عبدالرحمن الزومة..مسؤول الاعلام الدولي

Quote: مستشار التحرير: التصنيف السياسي التاريخي للآخر د. ياسين حسن بشير تنتشر في المجتمع السياسي السوداني ظاهرة التصنيف السياسي للآخر وفق تاريخه السياسي حيث يسيطر الماضي على العقلية السياسية ويبلور داخلها نظرية «الأختام السياسية» التي تعني أن المجتمع السياسي يختم كل شخص يمارس العمل السياسي بختم لا يمكن إزالته مهما حدثت تغيرات في قناعاته الفكرية ومواقفه السياسية بسبب عوامل ذاتية تتعلق بذلك الشخص أو موضوعية تتعلق بالواقع المحيط به… وفي تقديري أن سيطرة هذه النظرية على العقلية السياسية السودانية قد أعاقت وما زالت تعيق العمل التحالفي في السودان وتعرقل أي مساعٍ للإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي التدريجي طويل المدى لأن الكل يتخندق في موقعه التاريخي ويرفض الآخر الذي هو أيضاً يتخندق في موقع تاريخي آخر… وهذا بدوره أسهم في تغذية الفكر الشمولي في السودان والنزعة إلى التغيير السياسي الراديكالي الحاد بأسهل الطرق وهو طريق الانقلاب العسكري. وبغرض التوضيح وتجسيد المسألة التي أود أن أتحدث عنها أورد المثالين التاليين كنموذج لنظرية «الأختام السياسية»:- * المثال الأول: هو مقال تعقيبي سطره السيد/ محمد علي المحسي لخص فيه رأيه في منبر السودان الذي دعا له الأخ/ عثمان ميرغني ونشر بصحيفة «الصحافة» العدد رقم 4667 في 5 يونيو 2006م داخل المساحة الخاصة بعمود مسارب الضي... وجاء في التعقيب النص التالي:- «لقد درج الأستاذ/ عثمان ميرغني على الثناء على الأنظمة الحاكمة الدكتاتورية في كتاباته في صحيفة «الرأي العام» ابتداءً من المرحوم عبود ونهاية بالإنقاذ...الخ» وأضاف السيد/ المحسي:- «أذكر كذلك أن الأستاذ كان أيام الدراسة أحد الذين استخدموا العنف مع زملائه في الحركة الطلابية تحت راية الأخوان المسلمين...الخ». وواصل السيد/ المحسي حديثه قائلاً:- «إلى ذلك فإن الأستاذ/ عثمان لم يشرْ في حديثه ومنبره إلى اتفاق نيفاشا وإلى ضرورة إلغاء أو تعديل القوانين المقيِّدة للحريات التي تتناقض مع الاتفاقية ومع التحول الديمقراطي، ولم يشرْ لقضايا المفصولين بالجملة ولا لتعديل الخدمة العامة ولا لإخضاع جهاز التخويف الأمني للتغيير (جهاز الأمن) وغيرها من القضايا الأساسية المعلقة...الخ» * المثال الثاني: هو مقال للسيد/ عبد الرحمن الزومة نشر بصحيفة «السوداني» العدد رقم 248 بتاريخ 15 يوليو 2006م ويدور حول تداعيات إيقاف صحيفة «السوداني» ليوم واحد... وقال السيد/ الزومة ما يلي:- «ومن الملاحظات الجديرة بالنظر في هذه المسألة أن الذين ينتقدون سجل الحريات تحت ظل الإنقاذ هم مجموعة من الإسلاميين وبعض الشيوعيين. ولئن دافع الإسلاميون عن الحريات فذلك أمر طبيعي لأن الحرية في الفكر الإسلامي أصل أصيل وركن ركين. ولكن عندما يتصدى الشيوعيون لهكذا قضية فاعلم أن هناك (إن)... الخ». ويضيف السيد/ الزومة قائلاً:- «إن الذين قادوا حملة تأميم الصحف في أوائل العهد المايوي الأحمر ورفعوا شعار (لا حرية لأعداء الشعب) لا يمكن اليوم أن نفهم أنهم حريصون على حرية التعبير، والذين هتفوا في شوارع الخرطوم صباح 20 يوليو 1971م (سايرين سايرين في طريق لينين) و(لا إسلام بعد اليوم) لا يمكن أن نصدق تباكيهم على الحريات الصحفية حتى ولو بكوا عليها بـ (دمع الدم)». من خلال القراءة المتأنية والعميقة لهذين المثالين تتجسد أمامنا إشكالية التصنيف السياسي التاريخي للآخر، وقبل أن أسترسل في الحديث أود أن أسجل حقيقة محورية تمثل قاعدة لما سأقوله. إن المجتمع السوداني كمجتمع متخلِّف يحمل في تركيبته قدراً كبيراً من النزعة القهرية التسلطية فإذا راجع كل منا سلوكه بأمانة فسيجد أن هناك بذرة قهر تسلطي في دواخله تبرز في سلوكه داخل أسرته، أو في مكان عمله أو داخل حزبه أو في المؤسسة الأهلية التي ينتمي إليها سواءً كانت جمعية خيرية أو نادياً رياضياً أو غير ذلك... وبالطبع يختلف حجم هذه البذرة من شخص إلى آخر ولكن كاذب من يقول إنه لا يحملها على الإطلاق... وهذه البذرة تمثل التربة الخصبة لنمو الفكر الشمولي والفكر الإنقلابي والفكر التآمري في المجتمع السياسي... وأسوأ مظاهر كل ذلك تتجسد في ظاهرة احتقار الآخر التي تنتشر بيننا بشكل مزعج ومخيف... إذا قبلنا هذه الحقيقة الأساسية فسيساعدنا ذلك في القناعة بأننا جميعاً مرضى بدرجات متفاوتة وواهم من يقف بيننا ويدعي أنه معافىً تماماً وديمقراطي حتى النخاع. ومسؤولية مكافحة هذا المرض هي مسؤولية تضامنية بين جميع القوى والعناصر السياسية السودانية... القناعة بذلك مهمة وضرورية في هذه المرحلة... مرحلة التحول الديمقراطي والإصلاح السياسي لأنها ستسهم في محاربة ظاهرة احتقار الآخر... فلا تحول ديمقراطي في ظل سيادة روح احتقار الآخر. في إطار هذه المقدمة النظرية المبسطة أعلق على ما ورد بالمثالين الذين أوردتهما... فإذا تناولنا تعقيب السيد/ محمد علي المحسي فسنجد أن خلاصته هو أن الأخ/ عثمان ميرغني يحمل تاريخاً سياسياً أسود وعليه أن يقدم شهادة حسن سير وسلوك سياسي قبل أن يقود منبر السودان... وأقول -ومع احترامي للسيد/ المحسي- إن القضايا الرئيسة والمحورية للشعب السوداني الآن هي الديمقراطية والتنمية الشاملة والسلام... وتحت كل قضية من هذه القضايا الثلاث هناك قضايا تفصيلية عديدة ومتفرعة... ونحن في هذه المرحلة يجب علينا أن لا ننظر فقط إلى القضايا الرئيسة الثلاث وإنما ننظر إلى القضايا الفرعية التفصيلية التي تأتي تحتها... فإذا أخذنا قضية الديمقراطية كمثال، فالديمقراطية هي قيمة سياسية ونظام حكم سياسي... فإذا افترضنا أن الأخ/ عثمان ميرغني لا يقف مع الديمقراطية كنظام حكم سياسي ويؤيد نظام الحكم الشمولي ويعتقد أنه من الممكن سيادة الديمقراطية في ظل نظام شمولي... فأنا لا أقول له هنا إما أن تؤمن بالاثنين معاً أو أنك ضد التحول الديمقراطي، وإنما أدعمه وأدفعه إلى الأمام وأقبل أن يقف بجانب الآخرين الذين يؤمنون بكل أو ببعض فروع القضية الديمقراطية. وكذلك بالنسبة للأخ/ عثمان ميرغني كان يمارس العنف السياسي في مرحلة الدراسة... فإذا اقتنع اليوم الأخ/ عثمان ميرغني بالحوار السياسي كبديل للعنف السياسي فليقف مع معسكر الداعين لمحاربة العنف السياسي وليس من المقبول أن نقول له ليس لك مكان في هذا المعسكر لأنك قد مارست العنف السياسي في عام كذا. فإذا ظهر غداً شخص قادم من قلب المؤتمر الوطني وقال إنه مع المؤتمر الوطني ومع الحركة الإسلامية ولكنه ضد الفساد في جهاز الدولة مثلاً ويرغب في تكوين منبر فقط لمحاربة الفساد... فهل نقول له لا مكان لك في خندق محاربة الفساد إذا لم تأتنا بشهادة إخلاء طرف سياسية من المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية؟ في تقديري أن مثل هذا الشخص علينا أن نرحب به وندعمه لأن موقفه يسهم في معالجة قضية فرعية تأتي تحت إحدى القضايا الرئيسة الثلاث وهي قضية التنمية الشاملة. وإذا انتقلنا إلى المثال الثاني الخاص بمقال السيد/ عبد الرحمن الزومة... فأقول للسيد/ الزومة إنني كنت وما زلت معارضاً للحركة الإسلامية وللإنقاذ ولكنني سأفرح ولن أغضب إذا جنحت الإنقاذ والحركة الإسلامية بأكملها نحو الديمقراطية... فكما قال في مقاله إن الإنقاذ لن تتراجع عن الحريات فهذا أمر يفرحني لأنه ليس هناك عاقل يسعى للديمقراطية في السودان وفي نفس الوقت يسعى لأن تتراجع الإنقاذ عن الحريات وعن التحول الديمقراطي بل على العكس نحن نسعى يومياً بالنقد الصريح والواضح لدفع الإنقاذ لمواقع أكثر تقدماً في مجال الحريات والتحول الديمقراطي عموماً. وبنفس المستوى أعتقد أن على السيد/ عبد الرحمن الزومة بوصفه رجلاً إسلامياً مؤيداً للإنقاذ أن يفرح لأن الشيوعيين عتاة الشمولية قد أصبحوا من دعاة الحريات والمدافعين عنها وليس العكس، لأن التحول الديمقراطي لا تنجزه الحركة الإسلامية وحدها وإنما جميع القوى والعناصر السياسية السودانية... فهل سيفرح السيد/ عبد الرحمن الزومة إذا رفع الشيوعيون السودانيون مرة أخرى شعار دكتاتورية الطبقة العاملة والتأميم والمصادرة؟ والغريب في حديث السيد/ الزومة الذي أثار انتباهي هو أنه قد استخدم أسلوب التصنيف السياسي التاريخي استخداماً مركباً... فهو استخدمه لتبرئة الإسلاميين وتمجيد الفكر السياسي الإسلامي وفي نفس الوقت لتجريم وإدانة الشيوعيين بالرغم من أننا نعلم أن دولة الإسلام السياسي الحديثة منذ الدولة العثمانية وحتى الآن هي دولة قهرية متسلطة لم تعرف الحريات بمعناها الليبرالي مثلها مثل الدولة الشيوعية التقليدية، ولكن هذا لا يعني أننا نرفض جنوح حركة الإسلام السياسي في السودان نحو التحول الديمقراطي الحر وتمسكها بالحريات استناداً على ذلك التاريخ. خلاصة ما أود أن أقوله في هذا المقال هو إن المداخل إلى فضاء التحول الديمقراطي هي مداخل متعددة ومتنوعة منها الرئيسي الواسع ومنها الفرعي الضيق... وعلينا أن لا نغلق الأبواب الفرعية الضيقة ونطلب من الجميع الدخول من الأبواب الرئيسة أو البقاء خارج فضاء التحول الديمقراطي... فلنفسح الطريق للجميع ليدخلوا إلى فضاء التحول الديمقراطي كل حسب رؤيته وقدراته... وأثناء التطور السياسي المستمر والعمل السياسي والفكري الجاد سيصل الجميع إلى مرحلة وضع قيم ديمقراطية راسخة يتراضى حولها الجميع بمختلف رؤاهم الفكرية والسياسية. علينا جميعاً إن كنا حريصين على إنجاز تحول ديمقراطي حقيقي أن نتجاوز حالة التقوقع الحزبي الضيق وعقلية «تمجيد الذات واحتقار الآخر» وأن نستوعب التغيرات الفكرية والسياسية التي تحدث على مستوى الأفراد والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحدث على مستوى الوطن ومحيطه الإقليمي والمحيط الدولي والتي تستدعي إبداع وابتكار أدوات وأساليب تحليل سياسي حديثة تتناسب مع روح وطبيعة هذا العصر الذي نعيشه