علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 03:57 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة صلاح شعيب(صلاح شعيب)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-02-2005, 10:06 AM

صلاح شعيب
<aصلاح شعيب
تاريخ التسجيل: 04-24-2005
مجموع المشاركات: 2954

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟





    بداية أعني بمشروع الحداثة القومي تلك الاجتهادات الفكرية ذات الصبغة القومية التي بذلها أفراد وجماعات سودانية ما قبل الاستقلال, وظلت محل توارث بالتجديد والاضافة جيلاً إثر جيل إلي يومنا هذا. وإذا كان لابد من الاشارة إلي أسماء وتجارب متضامنة في هذا الجانب, فإن مدرسة الفجر وجمعية اللواء الابيض وجماعة ابروف الادبية حتي جماعة الندوة الادبية مثلوا ضربة البداية في الدعوة ومواصلة التأسيس للمشروع القومي الذي ينطلق من أهمية تجميع الشتاتات القبائلية السودانية في صرة واحدة تجوز القسمة علي أي شتات يتبوصل جغرافياً.
    وتراكمت تلك المحاولات للدعوة والتأسيس بعد الاستقلال وبدت تتفرع وتتعدد وتجرب بعد أن أسهمت تجربة الحكم الوطني في ترسيخ بعضها بالممارسة, بل وأن الحكم الوطني الاول مثل , نفسه, النموذج التطبيقي الرائد الذي إستفاد من مصادر هذه الاجتهادات الفكرية القومية السابقة, مثلما مثل النموذج المذكور أيضاً الاختبار العملي الاول حول ما إذا كان التنظير الفكري القومي السوداني الباكر يلبي الشؤون اليومية للشعب المختلف ويرد من ثم غائلة شؤون السلطة الجديدة والتي يسهم حراكها التنفيذي في توليد أسئلة وقضايا متواصلة, فيما تفرز حاجياتها الطارئة المستمرة ضرورات إلي التعاطي الصعب مع حكمة التسييس.

    كان هم أولئك الرواد هو نحت الذهن حتي يتم توجيه الطاقات المجتمعية السودانية عملياً إلي مدارج التطور والنماء عبرمعين من الصدق العميق المتجدد والممارسة الواعية اللتان تقومان علي تفهم طبيعة التكوين العرقي والثقافي المعقدين لهذه الشعوب التي تتنوع في قبائلها ولغاتها وسحناتها وبيئاتها ودياناتها ونفسياتها وعرقياتها ألخ. كان دور الرواد أشبه بمن أوكل إليهم أمر قيادة سفينة في بحر هادئ فيما يبدو غير أن هناك رياح متوقع أن تتقاذفها بين الفينة والاخر. كان مخزونهم من التجربة المعاشة معدوماً إذا ما قورن بمن هم يقومون الآن بتوجيه الشعوب السودانية إلي العشرينات من هذا القرن مثلاً, الرواد أيضاً إنطلقوا من إفتراضات محملة بضعف حيلتهم أمام إدراك نتيجة ما ينظرون له, نعم كانوا مواجهين بغياب المناهج المتعددة التي بها يفاضلون النظر والتقصي في الكتابة, ومن موقع أنهم نفوس إنسانية تعتريها المصلحة الخاصة كما تعتري بإحساسها القومي الفياض كانوا يتحاورون ويتصارعون حول الشأن القومي الشحيح التحقق في الماضي والمتناثر في الآني وغير المعروف في صيرورته المستقبلية, ومع ذلك كانت المطامع والمطامح الاقليمية والعالمية حاضرة ومرئية, بعضها يمسك بمفاتيح الحاضر ويرسخ من الفرقة القادمة ما يعينه للتواجد حتي في حال غيابه الملموس . ولكن أهم ما نجحوا في تحصيله هو خلق متراكم من الرؤي القومية لما يرونه من سودان متقدم علي مستويات الحياة كافة.

    إذن كان مشروعهم القومي يعتبر حداثياً بالدرجة الاولي, وكان لحمته وسداه الاستفادة من ما أنجزه الامام محمد أحمد المهدي من عناصر أولية للدولة السودانية, ومع ذلك كان مشروع الرواد تأصيلياً خصوصاً وأن نموذج المهدية كان قائماً علي أساس مجتمع عقدي وإنتهي إلي تفتيت للمكون القومي الذي بذل له الامام المهدي بالفكرة وبالتزاوج وبتولية الخلافة التي عبرت عن الفكرة القومية الحداثية المتقدمة للامام ــ وللاسف أنه بعد مرور مئة عام ونيف من السنين تبدو ذهنية (الامام) الان أكثر تخلفاً, حيث أوصلته جهنمية الفكرة إلي قضم المعطي القومي المتحقق بمزيد من السياسات (العرقية المطعمة بالايديلوجيا).

    لم يكن عرفات محمد عبدالله أو الاخوان عشري الصديق أومحمد محمد علي أو علي عبداللطيف أو سليمان كشة وغيرهم إلا ليسدروا عن حداثة في المفاهيم تقوم علي الوعي بالتجارب الانسانية الذي اتيح لهم هضمها ومقاربة هذه المفاهيم ذاتها بما هو ماثل في بيئاتهم السودانية الغنية في مصادر الاختلاف والضئيلة في محاور الاتفاق, فإذا كان الدين مصدراً لتوحيد كيان الامة روحياً, فهو متعدد إلهياً ووضعياً, وعليه يمكن أن يكون مصدراً أقرب لتباعد الفجوة العقدية والوطنية منه إلي محوها, وإذا كان العرق عنصراً ملهماً للوئام والتآلف الاجتماعي, فإنه في بيئتهم يأخذ الواحد منه تعددا ً بالمئات ويقوم تاريخه علي المشاحنات والغارات حول الارض, وإذا كانت اللغة وشيجة من وشائج الوحدة الاجتماعية الاساسية فأنها تتفرع إلي مئات الالوان من اللهجات. وهكذا كانت الحداثة القومية لأولئك الاجداد تجابه بمثل هذه العارضات المجتمعية التي تصعب مهمتهم ومع ذلك تطالبهم بإستمرار بمراجعة أدوات الحفر المعرفي التي بها ينحتون ملياً في وهاد الذهن بحثاً عن إمكانية تحقيق وتطبيق لما يحلمون به من مشروع قومية سودانية ينبني علي الحديث الذي هو عكس القديم.

    وبذات المستوي كان مؤتمر الخريجين ,الذي أتي بعدهم, يعتبر تحديث علي تحديث من قبله من مؤتمرات قومية ـ فكرية مسماة وغير مسماة, وكان أيضاً قائما علي شروط الاغتراف من ما سبقه من تجارب للتحديث, وهاهنا تبرز إسهامات يحيي الفضلي والمحجوب وعبدالحليم محمد وغيرهم الذين مثلوا الريادة الثانية لمشروع الحداثة القومي في مستواه (السياثافي). إذا أخذنا مرحلة الخريجين بهذا التسلسل, فإن الصورة العامة لمشروع القومية تكون قد بدت تضح أكثر وأكثر , تضاعفت فيها الهموم وإنبنت أسئلة جديدة بدخول الاحزاب السياسية كعنصر جديد في التركيبة السياسية الوطنية وذلك مما يعني توافر أجسام سياسية متحدة في الرؤئ والتنسيق وتقوم مقام النيابة لجموع معتبرة ممن هم يمثلون الطرف الاخر لنضالات الخريجين, وأعني جموع الاطراف أو مانسميه بالهامش, ويمثلون أيضاً الطبقات الاخري للمجتمع في محاورها (الاسرية المقامية) والدينية والتجارية والجهوية والطالبية. يتضح في هذه المرحلة من مشروع الحداثة السياثقافي إصطدمه بمصالح سعت إلي تقليص الجرعة القومية في المحصل العام لاي عمل, بمعني أن الاستعمار في سبيل تأكيد وجوده المستمر وكذلك الطائفية الدينية في سبيل جريها وراء وراثة الرصيد الحكومي الكبير الذي سيخلفه المستعمر إنبنت ضربات مرة لمستقبل المشروع الحداثي القومي وتمت تنازلات خطيرة من قبل ورثة كاريزما عرفات وعبداللطيف مما أدي إلي تحقين المتحقق القومي آنذاك بعناصر التهديد والفناء في قابل الايام. وبرغم المحاولات التي بذلتها الانتلجنسيا القومية بترميم الثقوب التي واجهت الخريجين الذين تم محاصرتهم بالتهديد والترغيب إلا أن الحكومات العسكرية جاءت لتقضي علي كل تلك المحاولات الدؤوبة للتحديث ومايزال ورثة دور الانتلجنسيا القومية بعد الاستقلال يواصلون في مسيرة المشروع القومي الحداثي غير أن كل الظروف الصعبة تلتف من كل حدب وصوب لتجعله غير قادر علي أداء هذا الدور الاصيل.

    وبرغم الجهد الحداثي الذي توافر للانتلجنسيا القومية في جبهات الفكر والثقافة والادب إلا أن كل ذلك إنتهي الآن بجموع الوعي السوداني العام إلي الكفر بالقومية ذاتها وعدم الافتخار بها طالما أنها لا تحقق الحد الادني من الامكانية للاكل والشرب والامن والصحة وغيرها من متطلبات الحياة الاولية, فهاجرت قطاعات واسعة من حملة المشروع الي الخارج وأصبح الداخل الذي هو محك عملها مجالاً للانتهازية السياسية والثقافية وأبعد من ذلك أن جماعات وافراد من رموز التحديث القومي أصبحوا أكثر إرتداداً عن مشروعهم وعادوا إلي الداخل إلي الاندماج مع السلطة السياسية القائمة الآن والتي يدرك أي عاقل إلي أي حد تفكر وتنفذ في هزيمة محاولات التحديث القومية التي سعت لها أجيال من تلك الانتلجنسيا السودانية المؤمنة بالتحديث في الارث القومي.

    وإذا أدركنا أن الحرب في الجنوب ودارفور والشرق كانت نتاجاً لتلك التنازلات التي قام بها الرواد حين إحتقنت مواقفهم بترضية الطائفية السياسية آنذاك, فوقاً عن أن الحرب ـ بالتجربة ـ هي السبب الاساس لقضم الخيارات القومية الايجابية في اي بقعة , فأن ما لايمكن إدراكه هو غياب دور رموز الحداثة السودانية في التنظير لمعالجة هذه (الجراحات العنصرية) التي خلفتها الحرب مع ترك المجال ناشئة الكتابة وهواة الانترنت لتقوم بهذا الدور الشاق, وذلك في ظروف مفصلية حرجة يعاني فيها الطرح القومي من الضمور والتكلس إلا من بعض إجتهادات قليلة لا تتناسب مع الحجم الكبير للانتلجنسيا القومية.

    علي ضوء هذه المعطيات يندرج السؤال أعلاه, فهل من مجيب..؟

                  

12-02-2005, 12:27 PM

سفيان بشير نابرى
<aسفيان بشير نابرى
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 9574

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟ (Re: صلاح شعيب)



    الاستاذ/

    صلاح شعيب

    تحية طيبة

    الموضوع جيد ومهم لانه يتاقش قضية تتجدد فى السودان فى كل حقبة سياسية جديدة ، وطال ما ان الامر كذلك فبالضرورة ان مسالة الحداثة والتحديث هى امر هام وضروى ، هذا والا انها لم تكن امر متجدد مع كل حكومة.

    ولان الحداثة للبلدان والدولة لابد لها ان تمر عبر الشعب والجماهير ، اذاً مسالة قومية واقع الدولة هو امر مسبق للحداثة ، لانها لا تمر الا بعر مشروع قومية الدولة.
    فى اعتقادى البسيط ان ان المشروع القومى السودانى يفتقد الى الان لارضية القومية السودانية ، لان هذه القومية منذ بداية موسسة السلطة فى السودان -1956- الى يومنا هذا لم تتحقق لا على المستوى السلطوى ولا على المستوى الشعبى الجماهيرى وهذا الامر لا يحتاج الى جدال او ايضاحات ، فاذا كان تعريف القومية او الامة هو:- مجموعة من الناس تنحدر من سلالة واحدة أو سلالات متعددة تعيش فى رقعة جغرافية محددة ومتعايشة وتمارس أنماط انتاج اقتصادية شبه واحده او متكاملة فى ما بينهاوثقافة وللغة وتاريخ وتنظيم اجتماعى وسياسى مشترك ، فهذه المفاهيم الى يومنا هذا بيعيده عن واقعنا السودانى بشكلها المضبوط والحقيقى لكى نتحصل لمشروع التحديث فى السودان ، كما ان امر المفاهيم التى تقودنا الى القومية فى السودان الى يومنا هى مفاهيم متراجعة ومتخلفة الى الحد البعيد وخير مثال نجد ان مفهومنا للوطنية والمواطنة ، الشعب والامة مفاهيم تحمل فى داخلها روية مؤسسة الدولة ، ولا تحمل رؤى الجماهير الذين تقوم على اساسهم مثل هذه المفاهيم وهنا يكمن المشكل فتحقيق القومية هو الحصان الذى يقود العربة.

    حقاً ان كثير من المثقفين السودانيين والادباء كانت لهم مساهمات كثير فى خصوص القومية وفى خصوص رؤى تخدم مجتمعهم ، لكن هل لم ينجحوا؟؟؟ هذا السؤال ملح جداً لاننا الى اليوم نشهد تراجع كبير داخل بنئ المجتمع الاجتماعية والثقافية والسياسية. انا لا ازعم عدم نجاحهم لاكنى متاكد من قصور رؤاهم للكل المركب الذى يكون السودان ، وارجع هذا الامر مباشرة الى ان المراحل التى اصبح فيها هولاء المثقفين مثقفين هى مراحل فترات الاستعمار وهذه المراحل تعاملت مع مسالة التعليم فى السودان بشكل مفاهيم استعمارية حديثة ، وعملت بشكل كبير لخلق تفاوتات فى الشرايح الاجتماعية المكونة للسودان ، الشى الذى اسهم لحدٍ ما بتكريث عدم روية القومية فى السودان بشقها الذى يتسع لكافة المجموعات الاثنية فى السودان ، وزاد امر المشكل ان ما تم التأسيس اليه با الخطاء فهم بانه حق شرعى ومكتسب يجب ان يستمر عليه الحال ، لذا وقف مثقفوا ومتعلمى السودان فى محطات مابعد الاستعمار واستمراؤ قصر وعجز الجدية فى السعى لخلق وطن يسع الجميع ، فاى مشروع قومى للحداثة يمكننا الحديث عنه ونحن الى اليوم عاجزين من تحقيق قومية سودانية موحدة!!!

                  

12-02-2005, 04:17 PM

صلاح شعيب
<aصلاح شعيب
تاريخ التسجيل: 04-24-2005
مجموع المشاركات: 2954

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟ (Re: سفيان بشير نابرى)


    شكراً عزيزي سفيان نابري علي إفتتاح النقاش وتفضلك

    بهذه المداخلة المفيدة ودعني أقرأها ثانية لاعود بالرد
                  

12-06-2005, 00:31 AM

سفيان بشير نابرى
<aسفيان بشير نابرى
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 9574

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟ (Re: صلاح شعيب)

    الاستاذ/

    صلاح شعيب...

    تحية طيبة...


    والى حين عودتك اسمح لى بنقل هذه الدراسة التى اعدها د/ خالد حسين الكد وهى سوف تساعدنا كثيراً فى تتبع مسالة قيام مفهوم القومية فى السودان ، هذا المفهوم الذى يجب ان يكون متواجد حيث ينهض على اثره مفهوم حداثة الدولة .

    Quote: الأفندية ومفهوم القومية فى الثلاثين سنة
    التى أعقبت الفتح فى السودان 1898-1928
    خالد حسين الكد
    المكونات والمؤثرات:-

    ( إن الموضوع متشعب جداً وفى هذا الخضم الهائل من الأفكار التى يزدحم بها ذهنى أجدنى اكثر ميلاً الى الاهتمام بترتيب الاشياء من الاهتمام بالاشياء نفسها ، ولذا فإننى مضطر للتحول ذات اليمين وذات اليسار حتى أتمكن من التقصى وإكتشاف الحقيقة.)
    (منتسكيو روح القوانين الكتاب 19)

    أحاول فى هذه الدراسة أن أتتبع تطور مفهوم (القومية السودانية) منذ بداية الحكم الثنائى فى السودان 1899- 1956 . وهو الوقت الذى أعتقد أن البذرة الأولى لمفهوم القومية إنغرست خلالِه.
    احاول أن أتتبع المساهمات زالأثار الإيجابية والسلبية لكلا الشريكين فى دولة الحكم الثنائى (بريطانيا ومصر) فى تطور مفهوم القومية.
    ولعل أهم مساهمات إدارة الحكم الثنائى هى خلق (طبقة الافندية ) ، اى تلك الجماعة التى وفرت لها الادارة البريطانية مناهج تعليمية جديدة ووضعاً اقتصادياً واجتماعياً متميزاً أثر فى تكوينها الثقافى والنفسى وفى تكوين مفاهيمها لقضايا القومية.
    و (الافندية) جمع ل( أفندى) وهى كلمة يونانية الاصل وكانت تعتبر من القاب التعظيم . وقد أخذها الاتراك البيزنطيين ونقلوها للبلدان العربية التى كانت خاضعة لنفوذهم . وفى السودان أطلقها البريطانيين على الموظفين السودانيين للتمييز بينهم وبين الموظفين البريطانيين . ويشكل الموظفون السودانيون مجموع الشبان الذين علمتهم الادارة الجديدة فى مدارسها التى أنشأتها على نمط معين ثم إستخدمتهم فى الوظائف الدنيا فى سلك الادارة الاستعمارية.
    وربما تكون كلمة (أفندية) قد اكتسبت لاحقاً معان وايحاءات مختلفة ولكنها فى تلك الفترة موضوع الدراسة كانت صفة لتلك الجماعة التى ذكرت وبذلك الفهم استخدمتها فى هذه الدراسة.
    ورغم أنى أنوى أن أركز فى دراستى هذه على (الأفندية) الذين أوجدتهم الادارة الاستعمارية ، فاننى لا استطيع – لايفاء هذه الدراسة حقها- تجنب الخوض فى كثير من المؤثرات الداخلية والخارجية على الجوانب المختلفة لنمو هذه الطبقة . وهذه المؤثرات تحتوى بالضرورة على جوانب اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية . كما تحتوى على الضغوط الادارية والقبلية والوشائج الاقليمية . وفى مثل هذا الخضم الهائل من المواضيع أجد نفسى فى موقف مماثل لموقف منتسكيو الذى أوردته فى صدر كلمتى هذه فيما يتعلق بالمواضيع وترتيبها . وللخروج من هذا المأزق فاننى سأحذو حذو منتسكيو فى التجول ذات اليمين وذات اليسار لاكتشاف الحقيقة.
    لقد شهدت الايام الاولى للحكم الثنائى عدة حركات تعبر عن رفض الحكم الاجنبى ، ولعل هنالك اتفاق على ان كل تلك الحركات كان على ذلك النمط الذى يسميه البروفسير هودجكن (الخلاص المسيحى). ولما كانت فكرة المهدية ماتزال فى ذلك الوقت عالقة بالاذهان فقد انتقى كل الذين عارضوا الحكم الثنائى فى اول عهده أسلحة دينية ، فمنهم من واصل دعوة المهدية ومنهم من ادعى انه نبى الله عيسى الذى ياتى حسب معتقد بعض الفرق الاسلامية ليملاء الارض عدلاً بعد أن ملئت جوراً . وكل هذه الحركات ، باستثناء حركة ود حبوبة كانت طفيفة الاثر ، اما عبدالقادر ود حبوبة فقد كان أنصارياً من قبيلة الحلاوين التى كان لها شأن كبير فى تأييد المهدية ونصرتها . ولذلك لم يستسغ عبدالقادر فكرة إندحار المهدية كلية . ووجد رفض الادارة الجديدة السماح له باستعادة اراضى أسلافه سانحة للتمرد عليها. فجمع حوله بعض الاهالى وأعلن الجهاد على الكفار وهجم على المركز فقتل المفتش والمأمور . وعملاً بمنشور كتشنر حول الأمن والنظام العام فقد خفت قوة عسكرية وسحقت الحركة (( بقوة وحسم )) والقى القبض على عبدالقادر ودحبوبة ونفذ فيه حكم الاعدام شنقاً.
    لقد كانت حركة ود حبوبة هذه اكبر تلك الحركات ذات طابع ( الخلاص الدينى) ، واخرها إذا استثنينا حركة نيالا سنة 1922م والتى لم يكن لها اثراً كبيراً . ومنذ ذلك الحين صارت معارضة الحكم الاجنبى تتخذ اشكالاً اخرى تنمو فى مهد مختلف . لقد بدأت كما يقول هودجكن ( تتخذ المدن الحديثة مهداً لها ) فى أواسط المتعلمين الذين علمتهم الادارة الجديدة واستخدمتهم فى الوظائف الدنيا فى سلك الادارة.
    بالرغم من أن الادارة الجديدة والتى كان للبريطانيين اليد العليا فيها، عمدت الى تعميم هذه الموجموعة وفق النسق الغربى ، كما جاء فى توجيهات كتشنر ، فقد فشلت فى تحقيق هذه الغاية . ومرجع ذلك ، كما يورد ريتشارد هل (( لان البريطانيين أقاموا الحكم الثنائى بعد الفتح ، ولكنهم لم يتجهوا الى المؤسسات البريطانية لاتخاذها نموذجاً للادارة الثنائية . وبالطبع فهم لم يستلهموا الادارة المهدية وانماء نظروا فى بادىء الامر الى ماخلفته الادارة التركية من هياكل فأقاموا عليها بنيان ادارتهم . فالحاكم العام كان اشتقاقاً من الحكمدار عموم ، لقب الحاكم التركى ، ورغم انتشار نمط الحكم المحلى المستمد من النظام الانجليزى فقد بقيت كثير من الصلات بين الشكل الجديد والاشكال التى كانت سائدة أيام الحكم التركى)).
    وحقل التعليم لم يكن استثناء ، فقد عمدت الادارة الى هياكل التعليم فى العهد التركى واتخذتها أنموذجاً للتعليم الجديد لسد الفجوة التى خلفتها المهدية . وبالاضافة الى ذلك فإن حقل التعليم على وجه الخصوص كان مساحة لم يستطع فيها البريطانيون ، لاسيما فى السنوات الاولى ، ومن غل يد شريكهم الاضعف – المصريين ، فلغة التعليم لتلاميذ يتحدثون العربية ما كان من الممكن أن تكون غير العربية . وبالتالى كان لابد أن يكون المدرسون مصريون أو من يتحدثون العربية . هذا الشرط ، بالاضافة الى الموروث العربى الاسلامى الذى كانت التركية والمهدية ، على مابينهم من خلاف من روافده جعل المصريين أطول باعاً فى حقل التعليم فى المراحل الاولى ، يصف ذلك محمد عمر بشير قائلاً ((..... ومع إنتشار الاسلام ازدادت الحاجة بين القبائل للتعليم الدينى بإعتبار أنه من الاحتياجات الضرورية فى المجتمع الاسلامى . فالمعرفة بالقرآن والمقدرة على قراءته وبالتالى المقدرة على القراءة والكتابة لتمكين العقيدة صار ضرورياً . ولما كان تعلم القرآن فرضاً على كل مسلم فقد صار لزاماً على الاباء توفير الإمكانات لابنائهم لتعليمهم ، وقد حرص المهاجرون على تعليم أبنائهم ليحافظوا على السيطرة الثقافية وبالتالى السياسية على سكان البلاد الاصليين ..... والخلوة مرتبطة بالصوفية ، والطرق الصوفية هى التى تولت نشر الاسلام فى السودان ، فلذلك فقد كانت الخلوة هى المؤسسة الأساسية لتعليم القرآن فى السودان .....)).
    هذا النوع من التعليم انجب كما يقول جعفر محمد على بخيت (( جيلاً كان جل اهتمامه منصباً على التراث الاسلامى ، وكانت اهتماماته فى تنظيم المهرجانات الادبية التى تمجد الماضى الاسلامى )).
    وقد جاءت معارضتهم للحكم الاجنبى ومفهومهم للوطنية والقومية منسجماً مع هذا التكوين الثقافى والنفسى . ونجد فى كتاب محمد محمد على ( الشعر السودانى فى المعارك السياسية) ، وكتاب صلاح الدين المليك ( شعراء الوطنية فى السودان ) ، نماذج توضح هذا المزاج الذى يعبر عنه محتوى واشكال قصائد شعراء تلك الفترة التى جاءت صدى للشعر العربى الكلاسيكى القديم ، وبالرغم من ان اشعارهم عبرت بدرجات متفاوتة ، عن رفض للحكم الاجنبى إلأ أن ذلك الرفض كان كله يدور فى فلك العودة الى التراث الاسلامى وامجاد الامة الاسلامية وفى ماضيها التليد والتحسر على العهود الخالية ، عهد الخلفاء والامراء التى سادت فيها الامة الاسلامية العالم . وقصيدة البنا فى مطلع العام الهجرى والتى يستهلها بقولهِ :-
    يا ذا الهلال عن الدنيا أو الدين
    حدث فإن حيثاً منك يشفينى
    والتى يتحدث فيها عن ماضى الامة الاسلامية فى عهودها العظيمة وامرائها وخلفائها تصلح مثالاً لذلك . وفى ابيات عبدالرحمن الضرير تحديد واضح لمفهوم الوطنية والقومية لدى أبناء ذلك الجيل :-
    فليس سوى الاسلام من وطن لنا ولا غير اهليه أعد صحابا
    كفى بقبيل الله جنساً ومذهباً وبالله رب والكتاب كتابا

