مايكل جاكسون...الوجه الآخر!.

Quote: واشنطن: محمد علي صالح ظاهرة مايكل جاكسون، قد لا تتكرر. هذا الرجل الذي رحل مغلفا بالأسرار، عاش حياة لا تقل غموضا عن وفاته. عرفه العالم صغيرا، وعشقه ملايين البيض والسود حول العالم، وبقي مدهشا وصاخبا ومؤثرا، وكأنما في عبقريته سر، ووراء نجاحه وصفة يصعب تفسيرها. فكيف استطاع مايكل جاكسون، أن يستحوذ على قلوب الملايين، وأن ينقلب على مدارس موسيقية متجذرة قبله؟ وكيف غير مفهوم الناس للموسيقى؟ بعد يوم واحد من وفاة المغني الأميركي مايكل جاكسون، قال القس الأسود شاربتون، وهو من قادة الأميركيين السود، وصديق لعائلة جاكسون: «أكبر نجاح لمايكل ليس في عدد الأسطوانات التي باعها، وليس في عشرات الملايين من عشاق أغانية داخل وخارج أميركا. أكبر نجاح هو أنه وضع الثقافة فوق العرق. لم يقل أبيض إنه لا يحب أغانيه لأنه أسود. ولم يقل أسود إنه يجب أن يكون فنان السود فقط«. وأضاف شاربتون: «قبل أن يكسر تايغر وود حاجز اللون في المجال الرياضي، ويفوز ببطولات في الغولف، وقبل أن يكسر باراك أوباما حاجز اللون في السياسة ويفوز بالبيت الأبيض، كسر مايكل جاكسون حاجز اللون في المجال الثقافي». لكن ما هو سر نجاح مايكل جاكسون؟ حتى الآن، صدرت عشرة كتب تقريبا عن مايكل جاكسون، بعض منها ناقش ظاهرة هذا الرجل، الذي رغم مشكلاته الشخصية، ساعد في أن يقرب بين السود والبيض، وبين أميركا والعالم، وبين الغناء الفردي والفيلم السينمائي. على غلاف كتاب «مايكل جاكسون: المؤامرة»، نشاهد صورة عملاقة للرجل، ونشاهد يديه ممتدتين على جانبيه، ورأسه ملقى نحو الخلف، ودما ينزف من فمه، وكأنه ميت. صورة قريبة من صورة عيسى المسيح وهو مصلوب. وقد انتقد هذا الكتاب الصحافيين، وقال إنهم اهتموا بالحياة الشخصية للرجل، وقادوا «مؤامرة لتدميره». وقال الكتاب أيضا إنه: «خلال السنوات العشرين الماضية، ظهرت علاقة حب وكراهية بين مايكل جاكسون والصحافيين. فمن جانب، الرجل مشهور وثري، ومن جانب آخر، مصاب بالنرجسية، وربما الطفولية. لكن الصحافيين، تندروا على لونه الأسود، ثم على لونه الأبيض. وتندروا على ميوله الجنسية نحو البنات، ثم على ميوله الجنسية نحو الأولاد». وأسهب الكتاب في الكلام على التغطية الصحافية المكثفة لمحاكمة جاكسون، بتهمة الاعتداء الجنسي على صبي، كما تحدث عن كيفية إنجابه لأطفاله. وسر ملابسه العسكرية ونياشينها وشرائطها ونجومها، وصوته شبه النسائي. وقال الكتاب: «أهمل الصحافيون الدور التاريخي لمايكل جاكسون في تحسين العلاقات بين البيض والسود، ليس فقط داخل أميركا، ولكن خارجها أيضا». وأشار الكتاب إلى الآتي: أولا: حول جاكسون فن «البوب» (الغناء الجماهيري) من أبيض بقيادة الفيس بريسلي إلى أسود بقيادته. ثانيا: تزوج «بريسلا»، بنت بريسلي، وقال إن الحب لا يعرف الألوان «رغم أنها رفضت الإنجاب منه، ربما خوفا من مولود نصف أسود ونصف أبيض». ثالثا: غنى أغنية «لا أبيض ولا أسود» ليؤكد عدم اهتمامه بالأعراق والألوان. رابعا: غنى أغنية «نحن العالم»، كدليل على أحاسيسه الإنسانية، وأحاسيس الفنانين الذين اشتركوا معه، في مساندة الجوعى والمرضى في أفريقيا. خامسا: لم يغن أغنية واحدة يفهم منها أنه يشجع على عنف، أو جريمة، أو حرب. حاول كتاب آخر، صدر عن هذا الفنان الكبير عنوانه «مايكل جاكسون: الموسيقى» إنصاف الرجل. وقال إن له جانبين: أولا: فني، حيث أبدع موسيقيا، وصار من أشهر الناس في العالم. ثانيا: أخلاقي، حيث يبدو أنه فشل بسبب مشكلاته الجنسية والعائلية. وقال الكتاب إن المعجبين ركزوا على الأغاني، بينما ركز الصحافيون على السلوك. وسأل الكتاب: أيهما أهم، الترفيه أم الأخلاق؟ وأجاب بأننا أمام احتمالين: أولهما، أن الأخطاء الأخلاقية لشخص لا تقلل من قيمة إبداعه الفني وإنجازه الثقافي. والثاني أنه لا يمكن فصل الأخلاق عن سلوك الفنانين والسياسيين والعلماء. وخلص الكتاب إلى أن التاريخ هو الذي يصدر الحكم النهائي. وضرب أمثلة هنا بعضها: كان جفرسون (كاتب الدستور الأميركي) يملك عبيدا وعبدات. وكان أوسكار وايلد (أديب أيرلندا المشهور) مصابا بالشذوذ الجنسي، وسجن بسبب ذلك. أما روزفلت فكان من أشهر رؤساء أميركا ويخون زوجته مع سكرتيرته. وخلص الكتاب إلى أنه بمرور الزمن سينسى الناس عيوب مايكل جاكسون، ولن يتذكروا غير إبداعاته. لهذا، ركز الكتاب على إبداعات جاكسون، منذ البدايات، وقال: «في نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1967 دخل مايكل جاكسون، ولأول مرة، استوديو لتسجيل أغنية مع إخوانه، وكان عمره تسع سنوات. وبعد سنتين، سجل مع أشقائه، الأكبر منه سنا رقما قياسيا في بيع اسطوانة «أي ونت يو باك» (أريد أن تعود لي). ثم بدأ يتسلق سلم الشهرة حتى باع 750 مليون اسطوانة وشريط وقرص». وقال الكتاب: «ليس كل الذين اشتروا هذه المنتجات أغبياء، أو مجاملين، لا بد أن في موسيقى جاكسون ما يجعلهم يصرفون كل هذه الملايين عليها». إذن ما سر هذه الموسيقى التي دوخت الملايين؟ قسم الكتاب موسيقى جاكسون إلى أربع مراحل: الأولى «موتاون» (أغاني الفرقة الأولى على مسرح أبولو في نيويورك). الثانية: «سي بي اس» (عندما بدأت الفرقة تغني في هذه القناة التلفزيونية). الثالثة: «سونيك» (عندما أدخل جاكسون الأجهزة الموسيقية الحديثة). الرابعة: «ام تي في» (عندما استغل جاكسون قناة تلفزيون الأغاني هذه). الخامسة: «فيديو كليب» (عندما صار يخرج فيلما سينمائيا قصيرا عن كل أغنية يغنيها). ركز كتاب آخر عنوانه «مايكل جاكسون على المسرح» على إسهامات جاكسون في تطوير الأغنية الأميركية (والعالمية). وشرح مراحل التطوير، وقال: «كان المغني يحمل أداة موسيقية، عودا أو جيتارا، ويقف على المسرح، ويغني للناس، الذين يجلسون في مقاعدهم صامتين. ثم، قبل خمسين سنة، جاء الفيس بريسلي، يحمل جيتارا، ويحرك رجليه وجسمه يمينا وشمالا، في ما يبقى المتفرجون على مقاعدهم صامتين، لكنهم يتمايلون يمينا وشمالا. ثم، قبل أربعين سنة، بدأ مايكل جاكسون وإخوانه يرقصون على المسرح، وحولوا الغناء إلى رقص متحرك، وليس فقط تمايلا نحو اليمين والشمال. وصار المتفرجون يقفون ويرقصون. وقبل ثلاثين سنة، استغل جاكسون التطورات الفنية والتكنولوجية، وجعل الغناء ممسرحا، وممزوجا بالرقص والقفز والجري على خشبة المسرح. وصار المتفرجون يغنون ويرقصون ويقفزون». وبالصور، شرح الكتاب بعض الأمثلة: أولا: في بودابست، في المجر، عندما ظهر جاكسون على خشبة المسرح، صحبته ألعاب نارية وبالونات وأضواء براقة. وكاد أن ينشب حريق كبير، لولا أن فرقة المطافئ أسرعت وأخمدت لهبا تطاير عندما قفز جاكسون من فوقه، وهو يغني. ثانيا: في سيول، في كوريا الجنوبية، رفعت ستارة المسرح، وظهر مكوك فضائي عملاق على المسرح. ومضت عشر دقائق والمتفرجون لا يعرفون ماذا يجري. وفجأة، انفتح المكوك، وخرج منه جاكسون في ملابس رائد فضاء، وهو يغني. ثالثا: في كوالالامبور، في ماليزيا، لبس جاكسون لباس رائد فضاء ليغني أغنية «مون ووك» (مشي على سطح القمر). وكان المسرح مثل سطح القمر، في ما كوكب الأرض يبدو بعيدا في الخلف. خامسا: في لندن، تحول المسرح إلى فيلم «ستار وورز» (حرب النجوم). وخرج جاكسون من «نجم» فضائي، وهو يرتدي لباس «دارت فيدر» (بطل الفيلم) السوداء المخيفة، وهو يغني. أما كتاب «مايكل جاكسون: الرجل وراء القناع»، فقد ركز على أهم إسهامات جاكسون الثقافية. فبالإضافة إلى تطوير فن الغناء، عمل على نشر كلمات الحب والسلام والفرح، وتحاشي كلمات العنف والغضب والحروب. كتب الكتاب بوب جونز، الذي عرف جاكسون لأكثر من ثلاثين سنة، وكان مدير العلاقات العامة في مكتبه. لذلك استطاع أن يدعم رأيه بإثباتات لا تقبل الدحض. ففي أغنية «آي ونت يو باك» (أريدك أن تعودي لي) يقول جاكسون: «أعطني يا حبيبتي فرصة أخرى، لأؤكد حبي لك. من فضلك، أعطني فرصة أخرى، لأعود إلى قلبك. كنت أعمى عندما تركتك تذهبين. لكن، عندما شاهدته يمسك يديك، غضبت. أريدك أن تعودي لي». وبعد أن اجتاح الجوع القارة الأفريقية غنى جاكسون «وي آر ذا ويرلد» (نحن العالم)، قائلا: ومن أغنية «كيب ذا فيث» (حافظوا على إيمانكم): «في الإيمان توجد قوة. أعطي نفسك فرصة. لأنك قادر أن تتسلق أعلى جبل. لأنك قادر على أن تسبح في أعمق المحيطات. فقط تحتاج إلى تصميم. فقط تحتاج إلى ثقة بالنفس. فقط تحتاج إلى إيمان». وقال الكتاب إن جاكسون، مثلما استغل التقدم التكنولوجي على المسرح، استغل عواطف الناس. لم يهتم بالنقاش والجدل والمنطق والعقلانية والواقعية، إنما ركز على الحب، ووجد أن الإنسان، أيما إنسان، كل ما يطلبه في العمق هو شخص يحبه.