باريسيات ٣

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 09:33 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-16-2009, 08:55 AM

محمد بدوي مصطفى
<aمحمد بدوي مصطفى
تاريخ التسجيل: 08-12-2009
مجموع المشاركات: 442

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
باريسيات ٣

    بارسيسات (&#1635;)

    د. محمد بدوي مصطفى الشيخ
    أستاذ اللسانيات والأدب بجامعة كونستانس (ألمانيا)
    [email protected]

    قبل أن أبدأ حديثي معكم في هذه الحلقة من باريسيات (&#1635;)، أريد أن أعود بعجلة الزمن إلى الوراء وأن أخبركم بسبب كتابتي لهذه المقالات ذات النَفَس الذاتيّ، لاسيما وأنني عزفت عن التطرق إليه وضربت الطناش، كما لاحظتم، في أول حلقة (باريسيات (&#1633;)).
    سألني غير واحد من أهلي وإخواني أن يكون لي تجربة في أدب السيرة كتلك التي لطه حسين في الأيام، الطيب صالح في موسم الهجرة إلى الشمال، يحي حقي في قنديل أم هاشم وتوفيق الحكيم في عصفور من الشرق. كذلك ألحّ عليّ أفراد أسرتي وأصدقاء الدرب الليوني العسير و"عكلتوا" في في سؤالهم وأيّة عكلتة، حتى إذا كان لي أن أشرع في هذا وجدتني، على حد قول أستاذنا طه حسين في أيامه، أبدأ مشوارا طويلا لا أملك من أسبابه الكثير. لقد عدت في هذا الذي أبسطه بيد إيديكم هنا، أطال الله في عمركم إخوتي، في قراطيسي وأوراقي إلى مخزن الذكرى ومخزون الذاكرة، وإلى ما كان لديّ من محاولات وكتابات صغيرة قد تناثرت هنا وهناك بين مسكني القديم في مدينة ليون ومقامي الحالي في مدينة كونستانز، تلك المدينة الساحرة، التي ترقد على بحيرتها كالهمزة على سطرها، في أقصى دنيا ألمانيا:
    لم أترك كرتونة كتب أو كيس أو درج قد تكدست فيه صحائفي المسجونة، منتظرة بذوغ شمس حرية التعبير، لكي تنطق فاصحة عن ما بدخيلتها وعن ذكرى ماض أكل عليه الدهر وشرب، وإلا فتحتها. صلت وجلت في مخزني معلنا حملة فتح الإكياس والأوكار القديمة كمشعوذ يبحث عن ثعابين في كل جحر. فالقصاصات تكاثرت والمواضيع تشعبت لذلك رأيت أن أجعل من باريسياتي، حلقات متسلسلة في شكل عقد أقصوصي فريد، ليته يشابة العقد الفريد لابن عبد ربه.

    فاسمحوا لي أن أعود بكم الآن إلى مطار شارل ديغول مرّة ثانية!
    هل تتذكرون ما حدثتكم عنه في الحلقة السابقة من باريسيات (&#1634;)؟
    سردت لكم، أطال الله في عمركم، عن تجهجه وتسربع وحيرة هذا الطفل الشاب في مطار &#1645;شر دخول&#1645; باحثا عن "مخرج آمن". وكما تعرفون سلفا فقد شددت الرحال لتلك البلاد الساحرة وأنا في عمر الزهور خارجا من بلدي "برأس حنين" و"بشنطة حمزة".
    وبعد أن لفظت بجملتي التي تعرفونها: "يا كافي البلا البلد دي مافيها ريحة سوداني واحد"؟
    أنزل الله لي الأخوين السودانيين وكأنما داعب لساني في تلكم اللحظة زجاجة سحرية ونطق بكلمة سحر، كتلك التي نعرفها في أدبنا العربي: "أطلع يا سمسم" أو في أدبنا الشعبي "شخارم بخارم" أو "أشبيك لبيك سودانيين بين إيديك"!
    بدا لي الرجلين عن قرب كأنني أحمل منظارا مكبرا. وقفت أمامهما مهلوسا وموسوسا تارة ومهللا ومكبرا تارة أخرى.
    فحركتهما وهما يتقدمان أمامي، أوحت لي بمدى ثباتهما في بلاط شارل ديغول الأملس، فادخل هذا المشهد السكينة إلى قلبي. تقدمت نحوهما بحذر سائلا متلهفا:
    - إنتو سودانيين؟
    - نعم!
    - إنت ود منو؟
    - ود بدوي مصطفى
    - مالك واقف هنا؟ عندك مشكلة؟
    فحدثتهما عن حالي وأحوالي ...
    قال لي أحدهما، والذي صار بعد &#1633;&#1640; سنة من تلك اللحظة من أعز أصدقائي، ألا وهو الأخ الفاضل محمد الأمين بخيت.
    - لقد رأيتك بالأمس في بنك البركة مع أبيك!
    - نعم، كنت أريد حينها استخراج شهادة المقدرة المالية لمتابعة إجراءات السفر.
    قال لي وبدون مقدمات ضاغطا على يدي كتلة ما، ضاما يده إلى يدي بقوة!
    - خذ هذا المبلغ وخذ هذا!
    - ماهذا، أطال الله في عمرك؟
    - حجز بفندق مونبرناس بقلب مدينة باريس.
    - وأنت؟
    - سوف أذهب مع رفيقي إلى الهولدي ان قرب المطار. فتعال معنا نحتسي كأسا من القهوة هناك وبعد ذلك يقلك التاكسي إلى الفندق.
    كادت دموعي تجري من شدة المدّ والجذر النفسي الرهيب اللذان أصاباني في تلك اللحظة "وأحسست بدفأ الحياة في العشيرة"، كما ذكر الطيب صالح في موسم هجرته إلى بلاد الغرب، لحظة رجوعه إلى البلد.

    بعد أن رافقت صديقيّ إلى الهولدي ان، أقلني التاكسي إلى فندق مونبرنساس.
    في الطريق عبر شوارع باريس الفارهة، قلت في نفسي.
    - ما أعظم هذا البلد:
    نظام، تناسق، جمال، عظمة، نظافة، أبه، توافق، روعة، بداعة، لمعان، بهرجة، يا للمناظر البديعة ويا لجمال الطبيعة في بلاد الجن والملائكة.
    فلفظت بجملة جدتي، "قادر الله في ملكه"! وتذكرت حينها القولة المشهورة: "وجدت الإسلام ولم أجد المسلمين"...
    وصلت الفندق واصطحبني موظف الإستقبال المتحنكش، بأدب جمّ، إلى غرفتي.
    - هل تحتاج إلى أيّ شي؟
    قالها بفرنسية "أساسية" عجزت نيرونات مخيخي أن تستوعبها في حينها.
    أجبت بانجليزية مكسرة:
    - كل شئ على ما يرام.
    وسككت الباب من دوني وبدأ الحُلم الباريسي يتدفق ...

    حُلم عرفته طيلة سنوات الدراسة في مدرسة المؤتمر الثانوية بامدرمان. كنت أحلم مع رفاقي أمير سربون، محمد سرالختم السنوسي وغيرهم من أباليس اللغة الفرنسية عن باريس وعن فرنسا. وكنا نتبارى في "تحريك اللغة" على حدّ قول صديقي المشوطن أمير سربون، بلهجته الحلوة وحركاته العباسية المتوزوزة.

    كان أستاذ عزالدين، أستاذ اللغة الفرنسية في المدرسة، يحدثنا عن رقي ورقة الفرنسيين وعن أدبهم الجمّ وحضارتهم الرفيعة، وكان يكرة بشدة جلافة السودانيين بالذات هؤلاء من "رواد العماري" بسوق الشمس وحجاج "نوداي البلح الرياضية" بقلب العباسية. کان يقارن ويزعل ويسبّ ويضرب الأمثال بلا انقطاع وكل ذلك في هدوء تقطعه في طرفة عين نرفزة جنونية.
    كان يقول:
    - إنتو عارفين يا أولاد، الفرنسيين ديل زيهم مافي في العالم كلو. ديل "عملة صعبة". أناقتهم فوق التصور وجمالهم فوق العادة. حبهم للعمل والطبيعة والنظافة بلا حدود. ديل ناس حلوين حلاة شديدة. بناتهم شعورهن ذي ضنب الحصان، ما عايزه لا ودك، لا كركار ولا زيت سمسم. لمن تمشي في الشانزليزه، أحلى شوارع العاصمة الفرنسية، ما بتقابك بتاتا يافطة مكتوب فيها "ممنوع البول" مصحوبة بنسمة بولية جمارية تكتم الانفاس، بعيد عنكم. ففي شوارع باريس تشم العطور مما تركه المشاة على أرصفتها من مسك وهلم جرّ، شي إيف سان لوران، شي كرستيان ديور، شي برادا وشي شانيل. واللبس خليه ساي! قادر الله!

    كنت أرى في حديث أستاذي متعة وسلاسة وخصوصا لأنه ينقلنا في رحلة خيالية إلى هذا العالم السحري المجهول لأطيفال مثلنا، في سنّ يافعة، ممن يتعطشون للمعرفة وارتياد مجاهيل بعيدة. فكنت دائما أنتظر درس اللغة الفرنسية بفارق الصبر لأعيش الرحلة السحرية وميتامورفوز اللحظة، كما عاشها جوتة بزمانه، وكثير من أدباء الغرب. هم عاشوا الرحلة إلى الشرق بروحهم بيد أن أقدامهم لم تطأ أرض الشرق إطلاقا.

    كان حديث أستاذي يذكرني بروح أستاذنا البروفسير محمد الواثف في قصيدته أمدرمان تحتضر. فالواثق، كاستاذ عز الدين، يتحدث في قصيدته بكثرة عن الحياة الرغدة في أروبا وعن حبيبته مونيك ويسب أمدرمان واصفا لها بكل قبيح، فيقول:
    ألا حبذا أنت يا امدرمان من بلد&#1645;أمطرتني نكدا لا جادك المطر (...)
    ولا أحبّ بلادا لا ظلال لها&#1645;يظلها النيم والهجليج والعشر

    وماقاله الواثق وأستاذ عزالدين نجده يناقض ما قاله الأستاذ الحردلو في قصيدته المعروفة "نحن":
    - أنحنا الساس ونحنا الرَّاس ونحنا الدنيا جبناها ... وبنيناها ... بويت في بويت.

    كان أستاذ عز الدين يتتريق ويستنكر قول الحردلو ويصفه بمرض "اللحس العقليّ".

    - والله يا أولاد الحردلو ده لو طلّعناه من التُّكُل القاعد فيهو ده، ووديناهو يوم كدي باريس، لأصابه "جنون البقر". ساس منو وراس منو؟ أمشو كدي ورا سينما الوطنية أمدرمان وشوفوا الساس ولحم الراس. شوفوا المعمعة الشديده"!
    طبعا كان يلمح بالمناظر الفظيعة والروائح القذرة والخريات المترامية بين "قاطعي الجمار" المتناثرين كالذباب بين يافطة الفيلم الهندي وطبلية التبش بالشطة... منآظر بشعة، مش كده بالله؟!

    وتتابعت الأحلام في تلك الليلة الباريسية الرطبة وكأنها شريط سينمائي ينقلني بعجلة الزمن إلى دنيا الماضي (ريتروسبكتيف). مددت صفحتي على سرير الدبل الطري ورحت في آخر نومة...

    إنتظروني في الحلقة القادمة

    باريسيات &#1635;
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de