القمقم والجني كتاب جدير بالقرءاة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 01:23 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-19-2009, 02:33 PM

زهير عثمان حمد
<aزهير عثمان حمد
تاريخ التسجيل: 08-07-2006
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
القمقم والجني كتاب جدير بالقرءاة



    نصف قرن والسياسة تنافس الشعوذة على استلاب روح الحاضر. إلى هذا الحيّز من دراسة التركيبة الاجتماعيّة، يأخذنا الكاتب السوري في «القمقم والجني» (الكوكب ــ الريّس). بحثاً عن جذور الأزمة من خلال تحوّلات حارة حلبيّة
    يبدو أنّ مصطلح «الزمن اللقيط» الذي يطلقه بعضهم على حاضرنا الذي يسعى بكلِّ قوَّته نحو الانفلات من دائرة التاريخ ونكران جذوره كان الدافع الرئيس الذي حفَّزَ الكاتب السوري محمد أبو معتوق على كتابة روايته «القمقم والجني» (الكوكب دار رياض الريس). هنا، الزمن الحاضر ليس لقيطاً، بل ثمرة تراكمات تاريخية سعت إلى استلاب روح الحاضر ومحو ذاكرته، لتصنع منه كائناً هلامياً مشوّهاً.
    الراوي مصرٌّ على أن السويّ والمنحرف، كلاهما صنيعة مظاهر وتقلبات لها جذورها التاريخية الراسخة. أكثر من ثلاثين شخصية توزعتها صفحات الرواية لتجسِّد لنا صورة الحاضر الذي بات غريباً، صعباً، أو ربما، لا يطاق. شخصيات بين الضحية والجلاد، المهزوم والمنتصر، المحب والمنتحر، بُنيت بمادة التراكمات والموروثات والتطورات السريعة. يبدو أن محمد أبو معتوق قد شرع بداية الأمر بكتابة سيناريو لمسلسل تلفزيوني، تحوّل بفعل الهم البحثي عن تركيبة المجتمع إلى عمل روائي يسهل تناوله تلفزيونياً.
    إضافة إلى إظهارها التباين الفكري الشاسع بين الأغلبية التي تؤمن بالسحر والشعوذة والأحلام معتمدة على بساطتها وخدرها الفكري، وبين أفكار بعض العقول المتعلمة، أظهرت الرواية التغيّرات التي طرأت على المجتمع بعدما تغلغلت السياسة داخل نسيجه. قوى أمنية من مخبرين ورجال شرطة تنتشر في زوايا الحياة اليومية المعيشة، في تحولات قد تؤدي غالباً إلى نتائج كارثية.
    تعتمد الرواية على ثلاث شخصيات رئيسة. ثلاثة أصدقاء ينتمون إلى حارة «المغايرة» إحدى حارات مدينة حلب. بعدما جمعتهم الحارة والمدرسة وأحداث البلد المتلاحقة والتطورات السياسية، يربطهم الراوي بفتاة جميلة جريئة، هي عفراء الحبّال. الأول، قيس الأشوص، يتزوج وحيدة الحبّال بعدما فشل في استمالة أختها، فيفشل في إتمام طقوس الزواج وتهرب زوجته منه، ويتخذ على أثر ذلك من الدين والفتوى سلاحاً لحمايته. الصديق الثاني محمد المغربي شاب شهم، يفتدي أبناء حارته حين ينشب نزاع بينهم وبين أبناء الحارة المجاورة، ثمّ يدخل الجامعة متخذاً من الهندسة حلماً لبناء العالم. أما الثالث، وهو بطل الرواية، عبد العزيز السيوفي، فيتيم تربّى في كنف أمه المتميزة بمعرفتها القراءة والكتابة ما شجّعها على فتح مدرسة كتّاب لتعليم أولاد الحارة. تحول البطل من خريج كلية آداب، إلى ضابط شرطة يهتم بتفصيل وتبويب التقارير الصادرة له من المخبرين ومن ثم التحقيق مع من أوصلتهم تلك التقارير إلى المعتقل. البطل نفسه، يقتل سهواً صديقه ومنافسه في الحب محمد المغربي في أول مسدس يتسلمه من مركز الشرطة.
    الرواية زاخرة بالخيال والسحر والغيبيات والأحلام، التي حاول الراوي ربطها بأسلوب ساخر لا يخلو من المرارة بواقعية أحداث روايته. حالات الجزع والإحباط واستحالة التغيير من دون قرارات حكومية، دفعت بالناس إلى انتظار حلول سماوية تنقذهم. لذا جعل الراوي من الحجابات والتعاويذ المنثورة على أسطح منازل الحارة، محفّزاً غيبياً على الانتباه والتفكير بحلول لمشاكلهم.
    قسَّم محمد أبو معتوق روايته إلى قسمين. يبدأ الأول في النصف الثاني من القرن الماضي وينتهي مطلع السبعينيات، حين دخلت السياسة ورجالاتها في صميم البناء الاجتماعي. فنجد أن سلطة المختار قد غابت وحل محلها الشرطي والمخبر حتى صار المختار جزءاً من النظام. أما في القسم الثاني فيجد القارئ نفسه أمام بطل الرواية وقد صار أباً لفتاة في الخامسة والعشرين من عمرها، كما صار برتبة مقدم في جهاز الشرطة السرية. تزوج عفراء الحبّال التي تركته بعد فترة من ولادة ابنتهما الوحيدة على أثر اعترافه لها بقتل صديقه محمد المغربي، ليتزوج بعد ذلك شقيقة أحد سجنائه الذي مسّه الجنون والكآبة جرّاء التعذيب.
    ينهي محمد أبو معتوق روايته «القمقم والجني» وهو يصوّر لنا مضاجعة بين بائعة هوى، مدام اشتعال، ومهرِّب، هو والد عبد العزيز السيوفي في أحد كهوف حي المغاير الحوّارية. مشهد مسرحي يرسم لنا ديكور المشهد الخاص بعيادة الطبيب النفسي وهو يعلن زواج ابنة السيوفي بأحد سجناء والدها. رواية تدعو إلى دراسة جذور الخراب بدلاً من السخط على الأرواح المُخَرَّبة.
                  

06-19-2009, 10:58 PM

Rihab Khalifa
<aRihab Khalifa
تاريخ التسجيل: 07-07-2006
مجموع المشاركات: 3738

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: القمقم والجني كتاب جدير بالقرءاة (Re: زهير عثمان حمد)



    الزمن كظاهره اهتم بيه علماء اجتماع مشهورين كديركهايم Durkheim و ميد Mead و Schütz
    و ما زال الكثير من العلماء المعاصرين يحاولون فهمه و تاثيره علي تركيبتنا و حاضرنا و ماضينا،
    اجمل ما قرات من مقالات او كتب، كُتبت عن الزمن

    شكرا يا زهير للتنويه عن الكتاب
    ?it sounds like an interesting read, combining story telling and sociology
                  

06-19-2009, 11:06 PM

بابكر الزاكي

تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 349

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: القمقم والجني كتاب جدير بالقرءاة (Re: Rihab Khalifa)

    «القمقم والجنّي»: نهايات تراجيدية في واقع مأزوم

    نــذيــر جعفــر
    كاتب سوري
    [email protected]



    بدأ محمد أبو معتوق تجربته الروائية الأولى مع «شجرة الكلام1991», ثم أعقبها بعشر روايات هي: «جبل الهتافات الحزين1992», و«الأسوار1997», و«الماء والأسماء1998», و«لحظة الفراشات1999», و«علامات الجثّة الضاحكة2001», و«العرّاف والوردة 2006», و«ثلاث وردات2007», و«القمقم والجنّي2008» و«طيور ورقية 2009» و«شهرزاد رجلا2009».
    وأصبح من الممكن بعد هذه الأعمال الحديث عن خصوصية التجربة السردية لديه, وتتبّع عوالمها وسماتها وآليات اشتغالها وتحقّقها الفنّي. هذه الخصوصية التي تتجلّى في تسع ثيمات رئيسة, أوّلها: اتخاذه من حلب وقلعتها وأحيائها القديمة وجامعتها فضاء مكانيا, ومن حقبتي الخمسينيات والستينيات بما فيهما من تحوّلات مفصلية وصراعات وأحلام وانكسارات فضاء زمنيا لمعظم أعماله. وثانيها: تغليبه للنزعة البيوغرافية (السيرية) في تتبّع حياة شخصيّاته, ونمذجتها روائيا عبر تشابكها وتقاطعها مع المحيط الاجتماعي والثقافي والسياسي. وثالثها: اشتغاله على اللغة بوصفها نسقا جماليا من المفارقات المأهولة بمقاصد ودلالات اجتماعية وسياسية غير مباشرة. نسقا لا يتنكّر للمنجز البلاغي والبياني التراثي بل يعمل على إحيائه وتحويره وتطعيمه بقيم تعبيرية تخلخل توقّّعات المتلقي, وتعيد صياغة علاقته به على نحو جديد. ورابعها: نزعته الساخرة التي لا تتوخى الإضحاك بل المرح, ولا التشهير بل الدعابة, ولا تصوير الواقع بل الإمعان في تغريبه. وخامسها: تناص اللاحق من أعماله مع السابق تناصا مقيّدا على مستويات متعدّدة. وسادسها: هيمنة صوت المؤلف الحقيقي المتقنّع بقناع الراوي الشاهد/ ضمير الغائب, على مجمل البرنامج السردي. وسابعها: المزج بين طريقتي السرد والعرض في تصوير الأحداث والشخصيات.
    ويمكن للدارس معاينة هذه الثيمات ودرجة حضورها في تجربته الكليّة, وفي كل عمل على حدة. وما هذه القراءة لروايته الجديدة: «القمقم والجنّي ـ الكوكب ـ رياض الريّس للكتب والنشر2008», إلا محاولة للكشف عنها, وعن آليات اشتغالها وتحقّقها الفنيّ في البنية السردية.
