الخطاب النقدي السردي عند معاوية البلال

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 04:44 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-02-2009, 05:07 AM

مطر قادم
<aمطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الخطاب النقدي السردي عند معاوية البلال

    أكتوبر 2009



    الخطاب النقدي السردي عند معاوية البلال

    (تجلياته وإشكالياته)



    د. هاشم ميرغني

    منذ منتصف الثمانينيات بدأ معاوية البلال مشروعه النقدي المنذور بكامله للسرد ، إذ عكف بجَلَدِ بحَّار ، وتفرُّغ راهب على المشهد السردي السوداني منذ انبلاج فجره في الثلاثينيات البعيدة وحتى مشارف الألفية في تقصٍّ شرس لنصوصه عبر قراءة داخلية مضنية لهذه النصوص ، تلك القراءة التي حمته من الوقوع في مزالق القراءة المضمونية الخارجية للنصوص والتي كان السمة الغالبة لأسلافه النقاد ، تماما كما حماه ضميره النقدي اليقظ من الانزلاق لمهاوي ضباب "رطانة " أوائل الثمانينيات السودانية حيث انتفت وظائف اللغة النقدية القائمة على الانتخاب والتفسير والتحليل والتحفيز والموازنة والاستبطان والكشف لتكتفي بوظيفة وحيدة : التعمية المبطَّنة بسلطة متعالية ومتعالمة تتلبس أقنعة الحداثة ، في تلك الرطانة التي ظهر زيفها جليَّا فيمابعد حينما اعترف بعض أقطابها بأنهم لم يمسكوا سوى بأطياف "البنيوية " ليخرجوا للناس عجلا جسدا له خوار.

    درَسَ معاوية عبدالقادر عوض بلال الفلسفة في كلية الآداب بجامعة القاهرة بالخرطوم التي نال منها درجة الليسانس في الفلسفة والجغرافيا سنة 1983 ، وقد شهدت سنوات الدراسة تلك التحوُّل الجذري في ثقافته منذ أن تلقى أولى معارفه في "مناهج البحث" على يد الناقد الكبير الدكتور شكري محمد عياد في كلية الآداب جامعة القاهرة فرع الخرطوم في العام 1979، وكانت تلك المحاضرات ـ كما وصفها فيما بعد ـ بمثابة شرارة الوعي الذي أضاء خطواته الأولى في التعرف على المناهج النقدية المختلفة : التاريخية ، والانطباعية ، والاجتماعية ، والماركسية ،ومدرسة فرانكفورت ، ثم مناهج النقد الحديثة كالمنهج البنيوي[1] ، بعدها احترف البلال العمل بالصحافة الثقافية السودانية منذ 1985 وحتى 1999 ، حيث تتالت أعماله النقدية في "الشارع السياسي " و" السودان الحديث" وغيرها ، كما عمل أثناءها سكرتيرا لتحرير مجلة "الخرطوم" في الفترة من 1993 ـ1998، وشهدت تلك الفترة أغلب إنجازه النقدي في القصة القصيرة التي تخصص فيها ، كما شهدت تلك الفترة تحوُّل مجلة الخرطوم ـ بجهد معاوية البلال ورفيقيه عيسى الحلو ومجذوب عيدروس ـ إلى بؤرة تشع بحداثة الكتابة ، قبل أن تنطفئ تلك البؤرة بوأد مجلة الخرطوم في دلالة عبثية على مجريات المشهد الثقافي وفنتازيته .

    في الفترة بين 1995ـ 1998 قدم برنامج "عوالم قصصية " بإذاعة البرنامج الثاني قبل أن توقف هذه الإذاعة الثقافية المتخصصة ـ التي التف حولها رهط من المثقفين والمبدعين ـ في دلالة عبثية أخرى .

    بعدها بقليل إثر تجفيف "الخرطوم " ، ووأد "البرنامج الثاني " ، وتفاقم أزمات مناخ التسعينيات الخانق سيَّما سياسيا واقتصاديا ، شد معاوية رحاله لخرج البلاد منضما إلى قافلة الوعول الجريحة التي تلتهمها المنافي: قافلة عشرات السودانيين الذين بدأوا الخروج من السودان منذ أوائل التسعينيات في هجرات جماعية هائلة لم يشهد لها تاريخ السودان مثيلا دون أن يتوقف أحد ليضمد نزيف شريان وطن منذور للتفكك ، وطن يدفع بخيرة أبنائه للمنافي البعيدة:

    إنهم فقراؤك يارب ،

    أبناء عالمك الثالث المتأرجح

    فوق بحار من النفط والزيت كالقرعة الطافية

    "م.المكي إبراهيم :في خباء العامرية"

    بينما ظل مبدعون كثر في منفى الداخل، في محرقة الغياب هذه ، منفيين بهامش الصبر يحرثون تربة الغد تمهيدا لخضرة طال انتظارهم لها ، متسائلين مع معاوية البلال الذي كتب في بيانه "الوعول الجريحة " في استغاثة أخيرة قبل أن تحمله رياح المنافي : "هل ينبغي أن نؤجل خريف بكائنا إلى ما بعد ذهابنا إلى مآتم الفرح المخنوق في حناجر العصافير التي لاتنام ..أم نتقاعد على هامش النهر نتساقط بخيباتنا واحدا واحدا ، ونحن نتأمل انقراض العائلة ؟"[2] ، وحيث كتب أيضا وهو يتأمل المصائر الفاجعة للمبدعين السودانيين (معاوية نور ، التجاني يوسف بشير ، إدريس جماع ، ...):"هانحن نتسابق نحو اكتشاف الكوارث تحت جدران الخراب، نتلهف على مساءاتنا الأليمة ، حتى إذا ما أدركتنا مددناها إلى آخر ليل الجنون؟ "[3] .

    نشر معاوية البلال أربعة كتب في القاهرة ضمت أغلب ما كتبه في مجلة الخرطوم وصحيفة السودان الحديث هي :" الشكل والمأساة :دراسة في القصة القصيرة السودانية"، و"الكتابة في منتصف الدائرة "، و" كتابة الجنوب وجنوب الكتابة" ، وكتاب رابع عن الكتابة النسائية القصصية في السودان ، قبل أن يهاجر من القاهرة إلى أستراليا حيث استقر هناك .

    ما من أغراض هذه المقاربة بداهة الإمساك بتلابيب الخطاب النقدي السردي للبلال الذي يمتد على مدى أكثر من عقدين من الزمان ، ولكنها ستحاول التوقف أمام أهم ملامح هذا الخطاب مستثمرة خطاب نقد النقد criticism of criticism ، وذلك ضمن مشروع نقدي طويل يتبناه الباحث ويهدف إلى تفحص الخطاب النقدي السردي السوداني منذ بواكيره الأولى في بدايات القرن العشرين كاشفا عن تجلياته وإشكالياته ومفاهيمه وأسئلته المؤرقة .

    وعلى الرغم من أن مصطلح نقد النقد يعتبر جديدا نسبيا لم تستقر بعد نظمه وأنسقته ،ولم يتأسس كحقل معرفي له إجراءاته ونظمه ومصطلحاته ، ولم يكتسب بعد شرعية حضوره في المعاجم والموسوعات النقدية ، إلا أن الممارسة الفعلية للمصطلح ربما تعود إلى فجر العملية النقدية نفسها عندما ووجه النقد الموجه للأدباء بنقد مقابل من جهتهم ، وإلى المساجلات الأدبية والفكرية الخصبة بين الفرق المختلفة ، كما أن أي خطاب نقدي يخوض ضمنا علاقة تناص معقدة مع غيره من النصوص النقدية التي يتحاور معها : يتقاطع أويتوازى أو يتداخل معها دون الإشارة إليها في الغالب ،بحيث يمكن أن نعتبر الخطاب النقدي نفسه خطابا منخرطا في خطاب نقد النقد بشكل مضمر ، وقد علمنا باختين عبر تودوروف في تأسيسه لمفهوم التلفُّظ utterance باعتباره نتاجا لتفاعل اللغة وسياق التلفظ الذي ينتسب إلى التاريخ أنَّ " أهم مظهر من مظاهر التلفُّظ أو على الأقل المظهر الأكثر إهمالا هو حواريته dialogism ، أي ذلك البعد التناصي intertexual فيه. إن كل خطاب عن قصد أو غير قصد يقيم حوارا مع الخطابات السابقة له ، الخطابات التي تشترك معه في الموضوع نفسه ، كما يقيم أيضا حوارات مع الخطابات التي ستأتي والتي يتنبأ بها ويحدس ردود فعلها .يستطيع الصوت الواحد الفرد أن يجعل نفسه مسموعا فقط حين يمتزج بالحوقة المعقدة للأصوات الأخرى "[4] ، لهذا يمكن النظر إلى أن تأسيس الخطاب النقدي المنهجي في التراث العربي مثلا قد اقترن بنقد النقد التذوقي والجزئي الذي كان سائدا قبله ، فقد استطاع عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ ) أن يقيم صرحه النقدي القائم على التحليل الأسلوبي بعد نفيه الظاهر والمضمر للنقد الذي كان سائدا قبله وحوله ، يقول نصر أبوزيد بعد قراءته المتأنية لعدد من نصوص عبد القاهر إن عبد القاهر لم يجد سبيلا "لطرح مفاهيمه إلا بنفي المفاهيم والتصورات السابقة التي تتناقض مع مفاهيمه وتصوراته ..وهكذا يقيم عبدالقاهر بناءه الفكري في الثقافة العربية التي ينتمي إليها من خلال عمليتين تبدوان متعارضتين :هما الهدم والبناء ، أو هما الإثبات والنفي "[5] .

    لا يمكن النظر إلى خطاب نقد النقد كما يفصح المصطلح نفسه ، وكما في المثال السابق إلى تماه مع الخطاب النقدي المتناول ،أو تكرار مقولاته وإلا انتفت بذلك ضرورته ، كما إن طبيعته السجالية التي تنتج قراءة مغايرة لاتنفي منحاه الشمولي في ابتعاده القصدي عن التصيد المليمتري لأخطاء القراءة النقدية موضع الدراسة ، هذا المنحي الشمولي الذي يرتكز في الأساس على تقري آليات هذه القراءة النقدية ومفاهيمها وإجراءاتها ومناهجها ، فنقد النقد هو بشكل ما خطاب ما بعد نقدي ####criticism يتفحص سلامة أدوات الناقد وكفاءتها، ويسبر مسار الدرب الذي سلكه للالتقاء بالنص الأدبي ، ويعيد النظر في مسلماته ، وينهمك في إضاءة الثغرات المنهجية التي تمنع الوصول بالتحليل إلى مداه ، فالهدف ليس تقديم قراءة مختلفة للنص المنقود الذي تتعدد قراءاته بالضرورة ،أو توجيه الناقد إلى قراءة نقدية بعينها في مصادرة باطنية لحق الاختلاف، أو التباهي بقراءة أفضل للنص ،بل المضي أبعد لغاية قصوى هي وعي النقد بذاته ، ففي اللحظة التي يتقدم فيها نقد النقد خطوة لإضاءة النص النقدي الماثل أمامه، فإنه يتقدم خطوتين لإضاءة ذاته.

    وإذا كان نقد النقد قد ازدهر في مرحلة ما بعد الحداثة حينما تم إعادة النظر في مناهج الحداثة نفسها لاسيما البنيوية على يد أقطابها أنفسهم أمثال تودورف وجينيت، فإننا نستطيع أن نقع على تجليات باهرة في نقد النقد على مدى تاريخه لن تسعها هذه المقاربة المكرسة لتفحص الخطاب النقدي السردي لمعاوية البلال ، ولذا سنكتفي بإشارة عجلى لإحدى هذه التجليات التي تعود إلى عشرينيات القرن الماضي عندما تنبه الناقد السوداني النابه معاوية محمد نور (1909ـ1941) إلى الإشكالات العديدة التي تعتور المشاريع النقدية لرواد النقد الأدبي ، والنهضة الثقافية أمثال طه حسين ،ومحمد حسين هيكل ، وسلامة موسى ، وغيرهم والذي يتلخص عملهم في رأي معاويةنور " في عدة مقالات نقدية ووصفوية تنشر بالصحف السيارة ثم تجمع في كتاب " متسائلا :" ألا يرى معي القارئ أن هذا ضعف وفقر لا مثيل له ؟" ثم يطرح فكرته الأساسية " وأعجب من ذلك إذا أنت أردت أن تعرف شيئا عن فلسفتهم الأدبية أو الفكرة الأساسية ، كما هو الحال عند كبار الكتاب ..نطلب منهم مقاييس أدبية مبتكرة ونظرة خاصة للحياة والآداب " ، ثم يمضي في تفصيل فكرته "فأوقات الفراغ لهيكل ما هو إلا مجموع مقالات في موضوعات شتى وليس فيه أي فكرة أساسية " أما طه حسين فـ" أين هي مقاييسه المبتكرة من نقد الآداب وكتابة تاريخها .. الشعر الجاهلي نعم فيه فكرة أساسية ، ولكنها منقولة عن المستشرقين أمثال فولدكه الألماني وبنكلسون الإنجليزي ، فلسفة ابن خلدون هو الآخر ليس فيه فكرة أساسية إنما هو تحليل فقط وتطبيق لنظرية تين في درس الرجال ... ؟"[6] .

    ما أشار إليه معاوية نور من إشكالات قبل عقود طويلة ستظل تمارس سطوتها في الخطاب النقدي العربي حتى راهنه تحت عنوانين كبيرين : إشكالية الرؤيا والمنهج ، والمثاقفة مع الغرب .

    عند مقاربتنا لمشروع البلال النقدي لاسيما في كتابه الأساس "الشكل والمأساة :دراسات في القصة القصيرة السودانية " يطفر عدد من الأسئلة التي تتمحور حول المنهج ، وكيفية اشتغال المصطلح، وجدلية النقد التقليدي/الحديث ، والانكفاء على نصوص بعينها ، والنزعة البانورامية التي تحاول الإحاطة بكامل المشهد السردي السوداني ، وإبداع الهامش ، وغيرها من الأسئلة التي استبطنها خطاب البلال النقدي ونحاول هنا الكشف عن طبيعة إجاباته عنها .

    أول ما يلفت الانتباه في مشروع معاوية البلال النقدي السردي منذ بداياته:نجاته من مأزق النقد التاريخي والمضموني، فقد انحاز الخطاب النقدي السوداني في مجمله للتاريخانية على حساب التحليل الداخلي المتأني للنصوص ، حيث اشتغل الناقد بالسياق التاريخي والاجتماعي والفكري للنص ، أو انكفأ على فترة تاريخية بعينها مثل فترة الستينيات دون أن يمتلك نعمة جسارة التقدم خطوة واحدة تجاه الراهن ، والماثل أمام أعيننا ، وبذا تحول النص إلى وثيقة اجتماعية أو نفسية أو تاريخية إثر انشغال النقد باللهاث خلف الواقع والبيئة للدرجة التي أصبح حضور النص ثانويا في صلب الدراسة ،وأصبح النص منصة لانطلاق الناقد بعيدا لبث أفكاره وآرائه، وقد تزامنت هذه القراءة الإسقاطية، أو المضمونية للنص مع تمدد بعض الاتجاهات الأيديولوجية لاسيما في الستينيات التي دفعت بنصوص ضعيفة إلى صدارة المشهد الأدبي استنادا إلى نبل قضاياها أو أصحابها ، وما حدث في السودان كان شبيها بأشكال مختلفة مع غيره من الدول العربية .

    وكان على الخطاب النقدي السوداني أن ينتظر حتى منتصف الثمانينيات تقريبا ليخفت الصوت الأيديولوجي والاجتماعي ، وهوس البحث عن مماهاة المتخيل بالواقعي ، وينفتح النقد على أفقه الحقيقي : النص ، وهكذا انتبه جيل الثمانينيات:أحمد طه أمفريب ، صلاح الزين، عبد اللطيف الفكي ، محمد عبد الرحمن "بوب" إلخ إلخ إلى ما يمكن أن يقدمه "النقد البنيوي " للنص الأدبي ، فاختفت القراءة المضمونية للنصوص ، كما اختفت القراءة الشخصانية التي يحضر فيها المؤلف بكامل ثقله بديلا عن نصه ، ولكن ما منع أن يستكمل مثل هذا النقد مداه في الثمانينيات إشكاليات عديدة لعل من أهمها :الاستحضار المجاني للمصطلح النقدي ، وعزل المصطلح عن جذره المعرفي ،والتعتيم اللغوي القصدي ، أي "استخدام اللغة بغية إخفاء الفكر" بتعبير عزرا باوند، والانقطاع عن مصادر المعرفة النقدية لأسباب عديدة ، والاستعاضة عن هذه المصادر بفتات ما تيَّسر ، وغيرها من الإشكالات التي أشرنا إليها في دراسة سابقة[7].

    تنبه معاوية البلال لإشكاليات الثمانينيات العديدة إذن ـ وإن لم يعفه ذلك من الوقوع في بعضها كما سنوضح بعد ـ كما تنبه لمأزق النقد المضموني ، ولذا كتب نصا نقديا مهجسا بحداثته ، ومهموما باستمرار بضرورة انفصاله عن "النقد القديم" ، حتى أن هذا الإلحاح على حداثة النص النقدي لاسيما على صعيد المفردة المستخدمة المنتمية بشكل مباشر للحقل اللغوي للحداثة كاد يحول هذا النص أحيانا إلى "تظاهرة حداثية " تحتفل فيها الذات بانحيازها المطلق لمشروع الحداثة ، ويرفل فيها النص النقدي بحرير نرجسية طاغية تحتفي بالنقد بديلا عن النص الأدبي ، كأن الحداثة هنا تلبي حاسة جمالية خفية، وتستبطن فتنة خاصة أكثر من كونها مشروعا معرفيا يسعى للكشف والتجاوز ، بل قد تم في إطار الرغبة الحادة في تحديث نصه النقدي نفي مصادر مرجعية في السرد إلى خارج هذا النص بسبب شبهة عدم انتمائها لمشروع الحداثة ، وهي مصادر تمثل أساسا نظريا متينا لنقد القصة القصيرة كماهو الحال في النصوص النقدية لإدجار ألان بو ، وروبرت شولز ، وفورستر ، وإدجار ألان بو ، وشكري عياد ، ورشاد رشدي، وسيد النساج وغيرهم مما حرم الدراسة النقدية للبلال من البناء على أرض صلبة ، فالحداثة لا تعني النفي المطلق لغيرها بغير ما تعني التفاوض الحر معه.

    في انخراطه في مشروع التحديث النقدي تنبه البلال لإشكالية "المنهج "، فربما كان واحدة من أعمق إشكاليات النقد الحديث هو طموحه الحارق للعلمنة أسوة بغيره من الحقول المعرفية التي تطورت بخطوات متسارعة وأخذت مكانها في سلم العلوم الإنسانية، وتصطدم هذه الرغبة باستمرار بطبيعة النقد وموضوعه: الأدب ، فالأدب كائن لغوي عارم الحيوية ، وقابل لتشظي الدلالات اللانهائية مما لا يسمح بقبول خطاب نهائي مصمت يعقلن حدوسه .

    تنبه البلال لضرورة المنهج دون أن يعميه ذلك من نعمة النظر لمحدودية المنهج ومدرسيته ،فقد انتبه لصرامة المنهج وضرورته لإقصاء تغوُّل العاطفة ، وفجاجة الأحكام المسبقة ، فعلى المستوى الشكلي : التزم البلال بالتقديم لدراساته بمهاد نظري، وتوضيح المصطلحات المستخدمة في الدراسة ، وصك العنوان علميا غالبا بحيث يحتوي على متغيرين ورفده بعنوان شارح مثل "دراسة في سوسيولوجية الشكل " أو "دراسة في إستراتيجية المعنى" ، وبيان المراجع المستخدمة في آخرالدراسة ، ولكن دون أن يلزم نفسه في النهاية بمنهج نقدي بعينه ، فعلى الرغم من اعتماده على أدوات الخطاب النقدي الشكلاني والبنيوي لاسيما عند رولان بارت ، وتزفتان تودوروف ، وميخائيل باختين ، وبوريس إيخنباوم ، فإن دائرة المنهج عند البلال تمتد واسعة لتشمل كل ما يعين على القراءة الداخلية للنص فما يجمع بين كل الأدوات النقدية التي يشتغل بها هو قدرتها على تفحص كيفية تشكل عناصر النص واشتغالها عبر شبكة النص الداخلية الخفية التي لا يكف عن نسجها عبر آليات التناص، والانزياح ، والتبئير ، والتفجير ، والأسطرة، والتغريب وغيرها ، ففي دراسته عن أحمد الفضل رأى أن تستعين الدراسة بمفهوم الفضاء السردي "حيث إن مفهوم فضاء السرد يوفر قراءة شاملة للنص من خلال عملية استقراء واستنطاق شاملة لكل مكونات النص ، وعلاقاته السياقية وصولا إلى السر الخلاق والإنساني الذي يحتشد به عالم النص العميق الغور والمتسع الأبعاد مستفيدة من كافة الاتجاهات النقدية والقرائية من بنيوية وتفكيكية وسوسيولوجية وسيكولوجية وظاهراتية وشعرية وغيرها "[8] ، وهو طموح مستحيل تقريبا ، ففضلا عن أنه لايمكن الاستفادة من كل هذه المناهج في تحليل نص واحد دون الوقوع في خطر الاجتزاء والتعميم والتبسيط والتناقض ، فإن جوهر النص ـ أو ما أسماه معاوية السر الخلاق الذي يحتشد به عالم النص ـ لايمكن الوصول إليه أبدا ، وإلا استنفد النص طاقته الجمالية ، وآل إلى اللا أدبية ، أي تحول إلى شكل آخر من أشكال الكتابة : تاريخي ، وثائقي ، اجتماعي ،إعلامي ، ....

    لكن إذا تركنا هذا الطموح المستحيل جانبا فإن معاوية البلال قد استفاد من الأدوات النقدية الحديثة حسب ما تقتضي طبيعة النص المدروس ، فقد استثمر مصطلح "الاستيهامي " في تحليل عشر نصوص قصصية لبشرى الفاضل ، وأحمد الفضل ، وعيسى الحلو ، ويحيى فضل الله ، وحسن الجزولي ، وغيرهم ، و التحليل الظاهراتي للمكان لباشلار في دراسته عن المكان في القصة السودانية الحديثة ، و"الحوارية " لباختين في مجمل دراساته لاسيما في دراسته عن تجربة أحمد الفضل القصصية ، وكذلك استثمر مفاهيم "الفضاء السردي " ، و"البؤرة السردية " وغيرها ، وهكذا منح خطابه حرية التحرك عبر عدد من المفاهيم النقدية التي تسعفه دون التقيد بمحدودية أحدها ،حيث الرهان على فاعلية الأدوات والمفاهيم وتكاملها وتوظيفها ، وليس على "محدودية المنهج " مما يقترب بنا من توصيف يمنى العيد لمشروعها النقدي "حيث من الصعب الحديث عن منهج بالمعنى المكتمل ، فحين نؤول ، أو حين يؤول الناقد نصا إنما يؤول عمله من ذاكرة ثقافية "[9] ، وحيث " يستعين النقد من وجهته المنهجية بالمفاتيح النظرية ، بالأدوات المفهومية ، لكنه باعتباره كتابة ، ليس أسيرا للنظري والمفهومي ، ولا هو معادلة علمية تتخذ من النص سبيلا للبرهنة على صحتها"[10] .

    وبقدر ما يمكن أن توفره للباحث نعمة استثمار المفاهيم النقدية في التحليل النقدي دون التقيد بمنهج بعينه ، إلا أن الخطر يبقى ماثلا في الاجتزاء والتبسيط والانطباعية وتفلت النص ، بل والتقافز أحيانا من مصطلح لآخر دون أن يستكمل التحليل مداه ، كما يكمن الخطر أيضا في المجرى الأفقي الذي يمكن أن تتخذه الدراسة بدلا عن الحفر عميقا بتربة النص ، والتوقف المتأني مع المفاهيم البارتية أو الباختينية، أو المناهج الأسلوبية لسبر جذرها المعرفي ، فالمصطلح النقدي لا يمثل سوى رأس جبل الجليد العائم ، بينما يكمن تحت السطح كامل جهازه المعرفي ، وسياقه الثقافي المعقد الذي أنتجه، وعلاقته بمجمل الخطاب النقدي ، فمفهوم باختين عن الحوارية يرتبط بشكل وثيق بشبكة من المفاهيم الأخرى مثل التلفظ ، والتناص ، وعبر الألسنية transliguistics ، ولذا فمفهوم الحوارية يقفز خارج دائرة الفهم التبسيطي له بأنه يعني تعدد أصوات النص . تتضح تلك الإشكالية أكثر بتأمل المصادر المرجعية التي اشتغل عليها معاوية في مجمل مشروعه النقدي السردي على مدى عقدين ، إذ غالبا ما يحضر مرجع واحد لتودورف ، أو بارت أو إيخنباوم ليجري الاشتغال عليه باستمرار بينما تغيب كافة أعمالهم الأخرى ، وإذا كان يمكن تبرير ذلك بالانحيازات المعرفية للناقد، أي تفضيل خيارات بعينها فإن السؤال هو : ماضرورة الاختزال والتقشف داخل هذا الانحياز ، بمعنى مباشر : إذا كنت أشتغل على مفاهيم بارتية في التحليل فلماذا أكتفي بمفهوم يتيم ، أو مفهومين على الأكثر ، وأعزلها عن كافة المفاهيم الأخرى التي تنشبك معها في تداخل حاد ؟ ، هل لذلك علاقة بالكسل النقدي ؟ أم عدم توافر المراجع الكافية للناقد ، فيكتفي منها بما تيسر .

    وغالبا ما يؤدي عزل المصطلح عن مفهومه المعرفي، وعن شبكة المفاهيم المرتبطة به لسير الناقد في اتجاه مخالف له تماما ، فقد استخدم معاوية مصطلح "الصوت المتوحد" ليدرس خصائص البناء للقصة السودانية كزمان الحدث ، وجدل الجزئي والكلي ،والشخصية ، والتتابع القصصي ، والتعدد الحواري ..إلخ إلخ ، ولكن هذا المصطلح الذي صكه فرانك أوكونور في كتابه المعنون بنفس الاسم الصوت المتوحد أو الصوت المنفرد lonely voice قد استخدمه أكونور لسبر الجذر الدلالي العميق للقصة القصيرة وهو اغتراب الفرد المتوحد المنعزل عن العالم ، ففي القصة القصيرة يوجد في رأيه دائما " ذلك الإحساس بالشخصيات الخارجة عن القانون ، التي تهيم على حواف المجتمع ..إنها تتضمن ذلك الوعي الحاد باستيحاش الإنسان"[11]، وقد عزا أوكونور ازدهار القصة القصيرة في أمريكا لكونها آهلة بالجماعات المغمورة، ورأى أن غرابة السلوك هي الدم الذي يسري في عروق القصة القصيرة[12] ، وقد طور آيان رايد مفهوم أوكونور مسميا إياه الحافز الرومانتيكي ، فهو يرى أن القصص القصيرة غالبا ما تركز على شخص أو اثنين ، منفصلين ، منبوذين من وسطهما الاجتماعي ، ويقتربان من نموذج الإنسان الجوال ، والحالم المنفرد بنفسه الذي نراه في بعض قصائد الشعر الإنجليزي الرومانتيكي ،ومن ثم كان التشابه بين القصة والقصيدة الرومامنتيكية في أن كلتيهما يتميز بنطاق محدود ، واتجاه شخصي ، ويميل إلى التركيز في لحظة هامة منفصلة لحظة نفاذ ذهني ملقيا الضوء على المعنى الداخلي لحدث حاسم في لحظة تنوير مفاجئة ، ويسهم قصر القصة ورقتها في إشارتها " بدقة خاصة إلى تلك المناسبات التي يجد فيها شخص نفسه في غاية التيقظ أو في غاية الوحدة "[13]، وأطروحة أكونور عن الصوت المتوحد أو المنفرد يمكن الحوار معها على مستويات مختلفة، ولكن لايمكن أن تعني ما ذهب إليه البلال من أن "القصة كنوع أدبي ما هي إلا صوت هذا الإنسان الذي يتوحد في الكتابة ليكشف لنا عن لحظة زمانية في الحياة هي لحظة المعرفة والرؤيا"[14].

    وقد استخدم البلال مصطلح البؤرة السردية مستعينا بتنظير إيخنباوم للنهاية في القصة القصيرة والذي يرى أن جوهر القصة القصيرة يتأكد في حشدها لكل ثقلها في اتجاه النهاية ، إنها كالقنبلة التي تلقى من طائرة يكون هدفها الأساسي هو المشاركة بإصابة الهدف بكل طاقتها الانفجارية ، ولذا يرى البلال مستندا إلى إيخنباوم أن"النهاية تصير البؤرة التي تتجمع فيها كل العناصر والتي تكتسب بها مبررات وجودها ومعناها ووظيفتها، بذلك نجد أن المحور الأساسي في القصة القصيرة هو نهايتها"[15] ، مدللا على ذلك بقصة "حالة" لعادل القصاص ، لكن ما لم يفطن إليه البلال ، أو غض عنه النظر أن هذا القانون الجامد لا ينكفئ إلا على قصص بعينها ـ ذات بناء سببي تعاقبي ـ فهذه القاعدة نفسها لا تنطبق على قصص عادل القصاص الأخرى مثل "ذات صفاء ذات صباح سادس أخضر" ، حيث من الصعب القبض على لحظة النهاية باعتبارها بؤرة سردية ، والقصة القصيرة الحديثة تشق عادة طريقا أكثر مناورة من طائرة إيخنباوم الحربية ، ولذا غالبا ما تنتفي هذه البؤرة المركزية ، أو تتشظى إلى عدد من البؤر الصغيرة التي على القارئ لملمتها من مجمل المسرود، وفي حالة قاص مثل إيتالو كالفينو بسردانيته المكثفة، ولعبه الحر باللغة التي تتسرب كرمل لامرئي حتى أقصى شقوق المعنى خفاء ، والقادرة على اقتناص مايتفلت حرا خارج حقلها حيث المعاني بتعبير الجاحظ:" مبسوطة إلى غير غاية ، وممتدة إلى غير نهاية ، وأسماء المعاني مقصورة معدودة ومحصورة محدودة "[16] ، فإن على القارئ أن يتنبه لبؤر ألغام كل جملة مكتوبة تقريبا ليس باعتبارها بؤرة سردية ، بل لأن كل جملة تخبئ المسرودة نفسها في إحدى طبقاتها العديدة .

    وكان يمكن لمصطلح مثل التبئير focalization أن يشتغل بكامل طاقته في دراسة البلال لو لم يُربَط المصطلح ـ بهذا الشكل الاختزالي المتعجل ـ بنهاية القصة القصيرة ، فالمصطلح القادم من حقل البصريات حيث البؤرة هي النقطة التي تتلاقى أو تتفرق عندها الأشعة الضوئية اكتسب اهتماما متعاظما في حقل السرد ابتداء من عتبات النص (العنوان ، الغلاف ، اسم المؤلف ،...) التي يمكن أن تمثل بؤرة تلق تحدد زاوية نظر المتلقي للنص ، مرورا بالحدث الذي يمكن أن يفصح في مرحلة من مراحل تكونه عن بؤرة سردية أو لحظة تنوير epiphany تضيء كامل المروي ، وليس انتهاء بالراوي وموقعه داخل النص السردي ، وتنوع طبيعة التبئير تبعا لهذا الموقع :تبئير خارجي external focalization إذا كان الراوي يعرف أقل ما تعرفه الشخصيات الأخرى، وداخلي internal focalization إذا كان موقع الراوي يسمح له بمعرفة ما يجري داخل الشخصية ، واستباقيprefocalization في السرد الذي يتضمن ضمير المتكلم باعتياره شاهدا على الأحداث أو مشاركا في صنعها ، التبئير في درجة الصفر حيث يهيمن الراوي العليم zerofocalization وهكذا[17] .

    وفي بعض الأحيان يؤول الوعد باستخدام المنهج عند البلال إلى صدفة فارغة ، ففي مقدمة دراسته للقاصة هدى الجزار والمعنونة "الأسلوب قلعة حماية للذات" ذكر بعد مقدمة قصيرة عن الأسلوب أن اهتمام المقالة النقدية سوف ينصب "حول مفهوم الأسلوب باعتباره المدخل المناسب لتشريح النص القصصي " للقاصة ، ولكن الدراسة القصيرة جدا تمضي بعد ذلك في توصيف خارجي للنص المدروس من قبيل إن "المرأة عندما تكتب فهي تكتب انطلاقا من ذاتها ، أي تكتب مرارتها الخاصة ..فكيف الخروج من دائرة القهر والاستلاب هذه التي حشرت فيها المرأة؟ إن المرأة تعيش نفيا وجوديا خاصا ..."[18] دون أن يستثمر الناقد منجزات المناهج الأسلوبية ولو في أدنى مستوياتها.

    لكل هذه الإشكاليات المنهجية وغيرها كان من الطبيعي أن تتسلل أحيانا عناصر من الخطاب النقدي التقليدي العتيد لقلب خطاب معاوية النقدي مثل الانشغال أحيانا بالوصف الخارجي الذي لايضيف جديدا للنص ، أو تلخيص أحداث القصة في كلمات فيما يسميه دلالة القصة غافلا عن أن دلالة القصة تكمن في مبناها لا متنها ، أو محاولة تلخيص أعمال كاتب في سطور قلائل كما في دراساته للقصة النسائية ،أو الاكتفاء بمديح النص في أحيان كثيرة دون الإشارة لثغراته وإخفاقاته في إطار احتفالية غامضة وعارمة بإنتاجنا "الوطني "، أو إرسال الكلام على عواهنه كأن يقول : " إن أبرز ما يجعل كاتب القصة القصيرة مجيدا في كتابتها هو قدرته وبراعته في رسم الشخصية القصصية ، والقصة الجيدة هي التي اتجهت عناصرها .. في اتجاه رسم متماسك للشخصية القصصية "[19] ففضلا عن اللغة التقليدية الفضفاضة في مثل "مجيدا في كتابتها " و"براعته في رسم " فماذا لو أن القصة لم تتضمن شخصية أساسا ؟ وماذا إن بنيت على ثيمة أخرى كانت هي العنصر المهيمن في السرد كالحدث أو المكان ؟ أو يقول عن لغة القصة القصيرة أنها يجب أن تتصف بالبساطة والتواضع "[20] (ماذا عن جويس مثلا ؟) ، أو يقول عن القصة في مرحلة ما بعد منتصف الستينيات بهذه النبرة اليقينية الجازمة أنها :" أسست اختلافها الجذري عن القصة التقليدية وتجاوزتها شكلا وفضاء "[21] ، ويصف مرحلة ما بعد الستينيات إلى الآن بأنها "المرحلة التي تم فيها تدمير البنية التقليدية للقصة تلك البنية ذات اللغة التقريرية التي سادت طوال العقدين السابقين لهذه المرحلة "[22] ، وكان يمكن القول بصيغة أقل افتتانا ، ولكن أكثر دقة إن هذه الفترة قد شهدت تحولا في أغلب القصص القصيرة بسبب انفتاحها على عوالم جديدة دون الجزم بـ"تدمير البنية التقليدية " و"الاختلاف الجذري " ، لأن ملامح هذه البنية التي ذكر البلال أنه تم هدمها لازالت تمارس كامل سطوتها ، وإلا فأين سنذهب بقصص عثمان علي نور ومصطفى مبارك وعثمان الحوري وأحمد محمد الأمين وأبي بكر خالد والطيب زروق وغيرهم وهي قصص لايمكن الزعم بأنها "تدمر البنية التقليدية " أو تغامر بشق عصا اختلافها عما وصفه بالبنية التقليدية ؟ والغريب أن معاوية نفسه يعود فيقول بعد سطور قلائل أن هذه القصة الستينية "منها ما اعتمد البحث في فضاءات الريف ، ومنها ما عالجت مأساة البطل المأزوم في المدينة ، ومنها ما تناولت التناقضات الاجتماعية والسياسية والفكرية "[23] ، وكأنه يتراجع عما سبق قوله ، فهذه هي "الثيمات " هي عين المحْل الذي كان يخوضه قصاصو الأربعينيات الغاربة بأقدامهم العارية .

    من هذه العناصر التي تسلل بسبب تفلت المنهج :القفز لأحكام تقييمية تشوبها روح المبالغة كأن يقول عن معاوية نور مثلا :" إن كل ما جاء في المتن الحداثي من مفاهيم وأنساق فيما بعد الستينيات واخترقت بنية الثقافة العربية كانت بمثابة التأكيد للحظة الفكرية والنقدية التي بث مفاهيمها الشاب معاوية نور في الثلاثينات من هذا القرن "[24]، إذ لايمكن لناقد أيا كان أن يختزل كل مايجيء بعده من مفاهيم ، إلا إذا ثبتنا الحياة في لحظة بعينها في نوع من السلفية النقدية ، أو يقول عن قاصة تتحسس خطواتها الأولى في القصة القصيرة "أنها تمتلك أسلوبا متفردا تتطابق فيه الذات مع لحظة الوعي وتكتب التجربة من خلال تناثر سردي خارج عن كل مألوف ..لتصير الكتابة عند سارة خليل أقصى درجات الحرية والانعتاق باتجاه طفولة العالم وبراءته"[25]، أما القاصة عوضية بوسف فقد "استطاعت من خلال كتابتها القصصية تفجير كل الأسئلة الصعبة التي احتقنها ذلك الخطاب[الحداثي] بل تجاوزته "[26] .

    من إشكاليات هذا التفلت المنهجي أيضا أنه يطيح بأكثر مزايا النقد المنهجي أهمية:الموضوعية، أعني بذلك موضوعية التعامل مع النصوص وفقا لهويتها النصية ، لا هويتها "الوطنية " ، فما يكسب نص ما شرف مؤاخاته لإخوته في عائلة الكتابة ، ويمنحه صك شرعيته الإبداعية في الشجرة التي تزدهي بثمار النصوص في هذا الحقل الفسيح المسمى بالعالم ، هو إبداعية النص نفسه ، لاموطنه أو زمانه ، فعلى الرغم من انفتاح خطاب معاوية البلال على النقد العربي وإن كان ذلك بقلة (محمد برادة ، صبري حافظ ، ... ) والغربي (إيخنباوم ، تودوروف ،...) إلا أن هذا الانفتاح لم يطل المنجز السردي العربي ، ففي كل كتبه الأربعة ، وفي جل دراساته ومقالاته لم يخصص معاوية البلال دراسة واحدة لقاص عربي ، بل نادرا ما يرد اسم أحدهم ، وكان يمكن لبعض منطلقات معاوية النظرية أن تجد لها تحققا أفضل في الخطاب السردي العربي، فمفهوم مثل البؤرة السردية كان يمكن أن يجد له حقلا تطبيقيا خصبا عند قاص مثل محمد المخزنجي، وجدل الجزئي والكلي كان يمكن أن يدرس عبر نصوص إبراهيم أصلان أو البساطي أو الكفراوي ، وهكذا . هذا الانكفاء القاسي على السرد السوداني ـ الذي يمكن تعليله بوطنيتنا الغامضة التي تتفاقم مع أزماتنا ـ حدَّ خطاب البلال من التقدم لأبعد بسبب وضعه هذه النصوص السودانية سقفا لتحليله النظري ، وربما كان من المفيد أن نذكر هنا بمعاوية نور الذي انفتح وعيه مبكرا على ثقافة العالم دون أن ينكفئ على سودانية متوهمة ، وبينما كان رفاقه الثلاثينيون منهمكين في همومهم المحلية المغلقة انفتح هو على مثاقفة واسعة مع المنجز العربي والغربي في تلك الندية والجسارة التي جعلت نقده يخترق حاجز الثلاثينيات ويزدهي بحضوره في قلب المشهد النقدي الراهن .

    وقد اقترنت هذه السودانوية عند البلال بتوق بانورامي للإحاطة بكل تلابيب المشهد السردي السوداني منذ بدايته في فجر الثلاثينيات حتى مشارف الألفية ، فما من قاص لم يذكره معاوية في مقالاته ودراساته سواء بالإشارة أو الدراسة ، وهي أسماء ربما تربو على المائتي اسم ، وقد حرمه هذا الطموح في الإمساك بتفاصيل المشهد السردي نعمة التوقف المتأني الهادئ أمام اسم أو اسمين من هذه الأسماء السردية في دراسة شاملة وموسعة لخطابه القصصي في كتاب .

    هذه هي بعض إشكاليات البلال على مستوى علمنة الخطاب النقدي ومنهجيته ، ولكن على مستوى آخر يمكن القول إذا قلبنا العملة على وجهها الآخر إن البلال ظل واعيا باستمرار بما يمكن أن نسميه "إشكالات المنهج " مثل تحوله إلى قالب مسبق يجري إسقاطه على النص ، أو اتساع التجربة النصية بكل حدوسها وثرائها وتعقيداتها على أدوات المنهج وإجراءاته ،أو تحوله إلى مجرد تمارين تطبيقية شكلية لا تفصح عن جوهر النص، أو نفيه لسياقات النص المعقدة ، ففي دراسته عن عادل القصاص ذكر أن الدراسة تحاول "الابتعاد عن الانسياق وراء النص والتمارين التطبيقية والمنهجية ..حيث إن المنهج لايمكن أن يكون غاية في حد ذاتها مفصولة عن الموضوع ووشائجه المتشابكة مع العلاقات النصية والدلالية ..حيث إن الجوهري في كل نقد هو أن يحمل لنا معرفة ، وأن يضيء لنا ما يخفيه النص ، أو يدثره بالصمت"[27]، وهو الأمر الذي يكرره بأشكال مختلفة في دراساته ، ويلتقي مع مفهوم الناقدة يمنى العيد بأن رحلة الناقد كدارس هي " رحلة اكتشاف وتطور ، رحلة حوار ومساءلة وتقص تتجاوز النصوص ـ موضوع دراسته ـ إلى المنهج نفسه أدة دراسته ، وهذا معناه أن وقوع النقد كدراسة أسيرا لمنهج صارم ، أو اكتفاءه بتطبيق قواعد منهج جاهز ، هما بمثابة تقهقر بهذه الرحلة ونكوص بعملية التلقي "[28] .

