|
حياة ناقصة، وواقعية الخرطوم... (Re: عبدالغني كرم الله بشير)
|
(3) حياة ناقصة.....
لقد ماتت حاجة حليمة، فجأة فقد (الحي) روحه وحياته، ماتت بشكل غريب، أنها جريمة قتل، وفي وضح النهار، وأمام الصغار والكبار والعريس والعروس...
ومع هذا لم يأخذ لها ثأر، بل دوت الطبول وامتلأت الحلقة بالراقصين بعيد قتلها مباشرة، وصعدت للسماء معاً، الزغاريد والنحيب، وكأن روحاً لم تزهق، فالقانون والعرف ، في المجتمع البشري الفاضل، لا يشتمل على قاعدة تدين هذا الأسلوب الوحشي من القتل...
.فجأة انسحب ظل حليمة من الحياة، ذلك الظل الجميل المكون من ضحكتها المشبعة بالسذاجة والطيبة، ومن شكل يوحى للجميع، المرهف والمتبلد، بثراء وعنفوان وسطوة البراءة وسحرها، مجرد أن تقع عينك عليها، أو تسمع صوتها، تقع في شرك حبها، بسبب وبدون سبب، يقال بأنها تشبه المريسة، فهي تغير البيئة التي تحيط بها، كما تغير الشمعة ظلمة البيت الحالكة، وكما يغير العسل مرارة اللسان، وكما تغير الكسرة جوف المعدة، تحس بأنك أمام لوحة فطرية، وبإنسان لم تهزمه الحياة، لا أثر للعرف والتقاليد الخرقاء فيها، وتحس بأنك تعرفها منذ زمن طويل، قبل ميلادك بلا محال، وبوقت طويل، يصعب تصور أمده، قد تكون هي الفطرة التي انطمست...
كانت قصتها قصة، تزوجت سبع رجال، وانجبت من كل واحد منهم صبي أو صبية، وكان سبب طلاقتها في السبع زيجات هذه، سبب واحد، هو طيبتها الفطرية وبلاهتها، وكان موتها قبل خمس سنوات، (رغم أنها حية، لها شيهيق، وزفير) وما تزال أثار الموت مرسومة على وجه بناتها وأطفالها، وما أكثرهم، وأفقرهم، ماعدا الصغير (أحمد)...
فقد كانت وفاتها في عرس جابر، وأمام الجميع، من أهل الحي، فقد اتهمت بسرقة حلق ذهب من حاجة سكينة، وبهذه السرقت اختفت حاجة حليمة من الحي، وأنزوى جسدها وأهلها وأطفالها من الحياة، وتركوا مؤخرة المجالس، وحمل الماء بالكارو، وتصدر مجالس الأنس لغيرهم...وقد كان السعيد الوحيد من هذه الأحداث المحزنة، هو الأبن الأخير لحاجة حليمة (أحمد) والذي لقب (بود الحرامية) وهو ذو عيون ماكرة وطيبة وساذجة في آن واحد، والذي وجد في هذا اللقب واحة كبيرة، ومساحة من الحرية، لفعل ما يحلو له، وما يرغب فيه، منعقتاً من قيود لا حصر لها من المنع والنهي، فاستغل وضعه بجمال ووداعة وطيبة منقطة النظير، كل من يراه، يبكي ويضحك ويسرح طرفه في ماهية الإنسان، وقواعده الاخلاقية، وضيق الافق، والجدوى والصاح والغلط.
..وحين كبر أحمد، مات هو وأخته سعاد بنفس السبب، فالذاكرة لا ترحم، فسيفها يمتد عبر الزمان، لأفاق مجهولة، ليت النسيان يشمل الجميع، حتى يخرج المساجين وقطاع الطرق والعاهرات، لبناء مستقبل لا قمز فيه ولا لمز ....
طوبى للنسيان... طوبى للنسيان... قتلت روحها، وترك جسدها يتلقى ضربات الهمز واللمز والسخرية، والذاكرة، لا تنسى، بل تضخم حسب الرغبات والثارات القديمة..
قتل جماعي، لقد قتلوا أسرتها معها، لم تعد حنان وبتول ومحمد بشخصياتهم القديمة، فالمجتمع يقتل الجميع بجريرة واحدة، يقتل الأم والابناء والماضي والمستقبل،
والذاكرة، هذا المخلوق الغريب، تمد لسانها لحيوات آتية، كي تورث الهوان لهذه الأسرة الساحرة
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أيكون الماء ساكناً في درجة الغليان؟ هكذا الخرطوم!!! | عبدالغني كرم الله بشير | 05-09-06, 05:25 AM |
Re: أيكون الماء ساكناً في درجة الغليان؟ هكذا الخرطوم!!! | مأمون التلب | 05-09-06, 07:32 AM |
Re: أيكون الماء ساكناً في درجة الغليان؟ هكذا الخرطوم!!! | عبدالغني كرم الله بشير | 05-13-06, 01:20 AM |
Re: أيكون الماء ساكناً في درجة الغليان؟ هكذا الخرطوم!!! | أبوذر بابكر | 05-09-06, 07:47 AM |
.................. | Abu Eltayeb | 05-13-06, 02:13 AM |
.......... | عبدالغني كرم الله بشير | 05-13-06, 02:31 AM |
Re: أيكون الماء ساكناً في درجة الغليان؟ هكذا الخرطوم!!! | Tabaldina | 05-13-06, 03:01 AM |
Re: أيكون الماء ساكناً في درجة الغليان؟ هكذا الخرطوم!!! | Abu Eltayeb | 05-14-06, 05:28 PM |
عباد الشمس | عبدالغني كرم الله بشير | 05-15-06, 04:36 AM |
حياة ناقصة، وواقعية الخرطوم... | عبدالغني كرم الله بشير | 05-15-06, 04:47 AM |
|
|
|