مياه النيل الوعد والوعيد - بقلم الصادق المهدي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 10:40 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-27-2009, 04:45 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مياه النيل الوعد والوعيد - بقلم الصادق المهدي

    سوف انشر اليكم كتاب مياه النيل الوعد والوعيد الذي كتبه الامام الصادق المهدي في سبتمبر 2000م


    بسم الله الرحمن الرحيم

    مقدمة
    فرض انقلاب 30 يوينو 1989م على السودان نظاما أحاديا نافيا للآخر بحدة استقطبت ضده القوى السياسية السودانية على نطاق واسع. تصدت هذه المعارضة للنظام ونظمت صمود الشعب السوداني في وجهه حتى عزلته.
    وفي سبتمبر 1996م شهدت البلاد حلقة أخرى من حلقات التحرك الديمقراطي التي ما برح الشعب السوداني يقدم عليها.
    وفي يونيو 1995م عقد التجمع الوطني الديمقراطي مؤتمر القضايا المصيرية الذي حدد الرؤية الوطنية السودانية للسلام العادل في البلاد، كما صاغ أهداف المستقبل الديمقراطي لحكم السودان حكما ديمقراطيا لا مركزيا.
    حدد مؤتمر القضايا المصيرية الأهداف الوطنية والوسائل المتفق عليها لتحقيقها.
    شهد عام 1996م دلائل تحرك واسع في الداخل والخارج ضد النظام الحاكم لذلك استنكر النظام الحشد الذي صلى معي صلاة عيد الأضحى 1415هـ واعتبر الخطبة التي ألقيتها والحشد الضخم للصلاة تعبئة لمواجهته والإطاحة به. لذلك ربط النظام الحاكم بين كل تلك التحركات ضده وعدني رمزها وحلقة الوصل بينها فقرر اعتقالي ومعاملتي كرهينة مثلما كان يفعل الإمام يحي حميد الدين في اليمن يعتقل بعض أخوان وأبناء زعماء العشائر غير الموالية له ليهدد تحركها ضده .
    قرر النظام اعتقالي رهينة عساه يربك الخطة المتحركة ضده ويفصل حلقة الوصل بين الداخل والخارج.
    كان زملائي في حزب الأمة وفي المعارضة يلحون علي لأغادر السودان لأن النظام منذ أيامه الأولى كان يستهدفني شخصيا فصاغ بياناته كأنني كنت الشخص الوحيد المسئول عن حكم الديمقراطية الثالثة. وركز على اغتيال شخصيتي معنويا وهددني بكل الوسائل لعلي أستسلم له أو أواجه حتفي. لكنني
    كنت حريصا على البقاء في السودان حتى تأكد لي إصرار النظام على معاملتي كرهينة لإحداث ربكة في صفوف العمل المضاد له، وتهديدي بالانتقام مني على ما قد يصيبه، ساعتئذ قررت أن أغادر البلاد وأن أجرد النظام من رهينته. وقد كان في ديسمبر 1996م.
    في ذلك الوقت كانت إرتريا وأثيوبيا تقفان متحالفتين ضد النظام السوداني ضمن موقف إقليمي تسنده الولايات المتحدة الأمريكية خاصة والغرب عامة لاحتواء النظام الراديكالي السوداني.
    لقد غادرت البلاد عبر الحدود السودانية الإرترية والتقيت القيادات الرسمية والشعبية في إرتريا وأثيوبيا.
    التقيت رئيس الوزراء الأثيوبي السيد ملس زناوي في فبراير 1997م، وفي ذلك اللقاء الأول بيننا تحدث لي عن تظلم إثيوبيا عن أوضاع مياه النيل. قال أن إثيوبيا محرومة من مورد طبيعي نابع في أراضيها وهذا وضع ظالم وشاذ. وقال: لقد كانت مصر أيام منقستو حريصة على بحث مياه النيل ولكن منقستو كان متمنعا. أما الآن وقد صرنا حريصين على فتح الملف، فإن مصر تواجه حرصنا هذا بالإعراض. ثم قال إن لنا حقوقا في مياه النيل ونحن في أمس الحاجة لها للري وللإنتاج الكهرومائي. وقال: هذه الحقوق لن تضيع بالتقادم.
    بعد ذلك بأسبوعين التقيت الرئيس حسني مبارك في القاهرة. ونقلت له ما سمعت من رئيس الوزراء الأثيوبي، ونبهت لضرورة الاهتمام بالعلاقات المصرية الأثيوبية لا سيما ملف مياه النيل. تابع الرئيس ما ذكرت له باهتمام واستوعب خطورته.
    وفي تلك الأيام من عام 1997م هالني أن أجد الإعلام العربي مندفعا في تصوير الأزمة بين اليمن وإرتريا حول الجزر في شكل غزو إرتري إسرائيلي مشترك للجزر. وكانت إثيوبيا وإرتريا يومئذ حليفتين فسمم الخط الإعلامي العلاقات العربية بدولتي القرن الأفريقي.
    ركزت في أحاديثي مع المسئولين في البلدان العربية، والصحافة العربية، على ضرورة تجنب الأحكام الجزافية والحرص على تحري الحقائق، وتجنب إحداث ضرر بالعلاقات العربية بدولتي القرن الأفريقي لأن في ذلك مسا بعلاقات هامة وحساسة.
    وتجاوب كثير من المسئولين العرب، والصحافيين مع هذا التنبيه. بل قام الأخ العقيد معمر القذافي بدور أساسي في ترميم العلاقات ومد جسور الصداقة والود مع دولتي القرن الأفريقي. وللحقيقة والتاريخ أذكر أن الأخ العقيد معمر القذافي هو أول قيادي عربي وجدته مشغولا بقضية المياه. كان هذا في عام 1983م.
    وفي عام 1997م زرت معرض الكتاب في القاهرة فوجدت المشاعر المتوترة التي لمستها لدى بعض المسئولين مجسدة في طائفة من الكتب ذات الغلافات الجذابة، وذات العناوين المثيرة مثل: المياه.. حرب المستقبل. بقلم د. عادل عبد الجليل. حروب المياه في الشرق الأوسط بقلم د. حسن بكر. حروب المياه بقلمي جون بولوك وعادل درويش.. وغيرها من الكتب التي تعددت في صياغات العناوين ولكن اتحدت في جعل الماء قرين الحرب!!
    أزعجتني مشاعر المسئولين المتوترة، وعناوين الكتب المثيرة، فزاد اهتمامي بملف مياه النيل.
    ولكن المآسي التي يعيشها شعبنا السوداني على يد النظام الشمولي، وأعباء المواجهة بيننا وبين ذلك النظام لم تترك لي وقتا كافيا. رغم ذلك ظللت أسارق الوقت لمتابعة ملف مياه النيل.
    وفي النصف الثاني من عام 1999م اتضح لي أن خطورة الموضوع توجب سبر غور المسألة والبحث عن وسائل لحلها. لا سيما وقد استقر في ذهني أن المسألة من نوع سرطاني تساهم المسارعة في العلاج كما تساهم المماطلة في تعقيدها إلى ما لانهاية.
    هذا الكتاب هو ثمرة دراستي للمسألة واستقصائي لوسائل حلها، وهو موجه للمسئولين في حوض النيل، وللرأي العام فيه للتحول من ذهنية الشك والترصد والامتثال لحتمية الصدام إلى ذهنية الوصال الاستراتيجي. هذا التحول هو الذي ينفي الشؤم ويفتح باب الأمل.
    هذا التحول ممكن التحقيق إذا توافرت النقاط الآتية:-
    أولاً: كان النيل في تاريخه الطويل شأناً مصرياً. ثم صار منذ عهد قريب شأنا مصرياً سودانيا.ً إن علينا الآن أن ندرك أن عوامل الاحتياج للمياه في دول منابع النيل، وضرورات تنمية موارد النيل، وحماية البيئة، توجب التحول إلى موقف يصبح معه النيل شأنا حوضياً.
    ثانياً: مسألة المياه تبحث الآن في إطار جامد –ستاتيك Static.في هذا الإطار تبدو مسألة مياه النيل مستعصية لأنها تتعلق بإيجاد حصص لدول في مياه قسمت على غيرها. ولكن المسألة تبدو قابلة للحل في إطار متحرك-ديناميك

    Dynamic. إطار يفترض أن التعاون بين دول حوض النيل سوف يزيد من دفق مياه النيل ويحمي نقاءها.
    ثالثا: يخيم على كثير من الأذهان أن أي تعديل في حصص مياه النيل لصالح دول المنابع سوف يكون حتما على حساب حقوق الدولتين الحاليتين المكتسبة. هذه المعادلة الصفرية ينبغي تجاوزها لتحل محلها نظرة إيجابية: توقع أن يخلق التحصيص مناخا تعاونيا وجهدا تعاونيا يعود بالفائدة لكل الأطراف.
    رابعا: الماء سلعة اقتصادية والحرص على توافر العرض وترشيد الطلب للمياه أوجب توحيد الأجهزة المعنية بالموارد المائية في كل قطر من الأقطار لرفع كفاءة العرض ولضبط الطلب.. إن نقل الماء من سلعة طبيعية كالهواء إلى سلعة اقتصادية نادرة واجب وطني وإقليمي ودولي.
    خامسا: حوض النهر الواحد يفرض على الدول المتشاطئة عليه اعتباره وحدة مائية واعتبار إدارة موارده شأنا مشتركا بينها. التعامل الصحيح مع الوحدة المائية هو الإدارة المشتركة.
    سادسا: هنالك تناول سطحي للمسألة على نطاق واسع. هذا التناول السطحي بل التهريجي يسارع في توجيه الاتهامات وترويج الإشاعات ويزرع مزيدا من الشك وعدم الثقة. مثلا: إذا تحدثت دول المنابع عن تحصيص مياه النيل تتسارع الاتهامات بأنها غير محتاجة لذلك بل تقوله متواطئة مع إسرائيل للكيد لدولتي المجرى والمصب!! أو أن يكال الاتهام لمصر بأنها ساعية لعدم استقرار دول المنابع لا سيما إثيوبيا لكي تصرفها الحروب الأهلية والنزاعات عن البرامج التنموية واستغلال الموارد المائية. هذه الاتهامات تخلق حربا نفسية بين دول حوض النيل.
    سابعا: دولة المصب الأكثر تقدما من حيث التنمية الاقتصادية والبشرية ينبغي ألا تتعامل مع دول الحوض الأخرى كأي دول أخرى بل ينبغي أن تتعامل معها بخصوصية في مجال دعم التنمية، وتنمية مواردها البشرية، وزيادة التبادل التجاري، وإقامة علاقات ثقافية، وإعلامية قوية، وتوثيق العلاقات على المستوى الرسمي والشعبي، لكي ينمو إحساس إيجابي بين دول حوض النيل.
    ثامنا: إن لنا في شمال حوض النيل ثلاث حلقات انتماء هي: الحلقة العربية- والحلقة الإسلامية- والحلقة الإفريقية. الحلقتان الأولتان لهما أهمية في النظام الديني والقومي والثقافي. الحلقة الثالثة -الأفريقية- لها أهمية حياتية. التطور السياسي في التاريخ الحديث جعل الحلقة الإفريقية مهمشة في السودان وفي مصر بصورة اكبر. هذا التهميش لعلاقة حياتية لا يتناسب مع مصالح السودان ومصر، إنه تهميش يعود بالضرر الفادح على مصالح دولتي وشعبي وادي النيل. المطلوب بإلحاح في السودان وفي مصر مراجعة الأولويات لإعطاء الحلقة الإفريقية اهتماما أكبر.
    تاسعا: النيل وأحواض الأنهار الدولية الأخرى صارت مكان اهتمام دولي كبير من حيث إحصاء المعلومات عنها، وتوفير المال والتقنية لتطويرها، وتشريع الأحكام للعدل في توزيع مواردها، وإيجاد وسائل عادلة لفض المنازعات فيها.
    عاشرا: القيادات السياسية العليا في دول حوض النيل لا تمارس اجتهادا سياسيا لإيجاد حل شامل لمسألة مياه النيل. والمستويات التنفيذية، والإدارية، والفنية دون ذلك لا تجرؤ على الاجتهاد السياسي وتحصر نفسها في حدود اختصاصاتها.
    لذلك ظلت شئون مياه النيل من ناحية الدراسات، والتعاون الفني، متطورة ولكنها محدودة بسقف سياسي يحصر تطورها.
    وهنالك تعاون فضفاض بين دول حوض النيل في منظمات مثل الأندوجو والكوميسا وهو تعاون يمنع تطويره غياب اتفاق سياسي شامل في حوض النيل بشأن موارد النيل المائية.
    إن مسألة مياه النيل سوف تراوح مكانها ما لم يتناولها الاجتهاد السياسي المستنير ويجد لها حلا حاسما.
    الاجتهاد السياسي المستنير كفيل بإحداث نقلة في النقاط المذكورة هنا والعبور من الطريق المسدود إلى الطريق المفتوح السالك.
    هذا الكتاب مكون من ثمانية فصول، نذيرة بما سوف يحدث من شر وضر إذا تراخى الاتفاق السياسي في حوض النيل بشأن موارده المائية. وبشيرة بما سوف يتحقق من نفع وخير إذا تسارع الاتفاق.
    الفصل الأول عنوانه النيل واصل أم فاصل؟ هذا الفصل يبين أن حوض النيل يمكن أن يكون الواصل بين شطري إفريقيا شمال الصحراء، وجنوب الصحراء. بل يمكنه أن يصير حلقة وصل حضاري بين ثقافات وحضارات شطري القارة. كما يمكن لحوض النيل أن يكون بؤرة نزاعات تتفجر فيصبح فاصلا بين شطري إفريقيا ومسرح صدام بين حضاراتها وثقافاتها وشعوبها.
    الفصل الثاني يتناول مياه النيل: مسألة الطلب. يتطرق هذا الفصل لأسباب تزايد الطلب على مياه النيل حتى بلغ الطلب 49.3 مليار متر مكعب زيادة على حجم دفق النيل الحالي. ويذكر الفصل وسيلتين لمواجهة هذا الطلب: الأولى: ترشيد استخدام الموارد المائية. الثانية زيادة الموارد المائية.
    الفصل الثالث: يتناول مياه النيل: مسألة العرض. هنالك ثلاث وسائل لزيادة العرض هي: الأولى: تدوير المياه المستعملة من مياه الصرف الصحي، والزراعي، والصناعي. الثانية: استخدام موارد مائية غير نهرية كالمياه الجوفية. الثالثة: زيادة دفق مياه النيل وهي إذا توافرت شروط معينة يمكن أن تزيد بنسبة 80% فتغطي حاجة دول الحوض في الحاضر والمستقبل المرئي.
    الفصل الرابع عنوانه: مياه النيل: البيئة الطبيعية. يستعرض هذا الفصل تدهور البيئة الطبيعية من جفاف وتصحر، وتلوث وأمراض محمولة مائيا، ويتناول كافة وجوه تدهور بيئة حوض النيل. ويحدد السياسات والبرامج المطلوبة لإنقاذ بيئة حوض النيل الطبيعية والتعاون الإقليمي والدولي المطلوب لسلامة البيئة الطبيعية في حوض النيل.
    الفصل الخامس هو عن مياه النيل: الإطار القانوني. هذا الفصل يبين حقيقة الوضع القانوني الآن في حوض النيل، والتطورات التي طرأت على القانون الدولي ويدعو لتطوير الوضع القانوني لسد الثغرات وتحقيق أعلى درجات التعاون بين دول الحوض.
    الفصل السادس عن: حوض النيل: الجغرافيا السياسية. هذا الفصل يبين الأهمية الجغرافية السياسية البالغة لحوض النيل ويحلل الاضطرابات الحالية في دول الحوض وينتهي إلى أن هذه الاضطرابات يمكنها أن تشد إليها نزاعات المناطق المجاورة في الشرق الأوسط، والخليج، وأواسط إفريقيا.. بل تجذب إليها مخططات الحرب الباردة الجديدة. ولكن إذا توافرت الإرادة السياسية والتدابير المحكمة فإن منطقة حوض النيل يمكن أن تنجو من الاضطرابات وتنعم بالاستقرار والتعاون الإقليمي.
    الفصل السابع يتناول العلاقات السودانية المصرية بما يستدل على خصوصيتها وينادي بأمرين: الأول تقنين تلك الخصوصية. الثاني: تنزيه تلك العلاقة من المحورية وربطها بالتعاون الوثيق مع دول الحوض الأخرى.
    الفصل الثامن: الوعد والوعيد. هذا الفصل يقترح معاهدة ملزمة لدول حوض النيل تفتح باب التعاون بينها وتحقق رابطة واعدة فيها الخير والرخاء لدول حوض النيل والحائل المانع لنزاعات مدمرة. هذه الفصول الثمانية مزودة ببيانات مستخلصة من الواقع وتحليلات مستهدية بالحقائق. إنها مرافعة مركزة تخاطب القوى الفكرية، والسياسية، والرسمية، والشعبية، والفنية في حوض النيل لترتفع لمستوى المسئولية وتندفع بعزيمة صادقة لإنجاز وعد النيل وإبطال وعيد النيل.
    لقد ألفت هذا الكتاب متحرقا بحقائق المياه في حوض النيل وأرسلت المسودة لعشرين صديقا مصريا وسودانيا وليبيا متخصصا وغير متخصص، وتكرموا بقراءة المسودة وأمدوني بتعليقات نيرة استفدت منها في كتابة النص الأخير فاشكرهم شكرا جزيلا على اهتمامهم ولكنني أتحمل مسئولية ما ورد في الكتاب جملة وتفصيلا.

    الصادق المهدي
    القاهرة في 5 سبتمبر 2000م


    نواصل
                  

04-27-2009, 05:30 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مياه النيل الوعد والوعيد - بقلم الصادق المهدي (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    الفصل الأول

    النيل واصل أم فاصل





    الفصل الأول

    النيل واصل أم فاصل

    الماء هذا السائل العجيب هو مادة الحياة في الحيوان والنبات {وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} والإنسان نفسه الجرم الصغير الذي فيه انطوى العالم الأكبر حاوية مياه.
    كان الناس على طول فترات تاريخية مضت ينظرون للماء على أنه كالشمس والهواء من مشاعات الطبيعة.
    و لكن الكثافة السكانية التي بلغت حجما لم يعرف التاريخ له مثيلا، والتنمية الزراعية، والصناعية، والصرف الصحي، والإنتاج الكهرومائي وسائر استخدامات الماء العذب زادت زيادات هائلة مما أظهر نقصا في المياه العذبة يتفاوت من قطر لآخر. نقص ظهر أوضح ما يكون في القرن العشرين. ومع وجود النقص ظهرت مشكلتان: الأولي توزيع المياه بين الاستخدامات المختلفة على صعيد القطر. والثانية على صعيد الإقليم بين الدول المختلفة التي تشترك في حوض نهر، أو بحيرة، أو مياه جوفية.
    لم تعد البلدان تتعامل مع الماء كمادة شائعة وافرة بل وضعت الدول خططا قومية وأقامت آليات إدارية لمواردها المائية. وأدي التنافس على موارد المياه العذبة – أنهار – بحيرات – مياه جوفية – إلي عقد اتفاقات ثنائية بين دولتين أو جماعية بين كافة الدول المتشاطئة.
    النيل مدهش، عده الشعراء سليل الفراديس وعده المؤرخون شريان حضارة الإنسان الأولى. وهو أطول أنهار العالم ومع أن ما يغذي أعاليه وابل أمطار يساوي 2000 مليار متر مكعب سنويا فإن ما يحمله مجراه لا يتعدى 7% من هذه الكمية المائية الضخمة!
    كل البشرية عرفت مشكلة مزمنة بين أعلى النهر وأسفل النهر. هذه المشكلة لم تنشأ قديما في حوض النيل ولكنها في القرن العشرين أطلت برأسها.
    الدرس المستفاد من سيرة الأفراد وتاريخ المجتمعات هو أن الضرورة تتحدى الإنسان للعطاء. على الصعيد الفردي الحاجة أم الاختراع وعلى الصعيد الاجتماعي أسس المؤرخ العالمي ارنولد توينبي حركة التاريخ الصاعدة على عطاء المجتمع في مواجهته للتحدي.
    لقد أشرقت حضارات الإنسان الأولى في مجاري ومصبات الأنهار لأن الضرورة أدت للفلاحة المروية والفلاحة المروية أوجبت حفر القنوات وتنظيم مياه الري فتحلق حول ذلك التنظيم الاجتماعي والعمران.
    هذه الحقائق السيكولوجية، والسيسيولوجية صحبتها حقائق طبوغرافية دفعت معها في نفس الاتجاه. مجاري ومصبات الأنهار تكونت فيها ترسبات وتكونت حولها أراض منبسطة وصالحة للزراعة. لذلك بزغ التحضر والعمران الإنساني في وادي النيل ووادي الرافدين، ووادي الإندس، والنهر الأصفر حيث كانت الحاجة للزراعة المروية في تلك الوديان قد بلغت أقصاها.
    أسس سكان أسفل النهر حضارات تاريخية وشيدوا عمرانا وتكاثروا مستغلين مياه الأنهار المتدفقة في أراضيهم من منابعها في أراض بعيدة غريبة عليهم "لو سار فيها سليمان لسار بترجمان !!"
    و أحاطوا الأنهار بقدسية وعدوها حقا طبيعيا وهبة إلهية. ومع تقدم الوعي الإنساني والاكتشافات العلمية جردت الأنهار من هالاتها الأسطورية وبدأ العد والقياس وظهر النقص مع الكثافة السكانية والحاجة التنموية في الزراعة، والصناعة، وإنتاج الطاقة، وظهرت الحاجة للسيطرة على فيضان السنين السمان، والحماية من السنين العجاف.

    دول أعالي النيل
    لم تكن دول أعالي الأنهار تعبأ بمياه النهر الذي ينبع من أراضيها:
    أولا: لأنها تستمتع ببدائل مائية لغزارة أمطارها.
    ثانيا: لأن منابع الأنهار بحكم الطبيعة تقع في مناطق عالية تحول طبيعتها الجبلية دون جدوى الزراعة المروية.


    و لكن تبدل الحال:
    أولا: أدي الجفاف في المناطق الأخرى من الدول المعنية والكثافة السكانية إلي مجاعات جعلتها تفكر في تطوير الزراعة المروية.
    ثانيا: أدي تطوير تكنولوجيا السدود للتفكير في نقل المياه وفي استغلالها للإنتاج الكهرومائي. ولكن مياه النهر الدولي المشترك صارت حقا مكتسبا لدول استغلته في أسفل النهر!
    هكذا نشأ تناقض بين أعلى النهر وأسفل النهر. يقول هارمون المهندس الأمريكي أن الأسبق جغرافيا هو الأحق وأن دولة المنبع صاحبة سيادة مطلقة على مواردها الطبيعية ومنها المياه. هذا المبدأ يقابله ويتناقض معه مبدأ حق الانتفاع وأن الأسبق انتفاعا هو الأحق صاحب الحق المكتسب.
    و في وجه هذا الجدل نشأ مبدأ دولي يقول به كثيرون هو أن الأنهار – البحيرات - المياه الجوفية التي تقع في أكثر من دولة عليها سيادة محدودة، سيادة مشتركة بين الدول المتشاطئة عليها. تحوم هذه المبادئ في الأذهان ولكن في واقع الحال يشهد حوض النيل الآن نزاعا صامتا يثير الأفكار والمشاعر في دول حوض النيل. تضارب في الآراء والمشاعر تغذيه وتعقده عوامل تاريخية أقحمت مياه النيل في التنازع الاستراتيجي وجعلت التفكير في استخدامها سلاحا سياسيا واردا: ففي عام 1680 هدد حاكم أثيوبي حاكم مصر المعاصر له باستخدام الماء سلاحا ضده. قال الملك تقلا حيمنوت:" إن نهر النيل سيكون كافيا لمعاقبتكم. حيث وضع الإله في قبضتنا منبعه وخيراته. ويمكننا بذلك إلحاق الضرر بكم."
    و كان لحادثة فشودة بين بريطانيا وفرنسا صلة بسعي فرنسا لوضع يدها على منابع النيل بعد أن سبقها البريطانيون على السيطرة على مصر في أسفل النيل.
    و استخدم البريطانيون الابتزاز المائي ضد مصر عام 1924 عندما اغتيل السير لي استاك حاكم عام السودان في القاهرة. وفي أوج الحرب الباردة ووقوف الاتحاد السوفيتي إلي جانب مصر في بناء السد العالي بعد أن انسحب الغرب من تمويله، وافق مكتب الولايات المتحدة لاستصلاح الأراضي على القيام بمسح تفصيلي لتقديمه للحكومة الأثيوبية. وانتهي المسعى في 1963 ونشرت نتائجه في 17 مجلدا ضخما. سنوات الدراسة الخمس تزامنت مع أقصي درجات التوتر بين مصر وأمريكا.
    كانت الدراسة تحذيرا مستترا لمصر وتذكيرا بحساسية موقعها الجغرافي. لقد أوصت الدراسة بإقامة 33 سدا وخزانا لتوفير مياه الري وتوليد الكهرباء. قررت الدراسة أنه إذا تم إنشاء كل المشروعات المذكورة فإن الاحتياجات المائية السنوية للري ولتعويض الفاقد في التخزين ستخفض تدفق مياه النيل الأزرق عند الحدود السودانية بحوالي 6,4 مليار متر مكعب.
    هذا التاريخ خلق مخاوف في مصر من الابتزاز المائي وهي مخاوف يزيد منها الآن ما تدفع به تركيا في حوض الرافدين فتركيا تعلن صراحة انفرادها بالسيادة على مياه الفرات ودجلة.
    فيما يتعلق بحوض النيل، إن النزاع لا يدور في فراغ بل هنالك اتفاقيات ثنائية متعلقة بمياه النيل تعود إلي أكثر من قرن من الزمان بيانها:
    • بروتوكول بين بريطانيا ممثلة لمصر وإيطاليا لأثيوبيا كدولتين مستعمرتين عام 1891.
    • اتفاقية 12/5/1902م بين بريطانيا والإمبراطورية الإثيوبية المستقلة.
    • اتفاقية 9/5/1906م بين بريطانيا ودولة الكنغو.
    • اتفاقية 13/12/1906م بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا.
    • تبادل مذكرات في عام 1925م بين المملكة المتحدة وإيطاليا.
    • اتفاقية 1929 بين مصر وبريطانيا.
    • اتفاقية 23/11/1934م بين بريطانيا نيابة عن تنجانيقا وبلجيكا نيابة عن الكنغو.

    هذه الاتفاقيات تعتبرها مصر ملزمة بموجب اتفاقية " فيينا" لعام 1978 والتي ورد فيها النص الآتي:"الاتفاقيات الخاصة بتحديد ورسم الحدود الدولية. أو الخاصة بالوضع الجغرافي الإقليمي تظل سارية المفعول بموجب قاعدة الوراثة. ولا يمكن إلغاؤها أو تعديلها إلا باتفاق بين الدول الموقعة عليها."
    و لكن دول منابع النيل، دون استثناء، تري بطلان هذه الاتفاقيات الموروثة من عهد الاستعمار، وتري أنها لا تتماشى مع حقوقها ولا مع ضرورات التنمية فيها.

    تطور القانون الدولي بشان المياه
    يحيط بهذا النزاع رأي عام عالمي تطور على طول القرن العشرين حول مياه الأنهار الدولية وبلور مبادئ وأحكاما في القانون الدولي بشأن المياه. تدرجت مفاهيم وأحكام القانون الدولي بشأن المياه عبر خطى أهمها:
    &#61607; في عام 1911 بحث معهد القانون الدولي مسألة المياه الدولية وجاء في إعلان مدريد الذي صدر عنه الآتي:
    - لا يجوز للدولة المتشاطئة إقامة منشآت لاستغلال مياه النهر دون موافقة الدول الأخرى.
    - لا يجوز إنشاء المشاريع التي تستهلك كمية كبيرة من المياه.
    - عدم انتهاك حقوق الملاحة في النهر الدولي.
    - لا يجوز لدول المصب إقامة منشآت من شأنها أن تحدث فيضانات في دول المنبع.
    - يجب تعيين لجان مشتركة دائمة لدراسة المشاريع المقترح إنشاؤها على النهر.
    • و في عام 1966 وضعت قواعد هلسنكي بشأن المياه.
    • و في عام 1979 وضعت مبادئ لجنة القانون الدولي بشأن المياه.
    • وفي عام 1997 صدرت اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام المجاري المائية لغير أغراض الملاحة.
    هذا التطور في القانون الدولي لم يواكبه تطور في تقنين العلاقات المائية في حوض النيل.
    فمنذ اتفاقية 1929 لم يحدث جديد إلا اتفاقية 1959 بين مصر والسودان بشأن مياه النيل. التطور القانوني الإقليمي كان أقل من التطور القانوني الدولي. والتطور القانوني الدولي نفسه كان أقل كثيرا من التطور الفني والتقني في مجال علوم موارد المياه HYDROLOGY) ) وقياس الطقس (METEROLOGY ) .

    تطورات الأنشطة الفنية في حوض النيل:
    كان التعاون الفني بين دول حوض النيل ضعيفا حتى الستينيات. وفي عام 1967 تكونت أول هيئة إقليمية للتعاون الفني بين دول الحوض باسم هيدرومت (HYDROMET SURVEY PROJECT ) هذه الهيئة قامت بقياس هطول الأمطار وتدفقها في المجاري المغذية لبحيرة فكتوريا، وبحيرة البرت، وبحيرة كيوجا ما بين الأعوام 1967 – 1992 . وأجرت دراسات فنية أخرى.
    و في 1992 اكتمل عمل هيئة هيدرومت فاجتمع وزراء الري من دول حوض النيل وقرروا الاستمرار في التعاون الفني بموجب لجنة سميت اللجنة الفنية للتعاون لتنمية حوض النيل وحماية بيئته. مختصر اسمها تكونيل (TECCONILE).
    استمرت هذه الهيئة لمدة ست سنوات وكانت مهمتها: دراسة تنمية البنية الأساسية في حوض النيل. والتأهيل الفني والتدريب المطلوب لإدارة الموارد المائية. والعمل على أن تضع كل دول حوض النيل خططا قومية للمياه (MASTER PLANS ). ثم وضع خطة تنسيق بينها تسمي خطة عمل لحوض النيل (NILE BASIN ACTION PLAN ) هدف الخطة على المدى البعيد هو:
    " تحقيق تعاون بين كافة دول حوض النيل لتطوير الحوض تطويرا تكامليا يقوم على توزيع عادل للمياه".
    قامت تكونيل بمساعدة من العون الكندي بوضع خطة سميت خطة عمل حوض نهر النيل (NRBAP ).
    و قامت تكونيل بمبادرات إقليمية عديدة وساهمت في عدد كبير من المؤتمرات، وورشات العمل، والسمنارات المتعلقة بمياه النيل. وساهمت في المنابر العالمية المتخصصة في شئون المياه وأهمها:
    &#61558; مجلس المياه العالمي. W.W.C
    &#61558; التجمع العالمي للموارد المائية I.W.R.A
    &#61558; الشراكة العالمية للمياه. G.W.P
    &#61558; الشبكة العالمية لمنظمات الأحواض I.N.B.O
    وفي 1997 طلب مجلس وزراء الري لدول حوض النيل من البنك الدولي تنسيق مساهمات الجهات الخارجية لتمويل وتنفيذ خطة عمل حوض نهر النيل فلبي البنك الطلب مستعينا ببرنامج الأمم المتحدة للتنمية ووكالة العون الدولي الكندية. هذه الجهات راجعت خطة العمل ووضعت أولويات للتنفيذ لتقدم توصياتها لمنبر دولي خاص بالتعاون في حوض النيل. وفي مارس 1998 اطلع مجلس وزراء الري في دول النيل على الخطة المراجعة وأجازوها تحت عنوان: رؤية موحدة وعمل موحد لحوض النيل. وقرروا إقامة هيئة جديدة تخلف تكونيل سموها مبادرة حوض النيل (NILE BASIN INITIATIVE ) . شعار هذه المبادرة هو: يجب أن يستخدم النيل للتعاون الإقليمي لا ليكون مصدر نزاع.
    اتفقوا على اعتماد رؤية موحدة هدفها تحقيق تنمية اجتماعية اقتصادية مستدامة عن طريق الاستخدام العادل لمياه النيل والانتفاع المشترك بموارده.

    المنظمة المترولوجية العالمية
    توافر معلومات دقيقة عن الموارد المائية في كل قطر، ومعلومات دقيقة عن الطقس وتقلباته، مهام ضرورية للدول.
    في هذه المجالات فإن استخدام التكنولوجيا الحديثة يساهم في جمع وحفظ وتحليل وبث المعلومات الدقيقة المطلوبة.
    إن المنظمة المترولوجية العالمية تقوم بمهام التعاون في جمع البيانات عن الموارد المائية وتكوين شبكات من محطات قياس الموارد المائية وتقوم بجمع البيانات وتحليلها لقراءة اتجاهات المستقبل والإنذار المبكر من الجفاف والفيضان.
    هذه المنظمة تعني بكل وسائل المراقبة والمتابعة الخاصة بالمياه وبنقل التقنيات والأساليب الحديثة.
    أهم وسائل هذه المنظمة برنامج ويكوس (WHYCOS ) نظام مراقبة الدورة الهيدرولجية (الموارد المائية) العالمية. برنامج ويكوس هذا برنامج عالمي هدفه الحصول على معلومات دقيقة عن الموارد المائية وعن أحوال الطقس في العواصم المختلفة. البرنامج يعتمد على شبكة من المحطات التي تحصل على معلومات هيدرولوجية (الموارد المائية) وطقسية عن طريق الأقمار الصناعية على المستوى القطري والإقليمي. المعلومات التي تجمع عن الموارد المائية والطقس عن طريق المحطات المائية تبث لكل الجهات المعنية بإدارة المياه أولا بأول. شبكة جمع المعلومات تقوم على محطات قطرية تكون شبكة قطرية (NHS ) . هذه الشبكة ترتبط مع غيرها من الشبكات القطرية لتكوين شبكة على نطاق الإقليم تسمي نظام المراقبة الإقليمية. ويوجد الآن عدد من هذه النظم الإقليمية في الأقاليم الآتية: البحر الأبيض المتوسط – جنوبي أفريقيا – المنطقة الكاريبية – حوض الكنغو – حوض النيل – القرن الإفريقي.
    و نتيجة لنشاط المنظمة المترولوجية العالمية صارت المعلومات عن الموارد المائية والطقس أكثر دقة من حيث جمعها وحفظها وتحليلها وبثها للأغراض المختلفة.
    هذا التقدم الكبير في المجالات الفنية وفي التعاون الفني إقليميا وعالميا لم يواكبه تعاون في المجالات الواسعة السياسية والاقتصادية والثقافية في حوض النيل لأن بين دول الحوض اختلافا كبيرا حول مياه النيل. اختلاف سيؤثر سلبا على الثقة المتبادلة وعلى التعاون ما لم تتفاوض دول الحوض وتبرم اتفاقية شاملة حول مياه النيل.

    منظمة الاندوجو
    في عام 1983 دعت مصر لتكوين منظمة الاندوجو (الإخاء) لكي تضم دول حوض النيل في تكوين يهدف للتعاون السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي والثقافي بين دول حوض النيل.
    لقد كانت منظمة الاندوجو ولا زالت أمنية في الاتجاه الصحيح ولكن الذي قعد بنشاطها فلم يتعد إبداء النوايا الطيبة وتحضير الدراسات وتكوين الآليات: أن الأحوال السياسية، ومراحل النمو الاقتصادي، والهويات الثقافية، في دول حوض النيل متباينة غاية التباين.
    كذلك هنالك بون شاسع بين دول حوض النيل حول رؤيتها للحق في مياه النيل مما جعل بينها نزاعا صامتا يكمن وراء سياساتها ويظهر أحيانا في الصحافة في بلدانها وفي تصريحات المسئولين وفي المنابر الدراسية وورشات العمل والسمنارات والمؤتمرات.
    إن للاندوجو مجلس وزراء مكون من وزراء الخارجية، تدعمه لجنة فنية مكونة من سفراء من بلدان حوض النيل، تساعدها سكرتارية.
    هذه الآلية وغيرها من آليات التعاون بين دول حوض النيل في المجالات الأوسع من المجال الفني يشلها غياب إرادة سياسية مشتركة في دول الحوض للتصدي لأسس الخلاف حول مياه النيل وحسمها وإبرام اتفاقية شاملة لمياه النيل على نطاق الحوض ترضاها وتدعمها وتتعاون على أساسها كل دول الحوض.
    الموقف الحالي في حوض النيل هو أن التعاون بين دول الحوض جزئي ومحاط بكثير من عدم الثقة، وان الاتفاقات الموجودة ثنائية، والدعم الدولي على الصعيد الجماعي والثنائي متوافر بكثرة ولكنه غير منسق ولا توجد وسيلة لمتابعة دراساته وتوصياته المختلفة. والمطلوب بإلحاح شديد إبرام اتفاقية شاملة تؤسس تعاونا جماعيا وإيجاد وسيلة لتنسيق الدعم الدولي الجماعي والثنائي والتمكين من المتابعة لتحقيق الأثر المطلوب.
    و في هذا الصدد إن للأمم المتحدة منظمات متخصصة هي الأكثر نجاحا وفاعلية في أنشطة الأمم المتحدة مثل منظمات الصحة العالمية، اليونسكو، وغيرهما.
    إن ندرة المياه وأهميتها للإنسان وللتنمية وأثرها المباشر على الصحة وعلى كل المناشط توجب تكوين هيئة متخصصة تابعة للأمم المتحدة لتعني بقضية المياه على الصعيد العالمي ولتقوم بتنسيق الجهود الموجودة حاليا في سبيل إدارة افضل لموارد العالم المائية.
    الماء أكثر من أية ثروة طبيعية أخرى يواجه الإنسانية بضرورة الخروج من الذهنية القطرية إلي ذهنية الاعتماد المتبادل بين الدول المتشاطئة على نهر واحد أو حوض جوفي واحد أو بحيرة عذبة واحدة.
    نعم يري بعض الناس في هذا الاعتماد المتبادل خطرا على الأمن القومي لأنه يقتضي اعتمادا على آخر لا تؤمن تصرفاته على المدى الأوسط والبعيد.
    و لكن لا سبيل لتوزيع مستدام للموجود من المياه، ولزيادة تدفقه، ولإقامة بنيات تحتية ترفع من الطاقة التخزينية في البحيرات وترفع من إنتاج الكهرباء لمصلحة الجميع، ولتنفيذ برامج تضبط حركة المياه، وتحافظ على سلامة البيئة الطبيعية إلا عن طريق التعاون والاعتماد المتبادل.
    هذه المنافع العديدة تحقق مصالح مشتركة ولذلك فهي تزيد من أمن كل قطر من الأقطار المعنية في المدى الوسيط والمدى البعيد.
    لقد نما الوعي بالمسألة المائية نموا هائلا في أواخر القرن العشرين، ففي العام الماضي وحده شهدت القاهرة في شهر مارس ثلاثة مؤتمرات هامة بشأن المياه.
    لقد تتبعت أوراق كثير من هذه المؤتمرات وحلقات النقاش وما جاء في الصحف عنها من أخبار وتعليقات فأدهشني كيف أن قضايا النيل تراوح مكانها. ففي هذه المنابر يكتفي الساسة بعبارات المجاملة الفضفاضة أو يعبرون عن وجهات نظر متناقضة ليس بينها مجال لحوار. ويقدم الفنيون والخبراء دراسات فنية متخصصة جيدة في مجالها المحدود ولكن لا يرجى أن يستفاد منها بالقدر المطلوب ما لم تحقق الإرادة السياسية اتفاقا يفتح أبواب التعاون المغلقة ويسمح بالاستفادة القصوى من دراسات الفنيين والمتخصصين.
    إذا استمر التنافر الحالي فسوف يكون النزاع حادا في الموارد الموجودة ويصاب التعاون في كل المجالات بشلل. ولكن إذا تحقق الوفاق والتعاون المترتب عليه فإن زيادة كمية المياه بما يغطي حاجة الجميع واردة.
    جاء في دراسة فنية قدمها ثلاثة خبراء من مصر الآتي:" إذا تعاون المنتفعون من مياه النيل فمن الممكن زيادة تدفق مياه النيل بمقدار 57.453 مليار متر مكعب في السنة".
    هذا التفاؤل تؤكده دراسات خبراء عالميين: قال جيروم دي برسكولي: إن التكنولوجيا تبشرنا الآن بأن كمية المياه في العالم كافية إذا كان التعاون والعمل المشترك هما أساس وسائل تعاملنا مع بعضنا بعضا.
    وعد النيل أن يبرم اتفاق شامل يفتح أبواب التعاون بين شعوب وحكومات حوض النيل ويحقق التنمية والرخاء للكافة. ويشكل قدوة تشع نورا تهتدي به أحواض وأقاليم أخرى في أفريقيا وآسيا.
    وعيد النيل هو أن تحول النظرة القصيرة دون التعاون بل تؤدي لنزاع حاد حول الموارد الحالية وتقفل الباب أمام زيادتها. وبالفعل ورد الفعل تتفجر الحرب الصامتة الحالية. وتجر إليها بؤر التوتر الأكثر حدة المشتعلة في حوض الأردن، وحوض الرافدين، وحوض السنغال ويصبح حوض النيل بركانا تلتهب ناره فيه وفيما حوله.
    إن حوض النيل مرشح أن يكون واصل أفريقيا شمال الصحراء وجنوب الصحراء بل بشير الحوار الحضاري المأمول لإنقاذ الإنسانية من ويلات صدام الحضارات. وهو في الوقت نفسه يمكن أن يكون فاصل أفريقيا شمال الصحراء وجنوبها. ونذير الصدام الحضاري الظلامي الذي يهدد الإخاء الإنساني. كلا الأمرين وارد. وما سوف يحدث متوقف على الإرادة السياسية في حوض النيل:

    أمامك فاختر أي نهجيك تنهج طريقان شتى مستقيم وأعوج


                  

04-28-2009, 07:32 AM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مياه النيل الوعد والوعيد - بقلم الصادق المهدي (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    الفصل الثاني

    مياه النيل: مسالة الطلب


    اللغة العربية لغة أصيلة لذلك احتفظت مفرداتها بالمعاني التي استهدفها أصحابها في صياغة تلك المفردات. كان للعرب تقدير يقارب التقديس للماء فهطوله غيث، والندى هو رمز الفضائل والمكرمات. والإبل الدواب الأقدر على تحمل العطش هي سفينة الصحراء وزينة الدواب وقد سمي الجمل جملا لأن فيه جمالا عند العرب ولذلك أشار إليه الكتاب بقوله"وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ”. اللغة العربية، والثقافة العربية القديمة متحف لذهنية تحفظ الماء في حدقات العيون.
    بفتح الإسلام تطورت اللغة العربية وثقافتها فصارت لغة لثقافة عالمية تمددت فثاقفت صناع الحضارات العريقة في وديان الأنهار التاريخية، في وادي الرافدين وفي وادي النيل.
    أصحاب الحضارات العريقة في أودية الأنهار التاريخية كانوا يعظمون الماء ويقدسون أنهاره ولكنهم كانوا يفترضون وفرته هبة إلهية ومباحا طبيعيا.
    ثم جاء القرن العشرين لا سيما في ثلثه الأخير ليطرد ذلك الحلم الجميل.
    إنسان القرن العشرين كانسان البادية العربية – ولكن لأسباب مختلفة- ظهر له الاحتياج الحاد للماء العذب وتبين ندرته.
    هنالك خمسة أسباب لهذه الظاهرة:
    في هذا العام الأول من القرن الجديد في الألفية الثالثة للميلاد تجاوز عدد سكان الأرض ستة بلايين نسمة.
    و زادت نسبة السكان الذين يعيشون في الحواضر ذات الاستخدام العالي للمياه في مجالات الحياة المنزلية والصرف الصحي.
    و اتسع استخدام المياه للزراعة المروية التي صارت تشكل ثلث الإنتاج الزراعي في العالم.
    و زحفت التنمية الصناعية مصحوبة باستخدام صناعي للمياه مرتفع.
    و نما الإنتاج الكهرومائي للطاقة نموا هائلا. هذه المتغيرات والأنشطة أظهرت عجزا في الموارد المائية.
    و استنادا على مؤشرات القرن العشرين قدرت منظمة الفاو (منظمة الغذاء والزراعة العالمية) أن الطلب على المياه في العالم يتضاعف كل 21 عاما.
    نعم بعض البلدان مبللة بالمياه العذبة، ولكن أكثر من 80 دولة في العالم تعاني نقصا في المياه العذبة، بمعني أن ما تستغله من مواردها المائية أقل من احتياجاتها، أو تعاني عجزا في المياه العذبة، بمعني أن مواردها المائية أقل من احتياجاتها.
    أما الشرق الأوسط، المبلل بالنفط، فإنه في الغالب جاف مائيا لدرجة أن معهد الموارد المائية العالمية دق ناقوس الخطر قائلا أن منطقة الشرق الأوسط منطقة بلغ فيها العجز المائي حد الأزمة.
    و من قبل استعرض المؤتمر الدولي للدراسات الشرق أوسطية مسألة المياه لا سيما في أحواض النيل، والأردن، والرافدين، ثم قال:" كان النفط هو المسيطر على الجغرافيا السياسية (جيوبولوتيكا) للموارد في الشرق الأوسط. في المستقبل المنظور سوف يحتل الماء هذه المكانة".
    لأسباب ذكرناها، كان الطلب لمياه النيل في الأساس طلبا مصريا. الكثافة السكانية في بلدان حوض النيل كانت أقل وحاجتهم لموارد النيل المائية قليلة ومواردهم الأخرى وفيرة.
    أثناء القرن العشرين ظهر طلب سوداني لمياه النيل عبرت عنه اتفاقية مياه النيل لعام 1929 ثم اتفاق الانتفاع الكامل بمياه نهر النيل لعام 1959 بين مصر والسودان. ومنذ حين تتابع الطلب لمياه النيل ليشمل كافة بلدان الحوض.
    طلب لم يجد استجابة قانونية بعد وإن كانت اتفاقية 1959 قد اعترفت به في بعض بنودها.
    جاء هذا الاعتراف في النص التالي: نظرا إلي أن البلاد التي تقع على النيل غير الجمهوريتين المتعاقدتين (مصر والسودان) تطالب بنصيب في مياه النيل، فقد اتفقت الجمهوريتان على أن يبحثا سويا مطالب هذه البلاد ويتفقا على رأي موحد بشأنها. فإذا أسفر البحث عن إمكان قبول أية كمية من إيراد النهر تخصص لبلد منها أو لآخر فإن هذا القدر محسوبا عند أسوان يخصم مناصفة بينهما".
    يستخدم الماء العذب لأغراض معلومة يوزع عليها بنسب معينة تتفاوت من بلد لبلد ومن إقليم لإقليم. فيما يلي بيان يوضح نسب استخدام المياه للأغراض المختلفة في الشرق الأوسط (في المتوسط):


    النسبة المئوية الاستخدام
    6.9 % للأغراض المنزلية والخدمات الحضرية كالمستشفيات، المدارس، دور العبادة.
    5.1% للأغراض الصناعية
    88% للزراعة.

    هذا الفصل سوف يبين حجم الطلب لمياه النيل في دول حوض النيل ثم يتناول وسائل ترشيد هذا الطلب.
    دول حوض النيل، حسب حجم طلبها لمياه النيل، هي: مصر، السودان، أثيوبيا، كينيا، يوغندا، تنزانيا، رواندا، بوروندي، إريتريا، الكنغو.

    الطلب المصري لمياه النيل:
    لا مصر بلا نيل. أنها في الحقيقة والمجاز زهرة النيل وثمرته وطلبها لمائه شريان حياتها. حجم الطلب المصري لمياه النيل حسب تقدير الخطة القومية MASTER PLAN يساوي 63 مليار متر مكعب بحلول عام 2000.
    هذا الرقم يأخذ في الحسبان زيادات الطلب وترشيد الطلب نتيجة لخفض المساحات التي تزرع المحاصيل الشرهة للمياه (الأرز – قصب السكر).
    و في ورقة رسمية مصرية قدمت لمؤتمر النيل عام 2002 وردت التقديرات الآتية للطلب المصري :

    الحجم بمليارات الأمتار المكعبة الاستخدام
    3 الأغراض المنزلية والخدمات الحضرية
    6 الأغراض الصناعية
    56 الأغراض الزراعية
    65 جملة الطلب السنوي.

    و منذ عام 1997 اعتمدت سياسة توسع زراعي واستيطاني جديدة هادفة لزيادة الرقعة المعمورة في مصر. سياسة من شأنها أن ترتفع بالمساحة المزروعة إلي 11 مليون فدان أي بزيادة 3.4 مليون للرقعة المزروعة.
    فيما يلي بيان الزيادة المخطط لها:
    i. مشروع ترعة السلام وبيانه :
    220 ألف فدان غرب قناة السويس.
    400 ألف فدان في الشريط الساحلي لشبه جزيرة سيناء إلي الشرق من قناة السويس.
    620 ألف فدان.
    ii. مشروع تنمية جنوب الوادي لزراعة 1.5 مليون فدان على ثلاثة أجزاء:-
    &#61607; زراعة أراض بمنطقة شرق العوينات، ودرب الأربعين، ومنخفضات الصحراء الغربية في مراحل:
    الخارجة، الداخلة، غرب الموهوب، أبو منقار، الفرافرة، البحيرية وسيوة. هذه الأراضي سوف تروى بالمياه الجوفية.
    &#61607; مشروع توشكي الذي يهدف لزراعة 540 ألف فدان ستروى من بحيرة ناصر (النوبة) بعد رفع المياه منها لترعة الشيخ زايد.
    و سوف تتفرع منها شبكة من الترع تروى هذه المساحات.
    بناء على التقديرات الأخيرة فإن مصر سوف تحتاج لكمية مياه تبلغ 79 مليار متر مكعب من المياه لتغطية الحاجة للزراعة، الصناعة، والأغراض المنزلية والخدمات الحضرية. أي أن الزيادة المطلوبة في حصة مصر الحالية وقدرها 55.5 مليار متر مكعب تبلغ 13.5 مليار متر مكعب.
    لقد وفر السد العالي حماية لمصر من الفيضانات وموردا آمنا للمياه في الصيف. ويسر تعميم زراعة محصولين في كل أنحاء البلاد. وضمن تخزين المياه على مدار السنين لتكون عونا لمصر في السنين العجاف. وتوليد الطاقة الكهرومائية.
    و لكن من سلبيات السد أن نهر النيل كان يرسب سنويا حوالي 90 – 140 مليون متر مكعب من الطمي في ا
    لأراضي الزراعية، هذا قل الآن مما جعل الأراضي المصرية تحتاج لكميات أكبر من المخصبات. وزاد ترسب الطمي وراء السد مما يقلل العمر الافتراضي للسد.
    و في يوليو عام 1992 حذر حمدى الطاهر رئيس الهيئة العامة للسد أن الطمي المترسب مدى 20 عاما يمكن أن يوقف تدفق المياه في بحيرة ناصر ويحولها غربا إلي الصحراء. وفي عام 1996 قال: " إن الطمي المتراكم يمكن أن يكون دلتا في الجنوب. أو ربما يحدث ما هو أسوأ من ذلك فيحول النهر مجراه نحو الغرب في الصحراء. إن هذه المشكلة يمكن أن تؤدي إلي كارثة."
    و لكي ينتج السد العالي الطاقة الكهرومائية المطلوبة ينبغي أن يكون تدفق مياه النيل طبيعيا للمحافظة على المياه وراء السد في مستوى معين.
    و لكن دفق المياه ما بين 1979 وعام 1987 كان متدنيا باستثناء عام 1980 لذلك هبط مخزون المياه في السد لاستخدام المياه في الري وهبط إنتاج الطاقة الكهرومائية.
    ففي 1979 كان السد يؤمن أكثر من نصف الكهرباء للبلاد ولكن في 1983 نزلت النسبة إلي 31% وفي عام 1986 إلي 20%.

    الطلب السوداني للمياه:
    الطلب السوداني لمياه النيل يتعلق بالحاجة للزراعة المروية وبالمياه المطلوبة للصناعة وللاستخدام في المدن والخدمات البلدية ولإنتاج الطاقة الكهرومائية.
    السودان يحظى بأراض واسعة صالحة للزراعة المروية ولكن عدم توافر المياه هو الذي يحد من استغلالها للزراعة المروية.
    المستغل الآن من الموارد المائية النهرية في السودان يبلغ 16.7 مليار متر مكعب في السنة توزيع استخدامها كالآتي:
    90% للزراعة لري 3.7 مليون فدان.
    8% احتياجات الإنسان والحيوان.
    2% الصناعة والتبخر الإضافي نتيجة التخزين
    التوسع الزراعي في القطاع المروى في السودان يخطط لزيادة الرقعة من 4 مليون فدان إلي 10 مليون فدان بزيادة 6 مليون فدان.
    الدكتوران المصريان حسن بكر وإبراهيم سليمان كلاهما يقدران أن السودان يحتاج لكمية 15 مليار متر مكعب من المياه لزراعة المساحة الإضافية المذكورة.
    السودان ينتج الآن 278 ميغاواط من الطاقة الكهرومائية.
    هنالك مشروعات سودانية لزيادة إنتاج الطاقة الكهرومائية بيانها:
    1000 ميغاواط- مروي
    100 ميغاواط- كاجبار
    300 ميغاواط- الشريك
    30 ميغاواط- عطبرة
    1570 ميغاواط- مشروعات أخرى
    3000 ميغاواط.. أي زيادة إنتاج الطاقة الكهرومائية إلى أكثر من عشرة أضعافها.
    التقدير هو أن زيادة مخزون المياه في هذه الخزانات والسدود سوف يحتاج لمليار متر مكعب من المياه.
    خطة السودان لزيادة المساحة المروية إلى 10 مليون فدان والاحتياجات الأخرى للزراعة والصناعة ومياه الشرب والطاقة تحتاج حوالي 32,5 مليار متر مكعب. حسب التقدير الرسمي الحالي قل 20 مليار على أقل تقدير.

    الطلب الأثيوبي للمياه
    إثيوبيا مبللة بالمياه. يشق أراضيها 12 نهرا في الغالب دوليا مشتركا مع جيران إثيوبيا، لذلك سميت إثيوبيا نافورة إفريقيا. ولكن إثيوبيا لم تستغل هذه المياه للزراعة المروية ولا لإنتاج الطاقة الكهرومائية إلا قليلا بحيث يبلغ استخدامها للمياه 0.6 مليار متر مكعب.
    الزراعة في إثيوبيا تعتمد على الأمطار إلا 3% من الرقعة المزروعة مروية. أما نسبة الأراضي المروية في حوض النيل للرقعة المزروعة في إثيوبيا فهي ضعيفة جدا (0.2%).
    لذلك ساد الافتراض لوقت طويل أن إثيوبيا غير محتاجة لمياه النيل.
    هذه الصورة تغيرت تماما في النصف الثاني من القرن العشرين. سكان إثيوبيا تكاثروا فبلغ عددهم 60 مليون وزيادة. وأصيبت البلاد في بعض أجزائها بالجفاف فاستبدت بها المجاعات.
    و اتلف الجفاف والاحتطاب الغطاء النباتي في أثيوبيا فانحسر إلا قليلا. كانت الغابات تغطي 40% من أرض أثيوبيا فانحسرت الآن لتغطي 4% وبالتالي زادت الحاجة للطاقة.
    أظهرت الدراسات وجود كميات واسعة من الأراضي الأثيوبية صالحة للزراعة المروية تبلغ 3.5 مليون هكتار. منها 2.3 مليون هكتار تقع في حوض النيل في منطقتي النيل الأزرق ونهر السوباط. وارتفاع منابع النيل الأزرق البالغ 1786 مترا واندفاعه عبر مجراه البالغ 100 كيلو متر ظاهرة طبوغرافية تصلح لإنتاج كمية ضخمة من الطاقة الكهرومائية. تقدر بحوالي 38 ألف ميغاواط.
    التقدير الحالي هو أن مشروعات أثيوبيا للزراعة المروية ولإنتاج الطاقة الكهرومائية تحتاج لكمية مياه تبلغ 7 مليارات من الأمتار المكعبة.
    و لكن الاتفاقيات الموروثة تلزم أثيوبيا بالامتناع عن إقامة أية مشاريع في أعلى النيل تؤثر بالنقصان على تدفق مياه النيل نحو المصب في مصر إلا بموافقتها. والاتفاقية المصرية السودانية عام 1959 خصصت كامل مياه النهر المقدرة84 مليار متر مكعب في أسوان لمصر والسودان.
    هذا التنازع يكمن وراء العبارات العدائية التي نشبت أظافرها في الجدل المتعلق بمياه النيل فسممته: عبارات عدوانية المياه. الابتزاز المائي. الاحتكار المائي. وحرب المياه الصامتة..وهلم جرا.
    I) بدأ الحديث الأثيوبي الصريح عن موضوع مياه النيل وضرورة الاعتراف بالحق الأثيوبي فيه منذ عام 1956. أعلنت أثيوبيا أنها لم تعد تلتزم بالاتفاقيات والبروتوكولات القديمة الخاصة بمياه النيل والتي وقع عليها منليك الثاني في أوائل القرن العشرين. نشرت هذا الإعلان صحيفة الهرالد الأثيوبية في فبراير 1956 . وأضافت:" إن لأثيوبيا الحق في استغلال مياه النيل الذي ينبع في أراضيها."
    II) في مؤتمر الأمم المتحدة المنعقد في 1983 من أجل بحث قضايا التنمية في البلدان النامية، قدمت أثيوبيا خطة لإنشاء 40 مشروعاً للزراعة المروية ولإنتاج الطاقة الكهرومائية. وقال الوفد الأثيوبي محددا موقفه: إن أثيوبيا تطالب بمراجعة الاتفاقيات الحالية المتعلقة بالمياه لتتمكن من تنفيذ المشاريع التي قدمتها. وقال: لكن إذا استحالت المراجعة بالتراضي فان أثيوبيا تحتفظ لنفسها بالحق في الإقدام على التنفيذ بشكل منفرد.
    III) هذا النزاع حول مياه النيل دخل مرحلة جديدة أثناء الحرب الباردة لا سيما بعد تأميم قناة السويس ووقوف المعسكر الغربي ضد مصر ووقوف المعسكر الشرقي معها وبروز استقطاب دولي حاد. في ذلك المناخ المشحون تولي مكتب شئون الولايات المتحدة لاستصلاح الأراضي دراسة الإمكانات الأثيوبية للزراعة المروية ولإنتاج الطاقة الكهرومائية في عام 1958. استغرقت الدراسة خمس سنوات ونشرت نتائجها في عام 1963 في 17 مجلداً ضخماً.
    IV) وفي المؤتمر السابع الذي ضم دول حوض النيل والذي عقد في القاهرة في مارس 1999م تحدث مندوب أثيوبيا عن حجم الزراعة المروية والإنتاج الكهرومائي الممكن في أثيوبيا موضحا احتياجات بلاده من مياه النيل. قال: إن تحقيق الأمن الغذائي لبلاده، وإنتاج الطاقة الكهرومائية للتنمية يوجبان إعادة توزيع مياه النيل بما يكفي حاجة كافة دول النيل. قال المتحدث الإثيوبي:" إن الذي يجري في حوض النيل حاليا لا يمكن استمراره في المستقبل لأن فيه استخداما غير متوازن لمياه النيل. إن اتفاقيات مياه النيل الحالية يجب أن تلغي لتحل محلها اتفاقية تقوم على مبدأ الاستخدام العادل لموارد النيل المائية."
    و قال:" مع أن أثيوبيا تساهم بالنصيب الأوفر في مياه النيل، فإننا نعتقد أن النيل ليس ملكا لدولة أو دولتين ولكنه ملك لكل الدول التي تقع في حوضه."
    التقديرات الواردة حاليا تجعل المياه المطلوبة لأثيوبيا لتنفيذ المشروعات المذكورة تبلغ 7 مليار متر مكعب أي أكثر من عشرة أضعاف ما تستهلكه أثيوبيا الآن من النيل الأزرق ونهر السوباط وهما من أكبر روافد النيل من حيث حجم ما يصبان فيه من مياه.

    طلب دول منابع النيل الأبيض
    دول منابع النيل الأبيض هي: كينيا، يوغندا، تنزانيا، رواندا، بروندي، الكنغو(زائير).
    الدول التي كانت خاضعة للاستعمار البريطاني (كينيا، يوغندا، تنزانيا) التزمت بريطانيا باسمها باتفاقية 1929 مع مصر. هذه الاتفاقية تعتبر ملزمة لهذه الدول بموجب توارث الاتفاقيات. الاتفاقية تنص على الآتي:-
    " ألا تقام في هذه البلدان بغير اتفاق مسبق مع مصر أية أعمال ري أو توليد كهرباء. وألا تقام على فروع النيل أو منابعه أعمال أو منشآت من شأنها إنقاص المياه المتدفقة إلي مصر أو تعديل مواعيد وصولها أو إنقاص مناسيبها."
    لكن هذه المستعمرات البريطانية السابقة تخلت عن التزامها بتلك الاتفاقية. صيغ هذا التخلي في مبدأ نيريري الذي جاء فيه:
    تلتزم تنزانيا باتفاقية 1929 لمدة سماح لا تتجاوز العامين. أثناء فترة السماح هذه ينبغي أن تبرم اتفاقية بديلة. فإن لم يحدث ذلك أثناء العامين المذكورين فإن تنزانيا تعتبر اتفاقية 1929 لاغية من جانب واحد."
    هذا المبدأ أيدته كينيا لدي استقلالها ثم يوغندا. وقد مضي العامان بعد استقلال الدول الثلاث ولم يعقد اتفاق جديد.
    قال د. أوديدي أوكيدي عميد دراسات البيئة في جامعة موى في كينيا (1990) :" إن كينيا تسهم في مياه النيل بفضل روافد تنبع فيها وتصب في بحيرة فكتوريا المنبع الأكبر لبحر الجبل الذي يغذي النيل الأبيض. ومع ذلك فإن ثلثي أراضي كينيا قاحلة. إن علينا أن ننقل المياه وأن نستغلها في الزراعة."
    و قال: " إن القانون الدولي القابل للتطبيق في حالة موارد النيل المائية يتطور بسرعة شديدة. وهو الآن – 1990 – أوضح مما كان في الماضي. هذا من شأنه أن يقنع جميع دول حوض النيل بفائدة إعادة النظر في توزيع المياه على دول الحوض. إن على تلك الدول أن تعمل بصورة مشتركة للوصول لنظام إقليمي جديد يتفق مع احتياجات دول حوض النيل. إن الاتفاقات الموروثة من عهد الاستعمار لا تتمشى مع حقوق دول المنبع ولا مع ضرورات التنمية فيها."
    &#61607; رواندا وبورندي لديهما مشاريع ري وإنتاج طاقة كهرومائية على نهر كاجيرا أهم روافد بحيرة فكتوريا. هذه المشروعات بالإضافة لمشروعات تنزانيا تؤدي لنقص في وارد المياه لبحيرة فكتوريا يبلغ 3 مليارات متر مكعب من الماء.
    &#61607; كانت كافة استخدامات تنزانيا، وكينيا، ويوغندا، ورواندا، وبروندي، من مياه النيل في الثمانينات لا تزيد عن 0.88 مليار متر مكعب أي دون المليار . ولكن تقدير المشروعات والخطط المزمعة ترفع الطلب على المياه إلي عشرة أضعاف ذلك الرقم أي 8,8 مليار متر مكعب.
    &#61607; شلالات انيانجا هي أكبر شلالات في العالم وتقع في الكنغو ويمكن استغلالها لإنتاج كمية ضخمة من الطاقة الكهرومائية تبلغ 50 ألف ميغاواط لتصدر لدول حوض النيل الأخرى ولدول أفريقية خارج حوض النيل ولأوروبا. هنالك الآن ضمن مشروعات منظمة الاندوجو مشروع لاستغلال شلالات انيانجا لإنتاج الطاقة الكهرومائية ولربطها مع محطة كهرباء السد العالي في أسوان لتحقيق درجة أعلى من توزيع الطاقة الكهرومائية.

    الخلاصة:
    دول منابع النيل الأبيض تتطلع لزيادة استهلاكها من المياه التي تغذي النيل الأبيض للزراعة المروية. ولديها إمكانات كبيرة لإنتاج الطاقة الكهرومائية (التقدير أن تنتج شلالات الكنغو 50 ألف ميغاواط. وشلالات شمال يوغندا وسدود إثيوبيا 38 ألف ميغاواط) ومشروعاتها المزمعة تتطلب مضاعفة ما تستهلكه من مياه النيل عشرة أضعاف ما تستهلكه الآن.
    مياه النيل المتاحة حاليا تبلغ 84 مليار متر مكعب (في أسوان) يضيع منها 10 مليارات متر مكعب عن طريق التبخر. تبقي 74 مليار متر مكعب. هذه موزعة بين مصر والسودان بنسبة 3 :1 بموجب اتفاقية 1959 الثنائية.


    البيانات التي قدمت هنا تبين أن الطلب الإضافي لمياه النيل فوق الدفق الحالي يبلغ:-

    كمية المياه (بالمليار متر مكعب) البــــــلاد
    13.5 مصر
    20,0 السودان
    7,0 إثيوبيا
    8,8 دول منابع النيل الأبيض
    49,3 المجموع
    فمن أين تأتي هذه المياه الإضافية؟ هناك وسيلتان للإجابة على هذا السؤال.
    الوسيلة الأولى: تحرى الطلب الحقيقي وضبطه عن طريق ترشيد استهلاك المياه للأغراض المختلفة. والوسيلة الثانية هي الاستجابة للطلب بزيادة دفق مياه النيل أو المياه البديلة إن وجدت.
    مسألة زيادة العرض ستكون موضوع الفصل القادم. هنا أتناول مسألة ترشيد الطلب لمياه النيل.

    ترشيد الطلب على المياه:
    التعامل مع الماء كأشعة الشمس والهواء من هبات الله السائبة ومباحات الطبيعة أورث تعاملا متسيبا مع المياه. لذلك حيثما نشأت الحاجة لمزيد من المياه اتجهت الإدارات المعنية إلي تحقيق زيادة في العرض كلما زاد الطلب. هذا التصرف يفترض أن زيادة العرض ممكنة وسهلة وأن المستهلكين للمياه للأغراض المختلفة يحسنون استخدامه. هذان الافتراضان لم يعد لهما مبرر انهما يتبعان لذهنية الوفرة.
    العوامل التي عددناها سابقا سببت ندرة المياه في مناطق كثيرة من العالم وأوجبت التحول من ذهنية الوفرة إلي الندرة. هذا التحول يقتضي وضع خطط قومية وبث برامج إعلامية لتحقيق مشروع توعية ينقل التعامل مع الماء من افتراض الوفرة إلي توقع الندرة.
    الخطوة الأولى في النهج الجديد هي أن يدرك الناس جميعا أن للماء ثمنا ينبغي دفعه لاستعماله في المجالات المختلفة.
    الناس الآن يدفعون في الغالب ثمنا للماء لا يزيد عن خمس تكاليف تشغيل مشروعات الري العام ناهيك عن دفع ثمن مقابل تأسيس تلك المشروعات. تدني أسعار الماء يجعله شبه مجاني ويغذي ذهنية الوفرة والإسراف في استعماله.
    المعلوم أن ذهنية الوفرة أدت إلي دعم أسعار المياه في البلدان المختلفة وللاستخدامات المختلفة دعما يتفاوت بين دولة وأخرى. ففي مصر مثلا يقدر البنك الدولي أن الدولة تدعم المياه بمبالغ تتراوح ما بين 5 مليار دولار و10 مليار دولار في السنة.
    تسعير المياه بسعر حقيقي هو الذي سوف يجعل مستهلكي المياه يدركون قيمة المياه ويقتصدون في استهلاكها. لقد كان التفكير في تسعير المياه يواجه رفضا واسعا. ولكن الرأي العام العالمي انتقل من الرفض للقبول. ففي عام 1992 عقدت اجتماعات تحضيرية " لقمة الأرض" المؤتمر الذي جمع بين رؤساء الدول في ريودي جانيرو لبحث قضايا البيئة الطبيعية والاتفاق على سياسة للمحافظة عليها. اشترك في تلك الاجتماعات التحضيرية لذلك المؤتمر علماء وخبراء في التخصصات المختلفة. اتفق علماء المياه الذين اشتركوا في تلك الاجتماعات التحضيرية على ضرورة تسعير المياه ومعاملتها كسلعة اقتصادية. قالوا:" إذا كانت المياه رخيصة فإنها سوف تهدر. ولكن إذا وضع لها سعر مناسب فإن الناس سوف يتعاملون معها كسلعة ثمينة وحقا يفعلون".
    سعر المياه المنشود ينبغي أن يغطي على الأقل تكاليف معالجة المياه ونقلها للمستهلكين. تسعير المياه لفرض السعر المناسب يجب ألا ينطلق من فراغ أو في تجريد من عوامل أخرى. فلا يمكن تطبيق سعر حقيقي لمياه المدن مثلا إذا كانت سياسة الأجور قائمة على افتراض مجانية أو شبه مجانية المياه. يجب أن تكون سياسة الأجور نفسها حقيقية. كذلك يجب أن يصحب تطبيق تسعير حقيقي للمياه للمستهلك الزراعي سياسة تسويق تجعل المزارع أو الفلاح يحصل على أسعار منتجاته الحقيقية وأن تكون السياسة الضريبية عادلة. أن تكون للمزارع مشاركة في كل العمليات التي تخص إنتاج محصوله وتسويقه بشفافية لا تترك خافية ولا تسمح بوصاية عليه.

    الترشيد الزراعي
    في إطار استمرار وسائل الري الزراعي التقليدية هنالك طائفة من الإصلاحات المطلوبة لترشيد استهلاك المياه في المجال الزراعي هي:-
    I) تحسين شبكات توزيع ونقل المياه.
    II) تطهير قنوات الري والصرف من الحشائش الطفيلية.
    III) تسوية الأراضي المروية تسوية دقيقة باستخدام الليزر لرفع كفاءة توزيع المياه.
    IV) استخدام السلالات والبذور المحسنة والمخصبات لرفع الإنتاجية.
    V) ممارسة الري الليلي لتقليل التبخر.
    VI) الحد من زراعة المحاصيل الشرهة للمياه مثل الأرز وقصب السكر. في بيان ورد ضمن دراسة متخصصة جاء أنه إذا خفضت المساحة التي تزرع الآن في مصر بمحصولي الأرز وقصب السكر من 6، 1 مليون فدان إلي 700 ألف فدان فإن ذلك سوف يؤدي لتوفير 3,5 مليار متر مكعب .

    و في نفس الاتجاه قدم خبيرا ري من مصر دراسة أوضحا فيها أن مصر تستطيع أن توفر 20 مليار متر مكعب من المياه إذا عزفت عن زراعة المحاصيل الشرهة للمياه (الأرز وقصب السكر) وإذا أعادت تدوير مياه الري الزراعي بعد معالجتها .
    هذه الإصلاحات كلها ممكنة في إطار الري السطحي. واستخدام الري بالغمر وتوزيع المياه عن طريق القنوات (الترع والجداول ) وهي تعتمد على الجاذبية الأرضية لتوصيل المياه للنباتات.
    ولكن هذه الوسائل التقليدية للري تهدر كميات كبيرة من المياه عن طريق التسرب، والرشح، والبخر، والنتح / بخر، والطفح. وهي الأسباب الأهم لهدر مياه الري لدى توزيعها ونقلها عن طريق الري السطحي الذي تتراوح كفاءة الري فيه ما بين 40% و50% أي أن أكثر من نصف المياه يضيع هدرا قبل أن يصل للنباتات. هذه الصورة من هدر المياه تختلف تماما إذا استخدمت أساليب الري الحديثة مثل الرش، والتنقيط. إن كفاءة الري بالرش عالية إذ تبلغ ما بين 65% و75% . أما الري بالتنقيط فكفاءته أعلى إذ تبلغ 90%.
    استخدام الري بالأساليب الحديثة محدود في حوض النيل. أعلى نسبة استخدام لها في مصر حيث تبلغ حوالي 20% من المساحة المزروعة.
    إن استخدام أساليب الري الحديثة في دول حوض النيل يرفع كفاءة استخدام المياه في الري ويقلل نسبة الهدر للمياه.
    تقف أمام التوسع في استخدام أساليب الري الحديثة عقبتان: الأولى نفقات تأسيس البنية التحتية اللازمة لها. والثانية تدريب الكوادر المؤهلة لتشغيلها. إن جدوى استعمال وسائل الري الحديثة تجعل الحصول على تمويل لتأسيسها ممكنا.

    ترشيد الطلب للاستخدام الصناعي
    التنمية الصناعية هدف استراتيجي للتنمية حتى في البلدان ذات القطاع الزراعي الكبير. والتنمية الصناعية تتطلب كميات من المياه تزيد مع زيادة الاستثمار الصناعي. إن التوسع في الاستثمار الصناعي يمكن أن يصحبه ضبط لطلب المياه إذا حرصت المصانع على عدم استخدام خامات ملوثة للمياه، وإذا حرصت على معالجة المياه التي تستخدمها لإعادة استعمالها. لكي تحقق السياسة الصناعية ترشيدا لطلب المياه فإنها يمكن أن تحقق الآتي:-
    أولا : تنظيم كوتات المياه للصناعات المختلفة حتى تدرك البرامج الاستثمارية أن الماء مادة محدودة فتأخذ ذلك في الحسبان.
    ثانيا: فرض ضرائب على المصانع التي تستخدم خامات ملوثة للمياه.
    ثالثا: تشجيع المصانع على إعادة تدوير المياه التي تستخدمها بعد معالجتها عن طريق فرض رسوم على استهلاكها للمياه وعن طريق تقديم حوافز للمصانع التي تقتصد في استخدام المياه.

    ترشيد استهلاك المياه للأغراض المنزلية والخدمات الحضرية
    أظهرت الدراسات التي أجرتها الأمم المتحدة أن قلة كفاءة المضخات في مياه المدن، وعيوب شبكات توزيع المياه، والوصلات الضعيفة تهدر 15% من المياه المستخدمة في المناطق الحضرية لأغراض البلديات كالمستشفيات والمدارس وللأغراض المنزلية.
    لذلك فإن تطوير محطات التنقية، وتجديد شبكات التوزيع، ووقف الفواقد داخل المنازل والمكاتب الحكومية، والمستشفيات، ودور العبادة، والمدارس نتيجة لضعف كفاءة الصنابير والمحابس والسيفونات، وقف هذه الفواقد سوف ينقذ هذه النسبة العالية من المياه الضائعة هدرا .
    إضافة لهذه الإجراءات ينبغي اتخاذ الإصلاحات الآتية لترشيد استهلاك المياه:
    I. زيادة أسعار المياه بصورة تصاعدية مع زيادة حجم الاستهلاك للأغراض المنزلية وذلك عن طريق زيادة التعريفة للوحدات المنزلية إذا تعدت حجما معينا من استهلاك المياه.
    II. هنالك الآن معدات كثيرة تقتصد في استهلاك المياه – مثلا – حنفيات تصب كمية معينة من المياه وتقطع تلقائيا. هذه المعدات المقتصدة في استهلاك المياه يمكن أن تركب في المنازل، المحلات التجارية، والمستشفيات، والمدارس، والمعاهد، ودور العبادة وهلم جرا.
    يمكن تشجيع هذه الوحدات المستهلكة للمياه للإقدام على تركيب هذه المعدات بوسائل الدعم المختلفة.
    إن تنفيذ سياسة ترشيد للطلب على المياه ناجحة يقتضي أن تهيمن على تلك البرامج المفصلة هنا السياسات الكلية الآتية:-
    أولا : إخضاع مؤسسات توزيع المياه للاستخدامات المختلفة لهيئة قومية واحدة توجه المؤسسات المعنية بتوفير المياه وتوحد السياسات واللوائح مركزة على الهدف الكلي لترشيد الطلب على المياه.
    ثانيا: تعميم تجربة جمعيات مستهلكي المياه المطبقة في القطاع الزراعي (المصري) لتشمل جمعيات مستهلكي المياه في القطاع الصناعي وفي قطاع البلديات لتساهم هذه الجمعيات في وضع سياسات الترشيد، وتشارك في تنفيذها، مما يحقق أعلى درجة من الشفافية والتجاوب الشعبي.
    إن الماء مادة حساسة للغاية وينبغي ألا يترك للإدارات البيروقراطية وحدها بل مع وضوح السياسات والوسائل تتم مشاركة المستهلكين ويكفل تجاوبهم.
    ثالثا: إن الانتقال إلي نظم ترشيد الطلب على المياه يقتضي إنفاقا استثماريا كبيرا في البنيات الأساسية، في المعدات اللازمة، وفي تكوين المؤسسات الفاعلة، وفي تدريب الكوادر المؤهلة لاستيعاب وتنفيذ سياسات الترشيد.
    هذا الصرف الاستثماري والتدريبي الكبير فوق طاقة الموارد القومية للبلدان المعنية.
    إن توفير التمويل اللازم لهذه البرامج يشكل أفضل هدف للتعاون مع المؤسسات الدولية والعلاقات الثنائية مع الدول الصديقة التي تدرك أهمية الموضوع وتبدى استعدادها للمشاركة فيه.
    كما أن البرنامج يمثل استثمارا مجديا ينبغي أن تستقطب له المؤسسات المالية العالمية. إذا صحت العزيمة القومية وكانت البرامج واضحة ومحضرة تحضيرا جيدا فإن استقطاب التمويل لها من المصادر المختلفة ممكن بل راجح.

    نواصل
                  

05-01-2009, 06:59 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مياه النيل الوعد والوعيد - بقلم الصادق المهدي (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    الفصل الثالث

    مياه النيل : مسألة العرض

    فتن الشعراء بجمال القمر وقارنوا بطلعته جمال البشر. ولكن على حد تعبير شكسبير" رب بعد أورث جمالا" أو المثل العربي الشائع تسمع بالمعيدى خير من أن تراه! كشفت الرؤية دمامة القمر وجفافه وصخوره المكشرة التي تصيح بناظرها ألا من ينفر؟
    أما الأرض كوكب إقامتنا فلم يشأ أحد أن ينسب لها الجمال حتى رأيناها من الفضاء الخارجي كما صورتها المركبات الفضائية فإذا بها كرة من بلور من فرط ما غطي سطحها من المياه. كرة من البلور وزينة في الوجود. "ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ" لكن ماءها البلوري شديد الملوحة صالح للحياة ولكنه غير صالح للاستخدام البشري إلا بعد معالجة باهظة الثمن .
    98% من مياه الأرض مياه مالحة. النسبة الباقية – 2%- هي المياه العذبة في الأرض.
    75% من المياه العذبة أي جلها متجمدة في القطبين الشمالي والجنوبي.
    الربع الباقي من المياه العذبة موزع توزيع من حظه الثري ومن حظه الثريا! عشر دول في العالم تسيطر على 70% من المياه العذبة بينما تعاني 80 دولة من شح المياه العذبة.
    سريان الأنهار لا يخضع للحدود الدولية بل تخضع له الحدود الدولية بحيث ينتظم العالم 270 نهرا دوليا تتدفق عبر دولتين وأكثر.
    في أفريقيا من هذه الأنهار الدولية المشتركة 56 نهرا.
    النيل أطول أنهار العالم وتهطل على حوضه أمطار كثيفة تبلغ جملتها 2000 مليار متر مكعب كل عام. هذا الطول وعبور المناخات المختلفة ضمن عوامل أخرى بدد هذا الثراء المائي وجعل النيل من أقل الأنهار العالمية دفقا مائيا حتى كأن الواصف قد عناه:
    " ضعاف الطير أطولها جسوما!" دفق النيل يبلغ 7% فقط من الهاطل الضخم على حوضه.

    الجدول (1)


    اسم النهر طوله بالكيلو متر دفقه بالمليار متر مكعب
    النيل 6670 125
    الأمازون 6280 6.930
    الميسيسيبي 5985 580
    الكنغو 4370 1.460
    يانقسيانج 5520 995
    النيجر 4160 320

    حوض النيل مكون من حوضين فرعيين هما:
    حوض النيل الأبيض النابع من الهضبة الاستوائية. وحوض النيل الأزرق النابع من الهضبة الأثيوبية. النهران الأبيض والأزرق يلتقيان في مدينة الخرطوم ويشكل ملتقاهما خرطوميتها في مقرن النيلين، ويكونان النيل المعرف بالألف واللام الذي يتهادى متجها نحو مصبه في البحر الأبيض المتوسط على شاطئ مصر.
    تتشاطأ على حيضان النيل الثلاثة دول عشر هي من المنابع للمصب:
    أثيوبيا
    الكنغو
    رواندا
    بوروندي
    تنزانيا
    كينيا
    يوغندا
    إريتريا
    السودان
    ومصر.

    السودان وحده هو جار لمعظم دول الحيضان الثلاثة أنه ملتقاها.
    مصادر المياه العذبة في الدول المختلفة هي مياه الأمطار- مياه الأنهار- المياه الجوفية. كل دول حوض النيل لديها بعض مصادر المياه البديلة الأخرى. لكنها في توافر بدائل مائية عذبة لمياه النيل تتفاوت تفاوتا كبيرا:
    I. دول أعالي النيل دول المنابع هي الأكثر حظا من حيث البدائل المائية للنيل.
    II. دولة المصب – مصر- هي الأقل حظا من حيث البدائل المائية للنيل.
    III. حظ السودان من البدائل المائية وسط بين دول المنابع ودولة المصب.
    هذه الحقائق ضمن عوامل أخرى، تفسر درجة الاعتماد على النيل في تاريخ دول حوض النيل.
    هذه الحقائق التاريخية تفسر رأي كثيرين في مجرى ومصب النيل في السودان ومصر. إن دول المنابع مستغنية عن مياه النيل لفرط ما لديها من بدائل. هذه الحقائق صحيحة كتفسير لظاهرة تاريخية ولكن كثيرا من حقائق التاريخ لا تصلح تلقائيا للتعامل مع الحاضر والمستقبل كما سنرى.
    تدفق مياه النيل على قلته النسبية متأرجح من عام إلي عام بلغ أقصاه في عام 1879 إذ بلغ 137 مليار متر مكعب. وبلغ أدناه في عام 1913 إذ بلغ 52.8 مليار متر مكعب. ولكن متوسط دفق مياه النيل محسوبا على الفترة (1912- 1995) يبلغ 84 مليار متر مكعب. هذه المياه موزعة بين الروافد الآتية التي تغذي النيل. (انظر الجدول (2))



    الجدول (2)


    الرافد
    النسبة
    النيل الأزرق (إثيوبيا) 59%
    نهر السوباط (إثيوبيا) 14%
    نهر عطبرة (إثيوبيا+ إرتريا) 12%
    جملة الوارد من الهضبة الإثيوبية 85%
    وارد بحر الجبل (النيل الأبيض) 15%
    هذه المياه البالغة 84 مليار متر مكعب في السنة في المتوسط خاضعة الآن لتقسيم بين مصر والسودان بنسبة 3 :1 بموجب الاتفاق للانتفاع الكامل بمياه النيل المبرم بين البلدين عام 1959.
    النزاع الصامت الذي يبرز أحيانا ولكنه في حالتي السر والجهر مستمر هو بين دولتي المجرى والمصب الملتزمتين باتفاقية 1959، ودول المنابع التي لا تعترف بالاتفاق وتعتبره ثنائيا كما لا تعترف بالاتفاقيات السابقة له وتعتبرها اتفاقات قضت نحبها ولم تعد ملزمة لها.

    زيادة العرض من غير مياه النيل
    هنالك مصادر مياه عذبة متاحة لكل دول حوض النيل من غير مياه النيل. هي:-
    I) تدوير المياه المستعملة من مياه الصرف الصحي، والزراعي، والصناعي.هذه المياه موجودة بكميات كبيرة ويمكن معالجتها واستغلالها في الاستخدامات المختلفة زيادة في عرض المياه.
    II) المياه الجوفية وهي موجودة بكميات متفاوتة في كل دول حوض النيل. المياه الجوفية هي المصدر الوحيد الآخر الذي تملكه مصر بخلاف مياه النيل وتدوير مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي.
    المياه الجوفية في مصر توجد في الشمال في منطقة سيوة وفي الجنوب في الصحراء النوبية. مياه الصحراء النوبية هي الأقرب للسطح وتقدر كميتها بـ600 مليار متر مكعب. هذه المياه عمرها ما بين 15 ألف و40 ألف عام وقد اختزنت في باطن الأرض منذ أن كانت الصحراء الحالية مغطاة بالثلوج.
    خزان الحجر الرملي النوبي هذا تحده ليبيا غربا، والسودان جنوبا، ووادي النيل شرقا، والبحر الأبيض المتوسط شمالا. الحوض الحاوي للمياه حوض متعدد الجيوب ويمثل منظومة هيدرولوجية واحدة متصلة بمنظومتي السودان وليبيا. هذا الحوض المتعدد الجيوب منتشر في رقعة في باطن الأرض مشتركة بين أربعة دول: مصر- السودان- ليبيا وتشاد. إنه ذو أهمية كبيرة، وبعض التقديرات تقول أن ما فيه من مياه عذبة يساوي دفق مياه النيل لمدة 15 ألف سنة!! ومثلما نحن بحاجة لاتفاقية شاملة لمياه النيل فإننا بحاجة مماثلة لاتفاقية شاملة لحوض المياه الجوفية المشتركة وما يتبع ذلك من تعاون فني وإدارة مشتركة للمورد المائي.
    III) المصدر الثالث هو تحلية مياه البحر وتكاليفها الآن عالية تترواح بين 1,05 و 1,06 دولار للمتر المكعب الواحد. هذه التكلفة مرشحة للنقصان أثناء العقدين القادمين من الزمان نتيجة للتقدم التكنولوجي فإن حدث ذلك صارت تحلية مياه البحر في المتناول للأغراض المختلفة.
    IV) السودان عنده خيار استغلال كميات من المياه الجوفية تقدر بحوالي 180 مليار متر مكعب موزعة في مناطق مختلفة. كذلك فإن السودان ينعم بكميات كبيرة من الأمطار. هذه الأمطار يمكن تجميعها في خزانات وحفظها للاستعمال.
    وفي كثير من مناطق السودان لاسيما في غربه توجد بحيرات مياه عذبة كثيرة يمكن تطويرها واستغلالها مثل تردة الرهد وبحيرة أم بادر، وابزبد، والاضية وغيرها.
    هذا التجميع لمياه الأمطار في السودان يمكن أن يوفر كميات من المياه العذبة منتفعا بالتقدم في تكنولوجيا الحفر وتكنولوجيا السدود الأرضية.
    V) كل وسائل زيادة عرض المياه المذكورة أعلاه متاحة لدول منابع النيل الأخرى بالإضافة لوجود أنهار أخرى فيها تساهم في سد حاجتها المائية، انهار بعضها قطري، وبعضها الآخر دولي مشترك.
    الوسائل المفصلة هنا لزيادة كميات المياه تدخل في نطاق الإدارة القطرية للموارد المائية.
    أما مسألة زيادة العرض من مياه النيل فهي قضية إقليمية لا يمكن تناولها إلا في نطاق الحوض كله.
    إن الاتفاق على توزيع موارد النيل الحالية بصورة تقبلها كل دول الحوض، والاتفاق على مشروعات إنتاج الطاقة الكهرومائية من مياه النيل، والاتفاق على مشروعات تخزين المياه، ومشروعات ترشيد مجارى المياه، والتعاون بشأن البيئة الطبيعية في حوض النيل، وتنظيم جمع وتحليل وبث المعلومات المناخية والهيدرولوجية، كلها مهام لا تدرك ولا تعالج إلا في نطاق إقليمي يشمل دول حوض النيل بأكملها.
    إن الخلافات العميقة القائمة الآن بين دول حوض النيل تسمم مناخ الاستخدام الحالي لمياه النيل وتحول دون أية إجراءات مطلوبة لزيادة دفق مياه النيل.
    النيل نهر دولي مشترك بين عدد كبير من البشر وهو يعاني من نقاط ضعف هامة:
    أولا: النيل لدي منابعه اقل مجاري المياه تنمية.
    ثانيا: نسبة ما يحصد النيل في مجراه من الأمطار الكثيفة التي تهطل على حوضه نسبة قليلة جدا تبلغ حوالي 7%.
    ثالثا: التعاون الجماعي بين دول حوض النيل في اضعف حالاته.
    ولا سبيل لإجراء إصلاحات تزيل هذه المضار لأن الخلافات بين دول حوض النيل تشل حركتها الجماعية.
    المطلوب بإلحاح هو تبلور إرادة سياسية في دول حوض النيل تقضي على حالة التغافل الحالية والتستر على الخلافات وتوزيع المجاملات التي تحافظ على علاقات عامة جيدة ولكن تترك الخلافات مستمرة. المطلوب بإلحاح هو أن تحقق الإرادة السياسية المشتركة الآتي:-
    1- عقد اتفاقية شاملة أو اتفاقيات متكاملة ذات صفة دولية تحترمها كل دول حوض النيل.
    2- إقامة هيئة مشتركة لحل النزاعات بشأن مياه النيل سلميا. أو الاتفاق على آلية تسوية النزاعات التي نصت عليها الاتفاقية الدولية لمجاري الأنهار الدولية الصادرة في مايو 1997.
    3- إنشاء إدارة مشتركة لمياه نهر النيل توكل إليها المهام الآتية:
    أولا: الإشراف على التزام دول الحوض بالحصص المائية المخصصة لها حسب الاتفاق المبرم بينها.
    ثانيا: الإشراف على مشروعات زيادة وارد مياه النيل.
    ثالثا: الإشراف على إقامة السدود المطلوبة لزيادة تخزين المياه في البحيرات المختلفة.
    رابعا: الإشراف على مشروعات توليد الطاقة الكهرومائية.
    خامسا: الإشراف على مشروعات المحافظة على البيئة الطبيعية.
    سادسا: تكوين هيئة فنية مهمتها:
    i. استقبال وتحليل وبث الإحصاءات الخاصة بالمناخ لا سيما تقلبات المناخ التي تؤثر على نسبة الأمطار مثل متابعة متغيرات حرارة سطح البحار في المحيطات الهندي، الأطلسي، والهادي لما لها من صلة بكثافة وقلة هطول الأمطار.
    ii. تنظيم المعلومات المتعلقة بالموارد المائية وتحليلها وتوزيعها على الدول المعنية.
    iii. رعاية مؤسسات جمع المعلومات وتأهيلها بأحدث وأدق المعدات و تأهيل الكوادر القادرة على تشغيلها والاستفادة من إحصاءاتها.

    مشروعات تخزين المياه
    الرسم البياني رقم (1) يوضح دفق المياه وفاقد المياه في حوض النيل.


    84,000 وادي حلفا
    12,000 عطبرة أثيوبيا وإريتريا 94,500
    54,000 (أثيوبيا) النيل الأزرق
    13,500نهر السوباط
    15,000 15,500
    نهر بارو
    (أثيوبيا)
    100 ,15 42,41
    4,5 34,600

    3,300
    4,800 42,41

    2,290 37,94 5,294

    9,204 37,458

    28,254 5,294
    2,500 يوغندا
    0,417 4,339

    6,665
    8,8 تنزانيا رواندا وبورندي

    ( رسم بياني لدفق وفاقد المياه على حوض النيل بالمليار متر مكعب).

    فرص تخزين المياه في البحيرات (فكتوريا- البرت وكيوجا) فرص كبيرة. وهي تستطيع أن تخزن فيما بينها 4 إلي 5 مليار متر مكعب من المياه.
    هذا الإجراء يتطلب التعاون بين ست دول هي: كينيا- يوغندا- الكنغو- تنزانيا- رواندا- بوروندي.
    هذه الدول الست إذا اقتنعت بقسمة المياه وبجدوى مشاريع التخزين وفائدتها في تنظيم انسياب المياه والحماية من الفيضانات وإنتاج الطاقة الكهرومائية فإنها سوف تتعاون لإقامة السدود المطلوبة للتخزين.
    كذلك ينبغي الاتفاق مع أثيوبيا لتخزين المياه في بحيرة تانا. هذا يحقق غرضين هامين هما: توفير المياه الصيفية بعد تخزينها في موسم الأمطار وتوليد الكهرباء.
    هيئة تكونيل التي خلفت هيدرومت الهيئة الفنية السابقة قدمت مشروعات مدروسة للجنة الفنية التابعة لمجلس وزراء الري في دول حوض النيل. تفاصيل تلك المشروعات كالآتي:
    I- مشروع لتخزين المياه لدي مخرج بحيرة تانا وذلك لتخزين 15 مليار متر مكعب من المياه لخدمة غرضين: مد انسياب النهر في غير أوقات الفيضان. والتوليد الكهرومائي.
    II- مشروع لدي بحيرة البرت يقع 15 كيلومترا اسفل البحيرة. الغرض من هذا التخزين هو الحد من المياه المفقودة. اتضح أن المياه المتدفقة من أعلى النهر تفقد سدس حجمها إذا كان الدفق كثيفا. السد المقام اسفل بحيرة البرت يمكن أن ينظم الدفق بصورة تضبط الانسياب وتقلل المياه التي تفقد في منطقة السدود.

    قنوات ترشيد انسياب مياه المستنقعات
    الرسم البياني رقم (1) يوضح تدفق المياه في حوض النيل ومنه يتضح الكميات الكبيرة التي يفقدها النهر في المراحل المختلفة من مجراه.
    الجدول رقم (2) يبين المياه المفقودة .


    الجدول رقم (2)
    المنطقة الفاقد بمليارات
    الأمتار المكعبة
    منطقة السدود 15
    منطقة بحر الغزال 14.5
    مستنقعات مشار 4
    الخيران الشرقية 2.5
    الحجم الكلي 36
    نهر النيل القادم من بحيرات وسط أفريقيا يتحول من تيار جارف عبر كتل جبلية إلي سلسلة متفرقة من الأحواض والبحيرات الضحلة مما يؤدي لفقدان كميات كبيرة من المياه بالتبخر.
    قلب منطقة السدود مستنقع دائم مساحته 9500 كيلو متر مربع رغم أن المساحة تتغير من سنة لسنة أخرى حسب سقوط الأمطار على البحيرات الجنوبية.
    المياه التي تتدفق على السدود في الطرف الجنوبي عند منطقة منقلا تقدر بضعف المياه المتاحة للنيل الأبيض عند ملكال في الشمال.
    جنقلي (1) هو مشروع شق قناة طولها 360 كيلو متر تحصر مجرى المياه فيها و تجمعه من المستنقعات والبحيرات الضحلة مما يوفر 8 ,4 مليار متر مكعب.
    و هناك قناة أخرى هي مشروع جنقلي (2)، مشروع قناة جنقلي (2) يقتضي تخزينا للمياه أعلى النهر لدى بحيرة البرت.
    وهنالك قناة أخرى لتجميع المياه المفرقة في مستنقعات بحر الغزال.
    هذه المشروعات إذا اكتملت يقدر أنها تعطي دفقا لمياه النيل الأبيض إضافيا يساوي 20 مليار متر مكعب.
    و في الورقة الرسمية الأثيوبية للمؤتمر السابع للنيل عام 2002 قال الخبير أن ضبط مجري نهر بارو والسوباط يمكن من حصاد 10 مليار متر مكعب. وأفاد المتحدث في نفس الورقة أن بناء سدود لتخزين المياه في مرتفعات أثيوبيا حيث البخر قليل يمكن من حصاد 4 – 6 مليار متر مكعب.
    الحقيقة هي أن حالة منابع النيل وما يمكن توقعه من تطويرها، وقلة ما يستقر في مجري النيل من مياه الأمطار الكثيفة التي تهطل على حوض النيل علامات تشير إلي إمكانية زيادة حصاد النيل من هاطل الأمطار.
    و في هذا الصدد فإن ثلاثة من الخبراء المصريين قد أجروا دراسة ونشروا نتائجها في ورقة قدموها للمؤتمر السابع للنيل عام 2002. جاء في ورقتهم: إذا تعاونت دول حوض النيل بالشفافية والعدل فإن الدراسة التي أجريناها على كامل حوض النيل تؤكد أننا إذا اعترفنا بالاتفاقات الحالية المتعلقة بمياه النيل، فإن ما يمكن تحقيقه من زيادة في دفق مياه النيل يوفر المياه اللازمة لتغطية احتياجات كل دول الحوض.
    لقد أوضحت الدراسة أن المياه الضائعة التي يمكن استردادها بالوسائل التي اقترحناها تساوي 453 ,57 مليار متر مكعب.

    إنتاج الطاقة الكهرومائية
    الطاقة هي عصب الحياة الحديثة. والطاقة الكهربائية هي قاعدة التنمية والحياة الحضرية. الكهرباء شرط للحياة الحديثة من حيث الإنتاج والاستهلاك والخدمات.
    وإنتاج الطاقة الكهربائية ممكن بوسائل مختلفة بالوقود النووي والوقود النفطي وغيرهما من الوسائل. استخدام الرياح وانحدار المياه هما من الوسائل الأفضل لإنتاج الكهرباء لأنهما أقل تكلفة ولأنهما ألطف بالبيئة الطبيعية فلا يلوثانها كما تفعل الوسائل الأخرى.
    النيل يمثل مصدرا هاما لإنتاج الطاقة الكهرومائية. افضل موقع لإنتاجها في مجري النيل هو شلالات انيانجا في الكنغو. هذه أكبر شلالات في العالم وبالإمكان إنتاج كمية كبيرة من الكهرباء منها تكفي لتغطية حاجة دول حوض النيل وللتصدير لخارج إقليم حوض النيل.
    في مواقع أخرى في النيل يمكن إنتاج كميات كبيرة من الكهرباء عن طريق إقامة السدود لا سيما في المرتفعات الأثيوبية.
    إنتاج الطاقة الكهرومائية عن طريق إقامة السدود والخزانات يتم على حساب دفق مياه النيل لما يؤدي إليه حبس المياه من زيادة في نسبة البخر. ويؤدي إلي تأثير في مواعيد جريان وانسياب المياه إلي أسفل النهر. لذلك ينبغي أن يسبق مشروعات إنتاج الطاقة الكهرومائية عن طريق السدود والخزانات اتفاق شامل حول مياه النيل.
    ما هي كمية المياه التي تفقد بالبخر لدى إقامة السدود والخزانات المعنية؟ وما هو أثرها على مواعيد انسياب المياه أسفل النهر؟ أسئلة يمكن للدراسات الفنية أن تجيب عليها لأنها تعتمد على كمية المياه المخزنة وعلى نسبة البخر في المنطقة المعنية وغيرها من العوامل.
    إن إنتاج الطاقة الكهرومائية في حوض النيل استثمار ذو جدوى اقتصادية ويمكن أن يستقطب التمويل من المصادر الثنائية والدولية ولكن ينبغي أن يسبقه أمران هامان هما:
    الاستقرار في حوض النيل الذي يعاني الآن من حروب إقليمية مدمرة.
    والشرط الثاني إبرام اتفاق شامل بين كافة دول حوض النيل حول مياه النيل.

    الإحصاءات المتعلقة بموارد المياه (الهيدرولوجية)
    وبمقاييس المناخ (المترولوجية)
    لقد تطورت وسائل قياس الموارد المائية في منابع النيل والكميات التي تضيع في المنابع. والكميات التي تندفع منها إلي أسفل النهر والعوائق التي تواجهها في مجراها وما يفقد منها أثناء تخطيها لتلك العوائق. هذه المعلومات والإحصاءات أمكن جمعها عن طريق محطات موزعة على المواقع المختلفة وتحليلها وبثها للإدارات المعنية بالموارد المائية في كل دول حوض النيل.
    هذا الجهد الإحصائي موجود الآن ولكنه يمكن أن يطور باستخدام معدات افضل وكوادر اكثر تأهيلا. إن تطوير جمع المعلومات عن موارد النيل المائية مستحيل إذا لم تتعاون في سبيله كل دول حوض النيل بجدية وإخلاص. هذا التعاون الآن محدود بسبب النزاع الصامت بين دول حوض النيل.
    هنالك علاقة قوية بين المناخ من حيث نسبة هطول الأمطار ونسبة الرطوبة وغيرها من الحقائق المناخية وحجم الموارد المائية.
    البيانات المناخية تستطيع أن تعطي إنذارا مبكرا عن ظاهرة الكثافة المطرية المسماة النينو (ELNINO ) والظاهرة المناقضة لها الشح المطري لانينا ( LANINA ) وكلاهما يؤثر على الموارد المائية المتاحة للنيل وعلى الفيضانات المتوقعة أو الجفاف المتوقع.
    اكتشفت الدراسات المناخية وجود علاقة محددة بين متوسط حرارة سطح المياه في المحيطات:الهندي – الهادي – الأطلسي وبين نسبة هطول الأمطار في حوض النيل. هذه العلاقة من وسائل الإنذار المبكر التي يمكن استخدامها لتحديد التوقعات المناخية وأثرها في الموارد المائية في حوض النيل.
    إن حوض النيل يشكل تحديا فنيا تكنولوجيا كبيرا ينبغي أن يوجه نحوه مجهود كبير تدفع نحوه وتتعاون من اجله كافة دول حوض النيل. هذا التحدي قائم في الجوانب الآتية:
    أولا: كيف يمكن تطوير منابع النيل بما يزيد من استقبال المنابع لكميات اكبر من المياه المتاحة في حوض النيل؟
    ثانيا: كيف يمكن زيادة نسبة دفق مياه النيل من حجم الأمطار الهاطلة في الحوض من 7% إلي نسبة أعلى؟
    ثالثا: المفقود من مياه النيل على طول حوض النيل عن طريق البخر يقدر بحوالي 120 مليار متر مكعب أي انه يفوق حجم دفق مياه النيل في مجراه. كيف يمكن خفض هذه النسبة العالية؟
    الوسائل الفنية للإجابة على هذين السؤالين وكافة الاستفسارات التي عددناها موجودة. المطلوب هو تحقيق تعاون بين دول حوض النيل لتكوين المؤسسات اللازمة لهذه المهام وتزويدها بالمعدات الدقيقة والكوادر المؤهلة لجعل حوض النيل كتابا مفتوحا وبيانا مرقما متاحا لمتخذي القرار السياسي على المستوى القطري والإقليمي.
    ختام: النيل مصدر عظيم للمياه العذبة في حوضه وكميات المياه المتدفقة فيه يمكن أن تزيد بنسبة كبيرة لا تقل عن 80% ويمكن أن تغطي حاجة بلدان حوض النيل في الحاضر والمستقبل المرئي.

    كذلك يشكل النيل مصدرا للطاقة الكهرومائية يكفي كافة دول الحوض لتزويدها بالكهرباء بأسعار زهيدة وتوفير الكهرباء للتصدير إلي خارج منطقة حوض النيل.
    هذه المصالح لا يمكن تحقيقها إلا إذا توافرت رؤية حوضية (على مستوى الحوض كله) واتفاق حوضي شامل يقوم عليه تعاون وثقة متبادلة واعتماد متبادل بين دول حوض النيل على بعضها بعضا.

                  

05-02-2009, 02:31 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مياه النيل الوعد والوعيد - بقلم الصادق المهدي (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    الفصل الـــــــرابع

    مياه النيل : البيئــة الطبيعية






    الفصل الـــــــرابع

    مياه النيل : البيئــة الطبيعية

    الكتب المنزلة على الأنبياء والمرسلين وحي مسموع ومقروء. الطبيعة هي الأثر الإلهي- الكتاب – المشهود. "وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ* " هذا الأثر الإلهي المشهود يظهر توازنا مدهشا لولاه لاستحالت الحياة. {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} السنن الثابتة في الطبيعة، والتناسق، والانسجام هي أعمدة الكون وأسرار استمرار واستدامة الحياة فيه. " الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ*ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ* ".
    الوجود الجمادي، والنباتي، والحيواني مبرمج على قوانين الفيزياء، والكيمياء، والبيولوجيا، وهي قوانين ثابتة. الاستثناء الوحيد في هذا النظام الرتيب هو الإنسان.
    إن في الإنسان عنصرا ذاتيا هو موضع حرية الاختيار والمسئولية عن ذلك الاختيار. "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا "
    حرية الإنسان هي التي جعلته يخترع ويبدع ويفرض إرادته وقدرته على الطبيعة بصورة حققت تطورا عقليا وفكريا وعلميا وتكنولوجيا وأثرت على توازن الطبيعة.
    إن التنمية التي استطاعها الإنسان فجمع ثروة مادية وقدرات إنتاجية وإمكانات علمية وتكنولوجية حققت نتائج مدهشة ولكنها في الوقت نفسه أثرت سلبا على البيئة الطبيعية.
    منذ فترة تاريخية بعيدة تنبه كثير من العلماء لهذه الظاهرة ونبهوا على خطورتها ودافعوا عن ضرورة حماية البيئة الطبيعية.
    وفي الثمانينيات من القرن العشرين بلغ القلق بالعلماء والخبراء أن تنادوا إلي نادي روما الذي دق ناقوس الخطر وأعلن أن التنمية التي اندفع فيها الإنسان إذا استمرت غافلة لآثارها على البيئة الطبيعية فإنها سوف تهدد مستقبل الحياة.
    وفي عام 1992 اجتمع مؤتمر " قمة الأرض" الذي ركز على المخاطر المحيطة بالبيئة الطبيعية وأوصى بالبرامج المطلوبة للمحافظة عليها.
    و اهتم مؤتمر "قمة الأرض" بالأنهار بصفتها من مصادر المياه العذبة الهامة ونبه للأخطار التي تواجهها في حجم مياهها ونقائه.
    أخطار تلم بالأنهار بسبب تدهور البيئة الطبيعية وما تحدثه فيها أفعال الإنسان.
    إن البيئة الطبيعية هي ميراث الإنسان من الأجيال السابقة. وهي ميراث الإنسان للأجيال اللاحقة. والأنهار جزء من هذا الميراث العظيم الواجب على الإنسان أن يحفظه ويرعاه.

    العولمة والبيئة الطبيعية:
    العولمة مرحلة عليا من تطور الحياة الإنسانية اشتركت في بنائها عوامل عدة. ثورة الاتصالات ربطت العالم إلكترونيا وارتبطت بالكمبيوتر والإمكانات التي أتاحتها الأقمار الصناعية للاتصال فجعلت العالم من ناحية الاتصال وجمع وبث المعلومات في متناول الجميع. هذه الإمكانات الاتصالية صحبها تفوق آلية السوق الحر كأفضل وسيلة لاستثمار رأس المال وللتبادل التجاري ولتثمير الأموال النقدية. العالم الذي اصبح اتصاليا مترابطا، والاقتصاد الذي اصبح سوق الاستثمار والمال والتجارة العالمي أمامه مفتوحا صار عالما متقاربا جغرافيا نتيجة لفاعلية وسائل المواصلات من أدناه إلي أقصاه. ونمت إلي جانب هذا الترابط العالمي أجندة عالمية تحاول توحيد الفكر الإنساني حول القضايا الهامة التي تواجه العالم. لقد سمح انحسار الحرب الباردة بانفتاح ذهني عالمي فانعقد في عقد التسعينات اكبر عدد من اجتماعات القمة المركزة على موضوعات هامة مثل مؤتمرات: الطفل- المرأة – السكان – المسائل الاجتماعية وهلم جرا.. وكان مؤتمر "قمة الأرض" في عام 1992 في ريو دي جانيرو من أهم الخطوات لنقل الإنسان من النظرة القطرية والإقليمية للنظرة العالمية في قضايا البيئة الطبيعية.

    العولمة الاتجاه الموحد للإنسانية تحدث اتجاهات معاكسة أهمها:-
    i- توزيع الثروة والقدرات الاستراتيجية في العالم توزيع غير متوازن. الوسائل النافذة التي أتاحتها العولمة أتاحت للأوزان العالمية الأثقل ماديا وعسكريا لا سيما في ظروف اختفاء توازن القوى القديم بعد تراجع الاتحاد السوفيتي أن تمارس هيمنة عالمية.
    وعلى ظهر هيمنتها ركبت هيمنة ثقافتها. أصبحت ثقافة الاستمتاع والاستهلاك الأمريكية ثقافة عالمية.
    لقد أدت هذه الهيمنة ذات الأبعاد الذاتية لأمريكا إلي ردود أفعال في كل المجتمعات ذات الحضارات والثقافات المختلفة مما أثار نزعة تأصيلية ثقافية اعترفت بها الأمم المتحدة فعينت اللجنة التي نشرت تقريرها تحت عنوان تراثنا البشري الخلاق في 1996.
    هذا التقرير اعترف بأهمية الجانب الثقافي للإنسان وضرورة الاهتمام به لكيلا يشعر بالتهميش والتغريب. أوصت اللجنة أنه في عصر العولمة هذا ينبغي أن يعتبر حق الانتماء الثقافي حقا من حقوق الإنسان.
    ii- تركيز العولمة على الربحية وانتقال الاستثمار إلي حيث الربحية الأعلى صار يضغط في اتجاه التخلي عن التكاليف التي تفرضها الرعاية الاجتماعية في البلدان المتقدمة اقتصاديا.
    و لكن الرعاية الاجتماعية كانت إحدى وسائل هذه المجتمعات لامتصاص الصدام الاجتماعي وتحقيق السلام الاجتماعي. التخلي عن الرعاية الاجتماعية الذي تقتضيه العولمة يهدد بتقويض السلام الاجتماعي. هذا التخوف هو الذي جعل الناخبين في كثير من دول الغرب ينتخبون أحزابا اشتراكية، ديمقراطية، وجعل كثيرا من قادة الغرب الأكثر شعبية ( كلنتون، بلير وغيرهما) يتحدثون عن الطريق الثالث.
    iii- وضبطا لحرية انتقال رؤوس الأموال والحركة التجارية اتجهت الدول إلي تكوين اتحادات إقليمية تنظم مصالحها في ظل العولمة.
    كذلك " تمردت" بعض الدول على إباحة الحرية المطلقة لانتقال رؤوس الأموال. الحرية التي أدت إلي خلق أزمة جنوب شرق آسيا والتي عالجها بعضهم – - مثل رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد – بمخالفة صريحة لسياسات العولمة ووفق فيما ذهب إليه.
    iv- العولمة تفترض أن عوامل حرية انتقال رؤوس الأموال والتبادل التجاري سوف تكون افضل وسيلة لتنمية البلدان المتخلفة اقتصاديا. هذه البلدان فيها بنيات تحتية متخلفة، ومؤسساتها المالية عاجزة، وأسواقها تحيط بها عوامل تشوهها وتمنع عملها كأسواق حرة. هذه العوامل تجعلها غير صالحة للانتفاع بالعولمة. والنتيجة الأكثر رجحانا هي أن العولمة سوف تركز على البلدان الأكثر تطورا وتهجر البلدان المتخلفة فتزيد الفوارق بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة. إن على البلدان الفقيرة أن تعالج مشاكلها الكثيرة لتحقيق الاستقرار والتنمية وتؤهل نفسها لمواكبة العولمة. و لكن هذا المجهود ينبغي أن يدعمه برنامج تنموي تساهم فيه دول " الشمال" لصالح دول " الجنوب".
    إن السلام والاستقرار العالمي نفسه يعتمد على هذا الجهد الإيجابي لأن العالم الفقير إذا عاني من الجوع، والفقر، والمرض والإهمال التنموي فإنه سوف يدفع نحو أسلحة الضرار السبعة التي ستجد فيه مرتعا خصبا وهي:-
    • الهجرة غير القانونية لدول الشمال.
    • إنتاج وتوزيع المخدرات في أسواق الشمال.
    • الإرهاب.
    • القنبلة السكانية.
    • القنابل الصحية.
    • التطرف السياسي تحت شعارات مختلفة.
    • التخريب البيئوي.
    v- و من أهم سلبيات التركيز على الربحية وحدها كهدف للنشاط الاقتصادي، عدم الاهتمام بآثار الاستثمار في المجالات المختلفة، على البيئة الطبيعية. لذلك برز في الاتجاه المعاكس للعولمة الاهتمام بالبيئة الطبيعية.
    الاهتمام الذي صار له وزن عالمي لا سيما بعد مؤتمر "قمة الأرض" وصارت تتبناه منظمات عالمية، وأحزاب سياسية في البلدان الديمقراطية.
    إن أحزاب " الخضر" هي أحزاب سياسية لتنظيم التعامل الإيجابي مع البيئة الطبيعية.
    هذه الاتجاهات الخمسة والتي تبدو أنها في اتجاه معاكس للعولمة ليست كذلك ولكنها تعالج الآثار السلبية للعولمة بما يجعل العولمة مستدامة. العولمة المستدامة تقتضي استصحاب هذه الاتجاهات الخمسة.

    العولمة وأيكولوجيا الطبيعة
    لم يعد هناك شك في أن تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يتزايد، وأن درجة حرارة الأرض ترتفع، وأن ترسبات النيتروجين والكبريت تتزايد، وأن غلاف الأوزون في طبقات الجو العليا آخذة في التآكل .
    ثاني أكسيد الكربون هو أكثر الغازات التي تنبعث من احتراق الوقود مثل البترول والغاز والفحم، كما ينبعث من عمليات إزالة الغابات، وحرق الأخشاب ومن خلال ثورات البراكين. ومع الزيادة الراهنة في معدل استهلاك الطاقة بات من المتوقع أن ترتفع كمية غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي عما كانت عليه قبل عصر الصناعة وهو 280 جزءا في المليون لتصل في منتصف القرن 21 إلى ما يساوي ضعف هذا المعدل. والتنبؤ هو أن زيادة تركيز الغازات التي تدفئ الغلاف الجوي ستكون مصحوبة بزيادة تتراوح بين 3,5 درجة إلى 5,2 درجة على متوسط درجة الحرارة للكرة الأرضية (تقديرات شنيدر Schneider 1989، وهوتون Houghton 1992، وسيس Cess 1993) .
    يقترن بارتفاع درجة الحرارة ذوبان جليد المحيطين القطبيين الشمالي والجنوبي واتساع حجم مياه المحيطات على النطاق العالمي وارتفاع مستويات البحار.هذا سوف يؤثر على تدفق مياه الأنهار الكبرى في البحار التي ارتفع منسوبها .وهذا يؤدي لتداخل مياه البحار المالحة في دلتا الأنهار وخاصة نهر النيل وشط العرب مما يؤثر على مراكز التجمعات السكانية الموجودة قرب السواحل.
    زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو سوف تؤثر مثل تأثير المستنبت الزجاجي مما يساعد على زيادة نمو النباتات.فإذا توفرت المواد التي يتغذى بها النبات،وتوفرت المياه والمبيدات الحيوية،فانه يزيد الإنتاجية الزراعية.زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون تقلل مساحة سطح أوراق النباتات (وبالتالي تقليل مسام بشرتها).هكذا يعمل ثاني أكسيد الكربون كحاجب،ومن ثم يقلل كمية المياه التي تستهلكها الحاصلات الزراعية،كي تصل إلى درجة معينة من النضج الحيوي، وتغل قدراً معيناً من المحصول. ومن جانب آخر فان المحاصيل المنتجة بنسبة أعلى من ثاني أكسيد الكربون تقل في أنسجتها نسبة النيتروجين ومن ثم البروتين.إن الذي لاشك فيه هو أن التغيرات المتوقعة في المناخ العالمي سوف تؤدي لمتغيرات في الموارد المائية وفي الأمن الغذائي والمطلوب التعاون الإقليمي والدولي لدراسة تلك الآثار والتعاون على احتوائها على نحو ما أوصت المؤتمرات الدولية لاسيما مؤتمر البيئة 1992م

    البيئة الطبيعية وحوض النيل:
    البيئة الطبيعية في حوض النيل ليست على ما يرام وهي متدهورة في سبعة مجالات وتدهورها هذا يوجب دراسة ما يجري فيها والعمل في المستوى القطري،والتحت إقليمي، والإقليمي، والدولي لاحتواء هذه السلبيات والحفاظ على موارد النيل المائية من حيث الكمية ومن حيث النقاء.

    المجال الأول: الجفاف
    في الثمانينات ظهر جفاف أصاب عددا من البلدان الإفريقية. ونتيجة للجفاف نزحت أعداد كبيرة من المواطنين من المناطق الجافة لمناطق أخرى. هؤلاء سموا بـ "لاجئي البيئة". وفي عدد من البلدان المعنية لا سيما في حوض النيل فكرت الحكومات المعنية في توطين هؤلاء النازحين في أراض مجاورة لمجرى النهر ليزرعوا الأرض التي تروى من مياه النهر.
    النتيجة الأولى للجفاف هي التحول الكبير في الخريطة السكانية والزحف نحو وديان الأنهار وإقامة السدود للري.
    إن أحواض الأنهار، حتى إن كانت متاحة للتنمية بالفعل على المستوى الوطني، إلا أنها ذات صفة دولية، وكثير من البلدان لا تستطيع تحقيق مشروعات توطين واسعة المدى دون التأثير على مصالح بلدان أخرى. لذلك نشأت نبرة نزاع حاد حول مياه الأنهار. وفي إثيوبيا: إن تطلع إثيوبيا لاستخدام موارد النيل المائية رد فعل مباشر للجفاف والمجاعات التي حلت بأراضيها القاحلة وشبه القاحلة. ومن آثار الجفاف والتصحر إزالة الغابات في الأراضي الجافة. وقد أدى ذلك إلى:
    I. ازدياد سرعة المياه المنحدرة شمالا مما يؤدي لجرف التربة.
    II. يساهم ازدياد السرعة في حمل كميات أكبر من الطمي وهذا بدوره يزيد الترسبات الغرينية خلف السدود وهذا يقلل من كفاءة الخزانات في السودان ومصر من حيث خفض طاقاتها التخزينية للمياه وقدرتها على إنتاج الطاقة الكهربائية.

    المجال الثاني:التصحر
    لقد كانت أثيوبيا مغطاة بالغابات في 40% من أراضيها في عام 1900م.أثيوبيا اليوم تعاني من انحسار كبير جداً في الغطاء الغابي الذي لم يعد يغطي أكثر من 4% من أراضيها.
    والسودان الذي يشكل أطول مجرى للنيل يعاني من الزحف الصحراوي الذي من شأنه أن يدفن مجاري المياه التي تصب في النهر وأن يغطي الأرض الصالحة للزراعة ويزيد من درجة تبخر المياه.هذا التصحر بعضه بسبب الجفاف الطبيعي ولكن بعضه عائد للتصرفات البشرية في مجال التوسع غير المرشد في الزراعة الآلية، والاحتطاب لأغراض بناء المساكن والوقود. إن لمحاربة التصحر أولوية قصوى في حوض النيل. والمطلوب بإلحاح: أن تضع دول المصب بالتعاون مع دول المنابع برنامجا محددا لتشجير وتنمية الغابات خاصة في دول المنابع والمجرى مما سوف يزيد مردود المياه ويكثف الأمطار ويمنع التصحر.
    أصدرت الأمم المتحدة 1994م الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر في البلدان التي تعاني من الجفاف الشديد أو من التصحر وخاصة في إفريقيا. أكدت الاتفاقية:
    • أن التصحر والجفاف مشكلتان ذواتا آثار ضارة وبعد عالمي من حيث أنهما تؤثران في جميع أقاليم القارة.
    • أكدت أنه يلزم عمل مشترك من جانب المجتمع الدولي لمكافحة التصحر والتخفيف من آثار الجفاف.
    • طالبت بالاستفادة من التجارب المكتسبة من الخطة المعتمدة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالتصحر 1977م.
    • ركزت على الاهتمام بما جاء في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية لا سيما جدول أعمال القرن الواحد وعشرين الفصل 12 منه والذي يوفر أساسا لمكافحة التصحر.
    • نصت الاتفاقية على أحكام عامة تلتزم بها الدول قطريا، وإقليميا، ودوليا .

    المجال الثالث: انتشار حشائش النيل:
    حشائش النهر التي يعاني النيل من انتشارها في كثير من أجزائه مضرة بالنهر وبيئته الطبيعية. أضرارها تتعلق بتقويض منشآت إدارة الموارد المائية، وبتعويق الملاحة النهرية، وبتعويق انسياب النهر في مجراه وبالتالي زيادة البخر، وباستهلاك نسبة من مياه النيل.
    إن وضع برنامج للقضاء على حشائش النهر على نطاق الحوض كله يحقق مصلحة عامة ويصون بيئة النهر الطبيعية. ينبغي أن تتخذ دول حوض النيل برنامجا مشتركا لمكافحة عشبة ورد النيل.

    المجال الرابع: آثار التنمية على البيئة:
    تواجه مشروعات الري تحديات متزايدة من الجماعات المهتمة بدراسة الأضرار المحتملة على البيئة. فقد أعاقت هذه المجموعات مؤخرا إقامة مشروعات رئيسية لتنمية المياه في كل من الهند، والصين، وتيلاندا، والولايات المتحدة الأمريكية. وقدموا لذلك أسبابا عديدة: أن السدود ومشروعات الري تؤدي لتشبع الأرض بالمياه وإلى الملوحة، وإلى تذبذب مستوى الماء الأرضي وجريان المياه لمصائد الأسماك، والنباتات، والحياة البرية، ونظم إمداد المياه إلى أسفل النهر، وإلى نزوح السكان الذين يقطنون المناطق التي غمرتها خزانات المياه السطحية ومشروعات الري الجديدة .
    لقد درس فريق أبحاث جنقلي هذا المشروع دراسة وافية واقترحوا عدة وسائل لعلاج النتائج المترتبة على إقامة المشروع واقترحوا كيفية الحفاظ على حياة القبائل النيلية التي سوف تتأثر من حيث صيد الأسماك والمراعي والزراعة. لكن بعض الجنوبيين السودانيين أثاروا اعتراضات على مشروع جنقلي بعضها عاطفي وبعضها موضوعي. قال جورج تومبي لاكو معترضا على القناة إن الإجراءات المذكورة وعود لن تتحقق وإذا تحققت فلا ضمان أن تحقق مقاصدها .
    الحقيقة التي ينبغي تأكيدها هي أنه قبل السبعينيات كانت الآثار البيئية نادرا ما تؤخذ في الحسبان عند تصميم مشروعات الري. ولكن الوعي بهذه الآثار صار عاما مما يوجب على المشروعات المختلفة أخذها في الحسبان وعمل اللازم لاحتوائها ولإقناع المواطنين المتأثرين بها بأن مصالحهم سوف يحافظ عليها.
    إن مشروع جنقلي ومشروعات تنمية موارد النيل الأخرى أهداف تنموية هامة ولكن مشاركة المواطنين في القرارات التي تمس حياتهم مشاركة ضرورية.

    المجال الخامس: الأمراض:
    المياه والمرض متلازمان في إفريقيا، وهنالك عدد من الأمراض الخطيرة تشير إلى هذا التلازم- مثلا- مرض عمى النهر، والبلهارسيا، والملاريا.
    وهنالك الأمراض المرتبطة بنقص المياه النقية وصعوبة الحصول عليها. تقدر منظمة الصحة العالمية أن 80% من الحالات المرضية بالدول النامية راجعة لنقص المياه النقية.
    إن فقر الدول الإفريقية جنوب الصحراء وانتشار الأمراض المستوطنة في المياه مثل عمى النهر، والبلهارسيا، والملاريا، يوجب تضافر الجهود لمكافحة هذه الأمراض إقليميا ودوليا.

    المجال السادس: التلوث
    مصر هي أكثر بلدان حوض النيل استخداما لمياه النيل. وقد نشأت في مصر أضرار بالبيئة الطبيعية أثرت سلبا على نقاء مياه النيل وجدواها.
    أولا- كان للسد العالي إيجابيات عديدة لصالح مصر خلاصتها: انه وفر لمصر حماية من الفيضانات. وموردا آمنا للمياه في الصيف. ويسر تعميم زراعة محصولين في كل أنحاء البلاد. وضمن تخزين المياه على مدار السنين لتكون عونا لمصر في السنوات العجاف. ووفر إنتاجا كهرومائيا غطي نصف احتياجات مصر في هذا المجال. هذه الإيجابيات صحبتها سلبيات أهمها هبوط نسبة ترسب الطمي على أرض مصر. فقد كان نهر النيل يرسب على أرض مصر ما بين 90 - 140 مليون متر مكعب من الطمي سنويا. قيام السد العالي هبط بهذه النسبة وفرض ترسب كميات كبيرة من الطمي وراء السد العالي. هذه الحقيقة أدت لمضار أهمها:-
    - زيادة كبيرة في استعمال المخصبات لا سيما الازوت، والفوسفات، والبوتاس بمقدار 4 أضعاف عما كان عليه الحال في الماضي. هذه الزيادة التي اطردت أثناء العشرين سنة الماضية لتعويض دفق الطمي في مجري النيل بعد السد العالي زادت من تلوث مياه النيل – وجعلت نسبة استخدام المخصبات الكيميائية في مصر من أعلاها في العالم.
    - ترسب الطمي وراء السد العالي يهبط بكفاءته التخزينية بنسبة 1% في السنة ويؤدي لتكوين دلتا جنوب السد العالي.
    - وفي يوليو 1992 حذر حمدي الطاهر رئيس الهيئة العامة للسد أن الطمي المترسب على مدي عشرين عاما خلف السد يمكن أن يوقف تدفق المياه في بحيرة ناصر ويحولها غربا تجاه الصحراء. وبعد أربع سنوات من هذا التحذير عاد ليقول:" إن الطمي المتراكم يمكن أن يكون دلتا في الجنوب. أو ربما حدث ما هو أسوأ من ذلك فيحول النهر مجراه نحو الغرب. هذه المشكلة يمكن أن تؤدي إلي كارثة."
    وبما أن المشكلة صارت واضحة فإن المطلوب هو إيجاد علاج لها حتى لا تؤثر في مجري النيل أو في اتجاهه.
    ثانيا: - كذلك تتعرض مياه النيل للتلوث عن طريق استخدام مبيدات الأعشاب والآفات وجراثيم الأمراض بالوسائل الكيميائية. لذلك ينبغي الحرص على معالجة مياه الصرف الزراعي لتدويرها وإعادة استخدامها أو لتنقية مياه النيل من آثارها الضارة.
    ثالثا- المطلوب بإلحاح تنظيف مجري النيل من تلويث الصرف الصناعي والصرف الصحي. قال نادر نور الدين محمد:" يجب تنظيف النيل من أسوان حتى المصب حيث يلقي فيه 500 مليون متر مكعب سنويا حصيلة 5000 منشأة صناعية منها 2700 منشأة بشبرا الخيمة تلقي بمخلفاتها بجوار مأخذ المياه للقاهرة الكبرى. بالإضافة للصرف الصحي في أغلب قرى الدلتا. "

    المجال السابع:تقلبات الفيضان والشح
    إن لفيضانات الأنهار وظروف شح المياه المتدفقة فيها آثارا مدمرة للحياة البشرية، والحيوانية، والنباتية. الفيضانات ظواهر طبيعية يمكن الإنذار المبكر بها وتقدير حجمها وتخزين المياه المتفقة منها بصور ة تحفظ المياه لظروف الاحتياج وتنظيم انسيابها في مجرى النهر. إن التعامل مع الفيضانات من حيث الإنذار المبكر، وتخزين المياه الزائدة، وتنظيم انسيابها والانتفاع بها مصالح مطلوبة ولكنها لا تتحقق إلا بإدراك دول حوض النيل لها والتعاون الحوضي لتحقيقها.

    إن على دول حوض النيل أن تتدارس كافة الأضرار الحادثة والمتوقعة على البيئة الطبيعية في حوض النيل والتي تؤثر سلبا على موارده المائية من حيث الكم والكيف، وأن تتفق على برامج لاحتوائها، وعلى وسائل لتنفيذ تلك البرامج بما يحقق تعاونا شاملا بين دول حوض النيل على الصعيد الإقليمي وما يحقق تعاونا بينها وبين الآسرة الدولية على الصعيدين الثنائي والجماعي.

                  

05-07-2009, 03:39 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مياه النيل الوعد والوعيد - بقلم الصادق المهدي (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    الفصل الخامس

    مياه النيل: الإطار القانوني

    القانون أحكام محددة ومعلنة تنظم حقوق الناس في الحياة الخاصة والعامة. هذه الأحكام يلتزم بها الناس فإن تعدوا على حقوق بعضهم بنص القوانين فالقضاء هو الملجأ لأطراف النزاع والقضاء يفصل بين الناس في القضايا التي ترفع إليه تنفيذا للقانون.
    إذا كان القانون صادرا من جهة مسلم لها بصلاحية التشريع وإصدار الأحكام القانونية، وكان التشريع عادلا فإن القانون يكتسب صفة الشرعية. الشرعية صفة يكتسبها القانون أو يفقدها. القوانين التي تحكم العلاقات بين الدول يمكن أن تقاس على القوانين التي تحكم العلاقات بين الأفراد وبين الشخصيات الاعتبارية مع الفرق الآتي:
    • القانون الدولي تدخل الدولة طرفا فيه بمحض اختيارها.
    • القانون الدولي الذي تصدره مؤسسة دولية كالأمم المتحدة لا يسري على الدولة العضو إلا إذا أيده جهازها التشريعي.
    • التقاضي بين الدول أمام محكمة العدل الدولية لا يتم إلا إذا فوضت الدول المتنازعة المحكمة للحكم في الأمر المتنازع عليه.
    ما هو الإطار القانوني لمياه النيل؟
    الإطار القانوني لمياه النيل واضح. وقانونا ملزم للأطراف المعنية. ولكن على ضوء ما جري من تغيير في أحوال دول حوض النيل وما جري من تطور في الرأي العام العالمي بخصوص المياه فإن القوانين المعنية، في نظر دول المنابع، فقدت شرعيتها وصارت الحاجة ماسة لتقنين جديد يستوعب المستجدات ويكون عادلا في نظر دول حوض النيل كلها وشعوبها.



    تسلسل القوانين والمعاهدات المتعلقة بمياه النيل:
    I) في 1891 و‘قع بروتوكول بين بريطانيا ممثلة لمصر، وإيطاليا ممثلة لأثيوبيا، تتعهد بموجبه إيطاليا بعدم إقامة أية أعمال على نهر عطبرة لأغراض الري يكون من شأنها تعديل تدفق مياه الرافد لنهر النيل.
    II) في 1902 وقعت اتفاقية بين الحكومة البريطانية ممثلة لمصر، وأثيوبيا.المادة (3) منها تنص على : التزام أثيوبيا بعدم القيام بأية أعمال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط مما يؤدي إلي التأثير على كمية المياه المتدفقة في نهر النيل.
    III) اتفاقية 1929 بين الحكومة المصرية والحكومة البريطانية ممثلة للسودان، ويوغندا، كينيا، وتنزانيا تضمنت النص الآتي:" ألا يقام بغير اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية أعمال ري أو توليد كهرباء ولا تتخذ على النيل وفروعه أو على الخيران التي تتكون منها الفروع سواء في السودان أو في الدول الأخرى الواقعة تحت الإدارة البريطانية يكون من شأنها إنقاص المقدار الذي يصل إلي مصر أو تعديل مواقيت وصوله أو إنقاص منسوبه".
    IV) اتفاق بين مصر والسودان للانتفاع الكامل بمياه النيل عام 1959.
    هذا هو أحدث اتفاقيات مياه النيل ولكنه كان ثنائيا وغير ملزم للدول الأخرى.
    إن موقف الذين يعتبرون هذه البروتوكولات والمعاهدات ملزمة يستند إلي مبدأ عام في القانون الدولي فحواه: أن الاتفاقيات القديمة سارية المفعول من وجهة نظر القانون الدولي حيث تؤكد اتفاقية "فيينا" المبرمة عام 1978 نصا بشأن التوارث الدولي للمعاهدات. جاء في المادتين (11) و(12) من اتفاقية " فيينا" أن الاتفاقيات الخاصة بتحديد ورسم الحدود الدولية أو الخاصة بالوضع الجغرافي الإقليمي تظل سارية المفعول بموجب قاعدة التوارث. ولا يمكن إلغاؤها أو تعديلها إلا باتفاق الدول الموقعة عليها.
    المعاهدات من الناحية القانونية ملزمة. ولكن هنالك عوامل جديدة قلصت شرعيتها أهمها:
    أولا: في الماضي لم تكن دول منابع النيل تحتاج لمياه النيل. ولكن عوامل موضوعية عددناها جعلت هذه الدول تحتاج لحصة في مياه النيل. افتراض أن المياه أمر لا يخص دول أعالي النيل لأنها لم تكن في الماضي مهتمة بنصيبها فيه أو محتاجة له ولذلك فإن أية مطالبة في هذا الصدد إنما هي نوع من المعاكسة لدول أسفل النيل أو التآمر ضدها افتراض غير صحيح. العوامل الجديدة ينبغي أخذها في الحسبان.
    ثانيا: الاتفاقيات القديمة ركزت على حماية حقوق دولة اسفل النيل في المياه الجارية فعلا في النيل. لكن الإدارة الجيدة للموارد المائية لا تقف عند حد توزيع المياه الجارية في المجري النهري بل تتجاوز ذلك لزيادة المياه المتدفقة في المجري النهري. إن زيادة دفق مياه النهر صارت ضرورية لكل دول النيل بما في ذلك دولة المصب.
    ثالثا: دول منابع النيل أعلنت تخليها عن الالتزام بتلك الاتفاقيات بوضوح تام واستعدادها للتفاوض بشأن اتفاق جديد يرضاه الجميع، واستعدادها للتصرف من طرف واحد إذا استحال ذلك الاتفاق. إذا تصرفت تلك الدول من جانب واحد في مياه النيل النابعة في أراضيها لا يبقي من رادع لها إلا القوة العسكرية. إدارة الموارد المائية بالقوة العسكرية في حوض النيل مستحيلة. وحتى إن كانت ممكنة فإنها تفتح باب حروب عصابات في حوض النيل ومنشآت النهر الدولي يسهل تخريبها.
    رابعا: تمت مبادرات للتعاون الفني في حوض النيل. مبادرات تحقق مصالح كبيرة لدول حوض النيل. تلك المبادرات الفنية لا يرجى أن تحقق نفعا إلا إذا صحبها اتفاق سياسي يزيل الخلافات الحالية بشأن موارد النيل المائية.
    في مرحلة لاحقة سوف نفصل المجهودات الفنية القيمة التي تمت في حوض النيل. ولكنها كلها وقفت في طريق مسدود في غياب اتفاق سياسي شامل بشأن موارد النيل المائية.
    خامسا: تطور القانون الدولي بصورة أثمرت أحكاما ومفاهيم عدالية لها تأثيرها على الرأي القانوني والرأي العام العالمي ولا تستطيع علاقات دول حوض النيل أن تغفلها في تناولها لحقوقها في مياه النيل.
    إن إغفال هذه العوامل الخمسة يزيد الغبن في حوض النيل، ويباعد الرؤى بين دوله، ويرشح المنطقة للاضطراب وعدم الاستقرار ويجعل كل حديث عن التعاون حراثة في بحر‍‍!!.

    التعاون الفني في حوض النيل:
    لقد شهد حوض النيل تعاونا فنيا كبيرا بجهد دوله وبجهد المنظمات الدولية والدول المانحة. النشاط الفني في حوض النيل أثمر أدبا واسعا وبرامج جيدة. ولكن في غياب إرادة تعاون سياسية حبست البرامج الفنية في طريق مسدود.
    1- أقامت اتفاقية مياه النيل لعام 1959 بين مصر والسودان هيئة سميت الهيئة الفنية الدائمة. اختصاصاتها:
    I- رسم الخطوط الرئيسية للمشروعات التي تهدف إلي زيادة إيراد النيل والإشراف على البحوث اللازمة لها لوضع المشروعات في صورة كاملة تتقدم بها إلي حكومتي الجمهوريتين لإقرارها.
    II- الإشراف على تنفيذ المشروعات التي تقررها الحكومتان.
    III- تضع الهيئة نظم تشغيل الأعمال التي تقام على النيل داخل حدود السودان وخارجه بالاتفاق مع الدول المعنية.
    IV- تراقب الهيئة المهمة المذكورة في (ت) بواسطة مهندسين من البلدين وكذلك خزان السد العالي وسد أسوان وفي البلدان الأخرى طبقا لما يبرم من اتفاقات معها.
    V- في حالة توالي شح إيراد النيل من المياه مما لا يمكن الدولتين من سحب احتياجاتهما كاملة في أية سنة من السنين فإن على الهيئة أن توصي بما ينبغي اتباعه لمواجهة مثل هذه الحالة.
    هذه المهام ضرورية كما هو واضح ولكن لا تستطيع أن تقوم الهيئة بالمهام المذكورة إذا لم يتوافر لها تعاون دول حوض النيل الأخرى.
    وتعاون دول حوض النيل الأخرى متوقف على اتفاق سياسي شامل بشأن مياه النيل.
    2- وفي عام 1961 بدأت دراسات للموارد المائية وقياس المناخ (هيدرومترولوجية) لحوض البحيرات الاستوائية مشتركة بين مندوبي الهيئة الفنية الدائمة وممثلين عن تنزانيا ويوغندا وكينيا، هدفها تبادل الآراء وتوضيح وجهات النظر في مطالب هذه الدول من مياه النيل. اتفق على إقرار مشروع دراسة الموارد المائية والقياسات المناخية باسم هيدرومت في عام 1967. وتشكلت لجنة فنية من مصر، والسودان، كينيا، يوغندا وتنزانيا. ثم انضمت إليها رواندا، وبوروندي وزائير لمتابعة المشروع. ثم انضمت أثيوبيا لهم كمراقب. مشروع هيدرومت هذا باشر دراسة وارد المياه لبحيرات فكتوريا، البرت، وكيوجا واستمر 25 عاما من 1967 إلي 1992 وجمع معلومات مفيدة وبيانات دقيقة.
    3- في عام 1983 بادرت مصر بالدعوة لتكوين منظمة الاندوجو (الإخاء) وهي فكرة جيدة للتعاون الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي، والثقافي بين دول حوض النيل لتأكيد وضمان تطوير موارد الحوض المائية. إن المنظمة تعبر عن نوايا طيبة ولكن كثيرا من المشاركين فيها يعتقدون أنها تضع العربة أمام الحصان. الخطوة الأولى في نظرهم نحو التعاون الصحيح بين دول حوض النيل هي إبرام اتفاق سياسي شامل بشأن موارد النيل المائية ثم تأتي الخطوات التالية للتعاون والعمل المشترك في حوض النيل.
    و في نوفمبر 1992 اجتمع خبراء من دول منظمة الاندوجو ووقعوا على مذكرة تفاهم ( MOU ) أهم ما ورد فيها: تكوين مجلس وزراء خارجية دول الحوض. وتكوين لجنة فنية. وسكرتارية لمساعدة مجلس السفراء على مهامه.
    مذكرة التفاهم وضعت أمام الاجتماع العاشر الوزاري لدول الاندوجو بمبادرة من لجنة أفريقيا الاقتصادية ( E CA ) ولكن القرار بشأن ما ورد في مذكرة التفاهم أرجئ إلي حين موافقة الجهات السياسية العليا عليها.
    4- ثمة مبادرات كثيرة للتعاون الفني في حوض النيل. مبادرات تقوم بها منظمات دولية وأخرى تدعمها منظمات الأمم المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية، ومنظمة اليونسكو، ولجنة أفريقيا الاقتصادية، والدول المانحة خاصة كندا.
    إن مؤتمر النيل عام 2002 هو واحدة من هذه المبادرات وقد عقد دورته السابعة في القاهرة في مارس 1999. هذه المبادرات جيدة ومفيدة من ناحية ما يقدم فيها من أعمال. ولكن الملاحظ أن الأعمال المتعلقة بالتعاون الفني تفترض تعاونا شاملا في حوض النيل على الصعيد السياسي وهو الآن غائب. الآراء التي تقدم في هذه المؤتمرات وتعبر عن آراء الدول تكشف عن تباين في وجهات النظر السياسية.
    5- هنالك مجموعة من المنظمات الدولية المعنية بقياس الموارد المائية والأحوال المناخية. ومن أهم المنظمات الدولية المختصة بالإحصاءات عن الموارد المائية وقياس المناخ والإنذار المبكر عن توقعات المستقبل منظمة قياس المناخ العالمية.W.M.O. ومن أهم أنشطتها نظام مراقبة دورة الموارد المائية في العالم World Hydrological Cycle Observing System ( WHYCOS ) ويكوس . مهام ويكوس هي تقدير الموارد المائية المتاحة على نطاق أحواض الأنهار لتحقيق التعاون الإقليمي والدولي لإدارة تكاملية للموارد المائية. تتبع ويكوس شبكات إقليمية في كل حوض نهر تسمي هيكوس HYCOS وتتبع لهذه شبكات في كل دولة NATIONAL HYDROLOGICAL SYSTEM نظام البيانات المائية القومي.
    هذا النظام ينشأ من شبكات في كل دولة، ثم شبكات في كل إقليم وحوض، ثم مركز عالمي مربوط بالأقمار الصناعية لتحصيل المعلومات وتحليلها وبثها لإدارات المياه في الدول المختلفة.
    6- وفي الستينيات زاد اهتمام الآسرة الدولية بمشاكل أحواض الأنهار. وساهمت بعض منظمات الأمم المتحدة، منظمة الصحة العالمية (W.H.O.) وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية ( UNDP ) في تكوين مشروع هيدرومت HYDRROMET ( بيانات الموارد المائية وقياسات المناخ) في عام 1967. هذا المشروع ركز على قياس وارد المياه لبحيرة فكتوريا، وكيوجا، والبرت. واستمر لمدة 25 عاما ( 1967- 1992) وجمع معلومات قيمة عن الموارد المائية في تلك البحيرات. وفي ديسمبر 1992 اجتمع وزراء الري لدول حوض النيل وقرروا استمرار التعاون الفني بينهم تحت اسم هيئة جديدة سموها تكونيل TECCONILE (التعاون الفني لتنمية حوض النيل وحماية البيئة الطبيعية).
    وقع على هذا القرار وزراء الري لست دول هي: مصر، السودان، رواندا، تنزانيا، يوغندا، زائير. الدول الأربع الأخرى شاركت كمراقبة.
    هيئة تكونيل قدمت بمساعدة وكالة كندا للتنمية الدولية خطة عمل حوض نهر النيل NRBAP .
    الخطة اشتملت على 22 مشروعا تحت 5 محاور: -
    &#61607; التخطيط والإدارة المشتركة لموارد النيل.
    &#61607; بناء القدرات البشرية للمهام المختلفة.
    &#61607; التدريب.
    &#61607; التعاون الإقليمي.
    &#61607; حماية البيئة.
    و كلفت تكونيل بمتابعة كافة المبادرات المتعلقة بمياه النيل ورفع تقارير دورية لمجلس وزراء الري لدول حوض النيل.
    و في عام 1997 استجاب البنك الدولي بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية ووكالة كندا للتنمية الدولية لطلب مجلس وزراء الري لدول حوض النيل لتنسيق مساهمة الجهات الخارجية لتمويل تنفيذ خطة العمل لحوض نهر النيل (N R B A P) . وتقرر مراجعة الخطة وعمل أولويات لمشروعاتها وتقديم تقرير بذلك لمجلس وزراء الري لدول حوض النيل (C O M ). تمت المراجعة، وقدم التقرير بعنوان مراجعة خطة العمل لحوض نهر النيل من أجل خطة عمل استراتيجية. وقدم التقرير لاجتماع مجلس وزراء الري في مارس 1998.
    شاركت في الاجتماع 8 دول وغابت دولتان. وقرر المجلس الاتفاق على رؤية موحدة وعمل موحد لحوض النيل، وإقامة آلية انتقالية تخلف تكونيل وتشترك فيها كل دول حوض النيل. اتفقوا على هيكل جديد يقوم على مجلس وزراء الري في قمته، ولجنة فنية استشارية (T.A.C) وسكرتارية، ويسمي الهيكل الجديد هذا مبادرة حوض النيل (N B I ).
    و اتفق أن تستهدي هذه المبادرة بالمبدأين الآتيين:-
    &#61607; إن المياه مورد طبيعي للرخاء والاستقرار وأن مياه النيل يجب أن تستخدم للتعاون الإقليمي لا لتكون مصدر نزاع وصدام.
    &#61607; مبادرة حوض النيل تهدف إلي تحقيق تنمية اجتماعية اقتصادية مستدامة عن طريق الاستخدام العادل لمياه النيل والانتفاع العادل من موارده.
    إن مبادرات التعاون الفني في حوض النيل كثيرة. والأنشطة الدولية والثنائية لدعمها عديدة. وما جمعت من معلومات، وبيانات، وإحصاءات وفيرة. ولكن ثلاثين عاما من التعاون الفني الجاد في حوض النيل أثبتت أن التعاون بين دول الحوض جزئي، وأن التعاون الفني مهما خطا من خطوات جيدة يحبسه غياب اتفاق سياسي بين دول حوض النيل. اتفاق سياسي يندفع بالتعاون في حوض النيل إلي غاياته المأمولة. والدعم الدولي والثنائي لمبادرات حوض النيل غير منسق، وغير متابع، وفي غياب الاتفاق الشامل بين دول الحوض لا يحقق الأثر المطلوب.
    الدرس المستفاد من هذه القراءة هو ضرورة الإسراع بتفاوض بين دول حوض النيل لإبرام اتفاق شامل بشأن موارد النيل المائية، وحماية بيئتها، وتنميتها، واستخدامها لرفاهية وتضامن شعوب حوض النيل.

    مراحل تطور القانون الدولي بشأن المياه
    الأنهار العابرة لحدود الدول انهار دولية وهي تهم السلام والتعاون الدوليين من حيث ما يمكن أن يحدث فيها من خصام أو وئام كذلك أنها تهم الأمم المتحدة من حيث ما يمكن أن تعطل أو تفعّل من برامج التنمية الاقتصادية الاجتماعية.
    يوجد في العالم 270 نهرا دوليا مشتركا. ومع أهمية العلاقات بين الدول المتشاطئة على أحواض هذه الأنهار فإن ثمة ثلاث علل ينبغي أن تهتم بها الآسرة الدولية وتعمل على إزالتها هي:-
    العلة الأولى: لا توجد اتفاقيات إقليمية تنظم العلاقة بين دول أحواض هذه الأنهار وتحدد أنصبتها في المياه وتوجب التعاون بينها في أطر محددة إلا في 58 من تلك الأحواض. هذا معناه انه لا توجد الاتفاقيات المعنية في أكثرية أحواض الأنهار الدولية.
    العلة الثانية: يترتب على عدم وجود اتفاقيات شاملة في أحواض الأنهار الدولية عدم وجود هيئات إقليمية تنظم العلاقة بينها وتراقب تنفيذ الأحكام المتفق عليها وتحول دون النزاعات. وتعمل على حلها إن وقعت.
    العلة الثالثة: أحكام القانون الدولي بشأن المياه الدولية فضفاضة. ولا توجد هيئة متخصصة على مستوى الأمم المتحدة للتصدي لمشاكل المياه العذبة في العالم والمساعدة في تحقيق إدارتها بصورة افضل.
    كل النظم القانونية العالمية كالشريعة الإسلامية، والقانون الروماني، ومبادئ العدالة الطبيعية تحتوى على مبادئ عامة للعدالة في تنظيم المصالح المشتركة وتطويرها.
    و في مقاصد الشريعة الإسلامية مقصدان هامان لتناول العدالة في هذا الشأن هما:
    &#61607; المصلحة راجحة.
    &#61607; لا ضرر ولا ضرار.
    شهدت مفاهيم العدالة الدولية المتعلقة بالمياه العذبة التطورات الآتية:-
    1. في عام 1911 بحث معهد القانون الدولي الأمر وجاء في المادة (2) من إعلان مدريد الصادر عنه المبادئ الآتية:
    • لا يجوز إنشاء مشاريع تستهلك كمية كبيرة من المياه.
    • عدم انتهاك حقوق الملاحة في النهر الدولي.
    • لا تجوز إقامة منشآت في دول المصب من شأنها أن تحدث فيضانات في دول المنبع.
    • ضرورة تعيين لجان مشتركة دائمة لدراسة المشاريع المقترحة إقامتها على النهر.
    2. في عام 1956 كونت لجنة لتحديد القانون الدولي في مجال استغلال المياه. وبعد عام أنجزت اللجنة مهمتها وأعلنت المبدأ الآتي: لا يجوز تغيير الوضع الطبيعي للمياه بما يؤدي للإضرار بحقوق الآخرين.
    3. وفي عام 1966 أعلنت قواعد هلسنكي التي نصت على ضرورة عدالة توزيع مياه النهر الدولي. وأوضحت أن العدالة لا تعني توزيع المياه بنسب متساوية وإنما بنسب عادلة تأخذ في الحسبان الأسس الآتية:
    - طبغرافية حوض النهر وبصفة خاصة حجم مياه النهر الواقعة داخل أراضي الدولة المنتفعة.
    - الظروف المناخية المحيطة بحوض النهر.
    - سوابق استعمال مياه النهر فيما مضي إلي حين الاستعمالات الراهنة.
    - الاحتياجات الاقتصادية الاجتماعية لكل دولة من دول الحوض.
    - العنصر السكاني.
    - مدى وجود مصادر مائية أخرى بديلة.
    - ضرورة تجنب الإسراف والإضرار بالدول الأخرى المنتفعة.
    - التكاليف المقارنة للوسائل الأخرى البديلة المطلوبة لسد الاحتياجات الاقتصادية الاجتماعية للدولة المعنية.
    4. و في عام 1979 لخصت لجنة القانون الدولي المبادئ الواسعة القبول كأساس للعدالة في أمر المياه العذبة في 11 مبدأ.
    5. و في السبعينيات لحق بأحكام القانون الدولي في أمر المياه مبدآن هما:
    الأول : أن للدول المتشاطئة على حوض نهر دولي سيادة مشتركة أي سيادة محدودة على النهر الدولي.
    الثاني: توارث المعاهدات الدولية مهما تعاقبت النظم والحكومات.
    6. لمعالجة المشاكل بين دول الحوض الواحد، وتجاوبا مع مفاهيم العدالة الدولية في هذا الصدد أبرمت اتفاقيات إقليمية كثيرة.
    الأنهار الدولية التي تقع في شمال الكرة الأرضية الأكثر تقدما خاضعة لاتفاقيات إقليمية مع أن الشمال لا يعاني من مشكلة مياه عذبة بل أكثرية المياه العذبة في العالم من نصيبه. ولكن الأنهار التي تقع في جنوب الكرة الأرضية هي التي تعاني من قلة الاتفاقيات الإقليمية ودولها هي الأكثر معاناة من شح المياه العذبة!! إن للتخلف أكثر من وجه!!
    هنالك اتفاقيات إقليمية (حوضية) نذكر منها الاتفاقيات الآتية:-
    i. في آسيا توجد اتفاقية نموذجية في حوض الميكونج من حيث الاتفاق على المصالح المشتركة في النهر ومن حيث إدارتها. اتفاقيات نهر الميكونج كانت في: 1957م، 1959م، 1975م، 1978م. وفي 1986 رتب برنامج الأمم المتحدة للتنمية (U N D P) بواسطة سكرتارية هيئة نهر الميكونج دعوة لمسئولين من دول حوض النيل لزيارة بانكوك عاصمة تايلندا للاستفادة من تجارب دول حوض الميكونج في التعاون والعمل المشترك لتنظيم مماثل في حوض النيل.
    ii. وفي فبراير 1964 أبرمت غينيا، مالي، موريتانيا، والسنغال اتفاقا بشأن نهر السنغال.
    iii. في مارس 1972م أبرمت مالي، وموريتانيا، والسنغال اتفاقا بشأن نهر السنغال.
    iv. وفي ديسمبر 1964 أبرمت الكاميرون، وداهومي، وغانا، ومالي، النيجر، نيجيريا، وفولتا العليا، اتفاقية بشأن نهر النيجر.
    v. في 26/10/1963م وفي 25/11/1964م أبرمت النيجر، ومالي، وساحل العاج، ونيجريا، والكامرون، وفولتا العليا، وبنين، وتشاد، وغينيا اتفاقية التعاون المشترك في حوض نهر النيجر، وتمت مراجعة الاتفاقية في الأعوام 1968م، 1973م، و1979م.
    vi. وفي عام 1995 اتجهت دول مجموعة الجنوب الأفريقي للتنمية ( سادك C D A S ) العشر وهي انقولا، بوتسوانا، ليسوتو، مالاوى، موزمبيق، ناميبيا، جنوب أفريقيا، تنزانيا، زامبيا، زمبابوي نحو تعاون اكثر طموحا.
    هنالك 15 نهرا رئيسيا تشترك هذه الدول في حوض أو أكثر من حياض هذه الأنهار ومواردها الكلية 650 مليار متر مكعب. أصدرت الدول العشر بروتوكولا خلاصته:
    • أهمية تنمية الموارد المائية.
    • ضرورة التعاون بين الدول الأعضاء.
    وفي مؤتمر قمة (سادك C D A S ) أقاموا قطاعا للموارد المائية ووحدة للتنسيق في مجال المياه بهدف :" تحقيق تكامل مستدام على المستوى التخطيطي والإداري للموارد المائية المشتركة بما يحقق هدف سادك الأكبر وهو: اقتصاد إقليمي متكامل يقوم على أساس التوازن، العدالة، والنفع المتبادل لكل الدول الأعضاء".
    و في هذا الاتجاه لتحقيق هذه الرؤية عقد مؤتمر مشترك بين سادك والاتحاد الأوروبي بعنوان: مؤتمر لإدارة الأحواض المشتركة في ماسيرو بلوسوتو في عام 1997 صدر منه القرار الآتي:-
    " إن الإقليم يعد خططا مشتركة لأحواض الأنهار الواقعة في إقليم سادك لتحقيق تنمية القطاعات المختلفة بما يكفل مصالح جميع الدول الأعضاء ويعد خططا احتياطية لمواجهة الأزمات والكوارث الطبيعية."
    و في اجتماع وزراء المياه من دول الإقليم في مالاوى في يونيو 1998 تم وضع أول خطة استراتيجية للإقليم سموها: خطة العمل الاستراتيجية من أجل التنمية التكاملية والإدارة المشتركة للمياه في دول منظمة سادك للأعوام (1999 - 2004) أجيزت الخطة في سبتمبر 1998 ووزعت مقترحاتها كمراجع لمؤتمر مائدة مستديرة حضره ممثلون لدول سادك ولشركاء التنمية الدوليين والمانحين ليساهموا في تنفيذ وتمويل خطة العمل الاستراتيجية ذات الأهداف الاستراتيجية السبعة وهي:
    • تطوير النظم والقوانين في كل دولة وفي الإقليم.
    • تحسين إدارة موارد الأنهار على المستوى القطري والإقليمي في مجالات التخطيط والتنسيق.
    • زيادة التنسيق بين سياسات الاقتصاد الكلي والسياسات الاجتماعية والبيئوية.
    • تطوير وسائل جمع البيانات والإحصاءات وإدارتها وبثها للجهات المعنية.
    • زيادة التوعية بالحقائق، والتعليم، والتدريب.
    • توسيع المشاركة الشعبية.
    • الاستثمار في البنية التحتية.
    هذه الأهداف والبيانات الملحقة بها وزعت للمؤتمرين ودرست واتخذت القرارات بشأنها.
    هذه التطورات سوابق مفيدة لدول حوض النيل لشحذ الهمة السياسية للتفاوض من أجل اتفاقية شاملة لدول حوض النيل لتكون دافعا قويا للتعاون والعمل المشترك.
    7. العدالة الدولية بشأن المياه خطت خطوة واسعة في طريق تطورها عندما أجيزت اتفاقية استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية في الجلسة 99 في 21/5/1997 .

    خلاصة ما جاء فيها:
    هذه الاتفاقية تنطلق من مبدأين:
    الأول : الالتزام بالحقوق المتعلقة بالمجري المائي الناشئة عن اتفاقات سابقة.
    الثاني: يجوز للأطراف المعنية أن تنظر في تحقيق اتساق هذه الاتفاقات مع المبادئ الواردة في هذه الاتفاقية.
    المادة الخامسة: تنتفع دول المجري المائي، كل في إقليمها، بالمجري المائي بطريقة منصفة ومعقولة. وتستخدم الدول المعنية المجري المائي وتنميه بغية الانتفاع به بصورة مثلي ومستدامة مع مراعاة مصالح دول المجرى المائي الأخرى.
    تشارك دول المجري المائي في استخدامه وتنميته وحمايته بطريقة منصفة ومعقولة. وتشمل هذه المشاركة حق الانتفاع بالمجري المائي وواجب التعاون في حمايته وتنميته على النحو المنصوص عليه في هذه الاتفاقية.
    المادة السادسة: العوامل ذات الصلة بالانتفاع المنصف المعقول تقتضي اخذ الآتي في الاعتبار:
    I. العوامل الطبيعية، هيدرولوجية، هيدروغرافية، ومناخية وايكولوجية وكافة العوامل الطبيعية.
    II. الحاجات الاقتصادية والاجتماعية لدول المجري المعنية.
    III. السكان الذين يعتمدون على المجري المائي في الدول المعنية.
    IV. الاستخدامات القائمة والمحتملة للمجري المائي.
    V. آثار استخدامات المجري المائي في إحدى دول المجري المائي على غيرها من دول المجري المائي، وحمايتها، وتنميتها، والاقتصاد في استخدامها، وتكاليف التدابير المتخذة في هذا الصدد.
    VI. مدى توافر بدائل ذات قيمة مقارنة لاستخدام معين قائم أو مزمع.
    • يحدد الوزن الممنوح لكل عامل من هذه العوامل وفقا لأهميته بالمقارنة مع العوامل الأخرى ذات الصلة.
    • وعند تحديد ماهية الانتفاع المنصف والمعقول يجب النظر في جميع العوامل ذات الصلة معا والتوصل لاستنتاج على أساسها مجتمعة.
    المادة السابعة: الالتزام بعدم التسبب في ضرر للآخرين.
    المادة الثامنة: ينبغي أن تتعاون دول المجري المائي على أساس المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية والفائدة المتبادلة وحسن النية من اجل الانتفاع الأمثل بالمجري المائي.
    المادة 24 : وجوب التشاور بشأن إنشاء آلية مشتركة لإدارة المجري المائي.
    المادة 33: تسوية المنازعات بين دول المجري المائي تكون عن طريق التحكيم فإن استحال تكون تسوية المنازعات بواسطة محكمة العدل الدولية.
    هذه الاتفاقية ضمت المبادئ السائدة في القانون الدولي بشأن المياه. وأيدتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة 120 دولة. ولكن للأسف انقسمت دول حوض النيل في موقفها من الاتفاقية كالآتي:-
    • السودان وكينيا أيدتا الاتفاقية.
    • بوروندي عارضت الاتفاقية.
    • مصر، وأثيوبيا، ورواندا، وتنزانيا امتنعت عن التصويت.
    • يوغندا، وإريتريا، والكنغو غابت عن الجلسة.
    هكذا يدل موقف دول حوض النيل على اختلافات واسعة لا في تفاصيل الحقوق فحسب ولكن حتى في الأحكام العامة التي اتجه نحوها القانون الدولي بشأن المياه.
    المؤسف حقا هو أن مواقف دول حوض النيل السياسية من أحكام العدالة ومن الحقوق المتعلقة بالموارد المائية مواقف متباينة للغاية هذه إشارة حمراء في حوض النيل.






    نواصللللللللللللللللللللللللل
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de