|
قمر حلتنــا (قصة)
|
-1-
مسحت الرذاذ البارد من جانب وجهي..و"احمد" تكاد تقفز عينيه مع هتافه ، وفمه المفتوح لاخره ينثر رذاذ بقايا الحليب المشروب من زجاجات عم حسن الحلواني التي نأتي بعدد وافر منها على عدد محبتنا له وجوعنا لنملأ بها ارضية العربة القديمة ولنظل نؤانسها طوال ليلنا الذي ينتهي مع صوت خشخشة مكبر صوت اول مسجد..توطئة لاذان الفجر الأول من المؤذن الذي يختبر ادواته قبل أن يعلو عنقه فيطردنا الى اسرّتنا وابواب منازلنا وليزيد جريمة سهرنا عند أهلنا جريمة تضييع الفجر ، ونحن على مقاعدنا في العربة الجيب القديمة المركونة امام منزل صديقي على الشارع الاسفلت نندس تحت الاغطية التي نجلبها من ما وجدناه في غرفة احمد من ملاءات ، نجر ارجلنا التي ضربها البرد الى صدرنا والتي يعلوها تراب نزوتنا الليلية مع الكرة التي لم يشبعنا "دافوري" ما بعد صلاة العصر منها.. كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل في تلك الليلة من ليالي يناير الباردة ، كنا نجلس كعادتنا اليومية وحدنا الا من بعض المارة وأضواء سيارات تأتي فرادى بصوت تصاعدي وهي تحتك بالاسفلت وتذهب كما جاءت تحمل ربما احداها أسرة صغيرة تعود ناعسة من عرس زاخم أو ربما أخرى متوجهة الى المستشفى ويصدر منها صوت امرأة حان مخاضها ، أو سيارات صائدي الجوائز الليلية ، أو سيارة أخرى مسرعة غافل سائقها الزمن وهو يلعب الورق مع اصدقائه وتذكر فجأة بان له اولاد وبيت ، أو سيارات تاكسي لم يقنع سائقوها بغلة اليوم الشتائي القصير ، سيارات محبي الليل الذين يندرون كلما هجم زمهرير يناير ، كنت جالساً على مقعد السائق في سيارة الجيب المركونة وأنا اقبض على المقود بيد واحدة تماماً كما كان لعبي وأنا طفل صغير حينما كنت امسك مزهواً مقود الحديد الملفوف بقطعة بالية من القماش والمربوط بقضيب رفيع فينتهي بسيارة كاملة الاوصاف مصنوعة من علبة "كاني" بعجلاتها "السفنجات" ، لا شئ في راسي غير الذي حولي ، وانا اضع زجاجة حليب عم حسن الحلواني وارفع قطعة من "الباسطة" يسيل سائلها السكري منها فيغري نفوسنا واجسادنا ذات التسعة عشر ربيعاً ، حين هتف احمد: دي هي مش؟ حولت نظري مع أحمد وأنا اقضم قطعة "الباسطة" بعد رشفة الحليب وضاقت عيني متبيناً الظلال التي تمشي ملتصقة مع الحائط وقلت بنفًسٍ حالم: اظنها..
- كانت مع صاحبتها بذاكرو لحدي الوكت دا! لم ارد على احمد وانا اتخيل الصورة الاصلية في ذاكرتي للظلال التي تمشي ملتصقة مع الحائط والتي تتستر الآن من اعيننا..من ضوء البدر المستنير واضواء السيارات باحثةً عن ملاذها في ركن من الاركان والذي يكون باب صدئ يدخلها الى منزل ابيها واخوانها الذكور والانثى الوحيدة الاخرى في المنزل أمها الحاجة سميرة..ظلال لئيمة الوقع علينا في تلك اللحظة كانت..وهي تذهب بجمال سهرتنا والحليب. "قمر حلتنا" لا شئ يجاريها فناً وابداعاً حين تزين لوحتها باحدى ثياب حاجة "سميرة" أمها ، حين يصفد رجليها ثم يتناغم ملتفاً الى اعلى ، اعصار دائري يتلوى بالوان الثياب وتخرج منه الاعناق والحواجب المقرونة والاعين ، احساس يتيم متفرد في اعمق اعماق نفوسنا المشتاقة الى هبة الكون "قمر حلتنا" التي يضرب اعصارها احاسيسنا ويبرق ويرعد في سنين حرماننا . كلنا..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
قمر حلتنــا (قصة) | محمد يوسف الزين | 06-15-09, 10:35 AM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | محمد يوسف الزين | 06-15-09, 10:43 AM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | محمد يوسف الزين | 06-15-09, 11:21 AM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | محمد يوسف الزين | 06-15-09, 01:20 PM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | محمد يوسف الزين | 06-15-09, 03:17 PM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | محمد يوسف الزين | 06-17-09, 11:08 AM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | محمد يوسف الزين | 06-17-09, 01:29 PM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | حمور زيادة | 06-18-09, 05:51 AM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | Emad Abdulla | 06-18-09, 06:31 AM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | محمد يوسف الزين | 06-18-09, 10:44 AM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | محمد يوسف الزين | 06-18-09, 10:29 AM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | محمد يوسف الزين | 06-28-09, 02:47 PM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | محمد يوسف الزين | 07-01-09, 08:52 AM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | محمد يوسف الزين | 07-12-09, 08:03 AM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | محمد يوسف الزين | 08-04-09, 02:35 PM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | محمد الطيب يوسف | 08-06-09, 05:38 AM |
Re: قمر حلتنــا (قصة) | محمد يوسف الزين | 09-30-09, 09:20 AM |
|
|
|