|
الماء....
|
الماء
لم ندر كم لبثنا فى مرقدنا , حتى رشقتنا الشمس بالحمأ ، أهمت علينا بضوء كالعظم اليقق فى بياضه و صلابة الحجارة الصغيرة المدببة فى بأسها. بعثت أخى بالدنانير فعاد خائبا و ابلغنى ان لا أحد يود بيعنا خبزا بالدنانير ..نظرت فى جوف الماء ، رايت وجهينا و قد استطالت منا اللحى ، و مادت السنون فى عبثها الجهم ، رأيت اختنا الصغرى ، امى تناديها ب ( طيرة المغارب)، كانت كلما ادرك الاصيل ذيول الظلمة ( تزازى ) بين العناقريب المصفوفة فى الحوش تصيح بصوت ينبجس من داخل البكاء و الخوف و الرثاء و الوحشة و العطف و بعض حسرة، تردد بلا انقطاع ( انا انوم وين..انا انوم وين!!!).. يمطر الصيف فى جبروت الغضب حرته ، يعود ابى معا و الرهاب يمتطيان العجلة الرالى السوداء، و عندما يصل الى خطوط السكة الحديد ، يحمل العجلة بيده اليمنى عاليا، يقفز بها القضبان واحدا تلو الآخر بصبر واناة و مناداة هائمة فى يأس بليغ ، يعض على اطراف جلبابه بأسنانه خشية ان يتسخ بزيت المكن السائح فوق حطب ( الفلنكات) و ( الأسطبة) المتناثرة، ممتلئا بزهو اليوم الذى مضى مثل كائن يصطرع فى بطن غول خرافى.. ( صديق) كنا نناديه بما لا يحب ( صديق هرار الديك) ، يتوسل بالحجارة و فحم ( الرجوع) ، على غلبتنا و تارة بالضحك ، و لكننا نعود الى مقاذفة كرة الشراب فى العصر ..(عبد الله ) فراش المدرسة ، كانوا يظنونه ( بعاتى) ، قيل انه مات فى ( البلد) ، و تخلق هنا هاربا من دين او بعض خطيئة ، ثم انه يعود ليتخلق فى (حجى) جدتى فى الليالى المقمرة ، بيد ان ( غلبونا) ينتصر عليه دائما بمكر ( بطحانى ) مؤسس كالعقيدة فى حكاياها ، او هكذا ودت جدتى هزيمته بعزم قبائلى... قفل اخى بالدنانير جائعا ، قال بأن لا أحد يعرفه ، سالته عن المنازل و الطرقات ، قال انكرته و انكرها ، و قال كأنما القوم بدلوا تبديلا ، قلت له كم تظن لبثنا ؟؟ تجاهلنى متعمدا و هو يجيب هاتفه المعلق فى خاصرته ، متحدثا الى فراغ مظلم مبتئس حزين ، فراغ موغل فى فراغ ، فراغ يحمل رائحة الرهاب و الأغنيات التى ما انطفأت جذوة الحنين فيها و لم يتبدل طعم الماء فى ثناياها ، ظل الماء كما عهدناه ، يجىء من لا حيث و لا ندرى الى اى حيث يمضى!!! و لكنه ظل رقراقا ، صافيا ، يشهدنا على ما فى جوفه ، الطحالب و الزجاج و سقط المدينة ، فى احشاءه رقد ( كمال) . نصب الصيوان امام وجه الماء الرقراق، ثلاثة ايام ، ( قلع) كمال فيها طافيا مثل جذع شجرة منهكة ، تخاذلنا فى برودة الصبح الى بيوتنا ، و سجى ( كمال) على شفة الماء ، و النسوة قاتلن الجزع بدمع رقراق ، و تصالحن مع الماء فى زواج ( آسيا) ، و فركن جلد اخى بالطمى فى زمن الحصباء ، و حينما اصابتنى الحصباء ، كنت بعيدا عن الماء ، و كنت اقرب ما اكون الى ماء الحمض الذى لا ينى يهمى رذاذا على ( نيويورك) ،رقراقا لا كما الماء الذى عهدته ، و لكن الطمى ترك ضفة النهر و هبط ضيفا على القلوب ، فما اثمرت و لا أعشبت ،و ما اخضر فيها درب!!! ثم هبط الغبار الأبيض على ( نيويورك) ، فتحول وجه المدينة الى قناع راقص ( منسترلسى) كئيب. اسند اخى ظهره الى جدار الكهف ، متأملا متأملا بنات افكاره ، يحبلن سفاحا ، و يلدن صبية و صبايا ، كم تمنينا ان تطال ايدينا رقاب هؤلاء الزناة ، شهدهم اخى يسبحون فى الماء مع ( سحاحير) ناوة ، ( عبد الله) الفراش يرتعد فرقا عند ذكر ( ناوة) ، و سحاحيرها الذين يجرون خلفهم اذنابا مثل الخطاطيف ، كان عبد الله يخفى ذيله ، لم نره الا قادما من مكان ، أو جالسا ، لا يوليك الأدبار حتى ان اضطر لذلك ، يعد ( مطارق) الحناء فى يوم الجلد ، فى وفاء و تلذذ ، كأنما يعد السياط للبيع ، او للعرض فى متحف الفنون ، يسيل الماء اللزج حال شلخها ، و تربد عيون ( عبد الله) بالدم . أغفت امى ، و عينها اليسرى تتراعش بصحو متواتر ، و أخلدت اختنا الأخرى الى نوم كالأغشاء ، نامت ( طيرة المغارب) دون ان تدرى اين استقر بها المضجع، و تواصل بكاءها حتى تسرب الى احلامها ( انا انوم وين) ، احلام مائية ،رقراقة ، لم تدر اختى كم من الزمان لبث الماء فى حلمها ، سد ابى المنافذ على بنات افكارها ، وظل مرابضا فى حراستهن حتى اشتعال الصباح بحريق الشمس على الجباه ، و الماء اطلق النار على جيش النجومى ، كم لبثوا بالعطش و التمر النىء ؟؟؟حصنت البقعة نفسها من الماء فأتاها من عل ، اطلقت عليه النار من الطوابى فسكن ، عاد و التف و انطوى فى خناق (كسلا) و ( اروما) و القرى الذاكرة ، اغفلت القلوب عن الذكر ، فأنسفح الموج عن الهواء ، و همى على القوم المعتصمين بحمى الميدان و المسجد ، اللاجئين يحلمون بخير الأمبراطورية، فقاتلهم الماء دون الأمانى ، و صدهم عطشى عن اللحاق بالخبز و الميسرة و زج بهم وراء حوائط ( ليمان طرة) البيضاء ، لا ندرى كم لبثوا ، ام هل لا يزالون هناك, ام أنهم سكنوا الى (بنى النضير ) ، قرب طبرية؟؟ كم لبثنا فى مرقدنا..دهر من الشمس!!
تاج السر الملك
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الماء.... | Tagelsir Elmelik | 07-22-07, 03:24 AM |
Re: الماء.... | Tagelsir Elmelik | 07-22-07, 02:25 PM |
Re: الماء.... | ibrahim fadlalla | 07-22-07, 02:35 PM |
Re: الماء.... | ibrahim fadlalla | 07-22-07, 04:40 PM |
Re: الماء.... | Tagelsir Elmelik | 07-26-07, 02:13 PM |
Re: الماء.... | Tagelsir Elmelik | 07-22-07, 07:00 PM |
Re: الماء.... | حبيب نورة | 07-22-07, 07:17 PM |
Re: الماء.... | Tagelsir Elmelik | 07-23-07, 00:37 AM |
Re: الماء.... | شهاب الفاتح عثمان | 07-23-07, 06:52 AM |
Re: الماء.... | Ishraga Mustafa | 07-23-07, 08:43 AM |
Re: الماء.... | Tagelsir Elmelik | 07-23-07, 09:51 PM |
Re: الماء.... | Adil Al Badawi | 07-23-07, 08:57 AM |
Re: الماء.... | Tagelsir Elmelik | 07-25-07, 00:35 AM |
Re: الماء.... | Tagelsir Elmelik | 07-23-07, 12:57 PM |
Re: الماء.... | Tagelsir Elmelik | 07-31-07, 08:52 AM |
|
|
|