|
|
 عام سعيد أيتها الوعول الجريحة ... الوعل الجريح معاوية البلال
|
الوعول الجريحة
معاوية البلال
يعيش المبدع فى بلادنا بين نارين.. نار الابداع ونار الواقع المرير .. وصدره مفتوح تجاه الريح العاتية وظهره عار , ويتلقى الطعنات فى جسده بخنجر الفقر و الاملاق عند خاصرته وبخنجر القهر على ظهره .. وبسكين الاحزان والمرارات فى قلبه ويظل الجميع فى انتظاره لكى يبدع لهم عالما جميلا من لغة وبهاء وألوان يستطيبونها ويستنشقون عبقها .. فأى عملاق هو هذا المبدع الذى ان استطاع وسعت قدرته على احتمال المرارات فذلك يتم بالابداع ذاته . ومن خلال كتابته يقهر الزمن . فكيف بجسده وهو يحترق فىآتون هذاالواقع المعادى لكل قيم الفن والجمال والابداع , المضاد لقيم الحرية والحياة .
ونحن فى بدايات القرن الواحد وعشرين . يريدون لنا اعادة تاريخ المصائر الفاجعة التى لحقت بأعظم المبدعين الذين شكلوا ملامح بلادنا و صاغوها فى شعرهم وابداعهم > التجانى يوسف بشير .. معاوية محمد نور … حامد حمداى … ادريس جماع
وكثيرين هم الذين ضاقت بهم الحياة وحاصرتهم أنياب الواقع من كل الجهات فذهبوا وتركوا لنا مآثرهم الخالده … ومرت الحقب . والآن نرى مبدعينا يلتقطهم الموت المجانى بسهولة فائقة وهم عزل أمام المرض و الفقر و سوء التغذية .. والشيخوخة والعوز والمسالك المغلقة يحملون فوق مناكبهم أحزان بلادهم و أحلامها وينظرون بكبرياءهم الابيض الى الافق الفسيح الممتد أمامهم ثم لا شىء يحدث لهم سوى مرورهم ثم لا شىء يحدث سوى مرورهم الى دهليز الموت الاسود .
فى مدن الصحراء الاشد عزلة فى العالم يموت المبدعون لانهم لا يمتلكون ثمن الدواء .. يموت الشعراء لانهم لا يملكون ثمن الخبز . يموتون تحت وهج الشمس الحارقة وفى شفاههم ترتسم ابتسامة الوثوق و التأكيد على الخلود كما مات عمر الدوش و عمر خيرى وعلى عبد القيوم و أمانى عثمان و عثمان على نور و القائمة طويلة تتجاوز المئتين .. شعراء و أدباء و موسيقيين و مطربين و تشكيليين و مسرحيين .. مات المجذوب وهو يردد << يكفينى أنى سعيت الى هذا الوطن بما لدى من لغة و شعر >>
ها نحن ننتظر موتنا الدرامى لكى نقول آخر كلماتنا وسط ضجيج العتمة وفى وجه التيه الذى لا وجه له سوى دمائنا … نتنفس بأزاءه هواء العوز الاسود كليل الفجائع .
قطار آخر بأنتظارنا يدلف بنا حيث لا نكون … ولكن بأسمنا ستوقد نار الولائم القادمة و سنطهى على بخار هادىء ريثما تنسف الرياح العتيقة آخر ما تبقى من فتات .
وشاعرنا ينتهك أسوداد الكلمات حتى يخرج أبيضها من لهاث الحناجر الجائعة و الاشواق تحتل غياهب الجنون من ذاته والموت ينتظره على قارعة الطريق … لكى يذهبا معا الى حفل الابد السديم ثم لا احد يقول لنا أن الشاعر كان يقاوم مع الاشجار المنهكة حوارية الريح … وبقصباتها يعزف أناشيد الخروج العصية .
مرة أخرى , مثل الأيائل الجريحة نجرجر أحلامنا من خلف تلال المعاقل .. نتجرأ على اختراق دوائرنا المعتمة التى هندست شكل اذدواجنا .. ونحن فى صحراء الصمت نحدق خارج خريطتنا نحو الصراخ النزيف .
هل ينبغى أن نؤجل خريف بكائنا الى ما بعد ذهابنا الى مآتم الفرح المشنوق فى حناجر العصافير التى لا تنام .. أم نتقاعد على هامش النهر نتساقط بخيبتنا واحدا واحدا … نتأمل انقراض العائلة …؟؟
هكذا نحن نتسابق نحو اكتشاف الكوارث تحت جدران الخراب . نتلهف على مساءاتنا الأليمة حتى اذا ما أدركتنا مددناها الى آخر ليل الجنون … لا ننام .. لا نسهو … لأننا نريد أن نهضم الحزن . أن نكتشف جيناته و أصوله وهل نستطيع أن نعرف أى هلاك مقبل سيبخرنا … سيقفز بنا خلف جبال النهايات حاملا نذيره المشئوم لحفلتنا الدموية … نقول أو لا نقول , نحب أو لا نحب , هو صمت يتناسج كى يلبسنا اليل … لا شىء تلبسه الكائنات الرماد سوى الظلمة , هى شهوة النهايات , غربة الضوء .. هى ذروة الحلكة . عباءة عائلتنا الأخيرة .
فيا أصدقائى لم ينتهى بعد حفل المآسى بعدكم , قبل مروركم المضىء فينا .. لقد كنتم فيها …كنتم أول من شاهد المغنى تصرعه أحزان الكمنجات , وكنتم أول من رقص على جسد الرحى المتفجرة .. وآخر من تشهىء العشاء الأخير .. عبقر هنا وعوسج هناك , ترتوى من عصير الأمنيات ونمرق الليل ونشعل الافق المنقوش فى عبير الامسيات .. عبقر هنا .. وهناك للصوت رجات , تمتد يد تشنق رقصة الصمت المحايث فى جوف المرايا المسكوبة فى وجه نجمة لا تنام … وتظلوا أنتم يا أصدقائى السمر كلمات الروح التى أخرجت للضوء سر المكان فاصلا للغمام .. انكسرت تحت ارتعاشاته المواقيت والعصافير شيدت للأناشيد خلاخيل أوكارها و مشت الغزلان مرحة على حقل نعناعها وكنا نرتديها فى المساء و يخطئنا الموت منهزما لحظة أسندتنا الأراجيح للريح و مضينا الى فسحة أخرى للحياة .
|
|
 
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
| عام سعيد أيتها الوعول الجريحة ... الوعل الجريح معاوية البلال | Abomihyar | 01-06-05, 05:12 PM |
| Re: عام سعيد أيتها الوعول الجريحة ... الوعل الجريح معاوية البلال | Abomihyar | 01-07-05, 04:33 PM |
| Re: عام سعيد أيتها الوعول الجريحة ... الوعل الجريح معاوية البلال | مطر قادم | 01-10-05, 08:17 AM |
 Re: عام سعيد أيتها الوعول الجريحة ... الوعل الجريح معاوية البلال | الجندرية | 01-10-05, 10:55 PM |
| Re: عام سعيد أيتها الوعول الجريحة ... الوعل الجريح معاوية البلال | منوت | 01-11-05, 11:32 AM |
| Re: عام سعيد أيتها الوعول الجريحة ... الوعل الجريح معاوية البلال | تراث | 01-11-05, 02:04 PM |
| Re: عام سعيد أيتها الوعول الجريحة ... الوعل الجريح معاوية البلال | atbarawi | 01-12-05, 05:29 AM |
| Re: عام سعيد أيتها الوعول الجريحة ... الوعل الجريح معاوية البلال | Manal Mohamed Ali | 01-13-05, 02:10 AM |
| Re: عام سعيد أيتها الوعول الجريحة ... الوعل الجريح معاوية البلال | Manal Mohamed Ali | 01-12-05, 06:29 AM |
| Re: عام سعيد أيتها الوعول الجريحة ... الوعل الجريح معاوية البلال | Amin Elsayed | 01-18-05, 04:51 AM |
|
| |
Abomihyar
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست