|
!!! خواطــر حول: (الحُبِّ) والإيمان و(الغناء) والقرآن !!!
|
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتّبع هداه! الإخوة المطّلعين على هذا البوست من داخل المنبر العام أو خارجه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وكلُّ عامٍ وأنتم بخير! أمَّا بعد ...، فهذه دعوةٌ إلى رحلةٍ استكشافيّة، لعوالمنا الداخليَّة، نسبرُ أغوارها من خلال مِسبار "الغناء السُّودانيِّ" في فترةٍ تاريخيةٍ معيّنة! وكنت قد نشرت حلقتين من هذا الموضوع، عبر بوست "الشعبية"، وكذلك من خلال بوست "المتسلِّلين إلى فاس"، قبل أن أتشرّف بنيل عضويّة المنبر العام، والآن وقد تهيّأ لي ذلك بفضل الله -عزّ وجلّ-، ثم بفضل من له الفضل عليَّ من الإخوة الأعزّاء، أنتهز هذه الفرصة، لأُعيد نشر ما سبق من هذه الخواطر، ثمّ أستكمل بقيّتها، عبر هذا المنبر، ليُتاح لأكبر قدرٍ من الإخوة الأفاضل، والأساتذة المبدعين الاطّلاع على هذه التجربة، عسى أن أستفيد من تجاربهم، وأُغني بها تجربتي الخاصّة! والله الموفّق لما فيه الخير!
ملحوظة: بإمكان الإخوة غير الأعضاء مراسلتي عبر إيميلي الخاص: [email protected]
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: !!! خواطــر حول: (الحُبِّ) والإيمان و(الغناء) والقرآن !!! (Re: صلاح عباس فقير)
|
أيُّها القارئ العزيز، أحيِّيك بتحية ملؤها الشَّوق والمودَّة, وأدعوك إلى أن تشاركني الغوصَ في أعماق تجربتي الذوقية لفنِّ الغناء, إذ ربما تجد فيها صدىً لتجربتك الذّاتيَّة، وعبر ذلك نُتيح لأنفسنا فرصةً ثمينةً لمراجعة رصيدنا الروحيِّ والوجدانيِّ، وهو أغلى ما نملك! وليكن ذلك في إطار القيم الإيمانيَّة والشَّرعيَّة التي نستظلُّ بها جميعاً.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: !!! خواطــر حول: (الحُبِّ) والإيمان و(الغناء) والقرآن !!! (Re: صلاح عباس فقير)
|
لحظة صدق شعوري: "إن أنسَ ما أنسَى": ليلةً من ليالي الغربة (المغربيَّة), إذ "عربدت بي الأشواق", وهاجت في نفسيَ الرَّغبة, بلقاء الأهل والأحبَّة, وكان ذلك كلُّه على إيقاع النَّغمات الشَّجيَّة لأغنية (الحبِّ والظُّروف): قلنا ما ممكن تسافر .... وكانت لحظةَ صدق شعوريٍّ مُضمَّخٍ بالدُّموع, كنت بعدَها كلَّما أمعنت بالتَّفكير في مسألة (حكم الغناء في الإسلام)، فَرَضَتْ نفسَها عليَّ هذه التَّجربةُ الوجدانيَّة, باعتبارها شاهدَ صدقٍ، لا بدَّ من سماع شهادته عند إرادة النّظر في هذه القضيَّة. ولست أعني بذلك ما يجدُه السَّامع من نشوةٍ ولذَّةٍ حين السَّماع, ولكنِّي أعني ذلك المعنى الشُّعوريَّ العميق الذي أسال المدامع, وأثار الشَّوق والحنين ... ولستُ أدري: أكنت متَّبعاً في ذلك للهوى؟ أم كنتُ صادقاً فيه، وأميناً مع نفسي؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: !!! خواطــر حول: (الحُبِّ) والإيمان و(الغناء) والقرآن !!! (Re: صلاح عباس فقير)
|
المغنى حياة الروح: إنَّ الغناء يحتلُّ في الحياة مساحة كبيرة, لا باعتباره وسيلة من وسائل الترويح عن النَّفس فقط, بل قد صار مأوىً وملاذاً للكثيرين، يغسلون به همومهم وغمومهم, ويشعرون عند سماعه وترديده بنشوةٍ ولذَّة لا يظفرون بهما في غيره, ما قد يُذكرك بالأغنية المصريَّة الشَّهيرة: المغنَى حياة الروح! ويُخامر المولَعينَ بالغناء شعورٌ عميق: أنَّهم لحظةَ السَّماع يكتشفون عوالمَ فريدةً, ويُدركون للحياة رؤيةً جديدة، لعلَّها ما كان يُدندِنُ حولها جبران خليل جبران في قصيدته التي مطلعها: اعطني النَّايَ وغنِّ فالغِنَا سرُّ الوجود أمَّا السَّبب الذي يُعطي للغناء في حياتنا هذه الأهميةَ الكبيرة، فيلوحُ لي أنّه يتمثّل في كون الموضوع المحوريَّ الذي تدور حوله كلماتُ معظم الأغاني هو الحبُّ.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: !!! خواطــر حول: (الحُبِّ) والإيمان و(الغناء) والقرآن !!! (Re: عمران حسن صالح)
|
وما أدراك ما الحُبُّ: الحبُّ ذلكم المعنى الإنسانيُّ النَّبيل، الذي يُمكن تعريفُه بأنه: "عصيرٌ مشكل" من كلِّ المعاني والقيم الإنسانيَّة الرَّفيعة. وغالباً ما تنبني على "قاعدة الحبِّ" علاقةٌ عاطفيَّةٌ تجمع بين قلبي رجلين أو امرأتين أو رجلٍ وامرأة, وفي الغالب ينجذبُ المحبُّ إلى المحبوب لشعوره القويِّ بأنَّ القيم والمعانيَ المكنونةَ في قلبيهما متماثلةٌ, وأنَّهما قد خُلقا ليسيرا في طريقِ الحياة معاً, فيبدو الحبُّ في كنهه وكأنَّه ميثاقٌ ثنائيٌّ بين طرفيه، على أن يخوضا معركة الحياة متآزِرَين يعتمد كلٌّ منهما على الآخر. فالغناءُ -في نظري- يستمدُّ مكانته الكبيرة، من استناده إلى هذه العاطفة الإنسانيَّة النّبيلة. وإذا توجَّهنا بأبصارنا تلقاء السُّنَّة المطّهرة؛ فسوف نجد اهتماماً مباشراً بهذه العاطفة الكبيرة، فهاهو ذا الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- يتوجَّهُ بالنُّصح إلى مَن وقع في قلبه حبُّ أحدِ إخوانه: أن يُعبِّر لأخيه عن هذا الحبِّ ولا يكتمُه! بل، فلنذكر في هذا السِّياق أشهر قصَّة حبٍّ شهدها العهد النَّبوّيُّ، وهي قصّة حبِّ مُغيثٍ لبَريرةَ، فها هو ذا مُغيثٌ بعد طلاقه من بريرة، يمشي خلفها، ودموعُه تجري على خدَّيه، الأمرُ الّذي تعجّبَ له رسولُ الله –صلَّى الله عليه وسلَّم-، فقال لعمه: "يا عبَّاس، ألا تعجبُ من حبِّ مغيثٍ بريرةَ، ومن بغضها له"، إذن فقد كان حبّاً من طرفٍ واحد، ولم يجد الرَّسولُ الأكرم غضاضةً في أن يتّخذ موقفاً إيجابيّاً في هذه العلاقة العاطفيّة، فتوجّهَ لبريرة قائلاً: "لو راجَعتيه!"، فقالت: أتأمُرني!؟ قال: "لا، إنَّما أشفع"، فقالت: لا حاجةَ لي به! فهل كانَ الشَّاعر والمغنّي الشّعبيّ، في قولهما: الحبّ أنا ما بديتُه! الحبّ من زمن الصَّحابة يا بَلال! هل كانا يُحيطانِ علماً بهذا المعنى، أم أنَّها فقط مناسبة القافية؟ وعموماً نجد هذا الاهتمام بعاطفة الحبّ، قد تعمّقَ لدى صفوةٍ من العلماء، فكتبوا فيه واستقصَوا أحواله ودرسوه باعتباره ظاهرةً إنسانيّة، وعلى رأس هؤلاء يأتي ابن حزم الأندلسيِّ، في كتابه الشّهير: (طوق الحمامة في الأُلفة والأُلَّاف)، ثمّ ابن قيم الجوزية، في كتابه: (روضة المحبين ونزهة المشتاقين)، وكذلك في بعض فصول كتابه: (الجواب الكافي لمن سأل عن الدّواء الشّافي).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: !!! خواطــر حول: (الحُبِّ) والإيمان و(الغناء) والقرآن !!! (Re: صلاح عباس فقير)
|
أغنية الصباح الجديد:
إنَّه النَّموذج الذي جمع بين شاعر تونس الكبير أبي القاسم الشابي والفنان حمد الرَّيَّح, فكانت ثمرته أغنيةَ "الصَّباح الجديد". تستند معاني هذه الأغنية إلى فكرةٍ إنسانيَّة: عميقة وواقعية، في آنٍ واحد: وهي فكرة "أنَّ كلَّ إنسانٍ يحتمل في صدره قيماً ومُثُلاً عظيمة, يُحاول كلَّ جهده أن يُحقِّقَها عبرَ مراحل حياته". ففي هذه الأغنية، يغمسُ الشابي ريشتهُ في رحيق ليل المعاناة، المُرافق لمسيرة حياته، مُسطّراً بمداده "الُبُشرى" بشروق شمسِ "الصّباح الجديد":
اسكني يا جراح واسكتي يا شجون مات عهدُ النَّواح وزمانُ الجنون وأطلَّ الصَّباح من وراء القرون
ثم يُشير الشابِّي إلى المعاني والقيم التي جعلته، والتي تجعلُ كلَّ إنسانٍ يتطلّع لهذا الصباح المُفعم بالحياة، قائلاً:
في فؤادي الرَّحيب معبدٌ للجمال شيَّدته الحياة في الرُّؤى والخيال إنَّ سحر الحياة خالدٌ لا يزول فعلام الشُّكاء من ظلامٍ يحول
ثم بهذا الصَّدر المنشرح, المغمور بالنَّشوة، يُودِّع حياته السَّابقة التي عاشها بعيداً عن تلك القيم الرَّفيعة، يودّعها وهو يلبّي ذلكم النداء:
من وراء الظَّلام وهدير المياه قد دعاني الصَّباح وربيعُ الحياة يَا لهُ من دعاءٍ هزَّ قلبي صداه لم يعُد لي بقاء فوق هذي البقاع
فها هو ذا يقف مودّعاً تلك البقاع، وهو يبثُّها زفراته الأخيرة، قائلاً:
فالوداع الوداع الوداع يا جبالَ الهموم يا هضابَ الأسى يا فجاجَ الجحيم
وحقَّاً ذلك التَّمزُّقُ النَّفسيُّ الشُّعوريُّ الذي يعيشه الإنسان, بعيداً عن القيم الرَّفيعة والمثل العليا التي جعلها اللهُ فطرةً في سويداء الضَّمير, هو زفَراتٌ حرَّى من الجحيم، ويُوشك أن تقودَ صاحبَها إليه. ثم يُعلن الشابي انعتاقه وتحرُّره من أغلال هذه المرحلة, وابتداء مرحلة تاريخيَّة جديدة من عمره: قد جرى زورقي في الخِضمِّ العظيم ونشرتُ القلاع فالوداع الوداع الوداع
أغنيةٌ تحكي على مستوى العاطفة والشُّعور مسيرةً إنسانيَّةً ظافرةً, يطمحُ كلُّ إنسانٍ ينبضُ قلبه بالحياة إلى أن يُحقِّقها على مستوى الواقع، ومن خلال هذا الجهد النَّبيل الّذي يبذُله الإنسانُ لتحقيق هذه القيم، تنمو شخصيّته ويتكامل وجوده الإنسانيّ، ويكتشف في نفسه منجماً زاخراً بالقدرات والإمكانات، وبهذا الجهد النّبيل يكون للحياة رونقٌ وبهاء، يجعلانها رغم كلِّ ضروب الإحباط، ساحةً للعمل والجهاد والعبادة ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: !!! خواطــر حول: (الحُبِّ) والإيمان و(الغناء) والقرآن !!! (Re: صلاح عباس فقير)
|
Quote: حضور ... نسمعكـ للنهاية عشان أنا والله غُنانا ده ياهو الباقي لي من ريحة البلد وماسك فيهو قوي .. |
الِأخ عمران حسن صالح والله يُشرفني حضورك، وتشرفني متابعتك! ولا شك أنك بما عندك من ولع ولوعة ستستطيع رفد البوست بكلّ ما يغنيه! وهو في النهاية كما قلت تعبير عن تجربة ذوقية ذاتية! وزي ما تقول رؤيا نفسية أو شعورية! ومحاولة لرصدها.. أرجو أن لا تنتظرني حتى أنتهي، محتاج دعمك في الطريق!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: !!! خواطــر حول: (الحُبِّ) والإيمان و(الغناء) والقرآن !!! (Re: صلاح عباس فقير)
|
الإيمانُ والحبّ:
تلك بعضُ نماذجَ من التَّجارب الصَّادقة, التي أعتقدُ أنَّها تتوافق في جوهرها مع القيم الشَّرعيَّة, بل ربَّما يستطيعُ الكثيرون ممَّن تذوَّقوا تجربة الإيمان، ونهلوا من معين الحبِّ: أن يُعبِّروا لنا عن خلاصة هذه التَّجربة المزدوجة متمثِّلةً في هذه الحقيقة: أنَّ عاطفة الحب, وعاطفة الإيمان بالله، صنوان: فمنبعُهما واحدٌ: هو القلب, وأثرُهما واحد: هو الارتقاء بمشاعر الإنسان والسُّموّ بها إلى مراتبَ رفيعةٍ من الوعي والإدراك والشَّفافيَّة, بل هما لِمَن ذاقَهُما شيءٌ واحد: فليس الإيمانُ "مقولاتٍ لاهوتيَّة باردة", وليس الحبُّ مجرد عاطفة رومانسيَّة محلِّقة في الخيال. بل الإيمان في حقيقته: هو الحبُّ، وقد فاض عن قلوب العباد متوجِّهاً إلى الله الجليل الرَّحيم الجميل، ومن ثمَّ إلى أيٍٍّّ ممّن خلق، أو ممّا خلق! كما أنَّ الحب في حقيقته: رصيدُ الإيمان المكنون في قلوب العباد فطرةً وخِلقة, والذي يَظهر عندما تستثيرُه وتقدحُ زناده شتَّى المثيرات الاجتماعيَّة والطبيعيَّة، ألم تلحظ إلى تلك الحالة العاطفية الاستثنائية التي تغمرُك عندما تنخرطُ في البكاء حزناً على فقيدٍ عزيزٍ!؟ والإسلامُ إنما يُريد أن يرقَى بحياتنا ومشاعرنا, ويوجِّهَها إلى صراط مستقيم، من خلاله يُحققُ الإنسانُ كلَّ ما يصبو إليه من سعادة روحية وجسدية, معنوية وحسية, إنَّه لا يقمع مشاعر الإنسان وطاقاته الفطرية, كلا ولا يكبتها، بل يوجِّهها وينظِّمُها ويوظِّفُها حتى تكون متوازنةً منضبطةً في ممارستها وفي التَّعبير عنها. هذا هو الإسلام، الّذي شَوَّهَتْ صفاءَ رؤيته أيّما تشويهٍ: الرؤى الحزبيةُ ذات الأفق الضيّق!
| |
|
|
|
|
|
|
|