالله ود البوش | 09-02-09, 09:12 PM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | Tagelsir Elmelik | 09-02-09, 09:44 PM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | tayseer alnworani | 09-03-09, 01:15 AM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | جعفر محي الدين | 09-03-09, 09:51 AM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | Siham Elmugammar | 09-03-09, 11:07 AM |
 Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | الجندرية | 09-28-09, 07:59 PM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | soma | 09-28-09, 08:13 PM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | Emad Abdulla | 11-08-09, 10:55 AM |
| Re: نخلة مريم: إلى روحه مع الحسرة | الجندرية | 02-21-10, 07:08 AM |
|
| |
الجندرية
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست