|
Re: هـل مـن سـبيل لجمـع الصـف الـوطـني ؟ حزب البعث العربي الاشتراكي (Re: حسين يوسف احمد)
|
أولاً : احتمالات التغيير وتبلور قوى اجتماعية جديدة:
أحدثت اتفاقيات السلام الموقعة في نيفاشا وأبوجا واسمرا تغييرات جوهرية في بنية النظام وتوجهاته . فالقوى التي كانت تحمل السلاح في مواجهته في الجنوب والغرب والشرق ، أصبحت جزءاً من النظام . وفقدت القوى السياسية الشمالية ، التي عملت على الاستقواء بتلك الحركات المسلحة ، خصوصاً الحركة الشعبية لتحرير السودان في إطار التجمع الوطني الديمقراطي ، حلفاء مهمين . مما أدى إلى انكشاف ظهرها ، وضعفها ، وهو ما أدى بها في نهاية المطاف إلى أن تتخلى عن استراتيجية الكفاح المسلح ، والتي كلفتها مساهمة رمزية في الحرب التي كانت تقودها أساساً الحركة الشعبية ، وتبني خيار التفاوض . وقد تجسد هذا الضعف في اتفاق القاهرة الذي وقعته هذه القوى مع النظام ومآلاته ، وفي اتفاق جيبوتي ، من قبل الذي وقعه حزب الأمة ، مدشناً خروجه من التجمع الوطني الديمقراطي .
هذا التطور في علاقات النظام بقوى المعارضة ، لاسيما المسلحة منها ، قد انعكس في تغيير توازن القوى في الساحة السياسية ، بشكل جذري ، مقارنة بالتطورات السياسية خلال الخمسين عاماً الماضية منذ استقلال البلاد . فقد حافظ النظام على تماسكه ، في حين كان ينتظر تفكيكه عبر الاتفاقات الثنائية آنفة الذكر . مثلما حافظ على هيمنته على الأوضاع في البلاد ، باستثناء الجنوب ، وهو ما قننته اتفاقية نيفاشا بشكل خاص . من ناحية أخرى ، كرست الاتفاقيات صعود القوى الإقليمية المسلحة وتراجع القوى السياسية الديمقراطية . فقد تحولت الحركة الشعبية إلى ثاني أكبر حزب سياسي في البلاد ، بعد المؤتمر الوطني ، فيما تراجع حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي ، ولأول مرة منذ الاستقلال ، إلى مرتبة متدنية في ترتيب القوى على الساحة السياسية . وهو الوضع الذي ينتظر أن تجرى فيه الانتخابات التشريعية والرئاسية ، بعد عامين ، وفق ما هو مقرر في اتفاقيات نيفاشا ، لغرض تكريس الوضع الراهن وإضفاء الشرعية عليه .
لقد لعبت الحركة الشعبية وحزب الأمة والاتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي ، من خلال الاتفاقات التي وقعتها مع النظام في نيفاشا وجيبوتي وجده والقاهرة على التوالي ، في إحداث تحول جذري في توجهات حركة المعارضة . حيث تراجعت أطروحة إسقاط النظام ، إلى القبول به كأمر واقع ، والعمل للتفاوض والحوار معه من أجل ضمان مشاركة تلك القوى في أطره التشريعية والتنفيذية .
شكلت اتفاقيات السلام ، بدءاً من اتفاق نيفاشا ، غطاءً لتسرب النفوذ الأجنبي للبلاد . والذي تعود جذوره القريبة إلى ارتباط استراتيجية الكفاح المسلح بدعم القوى الخارجية . ومن ثم ارتهان مصائر الحرب الأهلية في الجنوب أو في غيره من أجزاء البلاد بإرادة قوى الدعم الأجنبي . وهو ما وفّر لهذه القوى وأمّن لها إمكانية صناعة السلام ، عندما أصبح استمرار الحرب لا يخدم مصالحها وأجندتها . لذلك فإن العديد من القوى الإقليمية والدولية التي لعبت أدواراً مختلفة في فترة الحرب الأهلية في الشرق والغرب والجنوب ، عادت لتقوم بأدوار جديدة ، في مرحلة السلام وبما يعزز نفوذها في البلاد .
لقد حذّر حزبنا منذ العام 1995 في وثيقته الصادرة بعنوان ( نداء المسئولية الوطنية ) من انزلاق القوى المعارضة في رمال السياسة الدولية المتحركة ، ومن الاستقواء بالأجنبي تحت عناوين الاستشارة والوساطة ، والرعاية أو الإشراف على عملية التفاوض مع النظام وضمان ما يتم الاتفاق عليه ، باعتبار أنها مداخل للنفوذ الأجنبي ، الإقليمي والدولي . وقد قننت اتفاقات السلام هذا النفوذ الأجنبي في وجود محسوس أبرزه القوات المتعددة الجنسيات المناط بها حفظ السلام في الجنوب وفي دارفور . ولا زالت العديد من القوى السياسية ، بسبب من ضعفها المتأصل تراهن في صراعها مع النظام ، على هذه القوى الأجنبية . وقد بدا ذلك واضحاً إبان أزمة القوات الدولية المقرر نشرها في دارفور . حيث انحازت بعض القوى بشكل مكشوف وغير مبرر لموقف الولايات المتحدة التي تصدرت الدعوة لنشر تلك القوة في دارفور .
وخلال تلك الأزمة ، بدأت الأوساط ، تتداول ولأول مرة ، منذ التوقيع على نيفاشا ، حول احتمالات تغيير النظام ، بشكل جزئ في إطار الحديث حول مواجهة محتملة مع المجتمع الدولي ، بسبب رفض النظام للقرار الدولي رقم 1706 القاضي بنشر قوات دولية في دارفور تحل محل قوات الاتحاد الإفريقي . غير أن ذلك التغيير ، بقي مرتهناً بفعل القوى الخارجية ، والولايات المتحدة الأمريكية أساساً ، في سيناريو شبيه بما حدث في العراق وأفغانستان . ومع تراجع هذا الاحتمال ، فإن الدور الذي كان يفترض أن يقوم به المكون المحلي ، كان متواضعاً. إذا تم الأخذ في الاعتبار مجمل أنشطة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني ، المرتبطة بتوجهات القوى الدولية ، خلال فترة الأزمة ، والتي ربما اتخذت مثالاً لها الثورة البرتقالية في أوكرانيا .
مع ذلك ، سيبقى العامل الخارجي ، واحداً من المؤثرات المهمة في اتجاه التغيير ، مأخوذاً في الحسبان ، اختراق النفوذ الأجنبي للساحة السياسية ، وتناميه المتزايد والمؤثر في حركة غالب القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني ، وهي الشكل الأكثر بروزاً للتوسط بين قوى التدخل الدولي من جهة والساحة السياسية من الجهة الأخرى . مع مشاركة أطياف المعارضة أو توجهها للمشاركة في النظام ،/ كخط استراتيجي ، فإن الصراعات الجزئية مع النظام حول تنفيذ اتفاقيات السلام والمصالحة ، لم تعبر عن أي توجه جدي نحو إسقاط النظام وإن تدثرت بمثل هذا الشعار ، مما أفقده مضمونه . وافتقدت الحركة الجماهيرية ، بالنتيجة الرؤية والقيادة الميدانية والاستراتيجية . وهو وضع بدأ مع انتقال مركز القيادة للخارج وما رافقه من رهان على حدوث التغيير مما وراء الحدود ، بعيداً عن فعل الجماهير ونشاطها ..
غير أن ضعف التعبئة الشعبية نحو إسقاط النظام عن طريق الانتفاضة الشعبية والعصيان المدني ، نتيجة انخراط القوى السياسية الرئيسية في ماراثون المشاركة في النظام ، لم يعطل واحداً من الاحتمالات التي تطرحها التجربة السياسية في كثير من البلدان ، وهو انهيار النظام من داخله كما حدث في الاتحاد السوفيتي . لقد مر نظام الإنقاذ بعديد من المراحل منذ عام 1989 ، وشهد تغييرات مهمة على رأسها الانقلاب الداخلي الذي أطاح بالدكتور حسن الترابي مهندس الانقلاب . وظلت احتمالات تجدد صراع العسكريين والمدنيين ومراكز القوى المختلفة في النظام وتفجرها واردة . ورجحت إبان أزمة القوات الدولية احتمالات صراع بين الرئيس ونائبه . وإن لم تؤد نتائج ذلك الصراع الصامت إلى دراما شبيهة بما حدث في الصراع الأول بين القصر والمنشية . إلا أنه قد تمخض عن تعزيز سلطة الرئيس بصورة أكبر من ذي قبل . بحيث دفع بالبعض إلى توقع أن يتجه نحو عزل الإسلاميين والانفراد بالسلطة ، بدعم من العسكريين .
من الواضح أن البلاد تمر بمرحلة انتقالية ، تتسم بالضبابية ، التي تحجب إمكانية تبلور القوى وفرز الخنادق ، وتحديد الشعارات . ولازالت قطاعات واسعة من الجماهير ، وبفعل الدعاية السياسية ، ترهن مطالبها بهذا الاتفاق أو ذاك . وتتوزع ولاءاتها ، بناء على ذلك على عدة قوى مرتبطة ، بصورة أو أخرى بالسلطة أو تتطلع إليها ، مما يعوق ميلاد جبهة عريضة لقوى المعارضة ، ويقتضي الأمر انتظار بعض الوقت لبناء هذه الجبهة عبر جهد دؤوب وصبور ، بالتزامن مع المستجدات المواتية على المستوى المحلي والعالمي لقد أصبح العامل الخارجي مؤثراً مهماً في الأوضاع الداخلية ، مما يحتم أخذه في الاعتبار ، في إطار أي تصور للتغيير ، من أي جهةٍ كان ، سلباً أو إيجاباً .. كما أن الفرز والاستقطاب ، القبلي والأثني والإقليمي ، والذي يسم مجمل الصراعات داخل النظام وخارجه ، والذي أضعف الحركة السياسية التقليدية ، بما طرحه من بدائل تعتمد العنف أسلوباً لتحقيق أهدافها ، قد ألقى بظلاله السالبة على الساحة السياسية ، وعلى الحراك الديمقراطي بمجمله . وفي الوقت نفسه ، أدى غياب الديمقراطية ، بالرغم من وعود اتفاقيات السلام ، إلى إعاقة نمو حركة مطلبية شعبية ، تعبر عن نهوض الحركة الجماهيرية وتعافيها وتحررها من الارتهان إلى النظام أو إلى المعارضة المستأنسة في إطاره . إذ يرتبط التغيير في نهاية المطاف بنشوء وتبلور قوى اجتماعية جديدة ، وفعالية هذه القوى في إطار برنامج سياسي واضح المعالم .
نـواصل >>>
|
|
|
|
|
|
|
������� ��������� � ������ �������� �� ������� ������ ������� �� ������
�������
�� ���� �������� ����� ������ ����� ������ �� ������� ��� ���� �� ���� ���� ��� ������
|
� Copyright 2001-02
Sudanese
Online All rights
reserved.
|
|