لكأني بك أستاذنا الخاتم عندما حاولت التنبيه لأهمية هذا الموضوع وسط الضجيج السائد ، والذي تعلوا فيه نبرة الخطاب السياسي علي ما عداها تمتحن الحالة الثقافية الراهنة والتي تثبت كثيرا بأنها لا تفرق جوهريا عن سابقاتها من ستة قرون ينكفئ كل علي سابقه ، رغم إيجابيات الإنفتاح علي الحداثة في هذا القرن وتراكم راسمال نفطي مع صحوة حديثة للهويات وإختراقات التكنولوجيا في توسيع حركة التحديث البطئ (وهناك شك والعالم يعيش من نصف قرن مناخات ما بعد الحداثة حول هل تحدثنا بادئ ي بد في عوالمنا المتاخرة الركب..إن الإنحطاط الثقافي الذي نعيشه ويبيض ويفرخ فينامنذهزيمة ابن رشد يتجلي بسفور حتي في الجهل به وبأهمية إعادة إكتشافه والإبتداء منه أي من هناك بعد تفكيك الروح الثقافي الذي بإستلهامه والبناء عليه تقدم المركز الحضاري الذي تقلد هذه المركزية من حلقة إسلامية سبقتها أخري أغريقية ، معني ذلك أن هنالك الآن حلقة أوروبية لا بد من المرور عبرها لإعادة إكتشاف ذاتنا، كما عبرونا هم من قبل للإلنحاق بالماضي الإغريقي الذي إحترقوا عندما حرقوه ،..لقد كانت نتيجة إستقالتنا عن عالم ابن رشد الثقافي أن إحترقنا، وإحترقت حضارة خلدت اسمها بحروف من ذهب في تاريخ البشرية ، وكانت النتيجة أن يمثلنا في العالم اليوم ابن لادن بكل إبتزاله بعد أن كان يمثلنا ابن رشد بكل إحترامه عزيزي الخاتم بعدما تألقت الحضارة الإسلامية حتي القرن الثاني عشر الميلادي وانفتحت علي العالم مترجمة كل التراث الفكري والعلمي ومستفيدة حتي من الأطباء النصاري النساطرة في مناخ فكري موجب ومرحب بكل عطاء إنساني، بالضبط كما يفعل الغرب اليوم مع عقول العالم الثالث (وبالأمس تحدث مرشح الرئاسة الامريكية كيري عن خططه في تجويد التعليم حتي ينافس الإمريكيون الغالبية الأجنبية في مختبرات البحوث والتكنولوجيا. لأنها صارت غالبية مخيفة) لكن انظر عندما تكهرب المناخ الفكري في الحضارة الإسلامية الفارعة ، وسخرت النخبة نفسها لحراسة المناخ السالب الجديد ، أقصد عندما بدأ المتذبذب في مواقفه الإمام الغزالي يجند عقله مستفيدا من أخطاء فلاسفة مثل أبن سينا في قرآءته المنتحلة لإرسطو ويدشن حملة كارثية ضد العقل ، العقل الذي إضطهده العالم المسيحي من قبل عندما طرد الفلسفة اليونانية طردا عنيفا، واكرمته النهضة الإسلامية قبل أن تعود فتعتقله وتضطهده وتحرقه.. أخي الخاتم بدأ يشيع هذا المناخ السالب وكنا حتي القرن الثالث عشر نتقدم علي أوروبا ، ويبدو أننا وحتي القرن الرابع عشر كنا في موقع لا يتداني عن أوروبا، لكن كان الفرق أنه كانت أوروبا تتقدم لأعلي، لسبب واحد بسيط أنهم أطلقوا للعقل العنان فحول المناخ الثقافي لمناخ موجب ، واعتقلنا العقل داخل النقل فحولنا مناخنا الثقافي لسالب ، ماذا حدث إذن ؟ عاود الغرب إكتشاف التراث الاغريقي ومعه الفارسي والعربي في الفلاسفة والعلماء المسلمين وعلي رأسهم ابن رشد لتقيم نهضتها علي وحي من آثارهم الرائعة، ونخرج نحن من أطار ثقافة البحث والعقل والبناء منتحرين ثقافيا، ففي الوقت الذي كان العالم الإسلامي يلعن ويحرق كتب ابن رشد ، كانت ثماره تنضج هناك في الضفة الاخري من المتوسط ، تترجم كتبه وتشرح ويبني عليها... وكانت هزيمة ابن رشد الأب الشرعي للتيار الإصولي المتزمت الذي يهيمن علي الشارع الإسلامي اليوم...ولم تكن هزيمة ابن رشد بسبب من ضعف موقفه أو هشاشة أفكاره ، بل لأن المناخ الجديد السلبي ما عاد مواتيا لمثله ، لا سيما أنه حينها كانت الأيديولوجية الجهادية التعبوية تملأ الأفق تحت ضغط الهجمات الصليبية.. ولعل السؤال أخي الخاتم : هل فقدت رسالة ابن رشد راهنيتها(خلق أرضيةثقافية جديدة من داخل النص الديني وحوامله الإجتماعية للعقل ، للخطاب الفلسفي ، للفكر الدنيوي العلماني المرتكز علي البنية الإيمانية نفسها) أي كيف للمرء أن يكون مسلما وعقلانيا في آن واحد بالأمس عندما إنهزم المسلمون عسكريا من الفرنجة في الحروب الصليبية ، إنتصروا عليهم ثقافيا بدلالة الزوابع الفكرية التي أثارتها ترجمة ابن رشد وابن ميمون والغزالي...واليوم؟
(عدل بواسطة Sinnary on 10-10-2004, 05:41 AM) (عدل بواسطة Sinnary on 10-10-2004, 05:59 AM)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة