عندما هزيت جدتي في دستورها _ زارها_ في ذلك الرشاش ، وبعد ان غادر جسمها النحيل الشيخ الذي طلب علي رؤوس الأشهاد وبلسان جدتي .. ثوباً من الكرِب الساده . وبعد ان تجشات عطراً فواحاً من ( بنت السودان ) و( أوراق الخريف ) .. قالت لي : وهي تمسح بقطعةٍ من الدبلان بقايا ماسال علي جفنيها من كحلٍ لم يتوفر لنا في تلك اللحظه المباغته لشيخ جدتي .. إلا حينما رضي ألله علي ود العبيد الذي فتح لنا متجرة ليلاً ليبيعنا حجرين من الكحل .. قالت جدتي : إن رجلاً تشبه أسنانه الفول المدمس سيعود مع أبي في في ذلك العام عندما يحضر من صيد الفيل جهات الردوم وبرام وبانقيه في أفريقيا الوسطي وجهان راجا وأم دافوق ربما ..
في ذلك العام إمتلأت حلتنا بسن الفيل وسبيب الزراف .
وكان الرجل الذي تشبه أسنانه الفول المدمس لقد حضر تماماص مع والدي مثلما تنبأت وهزيت جدتي الصالحه في ذلك الرشاش الذي تساقط (حميضه ) مبكراً..
كان الرجل الذي تشبه أسنانه الفول المدمس يهم بتقديم الهدايا وتوزيع الخصوصيات ..
ففي ذلك اليوم عادةً ماتتحول حلتنا ومنزلنا إلي قريةٍ صغيرةٍ ..
كان عدار يجتهد في توزيع الهدايا ..
يعطي هذا سكراً وشاياً وآخرين سنّ فيل وبعض تالنسوة يقلدهن عاجاً أبيضاً كالؤلؤ المنثور ..
وكان بعض التجار من أصدقاء والدي من عيال البحر والشرفه والبرقو وبعض الاقليات المنعايشه في روحول حوش أبي الكبير .. كان البعض منهم يفضل(شرموط) التيتل وابعرف والزراف ..
ولكن ثمة أمرٌ هو ما أثار دهشتي وإعجابي ..
ذلك ان عدار دسّ لأحد البتجار بين تجاويف عبائته والتي أهداها إليه والدي في العام الفائت دسّ له شيئاً لم تستبن ملامحه !
ولكن علمت فيما بعد من عدار نفسه ان ذلك الشيئ هو (قرن خرتيت ) المحرم إصطياده قانوناً ..
ولكن عدار يضحك حتي تستبين نواجزه ..
ففي تلك الأمسية جثي عدار علي ركبتيه وهو يمارس مهارته في فتل الحبال .. فيلف قدمه اليمني بالحبل الذي تامّ فتله ، فيما يضع علي فمه شرائح من( حنكوك) السعف .. فيسحبه من بين أسنانه سحباً ، فيسيل ماءٌ أصفر مما يجعل أسنانه أشبه في صفرتهن بالفول المدمس مثلما هزيت وتنبأت جدتي .
قال لي عدار : إن ذلك التاجر الذي خصاه بقرن الخرتيت كالان وحده الذي يوفر لهم الذخيره من نوع (الجكسون والمقنم وأبوعشره والجمالي وحتي دق أم زرطه) ..
ولكن فجأةً تركتني عدار والحبال وفي قلبه حكايا .. تركني مهرولاً لينظف قبر أبي فهذا اليوم هو الخميس .
نعم من بعد وفاة ابي لم يكن لهذا الرجل الجميل الذي تشبه أسنانه الفول المدمس .. لم يكن له ثمة مكانٍ يأويه سوي نعيق البوم ونباح الكلاب الضاله وصفارات الإنزار ووقع حوافر خيل شرطة االسواري ..
يتراءي له مكصباح ٌ زيتي ٌ عتيق يعلو ضوئه ثم يخبو فيعلو ثم يتضائل رويداً رويدا .
فكثيراً مانشج هذا المصباح اغنية ً حالمه كانت تعود بعدار الي عالم بت كسار الليحان وفاطنه السره وأخريات لم يكن بأعلم منهم من سلوكهن نحوه ..
ينام عدار في رصيف القطار يتساقط عليه نوار النيم بعد أن تقوص قدماه عمقاً لابأس به في رمال الرصيف الذي يأويه كليلة .. وهو في إنتظار القطار الذي يحرص علي تنظيف درجاته وعجلاته الحديدية ووضع الأسطبة المزيتة حتي لايتآكل البلي ويصدأ..
هكذا دائما ً يوصيه ناظر المحطه ..
فيعود مساءاً إلي بيتنا معبقاً برائحة المانجو والجوافه والبرتقال التي تخالط رائحتها رائحة الشحم والزيت .. فتتقيئ جدتي ..
ثم يبدأ نهاره في صنع وفتل لاالحبال الي يخرط حنكوكها من بين أسنانه خرطاً حتي يسيل ذلك الماء الأصفر مما يجعل أسنانه شبية ً بالفول المدمس ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
محمد قور حامد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست