|
العبـد القصة الحقيقية لفتاة سودانية. فقدت حريتها وناضلت للهروب من العبودية.بقلم-ميند نازر
|
44711 السنة 133-العدد 2009 مايو 6 11 من جمادى الاولى 1430 هـ الأربعاء
الحلقة الأولي العبــــد القصة الحقيقية لفتاة سودانية فقدت حريتهــــــــــــا وناضلت للهروب من العبودية بقلم-ميند نازر عرض وتعليق-مصطفي سامي: تتركز الأضواء علي دارفور, وبسبب ما وقع فيها من مذابح وجرائم, يواجه الرئيس السوداني عمر البشير المحاكمة ومعه عدد من جنرالاته أمام المحكمة الجنائية الدولية, لكن دارفور لا تنفرد دون أقاليم سودانية أخري بذبح رجالها واختطاف نسائها واغتصاب بناتها وبيعهن في سوق العبيد التجارية المحرمة التي انتعشت في السودان, ولم تتدخل حكومة الخرطوم لمنعها ومعاقبة التجار الذين حققوا ثراء منها.
سكان جبال النوبة في وسط السودان يواجهون أيضا الإبادة الجماعية, هناك تعيش قبائل من بينهم عرب وأفارقة وجماعات هاجرت من غرب السودان في مساحة خضراء تمتد140 كم عرضا و64 كم طولا, حياتهم غاية في البدائية, والحكومة المركزية غائبة تماما, ولكنها تأتي إليهم بين حين وآخر لاخضاعهم وتأديبهم وإحراق بيوتهم, وجبال النوبة جزء من إقليم جنوب كردوفان, وهي أراض خضراء يزرعها أهلها بالمحاصيل والخضراوات التي يحتاجون إليها في طعامهم. وهذا الكتاب الذي تصرخ صفحاته من الظلم الفادح والقهر غير الإنساني وغير الأخلاقي لشعب فقير أعزل, تروي فيه كاتبته ميند نازر مأساتها, لقد شحنها أسيادها الذين اشتروها في الخرطوم الي لندن لتواصل الخدمة كعبدة!! في منزل أقاربهم الدبلوماسيين بسفارة السودان في العاصمة البريطانية بدون أجر ولا ساعات عمل محددة أو راحات أسبوعية أو سنوية.. بدون أية حقوق إنسانية!! عاشت ميند ومعناها بلغة أهل النوبة الغزالة حتي الثانية عشرة من عمرها بين أسرتها التي تنتمي الي قبيلة كاركو بجبال النوبة, وكانت تجتهد في دراستها لتصبح طبيبة تعالج أطفال قري بلاد النوبة الذين يموت منهم العشرات بسبب غياب أية رعاية صحية, لكنها فقدت أحلامها ومعها أسرتها عندما باعها المجاهدون لتاجر العبيد الذي نقلها الي الخرطوم, وباعها الي أسرة سودانية مسلمة مثلها ولكنها لا تراعي أي حرمة دينية أو إنسانية, في هذا اليوم بدأت مأساة ويند ومعها مآسي مئات الفتيات من جبال النوبة, لكن ميند كان لديها الشجاعة لتقدم شهادتها وتهرب من عبوديتها, وتحكي قصة دمار شعب كان يعيش مثل فقراء العالم الراضين والقانعين بقدرهم, ويأملون في غد أفضل ومستقبل أكثر إشراقا بعد سلسلة طويلة من القهر الذي التف حول أعناقهم لعدة عقود, لكن الغد جاء أكثر سوادا وأكثر ظلاما, فقد اختطفهم المغاوير أبناء وطنهم وباعوا بنات قري بأكملها الي السادة في الخرطوم وفقدوا كل شئ بعد أن أصبحوا عبيدا... حريتهم وكرامتهم وحقهم في حياة كريمة. في يوم أسود من ربيع عام1994, عادت ميند من مدرستها, وكانت المسافة تقطعها في نحو ساعة سيرا علي الأقدام, كانت صبية سعيدة تعيش مع والديها وأخوتها الأربعة, ولأنها كانت الأصغر بين أخوتها فقد كانت تلقي اهتماما وعطفا زائدا من والدها الذي يعمل طوال اليوم في الغابة في تقطيع الأشجار ليلبي احتياجات الأسرة, كان بيت ميند كوخا من الطين في وسط حديقة صغيرة يزرع فيها والدها الذرة والخضراوات التي تحتاج اليها الأسرة في غذائها, لكن هذا اليوم تحولت الفتاة السعيدة الي واحدة من أكثر بنات العالم بؤسا. عادت ويند من مدرستها, وظلت تستذكر دروسها حتي موعد العشاء, وقامت بتأدية الصلاة مع والديها واخوتها, ثم تناولت العشاء معهم. كان الجميع في منتصف الليل يغطون في نوم عميق, عندما استيقظت ويند علي صوت صرخات في الخارج ونيران برتقالية تندلع ودخان كثيف يغطي القرية, ثم سمعت صوت والدها يصيح النيران.. النيران.. المجاهدون دخلوا القرية, كان المجاهدون ـ كما وصفتهم ويند ـ من العرب الملتحين يلبسون جلابيب بيضاء ويلقون علي البيوت موادا تزيد النيران اشتعالا ويرددون الله أكبر! حاصرت النيران القرية, وأصيب السكان بحالة من الهلع. المجاهدون قتلوا الرجال والنساء بالسيوف والبنادق التي كانوا يحملونها, بينما كانت مجموعة أخري تتولي اختطاف الأطفال, صعد الأب مع ويند الي أعالي الجبل بعد أن فقد آثار زوجته وأبنائه الأربعة الآخرين, لكن ويند وسط أحراش الغابة وجري المئات هربا وفقدت أي أثر لوالدها, فاختطفها مجاهد وحملها علي حصانه, وفي الطريق الي معسكر اللاجئين اغتصب الفارس الطفلة في وحشية ولم ترحمها صرخاتها وتوسلاتها وكان عمرها في ذلك الوقت12 عاما. نقل مئات الأطفال ـ وأعمارهم تتراوح بين8 و15 سنة ـ ومن بينهم ويند الي معسكر اللاجئين في ديلينج, وانفصل الأولاد عن البنات كل في خيمة كبيرة, وكانوا جميعا في حالة اعياء شديد بعد هذه المعركة من أجل البقاء. كان المعسكر يفتقد الحد الأدني من الوسائل الإنسانية للحياة, وبعد بضعة أيام, قدم ضابط سوداني بصحبة رجلين, ووقع اختيار كل منهما علي خمس فتيات جري شحنهن في سيارتين نصف نقل, وكانت ويند مع أربع فتيات من قبيلتها من نصيب عبدالعظيم تاجر الرقيق, وبدأت رحلة العذاب الي الخرطوم التي استغرقت نحو24 ساعة, ووصلوا صباح اليوم التالي الي منزل عبدالعظيم حيث استقبلتهن زوجته جواهر وقد صاحت عند رؤيتهن قائلة: خمس عبدات جميلات! كانت الخرطوم بالنسبة لويند عالما جديدا تماما, فقد خطفت مصابيح الكهرباء والأضواء التي تنبعث من المنازل أبصار الفتيات, فالكهرباء لم تصل حتي الآن الي جبال النوبة. نادت جواهر زوجة عبدالعظيم, علي عائشة[ عبدة تخدم أسرة عبدالعظيم منذ عشرين عاما]! واقتربت عائشة من ويند في المساء وعرفت منها أنها جاءت أيضا مثلها من جبال النوبة, وعلي مدي ثلاثة أيام ظلت الصبايا الخمس يعملن في منزل جواهر, وقبل أن تستغرق ويند في النوم في اليوم الأخير جاءت إليها عائشة بعد أن اطمأنت الي نوم سادتها واحتضنتها وهي تبكي وقالت: انها المرة الأخيرة التي سوف التقي بك, لقد علمت أنك ستنتقلين غدا الي بيت آخر! وفي صباح اليوم التالي انتزعت ويند من زميلاتها الأربع دون أن يسمح لها بوداعهن, وفي حجرة الجلوس التقت بثلاث سيدات سودانيات يتحدثن العربية, واصطحبتها واحدة منهن اسمها رحاب الي سيارتها لتنتقل الي عالم آخر... عالم العبودية والذل وانعدام الرحمة. في منزل رحاب وزوجها مصطفي قضت ويند سبع سنوات شهدت خلالها كل صنوف الهوان, كانت رحاب تناديها يابنت وتعاقبها بالضرب المبرح لأتفه الأسباب, وتذكرت ويند حديث السيدتين العربيتين صديقتي رحاب وهما يودعانها قبل أن تركب سيارتها مع ويند وتهنئتهما لها علي حسن اختيارها للعبدة الجديدة! وحتي ذلك الوقت لم تكن ويند تفهم معني كلمة عبدة! كانت ويند تقوم بكل أعمال الخدمة في المنزل, وتبدأ العمل في السادسة صباحا بإعداد الإفطار والسندويتشات للأطفال قبل ذهابهم الي المدرسة, وحتي غسيل ملابس الأسرة وكيها وطهي الطعام وتنظيف الحديقة, ولم تكن تلق كلمة شكر, بل الضرب المبرح لمزيد من التفاني واتقان العمل, لم تكن تشعر بأنها مثل سائر البشر, ولم تكن السيدات صديقات رحاب اللاتي يزرنها يوجهن لها أي حديث, وقد لاحظت مع مرور السنوات تحولها من صبية الي فتاة جميلة, من خلال نظرات الرجال الخبيثة من ضيوف مصطفي زوج رحاب, وبدأت رحاب تشعر بالقلق من تلك النظرات, وتمنع ويند من ارتداء ملابس تظهر جمالها, وفي احدي السهرات فوجئت بضيف يتسلل سرا الي المطبخ ويحتضنها بعنف ويقبلها, وقاومته وهددته بالصراخ وكانت زوجته من بين الحاضرين علي العشاء, فتراجع وخرج مسرعا تجنبا للفضيحة! فكرت ويند أكثر من مرة في الهروب من جحيم العبودية, لكن كل الأبواب والنوافذ كانت مغلقة بإحكام, ولم يكن يسمح لها بالخروج من المنزل بمفردها. كانت رحاب تزور والدتها مرة كل أسبوعين, وتترك ويند لخدمة الزوج والأطفال حتي تعود في اليوم التالي, وكانت أول مرة تخرج ويند لتري الشارع بعد أربع سنوات عندما اصطحبتها رحاب في زيارة والدتها في كسلا, وقد استغرقت الرحلة في سيارة الاتوبيس من الخرطوم لكسلا سبع ساعات, وقد عادت الي ذاكرة ويند وهي جالسة الي جوار رحاب, رحلة العذاب من معسكر اللاجئين في ديلينج الي الخرطوم في سيارة تاجر الرقيق عبدالعظيم نصف النقل.
صورة من المصدر المصدر http://www.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=repo3.htm&DID=9939
|
|
|
|
|
|