كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود
|
شاهد عيان لمحاكمة واعدام محمود محمد طه{1} _______________________________________
محمد الحسن محمد عثمان الولايات المتحدة الأمريكية
_______________
كلماجاء يناير من كل عام تراءى لي مشهد اعدام الأستاذ محمود محمد طه , وبرغم مرور كل هذه السنين فهو يتمثل امامى وكأنه بالأمس القريب .
كانت تلك الأيام فى نهايات 84 وبداية 85 تشهد تخلخل نظام نميرى والذى لم تجد فى تثبيته قوانين سبتمبر ومحاكم الطوارئ !. فقد كانت تلك الأيام تتميز بنشاط معارض لا تخطئه العين , فالساحات حول النشاط بجامعة الخرطوم كانت بحق ( هايد بارك ) السودان .. كل الوان الطيف السياسى تمارس نشاطها فى جسارة وعلنية وبمستوى متميز من المتحدثين .. وكانت كلما سنحت سانحة نشد الرحال الى الجامعة حيث نتنسم عبير الديمقراطية فى رحابها .
وكانت النقابات بعد ضرباتها المتلاحقة للنظام تبدو فى أحسن عافيتها تنظيما وقيادة .. وكان نظام نميرى الذى يترنح فى حاجة لثبات الذات وأخذ زمام المبادرة بعد ان فقدها رغم تحالفه مع جبهة الترابى .
أصدر محمود محمد طه فى تلك الأيام المشحونة بيانا ينتقد فيه قوانين سبتمبر وتم القبض عليه ووضع فى حراسة بمعاملة خاصة مع كل من فيليب غبوش والقاضى يس سعيد اللذين قبض عليهما فيما اطلق عليه المؤامرة العنصرية , كما كان معهم رجل الأعمال خليل عثمان , وقد أخبرنى يس بأنهم اندهشوا لسعة اطلاع الاستاذ والمامه المتنوع , وكان يقضى أغلب وقته فى التأمل والطلاع .
تم اطلاق فيليب ومجموعته بعد توبتهم , وتم تقديم محمود لمحكمة العدالة الناجزة والتى انعقدت فى احدى قاعات محكمة جنايات امدرمان وسط , وكان حضورها أصناف متنوعة من البشر من طلاب وقانونيين وجمهوريين وغيرهم . وخارج القاعة انتشر العشرات من رجال الامن والجنود المدججين بالسلاح وكان المتهم من اعتى المجرمين مع ان الرجل كان فى سموه لا يأكل حتى لحم الحيوان فهو يعده نوعا من الايذاء لروح , فقد كان نباتيا .
كنت من حضور تلك المحاكمة الظالمة .. أدخل محمود الى قفص الاتهام وهو يرتدى الزى القومى .. دخل المهلاوى قاضى المحكمة ( من أقرباء النيل أبو قرون ) .. شاب لم يتجاوز الثلاثين , ليس من سلك القضاء المدنى انما جئ به مع من جئ بهم للقضاء الجنائى فى تلك الايام من المحاكم الشرعية , فهو غير ملم بالاجراءات الجنائية , كان ارتباكه واضحا وباديا , ان القضية اكبر من حجمه .. كان المحامون الوطنيون امثال مصطفى عبدالقادر والشامى والجزولى وغيرهم يصطفون فى الصف الاول جاهزين للدفاع عن الاستاذ ولكن عندما سألت المحكمة الاستاذ عن محاميه رفض ان يمثله اى محامى , ولابد ان المهلاوى قد تنفس الصعداء , فقد كان ذلك الرهط من المحامين جهابذة فى علم القانون وكانوا يتمتعون بالشجاعة والحجة التى كانت ستجعل من المحكمة محاكمة للنظام ولقاضيه الحدث كما حدث ذلك فى محاكمة البعثيين فيما بعد .
استمعت المحكمة لشاهد الاتهام الوحيد المتحرى بدون أن يؤدى القسم , فقد كان المهلاوى مرتبكا ومتعجلا حتى تجاوز أبسط الاجراءات .. وسألت المحكمة الاستاذ محمود ليدلى بأقوله فارتجل كلمة قال فيها: ان القضاة الذين يتولون المحاكمة غير مؤهلين فنيا وضعفوا أخلاقيا من أن يمتنعوا من وضع أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستغلهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين , من اجل ذلك فأنى غير مستعد للتعاون مع محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت ان تكون آداة من ادوات اذلال الشعب واهانة الفكر والتنكيل بالمعارضين السياسيين .
صدر الحكم باعدام محمود محمد طه فحين يسود الرعب والوهن ويبطئ الشهود والقضاء والزمن ينفلت القاتل والمقتول بدفع الثمن
تم تأييد الحكم من محكمة الاستئناف ورفع الحكم الى رئيس الجمهورية للتأييد , ومن المهازل أن نميرى قال فى كلمته التى أيد من خلالها الحكم انه بحث ونقب فى كل كتب الفقه فلم يجد مخرجا لمحمود ( نميرى الذى لايجيد تلاوة خطاب مكتوب له بدون ان يخطئ فى كل قواعد النحو ) ومرت الايام نحو يوم الاعدام .. فى اليوم السابق له حضرت حلقة للجمهوريين بجامعة الخرطوم , كان المتحدث ذلك المتمكن القراى والذى زجر عناصر الجبهة الشامتة على الاستاذ واكد لهم ان الاعدام لن يتم ( ولا اعرف حتى الآن على ماذا استند القراى فى حديثه ذلك ) وتفرق الجميع وهم بين مصدق ومكذب لتنفيذ الاعدام .. اخبرنى بعد ذلك انور محمد طه ( المحامى ) وهو ابن اخ الاستاذ بأنه زار محمود الليلة السابقة للتنفيذ ووجده فى كامل هدوئه وتألقه الذهنى , وقد حاول انور ان يصل معه لحل وسط يقيه الاعدام ولكنه رفض فى حسم أى تنازل او تراجع .
فى يوم 18/1/85 اتجهت صباحا الى سجن كوبر وفى بحرى كانت الشرطة تمنع تجاوز العربات لخط السكة الحديد وكان الناس يمشون راجلين نحو كوبر وينتشر الجنود حول السجن .
دخلت ساحة الاعدام .. كانت هناك مجموعة من الجمهور تجلس بعيدا عن المنصة .. بجوار المنصة كان عدد من كبار المسئولين يجلسون على كراسى بينهم فؤاد الامين رئيس القضاء والنيل أبو قرون وعوض الجيد مستشارا رئيس الجمهورية , والمكاشفى رئيس محكمة الاستئناف ومحمد الحافظ قاضى مديرية بحرى .
جاء الاستاذ يحيط به جنديان وهويرتدى ملابس السجن البيضاء وعلى وجهه غطاء احمر يوضع فى لحظات التنفيذ .. طلب منه ان يصعد السلم المؤدى للمنصة .. صعد فى خطوات ثابتة بدون مساعدة من احد .. كان يتحسس برجله الدرجة الاعلى ويصعد عليها حتى وقف منتصبا فوق المنصة رغم سنواته ال(76).. الحبل يتدلى على جانبه .. مدير السجن يتلو امر تنفيذ الاعدام, وللغرابة طلب المكاشفى ان يلقى كلمته فأمسك الميكرفون وبدأ يسئ للآستاذ وافكاره واصفا له بهذا المرتد .. محمود يقف فى شموخ لم يهتز ولم يتزحزح .. ورفع الغطاء الاحمر عن رأس محمود والتفت الرجل نحو فؤاد الامين وابتسم .. وتصيب الربكة المجموعة .. فؤاد يتزحزح فى كرسيه وكاد يسقط .. عوض الجيد يكتب فوق قلبه (ن) عدة مرات وبسرعة .. النيل يخرج سبحته ويحتمى بها والمكاشفى يضحك فى عصبية .. يلتف الحبل حول رقبة محمود ومازالت على فمه بقايا ابتسامة .. يصيح رجل ذو لحية ( سقط هبل ) .. ويردد الهتاف بعض المحشورين .. يتدلى جسم الاستاذ بعد ان اسلم الروح .. وجهه مازال يتميز بذلك الهدوء العميق .. يعترض احد الجمهور على هذه المهزلة .. يسرع اليه رجال الامن ويقبضون عليه ويبدأون فى ضربه امام رئيس القضاء ويوقف الضرب القاضى محمد الحافظ ( عرفت فيما بعد ان الذى اعترض هو الاستاذ بشير بكار الدبلوماسى السابق واللآجئ السياسي حاليا بالولايات المتحدة ) .. يتحرك فؤاد الامين ومجموعته عبر سجن كوبر للخارج .. يمرون بزنزانات المعتقلين سياسيا الذين يتصاعد هتافهم ( محمود شهيد لعهد جديد ) (لن ترتاح يا سفاح ) ( مليون شهيد لعهد جديد ) ولم يغطى على هذه الهتافات حتى أزيز الطائرة الهيلكوبتر التى حملت جثمان الاستاذ محمود الى جهة غير معروفة حتى اليوم{2} .. وغابت شمس ذلك اليوم وغاب معها للأبد ذلك الزعيم الوطنى الذى كان كل مايملكه فى هذه الحياة بيت من الطين فى الحارة الرابعة فى المهدية بامدرمان صادره منه النميرى .
________________________________
{1} نشرتها صحيفة الفجر اللندنية فى 17 يناير 1999 فى باب ( من ذاكرة الشعوب .{المحرر}
{2} القيت الجثة من طائرة الهليوكوبتر فى وادى الحمار {الفجر }
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | حسن الجزولي | 01-16-04, 03:40 AM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | الطيب بشير | 01-16-04, 04:36 AM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | Yasir Elsharif | 01-16-04, 12:41 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | Elmosley | 01-16-04, 02:45 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | doma | 01-16-04, 02:57 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | jini | 01-16-04, 07:31 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | حسن الجزولي | 01-16-04, 10:45 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | ASAAD IBRAHIM | 01-17-04, 03:56 AM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | doma | 01-17-04, 03:52 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | Raja | 01-17-04, 04:12 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | NEWSUDANI | 01-17-04, 07:22 AM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | حسن الجزولي | 01-17-04, 12:33 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | Yasir Elsharif | 01-17-04, 01:54 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | doma | 01-17-04, 04:59 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | Yasir Elsharif | 01-17-04, 02:08 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | Tumadir | 01-17-04, 02:23 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | ABU QUSAI | 01-17-04, 03:38 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | HOPEFUL | 01-17-04, 04:29 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | خالد الحاج | 01-18-04, 02:27 AM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | د.أحمد الحسين | 01-18-04, 10:40 AM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | doma | 01-18-04, 01:02 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | elsharief | 01-18-04, 02:04 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | حسن الجزولي | 01-18-04, 04:00 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | kofi | 01-18-04, 06:17 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | حسن الجزولي | 01-18-04, 08:36 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | بشير عيسى بكار | 01-18-04, 09:59 PM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | حسن الجزولي | 01-19-04, 03:15 AM |
Re: أدق تفاصيل اعدام الشهيد محمود | رقية وراق | 01-20-04, 08:56 AM |
|
|
|