    في محاولته للخروج من مأزق "محدودية المنهج " ، واتسع النص الأدبي على إجراءاته وأدواته المحددة ، وتوق الناقد للخروج من "مقاسات أزياء الموضة النقدية " ، والاستعانة بعناصر التجربة القصصية نفسها لتقدم الجواب عن تقدير الإنتاجية الأدبية حيث النقد إبداع على إبداع[29] ، حيث من " الواجب على الدراسة التصدي لرصد هذا العالم القصصي إجرائيا بمصطلحات جديدة ومفاهيم علمية "[30] يبرز ملمحان في خطاب البلال النقدي :

    § المجازفة بصك مصطلحات ومفاهيم جديدة .

    § ومحاولة إكساب هذه المصطلحات شرعيتها العلمية عبر الاستفاضة في شرح مدلولاتها ، وتطبيقها على عدد من النصوص.

    وبذلك يطرح معاوية إشكالية المصطلح بصورة أكثر حدة إثر صكه لمصطلحات لم يجر اختبار فعاليتها من قبل ، فمن المعروف أن المصطلح يجب أن يلبي عددا من الشروط العلمية الصارمة ليكتسب شرعيته فـ " الكلمة الاصطلاحية أو العبارة الاصطلاحية مفهوم مفرد أو عبارة مركبة استقر معناها أو بالأحرى استخدامها وحدد في وضوح ، هو تعبير خاص ضيق في دلالته المتخصصة ، وواضح إلى أقصى درجة ممكنة ، وله ما يقابله في اللغات الأخرى ويرد دائما في سياق النظام الخاص بمصطلحات فرع محدد فيتحقق بذلك وضوحه الضروري "[31] ، وعلى الرغم من أن المصطلح النقدي يمتلك قدرا من المرونة والحيوية لحيوية وديناميكية موضوعه :الأدب ، إلا أن شرط الدقة يبقى لازما ، ولذا سنحاول في ضوء ذلك أن نتفحص مصطلحين صكهما البلال هما "الانسيابية " و "بنية التفجير " .

    يرى البلال أن الانسيابية "أهم ظاهرة صاحبت القصة الحديثة السودانية في تطورها"، وقد استهل كتابه بدراسته عن الانسيابية " الانسيابية في القصة السودانية الحديثة :دراسة في سوسيولوجية الشكل " . لتمتين أساسه النظري لمصطلح "الانسيابية" يتقدم معاوية بعدد كبير من التعريفات للانسيابية على امتداد الدراسة فهو يعرف الانسيابية بأنها :

    · هي البنية التي تلبست لغة النص السردي الحداثي ، وتسربل بها، وصارت جزءا أصيلا منه .

    · هي اللغة التي تتفجر مفرداتها بالإيحاء والتحفيز والفعلية السردية.

    · إنها لاتذهب بعيدا عن تعريف الشكلانيين الروس للخطاب القصصي باعتباره جنسا أدبيا يتعلق بنوعية النسق والإيقاع والمبنى والتحفيز والسرد والأدبية بعد ذلك .

    · هي هذه اللغة التي ينتجها القاص المبدع من خلال بناء الفضاء السردي ، والتي تظل تجبر المتلقي ، وتفرض سلطتها عليه كليا ، وتستلبه في حضن عالمها ، ساعيا وراء نشوة أكبر من خلال المحفزات اللغوية والمعرفية التي يقذفها القاص المبدع ضمن الفضاء السردي ، ويظل القارئ يلتقطها بنهم ، وهي بذلك تجعل النص القصصي يضمر المشاركة الإيجابية للقارئ المتلقي في إنتاج الفعل الإبداعي .

    · هي ظاهرة حديثة وإيجابية تملكت الإبداع القصصي الحديث في السودان وهي تجعل العملية الإبداعية تعمل على تذويب المسافة بين القاص والنص والقارئ .

    · هي ظاهرة تتجاوز المفهوم الألسني للأسلوب ، وتتوسع في دائرتها لتشتمل على اللغة باعتبارها انفتاح الوعي على الفعل ، وهي تحتضن الرؤيا وتنخرط في حركة التاريخ ، أي أنها اللغة التي تنتجها العلاقات الجدلية المتشابكة بين الفعل والوعي والرؤيا داخل النسيج .

    على الرغم من كل هذا الجهد الدؤوب في تأسيس المصطلح بغية ضبطه إلا أن الخروج منه بمفهوم دلالي متماسك يتعثر كثيرا في رأينا ، إذ يبدو واضحا بعد تفحص كل هذه التعريفات أنها تكاد تنغلق على دائرة واحدة :لغة السرد ، والدلالة الكلية للمصطلح هو ضرورة دراسة القصة القصيرة من مدخل لغوي /شكلاني ، ولم تفلح دراسته التطبيقية في قصص متباينة الاستراتيجيات النصية للطيب صالح ، وهاشم محجوب ومحمد خلف الله وعيسى الحلو وزهاء طاهر وغيرهم في مضي المصطلح أبعد من ذلك ، فاتساع المصطلح وطبيعته الرجراجة جعلت التحليل بعد ذلك يخوض في كل ما يخص البناء السردي للقصة القصيرة كبناء الشخصيات وموقع الراوي والتحفيز وتيار الوعي والراوي الثانوي إلخ إلخ ، وعندما تحاول أن تربط ذلك بالانسيابية تنزلق لرطانة التعميم من قبيل :" وعندما نأتي للنظر في النص الثاني "الطائر الأزرق"نجد أن انسيابيته تتحقق في اقتران التحفيز والنسق السردي بالتكون المعرفي وتظهر مترابطة ومتشابكة في نسيج النص وتعمل على تشكله من خلال نظام تبادل المواقع "[32]، كما أن الجذر اللغوي للمصطلح لا يسعفنا للوصول إلى ما أغفله الدلالي الذي أفاض فيه البلال ، فالمفردة انساب التي تعود إلى الجذر اللغوي ساب مفردة تتضمن قاموسيا معاني مثل : الجري، والعطاء ، قال الفيروزآبادي (ت 817 هـ ) صاحب القاموس المحيط :" السيب بالكسر مجرى الماء ، ونهر بخوارزم وبالبصرة ..والسيب العطاء ، ومصدر ساب جرى ومشى مسرعا كانساب " ، وقال إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393 هـ ) صاحب معجم الصحاح :" انساب فلان نحوكم أي رجع ، وانسابت الحية أي جرت "[33] ، ولم يذكرها صاحب اللسان، وفي المعجم الوسيط فإن ساب بمعنى انساب ، وتأتي ساب بمعان مثل "ساب فلان سيبا وسيبانا ذهب حيث شاء ،وساب في كلامه :أفاض فيه من غير روية "[34] ،وهكذا لن تسعفنا المعاجم في تحديد معنى مصطلح "الانسيابية " ، كما لم يسعفنا أيضا استخدامات المفردة في الخطاب الأدبي القديم والمعاصر ، إذ إن المفردة لم تكتسب أي معان جديدة في الخطاب الإبداعي يمكن أن ترفد استخدام المصطلح .

    يمكن قول الشيء نفسه في مصطلح مثل"بنية التفجير" الذي عمَّده البلال باعتباره مفهوما نقديا تتعامل معه الدراسة فهو "يبين القدرة على استيعاب وتقصي علاقات الواقع المتحول ، وما يطرحه هذا الواقع من جدليات مختلفة ومعقدة تتطلب اكتشاف أساليب جديدة ومحدثة في الكتابة القصصية غير تلك التقليدية القديمة المتيبسة"[35] .

    ولإيضاح المفهوم ذكر عددا من المقومات التي يقوم عليها وهي : عدم الاهتمام بالبداية التعريفية التقليدية للتجربة ، وتجنب السرد الشامل ذي المعرفة المطلقة ، واختفاء التتابع السببي للزمن السردي ، ونفي الترهل اللغوي ، واستخدام الأسطورة ، والاهتمام بالشعور الباطني ، وإذابة الحدود بين الأجناس الأدبية ، ويمكن القول ببساطة إن كل هذه المقومات ـ كما انتبه الناقد نفسه ـ هي نفسها حرفيا من سمات حركة "الحداثة " ، فهي بتعبيره "ذات المقومات التي انتابت حركة التعبير عموما فيما بعد منتصف القرن العشرين في أوربا و العالم وهي التي عملت على تدمير بنية السرد التقليدية وفجرت تقنية التزامن "[36] ، فما الذي يتبقى من المصطلح إذن؟

    لكن يمكن القول مع ذلك إن بعض مفاهيم البلال النقدية مثل " جنوب الكتابة" تمتلك تماسكها المنهجي، ففي دراسته الموسعة " كتابة الجنوب وجنوب الكتابة " فرق البلال بين كتابة الجنوب وهي الكتابة الإبداعيةالتي أنتجها أدباء من جنوب السودان ، أما جنوب الكتابة فهي تلك التي أنتجها أدباء من الشمال ولكنها اعتمدت الجتوب وعوالمه وإنسانه موضوعا لها [37].
    يتبقى الكثير مما يمكن قوله عن خطاب البلال النقدي ، ولاسيما في انتباهته اللافتة لأدب الهامش السوداني : القصة الجنوبية ، والقصة النسائية ، واللتين خصهما بدراستين موسعتين نشرهما في كتابين مع مختارات قصصية ، ووقفته الجسورة مع القصة التسعينية التي كانت حين كتب عنها تتحسس بطريقها بحذر ،ووعيه النقدي بالمنجز السردي والنقدي الباهر لمعاوية نور الذي خصه بأكثر من دراسة ،ولكن ذلك يستحق أكثر من دراسة منفصلة .















    مراجع الدراسة :



    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] انظر : حوار جريدة الخرطوم مع معاوية البلال ، جريدة الخرطوم فبراير 200 ، وقد أوردناه في ملحق هذه الدراسة .

    [2] الكتابة في منتصف الدائرة ، الشركة العالمية للطباعة والنشر ،القاهرة ، د.ت : 9

    [3] الكتابة في منتصف الدائرة : 9.

    [4] ميخائيل باختين المبدأ الحواري ، تزفيتان تودوروف ، ترجمة فخري صالح ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1996 ، ص 16 .

    [5] آليات القراءة وإشكاليات التأويل ، نصر حامد أبوزيد ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ـ بيروت ، الطبعة الثامنة ، 2008،ص: 152 .

    [6] دراسات في الأدب الحديث ، من آثار معاوية محمد نور ، جمع وتقديم الطاهر محمد علي البشير ،الدار السودانية للكتب ، الطبعة الأولى ، 1970 ، مقال "الأدب المصري الحديث والكتاب الناثرون "، ص : 28 وما بعدها .ويعود تاريخ نشر المقال إلى الأربعاء 6 مارس 1929 ، البلاغ الأسبوعي .

    [7] الخطاب النقدي في السوداني إشكالياته وتحلياته ، هاشم ميرغني ، ورقة مقدمة بمركز عبد الكريم ميرغني الثقافي 9 يونيو 2003 ، ونشرت على حلقات في جريدة الصحافة في العام 2005.

    [8] الشكل والمأساة، معاوية البلال ، الشركة العالمية للطباعة والنشر ، القاهرة ، د.ت : 171 .

    [9] في مفاهيم النقد وحركة الثقافة العربية ، يمنى العيد ، دار الفارابي ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 2005 :ص130 .

    [10] السابق : 210 .

    [11] الصوت المنفرد ، فرانك أوكونور ترجمة محمود الربيعي ومحمد فتحي ، الهيئة العامة للتأليف والنشر ، الجمهورية العربية المتحدة ، 1969 ، ص 14 .

    [12] الصوت المنفرد : 34 .

    [13] القصة القصيرة ، آيان رايد ترجمة منى مؤنس ، ط1 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1990، ص:60 ، للتوسع حول الاغتراب في القصة القصيرة انظر :بنية الخطاب السردي في القصة القصيرة ، هاشم ميرغني ، شركة السودان لطابع العملة المحدودة ، 2008 ، ص:445 وما بعدها .

    [14] الشكل والمأساة : 67/68 .

    [15] الشكل والمأساة : 72 .

    [16] البيان والتبيين ، أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ،الطبعة الخامسة ، 1985 ، الجزء الأول :76 .

    [17] للمزيد حول مفهوم التبئير راجع : معجم مصطلحات نقد الرواية ، لطيف زيتوني ، مكتبة لبنان ، الطبعة الأولى ، 2005 ، مادة تبئير : 40 وما بعدها ، راجع أيضا :خطاب الحكاية :بحث في المنهج ،جيرار جينيت ، ترجمة محمد معتصم وآخرين ، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة ، 1997 .

    [18] الشكل والمأساة :129 .

    [19] الشكل والمأساة : 77 .

    [20] الشكل والمأساة : 81 .

    [21] الشكل والمأساة : 6 .

    [22] الشكل والمأساة :9 .

    [23] الشكل والمأساة : 9 .

    [24] الشكل والمأساة :51.

    [25] الشكل والمأساة : 122 .

    [26] الشكل والمأساة :119 .

    [27] الشكل والمأساة :186 .

    [28] في مفاهيم النقد وحركة الثقافة العربية ، يمنى العيد : 205 /206

    [29] الشكل والمأساة : 13

    [30] الشكل والمأساة : 156

    [31] نظرية المصطلح النقدي ، عزت محمد جاد ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2002 ، ص: 25 .

    [32] الشكل والمأساة :19 .

    [33] انظر في ذلك المعاجم بالموسوعة الشعرية الإلكترونية ، المجمع الثقافي بأبي ظبي ، الإصدار الثالث ،2003 .

    [34] المعجم الوسيط ،مكتبة الصحوة ، المنوفية ، مصر ، د.ت ، مادة ساب ص 484 .

    [35] الشكل والمأساة :154 .

    [36] الشكل والمأساة : 154 .

    [37] الشكل والمأساة : 86 .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de