    ـ الفضاء الزماني/ المكاني:
    يتّخذ أبو معتوق من الوحدة السورية المصرية 1958, وما تلاها من تحوّلات في الستينيات والسبعينيات متنا حكائيا لروايته: «القمقم والجنّي». وتبرز في سياق هذا المتن أحداث مفصلية لها وقعها الخاص في الذاكرة الجمعية وفي وعي أبطال الرواية, منها الانفصال في العام 1961, ونكسة حزيران 1967, وثورة آذار 1963, ورحيل عبد الناصر1970. ويتم تخطيب هذا الزمن عبر تتابعه الخطيّ (الكرونولوجي) الصاعد الذي يراعي المنطق الخارجي لتتابع الأحداث كما في: «جبل الهتافات الحزين» لا عبر المفارقات والاستباقات والاسترجاعات التي تشظّيه وتكسر تسلسله ورتابته كما في «شجرة الكلام». ويلجأ الراوي في تسريع وتيرة السرد والتقدّم بالأحداث إلى تقنية الحذف التي ُتسقط فترة زمنية محدودة من زمن الحكاية, مستخدما إشارات معيّنة في ذلك: «بعد سنوات نجحت حميدة الهلالي..ص37», «بعد أسبوع تم الزواج , ودخلت انتصار إلى عش الزوجية ص318», «بعد ليال من اختفاء عاتكة الجلالي واحتراق الفرن وموت حمزة الواقدي.. ص113». كما يوظف تقنية التلخيص التي تختزل فترة زمنية طويلة للغرض نفسه دون إشارات ُتذكر: « كبرت وعد السيوفي في ظلال والدها ووحدته العاتية. وعندما لم تنفع كل الوسائل في استعادة الأم, قرّر أن يتزوّج ص 317».
    ويحضر الفضاء المكاني عبر علاقته الوثيقة بالزمان وتأثّره بجريانه فيه ممثّلا بحلب, وقلعتها, وجامعتها, وكليّة آدابها, وأحيائها القديمة: المغاير, والكلاّسة, والجلّوم, وباب الفرج, وبحسيتا, التي تعلّق القراءة وتستدعي الذكريات. كما تحضر الأمكنة الأليفة مثل البيوت والساحات العامة والمساجد. والأمكنة المعادية مثل المخفر والسجن وفرع الأمن, والأمكنة المحمّلة بكثافة سيكولوجية مثل المحل العمومي, والعيادة, وغرفة المؤونة, وغرفة حفظ الجثث في أحواض الفورمول, والسقيفة, والقبو, والوتّارة.
    وفي إطار تفاعل الشخصية الروائية مع فضائها المكاني/ الزماني المحدّد, ومحيط علاقاتها الذي تتحرّك فيه, تقدّم لنا صورة عن عالمها الداخلي وصراعاتها وأحلامها وخيباتها ونهاياتها التراجيدية.
    ـ النزعة البيوغرافية(السيرية):
    على غرار روايته: «شجرة الكلام» التي تتبّع فيها سيرة حياة كل من الفرسان الثلاثة: مختار الفطايري, ومحيي الدين الرملي, واكتمال الشارعي, تأخذ «القمقم والجنّي» طابعها البيوغرافي (السيري) أيضا, عبر تتبعها لحياة الأصدقاء الثلاثة: عبد العزيز السيوفي, ومحمد المغربي, وقيس الفضلاوي منذ المرحلة الابتدائية حتى الجامعة. وكما تحضر رفيف الإزمرلي, وشجرة الدرّ, وينبوع العسلي, في «شجرة الكلام» كحبيبات يدخلن دائرة الصراع مع أنفسهن ومحيطهن الاجتماعي, فإن كلا من عفراء الحبّال, وشقيقتها وحيدة, وعاتكة الجلالي, يدخلن الدائرة نفسها وتنتهي كل منهن نهاية مأساوية, فتختفي عاتكة بعد موت حبيبها, وتهرب وحيدة من زوجها العنين ملبية نداء جسدها حتى الموت, فيما تنفصل عفراء عن السيوفي بعد اكتشافها جريمة قتله لحبيبها السابق محمد المغربي.
    وكما جاءت شخصيتا مختار الفطايري, وشجرة الدرّ بوصفهما شخصيتين محوريتين في «شجرة الكلام», فإن كلاّ من عبد العزيز السيوفي وعفراء الحبّال يحتلان الموقع ذاته في البرنامج السردي لرواية: «القمقم والجنيّ». بل إن رصد علاقتهما ومسار تحولاتهما يشكّل موضوع وأطروحة وغاية السرد ومرماه الحيوي.
    فالسيوفي الابن الذي يولد يتيما في حي المغاير بعد موت أبيه المهرّب عبد الحميد في السجن, يواصل حياته برعاية أمه حميدة الهلالي المكافحة التي تنقلت ما بين تحفيظ القرآن للصغار ونسج المكانس حتى تقيه ذل السؤال. وما إن يدخل المدرسة حتى يمتهن كتابة التعاويذ لنساء حي المغاير ويوطّد علاقته بعفراء الحبّال التي انفرد بها صغيرا في غرفة المؤونة, و كان حبها فيما بعد القاسم المشترك بين الأصدقاء الثلاثة. ومن كتابة التعاويذ ينتقل في المرحلة الجامعية إلى كتابة القصص القصيرة التي تستثير أجهزة الأمن فتستميله إليها كاتبا للتقارير وتسلمه مسدّسا فيقتل به عن طريق الخطأ صديقه محمد المغربي! وهكذا يتدرّج في مناصبه حتى رتبة المقدّم, التي تتيح له فيما بعد استغلال موقعه والزواج من انتصار شقيقة أحد الموقوفين لديه بعد انفصال عفراء الحبّال عنه! ولكن العقاب لا ينتظر موته بل يعاجله حيّا فتصاب ابنته وعد بوهم الحمل الكاذب, كما تعيش تناقضا صارخا عبر علاقتها بأستاذها في علم النفس الدكتور عمر الذهبي, وما إن يلتقي الأب بالدكتور الذهبي في عيادته حتى يكتشف أنه هو الآخر مريض مثل ابنته, ويخرج من العيادة لينتهي مجنونا يلقي بياناته السياسية في المقهى, شأنه شأن أحد الموقوفين ممن كان يحقق معهم في الفرع!
    ذلك هو المسار العام لشخصية عبد العزيز السيوفي المحورية التي تتقاطع عندها كل خيوط الحبكة الدرامية, بما في ذلك مسارات الشخصيات المحيطة به, والصراعات المتعدّدة بين حارتي الكلاّسة والمغاير, ومحاولة انتزاع السلطة من عبد الجليل فانوس, وردود الأفعال الشعبية على الوحدة, والانفصال, ورحيل عبد الناصر, وما كانت تستدعيه تلك الأحداث من اعتقالات وتحقيقات وإفراجات مشروطة .
    إن الطابع البيوغرافي في «القمقم والجنّي» يمتد ليشمل سيرة عدد من الشخصيات الرئيسة الأخرى, منها شخصية قيس الفضلاوي طالب الشريعة, ومحمد المغربي طالب الهندسة, وحميدة الهلالي الأم. في حين تبرز أطياف عابرة من السيرة لدى عدد من الشخصيات الثانوية والخيطية منها شخصية حميد السيوفي الأب, وخليلته المدام اشتعال, وأم جنيد, وخولة الأبرص, والمعلم خالد الهروي, والفرّان حمزة الواقدي, والمختار ديبو المكانسي, ومؤذّن الحارة عبد المولى, وزينب الفانوس, وعلياء الخالصي, وبائع المكانس يزيد الأشرم, والحلاّب المغتال عادل الرّمو, والكاتب وليد باب الجمر, وأستاذ النقد الحديث في كلية الآداب بحلب الدكتور مروان أبو القلبين,وأستاذ النحو الدكتور فخر الدين شيخ المحشي, ومدير المركز الثقافي عاشور الطويل, والشاعر المُرَاقَب عزيز الكواء. وبعض هذه الشخصيات الروائية يحيل على شخصيات مرجعية معروفة ليس من الصعب على القارئ السوري عامة والحلبي خاصة معرفتها على الرغم من تحوير أسمائها, وذلك نظرا لتماثل طباعها وصفاتها وسلوكها النموذجي في الرواية مع حقيقتها في الواقع.
    ـ جماليات اللغة:
    كما هو الاشتغال على جماليات اللغة ثيمة رئيسة في عالم زكريا تامر القصصي, فهو كذلك في عالم محمد أبي معتوق الروائي. إنه يلعب باللغة وفيها, فيخلق مفارقات وفجوات ومسافات توتّر تخلخل توقعات القارئ وتضعه أمام مجرّة من الاحتمالات والدلالات الجديدة لها. إنه مايسترو حقيقي للكلمات التي تشيع الدفء والمرح والعبث في الجسد العظيم للرواية!
    وربما كان اشتغاله على اللغة السمة الأبرز في مشروعه الروائي, فهو يتعامل مع المفردة بوصفها محارة غامضة, ومع الجملة بوصفها «مكنسة ذهبية», فيعيد بها ومن خلالها ترتيب العالم, ويصوغ ذائقة جديدة للتلقي. ويبرز اشتغاله عليها أولا عبر توظيفه للمحسّنات البديعية والمأثورات والمصكوكات اللغوية في سياق جديد: «الناس في طول البلاد وعرضها تطالب بالوحدة.. وحميدة الهلالي غارقة في وحدتها من مفرق شعرها حتى مفرق أنوثتها ص36». وثانيا:عبر إضفاء ظلال نفسية على الجملة السردية: «نهدها الصغير يلتمع بالضوء والخوف العظيم ص 74». «وانهالت عليه بيأسها ووحدتها وأمومتها الخائبة حتى أدمته ص60». «ومثل زعيم صغير نشأ السيوفي الابن بين قطيع التلاميذ الذي تعلّمه الأم أصول القراءة والرعب39». و ثالثا: عبر الصور البيانية المبتكرة والمجنّحة «امتد بيده إلى نهدي وقبض عليه كما يقبض المريد على ضوء لامع في مخيّلة السماء ص313». «للحب ذاكرة خاصة لا ُتدمّر ولا تفنى ولا تشيخ ص370». و رابعا عبر التهجين بالمفردات الدارجة, مثل: «مطعوج, البناديق, يجعر, نترها, الأنكى, سيتبهدل, تعفيس..». و خامسا: عبر النبرات الشعبية والأرغات المهنية التي تعبّر عن منطوق الشخصية الروائية ولا سيّما في المشاهد الحوارية: « ولي على قلبي ص 29». « لا يضل بالك يمكن هالمرّة أتأخر ص 151». وسادسا: عبر تكرار جمل محدّدة بين مسافة سردية وأخرى تشكّل نقاط ارتكاز وتتحوّل إلى لازمة تشي بالمشهد ودلالاته: «في ليل الليل ص 128». «وأصوات التلاوة ترج المكان ص 58». وسابعا عبر التحوير المقصود في الاقتباسات والتضمينات: «عندما تضيق الروح ..تتسع الشفة العليا..ص 319». وهو تحوير واضح لقول النفّري: «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة».
    لكن ما يلفت الانتباه أن لغة الراوي الأحادي/ ضمير الغائب, المتقنع بقناع المؤلف, هي اللغة الطاغية على البرنامج السردي, على الرغم من التنويعات الطفيفة التي مرّ ذكرها, ومثل هذه اللغة بقدر ما فيها من جماليات فإنها تنأى عن التنوّع الكلامي وتعدّد الأصوات الذي يعدّ شرطا باختينيا جوهريا للجنس الروائي ومدخلا لفهم التنوّع الاجتماعي والطبقي والثقافي وحتى الكلامي.

    ـ النزعة الساخرة:
    اللعب الفكاهي باللغة عند أبي معتوق يخفي نزعة ساخرة تغلب على السرد برمّته, وقد أضحت هذه السمة علامة راسخة في نتاجه الروائي. والسخرية هنا ليست بقصد الهجاء أو الإضحاك المجّاني إنّما تتوخّى التعبير عن مقاصد الراوي المعنوية البعيدة من ناحية, وإشاعة جوّ من الدعابة والمرح على خلفية مشاهد وأحداث ومصائر يلفّها السواد ويوشّيها الإحساس العميق بالمرارة من ناحية ثانية. وكما اتخذ من أكل الكبّة الحلبية موضوعا طريفا للسخرية في روايته «شجرة الكلام», فإنه يتخذ في «القمقم والجنّي» من أكل البطاطا داخل السجن موضوعا جديدا للسخرية من بعض القوى السياسية ومن السجن والسجّان في آن معا: «لقد كنّا نفكّر بالإضراب عن الطعام بكل أنواعه ما عدا البطاطا, لأن حزبنا يحترم البطاطا ويحضّ عليها ويعتبرها طعام الجماهيرص 156». «فبعد أن التهم المحتجزون الكرام سطلا من البطاطا المسلوقة, وبينما هم في حالة تقشير وتفكير وتأمّل, خطر ببال عادل الشرم, وهو من الناصريين العتاة, أن يعود لطرح موضوع الوحدة, محاولا أن يفصل بينهما وبين المداخلات الديماغوجية التي طرحها أولاد البركات حول تكفير الوحدة والقائلين بها, غير أن الردّ جاء هذه المرّة على لسان ابن الهبراوي نعسان الذي أدهش الحضور بفهمه وسعة اطلاعه, وأسهم بإيصال الحوار إلى ما وصل إليه من ضرب وترفيس وتعفيس 159/ 160».
    وتبرز هذه النزعة الساخرة على مستوى تحوير الأسماء: حزب القلعة الثانية, الحزب الأممي. ومستوى اختيار الألقاب: الأشوص, الأشرم, الفانوس, الصهريج. ومستوى الاستطرادات المملّة أحيانا كما في فصل الفئران ص65.
    ـ علاقات التناص:
    إن التناص المقيّد( علاقة نصوص الكاتب بعضها ببعض) ثيمة رئيسة عند أبي معتوق, يكشف عنها نص«القمقم والجنّي» على غير مستوى. فهناك تناص مع عدد من نصوصه القصصية القصيرة التي يعمل على استثمارها وإعادة إنتاجها وفق السياق الروائي, وتناص يتعلّق بزمن المتن الحكائي الذي يمتد من أواخر الخمسينيات حتى نهاية السبعينيات, وهو الزمن نفسه في «شجرة الكلام», و«جبل الهتافات الحزين». وتناص في الطابع البيوغرافي/ السيري للنّص, يتعالق مع الروايتين السابقتين. كما أن الفضاء المكاني(حلب) هو ذاته في الروايات الثلاث. ويضاف إلى ذلك اللعب الفكاهي باللغة, والنزعة الساخرة, والتحوير في المأثورات والمقبوسات, والتماثل في الشخصيات وعلاقات الحبّ, وفي الصراعات الحزبية والسياسية. لكن هذا التناص في الشكل والمحتوى لا يعني التكرار, بقدر ما يعبّر عن مخزون في التجربة وتفرّد في الأسلوب ينتج نصّا جديدا مستقلا تماما عما قبله في سياقاته ومؤداه, وإن تقاطع معه في هذا الجانب أو ذاك.
    كما أن هناك تناصا عاما( تقاطع نصوص الكاتب مع غيره) ونجده في الاشتغال على الفضاء المكاني المتمثّل بحلب وقلعتها وأحيائها القديمة, وفي رصد مرحلة الشباب الجامعي وهمومها, وفي المقبوسات والمأثورات التاريخية والشعبية والتراثية. لكن هذا التناص غالبا ما يخضع للمختبر الإبداعي الخاص بالكاتب ليخرج متناغما مع أدبية نصّه وأسلوبيته وروحه.
    ـ الراوي / المؤلف:
    ينهض السرد في «القمقم والجنّي» على لسان الراوي كليّ المعرفة( ضمير الغائب), وهو الشكل التقليدي للراوي الذي يسوس السرد بصفته شاهدا على ما يحدث لا مشاركا فيه, دون أن يمنع المؤلف الحقيقي من اقتحام برنامجه أحيانا والتلطّي وراء قناعه وبخاصة في بعض الجمل الاستفهامية التكرارية أو الاعتراضية, مثل: «ويا حارة المغاير, ويا قسطل الماء وسط الساحة, كيف حدث الذي حدث, وكيف توقف السيوفي وأمه عاجزين عن منع الزلزال ص 88». أو في بعض الاستنتاجات والتأملات ووجهات النظر الإيديولوجية المبثوثة في النّص هنا وهناك.
    وأحادية الراوي وهيمنته على البرنامج السردي تصبغ النّص بأسلوبية واحدة هي في المحصّلة أسلوبية المؤلف. كما تحدّ من قدرة الشخصيات على التعبير عن نفسها بنفسها لأن هناك من ينطق باسمها ويقدّمها إلى القارئ بصوته هو حتى في معظم المشاهد الحوارية التي تتطلب أن يتناسب منطوق الشخصية مع واقعها ووضعها الاجتماعي والثقافي والمهني.
    ويمكن إسناد العنوان الرئيس: «القمقم والجنّي» إلى المؤلف نفسه أو إلى الناشر وهو عنوان غير مباشر, قد يشير إلى الأجهزة الأمنية بوصفها قمقما وإلى شخصية عبد العزيز السيوفي بوصفه جنيّا أو إلى العكس, وهو عنوان تسويقي يشكّل إغراء للقارئ. وكذلك يمكن إسناد العناوين الداخلية الفرعية إلى المؤلف نفسه, وغالبا ما تنطوي هذه العناوين على قيم تعبيرية خصبة تشي بمضمون الفصل أحيانا وتعمّق دلالته أحيانا أخرى كما في عناوين: المكنسة الذهبية, وعروس الماء, والأحلام الناقصة, فيما يتوقف سواها عند دلالته المباشرة كما في : «القراءة والحمام», و«التقارير», و«في العيادة».
    ـ بين السرد والعرض:
    يشتمل نص «القمقم والجنّي» على صيغتي خطاب: الأولى صيغة السرد( أقوال الراوي الشاهد / ضمير الغائب) , والثانية صيغة العرض( أقوال الشخصيّات). في الصيغة الأولى يحضر الراوي كما تحضر الشخصيات والأحداث من خلاله, وهي الصيغة الغالبة على الخطاب الكليّ للقمقم والجنّي. وفي الصيغة الثانية تحضر الشخصيات عبر أفعالها وأقوالها لا عبر ما ينقله أو يخبر به الراوي عنها فحسب, فتولّد الإحساس لدى المتلقي بأنه أمام أفعال ُمشاهدة(ممسرحة), وهي الصيغة التي تستغرق الفصل الأول «الكهوف» الذي يعدّ الفصل الأبرز على مستوى التشويق والموضوع والتقنية.
    ففي هذا الفصل تنسج أولى خيوط الحبكة الدرامية عبر شخصية السيوفي الأب المهرّب وخليلته مدام اشتعال وزوجته حميدة الهلالي. لكن موت السيوفي اقتضى غياب اشتعال أيضا مما أفقد البرنامج السردي منذ الصفحات الأولى شخصيتين جاذبتين مشوقتين على المستوى السيكولوجي للقارئ. وجاء اشتغال الراوي على شخصية السيوفي الابن وتحولاتها من كتابة التعاويذ إلى القصص إلى التقارير ليغطّي نسبيا على هذا الفراغ الذي تركه السيوفي الأب وخليلته.
    لقد قدّم محمد أبو معتوق شخصيات مأساوية في مجتمع الستينيات المأزوم, المفوّت تاريخيا, الذي تتحكم فيه الأعراف والتقاليد الصارمة, والقوة والمال والشعارات الصاخبة وأصحاب النفوذ الأمني والعشائري والسياسي, فانتهت إلى الموت(محمد المغربي, حمزة الواقدي, ديبو المكانسي, وحيدة الحبّال), أو إلى الغياب( عاتكة الجلالي) أو إلى الجنون( عبد العزيز السيوفي). وبذلك يقرأ الماضي البعيد بعين المبدع الرائي كما لو أنه يعاين الحاضر المستمر.
    ــــــــــــــــــ
    ـ الكتاب: القمقم والجنّي
    ـ المؤلف: محمد أبو معتوق
    ـ الناشر: الكوكب ـ رياض الريس للكتب والنشرـ ط1 ـ بيروت ـ 2008
    ـ عدد الصفحات: 383 من القطع الوسط
                  

06-20-2009, 10:43 AM

زهير عثمان حمد
<aزهير عثمان حمد
تاريخ التسجيل: 08-07-2006
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: القمقم والجني كتاب جدير بالقرءاة (Re: بابكر الزاكي)

    الاخت رحاب خليفة
    تحباتي
    ولك كل الود
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de