    هذا الرفض الرومانسى للحكم الاجنبى الجديد وهذه الرويا للهوية كانتا سمة مميزة لذلك الجيل الذى يعانى من إنفصام بين رفضه للحكم الاجنبى وحقيقة وجودهِ كطبقة جديدة هى فى حد ذاتها نتاج نظام إقتصادى واجتماعى جديد إستقدمه هذا الحكم الاجنبى . فهم يعملون فى سلك الادارة الاجنبية التى عزت بلادهم واستولت عليها ، مالم يكونوا واثقين منه هو ما إذا كان استيلاؤها على البلاد كان بهدف إنقاذهم من قسوة الخليفة عبدالله التعايشى أى الاسباب الانسانية التى زعمت الادارة أم أنه كان لتمارس عليهم شروراً أبشع من التى مارسها الخليفة عبدالله . هل يحكمهم البريطانيون والمصريون أم ان البريطانيين كانوا ينفردون بالحكم ؟ كان ذلك سؤالاً لم يجدوا له إجابة . وثمة سؤال آخر:- هل كان هؤلاء فى ايام الحكم التركى؟ وهؤلاء المصريون الذين تربطهم بهم روابط اللغة والدين ، هل كانوا جزءاً من الحكم أم كانوا هم انفسهم ضحية للسيطرة الاوربية المسيحية على المسلمين ؟ وهل ينتمون هم والمصريون الى الامة الاسلامية فى مواجهة الحكم البريطانى المسيحى؟ .
    كل هذه الاسئلة لم تبقى فقط دون اجابات ، بل انها ما كانت تطرح صراحةٍ . وذلك التوجه الاسلامى الذى اعتبره بعض الباحثين المهتمين بدراسة تلك الفترة توجهاً تم اختياره بواسطة أولئك الشبان كمعَبر عن مشاعرهم ومفاهيمهم القومية لم يكن فى الواقع سوى ملاذ متاح لمجموعة من الشبان محدودى المعرفة قليلى الخبرة مضطربى العواطف .
    فالهُوية والقومية كمفهومين ( بما فى ذلك الهُوية العربية الاسلامية) لم يتم طرحهما كقضية حتى اندلاع الحرب العالمية الاولى التى تعتبر معلماً بارزاً فى مسار مفهوم القومية فى البلدان المستعمرة ومن ضمنها السودان . والافندية ، من ناحية ، كانت اعدادهم قد تضاعفت حين اندلعت الحرب ، ومن ناحية آخرى فقد كان التطور فى التعليم وأساليبهِ قد اتاح لهم فرصة أوسع للاتصال بالعالم الخارجى . والنقاش الذى إبتدأ قبيل الحرب وأثناءها ولمدة طويلة بعدها عن ( الأمم ) و (حق المصير ) أثار إنتباه الافندية الذين كانوا قد بدأوا يتمتعون بوضع إجتماعى وإقتصادى جعلهم ينظرون الى انفسهم كطبقة إجتماعية مميزة عن التركيبة الاجتماعية التقليدية ، وقد عَبر عن ذلك بصورة واضحة على ملاسى الذى كان قد تخرج عام 1914م وعَين افندياً فى مصلحة البريد والبرق والذى انضم لاحقاً لجمعية اللواء الابيض . يقول ملاسى :- (( منذ 1914م على ما اذكر ونحن شبان صادفنا الحرب العظمى الاولى سنة 1914م ، وكانت تلك بادرة يعنى أدتنا نشاط لنتابع حوادث تلك الحرب ، وفى الوقت داك كان فى شئ اسمه رويتر يطلع هذا الرويتر كل اربعة وعشرين ساعة ثلاث مرات ، فنحن موظفين البريد والبرق وبالذات كنا نأخذ هذه النسخ ونقرأها ونستخلص منها الواقع . أول شئ فهمنا إنه هناك فى وطن وهناك فى ناس بيحاربوا عشان وطن يعنى أدتنا فكرة )).
    صار موضوع القومية هماً من هموم الافندية منذ ذلك الوقت ، ورغم انه حتى فى ذلك الوقت كانت تحيط مفاهيمهم القومية هالة من الضبابية تحجر علينا وصفها بانها مفاهيم واضحة إلأ أنها كانت على درجة مناسبة من الوضوح لخلق تمايزات فى وجهات النظر فى اواسط الافندية وللعمل على نمو تناقضات أيدلوجية بين افرادها قائمة على اساس الاصول الاجتماعية والمنشأ . واول تلك التوجهات كان امتداد لفكرة البعث الاسلامى التى بشر بها جمال الدين الافغانى وتحمس لها تلميذهِ محمد عبده والتى شدد فيها على الانتماء الى جامعة اسلامية تحت قيادة خليفة قوى يوحد المسلمين ويقود الشرق لهزيمة القوى الغربية ويخلق أمة مسلمة قوية مثل الامة الاسلامية التى سيطرة على العالم فى العهود الماضية المجيدة . وقد تأثر هؤلاء الشبان الذين اتبعوا هذا التوجه بكتابات الافغانى ومحمد عبده ، وظلوا ، حتى سقوط الخلافة العثمانية ، يدافعون عنها كمركز للامة الاسلامية التى ينتمون اليها . وقد كانت اشعارهم وكتاباتهم كما أسلفنا صدى لكلمات الافغانى :- (( كيف نقبل نحن المؤمنون الذل ، نحن الذين كانت لنا اليد العليا فى الماضى ، كيف نقبل الان القهر والاستغلال من قوم لا يدينون بديننا ولا يحترمون شريعتنا ؟ صدقونى انه لو تبين آل عثمان حجم التأييد الروحى الذى يكنه لهم المسلمون فى المستعمرات البريطانية لما كانوا صبروا على هذا القهر البريطانى ولما كانوا سمحوا للبريطانيين بالاعتداء على ممتلكات السلطان )).
    أما التوجه الثانى فقد كان عروبياً إسلامياً حاول اعطاء الرابطة الاسلامية بعداً عروبياً اعلى نبرة من النبرة الاسلامية فى محاولة للمزاوجة بين المفهوم الدينى والمفهوم الحديث للامة . وجعل ذلك التوجه الرابطة العربية اقوى من الرابطة الاسلامية بل جعل الرابطة العربية ضرورية ولازمة لوجود الرابطة الاسلامية التى ما كانت لتوجد أساساً دون العرب . ويرى دعاة ذلك التوجه ان الاسلام فى حد ذاته ثقافة عربية . وقد طغى هذا الاتجاه فى الحلقات الادبية فى مرحلة مابعد الحرب لاسيما فى البلدان العربية التى كانت واقعة تحت السيطرة العثمانية المباشرة ، ومن ابرز الدعاة لهذا الاتجاه ساطع الحصرى وعبدالرحمن الكواكبى الذى ذهب إلى ان العرب هم الامة الوحيدة القادرة على بعث الامة الاسلامية وقيادتها ، واضفى عليها من الصفات ما جعلها أمة الله المختارة لقيادة المسلمين . وقد اطنب فى كتابيه ( أم القرى) و(طبائع الاستبداد) فى وصف العرب بما جعلهم (( اقدم الامم التى نهجت طريق العدل والمساواة)) ، وبما يؤهلهم لقيادة الامة الاسلامية إلى الحرية والديمقراطية والاشتراكية)).
    كانت مثل هذه الافكار رائجة فى اواسط المعلمين السودانيين وهى التى تاثر بها الشبان من امثال توفيق صالح جبريل أو سليمان كشة الذين كانا من اكثر الشبان حماساً لهذا الاتجاه . وهما اللذان افسحا بحماسهما دونما وعى المجال لاتجاه ثالث حينما دخلوا نتيجة حماسهم فى مواجهة مع عناصر من امثال على عبداللطيف قبيل احداث 1924م كما سنرى.
    والاتجاه الثالث هو الذى تناول ولاول مرة قضية القومية من وجهة نظر (وطنية) كما اسمتها الباحثة اليابنية يوشيكا كوريتا وقد ظهر هذا الاتجاه لاول مرة بصورة جنينية فى كتابات حمزة الملك طمبل ، وهو من معاصرى توفيق صالح جبريل وسليمان كشة ، الا ان خطابه الشعرى والنقدى كان يختلف تماماً . وقد تلقى حمزة الملك طمبل تعليمه مثلهما فى المدارس الحكومية ، ثم التحق بكلية نواب المآمير وتخرج فيها برتبة نائب مأمور فى سلك الادارة ، وقد كان قارئاً نهماً للادب الانجليزى ، وقد اهتم بالنقد بشكل خاص ، واهم مساهمات طمبل انه اول من استخدم كلمة (( السودانى)) صفة وهُوية لسكان السودان ، وذلك فى مولفه (( الادب السودانى وما ينبغى ان يكون عليه)) ، والذى هاجم فيه معاصريه لكونهم مجرد اصداء مقلدة وباهتة للعرب الاقدمين وحث على ضرورة ارتباط الادب بالارض والناس وارض السودان وناس السودان. وينبغى ان يكون الشعر الذى يكتبه شاعر سودانى معبَر عن المزاج السودانى والارض السودانية .
    إذن فقد صرنا امام بدايات لتوجهات مختلفة نحو مفهوم القومية ، ومهما كان ضعف هذه المفاهيم الجديدة ، فقد كانت على قدر كبير من الاهمية وذات اثر عظيم على كل الاحداث التى اعقبت الحرب العالمية الاولى على الصعيدين الثقافى والسياسى ، وقد قامت بتشكيل الخطوط العريضة التى عبَرت من خلالها الحركة الوطنية فى السودان عن نفسها .
    وقد كان كتاب تلك الحقبة وشعراؤها هم الذين يعبَرون عن وجهات النظر المختلفة ، وكما كانوا فى كثير من الاحيان مؤسسى وقادة جمعيات وتنظيمات تتبَنى وجهات النظر تلك . وقد صدرت فى تلك الفترة بين نشوب الحرب الاولى واحداث 1924م أعداد هائلة من القصائد الحماسية المتمردة على الحكم الاجنبى. وبالرغم من ان تلك القصائد عبَرت عن معارضة ورفض الحكم الاجنبى ، فى اطار وجهات النظر الثلاث التى ذكرناها انفاً ، فإنها كانت ماتزال كما وصفها عبده بدوى (( غامضة وساذجة)) ولكنها كانت بالرغم من غموضها وسذاجتها ، على درجة كافية من الوضوح للتمييز بين التيارات الثلاثة داخل طبقة الافندية تمكن الباحث من فرز مفهوم كل مجموعة من المجموعات من مفاهيم المجموعات الاخرى وفقاً لانتماء
    اعضائها الاجتماعى . وقد شهدت تلك الفترة عدداً من الاحداث الجسيمة على الصعيدين المحلى والعالمى ، كان لها اثراً عظيماً على الافندية فى السودان . ومن اهم هذه الاحداث على الصعيد العالمى ، بجانب الحرب نفسها ، هزيمة المانيا والنمسا وسقوط وسقوط الامبراطورية العثمانية وثورة 1917م الروسية وثورة 1919م المصرية . أما على الصعيد المحلى فقد شهدت هذه الفترة قيام مشروع الجزيرة وبروز قضية السودان كقضية قائمة بذاتها بعد الاستقلال الاسمى لمصر . ولن اخوض فى تفاصيل هذه الاحداث أو اعتبارها بالترتيب ، ولكنى ساتطرق لها فى سياق علاقاتها بالافندية وتطور مفهوم القومية .
    لقد كان واحد من الاثار المباشرة لسقوط الامبراطورية العثمانية زوال ذلك الحلم بقيام أمة إسلامية قوية تحت خليفة قوى للمسلمين ، وعلى خلاف الاقطار العربية الاخرى التى كانت خاضعة للسلطان العثمانى ، لم يكن البديل الوحيد المتوفر للمتعلمين السودانيين هو الخيار ( العروبى) . وقد كان على الذين يدعون إلى الرابطة الاسلامية ان يختاروا بين الاتجاه ( العروبى) أو الاتجاه (السودانى). ولم يكن ذلك خياراً سهلاً بالنسبة لغالبيتهم . وربما بداْ للبعض انه وفقاً لمورثهم الاسلامى فان الافندية تحولوا اتوماتيكياً للتيار العروبى . وقد ثبت ان ذلك لم يكن فى كل الاحوال صحيحاً وان ذلك القول تبسيطاً (مخل) لقضية فى غاية التعقيد تتشابك فيها عدة عوامل محلية وعالمية تاثر بها كل فرد من افراد هذه الطبقة فى إتساق مع وضعه الاقتصادى والاجتماعى وتكوينه الثقافى والنفسى ، وظهر ذلك جلياً فى الصراع الذى حدث بين اعضاء جمعية الاتحاد .
    تكونت جمعية الاتحاد السودانى من مجموعة من الشبان الذين كانوا يعملون كموظفين فى الادارة الاستعمارية ممن كانت تجمع بينهم ميول ادبية وفنية . وكانوا يجتمعون فى الامسيات لتعاطى الشعر والموسيقى . وليس هناك إتفاق حول مؤسسى الجمعية أو حول اعضائها والشكل التنظيمى لها . والاهم من ذلك انه ليس هنالك اتفاق حول اسم الجمعية نفسها . ولفظ ( الاتحاد) يعتريه كثيراً من الغموض ، اهو اتحاد بين القبائل السودانية المختلفة كما ذهب اليه البعض أم هو الاتحاد بين مصر والسودان كما ذهب اليه البعض الآخر ؟ هذه الاسئلة مازالت الاجابات عليها مختلفة ولكن حسب الروايات والوثائق المتوفرة فقد كان امر أبرز اعضاء هذه الجمعية توفيق صالح جبريل ، الامين على مدنى ، سليمان كشة ، صالح عبدالقادر ، خلف الله خالد ، عبدالله خليل ، خليل فرح ، حسن نجيلة وعبيد حاج الامين ، وفى رواية احمد الطريفى الزبير باشا ، إن توفيق صالح جبريل هو مؤسس الجمعية ورئيسها. أما فيما يتعلق بعلى عبداللطيف فمازال موضوع عضويته فى الجمعية مثار جدال شديد ، فبينما ينفى سليمان كشة بحدة ( راجعة الى الخلاف الذى وقع بينه وبين على عبداللطيف) عضويته فى الجمعية ، يشير حسن نجيلة إلى انه كان على علاقة قوية باعضاء الجمعية وخصوصاً عبيد حاج الامين وقد ورد فى اكثر من مصدر انه ناقش مع اعضاء الجمعية بعض القضايا بعد بروز قضية السودان ، كما ناقش معهم مسألة تشكيل وفد السودان . ولم يكن اعضاء الجمعية فى اى وقت من الاوقات على اتفاق تام حول القضايا المطروحة ، فقد كانت هنالك فى كثير من المناسبات اختلافات فى التناول للمواضيع وفى وجهات النظر ، ولم يكن هنالك خط محدد للجمعية . ولكن كل تلك الاختلافات كانت بدرجة تمكن من احتوائها فى إطار عام من مناهضة الحكم الاجنبى.
    ومع بروز ( قضية السودان) بعد الاستقلال الاسمى لمصر ، سادت فى دوائر الافندية وفى منتدياتهم وجهتا نظر ، إحداهما أن البريطانيين أثاروا (قضية السودان) منفصلة عن مصر بغية تمتين قبضتهم على السودان والانفراد بحكمه بعد التخلص من المصريين . والذين تبنوا وجهة النظر هذه ، كانت لهم اسباب وجيهة للتوجس من نوايا شريرة لدى البريطانيين عبَر عنها ونجت صراحةً بقوله فى رسالة إلى كرومر (( إن الوضع الحالى يجعل السودان بريطانياً أكثر من اى وقت مضى )) ، بل وبمعنى اكثر من ذلك قوله فى رسالة اخرى (( إن السودان لن يحكم مرة أخرى من مصر)).
    أما وجهة النظر الثانية فقد كانت ترى فى ابراز قضية السودان كشئ منفصل عن مصر إجراء يتوافق مع التوجه العالمى فى (حق تقرير المصير) وقد تبنى هذا الاتجاه كبار الافندية الذين كانوا يتبوأون مناصب أعلى فى سلك الادارة الاستعمارية ، وبالتالى فى التركيبة الاجتماعية والذين وصفهم ونجت فى رسالة إلى كرومر بقوله (( وقد اعتمدت على كبار الموظفين الذين يفقدون كل شئ ولا يكسبون شيئاً بعدم الولاء لنا )). وقد كان مفهومهم – كبار الافندية – للقومية يسير وفق الخطوط التى سار عليها وفد الاعيان عام 1919م . وكانت الادارة قد بدأت فى تكريس سلطتهم حتى صاروا يشكلون المجموعة التى أشارت اليها كوريتا بقولها (( المجموعة التى استولت على الارض فى ظل الادارة البريطانية )) والتى بدأت تهيمن بواسطة قوانين الاراضى التى اصدرتها الادارة البريطانية فى عام 1917م وعام 1922م على المشاريع الزراعية فى النيل الابيض ثم فى الجزيرة . وقد تغيرت نتيجة لتلك الاجراءات والقوانين علاقات الانتاج ، وبالتالى التركيبة الاجتماعية التى دخلت (لاسيما بعد قيام مشروع الجزيرة) ، نطاق علاقات الانتاج الرأسمالى مفرزة بذلك طبقات جنينية يقسمها نبلوك لثلاث طبقات جنينية .
    1/ طبقة برجوازية.
    2/ طبقة متوسطة.
    3/ طبقة من فقراء المدينة والريف.
    ويصف نبلوك الطبقة البرجوازية قائلاً :- (( تتكون الطبقة البرجوازية الجنينية من التجار الذين يهيمنون على معظم النشاطات الاقتصادية المخربة والتى مكنتهم الادارة الاستعمارية ، رغم احتكارها هى والمؤسسات المالية والاستثمارات الاساسية ، منها خلال الاستثمار فى المشاريع المروية ومشاريع الزراعة الآلية ، كما مهدت لهم السبل للسيطرة على التجارة المحلية والمساهمة فى حركة الصادر والوارد ، وقد خلق لهم ذلك قوة اقتصادية عظيمة ودوراً مواثراً .
    لقد ساعد مشروع الجزيرة والاجراءات الادارية والاقتصادية السابقة واللاحقة لقيامهِ على نمو هذه الطبقة إلى طبقة برجوازية تجارية ساندت الادارة البريطانية فى كثير من سياساتها ، ولعل اهمها بالنسبة لدراستنا هذه هى توقيع سفر الولاء وتكوين الوفد ودعم الاتجاه البريطانى عند بروز القضية السودانية ، هذا بالاضافة بالطبع إلى التغيَرات التى طرآت على التركيبة الاجتماعية ذات الشكل القبلى ونشوء تجمَعات سكانية جديدة خارج إطار القبلية التقليدى فى معسكرات العمال الزراعية ( كنابى) وماتبع ذلك من ظهور قيم وتقاليد ومفاهيم جديدة سيكون لها اثر بالغ كما سنرى.
    المسالة السودانية والمفهومان الأساسيان للقومية:-
    بعد بروز المسألة السودانية كما ذكرنا انفاً ، طفت إلى السطح كل الخلافات التى كانت فى اوساط الافندية والتى كانوا يحتوونها حتى ذلك الوقت . وصارت المواجهة بين الاتجاهين شيئاً لامناص منه . وقد صار شعار (وحدة وادى النيل) راية يقف خلفها كل الذين يقفون فى مواجهة شعار (السودان للسودانيين) الذى طرحه زعماء العشائر والزعماء الدينيين والذى عبَر عنه بوضوح الاستاذ حسين شريف رئيس تحرير الحضارة الملوكة للزعماء الدينيين والمعبَرة عنهم – كما عبَر عنه اعيان الكاملين فى المزكرة التى تقدموا بها يدعون فيهالملك بريطانيا وامبراطور الهند .
    وقد يبدو مفهوم القومية القائم على شعار (وحدة وادى النيل) لاول وهلة مفهوماً متكاملاً وموحداً فى مواجهة المفهوم القائم على شعار (السودان للسودانيين) لكن واقع الامر بعيد كل البعد عن ذلك . فقد كان مفهوم (وحدة وادى النيل) يعنى اشياء مختلفة لافراد وجماعات مختلفة التفت حولهِ . فقد كان يعنى بالنسبة للبعض وحدة وادى النيل تحت التاج المصرى والحكومة المصرية بقيادة البكوات والباشوات ، وقد كانت تعنى للبعض تعبيراً عن العروبة ولدى البعض الاخر كانت تعنى الخروج من إسار القبلية والانصهار فى وحدة أوسع لخلق حياةٍ افضل.
    وحول هذه الاشياء دار الصراع داخل جمعية الاتحاد التى كانت قد تبنت شعار (وحدة وادى النيل) بصورة عامة قبل بروز قضية السودان ، ولكن مع بروز قضية السودان تفجرت الصراعات بين اعضاء الجمعية ومن حولهم حتى قضت على الجمعية تماماً ، ونشأت على انقاضها جمعية اللواء الابيض كما سنرى ، ورغم ان عدة اسباب للصراع قد زكرت فانه نادراً مايخوض الباحثين فى الاسباب الاساسية وخصوصاً الباحثين السودانيين . والدراسات القلية التى حاولت الخوض فى اسباب ذلك الصراع واكتشاف حقيقته قام بها باحثون غير سودانيين وغير ملمين بطبيعة التركيبة الاجتماعية للمجتمع السودانى وتعقيداتها ، وقد اقعدهم هذا عن إيجاد تفسيرات مقنعة للنتائج التى خلصوا اليها . أما السودانيين فقد تعاملوا مع هذه القضية بكثير من الحساسية والخجل.
    وخير أمثلة لما ذكرنا تناول يوشيكا كوريتا وحسن نجيلة الذى كان عضواً فى جمعية الاتحاد ثم توفر لاحقاً لتاريخ تلك الحقبة فى شكل مزكرات وخواطر . فحسن نجيلة يرجع الخلاف إلى وجود مجموعتين داخل الجمعية ، مجموعة معتدلة ترى ان الجمعية لم تكن بالقوة الكافية التى تمكنها من الدخول فى معارك علنية مع الادارة البريطانية بينما كانت هنالك مجموعة تنتهج نهجاً ثورياً وترى ضرورة المواجهة العلنية مع البريطانيين الذين كانوا فى رأيهم يتأمرون لفصل السودان.
    ولم يكن حسن نجيلة بالطبع فى حاجة لان يقول لاى المجموعتين كان ينتمى فى ذلك الصراع الذى انتهى إلى انقسام الجمعية ثم إلى قيام جمعية اللواء الابيض واختفاء جمعية الاتحاد من المسرح نهائى . فهو كان من المجموعة التى اسماها (المعتدلين) ولذلك فقد كان من المنطقى أن يتجنب الخوض فى الاسباب الحقيقية للصراع.
    وانه من الثابت لدى أن الصراع بين اعضاء جمعية الاتحاد لم يكن بسبب السرية أو العلنية . فاعضاء جمعية الاتحاد من الفريقين اشتركوا فى نشاطات علنية معادية للبريطانيين قبيل ذلك الصدام الذى وقع فى أواخر عام 1923م. فتوفيق صالح جبريل ، الذى تشير معظم الروايات إلى انه مؤسس الجمعية والذى كان ينتمى حسب وصف حسن نجيلة ، إلى فريق المعتدلين ، نظم قصيدة بمناسبة زياردة اللورد اللنبى إلى السودان 1922م القاها على الملاء وارسلها إلى القاهرة حيث تم نشرها فى كبريات الصحف والمجلات القاهرية يقول فيها:-
    ايها القوم لا تجَروا الذيولا يانف الحر ان يعيش ذليلا
    سمتمونا العذاب ضيقتم الارض علينا حتى هوينا الرحيلا
    فقبيح ان نرتضى الذل دهراً ونرى مالنا لكم مبذولا
    واذا كنا لانسمى هذه معارضة علنية فماذا نسميه؟
    إن القضية لم تكن قضية سرية أوعلنية . إنها تعبير عن اختلاف فى مفهوم وحدة وادى النيل بالنسبة للمجموعتين . وبالرغم من أن كوريتا تنبَه إلى هذا الاختلاف فى المفهوم وهى تناقش الاسس الشعبية لمفهوم وحدة وادى النيل مقابل مفوم وحدة وادى النيل تحت التاج المصرى ، فإنها تغيب عنها جوانب اجتماعية على قدر كبير من الاهمية فى حين انصب جل اهتمامها على الجانب الاقتصادى وحده . فهى حين تعقد مقارنة بين على عبداللطيف وسليمان كشة كممثلين للمجموعتين المتصارعتين تصف سليمان كشة بانه (تاجرى ثرى من ام درمان وانه ينتمى إلى اسرة عريقة وخريج كلية غردون) ، بينما تقول عن على عبداللطيف أنه (لم يكن يتمتع بمكانة رفيعة فى مجتمع شمال السودان من ناحية الاصل لكونهِ دينكاوى الام ونوباوى الاب ، وقد بدأ حياتهِ فى قاع المجتمع). وهى رغم إشارتها إلى (وضاعة) أصل على عبداللطيف لم توفِ هذه المسألة حقها فى البحث لتقصى أبعادها وانعكاساتها على على عبداللطيف (وعلى ماجرى بين المجموعتين) . و(قاع المجتمع) الذى اشارت اليه لم يعدها كما يتوقع القارئ إلى الجانب الاجتماعى وإنمأ أعادها إلى الجانب الاقتصادى الذى لم يكن فى حالة على عبداللطيف على قدر كبير من الاهمية لان على عبداللطيف على حد تعبير كوريتا نفسها ، قد ((مكنته وظيفتهِ العسكرية من الانضمام إلى الصفوة)) واذا كان مفهومهِ لوحدة وادى النيل قائماً على أساس ((طبقى)) فإنَه ينبغى ان يكون موافقاً لمفهوم ((الصفوة)) أو الطبقات العليا.
    فى هذه النقطة تفلت من كوريتا، كما تفلت من كثير من المثقفين السودانيين حقيقة الصراع ، وكثير ما اصابت المثقفين السودانيين حيرة لا يجرأون على مناقشتها علناً كتابة أو شفاهة ، ولكنهم يثيرونها فى مجالسهم الخاصة فحواها :- ماهى العلاقة بين على عبداللطيف الزنجى بوحدة وادى النيل ، بمصر وبالعرب والعروبة التى يرون أن الدعوة لوحدة وادى النيل تعبير عنها .
    انه حقاً سؤال هام وقد تطرقت له كوريتا ، ولكنها حصرت نفسها فى جانب واحد فقط ناحية (الاصل) وقد غابت عنها كما غاب عن غيرها حقيقة مهمة وهى أن على عبداللطيف ومن كانوا على شاكلتهِ لم يكونوا يتمتعون بأى مكانة رفيعة لا فى شمال السودان ولا فى غيره من المجتمعات الاخرى فى السودان ، فكل المجتمعات القبلية التى كانت لحمة وسداة المجتمع السودانى كانت تنظر اليهم باعتبار انهم منبتين لا اصول لهم . هذا من ناحية ، اما الناحية الاخرى فقد كان على عبداللطيف وامثالهِ يتمتعون بمكانة رفيعة فى المجتمع الحضرى المصرى الذى انحسرت فيه سطوة القبيلة وصار فيه الوضع الاجتماعى مواز للوضع الاقتصادى أو الوظيفى. لقد كان على عبداللطيف وامثالهِ ، والذين لعبوا دوراً كبيراً فى جمعية اللواء الابيض بعد تأسيسها وفى احداث 1924م ، ينتمون إلى المجموعات التى انقطعت عن اصولها القبلية وصارت تحس بانَها اكثر اطمئناناً بالانتماء للمجتمع المصرى الذى انحسرت فى حواضره سطوة القبلية . وقد تشكلت هذه المجموعات من احفاد الرقيق المحرر وخصوصاً أولئك الذين أخذوا إلى مصر كرقيق أثناء الحكم التركى ، ثم أجبرت السلطات التركية على تحريرهم تمشياً مع قرارات المجتمع الدولى لتحرير الرقيق ، ولكنها قامت بتجنيدهم فى الجيش ، ولقد كونوا لاحقاً الجسم الاساسى فى حملة استعادة السودان . وبعد الفتح تبين لهم انه لايمكن لهم ان يقيموا عفوياً فى احياء مثل (حى ابوعنجة) و (حى الضباط) والديوم فى الخرطوم والخرطوم بحرى . وهذه التجمعات والاحياء كان يشير اليها السودانيون الشماليون ، كما قال الاستاذ يوسف بدرى ، ((بنفس الصورة التى كانت تشير بها الاجيال القديمة من اللنَدنيين العنصريين إلى حى بركستن )). وهى شبيهة ايضاً كما يقول بيتر ود وورد بتجمعَات (النوبى) فى يوغندا والذين ينتمى اليهم عيدى أمين)).
    ومن ناحية اخرى فإن هذه المجموعات لم تستطع تقصى نسبها إلى تلك القبائل الزنجية التى أسر اجدادهم منها وحملوا ليباعوا فى مصر . وكانت الجذور الوحيدة التى بوسعهم العودة اليها هى بمصر. (أى الاسر المصرية التى تزوج منها أسلافهم أو الأسر الزنجية التى استرَت بمصر ). وتكثر الاشارة إلى على عبداللطيف باعتبار انه دينكاوى – نوباوى. وهذه الاشارة مربكة إلى حد بعيد فربما كان والد على عبداللطيف ينحدر من اصول نوباوية . وربما انحدرت امه من اصول دينكاوية ولكن فى الواقع لا والده ولا والدته كانت تربطهم علاقة مباشرة بتلك الاصول . واسرة ابيه لايعرف عنها شئ كثير. امَا اسرة امهِ فنعرف عنها انها عاشت فى احد الديوم فى الخرطوم وفى مدنى ، وقد نشأ على عبداللطيف فى كنف خاله ريحان عبد الله الذى كان ضابطاً فى الجيش المصرى برتبة اليوزباشى وهو الذى مهَد له دخول المدرسة الحربية ليصبح ضابطاً.
    وبهذا الفهم فانه لا يعود مستغرباً أن نجد على عبد اللطيف ومن هم على شاكلته ، يشعرون با الانتماء إلى مصر ولكن من منطلق مختلف تماماً عن منطلق توفيق صالح جبريل وسليمان كِشة واشياعهما الذين ينتمون إلى مصر من وجهة نظر (العروبة).
    لقد كان الصراع فى جمعية الاتحاد فى غاية التعقيد ، وقد اشتمل على كثير من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التى لايمكن اخضاعها لمقياس واحد . فبالضافة إلى المعايير الاقتصادية والتى وصفتها كوريتا كانت هنالك عوامل ذاتية تدخلت فى تحديد مواقف كل فرد من اعضاء الجمعية فى الصراع الدائر . فعبيد حاج الامين مثلاً ، والذى تاخذه كوريتا كمثال مقابل كشة ، لم يكن من (أصل وضيع) وكان ينتمى إلى طبقة الافندية (الصفوة) ولكنه بالرغم من ذلك وقف مع على عبد اللطيف ضد سليمان كشة.
    عندما جمع سليمان كشة القصائد والكلمات التى القيت فى احتفالات المولد ورأس السنة وغيرها من المناسبات ونشرها فى كتيب قدَم له ، جعل إهداءه ((للعرب النبلاء)) وقد استفز ذلك على عبد اللطيف وجاءه محتجاً واقترح ان يكون الإهداء ((للسودانيين النبلاء)). واذا اخذنا التعبيرين (( العرب النبلاء)) و(( السودانيين النبلاء)) فإنهما يطرحان قضية ذات وجهين لا تتمكن يوشيكا كوريتا من إعطاء إجابة كاملة عنهما فهى تهتم فقط بكلمة (عرب) فى مقابل كلمة (سودانيين) ولا تنتبه إلى كلمة (نبلاء) والتى وردت فى التعبيرين. فما هو مفهوم (النبل) بالنسبة لسليمان كشة وتوفيق صالح جبريل . وما هو مفهومه بالنسبة لعبيد حاج الامين وعلى عبد اللطيف.
    بالنسبة لسليمان كشة (كرجل ثرى ومن اسرة عريقة) فإن النبل يعنى الوضع الاقتصادى المتميز والاصل الاجتماعى (الرفيع) وبمعنى آخر فهى تعنى الاعيان وزعماء القبائل والزعماء الدينيين الذين استولوا على الاراضى وتراكمت لديهم الثروات وصاروا يشكلون نواة البرجوازية الزراعية والتجارية فى الاريفاف والمدن ، والى هذه المجموعة ينتمى سليمان كشة بالميلاد والموقع . وكذلك بالامال والتطلعات ، ولذلك فقد رفض وبشدة مهاجمة (الغوغاء) للاعيان و (الاشراف).
    أما بالنسبة لتوفيق صالح جبريل (فالنبلاء) الذين هاجمهم على عبد اللطيف ودافع عنهم سليمان كشة كانوا بالنسبة له (نبلاء اذلاء) اذعنوا للادارة البريطانية ، كما ورد فى قصيدته التى اشرنا اليها انفاً . واصبح (النبلاء) بالنسبة له هم رصفاؤهم من الامراء والبشوات المصريين الذين أظهروا درجة من الرَفض وعدم الاذعان للبريطانيين فى مصر أمثال الامير عمر طوسون الذى كان يبدى قدراً من المعارضة للبريطانيين ويناحز للحركة الوطنية المصرية .
    أما بالنسبة لعبيد حاج الامين والطيب بابكر فيمكن القول أنه كان لديهم نوع من المفهوم (الايدلوجى) للنبل والنبلاء. فبالرغم من كونهما من (اصل رفيع) ويتمتعان بوضع اقتصادى متميز لكونهم افندية من الصفوة فقد عارضا النبلاء من الاعيان وزعماء العشائر والزعماء الدينيين وانحازا للجناح (الجماهيرى) لوحدة وادى النيل ، وقد عبر عن ذلك بوضوح الطيب بابكر الذى كان يردد عبارات الشعب والجماهير فى مهاجمته للادارة الاهلية والاعيان .
    أما بالنسبة لعلى عبد اللطيف وبقية الافندية الذين كانت فقدوا اصولهم القبلية كما أوضحت آنفاً والذين كانت لهم اليد العليا فى الاحداث ، التى اعقبت تكوين اللواء الابيض ، فإن (النبل) يحتاج إلى استقصاء لغوى بنفس قدر الاستقصاء السياسى والاجتماعى ، فكلمة (نبلاء) مشتقة من (النبَل) والتى تعنى حسب مختار الصحاح السمو الرفيع والرفعة . فالعرب تقول (نبيل المولد) للشخص ( الرفيع الاصل ) لتفرَق بين الشخص العالى القدر ( بالميلاد ) والذى يصير عالى القدر جهداً واكتساباً . واذا اخذنا هذا فى الاعتبار ، فإن احتجاج على عبد اللطيف على ماكتبه سليمان كشة (العرب النبلاء) لاينبغى أن ينحصر فى كلمة (العرب) فقط ولابد أن يمتد إلى كلمة (النبلاء) نفسها لان على عبد اللطيف ما كان ليحلم ان تحتويه اى تركيبة( نبلاء ) عربية كانت أم زنجية إذا فهمنا (النبل) على انه (نبل الميلاد) والرفعة المو######## ، أما اذا اخذنا النبل بمعنى (السمو والرفعة) إطلاقاً ، فهنا يمكن أن يجد على عبد اللطيف مكاناً إن هو سعى اليه . وأعتقد ان هذا هو الفهم الذى جعل على عبد اللطيف يقبل كلمة (نبلاء) أصلاً ثم يطالب بإضافتها على (السودانيين) وليس العرب.
    والنبلاء ، بالنسبة لعلى عبد اللطيف ، هم القادة والزعماء الذين يبرزون من العامة وليسوا الذين يتوارثونها من (أولاد القبائل) و(أولاد ابودقن وابو حشيش).
    لقد كان الانقسام فى جمعية الاتحاد فى الواقع تعبيراً عن تعارض مصالح مجموعات متباينة داخل طبقة الافندية ، وهذه المصالح المتعارضة ، يمكن ، باعتبار العوامل التى أشرت اليها آنفاً ، شرحها فى محورين أساسيين ، اقتصادى واجتماعى وينتج عن هذين المحورين محور ثالث سياسيى.
    فهى من ناحية كانت صدام بين مصالح الذين هيمنوا على الاراضى وبالتالى الثروة بعون السلطات البريطانية وصاروا يتطلعون لترسيخ وضعهم كطبقة برجوازية زراعية وبين مصالح الصفوة من الافندية فى المدن الجديدة ومجتمعاتها الدينية الجديدة . ومن ناحية اخرى فقد كانت مواجهة بين مصالح (أولاد القبائل) وتلك العناصر (المنبتة) التى لا تعرف لها أصولاً خارج إطار هذه التركيبة الحضرية الجديدة.
    وقد نتجت من هاتين المواجهتين مواجهة سياسية يمكن شرحها بسهولة فى إطار المواجهة الاولى بين مصالح البرجوازية الزراعية ومصالح طبقة الافندية الجديدة ، ولكن يصعب نوعاً ما ، شرحها فى إطار المواجهة الثانية بين (أولاد القبائل) و (عديمى الاصل).
    وسياسياً لم يكن من الصعب على الذين احسَوا با لانتماء للبرجوازية الزراعية أن يكتشفوا أنَ مصالحهم يخدمها ميلهم للبريطانيين الذين يشكلون اليد العليا والكفة الراجحة فى ميزان الحكم الثنائى والذين مكنوهم من الاستيلاء على الارض ، ووسعت دائرة نفوذهم باستعادة سلطات ونفوذ زعماء القبائل من نظار ومكوك وعمد. وقد دفع هذا الافندية بشكل عام ، وكطبقة جديدة منافسة للبرجوازية الزراعية ، إلى التوجه فى تلك المرحلة إلى الشريك الاخر . وبذلك برز إلى الوجود هذان التياران الذان تحكما إلى حد بعيد فى تطَور مفاهيم الوطنية والقومية السودانية . وقد تمثل هذان التياران فى شعارين رفعا آنذاك وهما (وحدة وادى النيل) و (السودان للسودانيين). ولم يحدث ذلك بالطبع بمعزل عن الاثر السياسى والثقافى للشريكين كليهما (البريطانى والمصرى) وقد بذل كلاهما جهداً خارقاً لكسب المزيد من المؤيدين فى كل الفئات والطبقات كما سنرى فى الجزء التالى من المقال.
    الأثر المصرى (وحدة وادى النيل):-
    يميل كثراً من الكتاب عند تناولهم للعلاقات المصرية السودانية إلى المبالغات والمزايدات فى الحديث عن (العلاقات الازلية) . وهذا الاتجاه المبالغ مضلَل للغاية ويضع العلاقات ويضع العلاقات المصرية السودانية خارج إطارها السليم. فالاشارة إلى البلاد الواقعة جنوب مصر والتى كانت للمصريين علاقة بها فى التاريخ القديم باعتبار انها (السودان) ، يشكل فى اعتقادى خطاً شائعاً نتجة عنه ضبابية غبَشت الرؤى التاريخية والجغرافية السياسية.
    فمصر الفراعنة لايمكن ، باى حال من الاحوال ، مقارنتها بمصر القرن التاسع عشر فى أى وجهة من الوجوه لاعرقياً ولا لغوياً ولا ثقافياً ولا حتى جغرافياً . كما انه لايمكننا ان نتحدث عن علاقات (ازلية) بينها وبين السودان إذ لم يكن هنالك (سودان) بمفهوم اليوم فى ذلك العصر . وربما كان بالمكان الحديث عن علاقات بين مجموعات من البشر التى كانت تقطن تلك المناطق ، وقد تطورت تلك المجموعات البشرية من خلال العلاقات الايجابية والسلبية إلى دويلات وممالك تكونت منها لاحقاً دولتى مصر والسودان الحديثتين . ولهذا فإننى اعتقد انه من الانسب حين نتحدث عن مصر والسودان كدولتين حديثتين الأ نتحدث عن (الازلية) وان نجعل عام 1821 بداية للتعامل معهما كدولتين أو كقطرين وذلك لان السودان كوحدة جغرافية إدارية وسياسية قايمة بذاتها صارت تعرف بين حدودها الجغرافية أو نحوها باسم السودان ، بعد عام 1821 . ثم صارت لها علاقات بدولة محددة جغرافياً وادارياً وسياسياً اسمها مصر.
    لمَا غزا محمد على البلاد التى صارت بعد احتلالها دولة السودان الحَديثة ، عمد ككل غاز ، إلى الهيمنة على القطر اجتماعياً وثقافياً تماماً كما سعى إلى الهيمنة عليه اقتصادياً وسياسياً . ولذلك فقد قام محمد على فى زيارته الاولى إلى السودان عام 1839 بتشجيع الاعيان وزعماء العشائر لارسال أبنائهم إلى مصر للدراسة فى مدارسها ومعاهدها الحديثة . وقد قبل الاعيان دعوته ، كما يخبرنا عبد العزيز أمين ، ووصل ستة من أبناء الاعيان ، وحينما وصلوا وأخطر سعادته ، أمر بإعطائهم تعليماً زراعياً ، وقد ارسلوا إلى المدرسة التحضيرية ليتعلَموا بمشيئة الله هذا العلم وقد كانت تلك أول بعثة دراسية للسودانيين بمصر .
    كما بنى محمد على رواقاً فى الازهر وخصصه لطلاب العلم القادمين من السودان . وقد تبع عباس خطوات محمد على فى حقل التعليم ، وقد قرَ رأيه على القيام بإنشاء مؤسسات تعليمية فى القطر نفسه لتقوم بتعليم اعداد اكبر والتأثير على قطاعات أوسع ، فوجه عباس مجلس التعليم لإنشاء مدرسة ابتدائية فى الخرطوم ، وقد عيَن المجلس رفاعة رافع الطهطاوى ناظراً لتلك المدرسة وأوفد إلى السودان لإنشائها وإدارتها ، وقد تضمَن أمر التأسيس صراحة أنَها (( ينبغى أن تنتهج نهج التعليم المصرى)) كما تقرر ان يكون تلامذة تلك المدرسة من (( أبناء الشيوخ والاعيان من سكان دنقلا ، الخرطوم ، سنار والتاكا )).
    ورغم أنَ الدراسة فى تلك المدرسة لم تستمر طويلاً وأغلقت بعد وفاة الخديوى عباس وعودة رفاعة رافع الطهطاوى ومن معه ( من الذين ارسلوا بنية النفى إلى السودان) إلأ أن أثرها كان كبيراً على الفقراء والشيوخ . وقد نسب إلى رفاعة رافع الطهطاوى أنه قال :- (( لقد تعلم فقراء الخرطوم من العلماء الذين رافقونى تجويد القرآن الكريم وعلم القراْات حتى اتقنوها )). وحين خلف الخديوى اسماعيل عباساً على أريكة الخديوية وجَه الحكمدار موسى حمدى لإنشاء مكتب تابع لمدير الخرطوم تكون مهمته تعليم خمسمائة تلميذ ليعين منهم ما يحتاجه من وظائف الكتبة والمعاونين.
    وقد اقترح موسى باشا حمدى فتح خمس مدارس فى المديريات المختلفة بدلاً من جلب التلاميذ من المديريات إلى الخرطوم . وقد وافقت السلطات فى القاهرة على إقتراحِ ، ففتحت خمس مدارس فى خمس مدن سودانية هى بربر والابيض ودنقلا وكسلا . كا أعيد فتح مدرسة الخرطوم . وقد تعلم التلاميذ فى تلك المدارس اللغة العربية والحساب ، وبعد اكمال الدراسة فى تلك المدارس كان معظم التلاميذ يعينون فى سلك الادارة التركية ككتبة ومعاونين . أما التلاميذ النابهين فقد كانوا يرسلون إلى مصر لدخول المدارس الثانوية حيث يتعلمون العلوم الاخرى فى مستويات أعلى.
    لقد كان نتاج هذه السياسة التعليمية مجموعة من الشَبان شديدى الارتباط بمصر والمتاثرين إلى درجة بعيدة بالثقافة المصرية . وكانوا يقرأون مجلة (( الوقائع المصرية )) بإنتظام ويتابعون الحركة الادبية المصرية بإهتمام بالغ . بل كان بعضهم يشارك بكتابة المقالات والقصائد فى المجلات المصرية ، ومنهم على سبيل المثال الضرير ومحمد احمد هاشم الذين نظما القصائد فى مدح الخديوى توفيق .
    وقد حاولت الدولة المهدية محو الأثر التركى زإزالة آثار الثقافة التركية المصرية . ولكن الدولة المهدية دولة اسلامية فإنها لم تستطع محاصرة تلك الثقافة التى كانت سماتها الاساسية اللغة العربية والثقافة الاسلامية . هذا من ناحية أما من الناحية الاخرى فإنا اعداد كبيرة ممن تأثروا بالتعليم والثقافة المصرية التركية كانوا فى الغالب موظفين فى سلك الادارة التركية ، وقد ترك معظمهم السودان ، إما قبل سقوط الخرطوم فى يد الانصار أو بعد سقوطها . وقد بقى معظمهم فى مصر حتى استعادة السودان فى عام 1898م.
    وبعد اعادة الفتح كان هؤلاء العائدون وأبناؤهم الذين ولدوا خلال فترة إقامتهم فى مصر وتلقوا قسطاً من التعليم ، وهم الذين حفظوا الثقافة المصرية فى السودان . وقد لعبت الادارة الثنائية الجديدة ، كما ذكرنا آنفاً ، دوراً بارزاً فى ترسيخ الثقافة المصرية بالنهج التعليمى الذى نهجته وفقاً للهياكل التى كان معمولاً بها فى العهد التركى.
    ولم تكتفى الادارة الجديدة فى التعليم الاولى بالنهج التركى فحسب بل إن المعلمين أنفسهم فى المدارس الأولية كانوا من المصريين العاملين فى الادارة والجيش المصرى ، وكان تعليمهم لا يقتصر على تعليم اللغة العربية والقرآن والحساب وإنما كان يتعداها لنشر بعض الروىَ والافكار السياسية ولا سيما فكرة وحدة وادى النيل . ويعطينا حسن احمد عثمان (الكد) فى مزكراته صورة لما كان يقوم به أولئك المعلمون المصريون من عمل سياسى يتمثل فى تشبيع الصبية بأفكار وحدة وادى النيل والدولة المجيدة التى يمكن أن تقوم عليها.
    ((دخلت مدرسة ام درمان ولكنَى لم اقطع صلتى بمدرسة خور شمبات فكنت أتردد عليها من حين لآخر . واذكر فى اخريات عام 1918م ، بعد اعلان الهدنة بقليل ، التقيت بضابط سودانى مصرى برتبة الصاغ فى المدرسة ، والضابط ابوه محسى من السكوت وامه مصرية ، وكان يلتهب حماساً ووطنية واخذ قطعة من الطباشير واخذ يرسم لنا خرطة وادى النيل ويصور لاذهاننا الغضة آنذاك الدولة الغائبة التى ستقوم فى وادى النيل وتبنى المجد وتطرد المستعمر المغير . وكانت الصورة الشعرية تنطبع فى اذهاننا الغضة )).
    هذا النوع من التعليم لم تكن الادارة الجديدة تستطيع أن تتفاداه . وكما سنرى حين نناقش الأثر البريطانى أن هذا التعليم جعل أولئك الشبان ، على الاقل قبل دخولهم كلَية غردون تحت التأثير المباشر لمعلَميهم المصريين . وحتى بعد ذهاب أولئك الطلاَب إلى كلَية غردون فقد استمرَوا اكثر ارتباطاً بالثقافة المصرية التى كانت كما قال حسن احمد عثمان (الكد) (( النافذة التى كانوا يطلَون من خلالها على العالم)).
    ولمَا كان أولئك الشبَان من (( الشرق الاسلامى )) فقد تجاوبوا مع مايجرى فى العالم وفى الشرق على اناجيلا. وجه الخصوص . وشاركوا المصريين آمالهم . وقد كانت تلك الآمال هى قيام دولة عربية اسلامية طوَرها ودعا لها بحماس بالغ عبد الرحمن الكواكبى وساطع الحصرى ، الذين كان الافندية في تلك الحقبة يعجبون بهم غاية الإعجاب ويتخذون كتاباتهم اناجيلاً.
    وحين برزت قضية السودان وحاول البريطانيون ايجاد حلفاء من الزعماء الدينيين وزعماء العشائر الذين صارت مصالحهم ، كما سبق القول تتصادم مع مصالح الافندية ولا سيما أولئك الافندية الذين لا يرتبطون بالتركيبة الاجتماعية القبلية التي كانت ما تزال سائدة آنذاك ، استخدام الموظفون المصريون، والذين كان وضعهم الوظيفي، وبالتالي الاجتماعي دون الموظفين البريطانيين(وبالتالي اقرب الي الافندية السودانيين ) ، استخدموا هذا التناقض بين مصالح الاعيان والزعماء وبين مصالح الافندية لكسب تأييد الافندية لدعوة وحدة وادي النيل. وقد كان الجو صالحا لذلك بعد الريبة ثم الغضب اللذين ساورا الافندية نتيجة لذلك التحالف بين البريطانين وزعماء العشائر والزعماء الدينيين. وقد عبر عن ذلك بوضوح احمد الطريفي في اجابته حينما سئل عن دور عبدالخالق مأمور امدرمان المصري في العمل لوحدة وادي النيل. يقول احمد الطريفي:-
    "ما كان عنده دور ظاهر غير التشجيع ، ما كانش داخل الجمعية ولكن التشجيع باعتبار انه مصري، باعتبار ان الحركة موالية للمصريين اللي كانوا في الوقت داك هنا يشجعون هذه الحركة".
    كذلك يصور هذا الاثر عبداللطيف الضو فيقول:" حضر في الصباح الباكر جندي مصري يحمل خطابا معنونا الي حضرات الاخوان الملازم ثاني حسن فضل والملازم عبدالفضيل الماظ والملازم سيد فرح، نحن اخوانكم ابناء شمال الوادي لا يمكننا الا ان نعبر عن شعورنا بالثقة بكم وانه لا يختمرنا ادني شك في انكم ستقومون بما وعدتم".
    يقول ب . م هولت " انه ليكون من الخطأ ان نصور السودانيين في تلك الفترة وكانهم مجرد أدوات للمصالح القومية المصرية ".
    ولكن محمد نوري الامين يحاول دحض مقولة هولت هذي ويصر علي أنهم كانوا ادوات للمصالح القومية المصرية فيقول" بالرغم من ان ما اورده يصطدم بكثير من الإفادات التي تفيد عكس ذلك ...." وحركة 1924م كانت مجرد اداة محبطة للطموحات القومية المصرية".
    ورغم ان نوري يقر بوجود سودانيين علي قدر من الوعي السياسي والاجتماعي استخدموا "رياض السودان" كمنبر للتعبير عن آمالهم وآلامهم ، وللتعبير بطرق عائمة وغير مباشرة عن نوع المجتمع العربي الاسلامي الحديث الذي كانوا يحلمون به، الا ان نوري يرد وعيهم ذاك الي رئيس تحرير "رياض السودان" عبدالرحيم قليلات، وقليلات كما عرفه نوري( سوري عمل في مصلحة السكة حديد، وقد كان شخصية ادبية) تأثر بها وكان علي علاقة بها كثير من اولئك الذين كانوا يحلمون بدولة عربية اسلامية حديثة في كل من مصر والسودان وسوريا بيد انني اعتقد اعتبار نوري لقليلات اداة مصرية واعتبار الذين دعوا لوحدة وادي النيل وكونوا الجمعيات بما في ذلك جمعية اللواء الابيض مجرد ادوات مصرية فيه كثير من الظلم والاجحاف ويتناقض مع ما بايدينا من افادات هود عيان حضروا تلك الفترة وتابعوا احداثها.
    ولهذا فانني اري انه من الاسلم قبول مقولة هولت بان ثورة 1919م الهمت وقدمت مثالا حاول السودانيون اتباعه. وبالطبع فاثر الموظفين المصريين في السودان ،وربما مشاركتهم في كثير من الأحداث في السودان بين عامي 1919م و 1924م، وليس مما يمكن انكاره. ولكن اثر ثورة 1919م لا ينبغي ان يحصر في هذه المشاركة المحدودة لبعض الموظفين المصريين الذين حملوا أفكار الثورة المصرية ودعا لها في أوساط المتعلمين السودانيين، ولكن ينبغي الا نغفل وجود جيل سوداني بدا يهتم بعد الحرب العالمية اهتماما عظيما بحركات التحرر الوطني في الشرق الأوسط ويتعاطف معها. وإذا كان اولئك الافندية يتابعون ما يحدث في الشرق الاوسط وفي انحاء العالم الاخري كما ورد في إفادات ملاسي والطيب بابكر ، فمن باب أولي ان يتابعوا ما يجري في مصر، وذلك ثابت في التقارير الرسمية كما هو ثابت في غيرها من المصادر.
    الأثر البريطاني:
    لقد كانت الإدارة البريطانية في بادئ الامر تضع نصب عينيها ملاحظة اللورد كرومر حول تعليم الانجليزية، وقد تعاملت مع اولئك الاولاد المتعلمين كعناصر خطرة اعتمدا علي مقولة كرومر:" ان تعليم الانجليزية للشعوب المستعمرة يمكن ان يمدها بذراع قوي تستخدمه ضد مستعمريها". ورغم ان معظم المدرسين البريطانيين كانوا من الشباب المثقفين من خريجي كامبردج وأكسفورد الا انهم لم يهتموا في بادئ الامر ، باي نشاط فكري من شانه ان يؤثر علي اولئك الافندية قليلي المعرفة ويوجههم نحو الثقافة الانجليزية بما كانت تحفل به في تلك الفترة م افكار ومبادئ. لقد كان المدرسون البريطانيون كما يقول ادوارد عطية:"اعضاء في السلك السياسي وكان عملهم ذا طبيعة مزدوجة ، كانا مدرسين وكانوا حكاما في ذات الوقت وقد طغت الصفة الاخيرة علي الأولي. لقد كان علي الطلبة ان يعاملوهم باحترام ليس هو احترام التلميذ العادي لمعلمه وانما احترام المحكوم لحاكمه".
    لقد اتبعت كلية غردون النهج البريطالني في التعليم ، وكانت لغة التعليم هي اللغة الانجليزية ، وفرضت الكلية اشياء كثيرة من شانها ترسيخ النمط الإنجليزي ونشر الثقافة الانجليزية. ولكن ظلت هذه الاشياء عاجزة حتي عام 1924م وبعدها بسنوات عن احداث اثرها المرجو علي السواد الاعظم من الافندية وذلك لاسباب كثيرة في مقدمتها ، كما اسلفنا ، ان تلاميذ كلية غردون يدخلونها وقد تلقوا تعليمهم البتدائي والاوسط علي النهج المصري وقد تشربوا بالثقافة المصرية والمشاعر الموالية لمصر ووحدة وادي النيل. وتكون معرفتهم حتي ذلك الوقت باللغة الانجليزية محدودة جدا. ولكن رغم ذلك بدا الاثر البريطاني في النمو لا سيما بعد احداث 1924م وما اعقبها من اجراءات لمحو اللاثر المصري . وبدا اثر الثقافة الانجلبزية وما تحتويه من افكار جديدة ومبادئ ليبرالية واشتراكية يجد طريقه الي الافندية عبر الكتب والمجلات والمطبوعات الانجليزية التي صار الحصول عليها بتدبير الإدارة البريطانية اكثر يسرا من رصيفاتها المصرية. ومن ضمن الآراء التي كانت سائدة في بريطانيا آنذاك آراء حول حق القوميات في تقرير مصيرها والدولة القومية وغير ذلك من الافكار المتعلقة بالهوية والذاتية المستقلة للبلدان علي أساس الدولة القومية . ودفع ذلك بمنظور (القومية السودانية) البلاد تري بقاء الانجليز ليأخذوا بيد السودانيين حتي يشبوا عن الطوق ويصبحوا قادرين علي تقرير مصيرهم.
    ظل مفهوم القومية لدي الافندية ينحصر في هذين التيارين وعكف كلا الشريكين في الحكم الثنائي يرعي التيار المالي او المتوافق مع أطماعه . وقد أدي الصراع بين التيارين وبين الشريكين الي وقوع احداث 1924م والتي لسنا بصدد الخوض في تفاصيلها ولكن ما يهمنا هنات هو انها مكنت الإدارة البريطانية من تحقيق كثير مما كانت تصبوا اليه من الهيمنة وإبعاد الشريك الآخر مصر وإضعاف أثره.
    وقد جعلت الإجراءات التعسفية والسياسات الصارمة التي انتهجتها الإدارة البريطانية نحو الافندية في الفترة التي اعقبت الاحداث فترة تأمل عكف فيها الافندية علي البحث والتحصيل ، وابتعدوا طوعا وكرها عن النشاط العام . وتقوقعوا علي انفسهم في حلقات صغيرة للقراءة والمناقشات ، وقد نمت هذه الحلقات شيئا فشيئا الي جمعيات أدبية ساد فيها في البداية شئ من الترف الفكري والروح النخبوية حلقت بهم في سماوات التجريد المتعالي علي واقع الصراع السياسي والاجتماعي . ولكنهم اجبروا في نهاية المطاف علي الهبوط الي ارض الواقع لمناقشة القضايا الملحة وفق ما اكتسبوه من معرفة خلال قراءاتهم المكثفة في التراث العربي الاسلامي وفي الثقافة الغربية المعاصرة . وقد كان في مقدمة هذه القضايا قضايا الهوية والذاتية والدولة القومية . ورغم ان نقاش تلك القضايا داخل تلك الجمعيات لاسيما جمعية ابي روف (نسبة الي حي ابي روف بامدرمان) وجمعية الموردة /الهاشماب نسبة الي حي الموردة بامدرمان والذي تسكنه بجانب آخرين جماعة من فرع الهاشماب من قبيلة الجعليين. وصارت هذه الحلقة تعرف لاحقا بمجموعة "الفجر" ( وهي المجلة التي ذاع صيتها في الثلاثينات). لم يخرج الموضوع في بادئ الامر عن إطار التيارين التقليديين الا انه اكتسب ابعادا جديدة أكثر تشعبا وتعقيدا من الفترة التي نحن بصددها . ولكن وفي قلب ذلك اخضم الهائل من التعقيدات ظلت القضية التي برزت في الصراع بين علي عبداللطيف وسليمان كشة هي مركز الصراع رغم المحاولات لاغفالها او الالتفاف حولها . وقد برزت بصورة جادة في الثلاثينات في الصراع بين الابروفيين واولاد الموردة. ورغم ان الابروفيين حاولوا اعطاء الصراع طابعا فكريا وسياسيا وحاولوا تصوير خلافهم مع مجموعة اولاد الموردة وكانه صراع بين التيار الوطني العروبي الاسلامي المتوجه نحو مصر العربية الاسلامية وبين التيار غير الوطني المنحاز الي الانجليز ، الا انهم في واقع الامر كانوا الي حد بعيد توجههم نفس المشاعر التي وجهت الصراع بين كشة وعلي عبداللطيف . وقد عبر عن ذلك الابروفيين بصورة واضحة حماد توفيق في الحوار الذي اجري معه في " مقابلات رواد الحركة الوطنية" . يقول حماد توفيق:" حاجة مهمة جدا انا بتكويني الشخصي ما بحب اتكلم عن دور الخلافات ، في طبيعتي ،نحن الابروفيين اللي فيما بعد بقينا الاتحاديين وهم الكانوا بيسموهم ناس الموردة الكان معاهم محمد عشري صديق وعبدالله عشري صديق برضو ديل ما نساهم، يعني ابتدينا نري انه في اتجاه عربي واتجاه غير عربي". والاشارة الي محمد عشري وشقيقه عبدالله قطعا يخرج الخلاف الفكري والسياسي وحتي الثقافي لانه مافي شك ان محمد عشري وعبدالله عشري رغم زنجيتهم ولدوا وشبوا داخل إطار الثقافة العربية الاسلامية، بل وقد كانا نجمين ساطعين في سماء اللغة العربية وادابها . اذن فما قصده حماد توفيق بقوله:" عربي وغير عربي" ليس ثقافيا وانما عرقيا واجتماعيا. لذلك فقد اختار اولاد عشري دون بقية اعضاء الموردة لانهم ينتمون حقا لما عرف ولما يعرف حتي الان بـ (عبيد الموردة) .
    ولعل الصراع داخل جمعية الموردة نفسها والتي جعل اسمها يتغير من (أولاد الموردة ) الي (أولاد الهاشماب) ثم الي (جماعة الفجر) يؤكد هذا الاتجاه. وصارت الشقة تتسع بين (أولاد الموردة) محمد عشري الصديق وبين (أولاد الهاشماب) محمد احمد محجوب وعبد الحليم محمد واحمد يوسف هاشم . ولا يفوت علي القارئ الحصيف لمجلة "النهضة" التي صدر عددها الأول في اكتوبر عام 1931م والتي يشارك في تحريرها جماعة الموردة ذلك الصراع القائم علي أساس العرق بين أولاد الموردة وأولاد الهاشماب الذين كونوا لاحقا مجموعة الفجر بعد ان انضم اليهم عرفات محمد عبدالله . وقد صدر العدد الثالث من مجلة النهضة بتاريخ 18 اكتوبر 1931م، وعلي غلافه صورة كبيرة للزبير باشا ود رحمة وخصت كلمة التحرير "للمغفور له في جنات الخلد" الزبير باشا ود رحمة وبه نبذة عن حياته وسيرته في بحر الغزال واشادة بما قام به من اعمال جليلة في الجنوب وما حمله معه من هدايا الي الخديوي حين ذهب الي مصر ومن بينها الفا من الجنود السودانيين. وليس من الصعب ان يستشف القارئ مرامي هذا المقال، وفي اعتقادي ان الاشارة تم التقاطها بواسطة اولاد عشري وفحواها ان اولاد الهاشماب ارادوا ان يخطوا حدا فصلا بينهم وبين (عبيد الموردة) الذين ربما كانوا احفاد من حملهم الزبير باشا ضمن هداياه للخديوي . وقد انعكس ذلك علي المساجلات التي أعقبت ذلك. فقد كتب محجوب مقالا حول الخلق والابداع في العدد السابع من المجلة بتاريخ 15 نوفمبر 1931م ووجد محمد عشري في ذلك المقال سانحة للرد علي محجوب والنيل منه والتهامه بصورة ضمنية بانه رجل عاطل الموهبة يتبع ما وجد عليه اباءه وأسلافه ويخشي سلوك الدروب غير الممهدة. وحين ظهر هذا المقال في عدد النهضة بتاريخ 29 نوفمبر 1931م سارع عرفات لمؤازرة محجوب والهجوم علي محمد عشري في العدد العاشر بتاريخ 6 ديسمبر 1931م. وهنا انبري عبدالله عشري الصديق للرد علي عرفات بمقال ساخن في العدد الحادي عشر لا يخفي في مرارته وإحساسه بالغبن ويتهم فيه عرفات بالتحيز وعدم الموضوعية في هجومه غير المؤسس علي محمد عشري.
    ان ما حدث لمحمد عشري وعبدالله عشري خير مثال لهذا الصراع العرقي- الاجتماعي الذي ظل يحتدم باشكال مختلفة ، ولكن ظل تناوله في اوساط المعلمين والمثقفين يتسم بالحساسية والخجل. واثق ان ما قاله محمد عشري الصديق الذي سقط ضحية ذلك الصراع المر الخفي، مازال حتي اليوم صحيحا:" يقولون ان السودان مهد التعصب. واصدقكم ان هذا القول لا يفقد كل قيمته عند البحث والاستقراء ، فلماذا نحن متعصبون ؟مايزال بيننا قوم يتعصبون للجنس واللون والمعتقد واللبس ايضا. ولايزال بعضنا منقسمين بطونا وافخاذا لا يفيدنا وجودها ولا يضيرنا عدمها".
    كان عشري وأمثاله يتوقون صادقين لقومية "سودانية" تستوعب أولاد القبائل والرقيق علي حد سواء ، وعبروا عن ذلك في رفق ولطف فرضته عليهم ظروفهم الاجتماعية والعربية ورفضه " اولاد القبائل" بشتي الوسائل القاسية والناعمة. ولعل اخطرها جميعا هو محاولة انكار وتجاوز هذه الفوارق الاجتماعية العرقية . لقد ظل ديدن المثقفين ولاسيما من "اولاد القبائل".
    ولقد ظلت هذه القضية ونتيجة لتناولها بالصورة التي ذكرت عقبة في طريق تطور القومية السودانية ، وبلوغ انصهار المجموعات العرقية والثقافية المختلفة في بوتقة واحدة. وفي اعتقادي انها ستظل لفترة طويلة صخرة تتكسر عليها كل الجهود لصياغة قومية سودانية مرضية لكل الأطراف مالم يتم تناولها ومناقشتها بشجاعة وصراحة ووضوح. واعتقد ان قراءة تلك الفترة، موضوع دراستنا قراءة متأنية ، وتسمية الاشياء باسمائها ، المستعربين والزنوج الخلص والخلاسين والرقيق والرقيق المحرر وأولاد القبائل والذين نشاوا خارج إطار القبيلة " والنظر الي الصراعات العرقية والثقافية والاجتماعية بين هذه المجموعات بعيدا عن الحساسيات المو######## والتقديس الضار لتاريخنا "المجيد" يساعد كثيرا علي الخلاص من هذه الحلقة اللعينة ويعين علي الوصول الي صيغة للقومية السودانية تستوعب هذه الأشتات من الشعوب والقبائل التي تعمر السودان
                  

12-26-2005, 09:18 PM

أبكر آدم إسماعيل
<aأبكر آدم إسماعيل
تاريخ التسجيل: 10-05-2002
مجموع المشاركات: 549

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟ (Re: سفيان بشير نابرى)


    سلامات صلاح شعيب
    وميري كريسماس
    إنت لسة قاعد في واشنطون؟
    المهم يا صديقي تكون بخير وبعد داك ممكن نجي للـ
    المشروع،
    الحداثة،
    السودان،
    وأشياء أخرى



    أبكر آدم إسماعيل
                  

12-27-2005, 00:12 AM

منتصر عبد الماجد
<aمنتصر عبد الماجد
تاريخ التسجيل: 03-31-2005
مجموع المشاركات: 183

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟ (Re: أبكر آدم إسماعيل)

    العزيز صلاح
    تحياتى لك والاسرة ميرى كرسماس
    لم يمت المشروع وانتظر قليلا فلدينا الكثيرمن المساهمة ..المهم
    ابوبكر اسماعيل ازيك يا راجل ارجو ارسال رقم تلفونك بالمسنجر
                  

12-27-2005, 00:37 AM

Masoud

تاريخ التسجيل: 08-11-2005
مجموع المشاركات: 1623

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟ (Re: صلاح شعيب)

    شكرا يا شعيب علي المضوع ولا تنسى مسهمات الخاتم الجادة في موضو ع الحداثة السودانية ودع عنك حكاية قومية دى لانها تضعف ما تريده من وجاهة جهة التحديث--مشروع حق هو الدرب الواضح في هذا الاتجاه السوداني العلماني السلام عليكم ورحمة الله وبركاته من مسعود محمد علي
                  

12-27-2005, 01:36 AM

Biraima M Adam
<aBiraima M Adam
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 27446

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟ (Re: Masoud)



    الأستاذ أبو أسيل
    لك التحية
    نسألك هل الشعب السودانى موحد قومياً حتى نستطيع الحديث عن وحدة ثقافية حداثية؟ هل حقيقة لدينا مشاعر وطنية قومية موحدة يتطور من خلالها مشروع الحداثة الذى تتحدث عنه؟ هل لدينا تأريخ موحد حتى نكون وحدة قومية متجانسة تساعد في تقديم مشروع الحداثة؟ تلك كلها أسئلة مشروعة. السودان علي مر تأريخه القديم لم يكن دولة موحدة أصلاً، بل دويلات أو (ممالك) متفرقة، تتقاطع وتتداخل مصالحها مع بعضها البعض، وأسم بلاد السودان، الذى أطلقة الجغرافيون المسلمين في العصور الوسطى ليشمل كل الحزام جنوب الصحراء الكبرى، بدأ يتقلص تدريجياً لأختلاف قومياته وثقافاته وأثنياته حتى أنحصر في مفهومة الضيق الذى يمثل سوداننا اليوم والذى بدأ يتشكل كدولة موحدة منذ الأحتلال البريطانى في عام 1821م وظهرت معظم ملامح الدولة السودانية القومية من خلال الثورة المهدية وقد أكتمل (تقلص) إلي حدوده الحاليه أبان الأحتلال المصرى –البريطانى بين 1899م -1955م. وقد ضمت تلك الدولة الناشئة شعوب لم تكن موحدة سواء كان ثقافياً أو جغرافياً، فالنوبة في الشمال كانوا أقرب إلي الشعوب النوبية في جنوب مصر منها إلي شعب الفونج إلي الجنوب أو البجه إلي الشرق منهم. شعب البجه الذى وصفه المسلمون في العصور الأولى بأنه شعب متميز في خصائصه وملامحه فهم ليس بسود، أو نوبا أو عرب ويرتبط أكثر بشعوب القرن الأفريقى والجزيرة العربية أكثر من أرتباطه بالشعوب التى توجد إلي داخل بلاد السودان. الشعوب الجنوبية التى تبربط بالقبائل النيلية وشعوب البانتو في أراضى البحيرات العظمى أكثر من أرتباطها بالشمال المستعرب. شعوب سلطنة دار مساليت ودار زغاوة يرتبطون بشعوب وسط وغرب أفريقيا أكثر من أرتباطهم بالشعوب الكردفانية، أضف إلي ذلك تميز شعب النوبة في الجبال، تميز شعب الفور في دارفور، تميز المجموعات الرعوية من البقارة أو الأبالة. أقليم كردفان الذى يعتبر قلب السودان اليوم يعتبر حتى عام 1823م يسمى كردفان ولم تشمله كلمة السودان، فقد كان الحاكم العام الدفتردار محمد بيه خوسرو يسمى حاكم عام السودان وكردفان، ثم تم إعادة التسمية في عام 1841م بعد أن تسلم الدفتردار علي خورشيد باشا مقاليد الحكم حيث لقب بحاكم عام السودان، وحينها لم تكن دارفور ضمت بعد، وقد تم ضمها عام 1916م وظلت الحدود بين تشاد والسودان غير مرسومة حتى تنازع عليها البريطانيون والفرنسيون وتم ترسيمها عام 1922م حيث ضم أغلب دار سلطنة مساليت إلي السودان بينما صار جزء منها يتبع تشاد الفرنسية.

    تلك الخلفية التأريخية تؤكد إننا ثقافياً لم نكن شعب موحد، بل شعوب أشتات قهرتها الأرادة الأستعمارية قهراً لتحقيق مصالحها الأستعمارية من جمع للثروات والرجال. ولم تكن الثورات السودانية قبل المهدية التى قامت ضد المستعمر كانت موحدة تحت راية نضالية واحدة، بل كانت منفردة في أصقاع البلاد. إن اللغة العربية التى أتت مع الأسلام في منتصف القرن السابع الميلادى هى العامل الوحيد الذى بدأ يوحد الشعب السودانى كوسيلة من وسائل التخاطب والتبادل التجارى والتواصل الفكرى. ولم يتوحد السودانيون في مشاعرهم إلا بعد قيام الثورة المهدية (والتى ليس بالضرورة تعنى وحدة ثقافية)، حيث أصبح الدين هو القوة التى جذبت الأشتات ليتوحدوا من أجل الخلاص من العدو المشترك يقودهم رعيل من الشيوخ الأفزاز الذين فهموا التركيبة الثقافية المعقدة للشعب السودانى.

    نخلص من تلك القراءة الموجزة أن مشاعر الشعب السودانى كشعب واحد ذو مشاعر سيادية مشتركة بدأت حديثاً أى إنها فقط تجاوزت القرن الواحد، وتلك الفترة ليس كافية عند البعض لتأسيس مشاعر وطنية ترتبط بكل الوطن وليس الجزء، فقد قيل أن شعوباً أوربية كثيرة ومنها الشعب الفرنسى إحتاج إلي 30 جيلاً ليصل إلي وحدة وطنية في مشاعرة القومية. ومع فشل الرعيل الأول للتعدد الثقافى والجهوى نتيجة لنشأته في بيئة جغرافية وثقافية محددة لها مميزاتها الثقافية، الفكرية والأيديولوجية المتميزة وخلفيتهاالأمدرمانية المنصهرة في بوتقية المهدية القومية، أضف إلي ذلك صراعات التحرر وأدبياتها في فترة الأستقلال وأرتباطاتها بالرؤى المصرية العربية لسودان الغد العربى، جعلت من مشروع الحداثة مشروع صفوى منفصل عن جذور الواقع السودانى الريفى العريض وذو هموم معاشية وتطلعات ثقافية مغايرة لما هو موجود داخل حظيرة الوطن المتسعة والمتعددة والمتنوعة، فاصبح ذلك المشروع الصفوى كجسم غريب وثقيل علي أبناء الريف السودانى (أبناء الهامش اليوم) والذين بدأوا مسيرة البحث عن الذات في الأطار الجهوى والأقليمى والتنقيب عن المخزون الثقافى المحلى كبدليل لمشروع الصفوة النيلية الأمدرمانية التى لا تمت له بصلة قربى. ولعل من الجدير بالملاحظة أن ظهور التيار الجديد والعريض مع الثورة المعلوماتية والذى يحاول إلغاء كل مخزون مجتمع الحداثة الصفوى، أيضاً يحاول أن يلغى محزون المؤسسة الثقافية التى نشأت علي وترعرت في كنف مشروع مجتمع الحداثة الصفوى. ولعلى فقط أتساءل معك ولكن بطريقة أخرى كيف تكون إعادة البناء علي طريقة مجتمع الحداثة أم أن مجتمع الحداثة يصبح رؤية فلسفية أفلاطونية بعيدة المنال ..
    تحياتى
    بريمة
                  

12-28-2005, 12:07 PM

صلاح شعيب
<aصلاح شعيب
تاريخ التسجيل: 04-24-2005
مجموع المشاركات: 2954

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟ (Re: Biraima M Adam)

    الاصدقاء سيف

    وأبكر

    ومنتصر

    وبريمة

    شكراً للتواصل

    وسأعود إليكم

    تواً
                  

12-28-2005, 08:04 PM

altahir_2
<aaltahir_2
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3949

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟ (Re: صلاح شعيب)

    الاستاذ صلاح شعيب
    تحياتى وكل عام وانت بخير والاسرة بخير
    سؤال كيف وجدت السودان بعد طول فترة ؟
    ساعود الى التعقيب الى هذا الموضوع الجميل .
    ولكن الذى يقلقنى ليس وفاة المشروع القومى او انتعاشته بل ان تصبح هويتنا
    وتاريخنا عرضة للتقلبات واجواء الطقس السياسى . حقا شئ غريب وعجيب .
    حتما ساعود للتعقيب
    مودتى
                  

12-30-2005, 04:16 AM

سفيان بشير نابرى
<aسفيان بشير نابرى
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 9574

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟ (Re: صلاح شعيب)

    الاعزاء هنا ...

    السلام عليكم

    وسلام حار وخاص للصديق ضياء الدين ميرغنى ...

    يا ضياء ليك شوق شديد ولسع الواحد بسمع فى صوتك تغنى وتعزف

    يا ضياء
    Quote: ولكن الذى يقلقنى ليس وفاة المشروع القومى او انتعاشته بل ان تصبح هويتنا


    ضياء وهل كان فى الاصل هنا فى السودان مشروع قومى ؟؟؟؟!!!

    انظر معى الى هذا
    Quote: هل الشعب السودانى موحد قومياً حتى نستطيع الحديث عن وحدة ثقافية حداثية؟ هل حقيقة لدينا مشاعر وطنية قومية موحدة يتطور من خلالها مشروع الحداثة الذى تتحدث عنه؟ هل لدينا تأريخ موحد حتى نكون وحدة قومية متجانسة تساعد في تقديم مشروع الحداثة؟ تلك كلها أسئلة مشروعة. السودان علي مر تأريخه القديم لم يكن دولة موحدة أصلاً، بل دويلات أو (ممالك) متفرقة، تتقاطع وتتداخل مصالحها مع بعضها البعض، وأسم بلاد السودان، الذى أطلقة الجغرافيون المسلمين في العصور الوسطى ليشمل كل الحزام جنوب الصحراء الكبرى، بدأ يتقلص تدريجياً لأختلاف قومياته وثقافاته وأثنياته حتى أنحصر في مفهومة الضيق الذى يمثل سوداننا اليوم والذى بدأ يتشكل كدولة موحدة منذ الأحتلال البريطانى في عام 1821م


    وايضاً انظر الى هذه :-
    Quote: ان المشروع القومى السودانى يفتقد الى الان لارضية القومية السودانية ، لان هذه القومية منذ بداية موسسة السلطة فى السودان -1956- الى يومنا هذا لم تتحقق لا على المستوى السلطوى ولا على المستوى الشعبى الجماهيرى وهذا الامر لا يحتاج الى جدال او ايضاحات ، فاذا كان تعريف القومية او الامة هو:- مجموعة من الناس تنحدر من سلالة واحدة أو سلالات متعددة تعيش فى رقعة جغرافية محددة ومتعايشة وتمارس أنماط انتاج اقتصادية شبه واحده او متكاملة فى ما بينهاوثقافة وللغة وتاريخ وتنظيم اجتماعى وسياسى مشترك ، فهذه المفاهيم الى يومنا هذا بيعيده عن واقعنا السودانى بشكلها المضبوط والحقيقى لكى نتحصل لمشروع التحديث فى السودان ، كما ان امر المفاهيم التى تقودنا الى القومية فى السودان الى يومنا هى مفاهيم متراجعة ومتخلفة الى الحد البعيد وخير مثال نجد ان مفهومنا للوطنية والمواطنة ، الشعب والامة مفاهيم تحمل فى داخلها روية مؤسسة الدولة ، ولا تحمل رؤى الجماهير الذين تقوم على اساسهم مثل هذه المفاهيم وهنا يكمن المشكل فتحقيق القومية هو الحصان الذى يقود العربة.


    وورقة الدكتور خالد الكد(( المرفقه فوق)) تدلل على ان مسالة القومية فى السودان الى الان فى اطار التكوين وهى بين شد وجذب بين تيارين وابلغ دليل على هذا الشد والجذب الوضع الذى عليه السودان اليوم.
    ضياء اتمنى حقاً ان يسير النقاش فى هذا البوست بسلاسةحتى نضع ارضية لمشروع قومى سودانى حقيقى يعتمد على واقعية المجتمع السودانى وطبيعيته ، ويخلق ارضية حقيقية تمكن هذه المجتماعت من التداخل والتعايش حتى يخلقون ارضية ينطلق منها حينها صوتنا القومى ومن بعد ذاك ستكون الحداثة والتحديث امر طبيعى فى طريق طبيعى معبد بالاتفاق على وحدة قوميتنا التى تؤاطأنا عليها.


    اسف لتعديل اجبرتنى عليه ضرورة

    (عدل بواسطة سفيان بشير نابرى on 12-30-2005, 04:21 AM)

                  

01-06-2006, 10:53 PM

صلاح شعيب
<aصلاح شعيب
تاريخ التسجيل: 04-24-2005
مجموع المشاركات: 2954

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟ (Re: سفيان بشير نابرى)

    أخي سفيان
    أقدر روحك الجادة في الرد علي هذا الموضوع وهمتك العالية لصنع الاختلاف الموضوعي, ولكن أسمح لي أن أضيف أن السبب لكتابة هذا الموضوع هو المحاولات الجديدة التي تنزع إلي التخلص من أرثنا السياسي والثقافي التاريخي والتنكر له بدلاً عن إمتلاك الشجاعة المقدرة والفائقة لمحاولة ترميمه وإصلاحه ..ولعل هذا الارث كان ومايزال هماً قومياً وليس جهوياً حتي نكفر به ونلعن سنسفيله ـــ دون أن نمتلك البديل له, وهذا لايعني بأي حال من الاحوال أنه ليست هنالك اخطاء جسيمة صاحبت دعوتنا للبناء القومي من جهة وصاحبت أيضاً رؤيتنا في أمر تنزيل مفاهيم الحداثة في المجالات الحياتية السودانية.
    هناك حداثات تمت علي مستوي التنظير السياسي القومي والمتأدلج, ولايستطيع أحداً أن يشكك في صدقها أكثر من ضعف حيلتها وإلا سيدخل الامر في محال التخوين..والتخوين هو أسهل الاشياء, نعم هناك حداثات تمت في جبهة السياسة في كل مراحل العمل السياسي السوداني, وفي جبهة الثقافة كانت هنالك مجهودات مقدرة بذلت علي صعيد الشعر والادب والفنون عموماً وبشكل عام كانت مجالات التربية والتعليم والرياضة وتنمية الاشياء السودانية شهدت أيضاً أفكاراً قومية لإزدهارها. هذه حقائق يمكن التثبت منها عبر المسار الذي إنتهت إليه الذهنية السودانية من مشتركات في الرؤية والممارسة. والان أنا أشترك معك أخي سفيان في الفهم نحو مسائل الحياة والديمقراطية وإكتساب لغة للتعبير والتمتع بنماذج الغناء وحتي النظر إلي العالم الخارجي وكيف رؤيتنا للصوماليين او المصريين.. إذن هناك مكتسب سوداني عام جعلنا نري الكاشف أو صديق منزول أو الازهري أو الطيب صالح أو قرنق أوالدوش أو الفاتح حسن قريب الله أو فرانسيس دينق كشخصيات سودانية محترمة, ولكن محترمة بأي ذائقة.. إنها الذائقة السودانية, إذن كيف تخلقت هذه الذائقة..؟ أقول إنها تخلقت عبر عملية الحداثة القومية التي بذلت طوال الخمسين سنة الماضية..إذن أيضاً هذا معيار والمعيار لايتكون إلا عبر مرحلة من الاختبار والعمل والمشاركة..
    هذا ما أعنيه بالحداثة القومية .. جزء مبذول عبر السلطات, ديمقراطية كانت أم ديكتاتورية.. ولكن الجزء الاكبر مبذول عبر الحراك الاجتماعي السوداني الحر, هذا الحراك كان قوامه أهل الفن في كل المجالات..الان هناك إرتدادات كبيرة عن متابعة نشاطات هذا الحراك الحر وتدعيمها, وهذا خصوصا في جبهة العمل السياسي والذي يلعب دوراً في التأثير والتغيير لهو خطير آن عاجلا أم آجلاً..السلطة الان تنفجر وتفجر في معاداة ما نسميه بالهامش وتتجه إثنياً ودينياً بشكل واضح وفج..بينما معارضة الهامش تحاول أن تنسف عروبة الثقافة السودانية لصالح الجانب الافريقي الذي لانعرف له خطوط ثقافية واضحة وتكون مشتركة للسواد الاعظم من السودانيين , وحين أقول عروبة الثقافة السودانية أعني أنه ليس هناك منافساً لها يجعلنا نقول أن ثقافتنا انجليزية أو غرب أفريقية, وللاسف هناك من يخلط بين مفهوم العرق والثقافة.. والسؤال هو هل هناك لغة أفضل ــ خلاف العربية ــ قادرة أن تحافظ علي ما تحقق لسودانيتنا .. هل يمكننا أن نجد قواماً ثقافياً يمتلك ما يمتلكه قوام الثقافة العربية المتسودنة ليحل محلها ويكون أنجع في تقدم ووحدة السودان.. وكما يقال أن الاشياء لاتستقيم إلا بضدها, علي هذا الاساس هل يمكن لما يسمي بالثقافة الافريقية أن ترث تراث الثقافة العربية الممزوج بعادات وعبادات الاسلام.. إن معاداة الثقافة العربية في السودان لايسهم في فكر البدائل بقدرما يعقد الموقف ويثير النعرات, والغريب أن الذين يعادون الثقافة العربية في السودان لايستطيعون التعبير بغيرها, وليس لديهم بديل لغوي يجمع الفوراوي مع البجاوي مع الجنوبي مع المحسي..هذا التفكير لمعاداة الثقافة العربية لمجرد فشل الدولة المركزية يضر بمسار الحداثة السودانية التي قطعت شوطاً كبيراً في توحيد السودانيين لغوياً..وأظن أن تنمية هذا المسار يمكن أن يوصل لثقافة سودانية جامعة لكل ماهو سوداني..
                  

01-07-2006, 00:38 AM

Bashasha
<aBashasha
تاريخ التسجيل: 10-08-2003
مجموع المشاركات: 25803

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟ (Re: صلاح شعيب)

    Quote: السبب لكتابة هذا الموضوع هو المحاولات الجديدة التي تنزع إلي التخلص من أرثنا السياسي والثقافي التاريخي والتنكر له بدلاً عن إمتلاك الشجاعة المقدرة والفائقة لمحاولة ترميمه وإصلاحه ..ولعل هذا الارث كان ومايزال هماً قومياً وليس جهوياً حتي نكفر به ونلعن سنسفيله


    صلاح شعيب سلام،

    وماهو ارثك السياسي هذا اللي الكتابات الجديدة بتنزع للتخلص منو؟

    مؤتمر الخريجين او تنابلة الاستغلال بالغين او شابه؟

    طيب اذا ده ارثك، ارث اكثر من قرن من الاستعمار الاجنبي مشي وين؟

    ياحليلك!

    شجر زغومنا الحالي من بذرة الانت بتسميها حداثة دي، او بعد ده تسوي لينا شغل كتابات جديدة تنزع للتخلص؟

    امرك عجيب!

    ياسيد الانت بتقول عليهو حداثة اوماعارف ارثنا، ده ارث استعماري تراكم عبر قرابة القرن، و الاسماء الانت ذكرتها دي ذيك افتكرت المظهر البراق للارث الاستعماري حداثة، ليتولو بالرعاية حسب البرمجة التمت ليهم، ليتاخر تحرر السودان واستقلالو " حتي الان" نصف قرن بفضل سذاجة من تولو زعامتنا اللي كانو ادوات تم تسخيرها بالتنويم المغنطيسي والايحاء ليقومو بهذا الدور الكارثي، من دون هم زاتم مايعرفو، بل انت زاتك وياللهول وبعد العمر ده كلو والحصل والحاصل، لازلت بتفكر بذات الطريقة متوهما ذات ارث السودان المصري حداثة، او مكون عربي-اسلامي او ماادراك، رغم شلالات الدم والتفكيك الكامل للسودان اوعودة المستعمر لاستلام العهدة!

    انا مافاهم انتو عايشين وين؟

    ماممكن انبتات الواحد عن الواقع المعاش يكون بالدرجة دي!

    ماممكن بعد الشايفو قدامك ده كلو كمان تمجد المسؤلين منو!

    والله مافاهم!

    قال حداثة قال!

    الانا عارفو غايتو، مثقفاتية "السودان "المصري ديل رايحة ليهم حداثة غايتو!
                  

01-07-2006, 03:01 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8270

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟ (Re: Bashasha)

    شكراً أخي الكريم صلاح،

    وردي يغني للبشير، والبشير يطرب، وأبناء شعبه يقتلون في مصر؟
    ما أبشع سقوط الرجال يا وردي!!
    ما افدح الجرم يا البشير، أيها الدتكاتور الكاذب، الراقص، القاتل، المنتهك لأبسط شروط الإنسانية.

    أعزائي البورداب،
    أرجو زيارتي هنا،حيث أناقش في الخيط موضوع الساعة!:

    الله
                  

01-07-2006, 03:14 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8270

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علي ضوء السائد: هل مات المشروع القومي للحداثة في السودان..؟ (Re: Haydar Badawi Sadig)

    أعزائي البورداب،

    أرجو زيارتي هنا:

    الله

    يناقش الخيط موضوع الساعة.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de