عرب وشرق أوسطيون؛ثم أن الآخ آيز أوف ليبيرتي، يقرر أن "الشماليين" ـ وأنا لا أستعمل هذه المصطلح إلا إستلافا من مقولات الآخرين التي أكون بصدد مناقشتها كما يمكن ملاحظته، ويأتي التفصيل في ذلك لاحقا، ولكن الأخ يتخذ منه مصطبة لإتخاذ أحكام! ـ
Quote: "..عرب.. وشرق أوسطيون أيضاً" |
، حسنا، قرروا ما شئتموا، ولكن تبقى هناك مشكلات نظرية وعملية تصاحب هذا التقرير، خاصة وأنتم تجرجرون معكم، دولة إسمها السودان، فأرجو من الأخ آيز أوف ليبيرتي أن يرجع إلى بوست الأخ عبد القادر الكتيابي؛ "توثيق التجربة الكتيابية" والإطلاع على نتائج أبحاثه القيمة، ليرى كيف ينظر الشرق أوسطيون الأصليون، إلى الشرق أوسطيون بالتقرير. ومن جانب آخر، فينظر كيف ينظر الآخرون في السودان إلى محاولة حشرهم في "الشرق أوسطية"، ثم أنه لابد هنا من سرد حقيقة أقدم، وأكبر مني ومن الأخ آيز أوف ليبيرتي، ومن الشرق الأوسط نفسه، وهي أن النوبيين: حلفاويون، محس، سكوت، ودناقلة، ليسوا عربا، وليسوا شرق أوسطيين. أما فيما تبقى من عناصر الإلتباس في مصطلح "شماليين" فأرجو من الأخ أن يعود إلى "الكتب الفاتح لونها" ليفسر لنا مركبات "الشخصية التي تعاني من الطعن في نسبها وعدم الإعتراف بمن تعتبره أبوها بأبوته لها، وهي كذلك، وقد تعرضت لحوادث إغتصاب (علنية) من قبل بعض من هم حولها في الواقع"؟؟
اللغـــــــة؛يرى الأخ آيز أوف ليبيرتي أن
Quote: ـ"... اللغة لا تجبر متعلمها علي الخضوع للون ثقافتها، انما هي مطية لادراك والاستفادة من العلوم التي قد لا تكون ممكنة بلغة غيرها... "؛ |
ويبدو أن الأخ مصر على المغالطات؛ فبالرغم من اللغة ليست مجرد كلمات وتراكيب نحوية وصرفية محايدة، وإنما تحمل تصورات منتجيها للعالم، وتحمل قيمهم وأحكامهم تجاه الأشياء، يأتي الأخ آيز لينفي بالتقرير أنها لا تجبر متعلمها على الخضوع للون ثقافتها، فما هو لون ثقافتها إن لم يكن تصورات العالم والقيم والأحكام؟ والحقيقة هي أن الشخص عندما يتعلم لغة ما، يكتسب معها، رضي أم أبى، على الأقل، بعضا من هذه التصورات والقيم والأحكام، ولأن هذه الأخيرة، بالنسبة للشخص غير المستعلواتي، تحمل ما هو إيجابي وما هو سلبي، لذلك لا يرى هذا الأخير إشكالا كبيرا، لأنه ببساطة، فأنت عندما تأخذ شيئا من آخر، تكون مجبرا لأن تدفع له، وهو قانون التبادل الأساسي. وبالتالي، ليس هناك حوجة لمثل هذا التقرير إذا ما نظرنا إلى المسألة من جوانبها الإيجابية، وفي إطار مفهوم التبادل. ولكن تبقى هناك أشياء أخرى، فالمستعلي أو المستعلواتي ينطلق من وهم أنه "مركز العالم" لذلك يساهم في الإخلال بظروف هذا التبادل وإجراءاته، فالمشكلة تأتي عندما تتدخل عناصر خارجية للإخلال بالتبادل، كالإحتكار المقصود منه إعلاء قيمة سلعة بغير وجه حق، ونفي حق القبول المبدئي على طرف من الأطراف. أي المدخل الأيديولوجي لقضية فرض اللغة؛
وفي مغالطته الأخرى، يقرر "ان السودان القديم، ومنذ العهد الفرعوني، لم يكن له لغة بالمعني الحديث. إنما كانت ولا تزال لهجات غير مكتوبة وقاصرة عن التعبير فيما يخرج عن نطاق العلاقات الاجتماعية للفرد ولا تتخطاه الي نطاق العلوم والبحث العلمي، الذي لابد منه لمواجهة تحديات العصر..."؛
أولا يا أخ آيز أوف ليبيرتي؛ هناك فرق أساسي بين اللغة واللهجة، فاللغة هي باختصار نظام الإشارات والدوال الذي تستعمله جماعة من الناس للتواصل فيما بينها، وهي تختلف من جماعة إلى أخرى حسب ثقافة هذه الجماعة أو تلك، وتحدها حدود عن اللغات الأخرى، تجعل منها نظاما قائما بذاته، ويمكنك أن ترجع للقواميس، وللتعاريف المعتمدة في العلوم المتعلقة باللغات، إن لم يعجبك تعريفي، بينما اللهجة هي؛
A language considered as part of a larger family of languages or a linguistic branch. Not in scientific use
فرع من لغة، ومثال لذلك، لهجة الشايقية، ولهجة أم درمان/المدينية، ولهجة البقارة، هي فروع أو لهجات لأصل هو ما يعرف بـ"اللغة العربية" تختلف في النطق، وربما في بعض التراكيب، وربما أشياء أخرى، كما تعتبر لهجات قبيلة "الصبي"، و"المندل"، و"النيمانق"، فروع، للغة الجبال الشمالية في جبال النوبة. فعلى سبيل المثال؛ تنطق الكلمة التي تعني "صديقي" (أو تحمل هذا المعنى) "أونكير" عند "الصبي" بينما تنطق "أكواي" عند النيمانق، وكما يفهم الشاقي كلام البقاري، يفهم الصبياوي كلام النيمانقاوي، بينما يختلف الأمر مع الغلفان، فلهؤلاء لغة مختلفة. والأمر الحاسم يأتي في حالة "المنولينقوال" أي الإنسان صاحب اللغة الواحدة، فالنيمانقاوي لا يفهم الغلفاني إذا تكلم بـ"لغته" والعكس صحيح، كما أن آيز أوف ليبيرتي لا يفهم المندلاوي المونولينقوال، والعكس صحيح. أما كون اللغة مكتوبة أو غير مكتوبة، فهذا ليس حجة، ولم أجد سواء في القواميس أو في (علم اللغات) اللينغويستكس تعريفا للغة، يتخذ من عدم الكتابة نفيا لكون لغة ما ليست لغة. بل المؤكد أن أي لغة يمكن أن تكتب، مثلما كتبت اللغات الأخرى من قبلها، بما فيها اللغة المروية القديمة أو العربية. وهي مرحلة مرت بها كل اللغات. وضف إلى معلومك، أن لغة الدينكا، وبعض اللغات في جبال النوبة، مكتوبة، وقد تمت ترجمة الإنجيل إليها، ويتم تدريسه بها أيضا. أما اللغات النوبية، فيمكن الرجوع إلى قاموسها، الموجود في مركز الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم، وربما في أماكن أخرى. ويمكن الرجوع إلى المختصين والمهتمين بهذا الأمر مثل د. عبد الحليم صبار؛
أما مسألة الإستعارات، المتعلقة بالبحث العلمي، فمن الناحية المبدئية، فهذه اللغات مثلها مثل العربية أو أي لغة أخرى، إن لم تجد كلمة تلفزيون، استعارتها، وكذلك، أنثروبولوجي، وسينما، ديمقراطية، وحتى سندكالية. فما هي المشكلة المبدئية إذن في هذه اللغات؟
وقد ناقشت مسألة إشكالية اللغة في السودان، في ورقتي "
حول مسألة التعريب في السودان" وقدمت فيها مقترحات، ويمكن الرجوع إليها. ولكني أحيلك ـ أيضا ـ إلى كتاب "التنوع البشري الخلاق" أو في ترجمة أخرى "
التنوع البشري المبدع" الذي أصدرته اليونيسكو، وهو يحمل الكثير من الحجج، فيما يختص بأهمية كتابة اللغات غير المكتوبة، والحفاظ عليها، التي قد تبدو مقنعة ولو جزئيا بالنسبة لك، لأنها، على الأقل، صادرة من جهة أخرى غير التي ترفضها أنت، وتصدر عليها الأحكام. ثم أنها جهة حديثة، لا شك في حداثتها إذا كنت بالفعل من أنصار "المعنى الحديث"؛
وعندما نتفق على المبدأ، يمكن أن نأتي بعد ذلك لمناقشة الجوانب الأخرى، ومن بينها، إشكالية لغة الدولة الرسمية في السودان؛
يتبـــــــــــــــع