|
إشكالية الوطن والوطنية (نظرة للأزمة من الداخل) هل الإنتخابات هي الحل؟.
|
نحو أفق جديد "1"
الإنتخابات ليست هي الحل (ليست الحل النهائي)
الإنتخابات المقبلة هل هي الحل لأزمة السودان الحالية كما يتمنى البعض منا ويعمل لها حتى لو جاءت صحيحة ومنزهة عن العيوب؟. الإجابة العاجلة من عندي: لا. الإنتخابات لا تصنع دولة غير موجودة ولا تكمل دائرة دولة ناقصة الشروط. فالسودان لم يتشكل بعد كدولة مكتملة الشروط إلا إسميآ.
الإنتخابات ليست هي الحل لا البرلمانية منها ولا الرئاسية!
لا توجد دولة واحدة في العالم تم صنعها عبر صندوق الإنتخاب!. لسبب بسيط وهو أن الإنتخابات آلية لتداول السلطة السياسية سلميآ لدى دولة قائمة مسبقآ في الوجود المادي ولكن الإنتخابات لا تصلح لنشوء أو تخلق دولة من العدم كما أنها لا تصلح لتتميم دائرة دولة غير مكتملة النشوء مثل حالة السودان. فالدولة كما هو ماثل في الواقع المعاش والتاريخ إما أن تصنع عبر القوة المادية المفرطة "الطاغية" أو عبر عملية وفاقية شاملة لا تستثنى أحدا. وفي الحالتين لا بد من توفر شروط لا بديل لها في الأولى "التشكل عبر العنف" لا بد من وجود جماعة مدنية ذات إرادة يتحقق لديها شرطان أساسيان الأول رؤية ذاتية للعيش المشترك "آيدولوجيا" والشرط الثاني مقدرة تفوق الجميع على إستخدام العنف المادي في سبيل فرض رؤيتها على عظام ونخاع الجماعات المدنية الأخرى. ثم لا يكون في السماء ولا الآفاق غير تلك الرؤية المفروضة بالعنف الطاغي فتسود بالكامل وعندها تكون الدولة قد تشكلت وأخذت هيأتها الأخيرة وبعد حين قد يتم الحديث عن تداول سلمي للسلطة السياسية أو لا يحدث أبدآ والأمثلة هنا لا حصر لها، فعلى سبيل المثال: الكويت، إيران، مصر، كوريا الشمالية، السعودية، ليبيا، تركيا، أرتيريا، أثيوبيا، الإتحاد السوفيتي السابق، الصين، جيبوتي، تونس والمغرب. والأمثلة الأكثر قدما تكون في معظم دول الغرب بما في ذلك بريطانيا وفرنسا.
وفي الحالة الثانية "الوفاق الشامل" وجب أن يتوفر عنده في الحد الأدنى شرطان: وجود جماعة أو جماعات مدنية ذات إرادة وتمتلك رؤية/رؤى ذاتية للعيش المشترك وتجمعها مصالح وروابط إقتصادية مؤكدة. وفي حالة حدوث الوفاق الشامل الذي لا يستثنى أحدآ تتشكل الدولة وتأخذ هيأتها الأخيرة ثم يكون من بعد ذلك الوقت مناسبآ للحديث عن تداول سلمي للسلطة السياسية وخير مثال لذلك هو الولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد العام 1787م والمانيا فيما بعد العام 1870م والهند فيما بعد العام 1947م.
وقد تم محاولة تجريب الوسيلتين في السودان عبر حوالي ستين عامآ لكن جميع المحاولات باءت بالفشل كون الشروط الضرورية لم يقدر لها أن تكتمل فالقوة المادية كانت قاصرة عن حدود العنف "الطاغي" الضروري والعملية الوفاقية كانت قاصرة عن حدود الوفاق " الشامل" المطلوب. ولهذا حق للسودان أن يسمى "رجل أفريقيا المريض". وها نحن مشردون "بالملايين" نلقى الرعاية عند دول تشكلت "وتبقى" بالعنف المادي وحده كالسعودية ومصر وليبيا أو دول تشكلت عبر الوفاق الشامل كالولايات المتحدة الأمريكية.
وعندي أن هناك فرصتان وحيدتان لاحتا للسودان كي يتشكل كدولة عبر العنف المادي وحده، الأولى كانت حيث كان يمكن إعلان الإمام عبد الرحمن المهدي ملكآ على السودان عبر القوة المادية المفرطة والثانية كانت إبان عهد الجنرال عبود. بعد تلك اللحظتين أصبحت موازين القوة لا تسمح لتخلق السودان كدولة عبر العنف المادي. إذ لم يكن للإنقاذ من حظ "فرصة" كونها جاءت متأخرة في سياق التاريخ ثم أن قوتها المادية والمعنوية كانت أقل من الحد الضروري الذي تشكلت على اثره المملكة العربية السعودية على سبيل المثال. ولتلك الأسباب جاء عنف الإنقاذ بنتيجة عكسية تماما.
ولم أر أبدآ أي محاولة وفاقية شاملة منذ العام 1956 وحتى الآن!.
يتواصل ... (نحو أفق جديد) !
محمد جمال الدين
|
|
|
|
|
|
|
|
|