|
|
 في أسمرا الجميلة : بين شارع كمشتاتو.. ورابية أب شاول
|
تناثرت ثلاثة قرى صغيرة على ربوة فى دار "حماسين" أكبر قبائل المرتفعات الإريترية بجانب القوميات الأخرى مثل "الأكلقري" و"السراي" و"الساورتا".
كان ذلك قبل مائتين عام ونيف وكانت تلك القرى الثلاث مستهدفة من قبل الشفتة.. يأخذون كل قرية على حده ويعبثون بها.. فطنت نساء تلك القرى لنقطة الضعف التى جعلتهم هدفاً دائماً للسلب والنهب وقررن مقاومة ما يحدث وجهت الدعوة لنساء القرى الثلاثة فإجتمعن و"أسمرن" اى توحدن بلغة التيغراي وتآزرن فى مواجهة العصابات ودعون الرجال للمقاومة حتى صارت تلك القرى الثلاثة مكاناً آمناً يلوذ اليه سكان المنطقة طلباً للطمأنينة، وتطور المكان حتى صار بندراً كبيراً اطلقوا عليه "أسمرا" عرفاناً بموقف النساء اللائي توحدت و"أسمرن" حتى جعلوا من رابيتهم مكان آمن يخشاه شذاذ الآفاق واللصوص الذين استباحوا قراهم زماناً حتى "اسمرن" وكانت أسمرا.
عندما زرتها ايام الإمبراطور كانوا يطلقون عليها روما الصغيرة وكان شارعها الرئيسي لايزال يحمل اسمه الايطالي القديم "كمشتاتو" واصل الكلمة Campshtatoo... اي معسكر شتاتو. لم الهث كثيراً وراء حقيقة اسم الذى اطلقوه على شارع بهذه الفخامة والروعة ولم يمنحوا اسم قادتهم الذين عرفناهم من خلال التاريخ المشترك بين اريتريا ومدينتي التى قاسمتها قدرها والتى لازالت تتذكر "با راتيري" هذا الجنرال الذى لازالت لوحته المكتوب عليها بالايطالية "قلعة بارا تيري".. موجود بالقرب من الحرس فى حامية كسلا.. كما لم يطلقوا اسم الشارع على جنرالهم "جرزماني" ذائع الصيت الذى شاهدناه فى فيلم "عمر المختار" يقدل بزته العسكرية قائدا لقوات "الدولتشي" فى شمال افريقيا وشرقها.. اصطف آباؤنا فى شوارع كسلا حيث أجبروهم على تحيته عند زيارته للمدينة إبان الإحتلال الإيطالي فى الحرب العالمية الثانية وهم يرددون بإيطالية لقنوهم اياهم (ابيبو تليانو).. اي عاشت ايطاليا.
اما انا فلازال يعجبني ايقاع الاسم "كمشتاتو" وظللت استخدم اسمه القديم حتى بعد الاستقلال وكان هيلاسلاسي قد اسماه (شارع الإمبراطور).. وسماه منقستو"شارع الثورة".. واطلقوا عليه بعد التحرير "شارع الحرية".
كان هذا الشارع محرم على المواطنين يتجول فيه الايطاليون وكأنه قطعة من عاصمتهم روما "ست الاسم" اهم معالمه الكنيسة الكاثوليكية، وأهل البلاد يشايعون الارثوذكية تنمو على حافتيه أشجار نخيل الزيت وهى شجرة اصلها من غرب افريقيا.. ووجدت عزها فى شرق اسيا وطاب لها المقام على حواف الكمشتاتو يطبعون عليه جمالا ونضرة دائمين- تطل عليه المباني ذات الطراز الايطالي مثل المسرح الروماني والمباني الحكومية ومنازل علية القوم والبازارات والحوانيت التى تغلب عليها العمارة الإيطالية المتميزة ومعظم المباني مؤرخه بلوحات اسمنتية تحمل تاريخا من القرن قبل الماضي ولازال عواجيز الايطاليون يتجولون فيه يستعيدون أيام شباب لن يعود، ويوثقون للمكان بأخذ الصور التذكارية أمام المبانى القديمة التى لم تفقد شبابها وذلك بفضل العناية ودهن ووجها بالأصباغ والإهتمام بصيانتها. شارع كمشتاتو هو القلب النابض للمدينة بل هو المدينة التى تختزل نفسها فى شارع جميل فيه الكثير من تاريخها.. لم يفقد هدوءه ولايعرف الصخب الذى يتعدي على حرية الآخرين.. ولكن فى الاعياد تحظر فيه السيارات ليلا ويصير منطقة مقفولة للسابلة والراقصين تتداخل فيه اصوات المغنيين من خلال مكبرات الصوت.. يتقدمهم فنان افريقيا وعموم السودان. فى مثل هذا الصخب لايتشاجرون فقط يرقصون ويرقصون والحانات منتشرة بين كل حانة وأخرى حانة ومقهي.
كمشتاتو فى قلب المدينة يرتاده كل الناس حتى فقراء عالمها الأسفل المطل عليها مثل سكان "ابشاول" أكثر الأحياء الشعبية شهرة فى المدينة ذات الصبغة البرجوازية.
يزدحم سكان ابشاول واغلبهم من فقراء المدينة فى حي يقع على تل يطل على اسمرا.. غني لهم المغني "رمنخلي ابشاول" اي لك التحية يا ابشاول واسترسل فى الغناء.. يا أيها المكان العبقري الذى عشقه القمر وهو ينثر ضوءه الفضي على سكان التل الفقراء فينعمون بضوءه اولا قبل ان يغشي سكان المدينة المترفين اتصيد السوانح للتسكع فى الأحياء الفقيرة فى المدن الكبيرة مثل سكان القرافة فى مدينة ناصر فى القاهرة وبيوت الصفيح فى أحياء قبائل الملايو فى كوالالمبور ومساكن الشونا فى تخوم هراري وحي برو برو فى نيروبي وحول "شيرو ميدا" فى اديس ابابا. أجد فيها الملامح الحقيقية لتلك البلاد.
صديقنا الراحل حكيم محمود الشيخ شقيق الشاعر محمد مدني كان يهوي العيش فى ابشاول.. هذا الحى المفتوح الساعدين والصدر.. لأن حكيم كان ولوفاً فآلف المكان وآلفه المكان كثير من الذين يزورون أسمرا لايهتمون بزيارة ابشاول.. وليتهم يفعلون وكأني بهم مثل الذين يذهبون الى الابيض ويعودوا دون ان "يزوروا ود أب صفية" أو كما يقول المثل او كمثل الذى يزور كسلا ولايرشف من بئر توتيل. كنت حريصا للذهاب الى هناك فى كل زياراتي الى اسمرا.. الا هذه المرة اذ لم تتح لى الفرصة لضيق الوقت وكانت الايام الثلاثة موزعة يوم للاحتفال ويوم للمحارب القديم توتيل واليوم الاخير.
غذاء السفير السعي من اجل قنصلية بمدينة كسلا تسهل للمسافرين عبر الخط الجوي السفر الى اسمرا اذ يبقي الخط ناقص الجدول بلا قنصلية. وتحبط جهود الخطوط الجوية السودانية التى طوت المسافات الى كسلا وهاهي تدشن خطا لأسمرا.. هذه المدينة الموعودة بفتح سياحي هى مؤهلة له وتملك مقوماته تدافع ايام الرحلة الثلاثة وتلاحق وقع ايقاعها حرمني من زيارة ابشاول الذى دأبت على ان أبدأ به يومي الاول فى مدينة اسمرا وكنت ارنو اليه من البعد عبر نافذة فندق سنترال وأحييه متحسراً وملتمساً عفواً وصفح لايعفيني من بعض جحود.
أضفى وجود صديقي الشاعر محمد طه القدال رفيق الرحلة للايام الثلاثة طعماً خاصاً وبسببه كنا سوياً فى رحاب حفاوة (المحارب المستريح) ابراهيم توتيل والمقاتل المبدع خالد محمد طه. ويعتبر توتيل من القادة التاريخيين لثورة الشعب الأريتري وهو اول من أسس مكتباً فى منتصف ستينات القرن الماضي بمدينة ود مدني للتضامن مع الشعب الأرتيري وكان وعي الثورة بالدبلوماسية الشعبية مبكراً.. واستخدموها جنبا الى جنب مع البندقية لنصرة الثورة التى اطلق زنادها المقاتل ادريس حامد عواتي فى الاول من سبتمبر عام1961م.
عرفت توتيل منذ أيام النضال من خلال تعاون رسمي وشعبي وشخصي مع الثورة الإيريترية وهو يجمع بين شراتية المقاتل وعقلية المثقف المؤمن بالثورة.. يحكي بلهجة سودانية صميمة وعربية ذات بيان وانجليزية ساكسونية و"مشلخ كمان" عمل جيل ابراهيم توتيل عبأ انطلاق الثورة حتى جاء التحرير وعمل من اجل التحول التدريجي من الثورة الى الدولة من خلال عمله كحاكم لمنطقة "بارنتو" ثم اقليم الساحل وعاصمته مصوع... وهو الآن فى استراحة محارب يقاتل فى ميدان آخر بعد مرحلة الثورة والدولة لارساء قواعد تسهم فى صنع المستقبل من خلال وضع مناهج لتدريب الكوادر فى كافة المجالات خاصة فى مجال اللغة العربية وتعريب العلوم المكتوبة بالانجليزية لتكون اللغة العربية لغة وسطي بينها وبين التيغرنجية.
وأواصل..
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
أحمد طه
Ibrahim Idris
محمود ابوبكر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست